الملاحظات
صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 41

الموضوع: رواية بنات الرياض

  1. #31  
    ( 38 )
    الصبر مفتاح ال . زواج الرجل له مصباح هو الضمير ، والمرأة لها نجم هو الأمل ، فالمصباح يهدي ، والأمل ينجي . فيكتور هوجو حزن البعض على فراق سديم وفراس ، وفرح البعض لأن فراس اختار زوجة صالحة بدلاً من سديم التي لا تصلح لأن تكون أماً لأبنائه . قرأت ضمن الرسائل التي وصلتني عبارة تقول أن الحب الذي يأتي بعد الزواج هو الحب الذي يدوم ، وأن ما قبل الزواج من مشاعر ليس إلا عبث وضحك على الذقون ، فهل هذا صحيح برأيكم ؟


    ** لم تعتقد لميس أن خطتها أو (رسمها ) على نزار سوف يتطلب منها كل هذا الصبر وبرودة الأعصاب ! كانت في البداية تظن أن مهلة الأشهر الثلاث كافية لإيقاعه في شباكها ولكنها مع الوقت اكتشفت أن الأمر يتطلب منها الكثير من الحنكة والصبر ، وهذان في تناقض مستمر مع ازدياد إعجابها بنزار ! لم تتصل به أبداً وكانت تحاول جاهدة أن لا ترد على بعض اتصالاته الشحيحة . كانت تشعر بقواها الخارقة تضعف مع كل رنة من هاتفها الجوال ، تظل عيناها معلقتين برقمه الظاهر على شاشة الجوال حتى يكف الجهاز عن الرنين ويكف قلبها عن الخفقان على وزن رنة الجوال ! كانت النتيجة مُرضية في البداية ، فقد أرضى اهتمامه بها غرورها . حذرته بحزم منذ البداية من أن يتدخل في حياتها ، وأفهمته أن صداقتهما لا تعني أن من حقه أن يتطفل عليها ويسألها عن جدولها اليومي . كان يعتذر لها باستمرار مبرراً اهتمامه بحرصه على معرفة أوقات فراغها حتى لا يزعجها أثناء انشغالها ، ثم أنها لا ترد على الرسائل النصية التي يبعثها إليها ! أخبرته أنها لا تحب كتابة الرسائل النصية فهي تتطلب منها وقتاً ليست في غنى عنه (لو وقع هاتفها بين يديه لوجده مليئاً بالرسائل المرسلة والمستقبلة من صديقاتها وقريباته ) !. بدأ اهتمامه بها يخفت تدريجياً باعثاً في نفسها القلق والخوف ، فاتصالاته قلت بشكل ملحوظ وحديثه أصبح أكثر جدية ورسمية وكأنه بدأ يضع لعلاقتهما حدوداً لم يكن يضعها من قبل . اعتقدت لميس أن الوقت قد حان للاستغناء عن خطتها المتشددة لكنها خافت أن تندم بعد ذلك على استعجالها وفي التي تنتقد سذاجة صديقاتها وقلة صبرهن على الرجال . ظلت تواسي نفسها بكون نزار ليس من نوعية الشباب السهل ، وأن هذا على الأرجح أكثر ما يشدها إليه ، وما سيملؤها فخراً فيما بعد إن هي نجحت في الحصول عليه ! حاولت أن تحتفظ بإيجابيتها طوال الشهور الثلاثة التي حددتها للعلاقة . كانت تذكر نفسها بمدى إعجاب نزار بها وهي تنبش في ذاكرتها عن كل صغيرة تشير إلى ذلك . بدا الأمر سهلاً خلال الشهر الأول من عودتها إلى الرياض ، فالأحداث التي مرت بهما في جدة ما زالت طازجة بعد في عقلها . كان يحسن الاستماع إلى حديثها ، وكان يستمتع بما تقول وما تفعل حتى وإن كان ما تقوله أو تفعله غاية في الغباء أو التفاهة ، كنكتة سخيفة أو صنع فنجان من النسكافيه كل صباح حتى أحاديثهما الهاتفية خلال الشهر الأول من بداية الدراسة كانت تدل على إعجاب مبطن ، فرغم أنها كانت جافة معه في كثير من الأحيان وكانت تختلف معه في كثير من الأمور إلا أنه كان دوماً من يبادر بالاتصال والاعتذار إن استدعى الأمر . في الشهر الثاني كانت قد استهلكت جميع الذكريات الواضحة وتحولت إلى تلك الدقائق التي لم تلاحظها إلا بعد أن أجهدت ذهنها في التفكير ، مثل ذكرى آخر يوم لها في المستشفى بجدة ، عندما ذهبا لتناول الغداء في البوفيه ، فسحب لها الكرسي قبل أن تجلس على إحدى الطاولات وما كان قد فعل ذلك لها من قبل ، ثم جلس هو في الكرسي المجاور وليس المقابل كعادته ، وكأن الكرسي المقابل أبعد من اللازم في يوم الوداع ، ثم استدراجه إياها مرات عديدة لأن تنطق ببعض الكلمات التي يحب سماعها منها بسبب طريقة لفظها المميزة لها ، مثل كلمة Water اللي تنطق حرف ال T فيها كحرف D مثلما يفعل الأمريكان ، وكلمة Exactly التي يصر على تقليدها فيها بشكل مبالغ فيه ليبدو مضحكاً جداً Eg-zak-ly! ، وكلمة أربعين التي لم تكتشف أنها من ضمن ألاعيبه حتى سألها في ذلك اليوم : - أقول لك ، كم كان عمر المريضة اللي شفناها من شويّة ؟ - سبعة وأربعين سنة على ما أذكر . - بكم البيتزا الكبيرة ؟ - بخمسة وأربعين ، ليش تبغانا نطلب بيتزا بعد ما شربنا كل دا الأكل يا فجعان؟ - (وهو يغالب ضحكته) : لا لا طنشي . طيب عشرة زائد تلاتين يساوي كم ؟ - أربعين ! يوه ! إش بك يا نزار ؟! ترى إزا ما قلتاللي أيش الحكاية راح أزعل منك! ينفجر نزار ضاحكاً وهو يخبرها أنه يحب كثيراً طريقة لفظها لتلك الكلمة بالذات : أريعين ! في بداية الشهر الثالث كان قد مر على آخر اتصالاته أسبوعان كاملان ، تعبت خلالهما لميس من إيجابيتها وخططها التي لا تلتزم بها إلا من لا قلب لها ، لكنها ظلت خائفة من التراجع ، وقد قطعت في تنفيذ سياستها شوطاً لا بأس به ! أقنعت نفسها بأن نزار سيعود في يوم ما ولكن فقد في حال كونه مكتوباً في صفحة قدرها . لم يخيب القدر ظنها ، والخطة التي كانت تنوي إيقاف العمل بها إن لم يصرح نزار بحبه لها في غضون ثلاثة أشهر ، نجحت في دفعه إلى التقدم لخطبتها رسمياً من أهلها قبل نهاية المهلة المحددة بثلاثة أسابيع !


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  2. #32  
    ( 39 )
    0صفحات من الدفتر السماوي لا توقظوا المرأة التي تحب . دعوها في أحلامها حتى لا تبكي عندما تعود إلى الواقع المرّ . مارك توين صديقي بندر من الرياض حانق علي لأنني أحاول – وفق رأيه – أن أصور رجال المنطقة الغربية كملائكة منزهين عن الخطأ وكرجال غاية في الرقة والأدب وخفة الدم ، بينما أصور البدو ورجال المنطقتين الوسطى والشرقية كرجال متوحشين وهمجيين في تعاملهم مع المرأة ، وأرسم بنات الرياض على أنهن معقدات ومحرومات بينما بنات جدة غارقات في السعادة التي يحصلن عليها بمنتهى السهولة ! ليس الأمر متعلقاً بالجغرافيا يا بندر . إنها قصة أرويها كما حدثت ، وأنا متأكدة من أنه لا يجوز التعميم في مثل هذه الأمور ، ففي كل منطقة نرى أصنافاً متنوعة من الناس ، وهذه طبيعة بشرية لا يمكننا إنكارها ، وأتمنى أن تكون أنت يا عزيزي قاعدة جيدة لهؤلاء الذين تدافع عنهم تعادل حموضة أبطال هذه القصة .

    ** في صفحة من صفحات دفعترها الأزرق بلون السماء ، حيث اعتادت أن تلصق ثور فراس التي تجمعها بعناية من صفحات الجرائد والمجلات ، كتبت سديم : آه . يا عوار القلب ، يا حبي الوحيد يا ن وهبته العمر ، الماضي والجاي حبك بصدري ينوح ، والعين تبكيك مالي سوى ذكراك ، هي زادي بدنياي أطلمتي يا دنياي ، والتعت يا قلب ومليتي يا روح من ثرة معاناي وش يصلب الجسم ، والقلب مذبوح ؟ ما عاد لي بعدك ، حس ولا راي يا روح روح الروح ! يا أغلى من لي يا بعد قلبي ، ويا غاية نواياي لا من تعبت ، ووسادتي ملتّ من دمع عيني ، ومن حر شكواي قمت وتوضيت ، وابليس هجّدته وربي حمدته ، حتى على بلواي يالله يا رحمان . ما بيك تردّه ! بس ما بيك تهنيه ! ولا يحبها شرواي جعله يذوق الظيم والغيرة مثلي ! ويظل يحبين ! ويتحلم برؤياي للحين أحبه . ما هقيته نساني الله كريم يعوضني ، عن البايع بشرّاي لم تعتد سديم كتابة خواطرها قبل أن تبدأ علاقتها بفراس . حبه كان يدفعها لدباجة رسائل حب تقرأها عليه بين الحين والآخر حتى يتطوس ويمشي مختالاً بريشه الذي تلونه له سديم بنفسها ريشة ريشة ، لكن شيئاً ما حدث بعد خطوبة فراس ، جعلها تنزف أبياتاً كل يوم في سكون الليل الذي اعتادت لثلاث سنوات ونصف أن يشاركها ساعاته صوت فراس، كتبت : إلى صديقي العزيز ، وأغلى ما لدينا إلى القلب الحنون ، وتوأم الروح أيا نجمة سقطت ، يوماً بين كفيّا لم أكتب الشعر يوماً ، ولم أكن أبداً سعاد أو بدراً ، ولا إيليّا لكنك اليوم أنت تلهمني زواجك حرّك كل ما فيّا سنين طويلة قضيناها معاً ثلاثاً سعيدة ، والرابعة ها هيّا تفجرت فيهن كل المشاعر وعشت فيهن أحلى لياليّا حب ، وشوق ، وحرمان طويلٌ قربٌ وبعدٌ ، قهرٌ وحنّيّة تفرقنا الأقدرا ، لنعود ونلتقي الحب يبقى ، مهما استكبروا غيّا قالوا وقلنا ، وانتصروا همُ أه لو عرفوا ، ما قاسيته ُ ليّا آه لو يدرون لو عانوا ، من الحب الذي يحطم كل الجسور يفتت كل الصخور يبسّط كل الأمور ليجمعنا علانية ! صديقي العزيز ، ماذا نقول لهم ؟ الله يسامحهم ؟ أو لا يسامحهم ؟ ما عدتُ أفرح ، ولا عدت أحقد شيءٌ بداخل صدري . تكسّر الشيّا ! إذا الله لم يكتب لنا أن نكون معاً فالله أكبر . لا اعتراض لديّا دعني أبارك لك ، وبارك لها عني يحقق لك الله كل الأمانيّا يا إلى ما لدي ، ويا زوجة الغالي يا رب اجعل كل أيامهما هنية صديقي ستبقى معي دائماً لن تصبح الذكرى يوم منسية ضحكاتنا ، دمعاتنا تبقى ما دام الذهن صافيّا والقلب يبقى محباً ، عاشقاً أبداً حبنا الأول لا يمحوه تاليّا ! صديقي سنصبح أبطال الحكايات نقصها على أطفالنا بأسماء وهمية صديقي تظل صديقي صديقي أيا نجمة سقطت ، يوماً ، بين كفيّا الصراع الداخلي الذي عاشته سديم وتذبذب مشاعرها في تلك الفترة ما بين الصفح والغفران جعلا من حياتها كابوساً مريراً . كانت عاجزة عن تحديد مشاعرها الحقيقية ، فهي تسب فراس وتبصق على صوره لتعود بعدها لتقبيل الصور بحنان وهي تطلب الصفح منها !كانت تتذكر مواقفه معها طوال تلك السنين فتبكي ثم تتذكر تلميحه العابر قبل سنتين عن مفاتحته لوالديه في موضوع الارتباط بمطلقة وردهما الذي جرحها يومها فتعمدت تناسيه ، هذا ما كانت ميشيل ولميس تحذرانها منه ، فتبكي المزيد وهي تتحسر على سنوات عمرها الضائعة وتدعو على وليد سبب كل شيء ! لاحظت قمرة ولميس وأم نوير أن سديم أصبحت أكثر تهاوناً في أداء صلاتها مؤخراً وأنها صارت تكشف عن شعرها عند ارتدائها للطرحة أكثر من ذي قبل . كان اهتمام سديم بالدين مرتبطاً بفراس ، وحنقها عليه جعلها حانقة على كل شيء يذكرها به ، حتى الدين . في تلك الفترة ، كانت خالتها بدرية تقضي أياماً معها في الرياض وأياماً مع أسرتها في المنطقة الشرقية ، ولم تكف أثناء ذلك عن محاولات إقناع سديم بالانتقال معها للعيش في الخُبر بشكل دائم حتى يأتيها النصيب . عندما رأت الخالة إحباط ابنة أختها الوحيدة وممانعتها فكرة السفر ، قررت أن تلمح لها برغبتها في تزويجها من ابنها طارق ، علها تبث في قلبها الطمأنينة للمستقبل ، لكن ذلك لم يزد سديم إلا غيظاً ومرارة . أيريدون أن يزوجوها من ذلك الصبي المراهق طالب طب الأسنان الذي لا يكبرها سوى بعام واحد ! ما تفعل به ؟ تلعب معه عروسة وعريس ؟ لو أنهم يعرفون شيئاً عن فراسها لما تجرؤوا بتقديم مثل هذا الطلب إليها ! إنهم يستغلون وحدتها وحاجتها لمنزل تعيش فيه باطمئنان دون أن تطالها انتقادات الناس بعد وفاة أبيها ، حتى خالتها بدرية تريد أن تضمن بتزويجها من ابنها بقاء سديم تحت مراقبتها ، ومن يدري ؟ قد يكون طارق بانتظار ما سترثه عن أبيها من أموال ليسلبها إياها بحريض من والدته ! مستحيل ! لن تتزوج لا منه ولا من غيره ! سوف تترهبن في دار أبيها ، وإن كانت خالتها بدرية مصرّة على ألا تتركها تعيش في منزلهم بالرياض فإنها ستقبل فكرة السفر والعيش معهم لكنها ستملي عليهم شروطها ولن تسمح لأحد بأن يعاملها كشيء مسلّم به ، مثلما كان فراس يعاملها !


