الملاحظات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 17 من 17

الموضوع: رواية قريبا يا ملاكي

  1. #11  
    - لين ما بكياعزيزتي ؟ بالله عليك لاتفعلي هكذا بنفسك ! لمتنبس المرأة ببنت شفه بل نظرتالى الغجري لاتصدق ان ما يختلج في قلبهاحقيقة همست في نفسها :
    - لا , هذاليس صحيحا , لايمكن ان يكون صحيحا تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئالانشغالها بالحقائق الجديدة سرت فيجسمها رعشة قوية وارتجفت بشدة ثم سقطت بينيدي زوجها
    - لين , ما بك؟ هل انت مريضة ؟كان صوته ناعما ينم عن قلق عميق لكن لين ليست مريضة بل هي في حالة أخطر منذلك رفعت رأسها وكأنها تخرج منالغيبوبة , ثم حدقت في الرجل وتساءلت عمايمكن ان تكون ردة فعله لو اطلعته علىما اكتشفت لتوها أيستقبل الخبر بفرحام يقول متشفيا : لقد وقعت في غرام غجريمتشرد اذن ! وهكذا لن تتركيني بعدالآن يا امرأة لأن حبك لي يجعلك أمة خاضعة !
    لن تخبره بذلك ابدا ! ولن يغير الوضع الجديد من تصميمها على الهرب لأنهالاتنوي قضاء حياتها مع غجري برغم حبها القاتل لرادولف لن تستطيع رؤيةأطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيدا عن المدرسة الصالحة والبيئةالصالحة ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب لماعادت الى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة الى ذهنها لقداستنتجتفي السابق انه يملك شخصية مزدوجة وقالت انها لو استطاعت ابقاء جانبهالسئ بعيدالاستطاعت تمضية أيام حلوة معه وفي الحقيقة أنه كان انسانا رائعاخلالالأسبوعين الفائيتين فهو عاملها بكل رقة ولطف , حتى أنه لم يحاولتقبيلهامرةلقد كبح جماح غرائزه لا سعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي انانية أوحبللذات أي رجل هو هذا ؟ لا تستطيع لين تحمل العيش مع رجل غامض الى هذاالحد وانتكن تصرفاتها الاخرى مقبولة ولائقةنفذ صوت رادولف من خلالأفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب :
    - سألتك اذا كنت مريضة
    - انا بخير الآن قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع ان افكارها ماتزال مبلبلة نظرت الى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجريا , لا يمكن ان تكون هذهالوسامةالراقية في غجري
    أن هذا المكان ليس لغجري وظنت أن رادولف ليس صديقا لمالكه كما ادعى , بل هو
    يدخل اليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون ولكن من أين أتى بالمفتاح ؟
    الجواب على ذلك ليس مستعصيا لأن هناك نوعا من المفاتيح الخاصة يناسب جميع
    الاقفال والغجر مرشحون اكثر من غيرهم لأقتنائهم هذا النوع
    أعادها صوت رادولف الى الواقع عندما بادرها بالسؤال :
    - بماذا تفكرين؟



    - كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيتشبه مهجور لم يقنعجواب لين زوجها الماكر فصحح قولها :
    - لا ياعزيزتي , كنتتقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف الى أصدقاءأثرياء كصاحب هذاالمنزل ؟مرة جديدة عادت مسحة المرارة الى صوت رادولف ولكن لين لم تشعربالشماتهلذلك بل انزعجت وحاولت تغيير وجهة الحديث
    - أهناك حمام في هذاالمنزل ؟
    - وهل يعقل الا يكون هناك حمام ؟ تعالي لأدلك اليه بعد ذلك أراهاغرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا الى المطبخ الواسعوالمجهز بأحدث الوسائلوأغلاها
    - لابد أن أحدا يأتي الى هنا باستمرار ليبقى المنزل نظيفا هزرادولف برأسه موافقا وهو يشير الى بقعة خضراء لاتبعد كثيرا عن البيت
    - هناكمزرعة صغيرة خلف تلك الاشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقيالمجئ يومياللأهتمام بالمنزل
    - يوميا ؟
    - ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين مناني لست متسللا اليس هذا ما يشغلبالك ؟احمر وجه لين لملاحظاته الجارحةوالصائبة لكنها رأت في مجئ هذه المرأة عملايحتمل أن يساعدها على الهرب
    - لا تبني آمالا كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيرا وتنفذ مشيئتي
    - يبدو أن لديكالكثير من المحبين تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال :
    - المياة ساخنه الآناذا كنت ترغبين في أخذ حمام لقد أنبأت السيدة وايتبمجيئنا وأمرتها بتسخينالماء حدقت لين فيه بذهول مطبق
    - انبأت السيدةولكن متى وكيف فعلت ذلك؟ضحك رادولف وأجاب :
    - طلبت الى احدهم في آخر مخيم توقفنا فيه أن يتصل بهاهاتفيا
    - فهمت تظاهرت لين بالفهم لأنها مهتمة الآن بالدخول الى الحماموالأستلقاء في المياهالساخنة لترتاح وتنعم بهذا الترف الذي حرمت منه منذ مدةطويلة ولما همتبدخول الحمام لتخلع ثيابها وجدت الباب مقفلا
    - ستخلعينثيابك في غرفة النوم قبل أن اعطيك مفتاح الحمام
    - لماذا هذا التعقيد ؟
    - لأني أود مساعدتك في ذلك يا حبيبتي
    - أنت تفكر في كل شئ
    - علي أن أفكر فيكل شئ والا أفلت زمام من الأمور من يدي أمضت لين وقتا طويلا في غمرة المياهالساخنة ولما عادت الى غرفة النوم كانتهادئة ومرتاحة الأعصاب جلسرادولف على السرير يتأمل جمال زوجته في قميص النوم الذي أخرجه لها مناحدىالخزانات نظر الى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال :
    - يظهر أنك تمتعت كثيرابالماء لأنك أمضيت ما يقارب نصف الساعة في الحمام علقت لين بجدية :
    - أناحقا آسفة لتأخري
    - لا عليك يا طفلتي فأنا كنت مشغولا باجراء بعض المكالماتالهاتفية مخابرات هاتفية هذا يعني أن ثمة هاتفا في المنزل حاولت المرأةأن تتكلمبلهجة عادية حتى لايتنبه زوجها لحيلتها
    - الا يمانع صديقكاستعمالك لهاتفه ؟
    - لا ابدا دخل رادولف بدوره الى الحمام تحت أنظار زوجتهالمتسائلة عن ماهية مكالماتهالتي ليست بالطبع موجهة الى مخيم غجري, لأن هذهالامكنه لا تعرف الهاتف انتظرت بضع دقائق حتى سمعت صوت المياه وتأكدت من أنزوجها لا يراقبها , ثمخرجت من الغرفة على رؤؤس أصابعها وشرعت تبحث عن مكانالهاتف دون جدوى لاعجبفي أن يخفيه رادولف الداهية لأنه مدرك أن زوجته لنتكون غبية وتدع فرصةاستعمال الهاتف تفلت من يده وتضيع هباء تخلت لين عنالبحث وجلست على طرف السرير تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف
    , وكأنه يتعمدخلق مواقف تجعل زوجته تطرح على نفسها المزيد من الأسئلة حولحقيقته تمنت لوتجد سبيلا كي تقنعه بالأجابة على التساؤلات الدائرة فيذهنها والتي تسبب لهاحيرة وشكا عظيمين بماذا تشك المرأة ؟ ماهو التفسير الشافي لكل الغموض الذييحيط بزوجها؟ منالمسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها انكار بعض الصفاتالتي تجعل منهشبيها بأي رجل مثقف لا بل أرستقراطي نبيل , ان في حديثه أم فيتصرفاته وفيالفترة الاخيره بالذات , أي عندما جالا في البلاد ’انتفت عنه كلعلامة تشيرالى أنه غجري حتى بدت متغيرة خصوصا وانه صار يرتدي ثيابا عاديةمختلفة عنالزي شبه " الفولكلوري " الذي كان غالبا على هندامه في السابق
    والسؤال المحير يبقى لماذا هذا التبدل أو لماذا عمد رادولف في بداية تعارفهماالى كسب عدائها ؟ لماذا !لماذا!أسئلة لاتنتهي ! يضافاليها هذا المنزلالفخم قطعة جديدة في الأحجية مادام من غير المعقول أن يكون لغجري صديق حميمبهذا الثراء يعهد اليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة , سيما وانرادولف بدا معتادا على المجئ الى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقةبالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده يضاف الى ذلك السلطة التي يستطيع بموجبها أن يأمر الأرملة بتحضير البيت وتنظيفه استعدادا لحضوره





    رد مع اقتباس  

  2. #12  
    غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذييبحث عنه جفل رادولفلسؤالها وقال :
    - الم تقولي سابقا أني أبحث عن شخصوبررت استنتاجك هذا ؟
    - قلت ان هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم أطرقتلين قليلا وزادت :
    - سأكون صريحة معك هذه المرة
    - تفضلي
    - سمعت الرجلالعجوز يتحدث اليك عن رجل لم يأت الى المخيم وينصحك بألا تكملالبحث عنه
    فكرت لين بأن تذكر كلمات اولاف أيضا لكنها عدلت لأن ذلك ليس ضروريا
    - لمتخبريني بذلك في المرة السابقة
    - تعني عندما قلت لك انك تبحث عن أحد ما ؟ لافقد ظننت أنك تتضايق لو عرفتأني كنت أسترق السمع حاول رادولف ان يبتسموقال بعد أن غير وجهة الحديث :
    - أطلعتني الآن على شئ يضايقني الم تخافي منأثارة غضبي ؟
    - لم أعد أخاف منك
    - قولي بصراحة يا لين , هل انت أسعد الآنمما كنت عليه توقف فجأة محاولا ايجاد الكلمات المناسبة لأنهاء السؤال , لكندفعة منالشجاعة أتت لين فأكملت عنه:
    - مما كنت عليه عندما كنت ترغمني علىمشاطرتك السرير ؟فوجئ الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء
    - أحسنتفهذا ما كنت سأقوله
    - لست سعيدة بل راضية ان تردد لين وعدم ثقتها بما تقوليضرب بهما المثل فلماذا تنكر انها طالمانظرت الى يديه القويتين خلالالأسبوعين الفائتين وتذكرت مداعباتهما ولمساتهماالجذابة وتمنت لو يعيد الكرة ؟أهي ترغب فيه ؟ ولم لا فهي تحبهالحباحتقرت نفسها لأنها وقعت في حبائلهلمجرد انه كان ودودا معها فيالأيام الماضية , كرهت ضعفها وسرعة ذوبانها في بحرالعاطفةولكن هل صحيح ان شعور الحب لم يبدأ الا منذ وقت قصير ؟خصوصا وانلين تعترف أنها وجدت الغجري جذابا منذ رأته
    - وهل يرضيك عيشنا بهذه الطريقةحتى نصبح عجوزين هرمين ؟
    - سؤالك غير مجد فأنا لا انوي قضاء حياتي معك سمعتلين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت اذا كان سلم بالأمر الواقعواقتنعبأن المشاركه في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهروالاكراهبعد دقائق انطلق رادولف بالسيارة صامتا وملامحه قاسية كالحجر , ينظر أمامهكأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما وغرقت لين بدورها في التفكيربمشاكلهاوبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق من دون ان تسبب أي الم أوأذىلزوجهاتوقف الغجري في احد المخيمات لكنه لم يمكث هناك سوى بضع دقائق وأبلغ زوجتهبعد ذلك أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطئالبحر
    - ومن هو هذا الصديق ؟
    - لا ضرورة لأن تعرفي
    - انه ليس غجريابالطبع
    - لي أصدقاء كثيرون من غير الغجر يا عزيزتي
    - أهناك أحد في المنزل؟أجاب رادولف بنبرة ناعمة وفي صوته تلك الرنة الموسيقية القريبة من اللهجةالايرلنديه :
    - المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية أنا واثق من أنهسيعجبك كثيرافهو مجهز بكل شئ برغم بعده عن أي تجمع سكني
    - أتعني أنالمنزل منعزل ؟
    - يبدو أنك فكرت بالهرب ياحلوتي ! لم أكن لأصطحبك الى هناك لو لميكن المنزلمنعزلا عن بقية العالم
    - أيستعمل المنزل لأغراض سياحية ؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيدا عن الناس



    ضحك رادولف وعلق :
    - استعملتديباجة بارعة لأخفاء خيبتك
    - ماذا تعني ؟
    - لاتدعي الغباء يا لين ظننت أنوجودك في منزل على شاطئ البحر سيسهل الفرار
    , ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلانهارا
    - الفرار من مخيم للغجر هو في الحقيقة مستحيل , أما بالنسبة لاستنتاجاتكالاخرى فانك مخطئ لأني صرت أعرفك كفاية كي أدرك أنك حاضر أبدا لاحباط ايةمحاولة أقوم بها للأفلات جل ما في الامر أني استغرب وجود منزل مخصص للعطلةفي مكان منعزل كما فهمت من كلامك
    - لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ اربعسنوات حتى يهرب من همومه ويرتاح هناك منعناء أعماله المتراكمة عجبت لينلكلام زوجها فكيف يتوصل غجري الى مصادقة شخص ثري يبني منزلا لمجردحبه الاختلاءبنفسه !
    - لابد أن صديقك ثري جدا ! انا لم أعد أفهم شيئا آه لو تخبرنيالمزيد عننفسك فلربما صارت الامور بيننا مختلفة ضغط رادولف على المكابححتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي نظر اليهابدهشة وسألها :
    - ماذاتعنين بمختلفة ؟هزت المرأة رأسها عاجزة :
    - لا أستطيع التفسير وبالفعللم تكن تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماما منكلامهاانطلق الغجري بالسيارة , وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بينالهضاب الخضراءحتى انعطف أخيرا في زقاق ضيق لا يعرفه أحد وليس موجودا علىالخريطة كما أبلغزوجته كادت لين تلهث عندما رأت جمال الطبيعة حولها , صخور الشاطئ ورماله الذهبيةالمترامية كأنها لا تنتهي لايزورها سوى طيورالنورس تبحث عن رزقها بعيدا عنفضول الانسان استمر سيرهما في هذا المكانالنائي حتى وصلا الى طريق صخرية لم تعرف طعمالأسفلت , فأخذت السيارة تثب علىالحجارة وراكباها يعانيان صعوبة المسلك حتىبلغا أخيرا بوابة عتيقة منحوتة فيالحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاضبناء قديم وخلف البوابة والسور المحيطبالأرض نمت أشجار خضراء من مختلفالأنواع , وتوزعت أزهار وورود زاهية هنا وهناكتضفي على الجو رونقا وضياء كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها علىالمنزل الأبيض المحاط ببساطمن العشب الأخضر وسجادة من الأزهار انعقد لسانلين من الدهشة وصعقت لجمالهذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها أرجلالأنسان الشرهقالت وهي تترجل من السيارة :
    - آه ما أروع هذا المكان !
    أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطهابياض الزبد عجيبة هي طبيعة ايرلندا في جمعها سمو الجبال ووداعة البحر فيلوحة واحدة
    - كيف وصل صديقك الى مكان كهذا ؟مرت لحظات تردد قبل أنيجيب زوجها :
    - أن عائلته تملك الأرض منذ عدة أجيال وقد أقامت فيها مزرعة كبيرة
    أشار بيده الى بقايا البناء المتهدم وقال :
    - كان هذا بيتا لعمال المزرعة وجد صديقيالمكان مناسبا ليناء منزل يرتاح فيه عندما يحتاج الى الابتعاد عن عالمالاعمال والضجيج
    - وماذا يعمل صديقك ؟
    - لديه أملاك كثيرةجاء جوابالغجري مقتضبا يحذر لين من التمادي في طرح الأسئلة , ويعلمها بأنهما عاد يرغبفي التوغل في الموضوع أكثر دخل الزوجان الى المنزل الفخم حيث الاثاث الوثيروالسجاد العجمي والستائرالحريرية الفاخرة وأعجبت لين بالثريات والكريستالوالآنية الفضية وتماثيلالعاج والبرونز كما لفت نظرها الديكور الذواق الذينظمت على أساسه غرفة الجلوس , ثم هزترأسها مدركة.
    في هذه اللحظة دخل رادولف الى غرفة النوم مرتديا لباس نوم أنيقايتناقض معشعره غير المسرح , ويعطيه شكلا فريدا جامعا بين الظاهر الانيقوالطبيعةالبدائية لايقال عن رادولف الا أنه طائر يغرد خارج سربه !
    عرفالغجري ما أثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذرا:
    - لآسف لمظهري , ولكني سأتحسنمع الوقت اذا اهتممت أكثر بالتفاصيل
    - لا ضرورة للتهكم أتسمح الآن بأن أرتديملابسي فالجو ليس دافئا كفاية هنا؟لم يحتج رادولف لسماع المزيد فسارع الىتشغيل جهاز التدفئة المركزية وعلىالفور غمر المنزل دفء عارم بعد ذلك عادرادولف الى غرفة النوم وفتح خزانةالثياب
    - ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا
    أستدار وأكمل:
    -أظن أني رأيت بين ملابسك فستانا طويلا تأخرت لين فيالأجابة لأنها كانت تراقب بتعجب اللباس الذي يرتديه زوجهاوالمناسب له تمامامما يدل على أن قياسه معادل تماما لقياس صديقه , حتىالكمان يناسبان ذراعيزوجها المتميزتين بطولهما
    - ماذا عن الفستان ؟
    - أريدك ان ترتديه الليلة
    مرر نظراته الشغوفة على جسمها وأكمل :
    - سنتناول العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين





    رد مع اقتباس  

  3. #13  
    - عدلت المرأة عن الأعتراض لأن فكرة ارتداء ثوب أنيق والجلوسالى طاولةلتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية , حيث تخلت مرغمةعنمبادئها المتعلقة بالنظافة والشكليات وفي الواقع وجدت لين نفسها تبتسم وهيتتصور المائدة المغطاة بشرشف مزركش بالزهور والمزين بآنية فيها ورود مقطوفةمن الحديقة المحيطة بالمنزل منحها رادولف احدى ابتساماته النادرة وهويتناول الفرشاة ليسرح شعره قبل أنيقول :
    -أرى أن اقتراحي اعجبك أخرجيالفستان المعني لأراهفعلت لين كما امرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفرالطويل دون ان تشعربأي حرج بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستانا آخر ذالون أرجواني :
    - ما رأيك بهذا ؟أقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريهاوكأن في الرجل قوة مغناطيسيةغريبة يزيد منها طبعه المتكبر أحمرت وجنتاالمرأة وثقل تنفسها وفي ذهنهافكرة واحدة : حبها لرادولف مع اقتراب رادولفمنها أكثر زادت دقات قلبهاأكثر فأكثر وعلمت أنه لو أراد ضمها الى صدره لماأحجمت بل لرحبت بذلك بكلجوارحها لكن زوجها خيب آمالها واكتفى بطبع قبلةناعمة على جبينها
    - كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيتشبه مهجور لم يقنعجواب لين زوجها الماكر فصحح قولها :
    - لا ياعزيزتي , كنتتقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف الى أصدقاءأثرياء كصاحب هذاالمنزل ؟مرة جديدة عادت مسحة المرارة الى صوت رادولف ولكن لين لم تشعربالشماتهلذلك بل انزعجت وحاولت تغيير وجهة الحديث
    - أهناك حمام في هذاالمنزل ؟
    - وهل يعقل الا يكون هناك حمام ؟ تعالي لأدلك اليه بعد ذلك أراهاغرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا الى المطبخ الواسعوالمجهز بأحدث الوسائلوأغلاها
    - لابد أن أحدا يأتي الى هنا باستمرار ليبقى المنزل نظيفا هزرادولف برأسه موافقا وهو يشير الى بقعة خضراء لاتبعد كثيرا عن البيت
    - هناكمزرعة صغيرة خلف تلك الاشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقيالمجئ يومياللأهتمام بالمنزل
    - يوميا ؟
    - ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين مناني لست متسللا اليس هذا ما يشغلبالك ؟احمر وجه لين لملاحظاته الجارحةوالصائبة لكنها رأت في مجئ هذه المرأة عملايحتمل أن يساعدها على الهرب
    - لا تبني آمالا كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيرا وتنفذ مشيئتي
    - يبدو أن لديكالكثير من المحبين تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال :
    - المياة ساخنه الآناذا كنت ترغبين في أخذ حمام لقد أنبأت السيدة وايتبمجيئنا وأمرتها بتسخينالماء حدقت لين فيه بذهول مطبق
    - انبأت السيدةولكن متى وكيف فعلت ذلك؟ضحك رادولف وأجاب :
    - طلبت الى احدهم في آخر مخيم توقفنا فيه أن يتصل بهاهاتفيا
    - فهمت تظاهرت لين بالفهم لأنها مهتمة الآن بالدخول الى الحماموالأستلقاء في المياهالساخنة لترتاح وتنعم بهذا الترف الذي حرمت منه منذ مدةطويلة ولما همتبدخول الحمام لتخلع ثيابها وجدت الباب مقفلا
    - ستخلعينثيابك في غرفة النوم قبل أن اعطيك مفتاح الحمام
    - لماذا هذا التعقيد ؟
    - لأني أود مساعدتك في ذلك يا حبيبتي
    - أنت تفكر في كل شئ
    - علي أن أفكر فيكل شئ والا أفلت زمام من الأمور من يدي أمضت لين وقتا طويلا في غمرة المياهالساخنة ولما عادت الى غرفة النوم كانتهادئة ومرتاحة الأعصاب جلسرادولف على السرير يتأمل جمال زوجته في قميص النوم الذي أخرجه لها مناحدىالخزانات نظر الى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال :
    - يظهر أنك تمتعت كثيرابالماء لأنك أمضيت ما يقارب نصف الساعة في الحمام علقت لين بجدية :
    - أناحقا آسفة لتأخري
    - لا عليك يا طفلتي فأنا كنت مشغولا باجراء بعض المكالماتالهاتفية مخابرات هاتفية هذا يعني أن ثمة هاتفا في المنزل حاولت المرأةأن تتكلمبلهجة عادية حتى لايتنبه زوجها لحيلتها
    - الا يمانع صديقكاستعمالك لهاتفه ؟
    - لا ابدا دخل رادولف بدوره الى الحمام تحت أنظار زوجتهالمتسائلة عن ماهية مكالماتهالتي ليست بالطبع موجهة الى مخيم غجري, لأن هذهالامكنه لا تعرف الهاتف انتظرت بضع دقائق حتى سمعت صوت المياه وتأكدت من أنزوجها لا يراقبها , ثمخرجت من الغرفة على رؤؤس أصابعها وشرعت تبحث عن مكانالهاتف دون جدوى لاعجبفي أن يخفيه رادولف الداهية لأنه مدرك أن زوجته لنتكون غبية وتدع فرصةاستعمال الهاتف تفلت من يده وتضيع هباء تخلت لين عنالبحث وجلست على طرف السرير تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف
    , وكأنه يتعمدخلق مواقف تجعل زوجته تطرح على نفسها المزيد من الأسئلة حولحقيقته تمنت لوتجد سبيلا كي تقنعه بالأجابة على التساؤلات الدائرة فيذهنها والتي تسبب لهاحيرة وشكا عظيمين بماذا تشك المرأة ؟ ماهو التفسير الشافي لكل الغموض الذييحيط بزوجها؟ منالمسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها انكار بعض الصفاتالتي تجعل منهشبيها بأي رجل مثقف لا بل أرستقراطي نبيل , ان في حديثه أم فيتصرفاته وفيالفترة الاخيره بالذات , أي عندما جالا في البلاد ’انتفت عنه كلعلامة تشيرالى أنه غجري حتى بدت متغيرة خصوصا وانه صار يرتدي ثيابا عاديةمختلفة عنالزي شبه " الفولكلوري " الذي كان غالبا على هندامه في السابق
    والسؤال المحير يبقى لماذا هذا التبدل أو لماذا عمد رادولف في بداية تعارفهماالى كسب عدائها ؟ لماذا !لماذا!أسئلة لاتنتهي ! يضافاليها هذا المنزلالفخم قطعة جديدة في الأحجية مادام من غير المعقول أن يكون لغجري صديق حميمبهذا الثراء يعهد اليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة , سيما وانرادولف بدا معتادا على المجئ الى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقةبالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده يضاف الى ذلك السلطة التي يستطيعبموجبها أن يأمر الأرملة بتحضير البيت وتنظيفه استعدادا لحضوره
    غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذييبحث عنه جفل رادولفلسؤالها وقال :
    - الم تقولي سابقا أني أبحث عن شخصوبررت استنتاجك هذا ؟
    - قلت ان هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم أطرقتلين قليلا وزادت :
    - سأكون صريحة معك هذه المرة
    - تفضلي
    - سمعت الرجلالعجوز يتحدث اليك عن رجل لم يأت الى المخيم وينصحك بألا تكملالبحث عنه
    فكرت لين بأن تذكر كلمات اولاف أيضا لكنها عدلت لأن ذلك ليس ضروريا
    - لمتخبريني بذلك في المرة السابقة
    - تعني عندما قلت لك انك تبحث عن أحد ما ؟ لافقد ظننت أنك تتضايق لو عرفتأني كنت أسترق السمع حاول رادولف ان يبتسموقال بعد أن غير وجهة الحديث :
    - أطلعتني الآن على شئ يضايقني الم تخافي منأثارة غضبي ؟
    - لم أعد أخاف منك
    - قولي بصراحة يا لين , هل انت أسعد الآنمما كنت عليه توقف فجأة محاولا ايجاد الكلمات المناسبة لأنهاء السؤال , لكندفعة منالشجاعة أتت لين فأكملت عنه:
    - مما كنت عليه عندما كنت ترغمني علىمشاطرتك السرير ؟فوجئ الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء
    - أحسنتفهذا ما كنت سأقوله
    - لست سعيدة بل راضية ان تردد لين وعدم ثقتها بما تقوليضرب بهما المثل فلماذا تنكر انها طالمانظرت الى يديه القويتين خلالالأسبوعين الفائتين وتذكرت مداعباتهما ولمساتهماالجذابة وتمنت لو يعيد الكرة ؟أهي ترغب فيه ؟ ولم لا فهي تحبهالحباحتقرت نفسها لأنها وقعت في حبائلهلمجرد انه كان ودودا معها فيالأيام الماضية , كرهت ضعفها وسرعة ذوبانها في بحرالعاطفةولكن هل صحيح ان شعور الحب لم يبدأ الا منذ وقت قصير ؟خصوصا وانلين تعترف أنها وجدت الغجري جذابا منذ رأته
    - وهل يرضيك عيشنا بهذه الطريقةحتى نصبح عجوزين هرمين ؟
    - سؤالك غير مجد فأنا لا انوي قضاء حياتي معك سمعتلين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت اذا كان سلم بالأمر الواقعواقتنعبأن المشاركه في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهروالاكراهبعد دقائق انطلق رادولف بالسيارة صامتا وملامحه قاسية كالحجر , ينظر أمامهكأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما وغرقت لين بدورها في التفكيربمشاكلهاوبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق من دون ان تسبب أي الم أوأذىلزوجهاتوقف الغجري في احد المخيمات لكنه لم يمكث هناك سوى بضع دقائق وأبلغ زوجتهبعد ذلك أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطئالبحر
    - ومن هو هذا الصديق ؟
    - لا ضرورة لأن تعرفي
    - انه ليس غجريابالطبع
    - لي أصدقاء كثيرون من غير الغجر يا عزيزتي
    - أهناك أحد في المنزل؟أجاب رادولف بنبرة ناعمة وفي صوته تلك الرنة الموسيقية القريبة من اللهجةالايرلنديه :
    - المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية أنا واثق من أنهسيعجبك كثيرافهو مجهز بكل شئ برغم بعده عن أي تجمع سكني
    - أتعني أنالمنزل منعزل ؟
    - يبدو أنك فكرت بالهرب ياحلوتي ! لم أكن لأصطحبك الى هناك لو لميكن المنزلمنعزلا عن بقية العالم
    - أيستعمل المنزل لأغراض سياحية ؟ فالبعضيحب تمضية وقت فراغه بعيدا عن الناس

    ضحك رادولف وعلق :
    - استعملتديباجة بارعة لأخفاء خيبتك
    - ماذا تعني ؟
    - لاتدعي الغباء يا لين ظننت أنوجودك في منزل على شاطئ البحر سيسهل الفرار
    , ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلا نهارا



    - الفرار من مخيم للغجر هو في الحقيقة مستحيل , أما بالنسبة لاستنتاجاتكالاخرى فانك مخطئ لأني صرت أعرفك كفاية كي أدرك أنك حاضر أبدا لاحباط ايةمحاولة أقوم بها للأفلات جل ما في الامر أني استغرب وجود منزل مخصص للعطلةفي مكان منعزل كما فهمت من كلامك
    - لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ اربعسنوات حتى يهرب من همومه ويرتاح هناك منعناء أعماله المتراكمة عجبت لينلكلام زوجها فكيف يتوصل غجري الى مصادقة شخص ثري يبني منزلا لمجردحبه الاختلاءبنفسه !
    - لابد أن صديقك ثري جدا ! انا لم أعد أفهم شيئا آه لو تخبرنيالمزيد عننفسك فلربما صارت الامور بيننا مختلفة ضغط رادولف على المكابححتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي نظر اليهابدهشة وسألها :
    - ماذاتعنين بمختلفة ؟هزت المرأة رأسها عاجزة :
    - لا أستطيع التفسير وبالفعللم تكن تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماما منكلامهاانطلق الغجري بالسيارة , وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بينالهضاب الخضراءحتى انعطف أخيرا في زقاق ضيق لا يعرفه أحد وليس موجودا علىالخريطة كما أبلغزوجته كادت لين تلهث عندما رأت جمال الطبيعة حولها , صخور الشاطئ ورماله الذهبيةالمترامية كأنها لا تنتهي لايزورها سوى طيورالنورس تبحث عن رزقها بعيدا عنفضول الانسان استمر سيرهما في هذا المكانالنائي حتى وصلا الى طريق صخرية لم تعرف طعمالأسفلت , فأخذت السيارة تثب علىالحجارة وراكباها يعانيان صعوبة المسلك حتىبلغا أخيرا بوابة عتيقة منحوتة فيالحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاضبناء قديم وخلف البوابة والسور المحيطبالأرض نمت أشجار خضراء من مختلفالأنواع , وتوزعت أزهار وورود زاهية هنا وهناكتضفي على الجو رونقا وضياء كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها علىالمنزل الأبيض المحاط ببساطمن العشب الأخضر وسجادة من الأزهار انعقد لسانلين من الدهشة وصعقت لجمالهذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها أرجلالأنسان الشرهقالت وهي تترجل من السيارة :
    - آه ما أروع هذا المكان !
    أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطهابياض الزبد عجيبة هي طبيعة ايرلندا في جمعها سمو الجبال ووداعة البحر فيلوحة واحدة
    - كيف وصل صديقك الى مكان كهذا ؟مرت لحظات تردد قبل أنيجيب زوجها :
    - أن عائلته تملك الأرض منذ عدة أجيال وقد أقامت فيها مزرعة كبيرة
    أشار بيده الى بقايا البناء المتهدم وقال :
    - كان هذا بيتا لعمال المزرعة وجد صديقيالمكان مناسبا ليناء منزل يرتاح فيه عندما يحتاج الى الابتعاد عن عالمالاعمال والضجيج
    - وماذا يعمل صديقك ؟
    - لديه أملاك كثيرةجاء جوابالغجري مقتضبا يحذر لين من التمادي في طرح الأسئلة , ويعلمها بأنهما عاد يرغبفي التوغل في الموضوع أكثر دخل الزوجان الى المنزل الفخم حيث الاثاث الوثيروالسجاد العجمي والستائرالحريرية الفاخرة وأعجبت لين بالثريات والكريستالوالآنية الفضية وتماثيلالعاج والبرونز كما لفت نظرها الديكور الذواق الذينظمت على أساسه غرفة الجلوس , ثم هزترأسها مدركة.
    في هذه اللحظة دخل رادولف الى غرفة النوم مرتديا لباس نوم أنيقايتناقض معشعره غير المسرح , ويعطيه شكلا فريدا جامعا بين الظاهر الانيقوالطبيعةالبدائية لايقال عن رادولف الا أنه طائر يغرد خارج سربه !
    عرفالغجري ما أثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذرا:
    - لآسف لمظهري , ولكني سأتحسنمع الوقت اذا اهتممت أكثر بالتفاصيل
    - لا ضرورة للتهكم أتسمح الآن بأن أرتديملابسي فالجو ليس دافئا كفاية هنا؟لم يحتج رادولف لسماع المزيد فسارع الىتشغيل جهاز التدفئة المركزية وعلىالفور غمر المنزل دفء عارم بعد ذلك عادرادولف الى غرفة النوم وفتح خزانةالثياب
    - ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا
    أستدار وأكمل:
    -أظن أني رأيت بين ملابسك فستانا طويلا تأخرت لين فيالأجابة لأنها كانت تراقب بتعجب اللباس الذي يرتديه زوجهاوالمناسب له تمامامما يدل على أن قياسه معادل تماما لقياس صديقه , حتىالكمان يناسبان ذراعيزوجها المتميزتين بطولهما
    - ماذا عن الفستان ؟
    - أريدك ان ترتديه الليلة
    مرر نظراته الشغوفة على جسمها وأكمل :
    - سنتناول العشاء بكامل أناقتناكأناس متمدنين
    - عدلت المرأة عن الأعتراض لأن فكرة ارتداء ثوب أنيق والجلوسالى طاولةلتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية , حيث تخلت مرغمةعنمبادئها المتعلقة بالنظافة والشكليات وفي الواقع وجدت لين نفسها تبتسم وهيتتصور المائدة المغطاة بشرشف مزركش بالزهور والمزين بآنية فيها ورود مقطوفةمن الحديقة المحيطة بالمنزل منحها رادولف احدى ابتساماته النادرة وهويتناول الفرشاة ليسرح شعره قبل أنيقول :
    -أرى أن اقتراحي اعجبك أخرجيالفستان المعني لأراهفعلت لين كما امرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفرالطويل دون ان تشعربأي حرج بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستانا آخر ذالون أرجواني :
    - ما رأيك بهذا ؟أقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريهاوكأن في الرجل قوة مغناطيسيةغريبة يزيد منها طبعه المتكبر أحمرت وجنتاالمرأة وثقل تنفسها وفي ذهنهافكرة واحدة : حبها لرادولف مع اقتراب رادولفمنها أكثر زادت دقات قلبهاأكثر فأكثر وعلمت أنه لو أراد ضمها الى صدره لماأحجمت بل لرحبت بذلك بكلجوارحها لكن زوجها خيب آمالها واكتفى بطبع قبلة ناعمة على جبينها






    رد مع اقتباس  

  4. #14  

    8- اشراقة في القلبجلس رادولف ولين متقابلين الى مائدة مضاءةبالشموع في شمعدان فضي , ومزينةبمزهرية مليئة بورود حمراء وعلى طرف المائدةوضع اناء طافح بمختلف أنواعالفاكهة أما الشرشف فأبيض كالثلج تضيئه السكاكينوالشوك الفضيةجلست لين في فستانها الاصفر سعيدة كما لم تكن يوما منذ أن التقترادولف , وهيتعلم أن هذه السعادة لن تعمر طويلا فالأمسية ليست الا واحةصغيرة في صحراء حياتها مع زوجها , والتي تنوي الخروجمنها برغم كل الاعتباراتالأخرى وأهمها حبها للغجريتمكن رادولف بطريقة ما من الدخول الى هذا المنزلالذي يحوي في ما يحويه ,
    حوضا للسباحة في قاعة مقفلة مكيفة و وملعبا لكرةالمضرب في القاعة نفسها ,
    كما أقيمت في الجهة الخلفية بحيرة اصطناعية صغيرةلاكمال اللوحة الفنية خصوصاوانها تطل على الهضاب الخضراء الحالمة قررتالمرأة الشابة نسيان شكوكها لتمضي وقتا ممتعا في هذا المكان الذياعتبرته أكثرشاعرية من كل ما أبصرت عيناها فلم تستغل الفرصة وتتذوق حلاوةكل دقيقة تمرهنا بدل أن تشغل فكرها في ما لن تستطيع توضيحه؟من جهته ارتدى رادولف بزة رسميةسوداء وتحتها قميص أبيض يزيده اشراقا لونبشرته السمراء , لكنه لم يبد منزعجامن لباسه هذا أو غير معتاد عليهتدخل صوته معلقا بعذوبة :
    - أنت هادئة كثيرايا عزيزتي
    - اني اتمتع بهذه الامسية اللطيفة أكمل رادولف مازحا :
    - وتريدين بالطبع أن تطرحي الكثير من الأسئلة أنت اكبر امرأة متحفظة رأيتهافيحياتي
    - وهل تريدني ان أضع كل ثقتي بك؟ ماذا تفعل لو كنت مكاني ؟تجاهلرادولف سؤالها وأهتم بصب الكافيار الفاخر الذي وجد في خزانة مليئةبالمعلباتعلى اختلافها وبعد ان انتهى قال :
    - لماذا لا تطرحين علي بعضا من تلك الأسئلةالمقلقة ؟
    - ومن قال اني قلقة ؟
    - ذلك يقرأ على وجهك يا عزيزتي فلنقل أنكمحتارة لا قلقة وسبب الحيرة أشياءكثيرة حدثت في الفترة الأخيرة
    - أشياءلاتحصى ولاتعدتوقفت لين لتتذوق بعض الكافيار ثم أضافت:
    - أتعني أنك مستعدللأجابة على الأسئلة , فأنت لم تخرج عن تكتمك حتى الآن ؟
    - ليس في الامر تكتم بلعدم ضرورة للبوح بكل الاسراروما أكثر هذه الاسرار ومنها أن البزة , وهي بالطبعملك لصديقه , تناسب جسمهتماما أمن الممكن أن يكون في الامر مصادفة ؟
    - ماذا تعني بعد الضرورة ؟رفعت لين عينيها الى وجهه فوجدته منقطعا عن الأكل يحدقفيها ووهج نار الشموعيزيد من سحر وجهها وجماله أعدت اليها نظراته ذكرىلقائهما الثاني في الغابةعند ما جاء على حصانه وبدا مسحورا بجمالها كان فيالحقيقة مختلفا وقتها عمارأته فيه في اللقء الأول حيث أعمته الرغبة فحاولالأعتداء عليها في الغابةظهر مهذبا وحياها بكل بساطة كأنه يقابلها للمرةالأولى , ويسعى للتعرف اليهاومصادقتها دون الالتفات الى الحادثة السابقة حبذا لو أن تلك الحادثة لمتحصل وكان اللقاء في الغابة هو الأول , لكانت الاموربينهما مختلفة الآن!
    قالت لين أخيرا بعد أن انتهت من تساؤلها :
    - وهذهالضرورة أصبحت متوافرة الآن !
    وجف قلبها أذ أدركت بحدس ما انها على وشك اكتشافأمر خطير كفيل بجلب السعادةالدائمة اختلج في نفسها شعور غريب تلاعببانفعالاتها وجعلها في نفس الوقتتقتنع بأنها لو عرفت كيف تعالج الوضع الجديدالذي سيخلقه رادولف لما عادزواجها منه تلك المأساة التي بدأت عند اختطافهاوارغامها على عقد زواج غجريلا تؤمن كثيرا بصحته أجاب رادولف على سؤالهاوكادت تتولى المهمة عنه عيناه الحزينتان :
    - من المفيد لنا نحن الاثنين ان اوضحلك بعض الامور التي اوقعتك في مغالطاتجمةلاحظت المرأة الحزن في عينيزوجها وتمنت لو تستطيع فعل أي شئ لتمحو هذهالمسحة الأليمة من نفس من تحب أزاء سكوتها أكمل الغجري :
    - بالرغم من ذلك أفضل يا عزيزتي الا تطرحي أسئلتكالآن بل لندع الامور تتوضحتلقائيا , وذلك بات قريبا هز رادولف رأسه وتجهموجهه وبدت عليه علامات القلق والتردد عندما قال بصوتخافت :
    - نما في داخلياحساس بأن نظرتك الي تغيرت يا لين , ولكني لست أكيدالا ,
    لا أجرؤنفذتكلماته كالسهام الى اعماق لين واختلطت عليها الامور اذ لمتفهم ما قاله زوجها ليس أكيدا وبالتالي لا يجرؤ على مصارحتها بما يريدهاأن تعلم عنه أحست ليسبأن فرصة العثور على السعادة بدأت تضيع وبأنها لم تخلقلتعيش مع هذا الرجل تحتسقف واحد ولكن هل هي واثقة تماما من رغبتها فيالعيش معه ؟ مرة جديدة رأتمستقبلها قاتما وفارغا اذا تخلت عن رادولف ومنجهة أخرى هي لا تستوعب فكرةالحياة غير المستقرة التي يعيشها الغجر نظرتالى زوجها متوسلة وتمتمت :
    - أرجوك يا رادولف , أطلعني على الخبايا , فانا زوجتك ويحق لي أن أعرف شيئاعنك
    هز الغجري برأسه موافقا بدون أن يبدر منه ما يرضي فضول زوجته بل قال :
    - لنركز اهتمامنا الآن على وجبة العشاء سيما وأنها الأولى لنا في مثل هذاالمكانالرائع لم تجد ابتسامة رادولف في أزالة خيبة زوجته لأنه تهرب منالموضوع والألم أصبح الآن أشد وقعا منه في الماضي كونها صارت أسيرة حب هذاالرجل , وأضحت متحرقة لكشف حقيقته
    - بعد الكافيار جاء دور شرائح اللحم المشوي التيحضرها الزوجان في المطبخالكبير بعد أن جلباها من الثلاجة الكبيرة المحتوية علىالكثير من اللحوموأنواع الطيور الشهية وقد برر رادولف وجود هذه الاطعمهبوجود السيدة وايتالأرملة الطيبة التي تهتم بشؤون المنزل
    - أنت تتعبالسيدة وايت بطلباتك المتعددة يا رادولف
    - السيدة وايت راضية فهي تجد في الأمرتسلية تنسيها وحدتها كما أننا بحاجةلهذا الترف بعد طول التنقل من مخيم الىآخر
    - ولكنك تحب حياة الغجر , أليس كذلك؟
    - العادة تسهل كل شئ وتجعلالمستحيل معقولا ولا أخفي عليك سرا اذا قلت أنيأحب التمتع بالحرية التيتوفرها حياتنا الغجرية
    - ولكن حياتكم مضجرة اذ لا عمل فيها ولا نشاط
    - ليسكل الغجر بالضرورة عاطلين عن العمل فهم يصنعون بعض أدوات الطبخويتعاطونالتنجيم وما الى ذلك علقت المرأة على كلام زوجها بسخرية :
    - ماذا يفعل قومكسوى شحذ خناجرهم وتلميعها؟لم يستطع رادولف الاجابة على هذا السؤال المحرج , بلأهتم بصب الطعام وأحضارعصير البرتقال ولين خائبة تتحين فرصة أخرى لاستجوابه
    أنتهى الزوجان من تناول الطعام فسأل الغجري :
    - هل أعجبك الطعام ؟
    - كانرائعا , شكرا طغى على الجو مسحة من السحر والود ولم تفكر لين بالمشاكل التيتفسد عليهاروعة الساعة بل طرحتها جانبا لتنعم بهنيهات فرحنادرة
    بعد العشاء تناولا القهوة في غرفة الجلوس ثم أقترح رادولف أن يخرجا لتنشق
    الهواء المنعش وافقت لين على الفكرة وان اعتراها على الأثر بعض الخجل :
    - ولم لا نخرج يا رادولف فالجو جميل
    - أنظري الى القمر المشع فوق البحر والى النجوم هناك الملايين منها
    سحرت لين بجمال الطبيعة وبا بتسامة رادولف السخية الآن أدركت مدى وسامته
    وانها صارت تنظر اليه كرجل مهذب لا كغجري متشرد مثلما اعتبرته في السابق في
    هذه الليلة حصلت لين على مملكة رسمتها في خيالها , مملكة تعيش فيها مع فارس
    أحلامها وفي مكان لا تحققه الا الأحلام ولكن حلول الغد سينهي هذا
    الحلملا بأس فالغد بعيد جدا
    تنزها في الحديقة والمراعي المحيطة بالمنزل والمغمورة بنور القمر , يداعبهما
    نسيم منعش يحمل معه رائحة البحر مجبولة بعطر الازهار الملونة بألف لون ولون
    تنشقت لين الهواء بنهم وأفكارها محاطة بالضباب بفعل الجو الغامض وهي مسرورة
    بذلك لأنه يحملها بعيدا عن همومها في سمفونية عذبة الالحان
    سألها رادولف كي تخرج عن صمتها :
    - هل أنت دافئة ؟
    - نعم
    - البحر هادئ الليلة ويشجع على السباحة
    - أنت تسبح أذن
    أجاب رادولف متعجبا لسؤالها :
    - بالطبع
    لم تسأله لين هذه المرة كيف يجيد السباحة مع أن الغجر لا يجيدونها عادة بل
    تجاوزت فضولها كي لا تفسد النزهة الليلة
    - ما رأيك ياعزيزتي بالصعود نحو التلال ؟
    - أتعرف الطريق جيدا ؟
    - لا تقلقي فأنا معتاد على المنطقة وأستطيع السير في مسالكها مغمض العينين
    أتبدأ لين بطرح الاسئلة حول سبب معرفته التامة بالمكان ؟ لا , فلا حاجة
    لافساد السهرة الرائعة حتى وان كان انسجامها مصطنعا بعض الشئ اذ يتغاضى
    كلاهما عن الحقيقة
    اتجها نحو التلال في طريق مغطاة بالعشب الطري والقمر بدأ يختبئ خلف بعض
    الغيوم فصار مصحوبا بظلال رقراقة تتراقص على البساط الاخضر الفسيح
    وضع رادولف يد زوجته في يده فغمر الدفء جسمها ونسيت أن في العالم احزانا
    ومصائب , وأصبح كل شي جميلا هذا الحلم المجنون حبذا لو ينقلب الحلم حقيقة
    ويصبح فرح هذه اللحظات سعادة دائمة
    تفرقت الغيوم فعاد القمر الى وجود عطائه يرمي أنواره على قمم التلال وسفوحها
    فتنعكس على حبيبات الندى التي تكلل رؤوس الاشجار وتخالط وريقات العشب
    والنسيم الملئ بالشذى يشترك مع الطيور الليلية في أداء أجمل الالحان وأروعها

    بعد ساعة من المشي قرر رادولف العودة في الطريق تساءلت لين ما اذا كانت
    الحاجة التي تحثها على البقاء الى جانبه هي وليدة ساعتها وستزول متى انفصلت
    والأكيد الآن انها ترغب في الأرتماء بين ذراعيه تدفئ قلبها بحرارة اللهفة
    والهوى
    وصلا الى المنزل ورنين الهاتف يملأ أرجاءه فهرع رادولف ليجيب بقيت لين في
    الخارج تتأمل الهضاب الواسعة والبحر الرحب تتكسر أمواجه على الشاطئ وتتطاير
    حبات الماء لألئ تستحم بنور القمر وفجأة أدركت أن في وسعها الهرب وأيجاد
    أكثر من مخبأ في هذه المنطقة الشاسعة بحيث يستحيل على الغجري أن يجدها في
    الظلام معطفها معها وكذلك المال , فما عليها الا ان تركض وتنال حريتها
    الحرية أصبحت قاب قوسين أو أدنى منها فماذا تفعل ؟
    مازال رادولف يتكلم على الهاتف ويبدو أنه لن ينتهي من المكالمة بسرعة من
    على الطرف الآخر من الخط؟
    لو كانت المكالمة موجهة لصاحب المنزل لانتهت بسرعة كون الغجري سيبلغ السائل
    أنها ليس موجودا هنا المكالمة لرادولف أذن
    أصغت المرأة بأنتباه ولكنها لم تتمكن من الفهم لأن زوجها كان يتحدث بصوت
    منخفض كيف ارتكب مثل هذه الغلطة وترك زوجته حرة بدون حراسة وقدم بذلك فرصة
    الفرار على طبق من فضة !
    وقفت لين كالبلهاء مشدوهة لا تدري ماذا تفعل الرحيل مفتوح أمامها على
    مصراعيه فلماذا لا تستغل الفرصة ؟ لماذا التردد ؟
    أخيرا ابتسمت والتمعت عيناها وعلمت أن هذه الليلة الشاعرية يجب أن تستمر حتى
    آخر فصولها لأن فيها بعد الكثير من السعادة ألقت نظرة على العالم في الخارج
    ثم دخلت وأقفلت الباب بهدؤ
    استدارت لين لتجد زوجها واقفا يحدق فيها وعلى وجهه علامات الاستغراب والدهشة
    وقفت المرأة جامدة لا تقوى على الحراك اذ علمت نوايا زوجها ولكنها لا
    تأبه بها لأنها مصممة على خوض غمار كل ما تقدمه هذه الليلة " الاستثنائية "
    وقفا ينظران الى بعضهما متمتعين بالسكوت لأن الكلام مهما كان بليغا عاجز عن
    التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب أخير استطاع الرجل أن يتلفظ
    بكلمة :
    - يا حلوتي
    مد يده الى زوجته وامارات الفرح تقفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه
    البدائية ذات الجمال الوحشي الخام
    تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة باذابة الصخر وأكثر القلوب تحجرا
    ومدت يدها بخجل الى يد زوجها
    - كان بوسعك الهرب بسهولة ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك أبدا
    قال رادولف ذلك وهو يكاد لايصدق أن لين أضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت
    البقاء معه على استعادة حريتها وأدركت المرأة عندها أنها لو رحلت لما غضب
    زوجها بل لأحس بالفراغ بعد ضياع شئ ثمين
    تحولت عبارات الدهشة في عينيه الى حنان فائض وملأ قلبها شعور واحد : الحب
    حب حملها بعيدا عن الهموم الأرضية , وأحاسيس رفعتها من مستوى المادة الى
    مستوى الشعور


    حملها رادولف كالريشة بين ذراعيه واتجه الى غرفة النوم
    -لينما سبب الذي يجريبيننا الآن ؟وأضاف متراجعا :
    - لا أهمية لذلك فحسبنا ان ما يجري رائع
    قاطعه رنين الهاتف فوقف مترددا أيجيب أم يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته ؟كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف وكم كان سرورهاعظيما عندما قرر الغجري تركه يرن والبقاء معها
    - فليذهب الهاتف الى الجحيملأني لست مستعدا لمغادرتك الآن يا حلوتي تنفست المرأة الصعداء وزادها قرارهثقة بنفسها وبمكانتها عند زوجها هل فهم رادولف أنها غارقة في حبه حتى أذنيها ؟هل أدرك أن سلطته عليها لم يعدسببها السطوة بقدر ما صار الحب ؟
    - رادولف اسمك غريب ولكنه يعجبني
    - اسمي ايرلندي قديم جدا
    - أليس اسما غجريا؟
    - لاتردد الرجل طويلا قبل أن يكمل :
    - في الحقيقة هو أسم يطلقه نبلاءايرلندا على اولادهم
    - وكيف أتفق أن غجريا حصل على اسم ايرلندي يعود الىالنبلاء ؟
    - لا اعتقد أن في ذلك جريمةدفعها الفضول الى المزيد من الأسئلة
    - وهل هناك الكثير من الرجال الغجريين يحملون نفس الأسم ؟
    - أظن اني الوحيدالذي يحمله
    - لم تذكر لي شيئا عن والديك يا رادولف قال وفي صوته حزن عميق :
    - كلاهما ميتان غرقت لين في ذراعيه أكثر ووضعت يدها الناعمة على خده
    -أخبرني عن والدتك
    - ماتت وهي تضعني
    - آه ! ان هذا الامر مؤسف حقا
    لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في أخفاء الاسى من نبرته
    - ان موتهاالمبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها فلو ماتت وأنا فتى يافع مثلالكنت أصبت بحزنأكبر
    - أنت وحيد في هذه الدنيا أذن
    - ولماذا استنتجت أني وحيد في هذهالدنيا ؟
    - ألديك اخوة أو أخوات ؟لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفىبالقول :
    - كنت اعتبر نفسي وحيدا حتى تزوجت
    - لم تجب على سؤالي
    - حسنايا عزيزتي , لي أخ واحد
    - اني أحسدك على ذلك أين يعيش أخوك ؟
    - في احدالمخيمات
    - الا تراه أبدا ؟أجاب رادولف بحدة وكأن الموضوع بات مزعجا :
    - لم أره منذ مدة طويلة كفانا كلاما ولنخلد الى النوم
    - لا أشعر برغبة فيالنوم
    - لماذا ؟لاتقوى لين على البوح بالسبب الحقيقي الذي يجعلها تتمنى لوتمتد هذه السهرةالى الأبد والوقت الرائع هذا هو في الواقع أثمن من أن يهدربالنوم
    - لست تعبة قالت ذلك وأكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق :
    - للأسماء القديمة معان فما معنى رادولف ؟
    - أخشى أن لايعجبك معناه فكلمة رادولفتعني الذئب السريع لقد كان الغجري بالفعل ذئبا سريعا لما لحقها على حصانهوأختطفها نظرت لينالى الجرح فرأت أثره واضحا على خده وخشيت الا يزول أبدا
    - أعتقد أن اسمك مخيفا قليلا
    - لا أنوي أخافتك الآن لأني أريد أن أغفو
    طبع قبلة ناعمة على جبينها وأطفأ النور ضاما أياها بين ذراعيه
    وما كادت تمر دقيقة حتى غط في سبات هانئ وعميق
    أفاق الزوجان باكرا وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور وبعد
    قليل رن جرس الهاتف هب رادولف من كرسيه معلقا :
    - لاشك انها المكالمة التي كان يجب ان أجيب عليها بالأمس أكملي فطورك يا
    عزيزتي فلن أغيب كثيرا
    عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كأن ويلا كبيرا قد حصل فسألته زوجته قلقة :
    - ما الأمر ؟ هل هناك ما يقلق ؟
    - لاشئ يهمك يا لين
    - ولكن كيف تتلقى مكالمات الى هذا المنزل ولا أحد يعلم بوجودنا هنا ؟
    - أنت مخطئة في تكهناتك والدليل على ذلك اني تلقيت مخابرة البارحة
    - مخابرة من الأشباح على ما أظن ! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض
    وبهذا الحجاب من الاسرار ؟ أشعر بنفسي حيال ذلك انسانة غريبة لا زوجة !
    لم تلحظ المرأة ان عيني زوجها الغاضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى
    مزاجه المعكر بل دفعها قلقها عليه الى المزيد من الالحاح فقال الغجري بحدة :
    - ألن تكفي عن الأسئلة السخيفة؟
    بدأت الافكار السوداء تلعب في رأسها من جديد أيكون سبب تكتمه الشديد حيال
    اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها ؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال
    الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والانفاق على الثياب
    الانيقة كما هناك الحصان الاصيل الذي امتطاه في الغابة , ووجوده في هذه
    الدار الفخمة أمن المعقول أن يكون المنزل ملكا له وهو مجرد غجري ! أسئلة
    لا تعرف لها جوابا واحدا
    كانت غارقة في أفكارها فانتشلها صوت زوجها :
    - أنا مضطر للخروج يا لين أتعدينني بأنك لن ترحلي ؟
    ضربت لين الارض بقدمها وقالت مصرة :
    - سأرافقك !
    سكتت فجأة بعد أن رأت الرفض القاطع في عينيه ثم هدأت بعد أن خطرت لها من
    جديد فكرة الفرار برغم الساعات اللذيذة التي امضتها وبرغم بزوغ فجر الحب في
    قلبها , فهي امرأة تنتمي الى محيط اجتماعي مختلف تماما عن البيئة الغجرية
    فالحب مهما قوي وعمق لايستطيع أن يغير من واقع الحال شيئا ويجعلها تندمج في
    حياة رادولف وقومه , فجذوته لابد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع
    والحياة اليومية
    احتاجت لين الى شجاعة فائقة لتحبس دموعها ولكن شجاعتها خانتها عندما أعاد
    عليها زوجها السؤال نفسه
    -أتعدينني بأنك لن ترحلي ؟
    أمام ترددها لم يجد الغجري حلا سوى حملها الى غرفة النوم وحبسها هناك وفي
    الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة غلطة
    جديدة ارتكبها رادولف بسيي انشغاله وقلقه الشديدين ما عليها الآن سوى
    انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة , فالبيت أرضي ولا خطر من التسلل
    عبرها ولكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما أرتدت معطفها وأخذت
    حقيبة يدها ثم فتحت النافذة وأصبحت في الخارج
    كانت أشعة الشمس ساطعة والبحر ساكنا والطبيعة هادئة ولم تستطع لين محو ذكرى
    التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت اتضئ ظلام حياتها عاد كل شئ
    الآن الى سابق عهده وها هي تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات
    السعادة الماضية
    آه لو كان رادولف رجلا عاديا كغيره من الرجال ! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم
    بتأمين الرعاية والحنان لزوجته وأولاده
    انهمرت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها الى العدول عن الهرب
    والمغامرة في البقاء زوجة للغجري قانعة بمصيرها , لكن الغلبة كانت في النهاية
    للعقل والمنطق فتابعت المرأة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذا يقودها
    الى الطريق العام وبينما هي تختبئ بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل
    ووقع قدمي رادولف يهرع للاجابة عندها دفعها حدسها للعودة الى المنزل فجلست
    القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس لتستمع الى الحديث


    [hide]-أحسنت يا أولاف وستنال مكافأة عظيمة مقابل ذلكأقلت انه آن الىهنا ؟ أخيرا سأتمكن منلم تستطع لين فهم بقية الجملة بلسمعت :
    - كنتيائسا يا صديقي ومتأكد من أن الامر سينتهي به في السجن لو أستطيعالتحدثواقناعه وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب كادت تتوصل الى معرفةالحقيقةلولا حظها السئ وفجأة سمعت صوت زوجها يقول لأولاف :
    - لا حاجةلتحركي من هنا الان لقد اتصل بي راؤؤل منذ بضع دقائق وأبلغني أنبوريل كان فيمخيم روجنتري في السهل المجاور , فقررت الذهاب لملاقاته هناك أما الأن وقداخبرتني انه آت الى هنا فسأنتظره وأفاجئهتوقف رادولف مفسحا المجال لصديقهبالكلام وتمنت لين لو تسمع ما يقولهالغجري الكهل لزوجها الذي عاد الى الكلامبصوت منخفض فلم تتمكن المرأة الاسماع جمل غير مترابطة
    - أرجو الا يعلمبوجودي هنا جاء مرة مع فتاته صحيح والا لما عرفت لاأعرف كيف أرد لكالجميل يا اولاف تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظرزوجها ليعاود الحديث لكنها تأكدتمن أمر واحد وهو أنها ستبقى حتى يأتي المدعو بوريل علها تشبعفضولها ويصدقالحدس الذي أنبأها بأن مصيرها ومستقبلها يتعلقان بقدوم هذا الرجل
    - كان علي الأخذ بنصائحك يا أولاف والكف عن مطاردته , خصوصا بعد أن أصبحتمثقلا بالمسؤوليات خفق قلب لين بشدة اذ فهمت أنه يعنيها بالكلام على "
    المسؤوليات "
    - ولكنك تعلم يا أولاف أني لا اقبل الهزيمة وأنا متفائل بأنياذا تمكنت منلقاء بوريل والتحدث اليه فسأسوي الامور وأضع كل شئ في نصابه
    أقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة الى غرفتها قبل أن يكتشف زوجهاغيابها ولكن الحظ أبى الا ان يوقعها في مشكلة جديدة فما كادت تخطو حتىتعثرت بغصن شجيرة وسقطت بقوة فارتطم رأسها بالارض وصاحت من الالم لم تمرثانية على سقوطها حتى كان رادولف الى جانبها فحملها الى المنزل على جناحالسرعة
    -آه , رأسي !
    أحست لين بالدنيا تدور فيها وبكل شئ أمامها يتراقصومع ذلك لمحت في عينيزوجها مزيجا من الغضب والاسى لقد خذلته بعد ما تأكدمنأنها لن تحاول الفراربفعل الانسجام التام الذي ساد بينهما في الليلةالفائتة أخذت المرأة تتوقعالرد القاسي على عملها لكن الغجري ضبط أعصابه واهتمبأسعافها
    - كدمة لا بأس بها على الأطلاق , سأحضر شيئا يريحك نظر اليهاوأضاف :
    - لاريب أنك مصابة بصداع من جراء الصدمة
    - نعم يا رادولف
    - لماذا فعلت ذلك ؟
    - لا تعتقد أني كنت أنوي الفرار على العكس لم ينتظرالغجري سماع المزيد فقاطعها حانقا :
    - لاتكذبي ! ماذا عن حقيبة اليد هذه؟فتح الحقيبة وتفحص محتوياتها رامقا زوجته بنظرات شريرة كيف تفسر له ماحدث وهي في الحقيقة كانت تنوي الفرار لو لم تسمعه يتكلمبواسطة الهاتف مع أولاف
    قالت بصوت ضعيف والألم في رأسها لا يكاد يطاق :
    - حبذا لو استطيع أن أشرحلك ما حدث !
    - من الواضح أنك لست على استعداد لشق طريق الحياة برفقة غجري منحثالةالمجتمع أخذ رادولف يقول بشبه همس :
    - كان علي أن أعلم أنالمسألة ستصل الى طريق مسدود لا محالة
    - ما الأمر يا رادولف , أخبرني
    أخفت نبرة التوسل في صوتها الحب الجارف الذي يكنه قلبها لهذا الرجل الغامضالواقف أمامها والمرارة تكاد تحطمه على رغم جبروته وسطوته
    - مالفائدة مناطلاعك على الحقيقة ما دمت تحتقرينني وتعتبرينني غير أهلبالعيش وأياك؟أينالتعالي الذي قابلها به في السابق ؟ أين الغطرسة والكبرياء ؟ تحول غضبهالى ذلوصلفه الى مهانة ولما حاولت لين , مدفوعة بشعور الذنب , تطييب خاطرهأسكتهابأشارة من رأسه
    -لا تحاولي أصلاح ما فسد سأعرض عليك خطة أرجو أن توافقي عليهاولكن بعد أنتتناولي هذه الحبوب وتنامي قليلا نهضت لين من الكنبة وأسرعتنحو غرفة النوم حانقة وهي ترغب برمي زوجها الغمضبأحد التماثيل لعله يخرج عنصمته المطبق
    - ما بك يا لين ؟
    - بالله عليك ! أطلعني على الحقيقة فهذا منحقي
    - أي حق هذا ؟
    - أنا زوجتك ولي الحق قاطعها بضحكة ساخرة تخالطهااللوعة :
    - لا أستطيع أن أفضي اليك بأسراري مادمت لا تعتبرين نفسك زوجتي
    - ولكنك كنت على وشك البوح بها البارحة
    - كدت أفعل لأني كونت فكرة خاطئة عنكشعرت أن نظرتك الي تغيرت وان كرهك ليخف وأننا قد نستطيعتوقف فجأةوناولها الدواء قائلا :
    - دعينا من هذا الموضوع وتناولي الدواء ليخف الألم
    - لا تخف علي فلن أموت
    - هيا الى السرير فأنت متعبة
    - لا أريد أن انام !
    هددها بلهجة آمرة :
    - لاتجبريني على حملك اليه بالقوة !
    تناولت المرأةالدواء وتوجهت الى سريرها كي لا تفعل ذلك مكرهة وقبل أن يخرجمن الغرفة سألته :
    - لماذا لاتبوح لي بكل شئ ؟
    - لأن نظرتك الي لم تتغير مع الأسف والدليلعلى ذلك انك حاولت الفرار فلنكن صريحين ونعترف بأنني لست مؤهلا لأكون زوجا لك , على الرغم أنك معجبة بي

    لم ترض لين بهذه الحقيقة فصاحت معترضة :
    - معجبة بك؟ يا لك من مغرور !
    - فوجئت المرأة بأن زوجها لم يغضب بل قال لها بهدؤجعلها تخجل من كذبها :
    - أؤكد لك أنك معجبة بي وترتاحين لوجودي معك ولكنك غيرقادرة على التأقلمفي حياتي الاجتماعية وعلى التخلص من عقدة التفوق
    - حسنا , اعترف بأني أشعر نحوك بالتفوق اذا كان هذا يرضيك
    - اعتراف غير مقنع تماما سنجد فرصة أخرى للتصارح أما الأن فالى النوم !
    توجه الى النافذة وأخرج من جيبهقفلا ركزه عليها بطريقة لم يعد ممكنا معهافتحها بدون نزع القفل
    - آسف ياحلوتي ولكني مضطر لفعل ذلك
    - أمن العدل أن تجعلني سجينة هذه الغرفة ؟تابعتمتوسلة :
    - أعدك بأنني لن أهرب
    - لن أعود عن قراري فالتجارب السابقة لاتشجعني على الثقة بكخرج رادولف من الغرفة وترك زوجته وحيدة في سريرها تنتظرالمجهول لكن الألموالتعب تعاونا عليها فأغمضت عينيها ونامت[/hide]






    رد مع اقتباس  

  5. #15  
    9- الغريب
    أفاقت لين مذعورة على صرير باب غرفتها يفتح ورأت رادولف يطل برأسه فسارعت الى
    القول :
    - أدخل فأنا بخير ولم أعد بحاجة الى النوم كم الساعة الآن ؟
    - الواحدة ظهرا كيف تشعرين ؟
    دخل رادولف فعلمت لين من ملامح وجهه أن بوريل لم يأت بعد
    - صرت أحسن بكثير فالصداع زال والحمد لله
    - أتستطعين تناول الطعام ؟
    استوت المرأة في سريرها وتلاقت نظراتها ونظرات زوجها ولم تمانع في أن يتأمل
    الغجري مفاتنها بحرية
    - أعتقد أن فكرة الأكل صائبة جدا ماذا لدينا اليوم ؟
    - لدينا بعض السمك المشوي
    - أعتقد أنك تعد لائحة بما نستعمله لتسدد ثمنه لصديقك , اليس كذلك ؟
    أجاب الغجري مبتسما :
    - لا , ما علي سوى سرقة هذه الاغراض فصديقي لا يعرف ماذا يملك لكثرة غناه
    - ألن تستطيع التخلي عن عادة السخرية والتهكم ؟
    - ألن تستطيعي التخلي عن عادة طرح الأسئلة ما دمت تعلمين طريقة أجابتي عليها
    ؟
    عقدت لين حاجبيها متذمرة :
    - يالك من لغز محير! أكتشفت انك ذو شخصية مزدوجة
    - بالله عليك أخبريني عن هذا الاكتشاف العظيم!
    - أنت تتحول مثلا من حمل وديع الى وحش مفترس !
    رفع رادولف يده الى الجرح الذي ما تزاتلآثاره بادية في وجنته وقال :
    - وحش مفترس ! لقد قدتني بتصرفاتك الخرقاء الى أفعال ما كنت أتصور اني
    سأرتكبها يوما
    ارتبكت لين لأنها لاتستطيع كتم شعور بالذنب كلما رأت ذلك الجرح في وجه رادولف
    , وان يكن ذلك الشعور لا يعني أن الغجري لم يستحق الضربة لا بل كان يستحق
    أكثر ! انه رجل غريب الاطوار فلما تبعها بعد تعطل سيارتها لم يخطر ببالها انه
    سيحاول الاعتداء عليها ولكنه فعل ! ولم يحبط محاولته سوى تدخل صديقته الغجرية
    التي اختفت منذ ذلك اليوم ولم تر لين وجهها في أي من المخيمات التي زارتها
    مرغمة في المدة الاخيرة لاشك ان رادولف تخلى عن صديقته بسهولة , رغم أنه
    أظهر طاعة عمياء تجاه أوامرها القاضية بالابتعاد عن لين المسكينه
    ذكرها رادولف بأن الغداء جاهز
    - سأحضر الطعام الى هنا اذا كنت تفضلين ذلك
    أومأت لين بالنفي وأسرعت بالنهوض لأنها لاتريد تفويت فرصة لقاء الرجل المنتظر
    : بوريلاذا سمح لها زوجها بذلك
    كان الزوجان الشابان جالسين الى المائدة لما سألت لين :
    - أتريد مناقشة الخطة التي تحدثت عنها ؟
    لم يجب الغجري على الفور بل نظر الى ساعة الحائط قلقا من تأخر بوريل في
    الوصول
    - سنبحثها لاحقا بعد أن تستقر أوضاعنا
    أيقنت لين أن لاجدوى من متابعة الموضوع ما دام رادولف لا يرغب في أطلاعها على
    شئ ماذا عني باستقرار أوضاعهما ؟ تنهدت معلنة فشلها في حل جزء ولو صغير من
    اللغز الكبير الذي يحيط بالغجري ذي الشخصية الغريبة
    عاد رادولف الى الكلام وفي صوته نبرة تؤذن بالقلق :
    - لا اعتقد أنك تمانعين بقاءنا ليلة أخرى هنا
    - أفضل ذلك على وجودي في مخيم غجري
    هز رادولف برأسه موافقا كأنه يعتبر كلامها صحيحا ويشاطرها كرهها للمخيمات
    - وهكذا سنتمكن مرة أخرى من تناول العشاء كأناس متمدنين
    - أحيانا عندما تتكلم , لا أراك غجري يا رادولف!
    - ومع ذلك أنا غجري ابن غجري
    تفحصت لين لونه الاسمر , شعره المتجعد , عينيه السوداوين اللتين تعلمت قراءة
    ما فيهما من أحاسيس : الغضب والرغبة , الهوى الجامح الذي تلظت بناره لما
    أجبرها على الزواج منه وأمضت معه " شهر عسل " مرا في تلك العربة المقيته
    ومؤخرا تعلمت قراءة الطيبة , الندم , الأسف والحزن العميق في عينيه السوداوين
    أما في هذه اللحظات بالذات فتقرأ فيهما تحديا كن رادولف ينتظر منها أن
    تحاول انكار كونه غجري انه يعلم ما يدور في خلدها من أسئلة محيرة لكن لين
    تجاوزت التحدي وقالت :
    - ما سبب مكوثنا هنا ليلة أخرى ؟
    كانت تعلم أن السبب هو رغبة رادولف بلقاء بوريل , اذا لم يحضر اليوم
    وبالفعل لم يخيب زوجها ظنها عندما أجاب :
    - أنا انتظر شخصا هنا
    تظاهرت لين بعدم معرفتها بذلك فتعجبت معلقة :
    - تنتظر رجلا ام امرأة ؟
    لم يستعجل رادولف بالأجابة بل صرف وقتا طويلا في تذوق لحم السمك الشهي:
    - أنتظر رجلا
    - من المستغرب أن تستضيف زوارار في هذا المكان !
    قالت لين ذلك وعيناها تنظران الى الأرض مخافة أن تفضحاها ويكتشف رادولف أنها
    تعلم أكثر مما يجب
    - لا يفاجئني ذلك ياعزيزتي فهناك الكثير من الأمور التي تعتبرينها مستغربة
    ومستهجنة , و أعدك بأنها ستتوضح عندما أطلعك على خطتي
    ماذا حدث لصوت رادولف الآمر ؟ لماذا هذا الأرتجاف الذي يخفي خوفا من ان ترفض
    لين الخطة المذكورة؟
    - ما تفعله مجرد تسكين للألم وتأجيل للمشكلة , فأنا ضقت ذرعا بهذه الاسرار !
    - الخطأ خطأك لو لم تعتبرينني حثالة المجتمع لما حصل كل ذلك
    لم تعرف لين كل هذه المرارة والحسرة في صوته قبل الآن , ولم تر شفتيه
    مرتعشتين ويديه ترتجفان ثقته الكبيرة بنفسه لم تفلح في أخفاء توتره
    وانفعاله وكأن مستقبله معلق على ما سيحدث في الساعات القليلة المقبلة
    من جهتها حافظت لين على هدوئها وتكلمت يدفعها الحب المسيطر على جميع تصرفاتها
    وأقوالها :
    - ألم يخطر لك أني غيرت رأيي فيك ؟ لقد قلت ذلك تحت تأثير الصدمة والهلع ! أي
    انسان يقول أشياء ثم يندم , كما يفعل أشياء ثم يندم
    كانت تشير بكلامها الى غلطتهما المشتركة , غلطتها في نعته بحثالة المجتمع ,
    وغلطته في ضربها وارعابها لا ريب في أن رادولف نادم على استعماله العنف
    وأنه لن ينسى ما فعلت يداه بسهولة
    أكملت المرأة حديثها والغجري يحدق فيها باستفهام :
    - راجعت ضميري مرارا بشأنك أقر بأن عندك ازدواجية في الشخصية وان فيك جانبا
    سيئا ذكرته مرة ولكنك تملك جانبا حسنا لا انكر اعجابي به
    تبع ذلك سكوت تام , سكوت دهشة بحث خلاله رادولف عن عيني زوجته ليفهم أكثر
    ولكنها هربت من نظراته وتكاد لا تصدق ما تفوهت به كانت على وشك الاعتراف
    بحبها لل بل هي فعلت بطريقة غير مباشرة اذ لا مفر من كون رادولف فهم ذلك من
    قولها هذا وتصرفاتها في المدة الاخيرة
    أحست لين بالانكسار لانها لم تستطع مقاومة الحب الذي نما في داخلها تجاه هذا
    الرجل والذي بدأ كشعور بالنجذاب نحوه منذ ان رأته رغم أن لقاءها به حفل
    بالذعر والخوف ورغم أنها تأبى فكرة العيش زوجة لغجري جماله البدائي
    وطبيعته العفوية المتسلطة سيطرا على كيانها كالقدر المحتوم ولم تنجح في
    الافلات من قبضتهما ومن نزعتهما الامتلاكية
    عندما نظرت اليه أخيرا ووجدت ما وجدت في عينيه , علمت ان الامر قد فصل وانها
    مستعدة للمتابعة حتى النهاية ولتسليمه الدفه لقيادتها الى حيث يشاء قبلت
    بالعيش مع الغجر مهما كان رادولف ومهما فعل وأدركت أن ارتباطها به ليس آنيا
    كما تصورت بل نهائيا
    أخذ الغجري يهز رأسه غير مصدق ما سمعت أذناه
    - اذا صح ما تقولين يالين فهناك أمل كبير لنا !
    ظهر للين جليا أن عبئا كبيرا نزل عن كاهله لما تكلم , وان آفاقا جديدة فتحت
    امام عينيه أيحبها رادولف ؟ أيمكن ان يتخلى عن مجتمعه وأهله من أجل حبها ؟
    أمن الممكن ان يعيشا حياة طبيعية في منزل صغير ويتخذ رادولف مهنة شريفة
    يرتزقان منها ويربيان أولادهما تربية صالحة ؟ عسى الا تكون هذه الافكار سرابا
    واضغاث أحلام
    - لين , أتعنين ما قلت ؟ ألن تحاولي الفرر والرحيل عني ؟
    لم يدم ترددها طويلا وسرعان ما منت عليه بأحلى ابتسامة وقالت بصوتها الحنون :
    - أعني كل حرف خرج من فمي لن أتركك ابدا


