بسم الله الرحمن الرحيم الحج قصد كريم وإرادة عظيمة وطاعة مباركة ورحلة ميمونة وسفر محمود لا بدّ أن يتوافر فيه صدق وسلامة النية وإخلاص العمل وصحة المناسك وسلامة العقيدة فتجهَّز أخي الحاج قبل حلولك ضيفاً على الرحمن تجهَّز لحجك كي يكون حجّاً مباركاً مقبولاً مبروراً كيف ذلك؟ فاحرص على:
ردّ المظالم واستسماح المظلوم
أخي الحاج لا تغادر إلى الحج حتى ترد مظالم الناس وتستسمح من ظلمته وتعفو عمن ظلمك لتتبعك البركات ويصحبك دعاء الأهل والأحباب واعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والظلم ظلمات يوم القيامة، وكيف تذهب لتحل في ضيافة الرحمن وقد ظلمت أو هضمت وغبنت بعضاً من عباده, فاستسمح مَن ظلمت وردَّ حقوقهم، واعفُ عمن ظلمك, تسمُ روحك وترتفع منزلتك وأنت في ضيافة خالقك.
النفقة الحلال
أخي الحاج يستلزم الحج نفقات للسفر ونفقات للإقامة والإعاشة، وهذه النفقات يجب أن تكون من مال حلال خالص لا شبهة فيه, لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. فلتحرص أخي الحاج على أن تكون نفقات حجك من مال حلال، ولتنظر في ما رصدته نفقة لحجك من أين اكتسبته ومن أين حصلته, فإن كان في بعضه شبهة فتخلَّص منه ليكون حجّاً مقبولاً مباركاً مبروراً.
أداء الأمانات والديون
أعلم أخي الحاج أنك تارك وطنك، مغادر أهلك، فلا تدري هل ستعود إلى وطنك وأهلك أم لا، فلا تدري نفس بأي أرض تموت، نرجو لك عوداً حميداً. لذا فاحرص على أداء الأمانات إلى أهلها, فإن كانت أموالاً فاحرص على أدائها، وإن كانت مؤجلةً لما بعد عودتك فأوصِ من يخلفك في أهلك وأموالك بأن يؤدي تلك الأمانات إلى أهلها قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلَى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُموا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنَّ اللَّهَ كانَ سَميعاً بَصِيرا} النساء 58 وقال تعالى: {يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَخونوا اللَّهَ والرَّسولَ وَتَخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمونَ} الأنفال 27، {والَّذِينَ هُمْ لأمانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعونَ} المؤمنون 8، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد على خلُق الأمانة, فقد كان يودِّع من أراد سفراً من أصحابه ويقول له: «أستودِعُ اللهَ دينك وأمانتك وخواتيم عملك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانةَ له ولا دين لمن لا عهد له».
إخلاص النية
اعلم أخي الحاج أن الله لا يقبل عملاً إلا ما كان خالصاً له تبارك وتعالى، فلتكن نيّتك خالصة وقصدك تلبية وأداء فريضة الحج التي فرضها الله عليك {وَما أُمِروا إِلاَّ لِيَعْبُدوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ} البينة 5، ومعنى الإخلاص أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى، قال تعالى: {وَما لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى} الليل 19 - 20 وقال تعالى: {مَنْ كانَ يُريدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعوا فِيهَا وَباطِلٌ مَا كَانوا يَعْمَلُونَ} هود 15 - 16، وعن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «إنَّمَا الأَعْمالُ بالنِّيَّاتِ وَإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله ورسولِه فهجرته الى اللهِ ورسوله، ومَنْ كانت هِجرتُه إلى دُنْيَا يُصيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إلَيْهِ» رواه البخاري. فلا يكن في نيتك أيّ قصد دون ذلك, فقبول العمل مرهون بإخلاص النية وصدقها، فلا تجعل حجك للشهرة ولأجل أن تحصل على لقب أو مسمّى تُنادى به بين أهلك، ولا يكن حجك فخراً أو رياءً أو شهرةً. واستحضر - أخي الحاج - في كل عملك هذه الآية الكريمة والجوهرة الثمينة {قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْياي وَمَمَاتي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام، فلا تجعل حجك رياءً أو سمعةً أو شهرةً.
التوبة الصادقة
ستكون في ضيافة الرحمن، فلا تحلَّ ضيفاً وأنت غير تائب من ذنوبك غير نادم على فعلها, لذا فقبل أن تحل في هذه الضيافة المقدسة تُب توبةً نصوحاً واندم على المعصية {يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا توبوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْديهمْ وَبأَيْمانِهِمْ يَقولونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنَا إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ} التحريم 8. والتوبة النصوح تقتضي الندم على فعل الذنب والعزم بنيّة صادقة على ألا تعود إليه، ولا تكن من الذين يُصرّون على المعصية رغم أنهم يحجُّون مرات ومرات، فيظنون خطأًً أنه كلما حج مرة زال ما عليه من ذنوب وخطايا، فيعود وفي نيته أن يفعل ما يشاء من ذنوب ثم يحج لمحو هذه الذنوب، فهذا لم يتب توبةً نصوحاً.
عهد وميثاق مع الله
لتجعل حجك عهداً وميثاقاً مع الله، بداية عهد جديد وعقد لميثاق الطاعة طاعة الله عهد خرجت فيه من ذنوبك كيومِ ولدتك أمك, فاعقد ميثاقاً مع الله تتعهد فيه بطاعته، وتتبرَّأ فيه من طاعة الشيطان. وتوكَّل على الله واعقد العزم أن تبدأ حياةً جديدةً كلها طاعة لله، فهو الذي وهبك المال الذي به حججت، وبحجك المبرور هذا تخلَّصت من ذنوبك، فكن حامداً لله شاكراً لأنعمه.
الاتباع لا الابتداع
للحج مناسك وشعائر, منها ما هو واجب ومنها ما هو مسنون, فاحرص على اتباع سنة معلم البشرية في أداء المناسك والشعائر, فقد قال صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ», أي مردود على صاحبه غير مقبول عند الله، فاحرص أن تتبع سنّة المصطفى ليكون حجك مقبولاً عند الله، فإن أشكلَ عليك شيء فاسأل أهل الذكر قبل سفرك أو أثناء سفرك أو أثناء حجك. وتأمل معي هذا الحديث روى البخاري عن أنس أنّه قال: جاء ثلاثة رَهْط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنّهم استقلّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأعلمكم بالله وأخشاكم له, لكني أصوم وأفطر، وأُصلي وأرقد، وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فتأمل كيف أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على من حَاد عن سنته ولو كانت نيته حسنة، فالنية الحسنة لا تشفع لصاحبها أن يبتدع في دين الله ما شاء.
لا رفث ولا فسوق ولا جدال
سوف تحل ضيفاً في هذه الأرض الطاهرة التي شهدت مولد خير البرية، وكانت وما زالت منبع دعوة الإسلام, فصُن هذه البقاع، فلا رفث فيها ولا مكان للجدل والاختلاف، وتذكر أنها أيام، فيها تتحقق وحدة الأمة ويلمّ شملها فيها حيث تلتقي طوائف وقوميات وألواناً.
ورغم ذلك، فلا محل ولا مكان للطائفية ولا للقومية ولا للألوان ولا للشعارات, فهي أيام وحدة في القول والعمل والفعل والمظهر، فعظِّم هذا المكان وعظِّم هذه الشعائر {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائرَ اللَّهِ فَإنَّها مِنْ تَقْوى الْقُلوبِ} الحج 32، فالأجدر أن تلهج بالدعاء وتلحّ في الرجاء وتترفَّع عن العبث وتهجر الرفث وتسمو بالخلق وتتخلق بالإيثار، فلا تزاحم الضعفاء في أداء الشعائر، وأعِن الضعيف ويسّر عليه ييسر الله لك.
Hod hg`d u.lj ugn H]hx hgtvdqm ;dt jj[i~. gp[~;?