الملاحظات
صفحة 1 من 6 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 58

الموضوع: رواية تناديني سيدي

♪♪♪ الملخص سألها: " أيمكنك مقاومة من يريدك؟". فسألته بدورها" ومن يريدني؟". وعندها شعرت أنها أصبحت ضعيفة كالماء بين ذراعي المركيز. "أنني هربت من كينيث امام اصدقائه,

  1. #1 رواية تناديني سيدي 
    المشاركات
    3,260




    الملخص
    سألها:
    " أيمكنك مقاومة من يريدك؟".
    فسألته بدورها" ومن يريدني؟".
    وعندها شعرت أنها أصبحت ضعيفة كالماء بين ذراعي المركيز.
    "أنني هربت من كينيث امام اصدقائه, كذلك عرف ريك أننا أمضينا ليلة الضباب معا. أو هو عرف على الاقل أنني كنت ليلتها مع رجل".
    " ألم تقولي له أنني كنت ذلك الرجل؟".
    "ماكنت لأستطيع وإلاعلمت الجزيرة كلها وتوقعت زواجك مني".
    " إذا لم توافقي على زواجنا فسأعمل على أن تعلم الجزيرة كلها لأنني أريدك, ولأنك بالنسبة الي فتنة العالم كله".
    احتجت قائلة : "وهل يتزوج المركيز من خادمة؟ ".
    اجاب باعتزاز: " هذا المركيز يفعل تماما مايريده".
    كان في إمكانها أن تهرب. وقد هربت الآن جرفها البحر وهي في قميص النجاة أشبه بحطام سفينة , تكاد تموت بردا وذعرا , والظلام يزحف حولها , وضاعت نظارتها التي كانت أيدا ساندل تصر على أنها ضرورية لها , وأنطلق شعرها من عقدته المحبوكة في مؤخرة عنقها , وألتصق ثوبه الصوفي بجسمها النحيل , وشعرت بالدوار كطفل إستبد به النعاس.
    ترى هل يغشاها النوم الأبدي الذي لا صحوة منه؟ وهل ستحظى ثانية بشبح الفارس الطويل القوي يضمها بين ذراعيه ويقول لها أنها ستصبح أميرة في قلعتها الخاصة؟ وبينما الأمواج تغطيها تساءلت هل رواية تناديني سيدي 121230193633iJmU.gifن ذلك مؤلما؟ لم تسمع في الليل غير دقات هي بالتأكيد دقات قلبها ترن في أذنيها وتشتد , وفجأة أصبح كل شيء مجرد أمواج كثيرة تطوقها في مثل بياض البرق.
    صرخ أحدهم وأمواج أخرى كثيرة تغطيها وتخنقها , ثم , صوت لطمة على الماء تقترب منها , ويدان من حديد تطبقان عليها , ولغة لم تستطع فهمها , وأحست برجل يمسك بها وهي تتعلّق به كأنه صخرة في البحر المضطرب.
    إستيقظت أيفين فيما بعد لتجد نفسها متدثرة بأغطية في مضجع حجرة صغيرة , كانت ترقد مذهولة وتشعر بحركة الزورق , وبدفء جميل يسري في أطرافها , وكان معنى هذا أنها في أمان ولم تغرق.
    وأتسعت عيناها حينما أنفتح باب الحجرة ودخل رجل يرتدي قميصا صوفيا سميكا عالي الرقبة , كان نحيل الوجه أسمر البشرة أقبل ناحية المضجع وأنحنى فوقها وتأمل وجهها بعينيه السوداوين وسألها بالأسبانية عن حالها.
    لم تفهم قوله أبتسمت له , أنه الشاب الذي أنتشلها من البحر وأنقذها , وبكل أمتنان قالت :
    " شكرا لك".
    أبتسم لها كذلك وتركها تستريح من محنتها , كان وسيما قوي البنية كأنما لا شيء يخيفه , وأدركت أن فارسها البحار المنقذ أسباني لطيف.
    وصل الزورق إلى الميناء مع طلوع الفجر , وقدّم لها البحار أبريق قهوة ساخنا وقميصا صوفيا وبنطلونا من الجينز وما أن أرتدتهما حتى كانت الشمس تنفذ من كوة الحجرة , وبنظرة إلى الخارج تبينت أيفين وسوّ الزورق عند شاطىء أشبه بحاجز رصيف ناتىء , كما تبيّنت أن الرائحة التي تفوح في الهواء هي رائحة أشجار صنوبر عالية قريبة من الشاطىء , صعدت سلما ضيقا إلى سطح الزورق , كان زورق صيد بمحرك آلي , ألتصق برصيف الميناء الحجري , وكانت على الرصيف فتاة تداعب نسمات الصباح بأطراف شالها الذي غطّت به رأسها , تحملق بالزورق عندما قفز منه منقذ أيفين وأحتواها بين ذراعيه , تعلّق كل منهما بالآخر , وراحت أيفين تراقبهما وهي تحس بشعور الوحدة ينتابها.
    أنتظرت أيفين بضع دقائق , ثم مشت فوق الزورق بأتجاه الرصيف حيث أمتدت إليها يد الشاب القوية , كان شعرها قد جفّ ولمع من أثر الملح وأنسدل على كتفيها , وقميصها المستعار يتدلى فوق الجينز , وبدت كشريدة عصفت بها الأمواج.
    تطلعت إليها المرأة ذات الشال بفضول , كانت جميلة وسمراء كالشاب البحار , وإبتسمت أيفين عندما قدم لها المرأة ببساطة قائلا بالأسبانية :
    " زوجتي ماري لويز".
    الآن بعد زوال الدوار فهمت أيفين قوله , أذ عادت تتذكر بعض الكلمات الأسبانية التي تعلمتها مع أيدا ساندل , وأبتسمت شبه إبتسامة حين أدركت أن فارسها المنقذ رجل متزوج سعيد!
    رافقت الزوجين إلى بيتهما القائم بجدرانه البيضاء وسط أشجار الصنوبر , وهناك كان طفلهما ينام في سريره , غير بعيد عن أكواز الصنوبر والخشب المشتعل في المدفأة , وتحدّثت ماري ليز مع زوجها , فأستأذن وخرج من المطبخ.
    سمعتها أيفين تقول لزوجها :
    " أمريتو أتصل بالسيد الكبير".
    وتطلّعت أيفين ألى ماري ليز التي كانت تعد المائدة وسمعتها تقول ثانية :
    " السيد الكبير , حدثه يا أمريتو عن السيدة الأنكليزية , أفهمت ؟".
    يبدو أن أمريتو على وشك أن يسلمها إلى سيد كبير في هذه المنطقة , تأملت أيفين الطفل النائم في مهده بإعجاب , وأكلت البيض المقلي الذي أعدته لها ماري ليز , وكانت تتناول فنجان قهوة حينما عاد أمريتو وأفهمها أن سيارة ستأتي لتنقلها إلى قصر السيد الكبير.
    نظرت أيفين من النافذة وتساءلت :
    " أين أنا ؟ أي جزء من أسبانيا هذا؟"
    أخذت ماري ليز تهدهد إبنها بين ذراعيها , وتركت لزوجها الشاب مهمة الأجابة , وعلمت أيفين بشيء من الذهول والذعر أنه جيء بها إلى جزيرة على الساحل الأسباني تدعى , جزيرة دي ليون.
    وما أن أستوعبت الحقيقة المذهلة , حتى سمعت صوت سيارة تتوقف خارج البيت , وفتح أمريتو الباب وخرجت أيفين إلى نور الشمس الذي كان يتخلل الشجر ويسطع على هيكل السيارة الرابضة هناك , سيارة ليموزين عليها شعار أسد فضي في مقدمتها وهلال على أبوابها , وألتقطت أيفين أنفاسها , إن آل ساندل لم يركبوا سيارات مثلها , ولم يكونوا من الأهمية بحيث يكون لهم شعار أو نبالة.
    برز من وراء مقود السيارة سائق في بدلة ملونة وفتح الباب , إبتسمت أيفين وهي تودّع الزوجين وشكرت أمريتو قائلة:
    " أنت أنقذتني ولساني عاجز عن شكرك بما فيه الكفاية".
    رد أمريتو :
    " في رعاية الله".
    قبّلت أيفين خصلات شعر الطفل , وأرتمت داخل سيارة الليموزين , شعرت بنعومة مقاعدها المخملية وأمتلأت بالزهو , أنها لم تحلم أبدا بأن تقذفها الأمواج ألى جزيرة وتركب سيارة يقودها سائق خاص , كانت السيارة مزودة أيضا بسجادة تحت قدميها ووسادة خلف رأسها فجلست في غاية الراحة , وأخذت السيارة تترك طريق الغابة وتصعد في طريق جبلي دائري.
    وأخيرا توقفت السيارة , وفتنها المنظر الطبيعي ولمعان البحر الذي يلف جزيرة دي ليون , من يكون دي ليون هذا , أيمكن أن تكون جالسة في سيارته التي أخذتها إلى قصره ؟ كانت تسمع عن بعض النبلاء الأسبان الذين لا يزالون يعيشون كاللوردات الأقطاعيين في هذه المناطق النائية , أن زوجة البحار الذي أنقذها كانت تسمي الرجل الذي استدعاها بالسيد الكبير.
    فجأة أمسكت أيفين مقبض باب السيارة الداخلي الفضي , وأحست بطعنة من الشك والخوف , أرادت أن تطلب من السائق أن يعيدها إلى عائلة أمريتو الطيبة التي تعيش في كوخها الوديع , ولكن لغتها الأسبانية لا تسعفها , فهي لا تعرف غير كلمات وعبارات قليلة, وليس من بينها : ( أوقف السيارة , أريد الخروج من هنا ).
    حملقت من نافذة السيارة , ورأت صخور الشاطىء وشجر الصنوبر والصمغ , ومسحة ذهبية تعلة الجبال البعيدة , وزرقة أخاذة لمياه البحر .
    كان البحر الذي وقعت فيه الليلة الماضية مخيفا , أما الآن فهو أشبه ببركة مملوءة بياقوت أزرق , وحين نظرت إلى المياه البعيدة لحظة زاد صعود السيارة إلى أعلى التل , فكرت في حال مخدومتها أيدا ساندل , هل نجت؟ وهل ستسعى للأستعلام عن خادمتها أيفين بلغريم؟






    v,hdm jkh]dkd sd]d







    رد مع اقتباس  

  2. #2  
    المشاركات
    3,260




    أيفين تعرف أن إسمها الأول غريب , قال لها أبوها أنه أختاره من كتاب حكايات خرافية , ولم تكن أبدا ساندل تحب إسم أيفين الخرافي , لهذا كانت تناديها دائما بأسمها العائلي , كانتتقول لها:
    ط دلكي رقبتي يا بلغريم , خذي الكلب إلى الحديقة يا بلغريم ".
    صحيح أن الرحلة البحرية الأخيرة بدت مثيرة , ولكن ما من شيء تغيّر بالنسبة إلى أيفين على ظهر الباخر , إلى أن دوّت صفارات الأنذار ومال قارب النجاة ووقعت في البحر الذي قذفها قريبا من شاطىء تلك الجزيرة فأنقذها البحار الأسباني الشاب.
    جزيرة دي ليون , أمتلأت عيناها العسليتان بالعجب , كيف لها أن تنسى الحكاية الخرافية التي أختار أبوها أسمها منها , أيفين كما تقول الحكاية فتاة أعانها أسد في صراعها مع التنين!
    حينما تمهّلت السيارة في منعطف بالطريق الحلزوني , لمحت أيفين أبراج قلعة أشبه بقلاع القصص الأسبانية فأحست بأشتداد دقاق قلبها وهي تتأمل روعة المكان , كانت القلعة أشبه بسجادة ساحرة , أراجها تشق السماء الزرقاء الذهبية , وفوق أحد الأبراج يرفرف علم عائلي , والألوان الذهبية والقرمزية تنتشر مع الريح والشمس.
    تنفست أيفين بهدوء , لم يكن حلما لأنها أحست بالريح على خديها , وشمّت رائحة شجر الصنوبر وملح البحر في الهواء , لم يكن حلما لأن السيارة دخلت إلى فناء القلعة , ورأت أيفين تمثال أسد حجري يعلو المدخل.
    دارت السيارة حول بئر حجرية وسط الفناء , ثم توقفت أسفل سلم يؤدي إلى بهو , ونزل السائق وفتح باب السيارة المجاور لأيفين , فأسرعت بالخروج وراحت تتأمل السلم وشعار النبالة الذي يعلو البهو.
    أنها تدخل بيت أسرة عريقة ,ولا بد أنه يحفل بالمحبة والأطفال .
    قال السائق وهو يشير إلى باب من الحديد المشغول في جدار الفناء:
    " أسمحي لي".
    وفتح البوابة ودخلت أيفين إلى باحة مرصوفة بهرتها , خيّل إليها أنها تمشي داخل لوحة , وأحست أنها بهذه الثياب الغريبة تبدو شاذّة وسط الزهور العطرة التي تملأ الباحة حول النافورة , والورود التي تلتف حول أعمدة الممشى , قالت:
    " ما أحلى الزهور والورود!".
    أجاب السائق بأدب:
    " حقا يا سيدتي , سيد القلعة رجل غني للغاية".
    راحت تسير إلى حيث يقودها السائق عبر باب زجاجي مفتوح على قاعة ثم نحو سلم فخم من الرخام والحديد المشغول.
    توقف السائق أمام باب مزدوج من الخشب المحفور , وطرق الباب مستأذنا وأمسك بالمقبض البرونزي وفتحه تاركا أيفين تدخل الغرفة وحدها.
    وقفت أيفين مشدوهة عند العتبة تتأمل أثاث الغرفة الكلاسيسكية وسقفها وجدرانها المكسوة بألواح الخشب البنيّة اللامعة , وكانت على الجدران لوحات أسبانية ذات أطارات مذهبة , وكذلك سجادة حريرة عليها صورة طفل.

    خطت خطوة إلى الأمام , وفي الحال أنغلق الباب وراءها وأتسعت حدقتاها حين تركزتا على السيد الطويل القامة الذي وقف ينظر إليها عند أحدى النوافذ , كان يدخن سيكارا رفيعا , وبدت لها ملامحه كالنسر وعيناه لامعتين باردتين , وكانت عظام خديه تضفي على وجهه مسحة شيطانية , وأنفه الكبير يتناسب مع فمه المهيب , وقف بلا حراك قبالة النافذة ذات الزجاج الملون , بلفه السكون ودخان سيكاره , وشعاع من الضوء الياقوتي يتلاعب فوق شعره الأسود الكثيف الذي تتخلله بضع شعرات فضية.
    كان أسبانيا مرموقا فيه نبل وتحفظ وحزن, يرتدي ثيابا حيكت بمنتهى الدقة , مما زاد في شعور أيفين بغرابة ثيابها.
    أخذ السيد يقيّمها من رأسها حتى قدميها , وتعقّدت أصابعها بعصبية فوق بنطلونها الجينز الذي طوت ساقيه من فرط طولهما , وأنبهرت لعظمة الرجل وفخامة محيطه , ولم تجد في تلك اللحظة , الشجاعة لتفتح الباب وتلوذ بالهرب من عينيه العميقتين وفمه الذي لا يعرف الأبتسام على ما يبدو.
    " أنت الفتاة التي أنقذها مريتو من المحيط؟".
    " نعم".
    قالتها وقد أنخلع قلبها من الأثارة , ومع أنها كانت تعلم قبل أن يتحدث أن صوته ن عميقا ومغناطيسيا , فأنها لم تكن تعرف أنه سيحدثها بأنكليزية صحيحة تماما مع لكنة أسبانية , كان صوته ساحرا قويا كنظرته.
    " ما أسمك؟".
    " أسمي. أسمي أيفين بلغريم يا سيدي".
    أشار إلى كرسي مخملي عالي الظهر وقال:
    " أجلسي لنتحدث".
    سرّها أن تجلس قبل أن تخونها ساقاها , كانت ترتعش , لم تشعر أبدا في حياتها هكذا . بالتأكيد هذا هو الخوف من أول نظرة!
    أبتعد عن النافذة ولاحظت أنه يمشي مستعينا بعصا سوداء , وأن ساقه اليسرى ليست على ما يرام, وعندما وصل إلى المدفأة التي يعلوها شعار عائلته أنحنى أنحناءة بسيطة وقال بصوت عميق يفرض الطاعة:
    " أنا دون خوان دي كونك واراندا , المركيز دي ليون".
    شعرت بالأغماء بعد سماع إسمه الرنان , هو أذن مركيز الجزيرة , لورد أقطاعي يحكم من قلعته , ولعّل كلمته هنا هي القانون ".
    " عندنا مثل يا آنسة بلغريم يقول : الأسباني قد يجرحك ولكنه لن يسلخ جلدك على الفور , لا تنظري إليّ بمثل هذا الأضطراب!".
    زاد أضطرابها عن قبل أذ أصبح الآن على مقربة منها وقد تركزت عيناه على وجهها وعلى فمها الذي لم يمسه رجل.
    سألها:
    " ألا يعجبك بيتي يا آنسة ؟ كثيرون يجدونه جميلا ببرجه البحري , وبساتين لوزه , ونافورة باحته".
    أجابته :
    " بيتك قلعة يا سيدي".
    كرر بسخرية :
    " بيتي قلعة ". وسأل : " ألم تدخلي قلعة من قبل؟".
    أجابت أيفين وقد خفضت ذقنها :
    " كلا يا سيدي , ماذا تفعل مرافقة مثلي في قلعة؟".
    لمس بأصبعه الورود المنسقة في مزهرية فوق المدفئة الرخامية وأمتزج عبير الورود برائحة دخان سيكاره , وقال :
    " حقا , ماذا تفعل؟ ". وأستطرد سائلا: " كم عمرك يا آنسة بلغريم؟".
    جلست مبهوتة , فسؤال كهذا لا يسأله رجل من مواطنيها على هذا النحو المباشر , وقطب هو جبينه , وتذكرت أنه أذا سأل المركيز دي ليون سؤالا فعليها الأجابة بدون تردد , بغض النظر عن خصوصية السؤال.
    " في التاسعة عشرة يا سيدي".
    " حسبتك أصغر".
    وأخذت عيناه تتفحص قوامها النحيل في الثياب الفضفاضة التي أعطاها إياها أمريتو , وأبتعد عن المدفأة وعرج بأتجاه طاولة صغيرة فوقها صحن عنب حباته كالذهب , وأخذ الصحن وناوله إلى أيفين , وقال :
    " أنت صغيرة ويحسن بك أن تكثري من الفاكهة ".
    وأرتسمت على شفتيه إبتسامة باهتة وأضاف:
    " أنها من كروم القلعة".
    كانت حبات العنب لذيذة , ولكن أيفين شعرت بالخجل بسبب العينين السوداوين اللتين تتطلّعان إليها وقد تناولت ثلاث حبات أو أربع.
    سألها وقد وقف أمام الصورة وهو يتكىء بشدة على عصاه:
    " هل أطعمك أمريتو؟".
    لاحظت أيفين أن ساقة تؤلمه , وأن فمه الجميل يعلوه حزن يقربه منها .
    " زوجته قدمت لي أفطارا يا سيدي كان مصيري الموت لولا أمريتو".
    قال وهو يتأملها من خلال دخان سيكاره :
    " أهدأي , كان شيئا لا يصدق بالنسبة إليك , كان كابوسا وعليك نسيانه".
    " كان الناس يصرخون والسفينة تغرق!".
    " لعل كثيرين منهم قد نجوا مثلك".
    " كنت أسافر كمرافقة للسيدة ساندل , وأتساءل".
    " أذا كانت هي أيضا قد نجت؟".
    " نعم يا سيدي".











    رد مع اقتباس  

  3. #3  
    المشاركات
    3,260




    قالت أيفين ذلك وقد أتسعت عيناها من الأسى , صحيح أنها لم تشعر أبدا بمحبة كبيرة لسيدتها , ولكنها عرفت تجربة الغرق في المحيط المظلم والخوف يزحف إلى قلبها.
    " سأطلب الأستفسار عنها ". ثم نظر إليها وإستطرد : " أتودين العودة إليها أذا كانت قد نجت؟".
    " كلا!". أنطلقت الكلمة قبل أن تتمكن من كتمانها : " أظن أنه يتوجب عليّ ذلك فلا شيء لديّ , لا ثياب ولا مال".
    " هل تفضلين البقاء هنا".
    لم تصدق أيفين أنها سمعت العبارة صحيحة , ولكنها في لمح البصر وكأنما هزّها إنفجار قنبلة أيقنت أنها سمعتها بوضوح تام , وتطلعت إليه بحيرة لتفهم دعوته , هو مركيز وهي مجرد مرافقة , أتراه يعرض عليها وظيفة خادمة في القلعة؟ فسألته بصوت خافت:
    " أتسمح لي بالعمل هنا يا سيدي؟".
    مرة أخرى إرتسمت الأبتسامة المقتضبة على شفتيه وقال:
    كلا يا آنسة , أنا أدعوك للبقاء هنا فترة , أن خدمي كلهم من الرجال بأستثناء مدبرة المنزل".
    " ولكن".
    رفع حاجبيه وقال:
    " ولكن مناذا , كان واضحا أنك غير راغبة تماما في العودة إلى عملك السابق , ألا تفضلين البقاء هنا في القلعة؟".
    سألته وهي تشعر بشيء من العذاب:
    " بأية صفة؟".
    " بصفة ضيفتي يا آنسة بلغريم , أتظنين أنك أثرت عواطفي؟".
    أنتابها الحياء , وأحسّت بعينيه تتابعان سريان هذا الحياء من خديها إلى شعرها الذي جعده البحر , طمأنها بسخرية:
    " أؤكد لك أنني لا أمارس حق السيد على كل أنثى تطأ الجزيرة , أنت فتاة مشردة وستمكثين هنا , هذا ما أراه".
    أستقرت أيفين في الكرسي المخملي الطويل الظهر , وبين يديها صحن العنب الذهبي , ماذا عن عائلته؟ لن يسرها بالتأكيد أن تحل فتاة تعيسة مشرد ضيفة عليها؟
    أتكأ على عصاه وأمهن النظر إليها كأنها شيء غريب في غير موضعه داخل هذه الغرفة الجميلة , إلا أن شيئا قد جذبه إليها , فسألها :
    " ما هو الأعتراض الآن؟".
    " ماذا تقول عائلتك؟".
    " ليس عندي عائلة".
    وفجأة أعتلت وجهه خشونة , وكأنما مسّت جرحا كان يخفيه , وأضاف:
    " لا زوجة ولا أولاد عندي , في القلعة بعض القطط وكلب صيد كما ترين".
    وضرب بعصاه قدمه اليسرى ثم قال:
    " وها أنذا أعرج كالشيطان".
    وسرت قشعريرة في كيان أيفين , أجل أنها أحست من اللحظة الأولى للقائه أن هناك شيئا شيطانيا في هذا الرجل! سألته منزعجة:
    " تعني أنك ستكون مسؤولا عني؟".
    " ن ذلك شيئا جديدا".
    وقرع جرسا فضيا لأستدعاء أحد حاشيته , وتابع:
    " أرى أن الأنكليزية لا تريد أن يطوقها أحد بجميله , ولكن الجزيرة بعيدة جدا عن الأرض الأم ( أسبانيا ) وعليك قبول ضيافتي , شئت أم أبيت".
    " هذا كرم منك يا سيدي".
    " كرم؟ أنا عملي وأسباني , بيتي بيتك!".

    نظرت الى ما حولها من سجلد غني بألوانه اللامعة والى المزهرية الذهبية , وشعرت كأنها شحاذة بين يدي أحد الكلوك!".
    " كل الأجراءات اللازمة سيجري تنظيمها مع البوليس الأسباني ".
    قال ذلك ثم نظر الى الباب وهو ينفتح وتدخل منه أمرأة , كانت متجهمة الوجه ترتدي ثوبا أسود , وقد تحدث اليها الماركيز بسرعة بالأسبانية , وشعرت أيفين بالنظرة الباردة التي مقتها بها المرأة .
    " أمرك يا دون خوان".
    ثم أنحنت وأنسحبت من الغرفة , فقال:
    " طلبت من مدبرة المنزل أعداد غرفة لك , اسمها آلما , وستجدينها معينة".
    نظرت اليه أيفين في حيرة , أنه يتولى رعايتها كأنها هرة صغيرة وجدها عند عتبة بابه , ولكن ليس في تصرفاته أي شعاع من حنان , فهمست شاكرة بأحساس العارفة بقلة حيلتها , لعله قد دعاها للبقاء لكي يدرس أنطباعها عن قلعته , تمنت لو أنه في مقدورها معارضته , قال:
    " سترين البحر من غرفة نومك , أنه بحر فاتن".
    جفلت من وصفه للبحر بالفتنة , أنها لم تنس بعد أن البحر جرفها في عتمته كحطام سفينة , ولم تكن لتنسى الخوف والوحدة.
    سألها دون خوان وعيناه تطالعان خواطرها:
    " أتفهمين لغتنا؟".
    " عبارة من هنا وأخرى من هناك".
    " يمكنني القول أنك ستفهمين الكثير قبل مغادرتك للجزيرة , وربما تسعدني وصايتي عليك".
    أثارت فكرة الوصاية أيفين , أنها وصاية الشيطان , وقفت وأمسكت بصحن العنب ونظرت الى ثيابها في المرآة المعلقة على الحائط , وفجأة بدأت تضحك , وأذا بالهستيريا التي كتمتها تنطلق من كيانها فلم تكف عن الضحك , ورغم ضحكها , انسابت الدموع على وجهها , وأمرها المركيز بألتزام الهدوء , وبكت عندما رفع يده وصفعها متعمدا.
    أرتعدت وتأوهت , وأحست بألم خدها , ووقفت كطفل حزين , الدموع في عينيها والصفعة على وجهها , وكرهت المركيز من كل قلبها , قال لها بهدوء:
    " لا هستيريا بعد الآن , عليك التصرف بوقار أتفهمين؟".
    ذرفت الدموع من عينيها الواسعتين في سكون:
    " ولماذا ؟ ألم أقل أنني كنت مجرد خادمة عند أمرأة مدللة أنانية".
    أمسك ذقنها ورفع وجهها المبلل بالدموع لكي يتأمله مليا بلا رحمة وقال:
    " أيفين , لك أسم ساحر وعليك العيش في سحره".
    أصابعه التي أمسكت بذقنها وهي بذاتها التي صفعته , كان قاسيا فوق تفهمها , وقبل أن يسلمها الى مدبرة منزله , أخرج منديلا من جيبه وطلب منها أن تمسح عينيها وقال:
    " غدا تنسين الباخرة الغارقة , أتفهمين؟ أذهبي وأستريحي , وستتحسن حالتك".
    مسحت عينيها وشعرت بالتعاسة , ما أجمل أن تجد الفتاة في الأزمات شخصا حنونا , ولكن ما أبعد ذلك الزمان الذي كان والدها يفيض عليها بحبه.
    وفي هدوء أعادت اليه المنديل , فوضعه في جيب سترته المخملية السوداء , كان في يده اليسرى خاتم به ياقوتة واحدة حمراء , وكانت الياقوتة تتلألأ وسط سواد سترته , ألوان شيطانية تناسب تماما رجلا على شاكلة المركيز دي ليون.
    تبعت أيفين مدبرة المنزل وصعدت السلم الدائري الى غرفتها , وعرفت من الجدران والنوافذ المقوسة أنها أعطيت غرفة في برج القلعة , وفتحت المدبرة بابا داخليا كشف عن حمّام يكسوه الفيشاني المذهب والأخضر .
    قالت مدبرة المنزل بصوتها القاسي:
    " هذا هو الجناح الخاص , ودلّت أيفين على صنبور الماء الساخن والبارد , وفتحت خزانة علقت بها المناشف وتحتها صابون وأسفنجة , كان في أحد أركان الحمام مغسلة من البورسلين , وأدركت أيفين في الحال أنها تنعم بخصوصية تامة في هذا الجناح من البرج.











    رد مع اقتباس  

  4. #4  
    المشاركات
    3,260




    وأبتسمت لمدبرة المنزل التي لم تبادلها الأبتسام , ووجدتها تنظر الى ثيابها بأزدراء , وتذكرت أيفين غطرسة الخدم في بيت آل ساندل , قالت:
    " حسنا, سآخذ حماما".
    وفهمت المرأة الكلمات الأنكليزية وقالت:
    " ستجد الآنسة على السرير قميصا وروبا , أن السيد المركيز أمر بأحضار ثياب للآنسة من البلدة".
    وتعجبت أيفين:
    " هناك بلدة؟".
    ورفعت آلما حاجبيها وقالت:
    " بالطبع , القلعة منعزلة هنا. ولكن على مسافة ستة أميال هناك محلات وفندق ومسرح , وبيوت كبيرة في ميناء بورتو دي ليون , وأصدقاء المركيز لهم بيوتهم هناك".
    ( ما أسعدني بمعرفة كون الجزيرة غير منقطعة عن االمدنية تماما! )
    وأمسكت أيفين بقطعة صابون كبيرة من زيت الصنوبر وتشممت رائحتها الذكية , أن الحمام ثم النوم في السرير الكبير بالغرفة المجاورة سيعيدان عافيتها اليها.
    " هل تود الآنسة تناول فنجان شاي؟".
    " بكل سرور , أذا أمكن ".
    ومرة أخرى رمقتها آلمها بنظرة مؤنبة , وقالت:
    " لسنا من المتوحشين في هذه الجزيرة , منذ سنوا وأحد أفراد أسرة دي ليون يتولى الأشراف هنا , وأمثال السيد المركيز هم من علية القوم".
    وعلقت أيفين قائلة:
    " أن المركيز يبدو محبا لطريقة حياته الخاصة".
    " الأسباني عادة سيد في بيته , والمركيز أكثر من ذلك , فأمجاد عائلته مسجلة في كتب تاريخ أسبانيا يا آنسة".
    ولم تشك أيفين لحظة في أقوالها , فتاريخ عائلته الأقطاعي مكتوب على وجهه , وعميق في دمه وعظامه , قد يكون كريما ولكنه يستطيع أن يكون قاسيا أيضا.
    وقالت أيفين لكي تواصل الحديث:
    ط لا بد أن الجزيرة رائعة للغاية".
    " تستطيع الآنسة أن ترى بعينيها , تعالي".
    وقربتها آلما من أحدى النوافذ المطلة على الخارج, وفي الحال , أستطاعت أيفين سماع صوت البحر كأنه ريح في أغصان الأشجار العالية تتنهد في قلق , وتهمس بأسرارها, وأستطردت آلما :
    " أنظري الى البحر".
    وتطلعت أيفين حيث أشارت آلما فرأت البحر بزرقته الفيروزية , والصخور الشبيهة بالأبراج تعانقه بأستمرار , وتستحم برغوته التي تتكاثر حينا وتتلاشى حينا آخر , وتطاير شعر أيفين بالهواء المالح الذي تجمع حول غرفتها , وشعرت كأنها هنا أسيرة الساحر الأسمر سيد القلعة.
    كان صوت مدبرة المنزل بالقرب من أيفين وهي تقول:
    " البحر يهمس , وستسمعينه ليلا , وسيبدو كصوت أحد البشر , أعلمي يا آنسة أن عروسا من آل ليون ماتت فوق هذه الصخور منذ زمن طويل".
    ألتقطت أيفين أفاسها وأبتعدت عن النافذة , وألتقت بعيني مدبرة المنزل ورأت فيهما كل معاني عدم الترحيب , والعزم عل أثارة أعصابها.
    " كانت صغيرة في مثل عمرك , ومن بلد غريب مثلك , وتميل الى المشي بمحاذاة صخور القلعة مع كلب صيد من نوع كانت الأسرة تحب دائما تربيته , وقد جذبها الكلب بتقدمه الى حافة الصخور وبعدها غابا معا".
    هذا ما قالته آلما وهي تتجه الى الباب وتخرج قائلة:
    " سآتي لك بأبريق الشاي يا آنسة بعد الحمام".
    أنغلق الباب بعد أبتعاد مدبرة المنزل المتشحة بالسواد , وأرتعدت أيفين بعدما ترامى اليها صوت البحر ودخلت الرياح من النافذة الخشبية محملة بنكهة الملح والرمل والزهر , ووجدت نفسها مسحورة بصوت غيّبته الصخور والأمواج.
    ولأول مرة ألقت نظرة فاحصة على غرفتها فوجدتها جميلة للغاية وأشبه بغرفة صممت لشخص جاء ثم غاب أو لأمرأة لم تأت ولم تعش بها , كان السرير واسعا وعليه أغطية جميلة مطرزة وعليها الحرف الأول لأحد الأسماء , والمصباح المجاور للسرير من الفضة والخشب المحفور كبقية الأثاث , وفي الغرفة مقاعد صغيرة مريحة وكرسي أسترخاء طويل من الطراز ذاته , وفوق أرضية الغرفة سجادة سميكة في زرقة البحر.
    وقارنت أيفين بين هذه الغرفة وبين الغرفة التي كانت تشغلها لدى آل ساندل , والتي غصّت ببقايا أثاث قديم من غرف البيت الأخرى .
    وترامي الى سمعها , وكما لو كانت غارقة في حلم , رنين أجراس كنيسة قريى تختلط بصوت البحر.
    ( في خطوط كفك مفترق طرق) هذا ما سبق أن قالته لها غجرية رومانية عجوز في معرض ساحة سانت بليز قبل أسبوع من سفرها مع أيدا ساندل , في الرحلة البحرية التي أنتهت بكارثة , يومها كانت تتجول في المعرض بمفردها , وتستمع الى الضحكات السارة التي ترددها الفتيات الآخريات مع رفاقهن , وكانت تتمنى من أعماق قلبها أن تخبرها الغجرية بأنها ستلتقي على ظهر الباخرة بفارس أحلامها.
    وألتقطت أيفين أنفاسها وصورة الأسباني الطويل الأسمر غير المبتسم الذي قدّم اليها المأوى المؤقت تملأ عينيها , ولكنه ليس بالشاب الساحر فتى أحلامها لقد أخافها بوجهه الجامد وملامحه البارزة وعينيه الحزينتين وساقة التي يجرها.
    أن دعوته لها بالبقاء هنا سخرية منه ولكن ترى أي شعور أثارته في هذا الرجل الذي يعيش وحيدا في قلعة البحر؟













    رد مع اقتباس  

  5. #5  
    المشاركات
    3,260



    2 - رجل يشبه البرج




    أستيقظت أيفين مع طلوع الشمس , وكانت في غاية الراحة حتى أنها نهضت من الفراش بعد لحظة وأسرعت نحو النافذة الخشبية كي تتأمل محيطها الجديد , وكان قميص نومها واسعا ينزلق من فوق كتفيها , وتطلعت من النافذة كطفلة خائفة.
    بحر أزرق فيروزي , وجبال أسبانية بعيدة , وهذه الجزيرة أشبه بعالم مستقل بذاته , الآن وقد أراح النوم الطويل أيفين وحجب عنها قليلا كابوس غرق الباخرة , شعرت بدافع لأكتشاف دنياها االجديدة.
    وتأملت غرفة نومها وتذكرت قول مدبرة المنزل بالأمس عن طلب ثياب لها من محل في البلدة التي تبعد عن الجزيرة ستة أميال , أن قميص الأمس الصوفي والسروال الجينز أختفيا , ودفعها فضولها للأندفاع نحو خزانة الثياب الكبيرة فأخذت تفحصها , ثوب قطني برتقالي , وآخر كتاني مخطط , وثالث حريري مزركش , وأعجبتها تنورة خضراء وبلوزة ذات كشكشة وأكمام واسعة أشبه الريف , ووجدت في علبة رقيقة مزينة برسوم الزهور بعض الثياب الداخلية , وسرعان ما أغتسلت أيفين , وأرتدت التنورة والبلوزة , وبعد ذلك مشّطت شعرها وكانت على وشك أن ترفع جديلتها الى أعلى على طريقتها السابقة , ولكنها تذكرت فجأة أن هذا ليس بيت ساندل , وأن المركيز دي ليون ليس مخدومتها السابقة .

    وتركت ضفيرتها تنساب على كتفها الأيسر , ورأت صورتها في المرآة غريبة عنها , كانت عيناها بدون النظارة واسعتين أخاذتين , وبدت لطيفة بثيابها الجديدة والزنار العريض في وسطها , ثم تذكرت أن أيدا ساندل ربما لا تكون بين الناجين.
    ابتعدت عن المرآة وأعتزمت النزول من غرفتها لتبحث عن طعام تتناوله لشعورها بالجوع , وخاصة بسبب هواء البحر الذي تسلل طوال الليل الى غرفتها.
    هبطت سلم البرج الدائري , حتى وصلت الى ممشى يؤدي الى القاعة , وعن يساره باحة مقنطرة , كانت الشمس تملأ المكان بأشعتها الذهبية عندما وقفت تحت قناطر الباحة تتطلع الى المنظر.
    كان هناك تحت شجرة بنفسجية مزهرة مائدة صغيرة وشخص جالس , في شعره الأسود بعض خيوط فضية , منهمكا في تقشير المندرين , وكادت أيفين أن تتراجع حينما تطلع هو الى فوق كأنما شعر بوجودها , وأدار رأسه ببطء ناحيتها وقال:
    " صباح الخير , يسرني مشاركتك يا آنسة بلغريم".
    وأبتلعت لعابها في عصبية , فهو رغم ثيابه غير الرسمية المؤلفة من سترة كشمير ذهبية وسروال بني , لا يزال يبدو مترفعا في وقفته , أستند بيده على حافة المائدة الى أن جلست في المقعد الآخر , وبعد جلوسه لاحظت كيف يمدد ساقه اليسرى كأنه غير قادر على ثنيها عند الركبة , سألها:
    " هل نمت نوما حسنا؟".
    ثم دق جرسا فضيا صغيرا وأستمر في تقشير المندرين الذي أختلطت رائحته بشذى الأزهار والأشجار.
    " أجل , شكرا".
    وشعرت أيفين بالحياء ولم تكن واثقة منه فسألته :
    " ترى هل سمعت شيئا عن ركاب الباخرة الآخرين يا سيدي ؟".
    " لقد ذهب أمريتو الى العاصمة للأستفسار بالنيابة عني , ولأبلاغ السلطة أيضا أنك ضيفة عندي".
    بدا لها غريبا أن يقال عنها ضيفة , وهي التي لم تكن تجد في السنوات القليلة الماضية فراغا من الوقت للراحة , ولم تكن تعامل بأنصاف , كانت تخدم الغير ولا أحد يخدمها على هذا النحو.
    قدم الخادم وسألها المركيز :
    " ماذا تحبين للأفطار , بيض مقلي , فطائر ساخنة وعسل أم مربى؟".
    " أجل , أرجوك ". وعبق خداها بحمرة الخجل وأستطردت : " كل شيء يبدو لذيذا , وأفضّل العسل".
    ونظر اى خادمه , الواقف بأدب في سترته البيضاء وسرواله القاتم , وقال بأسبانية سريعة مما زاد في روعة المكان الذي وجدت أيفين نفسها فيه.
    " لقد تناولت أفطاري من القهوة والفطائر والفاكهة ". وتطلع المركيز الى البلوزة والتنورة , وقال : " أرى أن رغبتي بشأن الثياب قد نفذت , أنك لا تبدين هذا الصباح كفتاة حزينة تائهة".
    " أنا شاكرة لك هذه الثياب يا دون خوان , ولا أدري كيف سأرد هذا الجميل".
    قال بطريقة مبهمة:
    " بالتأكيد سنجد طريقة ما".
    ورأت أسنانه اللامعة الصلبة وهو يأكل المندرين , وكانت الشمس تتسلل من خلال أغصان الشجرة البنفسجية , وشاع الدفء في المكان بأستثناء العينين السوداوين اللتين تنظران اليها قال :
    " الحياة تغيرت بالنسبة اليك فجأة على نحو مثير يا آنسة بلغريم , ألا تثيرك هذه الأشياء الجديدة؟".
    " في هذه اللحظة أشعر بالحيرة".

    وراحت أيفين تتطلع الى قناطر الباحة وأرضيتها وجدرانها المذهبة , والأزهار , والنافورة غير الظاهرة وبعض الطيور المغردة عند أشجار الدفلي العطرة , يا لها من حديقة جميلة ربما تخفي بداخلها حيّة , كان كل شيء أشبه بالحلم , وكانت أيفين تتخذ موقف الدفاع , لقد تعلمت أن تكون كذلك , حتى عندما كانت الموسيقى تعزف على الباخرة ثم حدث ما مزق قلبها عند ألقاء الركاب المسالمين الى البحر , وتحدث الماركيز دون خوان بلهجة حادة:
    " عليك الأبتعاد عن الماضي , صدقيني يا آنسة , الذكريات قد تظل شديدة الوطأة , وأنت بعد صغيرة وعليك أن تتخلي عن النظرة القاتمة".
    أمسكت ببرعم سقط على المائدة وقالت:
    " في هذه اللحظة الذكريات حية لا تنسى , سأشعر بتحسن عندما أعلم أن السيدة ساندل سالمة".
    " ولكنك لم تكوني سعيدة معها ".
    هزت أيفين رأسها وقالت:
    " كانت قاسية , ومع ذلك لا تستحق الغرق!".
    " نحن الأسبان نؤمن بأن لكل أنسان قدره , ها هو لويس يأتي بالأفطار".
    قال دون خوان ذلط وهو يقف ممسكا بعصاه ذات الرأس الفضي , وأضاف:
    " عندي بعض الأعمال , ولهذا سأتركك تتسلين بمشاهدة المكان , ومداعبة الحيوانات , وأذا رغبت في المطالعة فأن مدبرة المنزل ستدلك على الطريق الى المكتبة الموجودة بالبرج , تذكري أن عليك الأبتعاد عن الصور الكئيبة والهموم في هذه السن".
    وأنحنى أمامها أنحناءة صغيرة , ونظرت ال أصابعها وهي تسحق البرعمة البنفسجية عندما أبتعد بساقه العرجاء في أتجاه قاعة القلعة , ترى ما الذي يحزنه ويجعله لا يبتسم ألا نادرا؟ أنه مثل برجه البحري مترفع وغامض.
    رتب لويس الصحون أمامها على المائدة , البيض المقلي بالزبدة والفطائر الساخنة والعسل وأبريق الشاي الفضي.
    قالت له بالأسبانية شكرا وأبتسمت , ولكنه كان متحفظا مثل آلما , كأنه يعرف أنها غير معتادة أن تعامل كسيدة للبيت , وجمع البراعم المتناثرة , وقشور المندرين التي تركها سيده , أحست أيفين بشيء من الأمتعاض , لقد قال لها دون خوان ( بيتي هو بيتك ) , ولكنها تبدو بالنسبة الى الخدم دخيلة , وهم يرون أنها تفتقر الى الثقة التي يعرفها من ولد لأعطاء الأوامر وتلقي الخدمات , وهم يعرفون أنها كانت تعمل خادمة لسيدة.
    أثناء تناولها الأفطار أمتد رأس كلب من خلال ساتر الأزهار المجاور , نظر اليها الحيوان , ثم دنا كي يتفحص وجهها الغريب , لم تشعر بأي خوف أذ كان بيت ساندل يعج بالكلاب , فقالت:
    " مرحبا , أرجو أن تكون أكثر ودا من بقية الحاشية".
    جلس كلب الصيد الألزاسي على مقدمتيه وتشمم نعليها التوريرو وأسند رأسه ورقبته ذات الطوق والميدالية عند قدميها , فقالت مداعبة : " ما أسمك ". وأنحنت الى الأمام وألقت نظرة على الميدالية التي تحمل أسمه ثم قالت : " كارلوس , تعال نتمشى معا".













    رد مع اقتباس  

  6. #6  
    المشاركات
    3,260



    وسمع الكلب ذلك , ولكنه هز المائدة وتطلع الى بقايا الطعام في الصحون فقالت:
    " أعتدت على الرشوة , أليس كذلك؟".
    نظر الكلب اليها راضيا بعد أن ألتهم قطعة فطير بالعسل, وبعد ذلك قادها خلال مسلك مقنطر الى الجزء الرئيسي من أرض القلعة , وكانت هناك درجات سفلي من الحجر , تزينها على الجانبين تماثيل وأصص , وأشجار اللبلاب تتدلى فوق التماثيل بظلها الأخضر , وفي أسفلها يمتد ممشى مائي يزخر بأشجار وأزهار تنعكس عليها أشعة الشمس.
    هذه الحديقة الشاسعة الرائعة لأجل رجل واحد فقط أنها مكان يمكن للصغار أن يمرحوا فيه وأن يتسلقوا أشجار المنغوليا .
    وتبعت الكلب الذي مشى في ممر أشجاره ذات أوراق مخملية غريبة , وكان في آخر الممر مستنبت زجاجي على مدخله مصباح معلق في سلسلة , وخطت أيفين خطوة الى الداخل ورأت أغصان نخيل مدلاة ورقعة ظليلة بها أثاث من الأغصان المجدولة , وبركة بحرية صغيرة يلهو بها سمك ذهبي , وكانت الأعشاب السحلية المعمرة وأشجار اللوتس تفوح برائحة مخدرة , وأشعة الشمس تتسلل من خلال قبعة المستنبت الزجاجي.
    أدخل الكلب كارلوس أنفه في بركة السمك , ثم تمدد عند حافتها فوق بلاطها الملون , وتأملت أيفين ما حولها بسرور , ومدت يدها الى رؤوس الأزهار الأستوائية الملونة وأنحنت لتفتح أحداها , ترى هل يأتي دون خوان الى هنا لتدخين سيكار من ورق هذه الأزهار التي تتفتح ليلا , وهل يرافقه الكلب ويقبع عند قدميه ؟ في وسع أيفين أن تتخيله , وهو غائب وسط دخان سيكاره وفي هذا المكان الغامض , ووهج سيكاره ينعكس على وجهه النحيل.
    جلست في مقعد من الأغصان المجدولة , وأدار الكلب رأسه كي ينظر اليها : " يا لك من حمل في جلد ذئب , أليس كذلك يا كارلوس؟".ثم ربتت بيدها على ظهر الكلب وراحت تفكر , ترى الى متى يتوقع دون خوان أن تمكث في القلعة ؟ وماذا يحدث لو أن أيدا ساندل سالمة لم تغرق وتريدها؟
    تنشقت أيفين رائحة الزهور المثيرة التي تجمعت مزهرة من حولها وشعرت بالسكينة والراحة لأنها لا تعمل الآن عند أمرأة مثل أيدا ساندل كثيرة المتطلبات , الآن يمكنها أن تبتعد عن الهموم . ولكن لا يمكنها أن تتوقف عن التفكير فيما يكمن وراء دعوة الماركيز , أنه يتّسم بالبرودة والروح العملية , وهذا لا يجعله متعاطفا مع فتاة أنكليزية شرّدها البحر , لماذا سلها بسخرية : " تظنين أنك أثرت مشاهري؟".
    عضت أيفين شفتيها , وأقبل الكلب وأراح رأسه على حجرها كأنما شعر بقلقها , فدفنت أصابعها في رقبته وقالت :
    " كارلوس , ليتك تستطيع التحدث وتخبرني بحقيقة سيدك , أنه يخيفني قليلا , فهو ليس كأحد ممن ألتقيت بهم من قبل , أن عائلة ساندل تظن نفسها أرستقراطية , ولكن المركيز نبيل حقا , ولا أدري ماذا يريد مني".
    مضى الصباح , وعادت الى باحة القلعة لتتناول الغداء وحدها , وبعد كان كل شيء هادئا , وفهمت من آلما أن المركيز سيغيب بقية النهار .
    " أنصح الآنسة أن تنام القيلولة , وألا فستجد النهار طويلا , أن دون خوان سيتعشى بلا شك مع صديقه السيد فونسكا وأبنته الجليلة دونا راكيل في دارهما بالبلدة , ثم يذهبون الى المسرح , ون الوقت متأخرا حين يعود الى القلعة".
    قالت أيفين بشيء من الفضول :
    " أن دونا راكيل أسم جميل".
    وألقت مدبرة المنزل نظرة على قوام أيفين وقالت :
    " يمكنني أن أؤكد لك يا آنسة أن دونا راكيل آية من الجمال الأسباني , وأذا تزوج دون خوان فلن يختار عروسا أفضل منها , الأسباني النبيل عليه أن يتزوج فتاة كريمة الأصل , وقد تعلم درسا من الزواج الكارثة الذي مني به والده عندما تزوج بواحدة ليست من مستواه".
    ألتقطت أيفين أنفاسها وكانت تريد أن تطرح مزيدا من الأسئلة , ولكن آلما تركتها تفكر مليا في كلماتها الأليمة.
    في ساعة متأخرة من الليل بينما هي مستلقية في الفراش سمعت عودة سيارته وهي تزمر كي يفتح الحارس البوابة , وتصورت سيارة الليموزين تعبر البوابة , وراكبها في المقعد الخلفي وعلى شفتيه نصف أبتسامة أثناء تفكيره في دونا راكيل.
    هناك الكثير الذي ينبغي معرفته عن سيد القلعة , ولهذا تأمل أيفين أن تمتد أقامتها حتى تتبين أي رجل يخفي وراء قناعه المتحفظ الذي يتعذّر فهمه!
    مرت عدة أيام قبل أن تراه أيفين ثانية , وكانت القلعة مكانا ممتعا فأخذت تتجول في أرضها خلال النهار , وتستكشف غرفها ذات الصدى , وكان دون خوان أذا أتى المساء يركب سيارته للعشاء مع الأصدقاء أو يتناول عشاءه بمفرده بدون أن يدعو ضيفته الشابة لمشاركته , ووجدت أيفين في الكلب رفيقا مؤنسا فلم تكترث لتجاهله لها, كان ذلك تغييرا مريحا بعد أن ضاقت ذرعا بحياتها مع أيدا ساندل.
    علمت من مدبرة المنزل أن أمريتو عاد من أسبانيا فظلت طوال ذلك اليوم تنتظر الأخبار , ولهذا لم تفاجأ لأن المركيز ترك لها رسالة تقول أنه سيتناول العشاء معها الساعة التاسعة!
    لم يكن في خزانة الثياب ثوبا للعشاء , لذلك رأت أن ترتدي الثوب الحريري المزركش , كان مقاسه كبيرا لا يناسبها , ولكن بفضل تدربها على أستعمال الأبرة أستطاعت تعديله , كانت رسوم الثوب عبارة عن زهرات قرمزية تنسج مع اون شعرها الداكن الأحمرار , ولكنها حدثت نفسها بأن دون جوان لن يلاحظ على الأرجح كيف تبدو في الثوب.
    وحانت لحظة ملاقاته , وبعد نظرة أخيرة في المرآة , هبطت سلم البرج ببطء , وكان السلم الدائري خلفية زادت من رشاقة قوامها وشبابها وشكوكها , ووصلت القعة الحافلة بظلال الألواح الخشية والعديدة من الصور والدروع , وعبرت القاعة بنعليها التوريرو الى غرفة مكتب دون جوان الخاص , وأرتعشت أصابعها وهي تقرع الباب.
    كانت ساعة القاعة تدق التاسعة وهي تقرع الباب , فأستجمعت قواها ودخلت الغرفة , وجدته واقفا أمام خزانة كتب مرتديا سترة مخملية سوداء للعشاء , وقد أستند على عصاه وبدا عظيما الى حد أن أيفين أحمرت خجلا.
    وقال بلهجة رسمية وهو ينظر اليها بدون أن تغير في تعبير عينيه السوداوين :
    " مساء الخير يا آنسة بلغريم , سنذهب للعشاء في الغرفة المجاورة الملحقة بهذه الغرفة".
    أستعان بعصاه وهو يمشي نحو باب من شقين وفتحهما , وتقدمته أيفين الى غرفة الطعام , ولم تبدد فخامتها حياءها , كانت المائدة الطويلة معدّة بالشمعدانات والبلور , وأزدانت قمة كل من المقعدين الموجودين في طرفي المائدة بأكليل مذهّب , وهرع الخادم وسحب المقعد الموجود في نهاية المائدة فجلست أيفين وأمتلأت عيناها بضوء الشموع وهي تمد بصرها ناحية مضيفها , وكان الأكليل يعلو رأس أيفين وشعرها الأحمر وبدت كتائهة لا تشعر بأمان وتخاف من الرجل الجالس قبالتها.
    " لا بد من الحصول على ثياب من مقاسك , ولن يكون بينها بالتأكيد ما هو قرمزي اللون".
    هذه هي الكلمات التي خرجت من بين شفتيه الجامدتين , وبعد نفس عميق قالت أيفين:
    " ولكن ربما لن أمكث هنا طويلا".
    " عندي اليوم أخبار قد تطيل في بقائك كضيفتي".
    " أخبار عن السيدة ساندل؟".
    لم تلحظ جيدا وقفته قبل أن تفوه بالكلمة الأخيرة , ولكنها كانت قلقة عن المرأة التي كانت في أكثر من مناسبة غير طيبة معها , فعادت تسأل :
    " أخبار حسنة يا سيدي؟".











    رد مع اقتباس  

  7. #7  
    المشاركات
    3,260




    داعبت أصابعه كوب عصير الفاكهة الذي ملأه لويس , ثم قال :
    " علمت من الشرطة في أسبانيا أن سيدة تدعى ساندل كانت بين الركاب الذين تم أنتشالهم ونقلهم بالباخرة الى طنجة , ومن هناك علمت أنها ركبت الطائرة عائدة الى وطنها أنكلترا , مفترضة ولا شك أن مرافقتها قد غرقت , وكان من السهل أن تعلم بنجاتك لو أنها أتصلت بالسلطات الأسبانية , ولكن يبدو أنها لم تكترث , أذ بعد نجاتها لم تهتم ألا بنفسها فقط".
    كانت كل كلمة محدودة وباردة كالصقيع على الزجاج , وأصبحت النتيجة واضحة للغاية , أنها الآن في حمى هذا الرجل وحده.
    وعندما تطلعت اليه , أنعكس لهب الشموع فوق الخشب الوردي والفضة , وحاولت أن تقرأ ما يجول في عينيه , وأدركت أن عليها أطاعة ما يقرره بشأنها.
    طلب من الخادم السلطة , ثم قال :
    " لم تعودي بعد الآن في خدمة أمرأة مدللة أنانية".
    كان الطعام لذيذا وممتعا , ورغم جلوسها بعيدة في طرف المائدة فقد شعرت أن دون جوان أصبح يستحوذ عليها.
    بعد العشاء لم يعودا الى الغرفة الملحقة بغرفة الطعام :
    " هناك صالون صغير غير مستعمل كثيرا هذه الأيام , أريد أن تشاهديه ".
    قال دون جوان ذلك بينما عصاه الأبنوسية تضرب بلاط القاعة وهو يتجه الى باب يحرسه درعان , وكان الباب بيضاويا عميقا , وأخرج سلسلة مفاتيح من جيبه وأنحنى وفتح قفل الباب , ثم قال وهو يدير زر الكهرباء ويضيء الغرفة:
    " أننا نسميها الغرفة الذهبية ".
    كانت أشبه بصندوق حلي يكشف عن روائعه.

    أومأ اليها بالدخول : ( تفضلي ) , وأطاعته كأنها في حلم , وتأملت ستائر النافذة الذهبية التي تنساب من تيجان عالية الى سجاد الأرض الثمين , ورأت أثاث الغرفة الرائع , والمزهريات الذهبية واللوحات المذهبة التي تغطي الجدران والسقف.
    كانت غرفة جميلة لها ذكريات بالنسبة الى المركيز الحزين , وراحت أيفين تلمس بعض تحف الغرفة الخلابة مثل سلة أندلسية وشال مطرز ملقى على بيانو عاجي اللون مذهب , وفوق غطائه وردة حمراء , كانت الغرفة تفوح بجو رومانسي حزين , ولا بد أنها كانت تخص سيدة تستعملها كثيرا , من كان يعزف على البيانو ؟ من كان يحب الورد الأحمر والموسيقى ؟
    وقعت عيناها عندما دارت لتنظر الى دون جوان على صورة علق فوقها صناجتان للرقص على شكل صدفة , وتأملت أيفين صاحبة الصورة : الشعر أسود فاحم والثوب أحمر ياقوتي , والوجه في اون القشدة , والعينان سوداوان , كانت صورة فتاة في وقفة راقصة , ذراعها اليسرى تعلو الى الوراء , والصناجة ( الكاستانيت ) على أصابعها , والزهور في شعرها مليئة بالحيوية كعينيها.
    " هذه صورة لأمي روزالينا , الراقصة الغجرية التي تزوجها أبي".
    قال دون جوان العبارة الأخيرة بعدما أصبح وراءها بقامته المديدة وأستدارت أيفين لتنظر اليه بعد المفاجأة وهي مبهورة الأنفاس , وألتقت عيناها بعينيه
    " نعم كانت أمي فتاة غجرية , ولم تغفر له العائلة أبدا زواجه منها , ولقد جاء بها لتعيش هنا , وأعد لها هذه الغرفة التي كانت تلوذ بها في فترة حملها لكي تعزف على البيانو موسيقى الفلامنغو التي كانت تحبها , كانت شعلة من المرح والسعادة , ثم أصبحت زهرة ذبلت ببطء في الجو الخانق الذي أحاطتها به عائلة أبي".
    أمتلأت عينا دون جوان بذكريات أثارتها صورة أمه فقال هامسا:
    " أتذكر كيف كانت تدفىء الصناجات قبيل الرقص بين شلالات شعرها الأسود كالليل".
    وتقدّم الى الجدار وأخذ الصناجتين من المسمار الذي تتدليان منه , فأذا برنينهما كصدى صرخة أنقطعت , ثم أعادهما , وقال :
    " سنتناول القهوة هنا".
    وأمسك بمشد الجرس وقرعه , بينما راحت أيفين تمعن النظر اليه , وقد لاحظت أن عينيه شبيهتان بعيني أمه , وأن تحت عظام وجهه شعلة تخفيها برودة الوجه , سألها وهو يشير الى البيانو:
    " أتعزفين؟".
    أجابته في رزانة :
    " أعمال المرافقة لم تكن تتضمن هوايات كهذه يا سيدي".

    كانت تجلس فوق كرسي كسوته حريرية , وقد تشابكت يداها في حجرها , أنها تريد سماع المزيد عن أمه , أتتجاسر على الطلب؟ رأت أن تمتنع عن الطلب , في الوقت الذي كان ينحني على عصاه أمامها ويقارن ولا شك بفكره بينها وبين فتيات بلاده , وعاد يسألها:
    " كم سنة أشتغلت عند تلك المرأة ؟".
    " منذ كنت في الخامسة عشرة يا سيدي , بعدما قتل أبي من جراء رفسة جواد ".
    وفي الحال لمعت عيناه السوداوان وسألها :
    " أكان يمتطي صهوة جواد؟".
    " كان في بيت ساندل ضيوف للصيد , وكان يقدم يد المساعدة في أصطبلات الخيل".
    وأطبقت يداها في ألم وهي تتذكر موته ثم ثم تابعت:
    " وقع الحادث وهو يهييء ركاب الجواد , كان يحب الحيوانات , وهكذا مات ".
    " وأمك؟".
    " لا أتذكرها يا سيدي , لم يكن لي غير أبي , وبعد ذلك أشتغلت في بيت ساندل".
    " ألم تكوني راضية؟".
    " أحيانا كنت أفكر في الهرب".
    " ولماذا بقيت؟".
    " لأن المدن مملوءة بالضجيج , وعندما كنت أستطيع الأفلات من البيت الريفي ساعة , كنت أجد في غابات وبراري سومرست مجالا للتجول , كنت قريبة من الأماكن التي أحبها أبي دائما , الطيور وجماعات روماني الغجرية التي كانت تخيّم في المرج .".
    " هل كنت تحبين هذه الجماعات ؟".
    " كانوا يضجون بالحيوية , ولهذا".
    ضحك دون جوان , كانت المرة الأولى التي تسمعه يضحك فيها , وقد عكست عيناها دهشتها , قال:
    " صحيح , هناك عرق يتعذّر ترويضه عند الغجر وهم يحبون الفقير والغني على السواء".
    دخل الخادم لويس بصينية القهوة , فطلب منه وضعها على الطاولة القريبة من أيفين , ولمحت الأنتفاضة الخفية في عيني لويس وعرفت في الحال ما يدور برأسه , لم يكن عاديا أن تجلس فتاة خادمة في الغرفة الذهبية , والقهوة الى جانبها لكي تصب للمركيز قهوته.
    ولكونها كانت خادمة فأنها تعرف ثرثرة الخدم في المطبخ , ولذلك شعرت بالحرج.
    وأنغلق الباب وراء لويس فقال دون جوان : " أرجو أن تصبي القهوة ". ثم أخذ مقعدا ومدد عليه ساقه التي تؤلمه , وأحتاطت أيفين لئلا تنسكب القهوة منها وهي تصبها من الأبريق وأرتعشت يدها قليلا وهي تناول دون جوان قهوته الخالية من السكر بناء على طلبه سألها:
    "هل أنت مضطربة بسببي؟".
    " وهل تستغرب يا سيدي ؟ أنا لست معتادة على كل هذا".
    " مع الممارسة ن كل شيء على أكمل وجه ".
    رفعت بصرها اليه , وكأن سلكا كهربائيا قد نبّه ألتفاتها , لقد رفع حاجبه الأسود وهو يشرب قهوته , وقال:
    " سنكون معا هكذا مرات أخرى يا آنسة بلغريم وأرجو مع الزمن ألا تنظري اليّ كما لو كنت غول القلعة".
    " لم أفعل".
    " عيناك واسعتان , وفي وسع المرء أن ينظر في أعماق العيون كما ينظر من نوافذ البيت , أنه نوع من المتطفل أشبه بنظرة مختلة الى روح شخص أخر".











    رد مع اقتباس  

  8. #8  
    المشاركات
    3,260



    ألتقت نظراتهما وشعرت أنها قد سلّمت هذا الساحر الأسمر شيئا من دخيلة نفسها.
    " تناولي قهوتك قبل أن تبرد ". ثم تابع: " لقاؤنا هنا في هذه الغرفة هو أحتفال بنجاتك ووصولك سالمة الى جزيرة دي ليون ,يا له من عالم صغير , أن الحظ يا آنسة بلغريم سيد على الجميع".
    أطمأنت أيفين بعد أن أنتهت من تناول القهوة , وزال توتر أعصابها , وأحست بالراحة في هذه الغرفة , وأستطاعت أن تتخيّل روزاليتا وهي تعزف البيانو وفي شعرها الفاحم وردة قرمزية.

    لمحت دون جوان يتطلّع الى صورة أمه وهو غارق في أفكاره , ووجدت أن في أستطاعتها دراسة صورة وجهه الجانبية , فقد أمتزجت القوة والعاطفة في ملامحه أمتزاج البياض والسواد في شعره , أن الألم ترك خطوطا بجانب شفتيه وبياضا في شعره , وعرفت بغريزتها لا بعينيها أنه أصغر سنا من مظهره .
    " هل شاهدت رقصة الفلامنغو؟".
    " كلا يا سيدي , سمعت أنها مثيرة جدا".
    " رقصة الفلامنغو هي مبارزة بين ردل وأمرأة".
    وعند إبتعاد عينيه عن صورة أمه لاحظ نظراتها إليه , ولكنع تابع قائلا:
    " لا بد أن أتيح لك فرصة مشاهدة الفلامنغو , أن الناس يعتبرونها نوعا من تعليم بناتهم , وأعتقد أن هناك الشيء الكثير الذي يتوجب عليك تعلّمه".
    " أنا في التاسعة عشرة!".
    " أنها سن المعرفة , والعتبة إلى العشرينات عندما يكون المرء عاطفيا غير متمكن من السيطرة على عواطفه".
    وبينما كان يرفع سيكاره الى شفتيه , كانت لعينيه قوة جاذبة تشدّها إليه , وكانت أزرار قميصه الصدفية السوداء تلمع لمعان عينيه , قال:
    " أنت تعتقدين أنني متغطرس وسيد العارفين؟".
    وبشيء من الجرأة قالت له:
    " أعتقد أنك تعتبر الناس قطع شطرنج بين يديك ".
    " وأية قطعة شطرنج أنت يا آنسة؟".
    " بيدق ضعيف من بيادق الملك".
    " وأية نقلة سأعتزم نقلك؟".
    " لا أدري".
    " ولكنني أراك واسعة الخيال".
    وأستقرت نظرته على شعرها الداكن ثم على عينيها العسليتين الذهبيتين , وراح يقيّمها وهي بثوبها الذي لا يناسبها ولا يجمّلها , وظنت أنه سيبتسم ولكنه ظل متحفظا ومتسترا بقناع الوسامة الشيطانية.
    هزّتها الكلمة عندما ألمّت بفكرها , أن المرء لا يستعملها بالنسبة الى الرجل , ولكنها كلمة سبق أن أستعملت بالنسبة الى دانتي وبايرون , وإلى الشهيد سباستيان , وسيد الجزيرة الأسمر الخطر شبيه بهم , هذا الشيطان الطويل الأعرج!
    قرأ عينيها وأخفى عينيه وراء سحابة دخان سيكاره وقال :
    " أن خيالك يعمل حاليا , أن مستوى أستجابتنا للحياة أما عميق وأما ضحل , وعذاباتنا المترتبة على ذلك سبّبها هذا المستوى , ولا أظن أنك ضحلة يا آنسة بلغريم , وإلا لطلبت من أمريتو ترحيلك من الجزيرة الى أسبانيا".
    " ربما آثرت الذهاب إلى هناك , أذ لا أستطيع البقاء هنا إلى ما لا نهاية يجب عليّ أن أجد عملا . فليس معي نقود".
    " لديّ الكثير , لقد لاحظت على المائدة أنك تأكلين كالعصافير , ولعل الحياة علّمتك القناعة بأقل مما ترغبين , ما هي أمنيتك يا آنسة؟ فقد أكون قادرا على تحقيقها لك"
    قالت بلهجة جادة:
    " أنا في حاجة الى عمل".
    إبتسم على الفور وقال :
    " يا لك من مخلوقة صغيرة قنوعة , أي نوع من العمل تريدين ؟ مرة أخرى خادمة تقوم بكل الأعمال عند إمرأة لا قلب لها".
    " هذا كل ما تدرّبت عليه يا سيدي , أتعرف واحدة؟".
    " نعم , عدة سيدات يسرّهن أن تعملي لديهن".
    " أذن؟".
    " لن أوضي بك عند أية واحدة منهن".
    " أوه!".
    " لا تذرفي دموعك !".
    قالت بعزة نفس:
    " أنا. أنا لا أبكي أبدا أمام الآخرين".
    " صفة ممتازة".
    " قد تكون كذلك في حضرة شخص مثلك".
    " مثلي أنا؟".
    " أنت أسباني أرستقراطي لست في حاجة للأعتماد على الآخرين للعيش".
    " أننا جميعا يا آنسة تعتمد على الآخرين بشكل أو بآخر , عليك أن تكوني طموحة لما هو أكثر من خادمة أو مرافقة , قولي , ماذا تودين تحقيقه في حياتك؟".
    كان لأظهاره الأهتمام بها والأستعداد للأستماع إليها أثر عكسي عليها , أذ أضطرها هذا للسكوت حياء , أنها في أية حال لم تفكر أبدا تفكيرا جادا بشأن عمل آخر , فذلك يتطلب دراسة خاصة وهي قد أخرجت من المدرسة وألحقت بالعمل في البيت الريفي يوم كانت في ربيعها الخامس عشر , بالطبع , وكأي فتاة أخرى , كانت تظن أن العمل كمضيفة جوية شيء ممتع يتيح لها السفر إلى بلاد أخرى , وأحيانا كانت تحلم من أعماق قلبها أن العمل معاونة لشخص لامع في تجارة التحف والروائع الفنية.
    كانت أيفين مولعة بالأشياء القديمة الرائعة , وإستجابتها لهذا المكان مرده إلى الروائع التي يزخر بها.
    سألها دون جوان بصوت ودود:
    " هل أمنيتك متعذّرة إلى حد لا تتجاسرين على ذكرها؟".
    طأطأت رأسها خشية أن تلتقي عيناها بعينيه , ثم فوجئت به يتقدم اليها متّكئا على عصاه , ويرفع ذقنها بيده لتنظر إليه , وإرتعشت رعشة خفيفة لم تقو على السيطرة عليها , وقالت:
    " أذا عرفت فقد تبتسم".
    " أنا شخص لا يحب أخفاء الأمور عنه , تعالي وأذكري أمنيتك وسنرى أذا كان في مقدوري تحقيقها".
    " لا تستطيع أن".
    فقاطعها قائلا:
    " على الأقل دعيني أسمع هذا الذي لا أستطيع فعله".
    رفع رأسها فلم تستطع الأفلات من نظراته وهو يتفحص وجهها القروي وبشرتها الشابة وفمها الذي الذي يفيض بالحساسية وعينيها العسليتين , أن وجهها ليس ساحرا بالمعنى التقليدي , ولكن أذا هي أعطيت الثياب المناسبة , والفرصة التي تضيء الملامح عندئذ تكون لها جاذبية حلوة.
    ولكن أيفين غير مدركة لذلك , وهي تعتقد أنها فتاة عادية بالصورة التي أظهرتها فيها أيدا ساندل.
    كرّر الطلب لأنتزاع أمنيتها وفي عينيه جاذبية قوية:
    " هيا أخبريني".
    " قد يكون رائعا أن أعمل معاونة لبائع تحف فنية ناجح ". ثم ضحكت قائلة:" أليست أمنية مستحيلة لفتاة مثلي لا تعرف غير العناية بالكلاب الأليفة تبحث عنها وتحملها وتمشي معها نيابة عن ربة البيت".
    " شيء غريب , عادة تطمح الفتيات الصغيرات للعمل في مجالات الجمال , عارضات أزياء أو موديلات".
    " عارضة أزياء ؟". وضحكت ضحكة زادت من حلاوة عينيها :" لا أعتقد أنني أصلح لهذا النوع من العمل أطلاقا".
    أدار دون جوان وجهها من اليسار إلى اليمين كما لو كان يدرس قطعة فنية وقال:
    " تكوين عظام الوجه حسن , أذن أنت تودين العمل في التحف النادرة الثمينة , أولا عليك معرفة الأمور التي تجعلها نادرة".
    " هذا هو العائق". أتسمت عيناها بمسحة جذابة وأضافت:" لم أحصل على قسط وافر من التعليم أذ تركت المدرسة يوم كنت في الخامسة عشرة".










    رد مع اقتباس  

  9. #9  
    المشاركات
    3,260




    بدت نشوة الحياة في عينيه:
    " أيتها الصغيرة لقد كنت أقطع البراري في أميركا الجنوبية في صباي , كنت راعيا أي مجرد جوشو كما يسمون رعاة الأغنام هنا".
    وأسرعت تقول:
    " ولكنك المركيز دي ليون!".
    " كنت مجرد راع لما كنت في الخامسة عشرة".
    وإبتعدت أصابعه عن وجهها , تاركة دفئا أحست به , وتحولت نظرته عنها إلى صورة أمه فقال:
    " لقد مات أبي في الحرب الأهلية , وهربت أمي من عائلته وأخذتني معها إلى الأرجنتين في زورق لاجئين , وهناك أشتغلت راقصة فلامنغو , وصرت أنا راعيا للبقر الى أن دفعني طموحي للعمل في إستخراج الفضة من الأراضي النائية , وحالفني الحظ وعثرت على منجم فضة , فأشتريت لأمي بيتا في ليما ( عاصمة البيرة) ولم تعد في حاجة للعمل".
    ثم تابع حديثه قائلا:
    " ماتت أمي من شدة حزنها على أبي , لم أعد لجزيرة دي ليون إلا بعد أن مات جدي , أنني لم أغفر لأهلي أبدا تجاهلهم لأمي , كانت أسرة أبي تريدني وحدي , لقد أضطرتني الأحداث للعودة الى الجزيرة , ولكنني خلّفت ورائي محبة لمدينة ليما بتاريخها الوحشي وجمالها الغريب".
    ولمعت عيناه وألتقت بعيني أيفين , فقال:
    " أن راعي البقر يعيش على سرج الجواد , لم أكن دائما كما تجدينني الآن".
    " هل تعرضت لحادث يا سيدي؟".
    " أجل , حادث".
    كان يبدو أنه لا يريد أن يتحدث عن هذا الجانب من حياته في ليما , وفي لحظة أتسمت ملامحه بذكريات أليمة , ولهذا قال:
    " أذن أنت تتمنين العمل وسط تحف قديمة جميلة؟".
    أجابت بنصف إبتسامة:
    " أليس جميلا أن نحلم؟".
    " لا حاجة أن يظل حلما , أنت لست فتاة سطحية , أرى من ناحيتي أنك تقدرين هذه الغرفة بتحفها التي جئت بها من ليما وبأثاثها الجيد الحفر , بالطبع أنت في حاجة لتعلم أشياء كثيرة , ومعرفة لغة أجنبية شيء ضروي , لي صديق يقيم في الجزيرة ويعرف الكثير عن كبار الرسامين والنحاتين , وكان يتولى التدريس في مستهل حياته , أنه السيد فوتسكا , أتعرفينه؟".
    تذكّرت قول مدبرة المنزل بأن للسيد فونسكا إبنة بارعة الجمال يحتمل أن تصبح زوجة دون خوان , فأجابت:
    " نعم يا سيدي".
    " حسنا عما قريب سآخذك إليه ونبحث أمكانية أن تكوني تلميذته بضع ساعات يوميا , أن عينيك تتسعان من الدهشة , أليست أمنيتك هي تحصيل العلم من رجل قدير؟".
    " أنا أنا أفكر في المصاريف يا سيدي".
    " كفي عن هذا التفكير فورا , قد يأتي اليوم الذي يمكنك فيه تسديد ذلك , وفي الوقت ذاته , سأستمتع بأن أكون وصيا على فتاة أنكليزية".
    " وصيّا؟".
    " ألم نتفق في أن أكون مسؤولا عنك أثناء أقامتك في الجزيرة؟ وأذا وافق السيد فونسكا على قبولك طالبة , فسيتطلب ذلك فترة قبل أن تتمكني من مغادرة الجزيرة إلى عالم الفن والتحف , وستحتاجين إلى بيت ولهذا ستقيمين هنا , عندي قريبة في أسبانيا هي السيدة أوغستا يمكنها الحضور للجزيرة لتظل في رفقتك حرصا على اللياقة الأجتماعية , أيرضيك هذا؟".
    علتها حمرة الحياء وأرتبكت لقدرته على قراءة ما يجول بخاطرها , وقالت :
    " أنا لا أعرف كيف أشكرك يا دون جوان".
    " ستكون أكبر مكافأة لي أن أدخل يوما إلى محل للتحف وأجدك المسؤولة عنه".
    كان يتفحّصها حتى أثناء حديثه.
    " غدا أطلبي من مدبرة المنزل أخذ مقاساتك , كي نرسلها إلى بيت أزياء أخنازيو في مدريد , مع تفاصيل عن ألوانك , سنطلب لك نصف دزينة من كل شيء بما في ذلك الثياب النهارية والمسائية من أجل نمط الحياة التي ستعيشينها وأنت تحت وصايتي ". ثم مدّ يده ليمنعها عن شكرن :" لا تقولي كلمة شكر أخرى , أنا أفعل ذلك لصالحي , أن الورود الحمراء على هذا الثوب لا تتناسب مع لون شعرك يا آنسة".
    كان يمكن أن تشعر بحنان نحوه في هذه اللحظة , لأنها كانت في غاية الأمتنان له من أجل هذه الفرصة التي أتاحها لها , ولكنه أسرع متكئا على عصاه كي يفتح الباب , وقال:
    " عليك أن تأوي الى فراشك الآن ".
    وودعته في القاعة:
    " تصبح على خير يا سيدي".
    " وأنت بخير يا آنسة بلغريم".
    وأنحنى للأنصراف وأسرعت هي في القاعة وسمعت أنغلاق باب الغرفة الذهبية من ورائه.
    هكذا أذن قد تغيرت الحياة بالنسبة لها , فوصيّها الأسمر منحها أمنيتها وستبدأ في التدرب للعمل.
    لم يكن في القاعة أحد , فوقفت أمام مرآة على الحائط وأنحنت بإحترام لصورتها في المرآة , وأبتسمت وقالت ( ستصبحين سيدة مجتمع يا أيفين , هل خطر لك أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث؟).
    وأثناء صعودها السلم الدائري في البرج , فكرت في أيدا ساندل التي لم تهتم بالأستفسار عنها ومعرفة ما أذا كان قد جرى أنقاذها من الغرق , لعله من الخير أن أيدا لم تسأل عنها وإلا كان من الممكن أن تطالب بعودتها للعمل خادمة لكل شيء , وما كان دون جوان يقول أنها من الآن فصاعدا ستكون تحت وصايته.













    رد مع اقتباس  

  10. #10  
    المشاركات
    3,260




    وتطلع الى الرمل وفي لحظة جلس بحرية ثم تطلع اليها بأبتسامة وقال في النهاية:
    " ألا تقول الآنسة أسمها؟ ربما نتحدث ساعة ثم نفترق , فأذا عرفت أسمك سأتمكن من العثور عليك ثانية".
    " أتريد هذا حقا؟".
    لم يسبق أن تحدث اليها شاب بمثل هذه الحرية.
    " بعض الناس يرون أن ساعة تكفي لمعرفة كل شيء , في حين أن الأمر مع آخرين قد يستغرق العمر كله".
    وأستقرت نظرته على شعرها الذي جمعته في ضفيرة واحدة أنسابت على كتفها النحيل , وتابع:
    " لا بد أن لك أسما فريدا , فهناك شيء غير عادي بالنسبة اليك , أنت تختلفين عن شابات الرحلات المرحات اللواتي ألتقيت وتحدثت اليهن في أسبانيا".
    " أنت تتحدث الأنكليزية بطلاقة يا سيد".
    " هل أنت أنكليزية يا آنسة؟".
    " طبعا".
    " في الواقع , هناك شيء مختلف في صوتك".
    وأبتسم وقال :
    " أنا مشدود اليك ".
    كانت عبارة ثناء جعلتها تتساءل ماذا كان يمكن أن يفعل هذا الشاب لو ألتقاها بثوبها وشعرها المرفوع فوق رأسها والنظارة على عينيها مثلما كانت في الأيام السابقة.
    مال الى الأمام قليلا ليمعن النظر في الأبتسامة التي تعلو شفتيها , ولم تشعر بأي خوف , ولا بأي حافز للتراجع كما فعلت مع دون جوان , وأضاف:
    " وضحكتك أيضا غامضة , هل جئت من مكان ساحر من بين تلك الغابات الصنوبرية؟".
    فأجابته بدلال :
    " ربما من القلعة , ومعي كلبي لحراستي".
    ونظر الى الكلب كارلوس الذي أقترب رأسه من كتف أيفين الجالسة , وقال :
    " أنه يدعو للمشاجرة , ألا تخافين منه؟".
    ربتت بيدها على الكلب وقال :
    " كلا أطلاقا , أنه حمل وديع".
    " يبدو كالذئب".
    " أفترض أنني أقول الشيء نفسه عنك؟".
    ضحك للملاحظة البارعة بدون أن يتخلى عن التقرب منها وقال:
    " أن الأسبان هم سلالة جنس من ذوي الدم الدافىء يا آنسة , ويحبون التحدث عن الجمال , ما من أسباني يتسم بالبرود كما تعلمين , فالله وهبه نعمة النظر والحواس , وسواء كان صغيرا أم كبيرا فأنه يحسن أستخدام بصره وحواسه ".
    قالت:
    " أليس هذا صعبا , مع وجود القضبان الحديدية على النوافذ الأسبانية؟".
    ثم أبتسمت ابتسامة رزينة خادعة.
    جاب في خبث:
    " لا حاجز بيننا".
    “ هناك كارلوس , وكذلك كوني لا أكاد أعرفك يا سيد".
    " هذه ملاحظة واعدة من الآنسة الغامضة , هل آمل أن تسمحي لي بأن نكون أصدقاء؟".
    " جميل دائما أن يكون للمرء صدقاء".
    " فتاة بمثل هذه الجاذبية لا بد أن لها عدة أصدقاء".
    داعبت أيفين بأصابعها رأس الكلب وقالت:
    " على العكس , هناك فقط أمريتو وزوجته ولست متأكدة من ناحية المركيز دي ليون".
    رفع عازف الغيتار الشاب حاجبيه وسأل:
    " أتعرفين المركيز؟".
    " ومن الذي يمكنه أن يقول أنه يعرفه؟". قالت ذلك وهي تمد بصرها الى البحر المحيط بالجزيرة وأضافت:
    " أنا أعيش معه .يا ألهي , هذا يبدو مستهجنا ! أقصد , أنا تحت وصايته يا سيدي".
    " تحت وصايته؟ تعنين أنك الفتاة التي أنقذوها من السفينة الغارقة ؟ أن الجميع في ميناء بورتو دي ليون يتحدثون عنك , ولكن المركيز رجل لا يجرؤ على سؤاله أحد , أذن فهو يقول أنك تحت وصايته".
    " نعم!".
    وقفت فجأة فذعر الكلب , وكاد طفل ماري لويز يستيقظ , وسألته:
    " بماذا يتحدث الجميع يا سيد كورتيز , هل يقولون أنني أنتزع ماله ؟".
    " أنت؟".
    وقبل أن يتابع كلامه نهض بقامته التي تعلو عنها بكتفيه ورأسه , وكان قميصه الحريري يلتصق بجسمه الشاب بينما هبّت نسمة لطيفة , وأضاف:
    " كيف يمكن لأحد أن يراك وتساوره هذه الظنون؟كما أن المركيز ليس بالأبله , وهو معروف بالكرم , ولكن لم تحرّك أمرأة فؤاده".
    علّقت على قوله:
    " أنه أسباني حتى العظم , أليس الأسبان من ذوي الدم الدافىء كما قلت قبل قليل؟".
    " كنت أتحدث عن الأشخاص العاديين".
    " أعتقد ذلك".











    رد مع اقتباس  

صفحة 1 من 6 123 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  2. تناديني وأجي ملهوف sms
    بواسطة لؤلؤة البحر في المنتدى مسجات و رسائل وسائط SMS & MMS
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26-Mar-2011, 12:27 AM
  3. أنشودة تناديني
    بواسطة الريحــــانة في المنتدى تحميل و استماع اناشيد و صوتيات الاسلامية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-Mar-2009, 12:07 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •