. سطـــور مـــن مـــذكــرات فتــاه .
( لقد تأذيت كثيرًا كوني فتاة ، فقد كان رقمي الفتاة الثامنة وبدون إي إخوة ذكور حتى إنّ عماتي كن يرغبن بتسميتي " نهاية أو كفاية أو ختام "، ولكن أمي وأبي لم يدعانا نحسّ بذلك أبدًا، بل كانا دائمًا يربوننا على ضرورة الاعتماد على أنفسنا دون الاحتياج إلى مساعدة أخ ذكر! وهذا ما برهنّا عليه أنا وشقيقاتي عندما أمسكنا لصًا بمفردنا أنا وأختين لي ـ ونحن صغار ـ، بينما تقاعس أبناء الجيران عن الامساك به !
لقد كان أبي يفرح بالذرية ولدًا أو بنتًا ، ولكن عندما يعرف أنه أنجب بنتًا يقول: ( أشعر أن الدنيا أضاءت بالبشرى ) يعرف أن البنت هي من ستكون له وجاءًا من النار يوم القيامة إن أحسن تربيتها، ألا تكفي هذه ليستبشر بالبنات؟!) [بناتي حياتي، أسماء محفوظ، ص(32)].
كيف كان حــال المرأة قبــل الإســلام ؟!
كثير من الناس يجهلون ما كانت عليه المرأة قبل الإسلام، وربما يسمعون أن الإسلام أنصف المرأة وأنقذها فقط من الوأد والرِقّ، لكنهم لا يعرفون أنّ المرأة كانت في جميع الحضارات مهيضة الجناحلا تقوم لها قائمة ولا يُرفع لها ذكر ولا يرى لها شأن ففي مجتمعات اليونان القديمة كانت تعامل معاملة الرقيق، ومما يؤثر عن فيلسوفهم " أرسطـو " قوله: ( إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به )!
ولم يكن وضع المرأة عند الرومان بأحسن حالًا من أختها عند اليونان، فهي عندهم مملوكة للأب ثم للزوج، مكبلة الحرية مقيدة التصرف، تعامل هي كإرث، ولا ترث أبًا ولا زوجًا.
وعند اليهود كانوا يعتبرون المرأة نجسة خصوصًا أثناء الحيض أو النفاس، لذلك كانوا يعزلونها في مكان وحدها ويبعثوا لها الطعام والشراب مع الخادم الذي يحرص على ألا يمسها حتى لا يتنجس!!
أما في الجزيرة العربية فقد كانت المرأة أحسن حالًا من هؤلاء النسوة ، إلا أن الظلم قد طالها هي الأخرى، فكثير من العرب كانوا يكرهون إنجاب البنات ويغتمون وتسودّ وجوههم إذا ولدت لأحدهم بنت، وبعض القبائل كانوا يئدون بناتهم أي يقتلونهن أحياء بالدفن في التراب! [أخطاء شائعة في تربية البنات، عادل فتحي عبد الله ص(9)].
وفي الإسلام عرفت الفتاة العدل والإنصاف!
ابنتي زهرة
لقد جاء الإسلام وقد بلغ تردي الحال بالمرأة أن بعض الناس ينكرون إنسانيتها، فجاء الإسلام ليؤكد إنسانيتها، ويعلن للعالم كرامتها على ربها إن اتقت وأحسنت، وإذ بآيات القرآن الكريم تتنزل تتوعد من كانوا يئدون المرأة ويسلبونها حقها في الحياة، قال تعالى: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } [التكوير 8-9]، وتعيب على من يتشاءم ويتضايق بإنجاب البنات، قال تعالى:{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [النحل:58- 59]، وتقرر أن الله عز وجل هو الوهّاب المتصرف في خلقه بالرزق والذرية، قال تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49- 50].
يقول ابن القيم في تعليق رائع له على هذه الآية الكريمة، قال رحمه الله:
( قسم الله سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخط ما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث:فقيل جبرًا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل- وهو أحسن- إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه سبحانه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوين! فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبًا وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان. وعندي وجه آخر: وهو أنه قدّم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدونهن، أي:هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذِكر، وتأمّل كيف نكّر الله سبحانه الإناث وعرّف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف ). [أحكام المولود، ابن القيم، ص(20)].
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالبنت وحفاوته بها!
أما الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقد رفع مكانة المرأة المسلمة وانتصر لها، مبينًا ذلك أحسن البيان بقوله وفعله، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لا تَكْرهوا البنات؛ فإنهن المؤنسات الغاليات) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة للألباني، رقم(3206)].
وكانت سيرته مع بناته وزوجاته نموذجًا عمليًا رائعًا في احترام المرأة وتقديرها، وحسن معاملتها، فقد أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديًثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه ) [صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، (947)].
الأجر العظيم في تربية البنات!
لم تقف الشريعة في مواجهة النفس البشرية لتعاكسها وإنما لتهذبها، وتأخذ بناصيتها إلى الحق والعدل، يظهر ذلك بوضوح تام لمن يتأمل في ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا فضل تربية البنات والإحسان إليهن، قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ـ يعني السبابة والوسطى ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم(1026)].
وذلك من أجل أن تكون القاعدة هي إزالة لاتصور الفاسد عن البنات وعدم الكراهية لهن، وإحلال الحب لما أحبه الله تعالى ووهبه للوالدين وأن الخير فيما يختاره الله للعبد لا فيما يختاره العبد لنفسه. [منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد، ص(191)]، وتحقيقًا لإنصاف المرأة والإنتصار لها بعد ما عانته من ذل وهوان، وتغيير الصورة الذهنية عن المرأة في عقل المجتمع الجاهلي وقتئذ، إضافة إلى ترغيب النفوس في تربية البنات والفرح بإنجابهن لما يترتب على رعايتهم من الثواب العظيم.
ونالت من الحقوق حتى صارت ملكة متوجة !
- فقد حفظ حياتها من الوأد، وجعل الإحسان إليها من أفضل الطاعات والقربات.
- أثبت حقها في الميراث كما للرجل، قال تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } [النساء: 20].
- كفل الإسلام لها الحقوق المادية كالرجل سواءًا بسواء، فأصبح لها الحق في التملك والتصرف والدفاع عن مالها ونفسها بالتقاضي، وشرع لها حق الوصية، والبيع والشراء والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة.
- شدد الوعيد على من اعتدى على حقها أو ظلمها، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم إني أحرّج حقّ الضعيفين اليتيم والمرأة ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (1015)].
- جعل لها حق قبول الخاطب أو رفضه، وليس لوليها إجبارها على من لا تريد الزواج منه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) [رواه البخاري ومسلم].
- راعى الإسلام حق أمومتها؛ فأمر ببرها والإحسان إليها، وأوجب لها النفقة على من يعولها من الرجال في كل مراحل حياتها، ابنة، وزوجةً، وأمًا.
- راعى الإسلام ضعفها البدني؛ فلم يوجب عليها الجهاد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: ( نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة ) [صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (2901)].
- وحتى المرأة الغير مسلمة حظيت في الإسلام بالعدل والرحمة، فقد نهى الإسلام عن قتل المرأة في الحروب، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ( أن امرأة وجدت مقتولة في بعض مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ) [رواه البخري ومسلم].
- وأعظم من ذلك كله المساواة بالرجال في الجزاء الأخروي أمام الله سبحانه وتعالى، فهي مخاطبة بالتكاليف الشرعية ومسئولة عنها، نائلةً جزاء عملها من ثواب أو عقاب، قال تعالى:{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران: 195]. [رحلة إلى قلب ابنتي، محمد سعد جاد الله، ص(20) بتصرف].
وفي الختامأقول لكم:
لقد أسفر نور الإسلام، فافترَّ ثغر الدهر لنساء العرب عن جو مشرق، وأمل بعيد، وأسلوب للحياة جديد، ونعمت المرأة في ظله بالكرامة، ونهلت من معين العلم، وشُرع لها من الحقوق ما لم يشرع للمرأة في عصر من العصور، تلك هي المرأة التي وثب الإسلام بها، ووثبت به، فأخملت من بين يديها، وأعجزت من خلفها، فلم تشبهها امرأة من نساء العالمين في جلال حياتها وسناء منزلتها. [عودة الحجاب، محمد إسماعيل، (2 74)].
للكَـاتبـة / سحـرِ محمّـد يُسـرِي
المصادر: ( تخص الكاتبة )
• منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد.
• الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري.
• أخطاء شائعة في تربية البنات، عادل فتحي عبد الله.
• رحلة إلى قلب ابنتي، محمد سعد جاد الله.
• بناتي حياتي، أسماء محفوظ.
• عودة الحجاب، د.محمد اسماعيل المقدم.
منقــــول للفــــائــده
أرق تحيــاتي / خـلــــود
ikdzh glk Hk[f tjhm ikdzh gJJi fkulm hgfkhj >!!