يقرأون, ومضاتماذا

كاد هذا السؤال يبدو تقليدياً ومكرراً لدى بعض الصحف والمجلات العربية فيما مضى من الزمان وكان السؤال يطالع القارئ مع مطلع كل صيف مصحوباً باستطلاعات موسعة مع كبار الادباء والمفكرين والسياسيين البارزين وكانت الصحف والمجلات تهدف من وراء ذلك الى تشجيع القراءة والى توجيه القراء الى بعض الكتب التي تلقى عناية غير عادية من بعض هؤلاء الذين يتم استطلاع آرائهم وهل هي كتب جادة أم تتناسب مع مناخ الصيف الحار الذي يدعو الى التسلية والتخفف من متابعة الافكار المرهقة للاذهان.
ويبدو ان الكتاب لم يعد - في هذه الايام بخاصة - موضع احتفاء من غالبية المثقفين العرب كما ان المعرفة نفسها لم تعد أساساً لتكوين الانسان بل صارت وسيلة لكسب العيش أولاً وأخيراً فاذا وجدت وسيلة اخرى تؤدي الى ذلك فان المعرفة تغدو لا قيمة لها ولا اهمية على الاطلاق
ومن هنا فإن السؤال الصحيح الذي يتناسب مع الواقع الراهن هو: هل ما يزال الناس يقرأون في الصيف أو في بقية الفصول؟ فقد انحسرت موجة القراءة وحلت محلها مشاهدة ما تقدمه القنوات الفضائية من ثقافة شفهية اعادتنا الى العصور القديمة عصور ما قبل التدوين وما قبل الكتاب.
والعجيب ان العزوف عن القراءة لم يمنع من التوسع في طبع الكتاب و نشره ولم يوقف من سيل المجلات والصحف وباعداد فلكية تعجز عن حصرها الارقام والدافع اليها تفاؤل غير محدود من ان هذه الوسائل ما تزال هي الوسيلة الفاعلة والقادرة على الارتقاء بوعي البشر دون غيرها من الوسائل الاستثنائية التي لا يستطيع القارئ ان يوفرها في الزمان والمكان الذي يريد كما هو الحال في القراءة بواسطة الانترنت او الكتاب الالكتروني في حين ان الكتاب أو المجلة رفيقه الدائم وليسا بحاجة الى وسائط من أي نوع.
وبعيداً عن سؤال ماذا يقرأون نتساءل هل يقرأون وهل انتقلت الينا عدوى القراءة من الشعوب الاخرى التي يحرص ابناؤها على اصطحاب الكتاب في حلهم وترحالهم والذين يحبون الاسفار على الحافلات والقطارات والطائرات لانها تتيح لهم فرصة للقراءة بهدوء وتجعلهم لا يشعرون بالوقت الذي يكون عند امثالنا مملاً ومرهقاً وتكون عيون بعضنا مشدودة الى دقائق الساعة بدلاً من ان تكون مشدودة الى صفحات كتاب يختاره المسافر بعناية ليكون خير جليس وخير معلم في الصيف كما في الشتاء وفي الخريف كما في الربيع.
وفي هذا الصيف الدموي القاسي صيف الحرب على لبنان ومن قبله العراق ومن قبلهما فلسطين. في هذا الصيف تكون القراءة هي العزاء الوحيد ولكن ماذا نقرأ؟ قد تكون الإجابة السريعة: نقرأ كل ما يتعلق بواقع الأمة ثقافياً وسياسياً شعراً ونثراً وفي هذه الصفحة نماذج من النثر والشعر تستحق القراءة كما يستحق بعضها التوقف طويلاً لمعرفة مدى انعكاس الواقع المؤلم على الابداع وعلى الشعر ولغته الجديدة بخاصة تلك اللغة التي باتت تجمع بين بساطة الأسلوب وعمق الفكرة.

,lqhj:lh`h drvH,k td hgwdt?