الفصل الخامس
(يوم العيد - يا قو قلبك و كيك و عسل - محمد بن فطيس)
صوت تكبيرات العيد يخترق مسامع دانة فتصحو من نومها بابتسامة رائعة و نعاس لذيذ ، ماأجمل تكبيرات العيد التي تملأ الأجواء فرحاً مغلفاً بروحانية لامثيل لها، التفتت على سيف فوجدته قد غط في نوم عميق بسبب سهره ليلة العيد في العمل (الذي لم يكن إلزامياً ،وإنما اختار كعادته أن يتطوع بمزيد من ساعات العمل)، دانة لم تعد تنتظره كالسابق لأن لا وقت عودة محدد له لاسيما وأنها عادت إلى المواظبة على قيام الليل، تعلم أن الروتين بدأ يتسلل إلى حياتهما بسبب عودته لجفافه العاطفي ولكن بشكل عام لازالت اللحظات الجميلة تتخلل علاقتهما، أقنعته بأن الإنجاب سيجعل حياتهما مكتملة أكثر، فوافق، وأصبحا يتوقعان خبر الحمل في أي لحظة.
كان سيف ليلتها قد عاد للمنزل قبيل الفجر دون أن يعلمها بتأخيره مسبقاً، أخذ منه التعب مأخذه لاسيما وأنه سهر قبلها عدة ليال في العمل دون أن ينام إلا لساعتين أو ثلاث، دخل البيت فوجدها مستيقظة أنهت للتو صلاة التهجد
ياقو قلبك على الصدة ويا صبرك
. ويا وسع صدري على صدك و ياصبري!
لم تفلح محاولاتها معه ليسهر دقائق معدودة حتى يدخل موعد صلاة الفجر، فكانت النتيجة أن عظم قدر العمل في نفسه قد أضاع عليه صلاتي الفجر والعيد، كان إهماله للصلاة يضايقها كثيراً في السابق ولكنها الآن مطمئنة النفس تكتفي بنصحه بين آن وآخر والدعاء له،لن تسمح لأمر بينه وبين ربه أن يعكر عليها صفو حياتها الجديدة، هي تحبه وتتمنى من كل قلبها أن يواظب على صلاة الجماعة، ولكن هوسه بوظيفته سبب له اختلال بسيط في علاقته بربه دون أن يلقي لذلك بالاً، أقنعت نفسها بـ " صحيح إنه يأخر الصلاة وتكون فالبيت، بس عالأقل يصلي، أحسن من غيره، والحمد لله إن اللي منعه من الطاعة الشغل مب المغازل مثلاً! الحمدلله على كل حال" ابتسمت ابتسامة كاذبة وبدأت في التزين وهي تسترق النظرات إليه أثناء نومه بحب رحيم، لاتريده أن يأثم حباً فيه لاأكثر هو رغم كل شيء كامل في عينيهاولاتريده أن ينقص
ودك تحطه فالعيون من العيون
وتبسط على رمضا الثرى يمناك له!
وتظله من الشمس في ظل العيون
.ولا يمر اذنه سوى " لبّاك له" !
_____________________________________
دانة وسيف في السيارة الساعة الثامنة صباحاً في طريقهما إلى بيت أهله.
سيف: مارح نطول عاد، نص ساعة ونطلع، باوديج بيت هلج وأمر الدوام شوي بس
دانة (و كلمة "شوي" تتردد في داخلها بعنف مذكرة إياها بالليالي التي قضتها مستيقظة إلى الصباح وهي تنتظره ليأتي لها بعد"شوي" كما كان يقول): الله يعطيك العافية
والله لو إن حمل صبري فوقك إن تبرك!
.و والله لو تعتذر منت بعلى خبري!
سيف (مبتسماً، وهو يضغط على يدها): خبرج الشغل مرتي الثانية ولاتبين مرة ثانية صجية؟
دانة (وقد أربكتها لمسة اليد الغير متوقعه): آه من هالجملة! إلا مالقلتلي شرايك فالعطر؟
سيف: روووووعة ماتشوفيني متسبح به، حبيبتي والله ماكان في داعي الفلوس اللي عطيتج اياها حق أغراض العيد لج انتي مب عشان تحطينها في هالعطر الغالي(وهو يضغط على يدها مجدداً)
دانة: اشدعوه سيف معقولة ماأجيب لك هدية فالعيد لو عندي راتب كان جبت لك شي عدل
سيف(مبتسماً وقد أبعد يده عنها): بدت النقزات!! يعني جيب لي هدية و وظفني!
دانة (ضاحكة): هههههه لاااا والله سيف حرام عليك كله ظالمني جد كان ودي أشتريلك شي أغلى لأن ماعاد أهديك شي إلا في المناسبات
( تبتسم بفخر لأنها تمكنت من قطع تلك العادة في تدليله أكثر من اللزوم رغم أنها تتذكره في كل زوايا السوق ولو كان الأمر بيدها لاشترت له كل جميل تقع عيناها عليه ولكنها تجبر نفسها على إخفاء مشاعرها الفاضحة قدر الإمكان!)
سيف: خلاص يبه هديتج بتوصلج عقب يومين "وعد"! شتبين بعد
ضايقت دانة كلمة "وعد" فاختفت الابتسامة من وجهها تحت غطاء الوجه (الغشوة) وبدأت تسترجع وعوده السابقة لها بالوظيفة ،والسعي للإنجاب بكل طريقة، ومزيد من الزيارات لمنزل أهلها، والسفر ،وغيره
إن ماجبرك الغلا مقدر على جبرك!!
. ياللي على ارض الوفا ما شبرك بشبري
ثم مالبثت أن ذكرت نفسها بأن معاملته لها تحسنت كثيراً وأن كل ماتريده سيتحقق مع الوقت، فرسمت على شفتيها ابتسامة تفاؤل إجبارية ووضعت يدها على يده متمتمه "الله لايحرمني منك".
_____________________________________
هما الآن في السيارة في الطريق من بيت أهله إلى بيت أهلها.
دانة: نورة أختك صار لها أربع سنين كل عيد تقول عندها إحساس إن العيد الجاي بتعطي ولدنا عيدية ههههههه حطمتني اليوم لما قالتها تشائمت قلت في قلبي خلاص عيل مافي بيبي السنة الجاية بعد
سيف (لاتعليق)
دانة (لتلطيف الجو): ماشاء الله أحس أمي حصة (والدة سيف) صحتها أحسن هالأيام، الأسبوع اللي طاف لما جيتهم كان شكلها تعبان شوي
سيف: الله يهداها الدكتور قايل لها صحتها ماتساعد بس هي مصرة تصوم
دانة: الله يعطيها على نيتها واعليه، تدري إنها ناوية تبدا بكرة تصوم الست من شوال!
سيف: إي سمعتها وهي تقوللج الله يعين بس
سيف آخر العنقود لأبوين مسنين وأخوات كبيرات في السن ومتزوجات علاقة دانة بأهله ممتازة تزورهم ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع وكثيراً ماتحضر لهم الهدايا، لكنها رغم ذلك لاتندمج معهم كثيرا خوفاً من المشاكل إذ أن إلحاحهم على الإنجاب يضايقها حيث أن سيف ابنهم الوحيد
تسمع دانة نغمة الرسائل فتخرج جوالها وتقرأ الرسالة في سرها
المرسل "أخت الغالي"
نص الرسالة:
" نظرة أخوي ذبحتني وهو يطالع عيالنا، أنا وظبية اتفقنا نسحبج الأسبوع الجاي عالعطار مارح ينفع إلا العلاج الشعبيمارح تندمين سيف أخوي وأنا أعرفه محد يهمه في أي لحظة بيتزوج عشان العيال طيعيني أحسن"
شعرت بغصة شديدة وضايقها توقيت المسج "يوم العيد!" التفتت على سيف قائلة "مسجات العيد ماتخلص! يمكن هالمسج رقم عشرين تصدق!يابخت كيوتل بس في كل مناسبة تربح من ورانا ذهب"
وعادت تكتب في جوالها:
إرسال إلى " أخت الغالي"
نص الرسالة:
"الله يجزاكم خير باشوف يمكن أروح مع أمي إذا سيف راضي وسوري فديتج ترى جوالي بيفضي الحين!"
سيف: عيل شخبار أمج مع خالتج؟
دانة: كل شي تمام الحمد لله
سيف: شوفي مافي روحة بيت شاهينوه كاني قلتلج
دانة: بس
سيف (مقاطعاً): لا بس ولا شي! أنا قلت مافي يعني مافي وسكري السالفة أحسن لاتنرفزيني والناس عيد
دانة (وهي تقول في نفسها هذا إنت قلتها عيد!!) : .
اقتربت السيارة من بيت أهل دانة، سيف يبارك لأهلها بالهاتف عادة لذلك لن تستغرب عدم نزوله)
سيف: نسيت أقوللج إحتمال أسافر الليلة!
دانة (باستنكار): وين!!
سيف: عرس رفيجي في سوريا ، كل شي صار في آخر لحظة
دانة (بتشكك): غريبة، يعني موعد العرس أكيد محدد من قبل
سيف: إي كنت أبي أسويها لج مفاجأة وأسفرج معاي بس الشباب قالوا بيجون معاي في آخر لحظة عرفتي
دانة (بحماس وسذاجة مفتعلة ودلع زائد): وااااي سيييييف فددددددديتك عمري صج كنت مسويلي مفاجأة؟
سيف (مصدّقاً): إي.
دانة: مشكووور حبيبي (وهي تكمل قائلة في نفسها " على تأليف هالكذبة مراعاة لمشاعري أحبك سيف وأكره حبي لك" )
تزعل و ترجع و تلقاني على خبرك!
وانا انكسر لك واجيك ادور لجبري
دخلت بيت أهلها محملة بجرحينجرح سيف في عمله يوم العيد وسفره المفاجئ، وجرح أخته في عدم احترامها لمشاعرها و تهديدها المبطن بزواج سيف من أخرى.
بعد نصف ساعة من السلامات وتبادل الأخبار.
دانة: يمه فديتج طول عمرج ماتجيبين إلا الزين فالة العيد رووووعة، من زمان ماكلت حلويات هالكثر! بالذات الكيك بالعسل رووعة
أم دانة: فالعافية يا أم الزين
سارة: كيك وعسل هذي قصيدة ابن فطيس اللي متولعة فيها هالأيام هههه
دانة: الكيك بالعسل مب كيك وعسل ياحظي
سارة: أو ماي قاااد دانوه عليج ذكاء مووب صاحي أدري بس ذكرتيني بالقصيدة، على طاري القصيدة، لاتنسين تقرين على عمرج عن عيون مريوم
كيك وعسل، لكن ماهو في صحون
ودعاك من عين الحسود غطاك له
الله لايعطيه ناس ينظلون
و يستر عليه من النحل لاياكله !
أم دانة: ماقلتيلي بكم شريتي هالفستان؟
كانت دانة ترتدي فستاناً حريريًا بسيطاً مفعماً بالنعومة لونه لؤلؤي منعكس على بشرتها الصافية، وقد أسدلت شعرها الأسود الناعم الذي يصل طوله لمنتصف ظهرها، تضع خطاً رفيعاً من الكحل السائل فوق جفنيها و على شفتيها اللون الأحمر المطفي
أبو دانة يمد يده ليعطيها العيدية.
دانة: يبه فديتك اشدعوه أنا مب ياهل
أم دانة: أبوج مستحب يعطيج خذيها
أبو دانة: تعرفين ردي نفس كل عيد! باتم أعطيج عيدية لين ماتتوظفين! وإذا تبين أنا بكلم سيف بنفسي
دانة (بضيق): لا يبه فديتك مافي داعي إن شاء الله أتوظف قريب أهم شي خل أستفيد من العيادي هالأيام ههههه قبل لايجيني الشغل وأصير أنا اللي أعطي
سارة (أخت دانة الصغرى): عاد فصخي عبايتج في بيت خالتي شريفة خل يشوفون كشختج
دانة (بارتباك): ليش بتروحون بيت خالتي شريفة؟!
أم دانة: طبعاً بنروح أنا ماصدقت ربي يردنا على بعض
دانة (بتردد): معليش أنا بقعد اهنيه أعطي عيال الفريج العيادي وأحرس لكم البيت (مبتسمة)
سارة: نعم!!! إنتي يا مب صاحية يا تتغشمرين! تبين تخربين كل شي على أمي وتحرقين قلبها؟ نسيتي إن سبب الهوشة كلها كان انتي؟
أم دانة: بتروحين يا دانوه ولاتعورين راسي
دانة: بس سيف موصيني ماروح بيت شاهينوه على قولته!
سارة: الشيخ سيف بس يتمنى وانتي تنفذين! وبعدين مب لازم تعلمينه اشدعوه هو يعلمج عن شي أصلاً خليه يسافر سوريا ويستانس وانتي انحبسي مع عيادي عيال الفريج!
أمحق وليف و محبة ولا اقول أبرك!
.حسبي عليك أعشقك وانت تحفر قبري!
دانة: صح كلامج، بس بعد ماقدر أحس بالذنب
أم دانة: لاتحسين بالذنب، هو مايبيج تروحين عشان شاهينوه، وشاهينوه مارح يكون موجود فـ ريحي بالج!
دانة: صج!! زين الحمد لله
ونظرت سارة لأمها نظرة عرفت كلاهما معناها
___________________________________________
دانة وسارة وأمهما في السيارة في الطريق إلى بيت الخالة شريفة، في هذه الأثناء شاهين في غرفته يعدل هندامه، لم يغمض له جفن ليلة العيد، نظر إلى نفسه في المرآة وابتسم ابتسامة انتصار، نظر إلى الصورة المعلقة على المرآة له ولدانة وهما صغار لم يصلا لسن المدرسة بعد، وقد ارتدت دانة ملابس العروس وارتدى هو الثوب والغترة والعقال والبشت تتساقط فوقهما بتلات الورود في عرس طفولي صغير أقامه لهما الأهل كنوع من الدعابة التي أخذها شاهين على محمل الجد العمر كله مسك جواله وأرسل ملفاً صورياً إلى جهاز الكمبيوتر المحمول. تم تحميل ملف "محاولة انتحار حبي" .
بعض العرب حبه يوردك الجنون
ولا يوصّف له غلاك حكاك له
مسك جواله، وأرسال الآتي لأخته مريم:
إرسال إلى: م55
نص الرسالة:
لاتنسين اللي وصيتج عليه اليوم :-) ولاترى أزعل وأعتقد تعرفين يعني شنو أزعل :-)
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*