الفصل الثامن
اخطر من الشوكلاته
ركضت مرعوبة
لهاث ريكسي من خلفي
و دار الضيافة بعيده أمامي
أسمع صوت نباحه المسعور يقترب
أخاف
تحتار خطواتي الثقيلة
ليدركني بسرعته ويسقطني على الأرض بجسمه الضخم
أحسست بنداوة العشب الباردة تخترق ملابسي ويقشعر منها بدني
أخفيت وجهي عن أنيابه الحادة
فاجأني
انه يلاعبني و يلعق وجهي بلسانه الخشن
خدعت البشر
وأعجزتني أنت
يا ريكسي !
ما المشترك بين الإنسان والحيوان
شاعرية الحياة
إجابة خاطئة
الشعور بالحياة
فرحت بذاكرة انف ريكسي القوية
لففت ذراعي حول عنقه السميك ومسدت جسده بيدي
وأخذت اثبت برقعي على وجهي بعد إن عبث به ترحيب ريكسي العنيف
زال من قلبي الخوف
لثواني
أعاده صوت أيمن وهو يقول :
ريكسي
كم هير
يتركني تابعا لأوامر سيده
أحاول أن انهض فيمد أيمن يده ليساعدني
ويطبق بأصابعه على كفي بقوة أفشلت محاولة تحريرها
ليقول بنبرة صوت غامضة:
أعذريه
تعرفين احسده
تهنا بحضنك شوي
سقط قلبي لهاوية لا قاع لها
فمرافقة خدوج لحفلة الرجال كان صمام الأمان فيها أنها استراحة عمي
ما خفت لحظة
أنا بنت القادر
إن اختلطت الأمور عرفت بنفسي لأيمن
سيغضب من تهوري ولن يعذر تطفلي
لكن لا أحد سيؤذيني
و قد يطلب مني برجاء التكتم عن كل ما شهدت
ما خطر ببالي أنه من الرجال
وأنا من النساء !
أقترب مني إلى حيث لم يصل أبدا من قبل
فأحسست بأنفاسه اللاهثة على وجهي رغم البرقع السميك
وواجهت نظرة حارقة من عينيه الدامعة من بكاء قريب بصمت يمنعني من الصراخ أن يعرف من أكون أما هو همس بأذني :
خفتي
لك حق
لمن أنا
أنا
أتمنى أصير كلب
عشان بدوية بعيون زرق
شي يخوف
كدت أن اسقط على الأرض مرة أخرى
من حيوانية مختلفة
أعادني لعالم اليقظة صوت سعد وهو ينادي من بعيد بعنف :
مشينا
الجماعة خلصو من العشا
ابتعد أيمن بصمت ممسكا بطوق ريكسي باتجاه الشاليه الرئيسي
ليقول سعد معاتبا :
وين أختفيتي
تحسبين انك ببيت اهلك
زين تسذا
بغيتي تروحين فيها !
في طريق العودة كنت شبه منهارة
ما سر بكاءه على موسيقى اللوف ستوري التي تنبعث من صندوق أخته المقبور في درج صغير بالقرب من سريره
في لحظات أيقنت من نظراته انه عرفني واختار التجاهل
ولكن ذلك المشهد المثير
ما كنت فيه ميثى
وما كان أيمن
بل أحرار من هوياتنا الحقيقية وقرابتنا المتشابكة
أردت أن أحطم مثاليته
وأعري حفلته الخاصة من ستر الخفاء
إذا بي أضيع بين متاهات
فما شهدت فسق ولا جزمت بطهر
أعطتني خدوج ثمن تلك الليلة عند باب بيتنا دون أن تعاقبني على ارتباكي لتغريني بمرافقتها مرة أخرى
في غرفتي أبقيت ملابس أمي بخزانتي
شاهدا على ليلة تجاوزت فيها الحدود ودخلت عالم اللا مسموح
عدت فيها خائبة
إلا من ألفين ريال
وغموض
شربت قهوة الثالثة مع لوح الشوكلاته
كان مرا رغم حشوة الكراميل الكثيفه
سرقت حلاوته
كلمات غزل وحشيه
لماذا استعذب أن أتذكر
ما حدث
كأني اكتشفت لذة جديدة
خطيرة
اخطر من الشوكلاته !
لا ينقص فوضوية الليلة إلا الساري
تذكرته
والوعيد الهزيل
كم هو سخيف
مضى أسبوع دون رد أو ندم
اتصلت بالنت
منتدى الرحالة
أخبار الأعضاء يتقدم بأصدق الدعوات بالشفاء العاجل للعضو المميز الساري
قرأت كل ردود الأعضاء بحثت بين السطور
مكاني المفضل للقراءة و الكتابة عن أي تفاصيل
و لم أجد
هل كان يهدد بإيذاء نفسه
وأنا ظلمته
ما قصد إلا أن يستعطفني
كان رقيقا وليس مستبد
وجدت في ردود احد أصدقائه أن الساري يرسل تحياته من مستشفى الملك فيصل التخصصي لكل الأعضاء
ويهدي الجميع امتنانا أبيات رقيقة مطلعها :
طرقت بابك يا عزرايل لا تردني
مطرود من الغالي تكفى افزع لي
يراني صفر على الشمال ويحقرني
عطه روحي وقل عن القصور يعذرني
ما هذا !
كيف يحمل علاقة عابرة كل هذه المشاعر الرومانسية
و يثقل كلماتي الطائشة بعمق المعاني
هو
بمكانته وتجاربه وثرائه ورفاقه و كل المعجبات
يجدني غالي ويستنجد بملك الموت مني
ما كان بيننا إلا بيع قصيده ورسائل بريد الكتروني عنيفة
ما هذا
مراهقة أم جنون
أعدت قراءة رسالته الأخيرة
سلمى تأخر ردك
اذا ما جاوبتيني
قسما تندمين
صدقت
بدأت أندم
أيعقل أن اضر إنسان !
نمت مرهقة أمام شاشة الكمبيوتر وكأنها مرآة سحرية قد تصلني به بعد أن تأخرت عليه كثيرا
أيقظني يوسف بعد صلاة الجمعة لتصطدم عيني بساعته الجديدة بماركتها الفخمة وهو يقول :
فاتحة الكمبيوتر ونايمة
ردي جوالي
يا جبانة
صرخت وان اقفز من فوق السرير :
مسألة مبدأ مهب خوف
وش ذا
الباشا حتة وحدة
يا ولد الأمام
من أين لك هذا
ضحك وقال :
الحين عرفت انك تعافيتي من أزمة عبد الله
اللقافه تنبض بعروقك من جديد
حقا من أين ليوسف كل هذه الأموال فجأة
ذكرني بعقدتي
الساعة الماركة
عنوان كل بنت بالجامعة
ومعيار الطبقية
ساعتي التي أتمنى
ثمنها أربع قصائد للساري وثلاث حفلات مع خدوج وصورتان للمغضوب عليهن من دكتورات الجامعة !
قال وهو يستعرض بها متعمدا إغاظتي :
جتني
عطية ما ورآها جزية
أعاد حديث الهبات والعطايا أبيات الساري لمسمعي بعد أن غيبها سلطان النوم لساعات معدودة
ليثقلني الشعور بالذنب من جديد
قلت ليوسف :
أتهرب مثل ما تبي
مصيري اعرف كل شيء
المعرفة هدف نطارده ونجهل كم يسوؤنا أن ندركه
سألت يوسف سفيري لعالم الرجال الذي قد أتخيله ويستحيل أن أفهمه :
يوسف
إلا ممكن رجال يؤذي نفسه عشان واحده
قال يوسف محاولا أن يقلد الشيوخ ببرامج الإفتاء بصوت تخنقه غنة ثقيلة:
تسألنا الأخت الكريمة عن إيذاء الرجال أنفسهم من اجل الحريم
التي ما كثر الله بأرضه مثلهن
فالعشرة بريال
نرى والله اعلم أن هذا حديث في الغيبيات والإسرائيليات
ومن كان يخاف على نفسه من الفتنة فعليه بالصيام
سد للذرائع ودرء للفتن
قلت له وأنا ارميه بمخدتي الناعمة على وجهه:
جزاك الله خير ياشيخ
وش ذا الفتوى
التقط قذيفتي ليعيدها لي بتصويب أدق وهو يقول :
إلا سؤالك اللي ما ادري وش يبي
قلت له وان أعطيه جواله نذير الشؤم :
أحسن لا تدري
قال الساري عني
سيدة الإلغاز
ولن أكذبه بعد اليوم
حتى ميساء لم تفهم سر انقطاع حديثنا عند مرورنا الصباحي في الغد من أمام بوابة المستشفى التخصصي بطريقنا للجامعة فسألت :
ليش سكتي حبوو
قلت وأنا عاجزة عن إيجاد كذبة :
ابد
المستشفى ذكرني بشيء
ضحكت لتقول :
أكيد أيام مرض جدي
فاكرة لما كنا كل يوم نجتمع بجناحه أنا وأنتي وبنات خالتي وأخوالي
ونتفرج على الزوار وأحلى تعليقات
واو سو فن
ابتسمت
لو تسمعها والدتها وهي تصف الأيام الأخيرة بحياة أبيها بقمة المتعة
ماذا تفعل
كان المرحوم والد الجوهرة زوجة عمي من أعيان الرياض ارتبط بعلاقات من النسب والصداقة برجال الدولة و الأمراء .
كان تصريح دخول عمي عثمان للوزارة
هكذا يقول عمي عبد الرحمن بكل مناسبة بحسد استوطن قلبه لم تفزعه خطبه الواهية عن المحبة والوئام وتوزيع الأرزاق من الله المنان
أظن الساري بالمينى المخصص لكبار الشخصيات
قد يكون بذات الجناح
عندما تختلط يوزرات العالم النتي بحياتنا اليومية يصير الكون اصغر
والواقع أضيق
سكان النت يجب أن يبقوا فيه
أما إذا فتحت البوابات وتداخل العالمان
وقعت الكوارث
أنا السبب
فتحت البوابة وتركتها باستهتار مشرعة دون إغلاق
بعد المحاضرة الأولى وجدت فطومه تقبلني وتضمني بحرارة وتقول :
الحمد الله على السلامة
ما بغيتي تروحين ملح
بغضب قلت :
صدق أن سعد بيق ماوث
قالت بدفاع مستميت عنه :
لا فمه ائد السمسمه
طبعا بيق ماوث خلقة ربي
إلا وش صار
ترا هو مستحي يسألك
بس قال اتطمن عليك
كانت أحداث الاستراحة قد غيبتها مفاجأة الساري
فقلت لفطومه :
طمنيه
كل اللي صار
إني حبيت أتفرج على الاستراحة انهبل كلب راعيها وهجم علي
وسمع صوته وجاء يبعده عني
بس
خلاص خلونا ننسى موضوع الحفلة
لم أكن جادة برغبتي بالنسيان
فقد رحبت بدعوة ميساء للقصر
لأرى أيمن بعد ذلك الحلم الحقيقي
فعند وصولنا قالت بإصرار :
الله يخليكي حبوو
انزلي عندي
ساعديني اختار موديل فستان الفرح
من أمس والمكالمات من المصمم بلبنان
يسأل شو اخترتي
وأنا محتارة
ايش رأيك نشوف الفيديو تيب ونختار سوا
كل هذه الأحداث ونزيف حب عبد الله متدفقا
متى أشفى
كم كنت ممتنة لطرحتي التي اخفت تعابير مجروحة
أن اختار فستان فرح عروس حبيبي
صعب!
لكن شريط الفيديو لم يدور إلا الساعة الخامسة عصرا
فالغداء طال والجوهرة زوجة عمي بأفضل مزاج تتحدث عن جمال حفلة الخطوبة
ومخططات الفرح الذي تريده ليلة من ألف ليلة كما وصفته
وبمعرفتي بها هكذا سيكون
ما كانت الجوهرة مثلي
تنثر أمانيها ليلتقطها الآخرين
كالتقاط ميساء لسماعة التلفون الداخلي بعد تحلقنا حول التلفزيون الضخم بغرفة فهد لنشاهد بداية عرض الأزياء لترد بفرحة :
شوي وأنا نازلة
وتعتذر بكلمات اختلطت بارتباك :
سوري حبوو
جاء عبد الله
خلاص خليه بعدين
لا أعرف ما قلبي هذا
غمرته السعادة وأنا أرى ركض ميساء المعاق لغرفتها استعداد للقاء خطيبها
واعتصره الحزن وهو يتحدى مرددا بغباء هذا عبد الله ااي
هنا
دخل فهد وهو يقول :
احتلال بناتي
شيبس ودايت كولا
وش تشوفون
عرض ازياء !
قلت له وأنا أغلق جهاز الفيديو :
كنا نختار فستان فرح ميساء
وشاشة تلفزيونك أحلى ريزليوتشن
بس عبدالله جاء ونزلت عنده
خرج من غرفة المكتب الصغيرة ليعود بسرعة ويده خلف ظهره تحمل علبة الشوكلاته الضخمة متعمدا إظهار جزء منها
ليسأل :
ما كأنك ناسيه شيء
أحب تلك الشوكلاته
لا تباع هنا
قلت بهدوء فقد كانت الشوكلاته هي اللذة :
ماي فيفرت شوكلت
قال متعجبا :
المرة هاذي ما جبتي خبر
ولا سألتني عنها
تصدقين أنا شكيت انك اكتشفت شي أحلى واخطر من الشوكلاته
أحسست
وكان أصابع أيمن لا تزال مغروزة بكفي وأنفاسه ملتصقة على وجهي
وما أدراك ![/frame]
الفصل التاسع
بـابـا بالألـوان
جلس فهد على كنبته العتيقة وأنا تربعت على سجادة الغرفة السميكة أفتح علبة الشوكلاته بشغف مصطنع لأطهر نفسي من تهمة دخولي عالم الملذات الخطيرة
قدمت لفهد العلبة أولا
قال وهو يتصفح الجريدة :
اختاري لي
أنت الخبيرة
بسرعة التقطت ألذها عندي بطعم القهوة وناولته إياها
أخذت مثله
وتذكرت تلك التي بطعم الفراولة
وفكرت
ما طعمهما معا !
حشوت فمي باثنتين وأنا أقول له:
احد يقرأ الجريدة العصر
حركات مخبرين
دبابيس
ما علاقة الرجل بالجريدة
ارتباط دائم
إجابة خاطئة
لا يدوم ارتباط الرجل إلا بالجريدة
مفاجأة
قرأت بالصفحة الأولى
التي أراد فهد أن تصبح وجهه للحظات
اختيار أعضاء مجلس الشورى الجدد
اسم مميز
بموسيقيته القوية
الأستاذ الدكتور مجاهد الدون
هنيئا لك يا مزنه
ستكتبين جلسات مجلس الشورى ومحاضر اللجان
لن يضيع جهدك بمقالات الدكتور الصحفية ومسودات مقابلاته الإعلامية
بل المشاركة الفعالة
يا من تتحدثون عن دور المرأة السياسي
لا تقلقوا
مزنه تمثلكم من وراء رجل
يخلع فهد وجهه الورقي
ليجدني أمامه بفمي المليء بالشوكلاته وعيون مشدوهة بعجائب الزمان
فيضحك
ويسأل منتقما من ملاحظتي الساخرة لاختبائه خلف جريده :
هذاك أنت تقرئين معي
واو
كل هذا بفمك
متى تكبرين
قلت محاولة أن أتحدث بعمق لأسترد هيبة إضاعتها تجربة خلط نكهات الشوكلاته :
أكيد
لازم اكبر
وش البديل
اللي ما يكبر يموت
قال بدهشة وهو يضع الجريدة بجواره :
معقول
تفكرين بالموت
قلت بصدق متحدثة عن عنوان سكن أبي :
كثير
وأنت
نظر للبعيد أو للقريب الذي تحجبني عني غشاوة الغيب ليقول :
كنت
الحين
أفكر بالأشياء اللي لازم أسويها قبل الموت
هذا الحديث بحاجة لثالثة بالبندق صرخ مازحا :
ترا مهب لازم تخلصينها اليوم
فتحت أصابعي الخمسة بوجه وأخفيت العلبة وراء ظهري وأنا أخاطبه بمصطلحات فكر احتضر من سنين :
خمسه وخميسه
قل أعوذ برب الفلق
ترا عيب البرجوازي يعطي الطبقة العاملة شيء ويمن عليهم
ضحك بصفاء وسألني :
ميثى
ممكن اعرف شعورك لي
قلت بلامبالاة وأنا ابحث عن فريستي المحشوة بالبندق في ثنايا العلبة :
شعور أي مواطن صالح
لكنه اخذ العلبة من يدي وامسك بكتفي لأقف على ركبتي ويصبح وجهي هدفا لنظراته القوية ليعيد السؤال مرة أخرى :
أنا بالنسبة لك وش أكون
قلت وأنا ابحث عما يصف مكانته في وجداني :
أقول لك
وما تقول تفاول علي بالشر
هز رأسه بصمت نافيا أن يكدره حديثي
قلت وأنا انظر لنقوش السجادة خوفا من أرى اثر كلماتي :
أحس انك بابا بالألوان
تركني
وألقى بنفسه على الكنبة متنهدا ليسأل :
ما فهمت
ممكن تترجمين لي
فيه بيننا فجوة ثقافية
اقصد ثقب اسود
كثير من كلامك
ما افهمه
قلت باندفاع :
لا تغتر علينا بثقافتك يا جيل ما بعد الشيبان
جيل التبعية
قوميه عربيه سبقتوهم
شيوعيه طرتوا قبلهم
قاعدة
قعدتوا على نهضنا معهم
رد على هجومي بقوله :
حنا الريادة الفكرية الواعية
انتم جيل الإرهاب
ارتفعت نبرة المجادلة بيننا فقلت :
جيل تربى على أيديكم
ورثتوه خيبتكم
اوس و أسامه أولاد عمي عبد الرحمن و أمثالهم
مين مسكهم الدرب
أخوهم مصعب صديقك
كان قدوتهم
قال بتأثر وصوت يصف بحسرة ما مضى :
مصعب
كان نابغة بالهندسة المدنية
أحلام مختلفة
كلها بناء
كيف صارت دمار
باقتراب حذر من حدود الخصام قلت بصوت متردد :
لمن اللي مثلك يلطش كل مشاريع العمار
ويتعين العبقري مهندس يوقع مخططات الأمانة بروتينية
وش خليتوا له إلا الهدم
لذاته واللي حوله
راح يا فهد
وترك أولاده أطفال ما يذكرونه
أنا عندي لأبوي صورة
بس هم
كان يقول أن الصور حرام
ما لهم إلا الخيال
لمن تقول أمهم لأكبرهم عبد الرحمن أنت كنك أبوك
يتلفتون
مساكين يدورون أبوهم بالأشباه
يبدو أن الحديث سار لطريق لا يقود لروما عاصمة حديث فهد فقال بضيق :
خلاص
أنا سبب الإرهاب
روحي بلغي عني
بمحاولة لتلطيف التوتر قلت :
وأنت شوية
بس
مهب أنا اللي ابلغ
أنت اللي ماسك الجريده وتشتغل مخبر
وضع يده على رأسه بحركة لازمته مؤخرا وقال :
وبعدين
ما فهمتني حكايتي و الألوان
قلت له متعجبة من عدم فهمه لقصدي الواضح :
بابا عندي ابيض واسود
صورة قديمه
أنت صورة حية لحنانه
يعني بالألوان
دايما أنت جنبي بأصعب المواقف
بخجل وصوت خافت أكملت :
أخرتها خطبة ميساء
قال بنكران الذات :
لا
أنت كنت متماسكة
وتجاوزت الموضوع
قلت بحياء :
يعني
تعرف إني أحب
عبد الله
سمعت كل شيء من صياحي بالغرفة
بنفي مفاجئ اخرج علبة سجائره و قال :
من سنين والكل يعرف
تفاجأت وسألت :
مين الكل
بهدوء اخرج سيجارة وأشعلها ليقول :
كلنا
ميساء قالت لنا
انك تحبين عبد الله
وان أمي ما في داعي تخاف على أيمن منك
وبكذا أطمنت لترددك علينا بعد ما كبرتي
تتابعت الصدمات
كم كنت بلهاء
الكل يعلم بحبي كان حكاية صالونات القصر
عاش فيها
واحتقروه
و تجاهلوه
مثلي
أسعدهم أن يشغلني حب وهمي لئلا أصطاد ابنهم
أيمن
إلا يثقون بي
و بترفعه
منقذا
قلت بصوت مختلط بحشرجة البكاء :
يعني
تعرفون بحبي وتوافقون على خطوبته من ميساء
وأمك
تخاف مني أنا
على أيمن
قال بحكمة وبرقة عذبه :
ميثى
هو اللي جانا
يعني ما يحبك
هو باعك
وميساء ظروفها خاصة
وأمي طبقية
تتوقعين ممكن يسعدها ارتباطك بأيمن
أنا عندي لك مشروع
يصفي كل ها الحسابات
بضيق
وأفكار متضاربة ورؤية مغيبه قلت :
معليش فهد تأخرت
والكلام اللي قلته
لخبطني
لازم أروح
عندي الليلة حفلة صياح
أكيد هذا ذنب الساري يطاردني
المهووس الراقد بالمستشفى ضحية كلمات سممت وجاهته
وجراءة تطاولت على شخصياته المزيفة
لكن فهد امسك بيدي ليستبقيني في الغرفة
و كانت اللحظة التي لا تنسى
ركع على الأرض
وصوت العصافير بحديقة القصر تغرد بجنون من يشهد لقاء الأصيل بنخيل الرياض
و أشعة الشمس المتأخرة عن رحلة الغروب تذيب سواد عينيه عسلا ذهبيا
كان يبتسم بغموض ويقول بمسرحية :
يا مشروعي الاشتراكي الأخير
ميثى
إتزوجيني
شاركيني اللعب بآخر أوراقي
سحبت يدي بعنف
وتمنيت أن استرجع بنفس القوة هذه اللحظة من الزمن
ليعود كل شيء كما كان قبلها
قلت بدهشة :
فهد
دورك تفهمني
أي زواج
أقولك
أنت بمكانة بابا
قال وهو ينهض مغلقا الشباك والستائر ويطرد فلول النور الغازية من الحديقة :
ميثى أنا جاد
زواجنا
أول تجاربك بادارة الاعمال اللي درستيها بالكتب بس
عملية بيع
بمكاسب وخسائر
راح تكونين
زوجة فهد عثمان القادر
وانا زي ما قلتي
منيب شوي
قلت وأنا انظر لعلبة سجائره التي رماها على الطاولة
احتاج لواحدة :
لا أنت أكثر من اللازم
لم يسمعني
كان يخاطب أشباح يراها في الغرفة وحده فاكمل :
بكذا
أسرع من حراك المجتمع
و اقلب الهرم
وأعلن فشل أمي باحتكارها لإرادة اولادها الحره
يسيطر على فهد الصراع مع أمه
رغم محبتها له
فقد كان وحيدها سنين طالت قبل أن ترزق بأيمن وميساء
يرى فهد فيها كل ما يرفضه
أن يكون زواجنا انتصار اشتراكيته الخاسرة عليها
غباء
أنها الجوهرة
قلت بضيق :
أمك تحبك بشكل جنوني
إن كانت تعتبرني خطر على أيمن
فانا لك
الموت نفسه
وبعدين
أنت عندي اغلي من زوج
أنت
أكمل مقاطعا :
اعرف قلتي لي
بابا نويل
أكيد
راح أحقق لك كل أماني العيد
ميثى
بزواجي منك أعطيك الكثير
كل الحرية
إلا جسدك
ملكي
طول ما أنتي على ذمتي
ما تسلمينه لأحد
ابد
يبدو أن فهد إصابته لوثة
أيشرح لي طبيعة العلاقة الزوجية
أن يظن الناس بك البراءة جميل
أما أن يصمونك بالسذاجة فشيء بغيض
وهل هناك زواج لا يتملك فيه الرجل الجسد
أفكر
كم هي مغرية علبة السجائر بغطائها المفتوح
قال فهد ما أنقذني من الاستسلام لمناداتها لي :
حتى لي أنا
فكرت ماذا يقول
نظر إلي ورفع أصبعه بوجهي ليزيد من حيرتي و يقول :
أنا ما احتاج له
لكن لا يمكن أن اسمح لأحد يعبث بأملاكي
ميثى
جدت أمور خلتني أفكر بزواجنا وأتخلص من هاجس الخيانة
اللي منعني من الزواج طول عمري
ايش رأيك بمشروعي الصغير
قلت له فرحة بتوقف حديثه الغريب السطحي وأنا أشير لعلبة سجائره :
أفكر
بس ممكن وحدة
باسترخاء من أزال عبء عن عاتقه أعطاني علبة سجائره و قال :
طبعا
نزلت من الدرج الطويل بسرعة الهارب
بيدي سيجارة
عربون الصفقة
أين حقيبتي
وضعتها عند مدخل النساء
ما هذا
عرض زواج خال من التزاوج
وأنا من كانت لعبتها اختيار أسماء أولادها من عبد الله
ويفتنني سحر غرفة النوم
هل فهد كما يقولون
يريد مني غطاء شرعي لشذوذه
لا أدري
فكري شارد
فكل إضاءة الثريات الكريستالية بصالون النساء
لم تنبهني لوجود ميساء وعبد الله
لكن ضحكاتهم فعلت
لتقف خطواتي بالقرب من عامود الرخام الوردي الحارس للمدخل الكبير
رجعت لأطلب من الشغالة جوزي إحضار حقيبتي
ولكن صوت عبد الله استوقفني
وذكرني بدروسه مع أخي عبد العزيز ببيتنا الغرفة بالسويدي
هكذا كانا يدرسان بنفس نبرة الحماس
يشرح شيئا كاذبا قاسيا بقوله :
ميساء لازم تبعدين عن ميثى
أنت متعودة عليها
وقلبك طيب
ما شفت نظراتها لي بالخطوبة
وقحة
بعدين لازم تعرفين
استغفر الله
بس لازم تعرفين
هي من أصل واطي
قالت ميساء بتعجب :
عبد الله هذي بنت عمنا
ايش قصدك
قال بإصرار :
أمها واحدة منحطة
ما تتخيلين وش سوت بأمي وخالتي عند أبوي
كانت تبي تلف عليه
لولا الخوف من الله ثم من الناس كان طردناهم من زمان من عمايلها
بس قلنا تصير بنا ولا تطلع فضايحنا برا
حتى بنتها منيره
زوجها أبوي الشيخ أبو ناصر لأنها كانت
صايعه
منحلة
قال استر عليه وافتك
تعرفين أنها متزوجة واحد عنده ثلاث زوجات
لا تقولين ما حذرتك
قالت ميساء بصوت خائف :
ايوه صح
أنا مستغربة ليش منيرة تتزوج من واحد زي كذا
الحين فهمت
أيها الخسيس
تتطاول على شرف أمي
من نذرت نفسها لأولادها واقتسمت معهم العوز والمهانة
تتهمها بابيك المزواج
ومنيرة تلك المخدوعة بحديث أبيك عن طوع الرجال
رضيت بربع زوج
وما سلمت منك
ما ظننت أن حبي لأمي ولمنيرة هو الدواء الباري من مرض عبد الله
أحسست بإغماء
سحبت نفسي بصعوبة لآخر الممر الواسع
حيث ظل أيمن
أكيد يعتقد أني استرق السمع
رمقني بأحد النظرات التي اعتدت
وقفت أمامه
ونظرت له بالمقابل
لن تفزعني بعد اليوم
أنت من كانوا يخافون عليك مني
هذا يعني أنني أقوى منك
ركضت للمطبخ الرئيسي
كان عم عزيز يستعد لتحضير طعام العشاء
وضعت سيجارتي بفمي
أرخيت وجهي على اللهب المتطاير من الفرن
أشعلتها
صرخ بلهجته المصرية بخوف :
حاسبي يا ميسا
نظرت له وقلت :
ياليت
أنا ميثى
وخرجت مع باب المطبخ إلى حديقة القصر
غابت الشمس خلعت حذائي لاجئة لحديقة الأعشاب العطرية الخلفية
حيث يزرع عم عزيز الروز ماري والنعناع مكونات أطباقه السرية
أدخن سيجارتي
ينظر عم عزيز من الشباك وتدمع عينه من بكاء بنت نجدية
تنفث دخان السيجارة هي هنا الخطيئة
وتبكي حافية تبحث عن أحساس من الطين بعد أن كفرت بقلوب
البشر
تلعن الظلام
وتردد كتسبيحه
سأتزوج
لن تبعدني يا عبد الله
سأنتقم منك
سأبقى هنا مثلك
حلمي المستحيل أن يحضر أبي زواجي
سيزفني
لكنه سيكون عريسا بالألوان
الفصل العاشر
بريـق البـشـوت
رميت عقب السيجارة
انتهت
وبقي الغضب مشتعلا
انبعثت تلك الموسيقى العنيفة من لا مكان
اسمع ما أحب من باليه بحيرة البجع
عقدت بلوزتي بقوة حول خصري
وأطلقت سراح شعري من الربطة السميكة
ورقصت حافية القدمين ذلك المشهد الذي حفظت خطواته من خلف زجاج فصل الباليه
كان تدريب الحفل الختامي المتكرر
لماذا نحفظ فقرات الحفلات أكثر من المشاركات فيه
هل نعيش على أمل أن نتبادل أدوار البطولة
وتأتي الحفلة
ويصفق الجمهور لهم
ونحن ننظر من خلف الستار
عرفت إن الموسيقي التصويرية بمشاهد الأفلام ليست خدعة إخراج
هناك عازف خفي يرسل الألحان في هذا الكون
ألا تستيقظ أحيانا تترنم بنغم يسكنك
يجبرك على مرافقته بالغناء
يستحوذ على حواسك
وبعد أن ينهي دوره بحياتك
عندها يغيب
رقصت بتوحد المذنب مع الخلاص
سبحت بفضاء تعطره عبق أزهار ما عرفت عطش الصحراء ونثرت حبات مسرحي بخطواتي القوية
تراب نحن منه واليه
لماذا يرقص الطير المذبوح
من الألم
إجابة خاطئة
يذبح الطير الألم بالرقص
قادر هو الرقص على استدعاء القرار
ميثى زوجة لفهد
بشروط غريبة
هذا هو ما سيكون
لمحت خيال خلف شجرة التين العقيمة الضخمة
تقدم مني
أعدت شعري لقيده وبلوزتي لتهدلها
كان أيمن
قال بصوت مرتعش من الغضب :
ميثى