الفصل الأول
بين العليا والنسيم
طريق العودة من الأقسام الأدبية لجامعة الملك سعود في عليشه إلى حي النسيم طويل مزدحم يستغرق أكثر من ساعة يمتد من غرب الرياض إلى شرقها .
آه يا الرياض
لاح لي وجهك المترهل
الموشوم بخطوط من طول وعرض
طرق تقسمك أحياء
وين تسكن فيه ؟
في الرياض
إجابة خاطئة
وين في الرياض ؟
تشفير يقرئه أهلها فقط
هذا المشوار اليومي عذاب زميلاتي هو خلوتي الجميلة وزادي من السعادة. ركوب اللكزس الجديدة بمقاعدها الجلدية المتشربة روائح خليطه من دهن العود والعطور الباريسية والجلوس متخفية خلف زجاج نوافذها المعتمة مستمتعة بالاستيريو الحديث بسماعاته الضخمة يصدح بما اشتهي هو جنتي الموعدة يزيد من نعيمها السائق رشيد الأسود البشرة بلباسه السعودي وأناقته المفرطة حاملا رسالة صارخة للجميع :
أنتبه سيارة شيوخ !
هل تعرف هذه العيون المشدوهة عند الإشارات المرورية علاقة الظل الأسود القابع بالجهة اليسرى خلف السائق بهذه المشيخة ؟
علاقة يغنيها عبد الحليم الآن
مصيرك أن تبقى مسجونا بين الماء وبين النار
لو تعلم يا نزار لأكملت
قدرك أن تتأرجح يا ولدي بين العليا و النسيم
هنا ضحكت لتسمعني ميساء بنت عمي الظل الآخر المسترخي بالجهة اليمنى من السيارة :
تكفين حبوو ايش اللي ضحكي !
رديت متوارية خلف ما تحب أن تسمع :
تذكرت فولار هيرمس الي لابسه خلود ايش هذا هي ما عندها في بيتهم مرايا بلاش بيتهم طيب ما تشوف بعيونها حلاوة الفولارات عليك ! تعرفي كان نفسي أقولها العبي بعيد يا ماما الرزة ها هنا !
تضحك ميساء وتخدرها هذه الأكاذيب التي أغذيها بها بلهجة بيتهم
لهجة هجين من حجازية ونجدية مطعمة بألفاظ انجليزية كلام الكلاس التي أغلف بها تفاهات تسعدها وأحدث نفسي :
وينك يا يمه يا صيته الصاقود تسمعين بنتك تلغوى تعوج لسانها
كما تكرهين !
فأنت لا تريدين أن أحضر من بيت عمي الوزير إلا ما يجودون به من الأرزاق أما ما يعلق بروحي اتركه عند باب دارنا كعباية الكتف المطرزة الغالية التي البسها الآن لزوم الشغل كما تسميها أختي منيرة وهي تتوعدني بعذاب النار :
عمر بيت عمي ما عطوك هدمة سنعه تلبسينها أش معنى العباية
وعباية حرام
وإلا لزوم الشغل لا تفشلينهم !
واستفزها ساخرة :
هيه يا جزاك الله خيرا
عبايه حرام
و شلون حجاب وحرام وتبحث عيني في وجهه أمي عن انفعال أي تعبير ضد القادم من بيت الوزير ولكنه كالعادة يملك حصانة حكوميه لتتمتم :
منيرة الله يهديك يبون البني مثل بعض
يا بنيتي احرصي عليها ترى ما لنا حيلها إن صار لها شي ء
بس افصيخها عند الباب لاتخرب !
يا صيته متى تعرفين عمر البني ما صاروا مثل بعض !
تودعني ميساء بعد دخول السيارة بوابة القصر:
باي
بليز لا تنسي البحث بكرا
أش رأيك تنزلي شويه
يتجه نظري إلى السيارات المصطفة بعيدا بينها سيارة أيمن البي ام دبليو الزرقاء مما يفقد العرض إغرائه ويرجح كفة جريشة بيتنا أمام مشاركة أيمن البغيض مائدة من أصناف عم عزيز اللذيذة أرد بسرعة :
معليش حياتي وقت ثاني !
تقف السيارة في مدخل خاص أمام مصعد داخلي تحيط به شلالات مياه منسابة على زجاج معشق ويسرع رشيد بفتح الباب لتحمل الشغالة حقيبتها وتمسك مربيتها بيدها لتساعدها على النزول فرجل ميساء معابة!
ما بها
لا أدري
اعرف انه الرباط المقدس الذي جعلني ادخل بيت الوزير منذ أن كنت طفلة في الرابعة
وهذا يكفيني !
مرافقة ميساء منذ الطفولة كان بطاقة الدخول لعالمهم المختلف المثير بهذا أشار عليهم كبير العائلة عمي عبد الرحمن الذي كفلنا بعد وفاة أبي في بيته سكن الإمام في احد مساجد السويدي كل ما راني يذكرني برأيه السديد بصوت يحمل إيقاع خطابي مضحك :
احمدي الله يا بنت اخوي ترى أنا اللي قلت لأخوي عثمان
خلوا ميثى بنت عبد الله تخاوي ميساء
وضفوك مع بنيتهم
اكسبوا فيك اجر
أو أثم
لا احد يحاسب الأئمة في بلادي !
أيها البغيض
ميثى بنت عبدالله إذا رضيت
ميثى بنت البدوية إن غضبت
ميثى اسم شعبي أمهل القدر أبي عمرا ليزيد من نصيبي من الإرث الوحيد الذي تركه لي أنا وأخوتي الاختيارات السيئة ليموت بعد ولادتي بشهرين وأعيش عمري أداء واجب !
أما ميساء فنجت من اسم الجدة بحيلة من عمي ترفع عنه الحرج والعتب من أمه بأن الكاتب المصري لشهادة الميلاد كتبه بلهجتهم وكان اسمها عصري راقي مثل كل ما حولها .
الأسماء هل هي حقا مفاتيح القدر !
تتعطل ورقة تسجيل الحضور بالمحاضرات كثيرا عند توقيعي
يتلاعب خيالي بها فأنتقم من ميساء الصق بها اسم أبي واسرق اسم أبيها للحظات أصبح فيها بنت عثمان القادر وأعيش حلم يقظة توقظني منه فطومة ساخرة :
ترى صاحب المعالي عمتس يا الأخت مهوب أنتي !
أهوه و راي ناس لازم أحضرهم
تواقيع مهب توقيع واحد
وكل واحد بقلم وبسرعة مهب مثلتس يا الميتة !
أحب فطومة زميلتي بمرحها قالت لي مرة :
العبودية جديدة عليتس على وراثتس
حنا وان حررنا فيصل سكنتنا العبودية حالتس صعبة
يا بعدي عبده بيضاء
لازم أمد لتس سلك
عشان تكيفين مع بنت عمتس وتعرفين انتس دايم عين وهي حاجب
الآن أنا سيدة السيارة يا فطومة في رحلة عكس التيار متجهة بها اللكزس إلى النسيم من العليا مسار غريب لسيارة فارهة اقرأ هذا بعيون رفاق الطريق من سيارات العمال المكتظة بالأسيويين.
حتى انتم بدأتم تفكون تشفير الرياض !
بلهجة آمرة مرتعشة غير واثقة أقول :
رشيد حط سي دي جوليا يا ائصص
يا ائصص عم تكتب اسامينا
عا زمان الماضي وتمحينا !
طريق بيتنا الجديد لم اعتاده بعد بعكس الطريق الذي الفته وأنا طفلة بين بيت عمي عبدالرحمن في السويدي إلى قصر عمي عثمان في العليا.
كان السائق يأخذني يوميا مع المربية تودعنا تلك الأيدي الصغيرة وأحيانا سباب حانق من أطفال يتسابقون على إغلاق باب السيارة نصيبهم من رحلة قدرت لي وحدي !
وكانت طفولة التناقضات
الوحيدة في بيت الإمام التي ذهبت للحضانة والروضة ودرست بمدارس الرياض وعرفت حفلات عيد الميلاد والمهرج و دروس الفروسية والبيجاما بارتي.
طلاسم كانت لأخوتي وأولاد عمي
وإذا عدت بعد التاسعة تجاهلني الجميع انتقاما فادخل بهدوء إلى غرفتنا المبنية بمخالفة لقانون البلدية بالارتداد الخلفي لبيت عمي مساحتها مترين بأربعة متر وسقف من صفيح و حمام صغير فعمي يردد دائما في خطبه :
إن الله أكرمني بان صرت كافل يتيم !
قليلا ما أجد أمي أو أختي منيرة في بيتنا الغرفة أما أخي عبد العزيز فدائما منكب على كتبه يدرس باجتهاد الفقير لا ينتظرني الا يوسف أخي من الرضاع وابن عمي مختبئا بظل باب الحديد ليخيفني ويضحكني ويقسم معي غنائمه من الحلوى وأخبار النهار ولا ينتظر من بديل !
يعرف إن بيت الوزير كريم بأ كياس الرز وصناديق الفاكهة التي تحملها سيارة العودة وينقلها رشيد لمطبخ البيت أما أنا فثمن بقاء رباطي ألا احضر من هناك إلا نفسي فقط لا كلمة أو لعبه!
فمنذ أن عرفت الذاكرة ومراسيم وداعي محفورة فيها تفتش المربية جيوبي وحقيبتي و تطمئن من براءتي إلا من الذل .
تدس الجوهرة زوجة عمي بيدي ريال وتقول :
ميثى لا تحكين أسرار البيت لأهل السويدي
إذا عرفت كلمة طلعت
ما راح تجي هنا ثاني
كانت تحمي التناقض الفاضح في حياتهم مع طبيعة المجتمع النجدي المحافظ فهي تأمن أسوار القصر و ولاء الخدم و تذاكر السفر التي تأخذها للبعيد والغريب
وتهابني أنا الدخيل القريب !
كان يوسف هو أخي أما منيرة وعبد العزيز ابتلعت أخوتهم زحمة الأطفال في بيت عمي المتزوج من امرأتين وله تسعة أولاد وأربع بنات.
زحام ضاعت فيه حتى أمي التي انتمت لهذا البيت وشاركت زوجات عمي هموم الأطفال والطبخ والتنظيف كل شيء إلا هو!
رفضت أن يضمها لحريمه فكسبت حب زوجاته وأظنها قللت من عدد أولاده .
كان يوسف يسميهم أولاد الحكومة يسخر من أبيه :
هو لو ها الشايب تكلف فينا بريال كان ما جابنا
ولدونا بمستشفيات الحكومة
ودرسونا بمدارسها
لا وتحفيظ قران عشان المكافأة
والجامعات حكوميه
إلا الجهاد والسجن مساعدات أمريكية
مصعب و انس وأسامه هذولا دوليين أخواني
مرح يوسف ووسيم بشعر البني الناعم الكثيف وعيونه الواسعة متميز
بعشقه للزين !
يهوي بطبعه أغلى العطور وأشهر ماركات الملابس والأحذية يهتم بالجلديات الرجالية والجولات الجديدة لذلك كان عمي كثيرا ما يعاتبه على تبذيره واهتمامه بالمظاهر الزائفه ووسخ الدنيا.
اليوم الاثنين عند يوسف أوف من الجامعة هل سأجده في بيتنا
يمكن فقد تغير كثيرا هذه الأيام
وقلت زياراته لنا
هل يحب
أغرمت به كل بنات الجيران وما بالى
لماذا تغير الآن !
دخلت السيارة لشارع فرعي يقود لبيتنا المحاط بشجرة سدر ضخمة قديم البيت الذي استأجرلنا أخي عبدالعزيز بعد أن عاد مهندسا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وتوظف في شركة أجنبية وأعلن بهدوئه المميز زوال أيام غرفة السويدي بلا رجعه .
واختارت أمي أن يكون بيتنا بالنسيم قريبا من بيت زوج أختي منيرة وكل معارفها وأقاربها.
فأخيرا عادت صيتة الصاقود لقواعدها سالمة
أمي البدوية
عزيزة هي في قومها
محتقرة من أهل زوجها الحضران
وان تقدموا منها خطابا بعد وفاته!
تزوجها أبي عن حب نظمته بقصيد عذب ترويه لنا إلى اليوم
تتغزل به هو الراقد تحت التراب
وخطيئته فوقها
من سمع لقلبه واخرس عقله
واختار أن يعيش أولاده معركة يومية مع الإهانة والانتقاص
هوايتك أبي أم مهنتك
سوء الاختيار
ما هذه السيارة أمام الباب بي ام دبليو زرقاء ؟
مثل سيارة أيمن أيعقل أن يزورنا ابن الوزير
ومن أيمن وليس فهد أمرغريب!