    [hide]توقف الكلام عند هذا الحد وأظهر الزوجان ارتياحا عارما بعد أن لاحت بشائرالأمل بحياة سعيدة مديدة وانيكن الأمر بحاجة لبعض التفاصيل البسيطةكانت عقارب الساعة تشير الى الرابعةبعد الظهر لما رن جرس الهاتف تركرادولف الرسائل التي كان يكتبها وأسرع ليجيبعلى المكالمة رأت المرأة زوجها ينفعل , يتجهم , ويمتلئ غضبا أبيض ثم يقولبصوت مخنوق :
    - وهل ماتت ؟ لم تمت ولكنها بحالة خطرة ؟ يجب أن أعثر عليه قبلرجال الشرطة يا الهي لماذا لم يأت الى هنا كما كان ينوي !
    تملكها خوف شديدلا تعلم سببه وهي تراقب زوجها يستمع الى محدثه بقلق عميق وعلمت ما سيقوله بعدان يقفل الخط
    - علي الخروج لبضع ساعات يا عزيزتي ارجوك لا تطرحي علي أسئلةلأن الوقت لايعمل لصالحي لا خوف عليك من البقاء هنا واذا شئت أرسل لكالسيدة وايت لتعني بك في غيابي
    -أأستطيع مرافقتك ؟
    - لا يا لين فأنا لااريد اقحامك في هذه المشكلة اقتنعت المرأة وقالت انها ستكون بخير وبانتظارعودته على أحر من الجمر
    - أرجو أن أتمكن من العودة خلال الليل وفي أي حالسأكون هنا صباح الغد كحدأدنى طبع قبلة ناعمة على جبينها وأضاف :
    - سيكون كل شئ على ما يرام بيننا قريبا يا ملاكي بعد ثوان معدودة أقلع بالسيارةبسرعة فنهبت الارض نهبا مرسلة سحابة من الغبارفي الفضاء
    جلست لين وحيدة تحدق في البحر الازرقالهادئ المتلألئ تحت قرص الشمس الاحمروليس لديها سوى أفكارها وتسأولاتها تؤنسوحدتها من يكون بوريل هذا ؟ لا ريبفي أنه شخص مهم بالنسبة الى رادولف وانهارتكب عملا خطيرا يعرضه لملاحقةالعدالةتنهدت بعد أن تعبت من التفكيروقالت بصوت عال :
    - لماذا اتعب رأسي بهذه الأمور ما دمت لا أملك وسيلة ناجحةلمعرفة الحقيقة ؟تدريجيا بدأ الغسق يلف الدنيا ملونا البحر بستار رماديوالجبالبوشاح قرمزيناعم قررت لين ان تقوم بنزهة بعد العشاء الخفيف الذي تناولته وبعد عودتهاتمددت على كنبة مريحة في غرفة الجلوس المضاءة بنور شاحب يضفي عليهاجواشاعريا يحتاج الى وجود رادولف ليكتمل ! تمنت أن يكون لها يوما بيت كهذاتعيشفيه مع من تحب , ولربما تحققت أمنيتها متى تدبر رادولف وظيفة محترمة
    شغلت المرأة نفسها بقراءة بعض المجلات حتى لا تشعر ببطء الوقت وثقل الوحدة كما استمعت الى موسيقى ناعمة تبث يواسطة مكبرات للصوت منتشرة في جميع غرفالمنزل في حوالي العاشرة أوت الى فراشها بعد ان استبعدت عودة رادولف ومالبثت ان غفتعلى صوت حفيف الاوراق تتصادم بفعل النسيم العليل أفاقت لين منغفوتها مرتعدة على ضجة خفيفة فجلست في سريرها صامتة , تاركةالنور مطفأ ولمالم تتكرر الضجة غفت من جديد ولكن لدقائق قليلة فقط اذ سرعانما فتحت عينيها علىصوت جرار يفتح ربما عاد رادولف ولم يشأ ازعاجها فدخللينام في غرفة أخرى همت لين بالنهوض لملاقاة زوجها ولكنها عدلت كي لا تزعجهاذ لاشك في أنه مرهقجدا , ومحتاج للوحدة لاستجماع أفكاره والتقاط أنفاسه بامكانها انتظار طلوعالنهار حتى تطلع منه على الحقيقة التي وعد بكشفها حالماينتهي من مهمة العثورعلى بوريل أ ضاءت لين المصباح الكهربائي الموضوع قرب سريرها ونظرت الى الساعة : الثالثةفجرا لو كان معها كتاب تطالعه لأضاعت الوقت حتى تبدأ الشمس بالنهوضوتطردظلام الليل الدامس أتذهب الى غرفة الجلوس وتحضر كتابا من تلك الكتبالمرصوفةعلى أمتداد الجدران ؟ تخلت المرأة عن هذه الفكرة مخافة اوعاج زوجها , فأطفأتالنور وعادت الى النومأفاقت لين في الخامسة وقررت الانتظار ساعةحتى تنهض لأن رادولف أوى الى سريرهمتأخرا فلا ضرورة لايقاظه في هذا الوقتالباكر بعد ساعة دخلت الى الحماموأمضت وقتا طويلا تحت الماء الساخن تنعشجسمها بعد حادث وقوعها في اليومالماضي بعد ذلك جلست أمام المرآة تتبرجاستعدادا للقاء رادولف على أمل انتكون مهمته انتهت على خير وتبدأ صفحة جديدةفي حياتهما بعد أن تأملت وجههاجيدا في المرآة ووجدته مرضيا أرتدت برنسا ابيضوخرجت الى الممشى تبحث عنالغرفة التي يحتلها رادولف في تلك اللحظة فتحباب احدى الغرف فاستدارت لين مبتسمةولكن الابتسامة لمتطل لما رأت المرأةوجه الغجري ماذا حل به ؟ عادت الى وجه امارات الفظاظةوالوحشية التي طالعهابها في ذلك اليوم الذي لا ينسى حين حاول الأعتداء عليها

    همست لين مذهولة :
    - رادولف ماذاصمتت عندما رأت القميص مفتوحا على صدره يغطيه شعرأسود كثيف أكثف مما عهدتهفيه! رفعت عينيها الى وجهه ووضعت يدها على فمهالهول المفاجأة : من أين أتىبهذه النظرات الرهيبة كشخص ظهرت امامه رؤيا أسطورية !
    - رادولف أنت تخيفني كان مظهره كمجنون خطر وظنت لين ان الجانب الشريرطغى مرة أخرى على الشخصيةالمزدوجة وان رادولف الذي يقف أمامها ليس رادولف الذيتعرفه ولكنها مالبثت ان ابتعدت اكثر من ذلك وأدركت أن هذا الرجل ليس زوجها !
    توضحت الصورة امام عيني المرأة بسرعة البرق فهذا الرجل هو بوريل الذي يبحثعنه رادولف , وهو بالطبع الشقيق الذي حدثها عنه زوجها وان يكن قد أغفل انيذكر انهما توأمان !
    تكلم الرجل أخيرا :
    -مالذي أتى بك الى هنا؟تراجعت لين خائفة تفتش عن باب غرفتها لتقفل على نفسها هربا من هذا الغجريالشرير وكان هلعها شديدا فانعقد لسانها ولم تستطع التفوه ولو بكلمةواحدةكرر الرجل سؤاله وهو يقترب منها ببطء ولسوء حظها وجدت نفسها تصطدمبالجداربدل ان تقودها قدماها المرتجفتان الى الغرفة فجحظت عيناها وفغرت فاهاعاجزةعن الحراك
    - رادولفيبحث عنك ارتسم على شفتي الرجل ما ظنتهلين ابتسامة وقال بخبث :
    - سمعت ان أخي تزوج فأنت ولا شك الزوجة المحظوظة
    - أصبت
    - ياللصدفة ! وأنا كدت أنال منك في الغابة لولا تدخل هذه الحقيرة ماندالانقاذك !
    أطلق بوريل ضحكة شريرة وأضاف
    - يا لسخرية القدر كدت اعتديعلى زوجة أخي !
    مرر أنامله الطويلة في شعره الأسود الكثيف فزاد شكله غرابةواقترابا من العته

    عاد الى الكلام والرغبة تخنق صوته :
    - لكن ماندا لنتستطيع انقاذك الآن ومنعي من التمتع بجمالك سأصيب عصفورين بحجر واحد , ألهوقليلا وانتقم من أخي المحترم بعد كل ما فعلهمعي بدا بوريل مستعداللأنقضاض على فريسته الضعيفة ولين عاجزة عن الحراك بعد انخانتها شجاعتها ولمتعد تقوى على الصراخ مرت في مخيلتها صور كثيرة ففهمت تقريبا كل ما حدث حدقتفي وجه الغجري جيداوأيقنت ان الرجل الذي هاجمها عند تعطل سيارتها ليس نفسهالذي قابلتهفي الغابةعلى الجواد !سيما وان بوريل يحمل أثر جرح عميق في مفرقشعره بان واضحا عندمامرر يده فيه آه لو انها انتبهت لهذا الجرح لكانت وفرتعلى نفسها وعلى زوجهاالكثير من الألام والأحزان ! وفهمت من الآن لماذا كانرادولف يشير الىالحادثة الثانية لما كانت تكلمه عن الأولى ! فكيف يذكر الاولىوهو لم يكنطرفا فيها !
    أمر بوريل بلهجة مفزعة :
    - اقتربي مني يا أمرأة ! تعالي لأرى ماذا تحت هذا البرنس الجميل لابد انشقيقي المليونير يقدم لك ماترغبين من الثياب , أما أنا فلا أملك سوى نفسيأقدمها !
    تبع ذلك ضحكةهستيرية ملأت أرجاء المنزل وأشعرت لين ان أذنيها ستنفجرا
    - لنأمل يا حلوتي انيطول غياب رادولف حتى اتمكن من الاسترسال بما انوي فعله
    مد يده السمراءنحو لين فصارت المرأة على حافة الأغماء ولما انقض عليهابدأت بمقاومته بكل ماأوتيت من قوة كان لبوريل قوة ثور هائج , لكن يأس ليندفعها الى الصمود وهيتنتظر حلول معجزة ومجئ زوجها لينتشلها من براثن شقيقهالمتوحش ولكن زمنالمعجزات ولى وشيئا فشيئا بدأت قواها تخور وعزمها علىالمقاومة يضعف الى انهدأت تماما وتمددت مستسلمة على الأرض حملها بوريل الىكنبة في غرفة الجلوسولما هم باتمام فعلته الحقيرة , دبت فيها قوة مفاجئةفرفسته على معدته وسقط علىالأرض مغشيا عليه بعد أن ارتطم رأسه بحافة الموقد
    كان هذا آخر مشهد رأته لينمشوشا وفقدت الوعي يعد ذلك






    رد مع اقتباس  

  6. #16  
    1- رادولف والحب الكبير
    لما عادت لين الى وعيها وجدت ان بوريل ما يزالممدا على الأرض والدما تنزف منرأسه
    - ماذا فعلت ؟ هل قتلته ؟تغلبتالمرأة على خوفها واقتربت تنصت الى قلبه تتحسس فيه الحياة كم كانارتياحهاكبيرا عندما رأت ان قلبه لم يتوقف عن الخفقان وعلى الفور شرعتتفتش عن رقمطبيب تتصل به هاتفيا ليأتي ويعتني ببوريل ولكنها ترددت بعد انتساءلت عن رغبةزوجها بحضور طبيب ليعالج اخاه الفار من وجه العدالة فوجئت لين بهدوء اعصابهاوكأن الطبيعة اعادت اليها توازنها لما فقدت وعيها رأت الموقف امامها واضحاوتمكنت من اختيار الحل الأنسب لهذا الموقف الحرجوهكذا , هرعت الى المطبخواحضرت حبلا واوثقت به يدي الغجري لتأمن شره اذاافاق ثم تفحصت الجرح وتبينلها انه سطحي ولا يشكل أي خطر على حياته فتح الرجل عينيه فجأة وحدق فيهاباستغراب :
    - من أنت ؟ اين انا ؟شعرت لين نحوه بالشفقة ولم تستطع ان تكرههرغم ما سببه لها حتى الآن من مصائبوويلات
    - انا زوجة اخيك يا بوريل
    تخبط الرجل محاولا تحرير يديه ثم صاح :
    - من اوثق يدي ؟
    - الا تذكر انكهاجمتني فرفستك واوقعتك ارضا فاصطدم رأسك بحافة الموقد ؟ ولكنلا تقلق فقدداويت الجرح البسيط وسيلتئم بسرعة ظل الغجري صامتا لبرهة حتى استوعبت ما سمع
    - فشلت مرة اخرى في النيل من زوجة اخي لو نجحت لكان انتصاراباهراتوقف بعد ان داهمه الألم ثم سأل :
    - أين رادولف ؟
    - انه يبحث عنككما ابلغتك سابقا قال بصوت قلق :
    -هل سيعود الى هنا ؟ لا يجب ان يجدني بأيثمن , حلي وثاقي والا جعلتك تندمينعلى فعلك حيث لا ينفع الندم !
    حاول بوريلالنهوض لكنه تعثر ووقع على وجهه , فنظرت لين اليه متأسفة على حاله
    حزنت لرؤيةرجل بهذه القوة والوسامة مطروحا على الأرض اسير حبل واسيرغرائزه الشريرة
    - ارجوك , حلي وثاقي !
    كادت لين ان تذعن لتوسله ولكن عقلها سيطر على انفعالاتقلبها الرقيق فجلستعلى الكنبة تحدق فيه وتنتظر مجئ زوجها ليتولى حل معضلةاخيه ما اكثر الفوارق بين رادولف وبوريل , هذه الفوارق لم تلاحظها لين فيالسابق الأول يهتم بأناقته ونظافته اما الثاني فقذر لا يعرف للنظافة معنىكان يكفيلين ان تنبه لأظافر بوريل حتى تفرقه عن اخيه , ولكنها لاتلام لأنهاكانتتتصرف مدفوعة بالخوف والرعب شخصت عينا بوريل بوجه لين فتذكرت كلماتاولاف عنه وعن الحياة التي اختارهاوالتي لا يحبذها رادولف العامل على مساعدتهللتخلص من عاداته القبيحة
    - رادولف يريد ان يتحدث اليك في امور هامة
    - ماذا يريد مني اخي المحب الا يكفيه انه سلب اموالي ونال التركة بكاملها علىرغمكوني اكبر منه ؟ كان محظوظا لما اخذه جدانا وتعهدا بتربيته وتعليمه فيحين بقيتشريدا في الطرقات تصوري انهما منحاه اسم العائلة الكريمة !
    سألته لين اذا كانيريد دواء مسكنا فرفض وتابع تظلمه :
    - لقد نزعاه من مخيم الغجر عندما كان فيالسادسة عشرة وترعرع كارستقراطيتوافرت امامه سبل العيش الواسعة ! ولماذا حصلذلك؟ لأن جدي العزيزين شعرابتأنيب الضمير لما لقيته امنا من ذل وهوان علىيديهما بعد ان نبذاها لأنهافرت مع رجل غجري وقعت في غرامه ولم يكفهما طردهابل اعتبراها ميتة ورفعاعلما أسودا على قبة القصر للدلالة على ذلك وبعد موتهاارادا التعويض عنغلطتهما تجاهها فاستفاد من ذلك اخي العزيزتمتمت لين بعدان سمعت القصة وعرفت حقيقة زوجها :
    - رفعا علما أسوداعن أي قصر تتكلم ؟
    - قصر آل دوغي بالطبع ! لست بحاجة لأن اعلمك بأنك متزوجة من سيد احد اكبرالقصورورأس احدى انبل العائلات في ايرلندا ! وهذا المركز من حقي لا من حقرادولف !
    - اهدأ يا بوريل نصحته لين بالهدوء وهي ترتعد بدورها غير قادرة علىاستيعاب الحقيقة الصاعقة اللوحة التي رأتها في قصر دوغي كانت لوالدة رادولف رادولف هو السيد دوغيصاحب القصر وسيد الأراضي ! وهو اعاد الاعتبار الى امهالمنبوذة واعاد تعليقاللوحة في القصر ولكن لماذا اختاره جداه دون اخيه بوريلالذي بقى مشردا فيالمخيمات ؟تكلم بوريل بعد قليل بصوت منخفض وحزين :
    - علي الذهاب قبل مجئ رادولف فأنا تحاشيته لمدة طويلة ولا ارغب في لقائه الآن
    ! قصدت ان اسبب له الكثير من المشاكل والعار , وتوجت افعالي المشرفة بمحاولةقتلماندا ولكن اللعينة لاتموت ! آه كم اردت في تلك اللحظة ان الصق برادولفنعتشقيق القاتل الغجري الخطير بوريل !
    توقف بوريل فجأة ونظر الى النافذة بينما هبتلين من مقعدها بعد ان سمعت صوتالسيارة , لتلاقي زوجها نظرة واحدة الى وجههكانت كافية لترى خيبة الأملوفشله في اتمام مهمته , ولكن الزوجة سارعت الىالأعلان :
    - عزيزي رادولف , بوريل هنا !
    - بوريل ؟ اين هو ؟دخل رادولفالبيت راكضا غير قادر على الأنتظار لحظة اخرى ليبت الأمور معشقيقهوعلىالفور سمع صوت بوريل يصيح من الداخل:
    - لعن الله هذه المرأة فلولاها لكنت الآناسرح على هواي في التلال الواسعة
    !اهلا يا شقيقي المحترم ! ماذا في جعبتك الآنوقد امسكت بي ؟ قل ما عندكودعني ارحل لأني لا ارغب في البقاء معك ثانيةواحدة!
    - من حقك ان تبقى هنا وان تبقى في القصر ما شئت توقف رادولف عنالكلام عندما دخل الى الغرفة ورأى اخاه ممدا على الأرض
    - ماذا حا برأسك وبيديك؟وقفت لين تنتظر ماذا سيقول بوريل الذي اخذ يضحك كالمجنون وبريق الأثارة والشرفي عينيه
    - لقد اخفت عروسك الناعمة يا شقيقي العزيز , ولو لم يخني الحظلكنت تمتعتمعها بوقت جميل رأت المرأة زوجها يمتلئ غضبا ويستعد لمعاقبةبوريل على ما فعله بأقسى طريقة
    - ماذا حدث يالين ؟ هل اصابك بوريل بأي أذى؟لم يدع بوريل لين تجيب على السؤال فتولى المهمة عنها :
    - لا تخف فالوقت لميسمح لي بالذهاب معها حتى النهاية اضعت الفرصة لمارفستني وطرحتني ارضا !
    وثب رادولف على أخيه والشرر يتطاير من عينيه فخشيت المرأة ان يقع ما لا تحمدعقباه وهرعت تمسك بيد زوجها متوسلة :
    - ارجوك يا رادولف , لا تفعل شيئا اخوك يحتاج الى الشفقة لا الى المعاقبة رق رادولف لكلام زوجته وهدأ غضبه بعدان نظر الى عينيها المليئتين بالرأفةوالرحمة وبذلك تحاشىاستعمال العنف معاخيه المذنب فاكتفى بالقول :
    - لنشكر الله يا لين على انك لم تصابي بأذى رغم انهولابد سبب لك بعض الخوف نظر رادولف الى أخيه واكمل بحدة :
    - الفتاة مصابةبجروح بليغة !
    - كنت آمل في موتها لما جئت هنا هربا من الشرطة , ولكن سوء الطالعجعلنيالتقي بك في هذا المكان اللعين
    - ابلغني اولاف انك آت متى وصلت؟لما ذكر بوريل ساعة حضوره نظر رادولف الى زوجته مستفهما
    - سمعت ضجة فيالليل ولكني ظننت انك وصلت ولم تشأ ازعاجي يا عزيزي هز رادولف رأسه بتفهم وقال :
    - لاشك انك اعتقدت اني شغلت غرفة اخرى للسبب نفسه
    - تماما لم تزد لينولكن بوريل , بعد ان اقنع شقيقه بحل وثاقه , تكفل بسرد كل ما حصلالليلةالماضية وحتى الساعة في ذلك الوقت كانت لين تراقب زوجها ينفعل ويعضعلىاسنانه ضابطا نفسه حتى لا يهجم على بوريل ويسحقه بعد ان استمع الى سرد اخيهالتفت الى زوجته وقال :
    - كونت فكرة صغيرة عني الآن , اليس كذلك؟ساهم الشعوربالذنب ودقة الموقف في دفع الدماء الى وجهها فاصطبغت وجنتاهابحمرة زادتها سحرا
    - اعذرني يا رادولف فتصرفاتي معك كانت مخجلة
    - لا اعتقد يا حلوتي انتصرفاتي كانت افضل القت لين نظرة خاطفة على الجرح في وجه زوجها وقالت :
    - سأنسحب الى المطبخ لأحضر طعام الغداء فلا بد ان لديكما الكثير لتقولانه
    - ابقييا عزيزتي فوجدك هنا يوفر علي الكثير من الشرح الكلام
    - ولكنها مسألة خاصة لاعلاقة لي بها
    - انت زوجتي ولن اكتم عنك شيئا فمن حقك الاطلاع على الحقيقة
    امتلأ قلب لين بالسعادة لثقة زوجها بها و في حين كان بوريل يستمع اليهمامطأطأ الرأس مهيض الجناح , تخفي عيناه دموع الندم والأسف على حياته الضائعة
    جلست لين على كنبة قرب النافذة تستمع الى " محضر الجلسة " بين التوأمين الغجريين

    بدأ رادولف الكلام بصوته الراقي ونبرته المتعالية :
    - حسنا يابوريل مالئ الدنيا وشاغل الناس ! جبت البلاد طولا وعرضا بحثا عنك ,
    ولكن لننسى الماضي لأن ما فات مات ولا اطلب منك الآن سوى قبول نصف التركة
    - لا !لن آخذ شيئا فأنت سرقتني !
    لم يستطع بوريل هذه المرة كبت دموعه فانهمرت من عينيه بغزارةادمت قلب لينتوجه رادولف الى لين شارحا كيف ورث وحده ثروة عائلة دوغي كلها : هربت والدته
    , وهي صبية يافعة بعد , مع شاب غجري وسيم كان مخيما مع عشيرته فيمكان قريبمن القصر وهكذا نبذها اهلها ولم يلتفتوا اليها رغم رسائلها المتكررة والتي ابلغتهم في احداها انها حامل ولم تكن تعلم بالطبع ان في احشائها طفلين !
    اسند رادولف ظهره الى حائط الموقد واكمل سرد الحكاية المحزنة :
    - ماتت امي خلال الوضع بعد ان كان والدي قد هجرها لأنه ملها , ومع الأسف الشديد عهد بتربيتنا الى عائلتين مختلفتين فافترقنا ونحن طفلان تمتمت لينوالدموع تطفر من عينيها لهذه القصة المحزنة :
    -آه ما اقسى القدر !
    علق بوريلعلى كلامها بحدة :
    - ما اقساه تجاهي لا تجاهه ! فقد وضعت في عهدة رجل وامرأة شريرين لم يكلفا نفسهما مشقة تربيتي بينما قاد الحظ رادولف الى امرأة طيبة رعته احسن رعايةواطلقت عليه اسم رادولف تيمنا بنبلاء البلاد ولم تكتف بذلك بل أخذت تشيع انه ولد قبلي مع ان العكس هو صحيح !
    - لم يستطع احد اثبات منهو الأكبر وفي أي حال ,الفرق بين ولادة تؤام وولادةآخر لاتتعدى الثواني
    - لا تحاول اخفاء الحقيقة يا سيد رادولف والزوجان اللذان ربياني ,تريزاوأوستناكدا لي اني اكبر منك
    - لا استطيع مناقشة قولك يا بوريل لأني لم أكن واعيا ومدركا عندها !
    لم يقتنع بوريل بل أصر على قوله :
    - انا اكبر منك !
    تجاهلرادولف كلمات اخيه واكمل يسرد القصة قائلا ان اولاف كان يعلم منذالبدابة هويةام الطفلين الحقيقية , لكنه لم يطلع احد على ذلك سوى من تعهدبتربيتهما وذلكلاقتناعه بان الجدين لن يلتفتا اليهما بسبب العار الذيسببته الوالدة للعائلة
    هنا تدخا بوريل مقاطعا :
    - سمعت ان اولاف عاد عن رأيه واتصل بجديناليعلمهما بأن رادولف هو حفيدهمامهملا اياي وسبب ذلك اعتقاده ان رادولف يحملمن طباع ونبل والدته الكثيرليجعله لا يستحق حياة المخيمات القاسية
    اكمل رادولفمصححا ادعاءات اخيه :
    - لم يتصل اولاف بجدي لأنه لم يشأ ان يسبب أي الم للسيدةالتي ربتني , وانامسرور لأنه فعل ذلك اعجبت لين بشهامة زوجها الذي يهتمبمشاعر سيدة غجريةرعته اكثر من التنعم بالجاه والثروة , كما تذكرت كلماتهلاولاف والتي قالفيها انه لكان فعل الشئ نفسه لو كان في مو قعه اكملالرجل :
    - لو تركتها باكرا لصارت حياتها فارغة وانا احببتها فعلا لأنها كانتامرأةطيبة علمتني القراءة والكتابة , زودتني بالكتب لأبني ثقافة معقولة انفقتالمال الوفير لتؤمن لي العيش الكريمتوقف رادولف قليلا وزاد بكل جدية :
    - لكن حياة الغجر وبيئتهم اثرتا في شخصيتي بالطبع فلم اكن ذلك الشاب المحترمواوقعتني طباعي الشرسة التي ورثتها عن والدي في مشاكل عديدةمررت لينملاحظة ملطفة :
    - ولكنك ورثت الطيبة والنبل عن والدتكتدخل بوريل محدقا فيالزوجين :
    -كيف تعرفتما الى بعضكما وتزوجتما بهذه السرعة ؟ انت لم تقابلي رادولفقبللقائنا في المخيم لما تعطلت سيارتك , اليس كذلك ؟نظر رادولف الى زوجتهمستغربا :
    - تعطلت سيارتك ؟ عم يتكلم بوريل ؟اطلق بوريل ضحكة عالية وقال :
    - الا تعلم اني كدت انالها في المرة الأولى !
    لم تكن لين راغبة في سماعبوريل يتكلم عن الموضوع ويضع القصة في قالبه الخاصفأمرته بالسكوت :
    - اصمت ! دعني افهمك ما حدث يا رادولف
    - تفضلي لأن القضية اصبحت معقدة فأنت لم تذكريلي شيئا عن معرفتك ببوريلاطلعته المرأة على كل ما حصل بتفاصيله من دون ان تهملشيئا ولما انتهت كانت علامة الاجرام بادية في عيني رادولف الناظر الى اخيهالبكر
    - ايها الشرير ! علي ان اخنقك بيدي لا ان اعرض عليك المساعدة !
    كان منالطبيعي ان يتراجع رادولف عن مساعدة اخيه بعد اطلاعه على ما حدث وعلىتعرض شرفزوجته وسلامتها للخطر لولا تدخل ماندا لكن لين تدخلت وتمنت علىزوجها ان ينسىالموضوع ويساعد اخاه وعفا الله عما مضى !
    وبالفعل رضخ رادولف لمشيئة زوجته واعربعن استعداده لمعاونة بوريل ليحظىبحياة شريفةوعوض عن ان يظهر بوريلالامتنان لأخيه قال ساخرا :
    - لكنك لن تسامحني بالطبع
    - كيف اسامحك بعد ماحدث بيني وبين لين من اخطاء بسببك !
    هز بوريل كتفيه علامة عدم الاكتراث قائلا :
    - لايهمني ما حصل بينكما ولكن ما يحيرني هو عدم استطاعة زوجتك التفرقة بينيوبينك الا هذا الصباح !
    ضحك بوريل واكمل :
    - آه لو انها لم تتعرف اليوسمحت لي لم يدعه رادولف يكمل اذ قفز اليه وهم بضربه لولا تدخل لين فياللحظة الأخيرةوفصلها بين الرجلين
    - لا يارادواف , لاتضربه لأنه يحتاج الىمن يشفق عليه لا من يلومه ! قدر وضعهالتعس وقارنه بما حظيت ارجوك تفهم حالتهوساعده !
    ترقرقت الدموع في عينيها ورمقت زوجها بنظرة رقيقة :
    - بوريل يبقىشقيقك الوحيد على رغم تفريق القدر بينكما عليك ان تشركه فيمصيرك , فاما انتكونا ثريين واما ان تكونا فقيرين ارتسمت علامات الدهشة والتعجب على وجه كل منالرجلين
    - اتستطيعين مسامحة اخي يا لين ؟قال رادولف ذلك بينما تمتم شقيقه :
    - انها امرأة مختلفة لم أر في حياتي مثل هذه النعومة ومثل هذا التسامح ياليتني قابلت واحدة مثلها , لا مثل ماندا المفترسة طمأنته لين بصوتهاالحنون :
    - ستجد من يعتني بك ويحبك يا بوريل فلكل رجل امرأة تناسبه عنت لينما تقول لأن بوريل ليس شريرا بطبيعته , بل هو عاش في بيئة غير صالحةوترعرع فيمحيط يؤمن بالقوة وبالخروج على القانون وسيلة للتفوق والفوز تكلمت لين محاولةتخفيف وطأة التوتر السائد بين الغجريين :
    - اكمل القصة يا رادولف كنت تخبرناعن المرأة التي ربتك وثقفتك بعد موت مربية رادولف مورين , بعث اولاف برسالةالى جدي رادولف يطلعهما علىالوضع ويرجوهما تعهد رادولف وقبوله للعيش معهما فيالقصر رحب العجوزانالثريان بالفكرة لأنهما كانا وحيدين لا وريث لهما سوىقريب بعيد يعيش فيامريكا قاطع بوريل شقيقه معترضا :
    - انت تهمل جزءامن القصة وهو ان اولاف لم يكلف نفسه مشقة البحث عني
    - ربما لا تعرف يا بوريلان اولاف سمع ان العربة التي كنت تعيش فيها معالزوجين احترقت ومات من فيها
    - كان عليه التأكد من ذلك لا تصديق الأخبار بسرعة , فأنا نجوت من الحريق ولماصب الا ببعض الحروق البسيطة ازاح بوريل الشعرات السود واراهما اثر الجرحفي مفرقه ثم تابع :
    - لنفترض ان اولاف لم يعرف بوجودي حيا الا منذ سنتين , فلماذا انتظر اسابيععدة ليطلعك على الأمر ؟ ربما خشي من معرفتك ان لك اخاشريرا
    - لا ادري ما الذي شغله عن اطلاعي على وجودك
    - لم يرد افساد حياةرجل محترم باقحام اخ شرير ومتشرد فيها فأنت نشأت فياحسن البيوت وارقاها بينمااضطررت لشق طريقي وحيدا منذ ان كنت في العاشرة والله وحده يعلم كم واجهت منالصعوبات لأستطيع الصمودارتجفت شفتا بوريل فظنت لين انه سيعود الى البكاء سيماوانها هي لم تكن بحاجةالى تشجيع لتنهمر دموعها حاول رادولف تبرير موقفهوتصحيحه :
    - دعوتك مرات ومرات لتأتي وتعيش معي في القصر حيث تبدأ بتحصيل العلموالثقافة وتعاشر من يجب ان تعاشرهم من الناس رفضت ذلك مع العلم انه من حقك التمتع بنصف الأموال






    رد مع اقتباس  

  7. #17  
    اكمل رادولف بكل أسى :
    - اعتبرت ان في الأمر تصدقاولكنك مخطئ لأنني لم اعرض عليك الا حقك , وكنعلى ثقة اني ما زلت عند عرضيومستعد لنصبح صديقين نتكاتف في مواجهة مشاقالحياة وقساوتها تساءلت لينعما يمكن ان يكون اكثر عدالة من هذا العرض , وحبها لزوجها يتضاعفلما خبرته فيهمن نبل وشهامة نظرت اليه مبتسمة فرد الأبتسامة بأنعم منهاوقلبها يخفق طربابالحب الكبير
    فكر بوريل مليا بالأمرواعلن :
    - رفضت دعواتك السابقة لأني كنت مقتنعا اني اكبر منك سنا , واني خدعتوحرمتمن المال والتربية اردت واريد ان اصبح رجلا محترما ولكن تغيري صعب وقدبلغتالثلاثين كنت محظوظا يا رادولف لأنك تركتحياة الغجر وانت بعد فتى يافع ,
    اما ان تبدأ عملية تحول تنقلك من ضفة الى ضفة وانت في الثلاثين فرابعالمستحيلات تفهم رادولف رأي أخيه معترفا انه , على رغم كونه في السادسةعشرة , زجد صعوبةقصوى في التخلص من عاداته الغجرية والتأقلم في نمط الحياةالارستقراطية المعقدة
    - لا مجال للمقارنة يا لين بين تعقيدات وشكليات حياةالقصور وحرية وفلتانحياة الغجر ولا انكر اني عقدت العزم مرارا على الفراروالعودة الى المخيملأعيش بين قومي واصحابي قدرت لين لما سمعت ذلك مدىشجاعة زوجها وقوة ارادته اللتين جعلتاه يصمد ويبقىفي القصر مع جدين عجوزينمتعجرفين , ولا عجب في كونهم كذلك , شأن كل اصحابالثروات الطائلة والألقابالنبيلة لاريب في ان رادولف بذل مجهودا جباراليعتاد على متطلبات حياة القصورويتخلى عن اللامبالاة التي طبع عليها فيحياته الغجرية علق بوريل على كلاماخيه :
    - لو هربت من القصر لربما كنت انا مكانك الآن
    - ربما قطبت لينحاجبيها غير قادرة على تصور بوريل المتشرد في ثياب ارستقراطي عريق ,
    فهو كانسيفشل حتما في اعتياد حياة القصور ولا شك ان بوريل مدرك لهذهالحقيقة ويتصرف , وان ليسظاهريا , على اساسها اعاد رادولف سؤاله :
    - ما اريد ان استوضحه منك يابوريل هو هل تقبل بعرضي طاردا من ذهنك فكرةالتصدق والحسنة ؟
    - اتعرض عليالسكن في القصر ؟
    - اعتذر اذا قلت ان هذا مستحيل لأنك ارعبت زوجتي مرتين وهيستنزعج من وجودكفيه
    - هذا يعني انك غير مؤمن بامكانية عودتي الى الطريقالصواب أضاف بوريل قبل ان يتمكن اخوه من التعليق
    - لن استطيع يا رادولفمعرفة سبب انشغالك بي وبحثك الدائم عني جبت مخيماتالبلاد كلها مرتديا ثيابالا تليق بمقامك حتى لا تشعر الغجر بأي نقص , وشاغلاعربات قذرة لا تصلح لأنتكون مكانا لرمي النفايات في قصركوالله لو كنتمكانك لتخليت عن البحث مرسلااياك الى الجحيم !
    اكتفى رادولف بابتسامة خفيفة وبوريل ينظر اليه مقارنا بينطريقة حياة رادولفوتشرده الدائم ثم وضع الثاني رأسه بين يديه وقال يائسا :
    - اتعجب لماذا انبأك اولاف بوجودي مع ان سلوكي كان يسبب له القرف ! انا لص ,
    محتال , قاطع طريقحتى الغجر لا يرضون بوجودي بينهم لا حل لي الابالأختفاء عن انظار الناس !
    لكم صار بوريل بعد اعترافه هذا مختلفا عن مظهرالرجل الشرير هو يكره نفسهلأنه انساق وراء غرائزه وميوله الهدامة ولكنهتسلح بالشجاعة وانهار معترفابأخطائه , من دون ان يجد علا لها سوى التواري
    نظرت لين الى زوجها فرأته يفكر بعمق عن مخرج لمشكلة بوريل , وارادت ان تتكلملكن زوجها سبقها :
    - لا أحد يكرهك يا بوريل فأنت عدو نفسك الوحيد لماذا لاتطوي صفحة الماضيوتبدأ حياة جديدة ؟ اخبرني اولاف مرة انك بحاجة الى رأسمالصغير لتهاجر الىاستراليا وتؤسس مصنعا للخشب مع شريك , فهل ما يزال المشروعقائما ؟
    - لا اعلم فالرجل سافر الى استراليا وسمعت انه يجد صعوبة في تسييرالعملبسبب ضائقة مالية
    - المال ليس مشكلة فمتى قررت العمل امدك بما يلزم
    - انا مصمم على ذلك ومستعد للسفر الى استراليا يا رادولف تنفس رادولفالصعداء ونظر الى زوجته مبتسما لأن نهاية الأزمة قد اقتربت
    - وهل تقبل بنصفاموال التركة ؟
    - ولكن المال موصى به لك ؟
    - اموال عائلة دوغي يا بوريل حقمشترك علينا تقاسمه بالتساوي
    - لا اجرؤ على اخذ نصف الأموال في الوقت الحاضر ! لأنني لا أجد نفسي قادراعلى ادارتها اعطني ما يلزم لأنشاء المصنع واحفظالباقي , فأن احتجت الى شئآتي اليك
    - كما تريد يا بوريل سأعمل على مدكباللازم في اقرب وقتقاطعه رنين الهاتف فهرع ورفع السماعة خائفا من ان يكونفي الأمر سوء , لكنهما لبث ان انفرجت اساريره وابلغ زوجته وشقيقه :
    - ماندابحالة جيدة ولن تتقدم بشكوى الى النيابة اكتفى بوريل بالقول :
    - يسرني سماعذلك
    - تعلم يا بوريل ان كونيل اوقع نفسه في مشاكل عديدة وهو خائف ويريد السفرليسوي اوضاعه ويبني مستقبله ما رأيك باصطحابه الى استراليا فأنا وعدتهبالمساعدة ؟نظر رادولف الى زوجته وقال ضاحكا :
    - لا تظني ان كونيل كانينوي مساعدتك على الفرار فقد اعترف لي بكل شئ الستمسرورة يا عزيزتي لأنه لميساعدك ؟
    - نحن لم نعد الى المخيم لأعلم حقيقة نواياه
    - صحيح يا لين ولكنهكان موجود في احد المخيمات التي مررنا بها استوضح بوريل شقيقه :
    - ماذا عنكونيل والهرب ؟لم يجب رادولف بل وعد :
    - سنطلعك على ما حصل في المستقبلعندما تأتي لزيارتنا وافق بوريل مدركا في قرارة نفسه انه متى غادر هذا المكانلن يعود ابدا
    - لنعد الى موضوع كونيل يا بوريل انه شاب ذكي ويستحق ان يتمتعباكثر مماتقدمه حياة الغجر واعتقد بانه سيكون لك عونا كبيرا في اعمالك
    - لا مانع عندي في اصطحابه
    - اتمنى لك وله التوفيق وآمل بأن تتوصل الىتحقيق طموحاتك بالعزم وقوةالأرادة وقف بوريل على قدمين مرتجفين واخذ يبحثعن الكلمات ليعتذر عما حصل , لكنشقيقه لم يود احراجه فسارع الى القول :
    يجبان ترتاح الأن وتتناول حبوبا مزيلة للصداع
    - فكرة حسنة اريد ان اسألك شيئاأخيرا يا رادولف , هل تهتم بالترتيباتالقانونية لسفري ؟
    - لا تشغل فكركبهذه الأمور واتكل علي اما الآن فادخل الى غرفة النوم وخذقسطا من الراحة
    بعد عشر دقائق جلس الزوجان وحيدين على الشرفة يتأملان زرقة البحر الهادئ
    - اخيرا يا حبيبتي الغالية لم يعد هناك ما يعكر صفو حياتنا , اليس كذلك ؟
    - اعتقد ان مشكلة بوريل انتهت
    - اشكر الله على ذلك اخذ يداعب شعرها بحنانواضاف :
    - كنت شهمة جدا تجاهه يا حلوتي على رغم ما فعله معك آه كم سبب الكلامعلىاللقاء الاول لبسا وغموضا , ولهذا كنت استغرب موقفك مني
    - لو تحدثتمرة عن تعطل سيارتي
    - في أي حال اصبحت هذه الأمور جزءا من الماضي بالنسبة الي
    - وهو كذلك
    - كنا ضحية ظروف معاكسة ولكننا خرجنا سالمين فكر رادولفقليلا قبل ان يزيد :
    - اتؤمنين بالحب من اول نظرة ؟
    - ربما
    - منذ انرأيتك في الغابة علمت انك الفتاة التي ابحث عنها غرقت في غرامكحتى اذنيوتعذبت كثيرا لاحتقارك اياي ولتعجرفك
    - الم تتساءل يوما لماذا ضربتك بالسوط ؟اظننت اني فعلت ذلك بدون سبب ؟
    - حدث كل شئ بسرعة لم تدع لي مجالا لأفكر , فأنااعاني من مركب نقص كونيغجريا , فأنا اخاف من ان تكون تصرفاتي نابعة من ماضيومن انتمائي الاجتماعيوانت زدت الطين بلة عندما صنفتني غجريا متشرداحقيرا
    - انت مخطئ يا حبيبي , فجل ما في الأمر اني كنت خائفة من اعتدائك علي دونانيخطر لي ان الشخصين مختلفان لاتتصور كم كانت المفاجأة كبيرة عندما رأيتكفيالغابة فظننت انك لحقت بي من المخيم حيث تعطلت السيارة حتى تكمل ما بدأتههناك
    - من عجائب الصدف ان تلتقي ببوريل ثم بي في الغابة , ولكن القدر لعبلعبتهلجمعنا رمقته بنظرة حنان ووضعت يدها على الجرح ثم همست :
    - اتعتقد ان اثره سيزول ؟
    - بالطبع سيزول
    - ان لم يحصل ذلك لن اغفر لنفسيابداضحك رادولف وقبلها بحنان على جبينها :
    سنذهب غدا الى بيتنا حيث نبدأبرسم طريق حياتنا الصحيح
    - فكرة رائعة ياحبيبي كانت فرحة لين كبيرة الىدرجة لا توصف فالأمور تسارعت بشكل مثير فيالأسابيع الأخيرة , ووجدت نفسها فيعالم آخر لم تكن تحلم انها ستصبح جزءا منهلما كانت تدفن اوقاتها وراء مكتبهاوبين جدران شقتها الموحشة
    - اصحيح انك امضيت سنتين في البحث عن شقيقك ؟
    - نعم , ولكن ذلك لم يمنعني من الأهتمام بادارة اعمالي تنقلت بين المخيماتبسيارتي الاعندما التقيتك فقد كنت ذاهبا الى المخيم على الحصان لأنه قريبنسبيا من القصر
    - ولماذا تظاهرت بكونك غجريا فظا ؟
    - الن ننتهي منالاستجواب ؟ حسنا , لأنك جرحت شعوري واردت ان ارد لك الكيلكيلين كدت , فيمرات عديدة , اعترف لك بالحقيقة ولكن عنادي منعني دفنت لين رأسها في صدرهوهمست :
    - بذلك تعلمت ان احبك لذاتك دون النظر الى انتمائك , وانا سعيدة لأنكتعرفاني احبك من قبل اطلاعي على هويتك الحقيقية
    - اظن انك اكتشفت حقيقةمشاعري نحوك يوم كنا في اليارة
    - هذا صحيح يا رادولف وان حاولت مقاومة هذاالحب لأن الحياة الغجرية لايمكنان تناسبني
    - ولكن مقاومتك كانت فاشلة !
    - اعترف بذلك واني كنت مستعدة لمتلبعة الرحلة معك حتى النهاية
    - الاتريدين الاطلاع على الخطة التي تحدثنا عنها ؟
    - بالطبع
    - لم اكن استطيعتصور نفسي اعيش بدونك يا لين ففكرت ان ابتاع لك بيتا خاصاتعيشين فيه بحرية , مقابل سماحك لي برؤيتك مرتين يوميا وبذلك تتخلين عنفكرة الفرار
    - اتريدمعرفة رأيي الحقيقي في خطتك يا رادولف ؟
    - نعم
    - انها اغبى خطة رأيتها فيحياتي
    - ولماذا ؟
    - لأنك تعلم انك لن تستطيع التقيد بها وانك ستجبرني بعد مدةعلى على احمر وجهها خجلا فيما رادولف يطلق ضحكة عالية تعبر عن الأرتياحوالسعادة
    تـــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــ ـــــــــت






    رد مع اقتباس  

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  2. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  3. أي عيد هذا يا ملاكي
    بواسطة ملكه العشق في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 31-Aug-2011, 12:55 PM
  4. احاول الهروب منك ملاكي
    بواسطة عـذبة المشاعر في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 11-Nov-2006, 09:12 AM
  5. ((فديتك يا ملاكي فروحي لم تهو سواك ))
    بواسطة شهلا في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-Aug-2006, 02:10 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •