التقييم الذاتي والتغذية المرتدة
العديد منا يمضي قدماً في حياته سائراً واثق الخطى مكتفياً بقناعته بنفسه وصدق ما يقوله وما يفعله وصحة دربه ومسلكه ونهجه وذلك بناءً على تقييمه لذاته وغالباً ما يكون هذا التقييم من منطلق حبه لذاته وغير حيادي لأنه يصعب علينا أن نحيد أنفسنا عن أنفسنا فيكون الحكم والتقييم من الأنا وحب الأنا والمحافظة على الأنا وتعزيز الأنا .
نقول ونفعل ثم نبحث عن المبررات والأعذار والتفاسير لتأكيد صحة ما قلنا أو فعلنا ولا بد وأن نجد طرف خيط أو علة نرتكز عليها لتدعيم وتقييم أفعالنا وأعمالنا وإسباغها بالمصداقية والشرعية والايجابية وما حدا بيقول عن زيتو عكر والجمل ما بيشوف عوج ظهره !
أما ما يحكم به الغير على ما نقول ونفعل فهو أمر ثانوي غالباً ما لا نحمله على محمل الجد بل نسارع إلى الدفاع المستميت عن النتائج ونقوم بتفنيد كل المواقف المعارضة والانتقادات ولا نتكرم على أنفسنا بلحظة فحص ومراجعة وتفكير بآراء وملاحظات الآخرين ومواقفهم بل نتهمهم بالغيرة والحسد والعرقلة ومحاولة الإفشال والإحباط .
تقييمنا لذاتنا وقناعاتنا تكفينا ولا نقبل أي شيء سوى ذلك حتى لو اجتمع كل البشر على شيء لقلت أنا على حق وما خلا ذلك فهو باطل .
وكيف نقيس نجاحاتنا ؟
ليس لدينا القدرة على تقبل النقد ولا نقبل بالمعارضة ولا نملك مهارات الاستماع والاعتراف والرجوع عن الخطاً مع أنها فضيلة إلا أننا تنازلنا عن هذا النوع من الفضائل .
كلنا نقول أنا على صواب مهما كانت النتائج , كلنا يؤمن بصدق عمله مهما كان ظاهراً للعيان تقاعسه وتخليه وقلة مردوده .
ولكننا لدينا بالمقابل القدرة على النقد , نقد الغير , ونبرع في ذلك ونبدع , ونبرهن ونثبت ونعلل ونقلل من نجاحات الغير حتى لو كانت كعين الشمس لا يحجبها ألف غربال , هذا إن لم نحكم عليها بالإعدام فشلاً ونعلق لها مقصلة .
ألم يجدر بنا أن نكون مرايا لبعضنا البعض , نتناقش ونرى العيوب والزلات والأخطاء ونعمل على إصلاحها بدلاً من الطعن والرشق والنعت والاستهزاء والاستخفاف وكذا نرى الصواب والايجابيات وندعمها ونشجعها ونقدرها ونثني عليها .
ولقد سميت سورة من سور القرآن بسورة " الشورى" تنويهاً بمكانة الشورى في الإِسلام، وتعليماً للمؤمنين أن يقيموا حياتهم على هذا المنهج الأمثل الأكمل "منهج الشورى" لما له من أثر عظيم جليل في حياة الفرد والمجتمع كما قال تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }.
وهذا هو خير دليل على أهمية وضرورة التخطيط والدراسة والتقييم واستخلاص النتائج والعبر وهذا يتطلب منا أن ننزع الغل والحقد والحسد من قلوبنا ونملأها بالمحبة لكل الناس حتى يعلم الجميع أنهم أحب إلينا من أنفسنا ولنجعل أمرنا شورى بيننا ولا يستخف احد منا بالأخر فعسى أن يكون خيرا منه ولا نجعل للفتنة والخلاف مكاناً في صفوفنا وليوقر كلا منا الأخر ولنكن على يقين بأن العزة لله يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين.
عندما تكون هذه محور انطلاقتنا يصبح حكمنا على الأمور حكماً شمولياً وليس فردياً ويكون مبلغ همنا وحرصنا على نجاحنا كمجموعات وليس كأفراد ويكون تقييمنا لذواتنا نابع من تقييمنا وتقييم غيرنا لنا وتقبل النقد بروح عالية وبعقلانية بعيدة عن المشاعر والأحاسيس وفي نفس الوقت تكون التغذية المرتدة بمثابة إثراء وتدعيم بعيداً عن التجريح والخدش والإهانة والاستخفاف ووسيلة للنيل من الطرف الآخر وأداة للتربص وتحين الفرص للانتقام أو للثأر .
لقد خطب الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس عندما تولى الخلافة قائلا: (إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني. فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد عمر على أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه.
إن خطورة الاكتفاء بالتقييم الذاتي ورفض التغذية المرتدة وعدم تقبل ملاحظات وانتقادات الغير هي أكبر دليل على مسلك الفرد المغرور الذي يعتقد بأنه لا يخطئ وأنه ليس بحاجة إلى سماع رأي الآخر وتقبل الرأي الآخر لأنه ليس هناك من أحد معصوم منا عن الخطأ إلا الذين لا يعملون ولا يقولون ولا يفعلون فهم حتماً لا يخطئون إلا خطأ واحداً وهو أنهم لا يؤدون أي دور في محيطهم ومجتمعهم ولشعبهم وأمتهم وللعالم أجمع .
علينا أن نسعى لسماع ملاحظات الآخرين وردود فعل الآخرين وانتقادات الآخرين وتقبلها بايجابية وحذر , ندرسها ونغربلها وندع ما هو ليس موضوعياً أو ما يتخلله المراءاة والتصفيق والثناء والتذبذب والمداراة ونستخلص ما كان حكمه موضوعياً بلا محاباة ولا رياء ونفاق ومجاملة .
يجب أن يكون حكمنا على الأمور حكماً صادقاً واقعياً حتى يكون التقييم الذاتي أداة فعالة فيها حساب النفس والمراجعة ونتوخى فيها الخير لا لأنفسنا فقط وإنما للجميع .
ويجب أن يكون حكمنا على الأمور حكماً صادقاً واقعياً حتى تكون التغذية المرتدة بمثابة تدعيم وتقييم وتقويم لما فيه الخير للجميع .
hgjrddl hg`hjd ,hgjy`dm hglvj]m