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  3. #33  
    ( 40 )

    ِحمدان بو مداوخ ليس أصعب من حياة المرأة التي تجد نفسها حائرة بين راجل يحبها ، ورجل تحبه. جبران خليل جبران أصاب بتوتر كلما تخيلت شكل حياتي بعد أن أنتهي من سرد هذه القصة ! ماذا سأفعل بعد أن تعودت على رسائلكم التي تملأ فراغ أيامي ؟ من سيشتمني ومن سيطبطب علي ؟ من سيذكرني بعد ذلك ؟ هل سأستطيع العيش في الظل بعد أن اعتدت أن أكون مثار الجدل في كل مجلس في البلاد على مدار شهور طويلة ؟ يحز في نفسي مجرد التفكير فيما سيكون . صحيح أني بدأت بنية توضيح بعض الحقائق التي تخفى عن كثير منكم ، إلا أنني تعلقت بالقصة كثيراً ، وصرت أنتظر ردودكم على كل إيميل بفارغ الصبر ، وأغضب إن لم تصلني تعليقات كافية ، وأفرح إذا ما قرأ عني خبراً في جريدة أو مجلة أو صفحة على الإنترنت . سأفتقد كل هذا الاهتمام بالتأكيد ، وقد أشتاق إليه إلى درجة تحملني على الكتابة من جديد ، فماذا تريدون مني أن أكتب إن فعلت أنا على استعداد دائم لأن أكتب ما يطلبه القارؤون .


    ** لا تصدق ميشيل أن صديقتها سديم تعتبر السعودية الدولة الإسلامية الوحيدة في العالم . فالإمارات دولة إسلامية في نظر ميشيل لكنها توفر الحرية الدنية والاجتماعية لشعبها وهذا هو الصحيح في نظرها . تحاول سديم أن توضح لها أن كون الدولة مسلمة لا يعني بالضرورة كونها إسلامية . السعودية هي الدولة الوحيدة التي تحكم بالشرع وحده وتطبقه في جميع النطاقات ، أما الدول الأخرى فإنها تعمل وفق الشريعة الإسلامية في القوانين العامة لكنها تدع القرارات الفرعية لحكم البشر وذلك لمواكبة التطور المتضطرد في شتى جوانب الحياة . ترى ميشيل الفجوة تزداد اتساعاً بينها وبين صديقاتها حتى تشعر في بعض الأحيان أنها لم تنتمي يوماً لتلك البيئة التي لا توافق أياً من أفكارها ولا ميولها ولا طموحاتها . طموحها أن تستمر في العمل الإعلامي وأن تحصد المزيد من النجاح والشهرة . كانت تحلم بأن ترى صورتها يوماً على غلاف إحدى المجلات وهي تقف إلى جانب براد بت أو جوني ديب ! وأن تتسابق المطبوعات والقنوات الإذاعية والتلفازية لإذاعة ما تسجله من لقاءات مع المشاهير ، وأن تُدعى لحضور حفلات الأوسكار والإيمي والغرامي أووردز مثلما صارت تدعى لحضور المهرجانات العربية التي لا يسمح لها والدها حتى الآن بحضورها ، ولكنها سوف تقنعه مع الوقت . لن ترضى بأن تصبح مثل صديقاتها البائسات، سجينة المنزل مثل قمرة أو سجينة الرجل مثل سديم أو سجينة الطب مثل لميس. قررت أنها لن ترتبط بأي رجل بعد تجربتها الفاشلة مع فيصل وشبه تجربتها مع ماتي ، حتى وإن كان هذا الرجل بملاحة حمدان وثقافته ، ذلك المخرج الشاب الذي يقوم بإخراج برنامجها الأسبوعي ، والذي درس الإخراج بجامعة تفتس في بوسطن . اعترفت ميشيل لنفسها بميلها لحمدان منذ بداية عملهما معاً ، فقد كان من ذلك النوع الذي يتجمع حوله طاقم العمل حال وصوله إلى موقع التصوير وهم فرحين لحضوره لما يشيعه على المجموعة من بهجة ومرح . كان حضوره صاخباً دوماً : - مرحبا الساع ! شحالكم شباب أسرّت لها جمانة عن إعجابها به ، وهما تتأملانه من بعيد وهو يدخن مداوخه (سيجارته) في أول أيامهما في المحطة ، لكنها كانت تحب أحد أقاربها وتنوي الزواج منه بمجرد حصوله على شهادة الماجستير من بريطانيا وعودته إلى الوطن ، لذلك فقد حرضت صديقتها ميشيل على التقرب من حمدان ، لكنه سبقها . لاحظت إعجابه بها ولم تستغرب ، فقد كانا الأكثر توافقاً وانسجاماً ضمن طاقم العمل ، وكانا الأنسب لبعضهما بشهادة الجميع . كان حمدان في الثامنة والشعرين من عمره . أجمل ما فيه أنفه المسلول كالسيف ، ولحيته الخفيفة المرتبة ، وضحكته المجلجلة التي تدفع كل من يسمعها إلى الضحك ! كان حمدان يأتي للعمل متأنقاً مثلها . كان غالباً ما يأتي ببنطال جينز وتي شيرت من إحدى الماركات الشهيرة ، وأحياناً يطل عليهم بكندورته البيضاء (الثوب) مع عصامة (عمامة) الرأس . رغم حرصه الدائم على أناقته إلا أنه لم يكن يتحمل غطاء الرأس لمدة تزيد عن نصف ساعة أو ساعة على الأكثر ، فكان ينزع العمامة ليظهر شعره الذي كان يفوق شعرها طولاً بعد أن قامت بتقصير شعرها على طريقة هالي بيري ، وهي القصة التي طالما نهاها فيصل عن تنفيذها أسفاً على شعرها الجميل وتموجاته الرقيقة التي كان يحب لفها حول أصابعه . تحدثنا كثيراً حول عملهما والبرنامج وحول مواضع أخرى من كل نوع ، وصارو يخرجان معاً بحكم العمل إلى أماكن مختلفة من مطاعم ومقاهي وأسواق ومهرجانات محلية ، ودعاها مرات كثيرة لمشاركته رحلات الحدائق (الصيد البحري) على طرّاده السريع الذي يهتم به أكثر من اهتمامه بسيارته ، ورحلات القنص (الصيد البري) التي تستهويه أيضاً إلى حد كبير ، لكنها لم تكن تشاركه هذه المغامرات وتكتفي منها بالسمع ومشاهدة الصور .


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  4. #34  
    ( 41 )

    رسالة إلى فاء : من السهل على أي شخص أن يغضب ، لكن الصعب هو أن يغضب من الشخص المطلوب ، إلى الحد المطلوب ، في الوقت الصحيح ، للسبب الصحيح ، وبالأسلوب الصحيح . أرسطو كتب لي كثيرون يستفسرون عن الدفتر السماوي لسديم الذي ذكرته في الإيميل السابق ، بعضهم يتساءل كيف قرأ ما كتبت سديم (أرادوا أن يضيفوا) : إن لم تكوني سديم نفسها ، لكن الذوق منعهم من ذلك ، والبعض الآخر متحمس لمعرفة المزيد مما كُتب في هذا الدفتر . يا لفضولنا القاتل يود البعض لو يقرأ بعض الفضائح الشخصية أوكي ، للملاقيف (مثلي) سأقرأ لكم ومعكم المزيد من خواطر سديم التي دونتها في دفترها السماوي ، وللتحريين (الغثيثين) أقول : أنتم مستقعدين لي ؟ ما حد قال لكم تقرون إيميلاتي إذا كان عندكم شك بكلامي مادام فيه ناس مصدقة ليش نقطع وناستها ؟ يعني لا ترحمون ولا تخلون رحمة ربنا تنزل ؟ طيب وش رايكم أن غزالتي الفسفورية سرقت الدفتر من غرفة سديم وهي نايمة وطارت وحطته عندي ، سويت لي كوبي وعطيته لغزالتي ترجعه هاه؟ عندكم شي ؟ حد شريكي ؟ اللي مو مصدق يصطفل ، والغرفة لها أربع جدران
    ** قررت سديم بدأ مشروع صغير بجزء من إرثها بعد أن عجزت عن العثور على وظيفة مناسبة بعد التخرج . كانت تفكر في تنسيق الحفلات والأعراس بما أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن تُدعى لحضور عرس أو زوارة أو حفل عشاء أو استقبال ، أما في بداية فصل الصيف فقد كانت تُدعى إلى أكثر من مناسبتين أو ثلاث في الليلة الواحدة كانت هي وصديقاتها وكثير من الفتيات في سنهن إذا ما شعرن بالملل أو الضيق تدبرن لهن بطاقات دعوة لأحد هذه الأعراس (أياً كان العرس) ، وتأنقن وتزينن وذهبن لحضوره ليمضين الوقت في الرقص على أنغام الطقاقات الحية . كان الأمر أشبه بالسهر في نايت كلوب نسائي محترم . فكرت أن تبدأ في إعداد المناسبات الصغيرة لأقاربها وصديقاتها ثم تتوسع تدريجياً حتى تصل إلى تنظيم حفلات الأعراس . كان مجال التنظيم عادة حكراً على بعض السيدات اللبنانيات أو المصريات أو المغربيات اللواتي يطلبن مبالغ طائلة دون تقديم خدمات بالمستوى المطلوب ، وهذا ما كانت تلاحظه سديم لسنوات . من هنا جاءتها الفكرة ، أن تعمل على تنسيق المناسبات والإعداد لها من الألف إلى الياء حسب المواصفات المطلوبة للحفل وحسب الميزانية المتوفرة ، وسوف تتعامل مع بعض المطاعم ومحال المفروشات والمطابع ومشاغل الخياطة لمساعدتها ، كلٌ في مجاله . اقترحت على أم نوير أن تكون المسؤولة عن المشروع في الرياض وتساعدها قمرة بينما تتولى هي المنطقة الشرقية التي ستنتقل إليها ، كما يمكن للميس الانضمام لهما فيما بعد إن أرادت لتتولى تنسيق الحفلات في جدة حيث ستنتقل للسكن مع زوجها نزار بعد تخرجها ، ويمكن أن يتم التنسيق مع ميشيل في دبي للوصول إلى المطربين والمطربات لتسجيل بعض الأغاني الخاصة بالزفة أو التخرج ، حتى يقمن بإذاعتها في تلك الحفلات. رحبت أم نوير بالفكرة التي ستملأ وقت فراغها اليومي بعد عودتها من العمل خاصة بعد رحيل سديم ، وتحمست قمرة كثيراً وبدأت هي وسديم تجريان الاتصالات وتنظمان بعض الاجتماعات الصغيرة التي تدعوان إليها معارف كل منهما كنوع من الدعاية والتسويق ، وساعد طارق ابن خالة سديم في إجراء المعاملات الرسمية المتعلقة بالموضوع والحصول على التصاريح اللازمة واستخراج سجل تجاري ، بعد أن أعدت له سديم توكيلاً رسمياً ليقوم بالمهام القانونية التي تمنع المرأة من القيام بها . في الليلة السابقة لسفر سديم إلى المنطقة الشرقية ، استطاعت قمرة توفير بطاقات دعوة لحضور حفل زفاف أحد أقرباء صديقة أختها حصة . ذهبت قمرة وحصة مع سديم ولميس إلى العرس وأخذت حصة مكانها على طاولة صديقات العروس بينما جلست الصديقات الثلاث على منصة الرقص حيث تجلس الشابات العازبات عادة للفت أنظار الأمهات . عندما دندنت الطقاقة في المايكروفون : (حمام جانا مسيّان . ولا سلمّ عليه. حمام جنان مسيّان . ولا سلم عليه . ولا يسلم عليه . هلا . ولا سلم عليه . ولا سلم عليه . ) قامت الفتيات الثلاث مع جميع الفتيات الجالسات فوق المنصة مع بداية دق الطيران الذي أقام القاعة ولم يعقدها . راحت الطقاقة تغني : حمام جنان مسيّان . ولا سلم عليه حمام جنان مسيّان . ولا سلم عليه سنونه حب الرمان . والقذلة هلهلية . علامة مر عجلان . حمام القيصرية . يذكر كل ولهان . على فرا خويه . . كانت سديم ترقص في مكانها مغمضة عينيها وهي تطقطق بإصبعيها الإبهام والوسطى مع أنغام الأغنية ، مع هزة من كتفيها بين الحين والآخر ، بينما تحرك قمرة ذراعيها وساقيها باستمرار دون توافق مع اللحن ، وعيناها شاخصتان إلى الأعلى ، أما لميس فتهز وسطها وردفيها وكأنها ترقص رقصاً مصرياً وتردد مع الطقاقة كلما الأغنية ، بعكس قمرة التي لا تحفظ أياً من الأغاني وسديم التي تعتبر الغناء وإظهار الانسجام الزائد أثناء الرقص سلوكاً مبالغاً فيه ودليلاً على الخفة . بانتظار الرقصة التالية ، انزوت لميس مع إحدى العروسات الجدد من صديقات المدرسة القدامى التقتها صدفة في تلك الليلة ، لتسألها عن تجربة الزواج وعن ليلة الدخلة وعن وسائل منع الحمل التي جربتها وغيرها من الأمور المتعلقة بزواجها الذي حدد موعده في عطلة نصف السنة . قامت سديم مع قمرة للرقص على أغنية طلال مداح التي تعشقها : أحبك لو تكون حاضر ، أحبك لو تكون هاجر ومهما الهجر يحرقني ، راح أمشي معاك للآخر أحبك لو تحب غيري وتنساني وتبقى بعيد عشان قلبي بيتمنى يشوفك كل لحظة سعيد تصل الكلمات الرقيقة واللحن الشجي إلى قلب سديم مباشرة . تحتل صورة فراس عقلها وتشعر بانفصالها عن كل ما حولها وهي ترقص رقصة المذبوح على تلك الكلمات : أحبك كلمة معناها حياتي وروحي في يدّك يهون عليك تنساها وأنا صابر على غلبك ؟ راح أمشي معاك ، للآخر على مائدة العشاء ، بعد أن ملأت كل منهن صحنها من البوفيه ، استغرقت الصديقات في الحديث عن سفر سديم المنتظر في الغد . كانت سديم تشعر بحزن شديد وضيق في صدرها لا تعرف سبيلاً للخلاص منه . بينما كان الحديث دائراً أثناء الأكل ، انبعثت نغمة وصول رسالة من أحد الجولات الموضوعة على المائدة ، فانقضت كل واحدة منهن على هاتفها علّها تجد الرسالة من نصيبها كانت الرسالة من نصيب لميس التي كتب لها نزار قائلاً : عقبى لنا يا حبيبتي . عادت سديم إلى منزلها وتأملت الصناديق والحقائب التي تملأ غرفتها بانتظار شحنها إلى الخبر . شعرت بغصة في حلقها وهي تقرأ خربشاتها الطفولية على طرف طاولة مذكراتها ، وتتأمل صورها الملصقة على باب خزانة ثيابها . تناولت دفترها السماوي وقلمها الرصاص وكتبت : رسالة إلى فاء : الساعة الآن الثالثة وأربعون دقيقة صباحاً بتوقيت المملكة ، وعيون القلب سهرانة ما بتنامشي على رأي نجاة الصغيرة . لا أنا نايمة ، ولا صاحية ، ما بقدرشي يبات الليل ، يبات سهران ، على رمشي وأنا رمشي ما داق النوم ، وهو عيونه تشبع نوم روح ، روح يا نوم من عين حبيبي روح يا نوم . بعد دقائق تقام صلاة الفجر في مدينة الرياض . لا بد أنك في طريقك نحو المسجد الآن ، فصلاتكم في المنطقة الشرقية تسبقنا بقليل ، أم أنك في الرياض الآن ؟ لا أدري إن كنتما تسكنان هنا أم هناك . هل ما زالت تداوم على صلاة الجماعة ؟ أم أن لذة النوم إلى جانبها جعلتك تتكاسل عن النهوض وأداء فرض الله ؟ أموت شوقاً لصوتك . ليتني أستطيع إيقاظك من النوم الآن ! كئيبة هي الدنيا بدونك. الليل أظلم من عادته ، والسكون أوحش . كيف استطعت وأنت معي أن تجعل من الليل احتفالاً ننتظره كل يوم ؟ كيف جعلت سكوني صخباً حتى وأنت تغط في النوم ؟ أتذكر (يغط حبيبي في النوم ) ، ونومي أنا يجافيني ؟ أول قصيدة أنظمها في حياتي. لا أدري حقيقة إن كان بإمكاني أن أطلق عليها مسمى قصيدة! كانت مثل سائر رسائلي لك مجرد حديث بين قلبي وقلبك لا يخضع لأي موازين . كتبتها لك خلال خمس عشرة دقيقة هي مدة شجارنا ، عندما دعوت علي بالحب ! تريدني أن أجربه مع غيرك ، وكأنك تهيئني للفراق . أقول دعوت علي ولا أقول دعوت لي ، لأنني (ومازلت) لا أتخيل في حياتي حباً سواك . أتذكر تلك القصيدة أم أذكرك بها ؟ قلت فيها : يغط حببي في النوم ونوميي أنا يجافيني برودُ الثلج في صوته أداعبه ، فيُبكيني ! بدأنا لعبنا مزحاً فأنهاه بسكين ! أحبه ، يا لقسوته ! مرار الكأس يسقيني خيالي ينسج الرؤيا وتسطرها دواويني فيُطلق حُبّي القاسي على فرحي الأفاعيني ! تبث السُم في الحلم وتمتص الشراييني دُعاك عليّ بالحب يحطم كل ما فيني ! أحبك أنت ، لا غيرك ! لم بالحب تشقيني ؟ توقف عن مضايقتي فضيق الضيق يشكيني ! رجالُ الكون كلهم برأيي اليوم ، شياطين ! أريدك أنت دون سواك وأطلب منك باللين ! فإن آثرت الاستمرار بتجريح المساكين سأرحل عنك في الدنيا وأرضي بالشياطين !! قرأتها لك بعد أن اتصلت بي لتوقظني لأداء صلاة الفجر بعد شجارنا . كيف يمكنني أن أنام خلال ربع ساعة كم كانت حججك لمصالحتي جميلة وشقية ! يا ربي . كم أحبك ! أتذكر عندما اتصلت بي من طائرتك الخاصة المتجهة إلى القاهرة ؟ لا أذكر سبب خلافنا في ذلك اليوم ، لكنني أذكر كم كنت مكتئبة لسفرك وأنا ما زلت غاضبة . جاءتني اتصال من رقم طويل وغريب ، بعد نصف ساعة من رسالتك النصية التي ودعتني بها من المطار . لم يخطر ببالي أنه أنت ! صرخت بفرح عارم وأنا أسمع صوتك الحبيب يغسل قلبي من كل ضيق : فراس حبيبي !! ما سفرت ! أخبرتني بأنك معلق في الجو ، وقلبك معي على الأرض يحاول استرضائي، وظللت تغازلني مدة نصف ساعة وأنا أكاد أذوب من شدة حبك . آه آه آه . ليتك معي الآن . أتذكر (حنتشتنا) كل يوم ؟ ضحكت كثيراً عندما قلت لي هذه الكلمة أول مرة ! اشتقت للحنتشة ! رقصت اليوم على أنغام أغنية (أحبك لو تكون حاضر) التي غنيتها لك في إحدى مكالمتنا . رقصت عليها وأنا أتخيلك واقفاً أمامي فأمد يداي إليكم ولا أستطيع بلوغك . آه آه آه . أنيني يئن من حنيني إليك ! أبكيك في الليلة عشرين مأتماً ! وأنت إلى جانبها ، تحنتش ! لا سامحك الله ولا سامحها . ولا ردك الله ، ولا أسعدها . أحبك . لا . أكرهك ! أكرهك ! حبيبي الذي أكرهه ! فاء ، أسافر إليك في الغد . أخيراً ، سوف أعيش إلى جانبك في الخبر . تجمعنا مدينة واحدة ، أنا ، وأنت ، ومعنا المدام ! كيف سأقطع الطريق براً وذكري مرورك بسيارتك قبل ثلاث سنوات إلى جانب سيارتي لم تُمنع من ذاكرتي يوماً ؟ كيف ستمر علي ساعات الطريق الثلاث دون أن أعرف أنك تحرسني من بعيد ؟ كنت أود السفر بالطائرة لكن طارق أتى بسيارته من الشرقية خصيصاً ليأخذنا معه. أقنعته بأن يضع أسماءنا على لائحة الانتظار في المطار ، ليأخذنا معه . أقنعته بأن يضع أسماءنا على لائحة الانتظار في المطار ، درجة أولى ، درجة رجال الأعمال ، سياحي أو حتى (شعبطة) على أحد الأجنحة ! المهم أنني لا أتخيل نفسي على خط الشرقية بدونك ! بل لا أتخيل نفسي في أي مكان بعدك ! لا أتخيل أن بإمكاني الاستمرار في هذه الحياة بعيداً عنك ! كله منه هو ! الله يا خذك يا وليد ! الله ينتقم منك !!


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  5. #35  
    ( 42 )

    لميس تتزوج الحب الأول في حياتها : من قلب المرأة الحساس تنبثق سعادة البشر . جبران خليل جبران إحدى القارئات – لم تذكر اسمها – تقول إنها لا تدري كيف أنادي بالحب بسذاجة وأفتخر بصديقاتي الغبيات اللواتي ظللن يبحثن عن هذا المجهول طوال حياتهن . ترى هي أنه ما من أفضل من خاطب محترم يدخل عن طريق الباب كما يقولون ، تعرف الأسرتان بعضهما وتوثق العلاقة ويتم التصديق عليها من قبل الأهل . لا مجال هنا للعبث أو الخديعة كما في الحب ! هذه الطريقة تضمن للفتاة عدم تعرضها لشكوك الرجل في ماضيها لو كانا على علاقة قبل الزواج . كيف ترفس الفتاة العاقلة فرصة مضمونة كهذه لتركض وراء السراب ؟ رأيك أحترمه يا عزيزتي ، لكننا لو فقدنا إيماننا بالحب ، فستفقد كل الأشياء في هذه الدنيا لذتها ، ستفقد الأغاني حلاوتها ، والأزهار شذاها ، والحياة بهجتها ، فبوجود الحب في حياتنا تصبح اللذة الحقة هي لذة الحب ، وكل لذة سواها نابعة منها . تصبح الأغاني الجميلة هي تلك التي يدندن بها الحبيب ، وأحلى الأزهار تلك التي يقدمها هو ، ولا إطراء سوى ما يأتي منه . باختصار ، تصبح الحياة ملونة بالتكنيكولور بمجرد أن يلمسها أصبع الحب ! يا الله ، لقد حُرمنا أشياء كثيرة ، فلا تحرمنا نعمة الحب !
    ** بعد خطبة قصيرة لم تتجاوز الثلاثة أسابيع تبعاً لعادات كثير من أهل الحجاز – الذين يفضلون تقصير فترة الخطوبة وإطالة الملكة بعكس أهل نجد – وفترة ملكة مدتها أربعة أشهر ، جاء زفاف لميس ، الذي كان أول زفاف تنظمه قمرة وسديم وأم نوير بالتعاون مع لميس وميشيل التي أتت من دبي خصيصاً لحضور زفاف صديقتها في الخامس من شوال . كانت الاستعدادت تجري على قدم واسق خلال شهر رمضان ، وقد كان الحمل الأكبر يقع على عاتق أم نوير وقمرة بحكم وجودهما الدائم في الرياض حيث يقام العرس . تولت سديم مهام بسيطة مثل طلب الشيكولاته من فرنسا ، وميشيل كانت مسؤولة عن تسجيل شريط أغانٍ لبعض المطربين الذين تجمعها بهم علاقات جيدة لتتم إذاعتها أثناء العرس وتوزيع الأشرطة بعد ذلك على المدعوات للذكرى . كان عمل قمرة يبدأ يومياً بعد أدائها صلاة التراويح في مسجد الملك خالد . كانت تصطحب معها صالح لتعويده مبكراً على الأجواء الروحانية . كان يرتدي العباءة النسائية السوداء التي فصلتها على مقاسه بعد أن أصر على أن تشتري له عباءة كعباءتها ، رغم تحذيرات أم نوير المتكررة لها من أن تنصاع لرغباته ! كانت قمرة تذكر أم نوير بأن وضع صالح مختلف عن وضع نوري ، فصلوحي يكبر وسط أخواله الذكور ولذلك فلا خوف عليه من انعدام القدوة الذكورية بسبب غياب أبيه ، كما أنه يبدو لطيفاً جداً هو يضم أطراف عباءته النسائية حول ثوبه بينما رأسه تغطيه طاقية بيضاء رجالية ! كان صالح يقف إلى جانبها في الصلاة مقلداً جميع حركاتها ، من تكبير وقراءة وركوع وسجود وتشهد وتسليم . عندما يمل من تقليدها ، كان يميل برأسه وجذعه محاولاً النظر في عينيها وأعين بقية المصليات المصطفات وإضحاكهن ! كان يميل حتى ينكفي على وجهه على الأرض ، فينقلب على ظهره وهو ما يزال يبتسم ابتسامته الكبيرة منتظراً أن تبتسم له إحدى هؤلاء النسوة العابسات اللواتي يتحاشين النظر إليه . بعد أن ييأس كان يستغل فرصة ركوعهن ليلشط كل واحدة منهن على مؤخرتها عقاباً لها قبل أن يعود للتمدد على ظهره أمامهن وهو يضحك ! كانت النساء يشتكين من شقاوته ويأمرن أمه بأن تدعه يصلي في مصلى الرجال فتتصنع قمرة توبيخه أمامهن وهي تغالب الضحك لخفة دمه ، فيبادلها الضحك الذي تكتمه وكأنه يعرف أنها لا تعني ما تقول . كانت التراويح تنتهي عند حوالي الساعة التاسعة ، تفتح بعدها المحلات التجارية أبوابها فتقضي قمرة مشاوريها من زيارات للخياطة التي تتولى خياطة مفارش الطاولات وأغطية المقاعد ، والمطعم الذي يعد لها أصنافاً جديدة كل يوم لتختار منها ما يعجبها لتضمينه في بوفيه الحفل ، ومحلات التحف ، ومشاتل الزهور ، والمطبعة التي تعد بطاقات الدعوة ، إلى جانب زياراتها للسوق مع لميس لإكمال الناقص من جهازها قبل موعد الزفاف . لم تكن قمرة تعود إلى المنزل قبل الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل ، أما العشر الأواخر من الشهر فكانت تعودقبل ذلك بساعة أو ساعتين لتلحق بصلاة القيام التي تؤديها في نفس المسجد في الثلث الأخير من الليل مع والدتها وأخواتها . في البداية كانت أم قمرة تمانع من خروج قمرة لقضاء هذه المهام وحدها إلا أنها أخذت تتساهل معها بعد أن لمست جديتها ورأتها تسلم أول ربح حصلت عليه من ترتيب حفل عشاء في منزل إحدى أستاذات سديم في الجامعة إلى يد أبيها الذي اقتنع أخيراً بعمل ابنته الغريب . حاولت الم أن تجبر أحد أبنائها على قضاء مشاوير ابنتها إلا أنهم رفضوا جميعاً فلم تلح وتركتها لتقوم بأعمالها مع أختها شهلاء أحياناً أو مع أم نوير أحياناً أخرى أو مع صالح فقط في معظم الأحيان . في اليوم المنتظر ، بدت لميس أجمل من أي يوم ، بشعرها البني الذي انساب بإهمال مدروس ، وثوبها الصدفي الذي ينحسر عن كتفيها برقة ليلف صدرها بطريقة جميلة ويكشف عن النصف العلوي من ظهرها قبل أن يأخذ في الإتساع تدريجياً حتى يصل إلى الأرض ، وطرحتها التُل التي ثبتت فوق رأسها لتنسدل بنعومة على ظهرها العاري ، وفي إحدى يديها باقة من زهور الليلي ، بينما يدها الأخرى في يد نزار الذي يسمّي عليها قبل كل خطوة ويرفع معها طرف ثوبها الطويل . رأت صديقات لميس في عينيها السعادة الكاملة وهي ترقص مع نزار بعد الزفة ، وسط حلقة من قريباتها وقريباته . صديقتهن لميس كانت الوحيدة التي حققت حلم كل واحدة منهن ، حلم الزواج من الحب الأول في حياتها . قمرة : الله يخلف علينا . شوفي وش ملحهم وهم يرقصون . أقول يا من تاخذ لها حجازي بس ! وين رجالنا عن هالحركات ؟ والله النجي يموتك لو قلتي له التفت ناحيتي بس شوي وانت على الكوشة بدال ما تقعد مكشر كأنهم طاقينك وجايبينك ! سديم : تذكرين كيف راشد ولّع لما قلنا له يبوسك في العرس ؟ وهذا نزار ما غير يبوس راسم لميس كل شي ويدينها وخدودها وما خلا شي ! صدق يا ختي جدة غييييير!! قمرة : بس يا حليل نزار اللي راضي يخليها تظل في الرياض وهو في جدة إلى أن تتخرج وبعدين تنتقل تعيش معه . والله إنه رجال يسوى ، الله يتمم عليهم . ميشيل : يا سلام ؟ هذا هو المفروض أصلاً ، والا تبينه يمنعها تكمل دراستها والا يغصبها تكمل عنده بجدة ؟ هذي حياتها وهي حرة فيها مثل ما هو حر بحياته . احنا مشكلتنا أننا نعطي الرجال أكبر من حجمهم ! لازم أول شي نفهم إن اللي يسوونه هذا هو الواجب والمنطقي ، وما تطير عيوننا إذا الواحد منهم سوا شي صح ! سديم : تراكم زهقتونا انتو الثنتين ، خلونا نتفرج على عدنان ولينا ذولي ! يا ربي مرة طالعين كيوت وهم يرقصون ! ياي !! شوفي كيف قاعد يناظرها ! عيونه تلمع ! شكله دمّع من الفرحة ! آه يا قلبي ! هذا الحب والأ بلاش ! قمرة : مسكينة تمار . ما تحسينها غيرانة من لميس عضانها تزوجت قبلها ؟ سديم : وليس تغار ؟ بكرة يجيها نصيبها ، إلا على فكرة ! ما لاحظتي إن الشباب الحجازيين في عروسهم يلامعون من النظافة ؟ وتلاقين السكسوكة ختم الجودة ، لازم كل العرسان تكون عندهم سكسوكة خفيفة نفس المقاس ، تقولين يروحون لنفس الحلاق ! ميشيل : هذولي يسوون تنظيف بشرة وحمام مغربي وتركي وفتلة ولقط وباديكير وأحياناً واكسنق بعد ، مهو مثل شباب الرياض اللي العريس ما تفرقينه عن باقي المعازيم إلا بلون البشت ! الله يفشلهم ! سديم : انا عادي ما تفرق معي إذا الواحد مرتب أو لا ، بالعكس أميل للمبهذل شوي، أحسه رجال وما عنده وقت للتكشخ والزكرته وحركات العيال الفاضين ! أم نوير : أمبيه ! الله يرحم أيام أول ! أيام ما كنتي تنهبلين على الريايل الحلوين ، حتى وليد ما كان مالي عينج ! سديم : عاد الشكوى لله . جاني بعده الشين اللي ملا عين عيني ! قمرة : أنا على العموم ما عندي مانع يجيني أياً كان ، يجي نظيف ، يجي وصخ ، يجي محرول بسم المهم أنه يجي ! أنا مستعدة أرضى بأي رجال ! مليت يا بنات !! طقت تسبدي ! ترى خلاص ! ترى خلاص ! ما باقي إلا شوي وانحرف ! عندما حان وقت رمي البوكيه ، اصطفت الشابات غير المتزوجات خلف العروس بانتظار معرفة من ستركب قطار الزواج الجميل بعدها . تزاحمت قريباتها وقريبات نزار مع زميلاتها في الكلية وصديقاتها من أيام المدرسة . وقفت معهن تماضر بعد إلحاح من والدتها ، ووقفت سديم وميشيل وقمرة التي شجعتها أم نوير على الوقوف من ضمن العازبات فوافقت بسرعة . أدارت لميس ظهرها للبنات بعد أن اتفقت مع صديقاتها الثلاث على أن تحاول إلقاء الباقة باتجاههن . ألقت الباقة عالياً في الهواء ، وتقافزت الفتيات لالتقاطها . بعد شد وجذب وركل وضرب ، حصلت قمرة على (ماتبقى) من الباقة من وريقات خضراء مربوطة بشريط من نفس قماش بدلة الزفاف ، رفعتها عالياً وهي تقهقه !
    يتبع






    رد مع اقتباس  

  6. #36  
    ( 43 )
    اليوم عاد : اليوم عاد كأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه ليقول لي إني رفيقة دربه وبأنني الحب الوحيد لديه حمل الزهور إلي ، كيف أرده وصباي مرسومٌ على شفتيه ما عدت أذكر والحرائق في دمي كيف التجأت إلى زنديه خبأت رأسي عنده وكأنني طفلٌ أعادوه إلى أبويه حتى فساتيني التي أهملتها فرحت به ، رقصت على قدميه سامحته وسألت عن أخباره وبكيت ساعات على كتفيه وبدون أن أدري ، تركت له يدي لتنام كالعصفور بين يديه ونسيت حقدي كله في لحظة من قال إني قد حقدت عليه ؟! كم قلت إني غير عائدة له ، ورجعت ! ما أحلى الرجوع إليه ! نزار قباني هابي نيو يير . لا أشعر بالرغبة في كتابة مقدمة هذا الأسبوع . أترككم مع الأحداث لتتكلم عن نفسها :

    ** عاد فراس !!!! انتزعت سديم ورقة التقويم الصغيرة لذلك اليوم الذي جاد به الزمان دون حسبان ، وأوسدتها دفترها السماوي بحنان ، وغطتها بصفحاته المشحونة بصورة ومقابلاته . عاد فارس بعد يومين فقط من كتابتها لتلك الرسالة التي لم تصل إليه . عاد بعد أقل من شهر من ابتعاده ، وبعد بضعة أيام عقد قرانه ، وقبل أسابيع قليلة من حفل زفافه ! كانت سديم حينها في مدينة الخبر ، وبعد أن قضت السهرة في حفلة زفاف إحدى قريباتها ، عادت إلى منزل خالتها بدرية . لم تكن قادرة على النوم في تلك الليلة . كان فراس معها . هواء الشرقية الذي يتنفسه يلوث رئتيها ، ومصابيح الشوارع التي تنير له طريقه تعمى ناظريها ، وكأن فراس قد فرش بشته الذي يظهر به في معظم الصور فوق مدينة الخبر ، فصار كل ما فهيا ملكاً له . كانت تتنهد بكآبة الساعة الرابعة فجراً عندما وصلتها رسالة على هاتفها الجوال الذي مات تقريباً منذ رحيل فراس : مازلت أعاني كثير بعد انسحابك من حياتي . اكتشفت إني راح أعاني لمدة طويلة طويلة جداً . صورك والرسايل كلها أحرقتها علشان تتطمنين . عورني قلبي وأنا أشوف النار تاكل ثروتي ، لكن ملامحك وصوتك وذكرياتك اللي بقلبي مستحيل أمحوهم . أنا ما قصدي بهالرسالة أننا نرجع لبعض وما أطلب إنك تردين علي . أنا بس بغيتك تعرفين وش صاير معي . أنا تعبان بدونك يا سديم . تعبان كثير . لم تستطع سديم قراءة الرسالة بوضوح لغزارة الدموع التي ملأت عينيها بمجرد قراءتها اسم الرسل الذي لم تتجرأ على محوه من جهازها : (فراسي تاج راسي) ! لم تشعر بنفسها وهي تتصل برقم الجوال المرسل . رد عليها فراسها ! فراس الحبيب والأخ والأب والصديق . لم يقل شيئاً ، لكن مجرد سماعها لأنفاسه تتردد على الطرف الآخر من الاتصال كافياً حتى تطلق العنان لدموعها وتبكي . بقي صامتاً لا يدري ما يقول ، وصوت محرك سيارته يخفي توتر أنفاسه ، بينما ظلت سديم تفرغ حقائب البكاء المنتفخة التي لديها وتعاتبه بدموع كوت صدرها لأسبابيع ، وظل هو يصغي لشهقائتها المتألمة والمتظلمة وهو يطبع على كبين الجوال الكثير والكثير من القبل . كالحلم جاء ، ودكت حصون المقاومة بسهولة غير متوقعة ، وكأن كلاً منهما كان بانتظار إشارة من الآخر حتى يعدو إليه ويرتمي بين أحضانه . لم يصدق عندما أخبرته بأنها في الخبر ! في منزل خالتها الذي يبعد كيلو مترات ضئيلة عن منزله ! ظل يحادثها عبر الجوال حتى وصل بسيارته إلى الحي الذي تقطنه ، لم يكن يعرف المنزل ، ولم يسألها . أخبرها فقط أنه أصبح أقرب لها مما تتصور ! كانت ليلة لا تُنسى ! عصافير تغرد في فجرهما السعيد ، وسيارة تجول أحد الأحياء في مدينة الخبر ، يقودها عاشق أضناه الشوق ، فراح يغني لسديمة : خذاني الشوق لعيونك وجيتك طرى لي شي ما عمره طرى لي على بالي ولا لحظة نسيتك أسولف فيك من حالي لحالي أنا وشلون أعيش إن ما لقيتك تذكرت الغياب وضاق بالي تعال وقلبي المشتاق بيتك فرشت الورد لقدومك يا غالي على كلمات أغنية نوال الكويتية ، جن العاشقان وانفجر صمام الوله . بعدما بدا لهما دهراً من الحرمان ، يمسك القدر بيد أحدهما ليقوده نحو الآخر بحنان أب عز عليه رؤية ابنه وابنته في هذا العذاب ، فبلغ به الكرم مبلغاً غير معهود ! اتجهت سديم نحو نافذتها المطلة على الشارع ، وراحت تصف لفراسها البيوت المحيطة ببيت خالتها الذي لا تعرف رقمه ولا موقعه بدقة . كانت لا تعرف سوى لون بابه البني وأن على جانبي بابه الكبير بعض الأشجار غير المشذبة . لمحت ضوء سيارته القادمة من بعيد ، فغاصت في بحر من اللذة . رآها من وراء نافذة حجرتها ، اشعر العسلي فوق الأكتاف والبشرة القشدية التي يحلم بتقبيلها . (أنتِ قشطة وعسل) كان يقول عندما يتأمل صورها . أوقف محرك سيارته أمام منزل الخالة ، غير بعيد عن نافذة سديم في الطابق الثاني رجته أن يبتعد بسيارته قبل أن يلمحه أحد الجيران ، لكنه راح يغازلها بأغنية أخرى لنبيل شعيل : اصبر دقيقة ودي فيك أتأمل ! الله حسيبك صاير أحلى من أول ! لكن عيونك هذي هي مثل ما أحب كل ما أستطيع قوله لكم ، أن صباح مدينة الخبر ذلك اليوم كان (غير شكل) !


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  7. #37  
    ( 45 )

    سديم والإدمان : أترى ستجمعنا الليالي كي نعود ونفترق أترى تضيء لنا الشموع ومن ضياها نحترق ؟ أخشى على الأمل الصغير بأن يموت ويختنق اليوم سرنا ننسج الأحاما وغداً سيتركنا الزمان حطاما وأعود بعدك للطريق لعلني أجد العزاء وأظل أجمع من خيوط الفجر أحلام المساء وأعود أذكر كيف كنا نلتقي والدرب يرقص كالصباح المشرق والعمر يمضي في هدوء الزنبق شيء إليك يشدني لا أدري ما هو منتهاه يوماً أراه نهايتي ، يوماً أريى فيه الحياة أه من الجرح الذي وماً ستؤلمني يداه آه من الأمل الذي ما زلت أحيا في صداه وغداً سيبلغ منتهاه الزهر يذبل في العيون والعمر يا دنياي تأكله السنون وغداً على نفس الطريق سنفترق ودموعنا الحيرى تثور وتختنق فشموعنا يوماً أضاءت دربنا وغداً مع الأشواق قيها نحترق فاروق جويدة يستغرب الأخ (ولد شيوخ) انتقادي للرجل الغيور ، ويقول مؤيداً أن من لا يغار ليس برجل . يضيف أنه من الطبيعي أن يختار الرجل من هي أدنى منه وإن كن جميع النساء أدنى من الرجال في نظره ، حتى يشعر بوجولته معها على حد تعبيره ، وإلا فما الذي يمنعه من أن يتزوج من رجل مثله ؟! لا تعليق
    ** سديم التي عادت إلى الرياض لم تكن ذات السديم التي تركتها إلى المنطقة الشرقية . لم تشك قمرة للحظة عندما زارتها بأن لفراس علاقة بالأمر ! العينان اللتان تشعان بهجة والوجنتان المتوردتان والابتسامة التي اختفت منذ فترة ثم عادت لترسم على الوجه ببلاهة دونما سبب ، إنما هي عوارض الحب المعروفة . لقد عاد فراس ، والمسألة واضحة كالشمس ! - ياما حبا ياما برك ! ما عندتس نص ونص يا سديم ! إما البوز شبرين وإلأ البسمة شاقة الوجه !! - لم تكن عودة سديم لفراس أو قبول عودته إليها مدروسة أو ذات ملامح واضحة . لم تكن تلك إحدى خطط سديم الذكية وإنما كانت من ارتجالات الحب المجنونة . اللذة التي غمرت كلاً منهما بعد عودتهما إلى بعضهما كانت أكبر من لسعة الذنب اللي يحسها هو بين الحين والآخر أو لسعة الكرامة التي تذكرها كل يوم بفعلته . لم تصل سعادة سديم على أقصاها إلى حد الغفران . كانت سعادة مشوبة بالقهر وحلاوة مغمسة بالمرارة . ما زال الشعور بالألم والخذلان قابعاً في أعماقها بانتظار أي لحظة للإعلان عن وجوده . كانت متأكدة من أنها لن تحصل من فراسها على الكثير ، وأ،ه بقبولها إياه حبيباً من جديد فإنها تتنازل عن شطر كبير من كرامتها واحترامها لنفسها ، إلا أنها آثرت لشدة تعلقها به وبعد إقناع بسيط منه ألا تفكر بالأمر ، حتى يحدث الله أمراً كان مفعولاً . لم يرد أي منهما أن يعشي الأيام المتبقية له (قبل الزفاف) بعيداً عن الآخر . كان الشعور أشبه باختلاس لحظات لذة أخيرة من حياة مريض ينتظر الموت بعد أيام قلائل. كان الاتفاق ينص ضمنياً على أن يظلا معاً حتى موعد الزفاف الكائن بعد أقل من شهرين . كان الاتفاق غريباً إلا أنهما بدءا بالمحاولة، محاولة يائسة للتثبت بالحب حتى موعد إعدامه . كان حبه الذي لم يهدأ يدفعه للاتصال بها بعد أن ينتهي من محادثة خطيبته ، وكان حبها له يدفعها لانتظاره حتى يفرغ من مغازلة خطيبته على الهاتف كل ليلة ليتفرغ لمغازلتها . كان يرفض الحديث عن خطيبته أمامها . رفض حتى مجرد الإعلان عن اسمها أو إعطاء أية معلومات عن شخصيتها ، كما رفض أن يعلم سديم بموعد الزفاف بدقة . كانت تثور عليه كل مرة ثم تهدأ بعد أن يسترضيها ، وهو البارع في استرضائها . كان يزور خطيبته التي أصبحت زوجته شرعاً بعد عقد القران مرة كل بضعة أيام ، وكانت سديم تكتشف ذلك رغم محاولاته إخفاءه عنها فتغادرها بقايا كرامة إلى غير رجعة. كثرت شجاراتهما واشتدت غيرة سديم من زوجة فراس المجهولة . لم يكن الوضع طبيعياً ، ولم تعد سديم قادرة على الاحتمال . فراس الذي كان يذيبها بحلاوة حديثه صار يلقي إليها بتعليقات سمجة ، وش فيك صايرة تزعلين بسرعة ؟ (أكيد انك في وقت معين من الشهر !) فراس الذي كانت تؤلمه الدمعة الواحدة من عين سديمة صار يستمع إليها كل ليلة وهي تنزف كبرياءها المجروح دموعاً على الهاتف فلا يتأثر . قال لها في إحدى المكالمات باستخفاف : - انتي ما شالله عليكي ما تخلص دموعك أبد ! دمعتك صارت جاهزة بأي دقيقة وعلى أي كلمة . كيف أصبح يحادثها بهذا الأسلوب ؟ هل استرخصها بعد عودتها إليه وقبولها لهذا الوضع الشاذ في العلاقة ؟ كيف انتهى بها الأمر لقبول هذا الوضع أصلاً ؟! كيف رضيت بأن يحبها فراس وهو مربتط بأخرى ؟ أن يطلب منها أن تبقى معه حتى يدخل بغيرها ؟!! ثارت عليه ذات ليلة بعد أن أخبرها أنه مقتنع تما الاقتناع بزوجته التي اختارها الأهل وأنها تمتلك جميع المواصفات التي طالما حلم بها ، وأنه لا ينقصها سوى أن يحبها كحبها إياها (سديم) ، وأن هذا الحب قد يأتي بعد أن يتزوجها كما حدث مع كل من استشارهم في الأمر . كلهم نصحوه بالابتعاد عن سديم واتخاذ الاختيار العقلاني والبعد عما يمليه القلب . قال لها أنها معذورة في عدم تفهمها لوضعه . فهي امرأة ، والمرأة لا تفكر بعقلها في مثل هذه الأمور وإنما بقلبها ! كان يردد لها كلام الأهل والأصدقاء الغارق في الجهل والخالي من أي تفهم لفطرة الإنسان التي تدفعه للحب . هل نرجو ممن لا يؤمن بالحب أن يؤمن بغيره من العواطف الإنسانية كالنبل وتحمل المسؤولية والإخلاص لمن قضى السنين في انتظار الزواج من الحبيب ؟ كان كل واحد من هؤلاء المفتين يستمع إلى فراس ثم يعطيه رأياً يحرص على ألا يكون مخالفاً لما يدور في عقله ، فكلهم يعلمون أن الرجل منهم لا يسأل ليستشير أو ليسمع رأياً مناقضاً لرأيه ، وإنما يسأل ليجد من يبدد مخاوفه ويحثه على المضي في ما عقد العزم عليه . بعضهم كان يندفع في محاولة إسعاد صديقه وطمأنته وتهدئة ضميره الخائف ، حتى بلغ بهم أن يحذروه من تلك الصبية التي أدارت عقله ومن شرها . - يحذرونك مني أنا ؟ انت مند جدك تتكلم ؟ ليش هم يعرفوني ؟ أنا اللي من نفسي قلت لك ما ابغي أعرفك من يوم تقدمت للبنت ! يجون ناس ما يدرون وش السالفة يحذرونك مني وتسمع لهم ؟! ما شالله من متى صرت تسمع لكل من هب ودب يجي يفتي لك بنصيحة زي وجهه ؟ والأ تحب تسمع انك منت غلطان وانك أحسن واحد وان البنت اللي تعرفها هي الغلطانة والمفروض إنك تتركها لا تسوي لك شي يا للي ما تستاهل إلا كل خير ! يا للي ما تستحي على وجهك !جاي تقول لي هالكلام بعد كل اللي سويته لك ؟ يا النذل يا الجبان ياللي ما تستاهل ! . انفصلت سديم عن فراس هذه المرة – بعد خمسة أيام من عودته إليها – غير مأسوفٍ عليه ، بعد أن أخبرته بصراحة عن رأيها فيه . كانت أول مرة ترفع فيها سديم صوتها على فراس ، وكانت طبعاً المرة الأولى والأخيرة التي تشتمه فيها في وجهه . لم تكن هناك دموع أو صيام عن الطعام أو أغاني حزينة هذه المرة ، فنهاية قصة الحب والحرمان كانت أسخف من المتوقع . اكتشفت سديم أن حبها لفراس وتعلقها به كان يفوق حبه لها بمراحل ، وجعلها ذلك تخجل من مجرد التفكير بقصة الحب الطويلة التي ظنت يوماً أنها ستكون من أروع قصص الحب في التاريخ ! كتبت في دفترها السماوي تلك الليلة السطور التالية : هل تستطيع المرأة أن تحب رجلاً فقدت احترامها له ؟ وكم من قصة حب غير قصتي انتهت في ليلة بعد أن عاشت لسنوات ، لأن الحبيب (طاح) من عين حبيبته ؟ الرجال لا يحبون دائماً من يحترمون ، والنساء بالعكس ، لا يحترمن إلا من أحببن! آخر رسائلي إلى فاء ، ماذا أقول عن أقوى الرجال إذا غدى طبلاً في يدي أبويه !؟ يعزفون عليه نشيد القبيلة وهو فارغٌ ! بعدما كان لديه الحب الذي لا يفرط فيه سوى جاحد ، لنعمة الله عليه يقول لي إني رجل ! والعقل ينصحني واستمعتُ إليه وأقول له إني امرأة ! حكمتُ قلبي ، واحتكمتُ إليه في ذلك اليوم ، شعرت سديم لأول مرة منذ أربع سنوات أنها لم تعد بحاجة إلى فراس كي تظل على قيد الحياة . لم يعد فراس الماء والهواء . لم يعد الحلم الوحيد والأمل الذي تعيش من أجله . كانت تلك أول ليلة منذ انفصالها عنه لا تصلي فيها من أجل عودته. لم تشعر بحزن في تلك الليلة لفراقها فراس وإنما بندم شديد على سنين أربع ضيعتها من عمرها سعياً وراء سراب اسمه الحب ! في آخر صفحة مكتوبة في الدفتر السماوي كانت هذه السطور : بغيت حبي لفراس يستمر بأي شكل ، ومع الأيام صار هذا الحب كل حياتي ، وصرت أخاف لو أنه راح منها ، إن حياتي تروح معاه . هذي كل السالفة . أدركت سديم أنها تتحمل جزءاً كبيراً من الذنب لأنها رفضت أن تتلقى رسائل فراس الخفية كما أسمتها لميس في يوم من الأيام . رفضت أن تفهم السبب الحقيقي وراء تهربه من الارتباط بها خلال كل تلك السنين التي عرفها فيها . أبت أن تسمح لقلبها بأن يستشعر ضعف حبه لها . امتنعت عن تصديق عقلها عندما حاول إقناعها بإرخاص فراسها لها واستعداده للتخلي عنها من أجل أسرته . ارتكبت غلطة المحب الكبرى وهي امتناع العقل والقلب عن استقبال أي رسالة غير مرغوب بها من الحبيب . شفيت سديم أخيراً من إدمانها للحب ، لكنها كانت تجربة قاسية جداً ، فقد على إثرها احترامها لجميع الرجال ، بداية بفراس ومن قبله وليد ، ودون انتهاء .



    يتبع






    رد مع اقتباس  

  8. #38  
    ( 46)


    والآن . هذا هو طارق العاشق : يا عين هلّي صافي الدمع هليه وإلى انتهى صافيه هاتي سريبه ويا عين شوفي زرع خلّك وراعيه شوفي معاويده وشوفي قليبه يا من له الخاطر شفوقٍ يراعيه اتبع هوانا وغيرنا وش تبي به اللي يدارينا ترانا نداريه واللي تنكر جعل ربي حسيبه اللي يبينا عيّت النفس تبغيه واللي نبيه عيّا البخت لا يجيبه نورة الهوشان ما زلت أشارككم أفراحكم وأعيادكم ، كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك . قد لا أشارككم عيدنا القادم ، ولكنني أمد تهنئتي لتغلف جميع أيامكم المستقبلية ، جعلها الله لكم ولي أياماً مليئة بالخير ، والصحة ، والأمان ، والحب .
    ** عندما انتقلت سديم للعيش في منزل خالتها بدرية ، كان طارق ابن خالتها الأكثر فرحاً بقدومها . عيّن نفسه مسؤولاً منذ اليوم الأول عن راحتها وقضاء حوائجها ، ولأنها لم تكن تطلب شيئاً فقد كان يحاول تقديم خدماته بشكل غير مباشر ، كأن يساعدها في حل مشاكلها المادية بإجراء اتصالات مع بعض أصدقائه من موظفي البنوك دون أن تدري . كان يحتفي بها كل ليلة فيجلب لها معه طلبها المفضل من برجر كنق ليتناولا عشاءهما معاً دون إخبار أخواته اللواتي ظللن يشكينه لوالدتهم باستمرار دون أن يكترث لأمرهن . كانت سديم تشعر باهتمام طارق بها لكنها لم تستطع التجاوب معه بالشكل الذي يتمناه أو الدرجة التي توازي اهتمامه ، قد يرجع ذلك لاضطرارها للعيش معه في نفس المنزل وشعورها الدائم بعدم الراحة أثناء وجوده وهو الذي لا يرفع عينيه من عليها طوال مدة وجودهما في مكان واحد! كان طارق يكبرها بعام . درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في الرياض عندما كان والده يعمل موظفاً في إحدى الوزارات ، وأتم المرحلة الثانوية في الخبر التي انتقلت إليها الأسرة بعد تقاعد الأب الذي أراد أن يصبح قريباً من إخوته في المنطقة الشرقية ، قم عاد طارق إلى الرياض مرة أخرى ليلتحق بكلية طب الأسنان بجامعة الملك سعود. لاحظت سديم إعجاب طارق المتزايد بها عندما كان يزورهم في المنزل في عطل نهاية الأسبوع التي لا يسافر فيها إلى أهله في المنطقة الشرقةي ، وذلك منذ أن كانت سديم في الصف الثالث الثانوي ، إلا أنها لم تعر ذلك اهتماماً ، فرغم أن طارق لطيف وحلو المعشر ، ويدللها كثيراً في كل مرة يأتي فيها لزيارتهم ، ويعيرها اهتماماً خاصاً في حديثه ونظراته ، إلا أنه لم يتمكن من تحريك قلبها ، فظلت تكن له مشاعر الأخوة التي لم تتبدل منذ أيام لهوهما معاً في طفولتهما في منزل جدهما بالرياض ، حبه البريء كان يلامس قلبها باستمرار لكنه يعجز عن اختراقه . وحدها قمرة كانت تعلم عن ابن الخالة العاشق الذي كانت تزهو به صديقتها أمامها، إلا أن سديم لم تأت على ذكره منذ خطبتها لوليد ، ومن ثم علاقتها الطويلة بفراس ، والتي تحاشت خلالها الاحتكاك بطارق . كان يأتي لزيارتهم فلا يجد سوى الأب في استقباله ، وبعد بضع مرات تكرر فيها غياب سديم بسبب الانشغال بالمذاكرة في الطابق العلوي ، انقطع طارق عن زيارتهم ، أما في المناسبات المعدودة التي تضطر سديم للسفر إلى الخبر من أجلها ، فصار طارق يتحاشى اللقاء بها ، وكانت سديم تقدر له ذلك . مشكلة طارق في نظرها كانت في تصرفاته الطفولية بعض الشيء . لم تكن تحب بساطته الزائدة وكانت تستغرب من إظهاره مشاعره نحوها بهذا الصدق وهذه الصراحة . كان طارق يبدو أمامها كطفل كبير بملامحه الطفولية التي تشبه ملامح جدتهما الشامية وجسمه المكتنز وابتسامته البريئة . لم يكن ذلك بالعيب الفعلي لكنه كان حاجزاً من الحواجز الكثيرة التي تفصلها عنه وتقلل من اقتناعها به كشاب يمكنها الارتباط به . فاتحها طارق في موضوع الارتباط ذات ليلة بعد أن خلد الجميع إلى النوم وبقيا هما في الصالة يتابعان فيلماً على إحدى القنوات الفضائية . بعد انتهاء الفيلم الذي لم يستوعب طارق منه شيئاً لانشغاله بما ينوي قوله ، التفت إليها هامساً باسمها الذي اعتاد أن يناديها به : - ديمي . - هلا . - بغيت أكلمك في موضوع بس متردد . - متردد ؟ ! ليه عسى ما شر ؟ - والله هو عندي خير بس مدري إنت وش بيكون رأيك فيه . - إن شاء الله خير . قول بس وخذ راحتك . ما بينّا رسميات . - أوكي بادخل في الموضوع على طول والله يقويني . ديمي ، حنا نعرف بعضنا من واحنا صغار . كنت أشوفك لما تزورينا كل عيد ، البنت المملوحة أم شعر ناعم وطوق مورّد ، اللي تلبس أحلى من كل البنات وما ترضى تلعب مع الأولاد . تذكرين كيف كنت أتضارب مع العيال إذا ضايقوك ؟ وكيف كنت إذا رحت البقالة ما آخذ معي من البنات غيرك عشان أشتري لك اللي تبين ؟ كنا صحيح صغار ، لكن والله اني كنت أحبك من ذيك الأيام ! بعد ما كبرنا شوي ، صرت أحب أسهر معك ومع خواتي كل ما جيتي تزورينا ، مع إني كنت الولد الوحيد بينكم وقتها . أدري إن شكلي كان غلط بس والله ما همني إلا إني أكون قريب منك في الساعات اللي تقضينها عندنا ! تصدقين ما كنت أجيب لخواتي آيس كريم إلا إن كنتي عندنا ؟ صاروا خواتي إذا بغوني أجيب لهم شي قالو لي ترى سديم جاية الليلة ! كان كل هذا وأنا عارف انك منتي حابتني مثل ما أحبك . يمكن مستلطفتني شوي ومبسوطة باهتمامي فيك ويحق لك طبعاً . كنت أقول لنفسي : معذورة ! وش تحب فيك ؟ لا وسامة ولا شهادة ولا فلوس ولا جسم ولا فيك أي شي يشدها ، غير حبك لها . يوم ما قبلوني بطب الأسنان عندكم طرت من الفرحة ! عارفة ليه ؟ أولاً لأني إذا صرت دكتور باكبر بعينك ، وثانياً لأني راح أسكن في الرياض محل مانتي ساكنة ، وباصير أزوركم واتلصق بأبوك عشان يعزمني كل يوم وأشوفك ! لما تقدم لك وليد ، حسيت ان كل شي انهار فجأ ! ما كنت قادر أتقدم لك قبلها لأني كنت توني داخل الجامعة ، أمي قالت لي إن أبوك مستحيل يرد ولد الشاري عشان يزوجك ولد خالتك البزر اللي ما كمل تعليمه وباصير أزوركم واتلصق بأبوك عشان يعزمني كل يوم وأشوفك ! لما تقدم لك وليد ، حسيت ان كل شي انهار فجأ ! ما كنت قادر أتقدم لك قبلها لأني كنت توني داخل الجامعة ، أمي قالت لي إن أبوك مستحيل يرد ولد الشاري عشان يزوجك ولد خالتك البزر اللي ما كمل تعليمه ! كانت فترة خطوبتك وملكتك أسوأ فترات حياتي ، حسيت فيها اني خسرت كل أحلامي . بعد ما انفصلتوا ضحكت لي الدنيا من جديد ! بغيت أفاتحك بسرعة بأني ناوي أتقدم لك لكن ما مداني ، لأنك سافرتي على طول على لندن . ملامح الدهشة على وجه سديم ، وطارق يتابع : - بعد ما رجعتِ من السفر لاحظت إنك صرت تتهربين مني كل ما جيت أزوركم ، ولا تردين على مكالماتي . أنا لما شفتك كذا قلت يا ولد البنت لا تحبك ولا هي طايقتك ! ابعد عنها وخلها في حالها . وفعلاً ابتعدت وتركتك ، لكن والله يشهد على كلامي إني ما نسيتك في يوم . كنتِ دايم على بالي وكنت انتظر النصيب يجمعنا في يوم من الأيام . بعد وفاة أبوك حسيت إني أبغي أوقف جنبك وماني قارد . كنت عارف إن أمي تبغي تجيبك عندنا لكنك مانتي موافقة . كان في شي بداخلي يقول لي إن السبب الحقيقي لرفضك هو أنا . يوم ماجيتي عندنا ، عاهدت نفسي إني ما راح أضايقك ، وراح أخدمك من بعيد لبعيد علشان ما تحسين إني أستغل وجودك في بيتي عشان أستميلك لناحيتي ، حتى أمي حرّصتها إنها ما تكلمك بخصوصي مع إنها عارفة وش كثر أحبك وودها تخطبك لي اليوم قبل بكرة ، لكن أنا كنت أبغي أتأكد من موافقتكم أول عشان لا أحرجها قدامك ولا أحرجك قدامها . والحين ، مرت علينا سنة ونص واحنا مع بعض . أنا تخرجت مثل مانتي عارفة وخلصت سنة التطبيق ومقدم أوراقي وبانتظار الوظيفة أو البعثة . بصراحة الجامعة عارضين علي وظيفة معيد في أحد الأقسام لكن المشكلة إني إذا وافقت راح أبتعث للخارج خلال أشهر ، وأنا ما أقدر أسافر إلا بعد ما أعرف وش مصيري معك . لو كان بينا نصيب فلازم آخذ موافقتك في مسألة السفر هذه خصوصاً وإنك تشتغلين هنا ومدري إذا ودك تتركين الشغل وتجين معي تكملين دراستك أو لأ . يعني إذا السفر ما يناسبك ممكن أتوظف أنا هنا بأي مستشفى وألغي فكرة السفر للخارج ، أما إذا ما كنتِ من نصيبي فراح أسافر وأتوكل على الله ، وبسفري ما راح تحسين بحرج لو رفضتيني ، لأني ما راح أرجع قبل أربع أو خمس سنين ، يمديكي فيها تكونين تزوجتي ابن الحلال اللي يرضيكي . يعني تأكدي إن طلبي هذا ما راح يأثر على حياتك في هذا البيت ولا على استقرارك ، والقرار في يدك ولك مطلق الحرية في الاختيار . تمكنت سديم من النطق أخيراً : - لكن يا طارق ! احنا صحيح قرايب ، بس عمرنا ما كنا قراب من بعض بالصورة اللي تخليني أعرف مثل هذا القرار . في أشياء كثيرة انت ما تعرفها عني ، وأنا في أشياء كثيرة ما أعرفها عنك . - سديم أنا حبك اللي في قلبي من الصغر مستحيل شي يغيره ، لكن انت طبعاً من حقك تتعرفين على مثل ما تبغين ، اسأليني كل الأسئلة اللي ودك تعرفين إجابتها وأنا حاضر . - وانت ما تبغي تعرف مثلاً سبب انفصالي عن وليد ؟ او سبب إهمالي لك طول هالسنين ؟ - سبب انفصالك عن وليد هو غباءه ! في أحد عاقل يضحي بسديم الحريملي مهما كانت الأسباب ؟! سديم أنا عارفك ، وعارف تربيتك والبيئة اللي طلعتي منها وهذا كفاية عشان أثق فيكِ . إذا بغيتي تقولي لي السبب فهذا من حقك لكن الطلب أبداً ما هو من حقي . انتِ ما كنتِ مُلزمة فيني في حياتك السابقة علشان أحاسبك أو أسألك عن أي شي صار فيها ، حتى السنين اللي تحاشيتيني فيها واللي حسيت خلالها إنك يمكن تكونين على علاقة بأحد ، حتى هذه السنين ما تعني لي شي . اللي يهمني هو حياتنا مع بعض بعد كذا إذا الله كتب . أنا عن نفسي مستعد أجلس معاكِ وأحكي لك عن كل شي صار بحياتي من وقت ولادتي إلى اليوم ! با قول لك بعد مين أحلى ، بنات الشرقية والأ بنات الرياض ! - يا سلام ! انت مجرب الصنفين ؟ - أي صنفين الله يهداكِ اللي يسمعك يقول حشيش ! كلهم كم بنت - رقمناهم حالنا حال الشباب والبتلشنا فيهم بعدين ، وإذا بغيتي الأرقام عطيتك إياهم! - لا مشكور . خلي الطابق مستور . المهم ، انت فاجئتني ، مثل ما يقولون في المسلسات المصرية ! اديني مهلة أفكر وأرد عليك . - أنا مسافر بكرة للرياض ، عندي مقابلات شخصية ، وباجلس هناك كم يوم علشان تفكرين براحتك .


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  9. #39  
    ( 47 )

    ذا بيست كلوجر إيفر! : انقر هنا للاستماع إلى الأغنية : ليش الحب الأول ما بيرضى يفارقنا بيرجع من الأول ع الماضي بفيقنا بيكبر مهما كبرنا ، بيرجعنا صغار بيصير يذكرنا ، ويرمينا بالنار وبنارو بيحرقنا ، بيحرقنا تا نكفي الطريق نقينا أحباب والحب العتيق واقف خلف الباب بعدو طفل صغير ، بياخدنا مشاوير بنهرب وبيلحقنا ، بيلحقنا ليش الحب الأول ما بيرضى يفارقنا جوليا بطرس اقتربت القصة من نهايتها ، وصديقاتي ما زلن شمعات تشعلهن الحياة لينصهرن حباً وعطاءً . أمسكت بأيديكم أعزائي القراء لآخذكم في رحلة أسبوعية بين هذه الشموع العطرية . أردت منكم أن تشموا عبيرها بأنفسكم وأن تمدوا أياديكم لتلتقطوا بعضاً من القطرات الذاتية لتشعروا بحرارتها وتتفاعلوا مع عذاباتها وحرائقها . أطبع قبلة على جبين كل شمعة اشتعلت فأضاءت لغيرها درباً أقل ظلاماً ، وأقل ضيقاً وأقل وعورة .

    ** لم تدر ميشيل عند استيقاظها من النوم بعد أول ليلة تمضيها في الرياض منذ أكثر من عامين للاحتفال مع صديقاتها بتخرجها أنها أتت في الوقت المناسب تماماً لتشهد حدثاً مهماً ، مهماً جداً من أحداث حياتها المتعاكسة ! بدأ يومها باتصال مفاجئ من لميس ! أجبرتها على أن تتجه إلى الحمام وترش وجهها بقليل من الماء البارد حتى تتمكن من استيعاب ما ستخبرها إياه ! - وتس رونق ؟ ليه مصحيتني من بدري كذا ! ؟ - ميشيل ، اليوم زواج فيصل . - . ( صمت على الطرف الآخر ) - ألو ميشيل ! انتِ معي ؟ - آم هير - آر يو أوكي ؟ - وات فيصل ؟ ماي فيصل ؟ - إيوه يا بنتي فيصل زفت الطين ما غيرو ! - هو تولد يو ؟ - جايتك المصيبة التانية ، نزار يصير صاحب أخو العروسة ! - نزار زوجك ! يعرف أخو عروسة فيصل ! ليش ما قلتي لي من أول !! - إش بك انتي اتجنيتي ؟! والله ما دريت عنهم إلا اليوم ! أنا جيت للرياض أمس على أساس أني راح أحضر جواز أخت صاحب نزار . كنت متحمسة أجي علشان أشوفك بالمرة . نزار قال لي عن العرس من أسبوع بس دوبهم يرسلولي كرت الدعوة ، ولما فتحتو ، عنيّا كانت حتطلع من مكانها ! قريب اسم العريس مية مرة علشان أتأكد إنو هوا اللي في بالي . - . متى خطبها ؟ - والله ما أعرف ، وللأسف ما أقدر أسأل نزار عن حاجة زي كده لأنو الولد مش صاحبو مرة . مجرد زملاء . شكلهم كان عندهم كروت زايدة فعزموني ، فما أتوقع إنو نزار يعرف أي تفاصيل عن العروسة . - مين حيا خذ ؟ - واحدة عيلتها بالمرة عادية ! شكلها أي كلام ! - لميس . - إيوه حياتي . - أبغي تدبرين لي كرت أجي معك . - تمزحي ! معقولة تحضري جواز فيصل ! ؟ - ما عليك مني . أقدر أحضر زواجه وزاج أبوه بعد ! - يا حبيبتي أنا خايفة عليكِ . ما لو داعي تروحي تنكدي على نفسك ! - ما حنكد على نفسي ، بالعكس ، حاعطي نفسي ذا بيست كلوجر إيفر! أقنعت لميس زوجها بأن صداعاً يفتت رأسها ويمنعها من الذهاب إلى العرس ، وأخبرته بطاقة لميشيل لتذهب بدلاً منها . راحت ميشيل تقلب بين يديها بطاقة الدعوة بينما كان يدا مصففة الشعر تعملان في شعرها : زفاف الإبنة شيخة إلى الابن فيصل (هذي آخرتك يا فيصل ؟ شيخة !). وضعت مكياجها بنفسها وارتدت ثوباً ملوناً بألوان كثيرة من تصميم روبيرتو كافالي، ينساب مع خطوط جسمها مبرزاً أنوثتها بشكل رائع . وقفت عند مدخل القاعة ، تتأمل صور العروسة والعريس التي تزين طاولة عند المدخل . تفحصت شكله إلى جانب عروسه بعين الرضا . لم يكن فيها أي من الملامح التي تعبجبه ! كانت ضخمة البنية وهو الذي يعشق البنت (البتيت) ! لم يكن شعرها أسوداً كما يفضل وإنما مصبوغاً بألوان مختلفة حتى بدا ككرة الديسكو التي تعكس مربعاتها الصغيرة جميع ألوان الطيف ! شفتاها ضخمتان ! أين هما من شفتي ميشيل التي تنام إحداهما برقة فوق الأخرى البارزة بإغراء ونعومة ؟ سلمت على أمه التي ميزتها عن بقية النساء بعد مناداة إحدى المهنئات لها بأم العريس . تقدمت وباركت لها زواج ابنها وهي تشم رائحة فيصل فيها . استخذت لها مقعداً قريباً من مدخل العروسين ، على طرف القاعة المقابل للمنصة أو الكوشة . حرصت على اختيار المكان بدقة ، فهي بصدد مهمة خطيرة ومصيرية هذه الليلة ! راحت تقلب ناظريها بين أخواته وهي تضع اسماً من الأسماء التي علمها إياها لكل واحدة منهن ، فهذه تبدوا أكبرهن سناً ، لا بد وأنها نورة ، وهذه من المؤكد أنها سارة السليطة اللسان وتلك الصغيرة نجود أملحهن كما كان يصفها ، وهذه أمه من جديد. هذه المرة عندما لمحتها من بعيد ، تذكرت جبروتها وانكسار ابنها أمامها . توقعت من نفسها أن تكرهها ، أن تدعو عليها ، لكنها وجدت نفسها تحترمها بقدر ما تحتقر ابنها الضعيف . لاحظت أن أم فيصل تتفحصها من بعيد بإعجاب ، فتخسلت لو أنها تخطبها لابنها الأصغر من فيصل أو لابن خاله أو خالته ! كان الخيال ممتعاً في التعقيد و(اللعبكة)! ومثيراً للشفقة والسخرية في آنٍ واحد . كانت ميشيل قد قررت أن تعلن اليوم انتصارها على الرجال كافة ، وأن تتخلص مما بقي بداخلها من فيصل . وجدت نفسها تتجه إلى الممر الطويل لترقص . كان المرة الأولى التي ترقص فيها رقصاً خليجياً ، رقصت في يوم زفاف حبيبها الأول على عروس غيرها . لم يكن الأمر بالصعوبة التي تخيلتها. شعرت بأنها قد عاشت هذه اللحظات في خيالها مراراً وتكراراً ، شيء أشبه بالديجافو . بدت منطلقة وسعيدة ! رقصت وغنت في تلك الليلة وكأنها الوحيدة في تلك القاعة . إنه احتفال خاص بها للاعتراف بنجاحها وصمودها ، احتفال بتحررها من أن تصبح عبدة للتقاليد كبقية النساء التعيسات اللواتي تغص بهن القاعة . اليوم له يومين ما مر عليّه ومنين أجيبه منين ؟ يصعب عليّه يمكن منعوه هله . يمكن منعوه هله تأخر علي يا ناس مو هذا طبعه بالي عليه مشغول منهو اللي يمنعه ؟ يمكن منعوه هله . يمكن منعوه هله . تردد ميشيل الأغنية العراقية مع الطقاقة بحبور (يمكن منعوه هله! يمكن منعوه هله!) كانت تظنها (من عوهله) قبل أن يصحح لها فيصل الخطأ المضحك وهو يسألها أين تقع عوهله بالضبط ! تتخيل فيصل في سريره الليلة مع العروس وهو يحاول النهوض للقاء حبيبته ميشيل بينما شيخة جائمة فوق صدره بجسمها الضخم وشحومها المتكدسة مانعة إياه من الحراك والتنفس ، فترقص على (منعوه هله) وهي تبتسم للمشهد الكوميدي الذي يفترش خيالها! أطفئت الأنوار في سائر أنحاء القاعة ، وأنير ضوء قوي باتجاه المدخل ، الذي عبرته العروس باتجاه منصتها وهي توزع الابتسامات على سائر المدعوات ، حتى حبيبة عريسها ، التي ظلت تتابعها بهدوء من مكان قريب ، وقد أقعمت بالثقة حال رؤيتها لجسم العروس الضخم المحشور في ثوب الزفاف الضيق بشكل قبيح ، وطرحتها المزينة بنجوم من الكريستال حتى بدت وكأنها رائد فضاء قد علقت بثيابه بعض النجيمات قبل عودته إلى سطح الأرض . عندما أعلن عن موعد دخول الرجال ، خطرت في ذهن ميشيل فكرة جهنمية قامت بتنفيذها بسرعة . أرسلت رسالة قصيرة من هاتفها الجوال إلى هاتف فيصل تقول له فيها : مبروك يا عريس ! دونت بي شاي يالله ادخل . آيم ويتنق ! بعد رسالتها، تأخر دخول الرجال ما يقرب الساعة ! ضجت القاعة بهمهمات المدعوات ، والعروس المسكينة حائرة لا تدري أتنصرف أم تبقى بانتظار عريسها الذي أبى الدخول ؟ بعد ما بدا دهراً ، دخل العريس متوسطاً أباه وأبا العروس وإخوتها الثلاثة . دخل بسرعة خاطفة لم تسمح لأحد برؤيته . ابتسمت ميشيل من بعيد وهي ترى خطتها قد نجحت . بعد دقائق ، وبينما كانت المصورة منهمكة في التقاط صور العروس مع عريسها والعائلة فوق المنصة ، قامت ميشيل متجهة نحو مخرج القاعة تنوي الانصراف ، لكنها حرصت جيداً على أن يراها فيصل بكامل زينتها كما لم يرها من قبل ! تأملت لحيته التي غيرت من شكله المألوف لديها ، التفت نحوها بعينيه اللتين لم ينطفئ بريقهما وكأنه يرجوها بهما أن تبتعد ! رفعت له أحد حاجبيها تحدياً دون أن تكترث لأي من النساء الحاضرات وظلت واقفة مكانها أمام مدخل القاعة وهي تلعب بخصلات شعرها القصير وكأنها تغيظه قبل أن تشيح بوجهها عنه بتقزز وهي تشقق طريقها نحو الخارج . بعدما ركبت السيارة خلف سائقها الحبشي ، لم تستطع كتمان ضحكتها وهي تتخيل كيف ستمر ليلة الدخلة على فيصل بعد أن رآها في عرسه ! ستكون ليلة منيلة بستين نيلة كما تقول لميس ! وهذا هو المطلوب . تنبهت بعد وصولها إلى المنزل إلى كون هذا العرس الأول منذ انفصالها على فيصل الذي لا تدمع عيناها فيه بعد رؤية العروس سعيدة مع عريسها على الكوشة . عرفت ميشيل الآن أن كثيراً من هؤلاء الأزواج يخفون تحت ابتساماتهم قلوباً دامية ونفوساً مغبون حقها في اختيار شريك الحياة . لو أنها ستبكي الليلة ، فبكاؤها حتماً سيكون على عروس مسكينة ، ستجمعها الظروف ليلتها وبقية لياليها مع رجل مجبر على الزواج منها ، بينما قلبه وعقله مع تلك الأخرى التي رقصت في عرسه ، والتي تُعتبر المقارنة بينها وبين زوجته الجديدة مجحفة حقاً بحق الأخيرة ، ومحبطة !


    يتبع






    رد مع اقتباس  

  10. #40  
    ( 48 )
    The' Getting over them' phase المرأة أشبه بكيس الشاي ، لا تُعرف قوته حتى يُرمى به في الماء الساخن ! إليانور روزفلت بربكم ألم تملوا مني بعد سنة من الإيميلات ؟ أنا نفسي مللت مني .

    ** قرأت سديم في أحد الأيام خبر تهنئة للدكتور فراس الشرقاوي في صفحة أخبار المجتمع بمناسبة ولادة ابنه الأول ريان . لم يكن قد مضى على رحيل فراس آنذاك سوى خمسة عشر شهراً . حاولت سديم أن تقارن بين علاقتها بفراس على مدى أربع سنوات تقريباً وبين خطوبةٍ وقرانٍ وزفافٍ وحملٍ وولادةٍ في غضون خمسة عشر شهراً . تأكدت حينها بأن فراس لم يكن بالقدر الذي تخيلته من التمير والتفرد ، وإنما هو مجرد (صبي) عادي مثل وليد وفيصل وراشد وغيرهم من الصبية الذين يوجدون في كل مكان ، وأن ادعاءاته القديمة بتمسكه بشروط تعجيزية يجب أن تنطبق على شريكة حياته ليس إلا استعراض لعضلات ضامرة أو غير موجودة أصلاً ! كانت سديم في الرياض بانتظار الاحتفال بتخرج ميشيل ولميس حينما زارتها ميشيل في منزل أبيها وراحت كل واحدة منهما تشكو للأخرى هموم الحب الضائع . - سديم : انتي بتاخذين واحد يدعس عليك ومع ذلك تركضين وراه ! عارفة انتي أيش مشكلتك ؟ مشكلتك إنك إذا حبيتي يو لوز يور مايند ! تسمحين للي تحبينه إنه يهينك وتفوّتين له ، لا وتقولين له آي لايك إت بيبي قيف مي مور ! وهاذي هي الحقيقة مع الأسف ، وإلا ما كنت بقيت مع فراس كل هالسنين وانتِ عارفة إن ما عنده نية يرتبط فيك . أصبح الجميع قساة في أحكامهم عليها ، والكل يلومها على شيء لا تدري كنه ، لكنها فهمت بعد فترة ليست بالقصيرة أنهم لا يلومونها على فشل علاقتها بفراس ، وإنما يلومونها على خوض علاقة محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ . تعرف سديم أن ما من صديقاتها واحدة كانت متأكدة من أن علاقتها بفراس ستفشل ، كن متفائلات مثلها ! لكن الكل الآن بطبيعة الحال يدعي أنه أبو العُرّيف ، وليس أمامها هي إلا الصمت خصوصاً عندما يأتيها اللمز من ميشيل ، التي مرت بظروف مشابهة لظروفها قبل سنوات واتخذت قراراً صارماً في حينها بالابتعاد عن فيصل بمجرد إطلاعه إياها على موقف والديه من ارتباطه بها ، نائية بنفسها عن التعقيدات التي خاضت فيها سديم حتى غرقت علاقتها بفراس في بحر من التوتر والإحراج والتسول العاطفي ! تمنت لو أن فراس أثبت تفوقه على فيصل السلبي . أرادت أن تثبت لميشيل أنها أخطأت بتخليها عن فيصل ، وأنها هي التي ظلت مؤمنة بقوة الحب ومتمسكة بقناعتها في حقها في الزواج ممن تحب ، هي من ستكون الأذكى والأنجح والأسعد. هي التي رفضت التضحية بحبها ، فوجئت بأن حبيبها ضحى بها وبحبها في نهاية الأمر ، خذلها كما خذل فيصل ميشيل من قبلها ، لكن بعد أن علق في جيدها قلادة الأمل ولقنها أنشودة الكفاح والصمود التي ظلت ترددها لسنوات ، حتى بعد أن كف هو عن ترديدها . - يا حظك يا ميشيل ، ما تحتاجين تشوفين كل يوم صورة أو تقرين خبر في جريدة عن اللي كنتي تحبينه . هذا الشي يتلف الأعصاب ! أسوأ شي فعلاً إن الواحدة تحب واحد مشهور ، لأنها مهما حاولت تنساه ، الدنيا كلها بتحاول تذكرها فيه ! عارفة وش أتمنى أحياناً يا ميشيل ؟ أتمنى لو إني كنت أنا الرجال في هالعلاقة ، كان والله ما تخليت عن فراس !! - شفتي انك ما خسرتي رجال ؟ كانت تعليقات صديقاتها تزيد من كرهها لفراس وحقدها عليه وتمحو رصيده الطيب في قلبها . هل يشعر هذا الأناني بكل الاضطهاد الذي يمارسه المجتمع في حقها بعد أن اضطهدها هو -0 حبيبها – ورحل ؟! يا سديم أنا ما تخليت عن فيصل لأني ما كنت صادقة في حبه مثل ما تتصورين. أنا كنت أموت بفيصل ، لكن المجتمع هنا كان كله ضده وضدي ! أنا عندي ثقة تامة بنفسي وإني أقدر أواجه الصعوبات اللي بتوقف في طريقي لكن الصراحة ما عندي نفس الثقة في فيصل ولا في أي أحد ينتمي لهالمجتمع المريض . علشان علاقتنا تنجح كنت محتاجة قوة وصمود مننا احنا الاثنين . عمري ما كنت حاقدر أنجّح علاقتنا لحالي ، ومع أن فيصل ظل يلاحقني وتتبع أخباري وكانت توصلني منه كل فترة إيميلات ورسايل على الجوائل يترجاني فيها إني أرجع له ، لكني كنت عارفة إن هذا مجرد ضعفه اللي يتكلم ، وإنه ما جاب شي جديد ولا طلع بحل لمشكلتنا ، عشان كذا ظليت أرفضه وأمتنع عن الانقياد لضعفه وعاطفتي . كان لازم أحدنا يكون طرف قوي في العلاقة ، وأن اخترت أكون هذا الشخص ! تأكدي يا سديم إن فراس وفيصل رغم الفارق الكبير في السن بينهم لكن اثنينهم من طينة واحدة ، سلبية وضعف واتباع للعادات والتقاليد المتخلفة حتى إن استنكرتها عقولهم المتنورة ! هاذي هي الطينة اللي خُلق منها شباب هذا المجتمع للأسف . هذولي مجرد أحجار شطرنج يحركها أهاليهم ، ويفوز في اللعبة اللي أهله أقوى ! أنا كان ممكن أتحدى كل العالم لو كان حبيبي من غير هذا المجتمع الفاسد اللي يربي أبناءه على الكونترادكشنز والدوبل ستاندردز ، التناقضات وازدواجية المعايير مثل ما يقولون . المجتمع اللي يطلق فيه الواحد زوجته لأنها ما تجاوبت معه بالشكل اللي يثيره في الفراش بينما يطلق الثاني زوجته لأنها ما أخفت عنه تجاوبها معه وما تصنعت البراءة والاشمئزاز ! - من اللي قال لك هالكلام ؟!! قمرة ؟ - إنتِ عارفة يا سديم إني آخر واحدة ممكن تفكر تتكلم عنك أو عنها ، فلا تخافين مني لأني ما تربيت في هذا المجتمع اللي ما وراه غير قالت وسوّت وشالت وحطت. - لو كان كلامك صحيح ، وإن رفضك متعلق بس بشبابنا أجل ليه ما تحديت الكل وتزوجت ماتي أو حمدان ؟ - السبب بسيط ، وهو إن اللي يجرب الحب ، ويعرف لأي مدى يقدر يوصل فيه ، ما يقدر بعد كذا يرضى بحب (أي كلام) أو (تمشية حال) ناو آي كانت سيتل فور لي . أنا حبي لفيصل كان هو حب حياتي ، واللي بعده ما حد من الرجال قدر يوصلني لربعه علشان أتحمس وأوافق إني أرتبط فيه . شوفي ، مع إني طردته من حياتي نهائياً ، إلا أنه ما زال قائم في ذهني كتمثال أقيس عليه الآخرين من بعده ، وللأسف ، كلهم يخسرون في هالمقارنة ، وأنا الخسرانة طبعاً قبل كل شيء . - أنا كنت أبغي النمبر ون يا ميشيل . كنت أشوف إني ما أستاهل أقل من فراس ، لكن ماي نمبر ون رضى بأقل مني ، وعشان كذا أنا مضطرة إني أرضى بأقل منه. - أنا أختلف معك في ذي يا سديم . أنا راح ماي نمبر ون ، لكن بيجيني اللي أحسن منه ، وعمري ما راح أرضى بالفتافيت !


    يتبع






    رد مع اقتباس  

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رواية بنات أفكاري
    بواسطة إلميآسـه في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 51
    آخر مشاركة: 17-Dec-2012, 08:44 PM
  2. هذه حقيقة (بنات الرياض )
    بواسطة شوشو الحللوه في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-Jan-2007, 05:38 PM
  3. بنات الرياض الروايه كامله هنا !
    بواسطة Maks في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 25-Dec-2006, 01:01 AM
  4. رواية بنات الرياض قبل التعديل والنشر
    بواسطة تكحل بدمي في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 07-May-2006, 10:40 AM
  5. بنات الرياض .لرجاء الصانع
    بواسطة جرح الزمن في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Mar-2006, 11:06 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •