ما قبل الزواج
هي مرحلة مهمة وحرجة بالنسبة للكثيرين ممن هم مقبلون على هذا المشروع الطيب المبارك، المشروع الذي سوف يغير في حياتهم وعلاقاتهم وتنظيم أوقاتهم وأفراحهم ؛ بسبب المرحلة الجديدة.
فقبل الزواج يعيش الشاب أو الفتاة دون أن تكون هناك تلك الالتزامات الزوجية، فكل واحد يعيش برنامجه الخاص سوى الالتزامات الأسرية الأخرى ، بينما بعد الزواج يصبح كل طرف مرتبطا بالآخر في كثير من البرامج اليومية ، مما يتطلب الترتيب والتنظيم بالتنسيق مع الطرف الآخر ، وهو شيء جديد بحياة الفرد ، فيه الكثير من المتعة والسعادة بخلاف نظرة البعض بأنه تقييد للحرية.
وكلا الطرفين سواء الشاب أو الفتاة يعيش هذه المرحلة بكثير من الاهتمام والتفكير ، وسوف يكون الحديث بهذه المقالة عن بعض القضايا التي تشغل الشباب والفتيات قبل الزواج :
الأول-الميل العاطفي والفطري: وهو أمر طبيعي من الطرفين لبعض ، ولا ينكر أحد وجوده وأحقيته ومتعته ، وما فيه من الأنس والراحة ، ولكن الإشكال في ممارسته وتحققه على أرض الواقع ، والناس فيه ثلاثة أصناف:
1- صنف أطلق للنفس العنان ، وهدم أمامه كل حاجز وبنيان ، ولم يراع قيماً أو ديناً ، فانطلق يعطي النفس رغباتها ، المهم لديه تحقيق شهواته.
2- صنف بحث عن الطريق الصحيح في تحقيق ميوله وإشباع رغباته من خلال الزواج الذي استطاعه دون مشقة أو عناء ؛ وذلك ليسر حاله ووضوح هدفه وغايته في طاعة ربه إلى جانب إسعاد نفسه.
3- صنف عانى المتاعب وبقي مترددا ومضطربا بين الصبر وإلجام النفس ومنعها وبين التفكير في الإقدام على المعصية في هذا الجانب ، إذا تذكر الصبر وفوائده مع مراقبته لله تجلد وعاش لحظات طاعة وسعادة ، وإذا رأى المغريات والفتن من حوله تحركت شهوته، وثارت عاطفته وأشعلت النار بداخله ؛ فأحس بألم ووجع.
ولعل هذا الصنف هو الغالب في واقع المجتمع الإسلامي اليوم نتيجة تعقيدات وعقبات الزواج وكثرة المغريات التي يعيشها الشباب .
الثاني- البحث عن الشريك المناسب ، وهنا يعيش كلا الطرفين مرحلة بحث وتنقيب وتحرى وسؤال ؛ وحق لهم ذلك فالعلاقة ليست مؤقتة لمدة ساعة أو شهر أو سنة ، ثم يتم الانفصال ، فالأصل في الزواج الديمومة والاستمرار ، أما الطلاق فحالة استثنائية ولا تكون إلا بشروط وضوابط ، وبعد محاولات من الإصلاح والعلاج ، فالهدم لأي بناء له آثاره النفسية والاجتماعية.
وفي مسألة البحث للوصول إلى الطرف والشريك المناسب الناس أصناف أيضا:
1- صنف لم يراع قيدا أو شرطاً ، ففي كل يوم يكون الشاب مع واحدة يمسك بذراعها ويسافر بها ويخلو معها ، وقد يقع في تجربة معها كما يقال ، وكل ذلك بحجة التعرف قبل الزواج ، ولا شك أن هذا باطل ومنكر لا يرضاه شاب غيور ولا فتاة عفيفة ، وكم من المصائب والويلات وقعت بسبب مثل هذه العلاقات.
2- صنف حجر واسعا وضيق مباحا ؛ وذلك نتيجة عادات وموروثات ما أنزل الله بها من سلطان ، فلا يسمح للباحث عن الزواج أن يرى الفتاة إلا ليلة عرسه، ولا يمكن أن يكلمها أو يسمع صوتها فضلا عن أن يناقشها مع وجود محارمها، فالفتاة لا رأي لها ولا مشورة، وهذا خطأ أيضا ؛ فكم من العوانس اللاتي يقبعن خلف الجدران ضحية ذلك التصرف الأرعن بحجة الحرص المغلوط والمقاييس البعيدة عن كتاب أو سنة.
3-صنف وسط بين الصنفين ، انضبط بالضوابط الشرعية ، فسمح للخاطب برؤية مخطوبته والحديث معها في وجود المحْرَم، بل ورحب أجمل ترحيب ، وساعد ويسر الأمور ، وسعى إلى زواج بناته وقريباته بكل ود وكرم، فأدخل السرور إلى نفس ابنته كما أدخله إلى نفس ذلك الباحث عن الزواج.
وهذا هو الفعل الصحيح والنهج القويم ، والذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
الثالث- المهر وتوابعه: فمن الأشياء التي تشغل بال الكثيرين تلك الأموال الباهظة والنقود الكثيرة التي أثقلت كاهل الزوجين معاً ، وإن كان الرجل الأكثر معاناة، فبات هذا من أشد الأمور التي يواجهها الشباب المقبلون على طاعة الرحمن من خلال الزواج ، فظاهرة الغلاء التي سرت بين الناس توسعت دائرتها وزادت رقعتها حتى وصلت إلى هذا البناء الجميل والمشروع البراق فأفسدته وعكرته ، وجعلت التطلع إليه أمرا صعبا ليس من حق الجميع ، والإقدام عليه يحتاج إلى إعداد الحسابات ورصد الميزانيات ، وتناسى الكثيرون سلفهم الصالح ونهجهم الطيب.
ونتج عن ذلك من الأضرار والمفاهيم الخاطئة وصار البعض ينظر إلى المرأة ذات المهر اليسير نظرة دونية.
الرابع- الحفلات المتعددة ، والتي صار الناس يتفننون فيها ويتباهون بها ، ويتوسعون فيها ، فحفلة للخطوبة ، وحفلة لعقد الزواج ، وحفلة للعرس ، وحفلة في بيت المعرس ، وحفلة في بيت العروس ، ويشترط البعض أن تكون في فنادق معينة وبصحبة فرقة محددة ، دون الاعتبار لدين أو قيم ، فهنا يتم نسف الكثير من المبادئ العظيمة التي جاء بها سيد البشرية وإمام الإنسانية صلى الله عليه وسلم.
الخامس- الموائد الزائدة : نعم موائد لو اجتمعت لها جيوش لا تستطيع الإتيان عليها من كثرتها وضخامتها وتعددها ، تنفق عليها الآلاف وربما الملايين ، يتنافسون في كثرة لحوم الغنم والبقر والإبل التي تذبح وتنحر، ثم لا يتحرجون ولا يتوجعون من أن تكون نهايتها إلى أماكن القمامة والنفاية ، كيف يحصل هذا في أمة لها قوامة على الأمم .
هذه وتلك أحوال وأحداث يعيشها ويشاهدها ويشعر بها أولئك الشباب المقبلون على الزواج، فتبقى ذكريات لا تفارقهم ، يضيفونها إلى مفردات أخرى في قواميسهم المزدحمة ، فكان الله في عونهم ، ويسر الله أمورهم
lh rfg hg.,h[