[ وجه القـِـطة ! ]
كُنت واقفة أراقب من فتحة الباب الصغيـرة أولائك اللصوص
تركتُ الباب وإتجهتُ إلى ريو لأجلس بجانبه بهدوء وأصبحتُ أقترب أكثر منه حتى أكاد ألتصق به
لم أشعُر بنفسي إلا وأنا أُسند رأسي على صدره وذراعه اليسرى تلُفني
رفعتُ رأسي لأرى وجهه قد صُبغ كاملاً باللون الأحمر وينظر إلى الجدران
طأطأت رأسي في خجل ثُم مالبثت أن إتسعت عينــي بذهول
دفعتُه عني بقوة وأنا أصرُخ
- من تحسبُ نفسك هاه ! أيها الأخرق لا تلمسني لا تفعل هذا !
دقائق مَرت ونحن ننظر إلى بعضنا في ذهول وفي عينينا بريق غريب
حَتى قطع تلك اللحظة صوتُ الباب يُدفع بقوة ليرتطم بالجدار
وجّهنا بصرنا إلى ذاك الرجُل المُقنع الذي لا يظهر من وجهه سوى عينيه الضيقتين !
وها هوَ ذا قلبي يرقُص خوفًــا ما إن إقترَب مني أنا بالذآت وفي عيونه لمعة شر واضحة !!
شددتُ قبضة يدي على قميص ريـو الابيض المُخـطط بخطوطٍ سماوية بالطول وانا ادعو الله بداخلي ان يحفظنـي ويُبقيني على قيد الحياة
بصراحةٍ لا أود الموت خصوصًا بموقفٍ كهـذا !
وقف ريـو بسُرعة مُمسكًـا يدي بقبضتـه الكبيرة وملامـحُه الجديّة التي أُحبها ظهَرت من جديد على وجهه لتُوضـِح عن غضبـِه
هَمس لي بهدوء قائلاً بأمر دون أن يُبعد نظره عن ذاك اللص
- سأحاول أن أُلهيه عـِندما أترُك يدكِ أُهربي بسُرعة من ذاك الباب
حَدقتُ في عينيه اللتان تنظُران لباب موجود بإحدى زوايا تلك الغُرفة أتمنىَ ألا يكون مُقفلاً
ثُم قُلت على عجل دون شعورٍ مني
- لن أذهب من دونك
ما إن إنتهيتُ من جُملتي تلك حتى توردت وجنتآي علامة للخجل الذي جعل شُحنة كهربائية غريبة تسري بجوف رأسي كُله !
قال هامسًـا لي راسمًا تـِلك الإبتسامة المُشاكسة على ثغـِره ليُطمئنني
- مُهرجة ! إن أردتي ان اتوقف عن إغاظتك إفعلي ما أقول
- كفاكُمــا ثرثرة . أنتِ !!
نظرتُ إلى المتحدث – الذي كان اللص بالطبع - بنظرةً خاطفة خائفة ما إن قصدني بندائه وقلبي تزداد نبضاته سُرعة كُلمـا إقتَرب خُطوة
اخذ يُشهر مُسدسهُ الأسود اللامع من بين يديه علينـا ويهز رأسه مُشيرًا إلى سوار معصمـي الذهبي
أردتُ التحَدث والإعتراض إلا أن ريو سبقنـي بقولـِه
- ياللجُبن ! تُشهر مُسدسك الصغيـر أمامنــا هكذا ، ولو أنكَ لم تحمـِله لإستطعتُ تقطيعك إربًا أيها الأرنب !
صُدمت اهوَ بهذه الشجاعة ؟ لم أتوقع قولًا قويًا كهذا سيصدُر منه
ضحـِك بخفة ثُم عاد ليقول بإستخفاف رافعًا حاجبه الأيسر في سُخرية
- لستُ خائفًا من مُسدسك بالطبع ، إلا أنني أعرف أفعال اللصوص المُلتوية لذلك سأبقى هادئًـا حتى لا يكون هنالك خسائر !
يبدو أنه قد إستفز اللص التي أخذت عيناه تضيقان أكثر والشَرر يتطاير من عينيه
تَرك يدي إلا أنني لم أتحرك ساكنة مُترددة موقفٌ صعب بالفعل ، فماذا لو هَربت وأطلق النار عليّ سأكون ميتة وهذا ما لا اريده !
زفَرت بضيق وعيناي تلمعان من دموعي المحبوسة فيهما والرؤية قد أصبحت مشوشة ضبآبية !
أحسستُ بقرصة على خاصرتي فقفزت مذعورة ونظرتُ إلى ريو بحنق ، فإذ به يُشير بصعوبة بإن عليّ الهرب حالاً
بعد تردُدٍ ومحاربة لنفسـي الخائفة تشجعتُ أخيرًا للهَرب فأطلقتُ لساقاي العنان وأخذت أركض واصرخ خائفة إلى الباب
فتحتُــه بخفة وسهولة ، حمدًا لله أنهُ لم يكُن مقفلاً كاد قلبي يسقُط أرضًا من شدة رُعبي !!
خرجتُ للشآرع إنهُ يطل على حَي مُخيف أشبَه بالمهجور إلا من بعض القطط ذات العيون المُخيفة التي تعكس ضوء القمر !
أخذتُ أنظر حولي يُمنة ويُسرة في توتر وريبة ، ويُمكنُني سماع دقات قلبي المُتتالية القويّة
مشيت عدة خطواتٍ للوراء وأنا أشعُر بإن أشياءً حادة كالإبر تُغرز بصدري ، أظُنني أشعُر بالذنب لتركي ريو خلفـي !
زفرتُ بضيق وأنا أمشي مُتجهة إلى لا أعلم ! لنُقل إلى المجهــول ،
رآحت الدموع تتجمعُ بعينـي من جديد لتُنذرني على قُرب بُــكائي أنا خائفة ، لا أُريده أن يُصــاب بإذى
سلكت دموعـي مجرى واحد على كُل من خديّ لتُحدث نهران جاريان يأبيان التوقف والسكون
إحتضنتُ أعلى رأسي بيديّ وقُلت بإنكار وإعتراض
- سأعود ، لن أترُكه وحده . كيف فعلتُ ذلك وهربت ؟ كيف !!
- حقًــا كيف لكِ ان تترُكيه وحيدًا هُنــاك
إتسعت عينآني ذهولاً عندما سمِعتُ صوته الآتي من الخلف ، فإلتفتُ بسُرعة للوراء ليصطدم شعري بوجهي إثر قوة الهواء الذي هَب فجأة
- ريو !
- بشحمه ولحمـِه
رفعتُ بصري للأعلى قليلاً لأرى شخصًا طويلاً ذو جسم عريض نوعًا ما وشعر بُني مبعثر بإهمال تُخفي نصفه قُبعة سوداء يقف بجانب ريو وسيجارةُ إعتدت رؤيتها مآبين شفتيه .
- المُنحرف !
- مازلتِ تُناديني بهذا الأسم ؟ مُزعجة !
نظر ريو بتعجُب وحيرة وغباء موجهًا نظره إليّ تارة ثُم لكين تارة أخرى مُتسائلاً ماسبب هذه الألقاب !
قُلت بتساؤل وأنا أقوم بمسح دموعـي المُتمردة التي تأبى الوقوف
- كيف ؟
- أوه تعنين مالذي حَدث ؟ لقد أرسلتُ رسالة بهاتفي لكين ليُحضر المساعدة
- متى ؟ أنا لم أرَك تفعلُ بذلك
إبتسم بإستهزاء وقال واضعًا يديه في جيبيّ بنطاله
- كُنتِ مُنشغلة في النظر إلى اللصوص عَبر فتحة الباب أيتها الذكية !
- هكذا إذًا ، لكن بعدها مالذي حَدث ؟
قال ريو بلا مُبالاة
- لا شيء ، لقد فروا هاربيـن فَور سماعهم صوت سيارة الشُرطة تقترب جُبناء !!
مشيتُ بهدوء خلفهما عندما همّـا بالتقدم وأنا أشعُر بالراحة والإطمئنان
عاد ريو يقول بعد فترة صمت وهو ينظر إلي بطرف عينـِه موجّهًا كلامه لكين الهادئ
- كين ! آه لو ترى وجه مينــوري الخآئف ، أُقسم أنك ستضحك بشدة
- توقف أيها الغبي !
- ماذا ؟ أنا غبي أيتها الحمقاء المُدللة ؟!
- لستُ كذلك إنَك أحمق
- مُهرجــة !!
نفختُ خديّ بالهواء من شدة غضبي ثُم زفرت وأنا أسرع بخطواتي الواسعة الى وسط الشارع مع النظر إلى حذائي الورديّ البسيط لأتجاوزهُما بعدة خطوات
لكنني وقفتُ فجأةً ساكنة مُتجمدة عند سماعي لبوق سيارة مُسرعة بإتجاهي
أصبح صدري يعلو ويهبط بسُرعة من التنفس السريع دلالة الخوف
لا أعلم كيف إلا أن قدميّ قد شُلتا تمامًا ولا أستطيع تحريكهما ! وكأنما قَد وَضعت صخرتان كبيرتان عليهمـا لتمنعهما من الحراك !
.
.
.
فتحتُ عينــي بـِبُطء بعد فترة لم أعلم طولهـا لكنني أحسستُ أنها طويلةُ جدًا !!
أخذت بؤبؤتا عيني تتحركان في سُرعة لتستكشفا ماحولهمـا
كان يتجمع حولي عدد قليل من الأشخاص الغُرباء منهم من ينظُر إليّ بقلق والآخر بترقُب
فقُلت هامسة بتساؤل
- مالذي حَدث ؟
نظرتٌ إلى نفسي . مُلقاةً على الأرض وقد مُزقت أجزاءٌ صغيرة من بنطالي الأبيض والخدوش قد شوهّت يدي .
أخذت أصوات مُختلطة تندفعُ كُتلة واحدة على مسامعي تسألُني ما إن كُنت على مايُرام !
تجاهلتُها و رُحت أتتبعُ بفضول شديد مصدر الأصوات البعيدة التي تصرُخ بصوتٍ عالٍ فعرفتُ حالاً أنها آتيةُ من الخلف
نظرتُ بسُرعة خلفي إذ بي أرى أُناسًا قد تجمعوا ليُشكلوا دائرة إلتفت حَول عمود الإنارة الطويل الذي على الرصيف الذي يفصل بين شارعين
حآولت الوقوف إلا أنه قد إستوقفني ألم فظيييع برُكبتي اليُمنى
أمسكتُ بنطالي من طرفه لأرفعهُ للأعلى لقد تلطّخ بالدماء لكن بشكلٍ بسيط لا يدعو للخوف !
أنزلتُه مرة أخرى وحاولت جاهدة أن أتحمل الألم الذي أشعُر به كُلما مشيت خطوة
إن هذا الألم لآ يُساوي ما شعرتُ به بصدري حينها أبدًا
عندما رأيتُ عدة رجال يحملون شابًا ذو شعرٍ أشقَر يرتدي قميصًا أبيض اللون خُطط بخطوط سماوية بسيطة
ومعهم ذاك الآخر ذو الشعر البُني المُبعثر بإهمال ، الذي كان وبكُل بساطة " كين " الذي – ولأول مرة – أرى ملامح الخوف قد ظهرت جليّة على وجهه !
إذًا هذا ماكانوا مُتجمعين حوله ؟!!!
لا أعلم كيف أو متى فعلتُ ذلك ! إلا أنني فجأة أصبحتُ مع أولائك الرجال أصرُخ بإسم ريو بهستيرية
بالكاد أستطيع رؤية وجهه المُلطخ بالدماء وهذا ما أثار فزعي !!
أمسكني كين من ذرآعي بقوة مُحاولاً تهدِأتي إلا أن ذلك مُستحيـــل
كُنت ألحق بهم لأُمسك بيد ريو المليئة بالخدوش والجروح النازفة المُتدلية دون حراك
جميع الأفكار السوداء قد تجمعت بذهني أسوَؤها الموت ، خـِفت أن يرحَل ويترُكنــي لا أريد ذلك !
أبعدني كين عن الرجآل ليستطيعوا إدخاله بسُرعة إلى سيّــارة الإسعاف التي أتت مُسرعة قبل عدة دقائق فقط
كان كين مُمسكًا بي بقوة حَتى أنه قد لف ذراعيهِ حولي حاولت الإفلات بعدة طُرق إلا أن ذلك لم يُجدي نفعًا
كآن يُحاول تهدأتي بكلماتٍ بسيطة إلا أنني لم أُعره أدنى إهتمام . لم أكُن حتى أسمع مايقول بوضوح ، كُل ما أفكر به الآن هوَ ريو !
هَمت سيارة الإسعاف بالذهاب وأنا أتبعُها بعيني ، لتترُكني مابين ذراعي كين مُصابة بالدوآر !!
أصبح كُل شيء يدور فجأة حتى صارَ السواد هو كُل مايُمكنني رؤيته فقط .
رؤيةُ ضبآبية عقلٌ مشوش و ألم فظيع !
هذه الكلمآت البسيطة هي تعبيرٌ بسيط عن حالتــي تلك اللحظة عندما أفقت على هَمس أحدِهم
أغمضتُ عينيّ بقوة ثُم فتحتهمــا لتٌصدمان برؤية وجه ريو أمامهُمــا
فتحتُ فمي لأصرُخ فزعة متفاجئة إلا أن يدهُ البآردة الملفوفة بالضمادات البيضاء قد منعتنـي من ذلك
أبعدتُها بعُنف عن فمي ونهضت بسُرعة بينما هوَ إبتعد قليلًا دون إبعاد نظره عني
تأملتُ ماحولــي كانت الغُرفة مُظلمة نوعًا ما إلا من نور شاشة التلفاز المُعلق بالأعلى الذي يُوزع ضوءه في أرجائها
الغُرفة هادئةٌ جدًا يوجد بها عدة أسرة يملؤها بعض المرضىَ الذين يغطون – على مايبدو – بنوم عميق !
أُحب هذه الأجواء خاصة مابعد مُنتصف الليــل !
عُدت للتحديق في وجه ريـو وقد لفت نظري شيءٌ ما على جانب وجهه فأزحتُ غطاء السرير عني قليلًا وإقتربت منه لأمسك ذقنه بهدوء
كان واقفًــا بسكون دون حرآك ويبدو انه مُتعجب مني من نظراته المُندهشة
حَركت وجهه لليسآر قليلًا لألحظَ خدشًا طويلًا نوعًا ما على خدِه ويصل إلى نهاية وجهه
سمـِعت ضحكة خافتة تصدُر منه فنظرت إليه كان مُغمـِضًا عينيه ويبتسم
- مابك !
- هيا إضحكي ، أعلمُ أنكِ تُريدين الضحـك لرؤية وجهي الجميل قَد تشوّه بهذا الخدش البشع
نظرتُ إليه بإستغراب وتعجب في آن معًا وقلت مُستنكرة
- إطلاقًــا تبدو جميلًا به !!
- كاذبة يُمكنك الضحك إن شئتي لكن لا يُمكنك الكذب عليّ بقولكِ هذا !
- أحمق ، أٌقسم أنك تبدو . جميلاً
ضحـِكت بشدة عـِندما رأيت وجنتيه قد إحمرتا خجلاً ولا تنطلق من بين شفتيه سـِوى كلمتيّ " لا و كآذبة " بطفولية من شدة خجله !
نظرتُ إليه من رأسه لقدميه كانت غرته الشقراء ثابتة للخلف بواسطة مـِشبك بنوتي صغير لطيف
لتظهر مُلصقات الجروح على جانب جبهتـِه الأيسر
أما رجلهُ اليُمنى فكانت تلفها جبيرة بيضاء ، لابُد أنها قد كُــسـِرت !
سألتُــه بفضول شديد والإستغراب واضح على مُحياي
- مالذي حَدث ؟ لا أذكُر شيئًــا سوى أنني كُنت أقف بمنتصف الشآرع !
- حمقــاء آه ، بسببكِ كــِدتُ أفقد حياتي الثمينة !
- كفاك ثرثرة أخبرني فقط
- حسنًــا
نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض
إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !
~
~
نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض
إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !
- عندمـا رأيتكِ كالبلهاء واقفة أمام تلك السيارة المُسرعة دون حراك كُنت أعلم أنكِ بإنتظار البطل – الذي هو أنا – ليَهُب للمُساعدة
- سُحقًــا لك فلتتكلم بجدية !
- أووه حسنًاً ، لا أعلم كيف فعلتُ ذلك ولـِمَ عرضت حياتي للخَــطر إلا أن رؤيتكِ بتلك اللحظة واقفة بخوف لا تعلمين مالذي يجب فـِعله شَجعتني أن أدفع بنفسي إليكِ لإنقاذكِ إنني أقولها بجدية الآن !
- حسنًا أكمل
- دفعتٌــك بقوة للأمام لتصطدمي بالناصية أما أنا فقد إصطدمت بالسيارة لأطير بعيدًا وأصطدم مرة أُخرى بعمود الإنارة
لذلك قد كُسرت ساقي أما يدي فلقد أصبحت كخريطة الكُرة الأرضية من الكدمات التي تلونت بها
حَل الصمت فترة قصيرة جدًا بالأحرى ماتُقارب الدقيقتين ثُم عاد للقول بغضب
- وكُل هذا بسببـِك !
- آسفة
- لا بأس
- يا شباب كفاكُمــا ثرثرة ، أزعجتُماني بقصصكم البطولية الرومانسية المُستشفيات لا تصلُح للمواعدة خصيصًا بغُرف مُلئت بالمرضى !
كان ذلك صوت تذمر إحدى العجائز التي يبدو عليها أنها ليست من النوع اللطيف إطلاقًـا
نهض ريو بهدوء وحَذر من على سريري وهو يضحَك
لا أعلم لـِمَ فعلتُ ذلك ورميتُ بكومة الخجل والغضب على رأس ريو حيثُ قُلت
- لا تضحك ياوجه القطــة !
إلتفت إليّ بسُرعة والغضب العآرم قد إكتسحه
- ماذا ؟ أظنُ أنني لم أسمعكِ جيدًا
- وجه القطـــة !!
- أبسبب هذا الخدش أصبحتُ . قطة ؟
هَززتُ رأسي بالإيجاب دون أن أنبس بكلمة
- إذًا فالقـِطط تُعجبكِ ، نعم هي جميلةُ أيضًا مثلي !
- مالذي تعنيه ؟!
رفع أنفه بغرور وهو يتجهُ إلى سريره الذي يكون بجانبي ولا تفصل بيننا سوى ستارة خضراء طويلة !
- ألستِ من قال أن هذا الخدش هُنا ، يجعلنــي جميلاً !
- أنا أنا فعلت ؟
- آه يا إلهي أستدّعين أنك لم تقولي هذا ؟
لم أستطـِع قول شيء ففضلتُ السكوت وتجاهُل الأمر برمتــه في النهاية أعلم أنهُ المُنتصـِر .
هَز رأسهُ أسفًــا وحَرك سبابتهُ بالقُرب من أعلى أذنه بحركة دائرية في الهواء تدُل على أنه يصفني بالمجنونة !
- سُحقًا لك أتظن بإنك عاقل ؟ حتى الأطفال بعُمر السادسة أعقل منك وأذكى
- أتقصدين بمن هُم بعُمركِ عزيزتــي ؟
آآآآآآآآه مُستفز لو أنني لم أكُن هُنــا أقسم على أنني سأفعل شيئًا غير جيد له أبدًا !!!!
نُمت على جانبي الأيمن بحيث يكون ظهــري أمامه فلقد كان ينام هو أيضًا على نفس الجآنب
أغمضتُ عيني بهدوء لأنام إلا أن ذلك مُستحيل كُنت أعلم بإن نومي هو شيء مُستحيل الآن لقد إستيقظت قبل دقائق فكيف أنام مرة أُخرى ؟ لا أستطيع !
أخذتُ أتقلب على السرير مُحاولة بجُهدٍ أن أنام إلى أن نهضتُ مُتذمرة حتى تطاير شعري بشكلٍ مُرعب على وجهي
- بسسس أيها الوحش من عالم الظلام !
إلتفتُ إلى من كان يهمس إلي والذي كان – بالطبع ريو – الذي عرفتـُه من بحة صوته المُميزة
- ألم تنم أيها البطل صآحب وجه كالقطط !
- صاحب وجه جميل كالقـِطط أليس سيئًــا بالنسبة لكِ أن أًصحح أخطاءك ؟ خرقاء ! يجيب ألا تنسي إضافة أهم الكلمات حتى تُصبح الجُملة كاملة وصحيحة !
- لم أخطئ إضافة كلمة " جميل " مايجعلُها خاطئة إنك تظلم الكلمة بنسبها إليك إيها البشع !
- ماذا ؟ حسنًا ، إن كُنت بشعًــا – كما تدعين - فما أنتِ اذًا ؟ وحشٌ مُظلم أتى من العالم الآخر لينشُر الظلام في كوكب الأرض !
- لديك خيال خـصب هل تكتُب رواية ما ؟
- مُنذ أن رأيتكِ قررتُ ذلك فأنتِ تُذكرينــي بأفلام الرُعب إذا تمحوَرت حول " الأحياء الأموات " بالذات
أخذتُ أقرب شيءٍ مني يُمكنني رميُه على ريو ألا وهو كأسٌ ورقي خفيف الوزن !
ما إن رفعتُ يدي لأرميه حتى أوقفني إرتطام عُلبة مناديل ورقية بالأرض مُحدثة صوتًا قويًا نوعًا ما بما أن الغُرفة كانت هادئة .
- الرحمـــة إِن قُلت أنَّ المُستشفيات ليست مكانًا مُناسبًا للمواعدة ، هل ستًصبح مُناسبة لأن تكون حَلبة مُصارعة ؟
يا إلهــي كدتُ أجزُم أنها هيَ – فعلاً – من يكون قد أتى من عالمٍ آخر
عينيها الضيقتين الزرقاوتين تلمعان تحت جُنح الظلآم ، أظُن أننا قد أثرنا غضبهــا فعلاً !
- ناما !!
- لكــ
- أُصمت أيها القط الأشقر . ونَم ، حـــــــــــــالاً !!!!
- كيف لكِ أن تنعتيني بالقط الأشقر هاه !
- ماذا ؟ كيف لك أن ترفعُ صوتك على امرأة يا هذا !
- امرأة ؟ أأنتِ من " فصيلة " مينوري ؟ لا تنسي إضافة " عجــوز " إلى جُملتك يا جدة !!
- عجوز و جدة ؟ من تصف بالعجوز هُنــا ؟ لَم أزل إمرأة بالخمسين من عُمرها
قاطعتُ ريو الذي فتح فمَهُ ليرُد على تلك العجوز بقولي بغضب
- فصيلة ؟ هل أصبحتُ إحدى الحيوانات الآن !!!
قاطعنــا صوت فتح الباب الذي كان يقف خلفه مُمرضة بدا الإستغراب جليًا على وجهها ذو الملامح الهادئة
- مالذي يحدُث ؟
سمِعنــا صوتًا أنثويًا رقيقًا هادئًــا يتحَدث بلُطف إليها من خلف إحدى الستائر
- أيتها المُمرضة أيُمكنكِ إسكات هؤلاء المُزعجين ساعتين حاولت فيهما تذوق طعم النوم إلا أنني بت أشعُر أن هذا مُستحيل بوجودهـِم !
- حسنًــا يُمكنني تدبُر الأمر
- أشكُركِ
نظرت تلك المُمرضة إلى وجوهـِنا المُتعجبــة بتعجُب هيَ الأخرى ثُم قالت برجاء
- رجاءً فاليحترم كل منكم وجود مرضى آخرين هُنــا ليعُد كل منكُم للنوم !
خَرجت بعدما رأتنا جميعًــا قد أصبحنا في حالة سكون وهدوء وكُل منا يُحاول إرجاع النعاس لعينيه
أخذتُ أنظُر للسقف وأعُد حتى المئة لرُبما أنام حقًا
- إثنان وخمسون ثلاثة وخمسون
- سبعة وعشرون ثمانية وعشرون
نظرتُ إلى ريو بغضب الذي كان يُقلدني في هذا الأمر المُصيبة أن صوته قد شتت تفكيري ولا أعلم إلى أي رقمٍ قد وصلت الآن !!
- ريـــو !!
نظَر إلي ببراءة وتعجُب رافعًا حاجبيه وقال مُتسائلاً
- ماذا ؟
- أتعلم بأنني أكرهُك ؟!
- كاذبة
- بل إن هذه الكلمة قد خرجَت من داخل أعماق جوف قلبي !
- أليست كل تلك الكلمات ذات معنىً واحد ؟
- تقريبًا ، لكني أردت أن تفهمَ مقصدي بدقة ووضوح !!
- هل تقصديـــن
أخذ يُميل جسدهُ إليّ من فوق سريرِه وعلى وجهه إبتسامةُ مكر وخُبث
- أنكِ تُحبيننـــي ؟
~
كِدت أصرخ لولا أنني تداركتُ الوضع ووضعتُ يداي على فمــي بسُرعة لأحجُب صرختي عن الجميع
سمعتُ قهقهاته القوية التي لم يستطــِع كبتها على الإطلاق سامحًا لها بالخروج بحُرية حتى رأيت دموعه تنهمر من شدة الضحــِك !!
أصبح وجهي أشبه بشُعلة من نار مـِن شدة الحرارة التي أحسستُ بها ، لو أني لم أكُن بشرًا لكُنت واثقة أنه قد تبخّر !
نهضتُ من سريري مُسرعة إلى ريو الذي بدا خائفًا مما قد أفعلُــه به إلا أنني لم أقصد سوى الستارة لأسحبهـا لليسار حتى تمنعهُ من رؤيتي
وقفتُ خلفها مُعطية إياها ظهري وكفي تُغطي فمــي المفتوح بشرود
أُحس أن قلبي قد ثآر كالبُركان أو هاج كأمواج البحــر أو أو كقُنبلة قد إنفجَرت للتو !
- لكنْ لـِمَ ؟ هل أنا مريضة بمرضٍ ما ؟!
- مينـــوري
صُعقتْ عندما سمعتُ صوتًا واثقًا قريبًا جدًا من أُذني لذلك لم أتحَرك أبدًا ولم أنبُس ببنت شفة
قآل وهو مايزال واقفًــا خلفي
- أنا .
هل يسمعُه ؟ أُحس بإن صوت قرع طبول قلبــي تصـِل إليه من قوتــِها !!!
- ألم تسمعا ؟ ألم تفهما ؟ سأقوم بركلكُما كالكُرة إن لم تصمُتــا آه رأسي ، سينفجر !!
تـِلك المُزعجة المُتذمرة قاطعت ريو عن الكلام آهٍ كم أود قتلها هذه اللحظة ، لن أندم على ذلك
فلرُبما أخلص شعبًا كاملًا من وحشٍ مُزعج يُثير الغيظ ؟!
تقدمتُ عدة خطواتٍ للأمام ومازال وجهي مُشتعلاً وقد أصبح كحبة طماطم حمرآء اللون ثُم قلت بعدما إستدرتُ لأصبح مواجهةً له
- مالذي أردت قوله ؟ لا تُبالي بها !
- كلا لا بأس ، عودي للنوم فقط
إستدار ليذهب إلا أنني أمسكتُ بذراعـِه لأمنعُه من ذلك وقلتُ بعناد
- أخبرني . الآن
- أيتها العنيدة المُدللة ، إنه ليس بالشيء المُهــِم
- بلى أريد مَعرِفته رُبما ، رُبما هوَ مُهم لي !
- حسنــًا
حَك رأسهُ بتوتر واضح ثُم قال
- أردتُ كأس ماء ، لقد شربت قارورة الماء خاصتي كلها ، أشعُر بالعَطش
أصبتُ بإحباط لقد كُنت مُتشوقة إلى سماع تلك الكلمة . لحظة أيُ كلمة ؟
أحبكِ . كلآ !!!
أظُنني أصبتُ بإنفصام الشخصية أو رُبما بالخَرف المُبكر ؟!
- يا إلهــــي يا إلهــــي
- مابكِ مينـــوري ؟
كُنت أمسُك رأسي بيديّ وأهزُه نافية غير قابلة بالذي أمُر به الآن ولا حتى بالتفكير الأخرق الذي أٌفكر بـِه !!
رفعتُ بصري إليه وبقيت على وضعيتي الخرقاء تلك ولم أنطق سوى بـ " هاه " التعجُبية خاصتي
إبتسم بلُــطف ومسح بيده شعري بعشوائية ثٌم قال بهمس
- رُبما المرة القادمــة !
- ماذا ؟
وقف خلف الستارة الطويلة وأغلقها بهــدوء
- لا شيء
تتبعتُ رجليه بعينـــي وهُما ترتفعان للأعلى عندما هَم بالصعود على السرير لينام
يالحظه ومالذي سيجعلُنـــي أنام أنا ؟!
أطلقتُ زفرة تعبٍ وإستياء فهي كُل ما أستطيع التعبير به عن حالتي الآن ~
~
وبس !