الفصل الثاني عشر
زوجي الغامض
فتحت نانسي عينيها بخمول ثم توترت مرة واحدة عندما احست بانها لم تعد وحيدة في الغرفة انتفضت جالسة وهي تنظر إلى محمود الذي كان جالسا على الأريكة يراقبها اضطربت وهي تلاحظ نظراته الثاقبة فامتدت يدها لا إراديا لتتأكد من إحكام إغلاق أزرارها التقطت عيناه على الفور حركنها هذه ولكن تعابير وجهه بقيت هادئة وهو يقول :- أرجو أن تكوني أفضل حالا الآن
مررت يدها عبر شعرها الفوضوي محاولة ترتيبه قائلة باضطراب :- ما كان عليك تركي نائمة كل هذا الوقت
:- كان التعب واضحا عليك فلم أشأ إزعاجك
اعتدلت في جلستها بارتباك إنها المرة الأولى التي يراها فيها مستيقظة من النوم فاقدة لكل دفاعاتها وعاجزة عن الكلام قال بهدوء :- آسف لأنني لم أكن موجودا لاستقبالك فقد اضطررت للذهاب إلى الجامعة لأمر طارئ عرفت بأنك قد قابلت العمة منار وريم
قالت ساخرة :- قابلتهما بالتأكيد ولأكن صادقة معك لم يبدو عليهما السرور للقائي
عقد حاجبيه وكأن طريقة كلامها لم تعجبه فقال :- لقد كانتا متفاجئتين فلم يعلم أحد بزواجنا قبل الأمس
قالت بحيرة :- ولماذا أخفيت زواجنا عن عائلتك ؟ ألم تخبرني بأن عمك هو بمثابة والدك ؟
قال باقتضاب :- هو كذلك ولكن زواجي أمر يخصني وحدي وأنا لست بحاجة كي آخذ إذنا من أي أحد لأتزوج
حاولت أن تستوعب الأمر فلم تستطع ففكرت بأن محمود قد خمن بأن عائلته لن توافق على زواجه منها هي ففضل مفاجئتهم طرحت أخيرا السؤال الذي أقلقها كثيرا :- لماذا لم تخبرني بأنك تعيش مع عائلة عمك ؟
قال ببرود :- أنا لا أعيش مع عمي بل عمي هو من يعيش معي
ثم فسر قائلا :- لقد بنى والدي هذا المنزل قبل وفاته بسنوات لقد كان منزل أحلام والدتي وقد بنياه معا اختارا كل حجر بني به وعندما توفيا ما كان من الممكن لمراهق في الثامنة عشرة بأن يعيش وحده في مكان كهذا فانتقل عمي مع عائلته للإقامة معي وحتى الآن هم عائلتي الوحيدة وهو سيبقى دائما بمثابة الأب لي
ساد صمت ثقيل لاحظت نانسي خلاله شيء من القسوة يسكن داخل عيني محمود هل سيأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه محمود عن غموضه لها
قال فجأة :- هل قابلت جدتي ؟ والدة أمي ؟
قالت بدهشة :- جدتك ؟
قال باستهزاء :- أتصور بأن زوجة عمي لم تحاول حتى الإشارة إليها أحيانا ينسى سكان البيت وجودها بسبب اعتزالها عن الجميع في غرفتها سأعرفك إليها بعد الغداء هيا بنا الجميع في انتظارنا لنأكل معا
قالت باضطراب :- سأبدل ملابسي أولا ثم أوافيك
نهض قائلا :- سأسبقك إذن إلى الأسفل لا تتأخري
تركها مغادرا الغرفة فزفرت بقوة وهي تشعر بأعصابها المشدودة ترتخي إن وجوده معها في مكان واحد يسبب لها اضطرابا كبيرا ويختل توازنها فلا تكون أبدا نانسي بل شخص آخر وكأنه يسلب بسلطته بقايا كيانها القديم ويصنع منها شخصا آخر لا تحبه لم تعجبها أفكارها هذه وقررت بأنها إن كانت ستسايره فإنها أبدا لن تكون طوع بنانه
قامت لتبدل ملابسها حريصة على أن تكون في أبهى طلة على الأقل ليختفي الضعف المفاجئ الذي لم تعرف قبلا بوجوده ارتدت فستانا بسيطا انما أنيق يجمع بين اللون الأسود والرمادي فلم يحن بعد وقت التخلي عن اللون الأسود وضعت بعض الزينة الخفيفة على وجهها وصففت شعرها ثم نزلت
كان الكل في انتظارها حتى لينا التي فوجئت بها نانسي تتحدث بانهماك مع شاب صغير لم يتجاوز الثامنة عشرة قدم نفسه على أنه فراس شقيق ريم الأصغر كان يشبه ريم كثيرا باستثناء قامته الكطويلة والنحيلة قام رجل مسن يحييها ببشاشة فأدركت بأنه عم محمود قال لها :- يمكنك مناداتي بالعم طلال
ابتسمت بدبلوماسية وهي تقول :- سأفعل بالتأكيد
كان السيد طلال رجلا بشوشا ومرحا استمر طوال فترة تناولهم الغداء حول المائدة الطوية في غرفة الطعام في توجيه الكلام إليها ورواية المواقف الطريفة التي حدثت معه حتى أنه أضحك نانسي أكثر من مرة بالرغم من هذا كان هناك بريق أخافها في عينيه عندما كان ينظر إليها متفحصا في غفلة منها لم تفهمه جيدا أو تدرك معناه ثم قررت بأنها تتوهم بالتأكيد فالسيد طلال كان الشخص الوحيد المرحب بها في هذا المكان بعكس زوجته المتحفظة بغرور وابنته التي لم تتوقف عن تزجيه نظرات الحقد إليها
قال محمود بعد الغداء :- أستأذنكم جميعا سأخذ نانسي لأعرفها إلى جدتي
اصطحبها إلى الطابق الثالث فقالت :- ظننت بأنني سأقابلها أثناء الغداء
قال بهدوء :- أخبرتك بأنها لا تخرج أبدا من جناحها
لم تسأله عن السبب وهو ما عرفته بنفسها فور أن فتح لها أحد الأبواب ودعاها إلى الدخول لترى امرأة مسنة ااغاية تجلس على فراشها بينما تقوم ممرضة خاصة بمساعدتها في الأكل بنظرة واحدة عرفت نانسي بأن هذه المرأة عمياء
شعرت الجدة بهما فقالت بحنان :- أهو أنت يا محمود ؟ ادخل يا حبيبي
قال :- لست وحيدا يا جدتي
رفعت المرأة حاجبيها الأبيضين وهي تقول :- أهي هنا معك ؟ اقتربي يا عزيزتي واجلسي إلى جانبي . لا يمكن أن تتخيلي سعادتي بزواج محمود أخيرا لقد حان الوقت ليستقر ويكون عائلته الخاصة
جلست نانسي على مقعد قريب من السرير وهي تتأمل وجه المرأة الذي كسته التجاعيد وشعرها الفضي الناعم الذي تربطه خلف رأسها وأطلت من عينيها الباهتتين نظرة حنون قالت :- اسمك نانسي إنه اسم غريب
وضحت نانسي بحرج :- لقد اختارته لي أمي فقد ولدت أمها في مدينة نانسي الفرنسية ولم تتوقف طوال حياتها عن الحديث عن طفولتها هناك فأطلقت أمي علي الإسم إكراما لوالدتها التي لم يكن قد مضى على وفاتها أشهر عندما ولدت
ابتسمت الجدة قائلة :- لقد حدثني عنك محمود كثيرا ووصفك لي بشكل جعلني واثقة بأنك بارعة الجمال
تمتمت نانسي :- لست جميلة إلى هذا الحد
لطالما كانت نانسي واثقة من جمالها المميز ولكنها الآن بعد كل مصابها لم تعد واثقة بأنها تحلت يوما بأي جمال داخلي
:- أنت طالبة لدى محمود كم هذا مثير للخيال أن يقع حفيدي في حب تلميذته كيف وقعتما في الحب هل تستطيعين إخباري ؟
احر وجهها وهي تلاحظ محمود الذي انتظر إجابتها دون أن يحاول إنقاذها فقالت بارتباك :- حسنا لقد بدأ الأمر بشجار
بدت الدهشة على وجه الجدة وهي تردد :- شجار !
قالت نانسي بحرج :- كنت أنا تلميذة مغرورة وكان هو أسيتاذا متعجرفا وكان من الطبيعي أن نتشاجر
ابتسمت الجدة برقة :- فهمت الآن لقد حدث الشيء نفسه مع والدي محمود ابنتي كانت طبيبة ماهرة وواثقة من نفسها وعادل والد محمود كان مريضا شقيا إذ كسر ساقه ذات مرة ودخل المشفى كانت ابنتي وفاء تعود بعد كل مراجعة له غاضبة وحانقة على المريض المدلل الذي لا يكف عن الانتقاد وبعد فترة دخلت إلى البيت بلا إنذار سعيدة ومشرقة وهي تخبرني بأن مريضها المشاكس قد خطبها
كرت سحابة حزن على وجه الجدة وهي تقول :- لقد كانت مليئة بالحيوية وعادل كان رجل أعمال عنيد أظن بأن محمود قد أخذ عن أبيه صلابته ومن أمه رقته وحنانه
ضحك محمود قائلا :- أحذرك بأن جدتي إن بدأت في تعداد مميزاتي فهي لن تتوقف قبل ساعات
ضحكت جدته قائلة :- لست بحاجة لأن أفعل من الواضح بأن نانسي تعرف جميع مزاياك ما دامت قد وقعت في حبك ألي كذلك يا عزيزتي ؟
ساد صمت طويل التقت خلاله عيناها بعيني محمود الذي نهض قائلا :- سأتركك قليلا مع نانسي يا جدتي هناك ما أرغب بمحادثة عمي به
غادر الغرفة تاركا نانسي في اضطراب تحاول جاهدة تهدئة دقات قلبها قالت الجدة بهدوء :- أعتقد بأنك قد قابلت منار زوجة عم محمود وابنتها ريم
:- نعم
قالت الجدة :- لا تهتمي في حال استقبلتاك ببرود فهما لم تتصورا أبدا أن محمود قد يتزوج بغير ريم
هكذا إذن نظرات ريم الحاقدة لم تكن بدون سبب لقد كانت مغرمة بالرجل الذي تزوج بها
قالت الجدة :- وماذا عن طلال ؟ كيف استقبلك ؟
:- لقد كان بشوشا ومرحبا
:- متأكدة بأنه قد انزعج كثيرا لأن محمود لم يخبره بزواجه فقد اعتاد بعد وفاة والدي محمود على أن يحاول إدارة حياة محمود بنفسه وعندما كبر محمود شجعه على أن يسلك طريق الدراسة والتعليم حتى يستمر هو في السيطرة على حياته وعلى أعمال أبيه على هواه ولكن محمود لم يكن ابن أبيه بدون فائدة لقد أصر على استلام جميع أعمال وأملاك والده حتى مع انشغاله بالتحصيل العلمي ثم عمله بالجامعة تمكن من فرض شخصيته سواء في العمل أو في هذا المنزل الذي ظنت السيدة منار بأنها سيدته حقا إنها صفعة قاسية أن يحضر محمود من تستلم هذه المكانة بعد والدته
قالت نانسي بقلق وقد وجدت في الجدة الطيبة صدرا واسعا تستطيع الثقة به :- في الواقع أنا لم أهيء نفسي لوضع كهذا فمحمود لم يتحدث كثيرا عن عائلته
:- لابد أنه لم يجد الوقت المناسب ليفعل لقد أخبرني بوفاة والديك وأقدر شعورك بالغربة والخوف من الفترة القادمة محمود سيوفر لك الأمان ويحميك أما عن عمه فمحمود يقدره ويحبه كوالده بالضبط لطالما كانت عائلة عمه عائلته أما الآن فلديه أنت
صمتت للحظات ثم قالت :- ما الذي أعجبك بولدي ؟ أعني ما الذي دفعك لحبه ؟
أجفلت نانسي لهذا السؤال بماذا تجيب ؟ لا يمكنها إخبارها بأنها لا تطيقه وأن شيئا لا يعجبها به ولمنها عادت وفكرت بأن هذا غير صحيح فقد سبق وكسب محمود احترامها بحزمه ووقوفه إلى جوار عائلتها تمتمت :- هناك الكثير مما فيه يحيرني ويثير الاضطراب في نفسي ربما هذا التناقض في شخصيته أحيانا هو قاسي وصارم وأحبانا يكون حنونا ومهتما
بدا على الجدة أنها تنتظر من نانسي أن تسترسل في الكلام فأكملت :- ربما وقاره وكبرياءه هما ما يجذبني غليه ربما لأنه الشخص الوحيد الذي لا أستطيع الاعتداد بنفسي أمامه
سهمت وقد نسيت وجود المرأة أمامها وهي تقول مفكرة :- إنه لطيف مع أختي وكان عطوفا مع والدتي كان نبلا منه أن يمنح أشخاصا لا يهمونه بعضا من وقته ويشعرهم بأنه واحد منهم
قالت الجدة بحنان :- كيف لا يهمونه إذا كنت أنت منهم ؟
ابتسمت نانسي بضعف دون أن تجيب فسألتها الجدة فجأة :- هل هو وسيم ؟
دهشت نانسي وسألت :- ماذا ؟
أوضحت الجدة بهدوء :- لقد فقدت بصري منذ عشر سنوات . لا يمكنك تصور اشتياقي إلى رؤيته هل تسمحين لي برؤيته من خلال عينيك ؟
شعرت نانسي بالأسف على هذه السيدة العاجزة عن رؤية أحب الناس إليها تمتمت :- إنه وسيم
أسندت المرأة رأسها إلى الخلف وقالت :- صفيه لي أرجوك
تمتمت نانسي :- إنه طويل جدا يتجاوز طوله الثمانين سنتيمترا شعره قاحم السواد كثيف ومتماوج لون بشرت قمحي جذاب لوحته الشمس عيناه بلون السكر المحروق يطل منهما تعبير متسلط وكأن الكون يدور من حوله ولأجله فقط
ضحكت الجدة قائلة بحنان:- إنهما عينا والده كانت وفاء تقول دائما بأن عينيه هما سر نجاحه في عمله إذ يستطيع بهما السيطرة على ما يريد والحصول على ما يريد
ابتسمت نانسي بارتباك بينما قالت الجدة :- أكملي أرجوك صفي لي ملامحه
أكملت نانسي :- أنفه مستقيم بزاوية حادة فمه واسع بشفتين تميلان إلى الامتلاء ذقنه بارزة بعض الشيء تمنح ملامحه قوة تضاهي قوة شخصيته
احمر وجه نانسي وهي تسرد هذه التفاصيل متى تأملت وجهه عن قرب لتعرف دقائقه بهذا الشكل ؟
قالت الجدة برقة :- تحبينه أليس كذلك ؟
قبل أن تفكر حتى بجواب لاحظت محمود الواقف عند الباب المفتوح وقد علت عينيه نظرة غريبة خفق قلبها بقوة منذ متى وهو يقف هنا ؟ هل سمع شيئا مما قالته عنه ؟
قالت الجدة وقد أحست بوجوده :- محمود هل أنت هنا ؟
قال بهدوء :- نعم يا جدتي جئت آخذ زوجتي لأنك بحاجة إلى الراحة
قالت برقة :- زوجتك رائعة يا محمود أتمنى أن تنجبا لي الأحفاد بسرعة
انحنى يقبل جبينها ثم يدها قائلا :- سيحدث هذا قريبا يا حبيبتي
اعتذرت نانسي من الجدة وسارت معه خارجا قال بهدوء :- أعتقد بأنني قد جئت في وقت مناسب لأمنعك من تدمير جدتي عندما تجيبين على سؤالها أليس كذلك ؟
قالت بجفاف :- بل أنقذتني أنا لأنني كنت على وشك الكذب عليها
قال مستغربا :- وهل كنت ستكذبين ؟
هزت كتفيها :- لقد أحببت جدتك كثيرا ولن أستفيد شيئا من ذكر الحقيقة لها سوى بجعلها تتألم
قال متهكما :- هذا جيد لديك قلب يهتم بالآخرين انت تتطورين
كبتت غيظها وهي تقول :- ما الذي أردته مني ؟
:- أن أطوف بك المكان قبل أن أغادر إلى عملي كي تعرفي أين تتحركين بالضبط أثناء تجوالك فيه
أشار لها حوله إلى الطابق الثالث قائلا هذا الطابق مخصص لإقامة المستخدمين اختارت جدتي الإقامة فيه لتبتعد عن الضوضاء ولأنها لا تغادر غرفتها أبدا بل هي بالكاد تغادر سريرها بسبب التهاب المفاصل ولكنني أزورها باستمرار وأخصص لها ممرضة للاهتمام بها كما يزورها الطبيب بشكل دوري للاطمئنان عليها
تابع تجواله بها عبر الطابق الثاني حيث غرف النوم وصالة فسيحة للجلوس ثم إلى الطابق الأرضي الذي احتوى على غرف الاستقبال والطعام والمكتبة كانت تستمع إليه وهي تتأمل الجدران العالية المزينة باللوحات الجميلة والأثاث الثمين الملائم للديكورات الحديثة الطراز . ما زالت غير قادرة على تقبل ثراء محمود الشديد بدلا من أن يريحها هذا ويسعدها أشعرها بالخوف من المستقبل الذي ينتظرها مع رجل بسطوته قامت هي بإهانته أكثر من مرة
أخذها في النهاية إلى غرفة مكتبه التي احتلت مكتبة كبيرة جدارا كاملا ضمت أكبر مجموعة كتب رأتها في حياتها ثم مكتب ضخم مصنوع من الخشب الثقيل مرتب بعناية علاه جهاز كومبيوتر حديث الطراز وسجادة بألوان مشرقة غطت جزءا كبيرا من الأرضية الرخامية قال بهدوء :- هنا أقضي معظم أوقاتي
تحسست الكتب بأناملها وهي تقول بذهول :- هل قرأت كل هذه الكتب ؟
ابتسم قائلا :- لقد جمعت أمي جزءا كبيرا من هذه الكتب فقد كانت مولعة بالقراءة وأنا من بعدها اقتنيت مجموعة كبيرة
نظر إلى الكتب ذات الأطر الأنيقة وقال :- ولكن إجابتي عن سؤالك هي النفي لم أقرأها كلها فهناك كتب لا توافق ذوقي
أدركت بأنه يقصد ما يعود إلى غيره من سكان المنزل تأملت قسما ضم روايات رومانسية نسائية الطراز وكتب عن الجمال والموضة من الواضح أن هذه الكتب تخص ريم
قال :- يمكنك استعمال هذه الغرفة أثناء دراستك
لاحظ تغير ملامحها بسبب التوتر فقال :- أنت تذكرين اتفاقنا يا نانسي أريدك أن تعودي إلى الجامعة منذ صباح الغد ومأمون سيكون تحت أمرك سيكون عمله الاهتمام بتنقلاتك إلا في حال كنت أنا موجودا فسأوصلك بنفسي
لم ترد عليه فأدارها إليه قائلا بحزم :- لا أريد ترددا لن يجرؤ أحد على التعرض لك بالكلية أعدك
ابتلعت ريقها باضطراب كيف عرف بما يخيفها ثم تذكرت بأنه كان شاهدا على اضطهاد الطلاب لها أكثر من مرة قالت بعصبية :- أنا لست قلقة فليجرؤ أحدهم على الاقتراب مني وسيناله ما لا يعجبه
ابتسم وهو يقول مداعبا :- يا إلهي لقد بعثت الخوف في نفسي هذا ما أريده منك أن تعودي إلى الكلية محملة بقوتك القديمة التي لا يجرؤ أحد على مواجهتها
لم تبتسم فقد كان القلق يعصف في كل خلاياها من العودة إلى ذلك المكان بعد هجوم جابر لها ومن لقاءه مجددا وإن كان قد حكى لأحد عما فعله بها
عندما شاهدت جميع أنحاء المنزل أخذها في جولة في الحديقة قائلا :- في الربيع يصبح هذا المكان رائعا
تمتمت وهي تنظر إلى الجمال المحيط بها :- أستطيع تخيل هذا
استدار نحوها قائلا :- سأذهب الآن يا نانسي كنت أرغب بالبقاء معك في أول يوم لك هنا ولكن العمل يناديني
تمتمت :- هل ستتأخر ؟
ها هي تستجوبه كأي زوجة تقليدية تفتقد زوجها الناقص هو أن ترتمي عليه وترجوه ألا يذهب نظر إلى وجهها متفحصا وهو يقول :- في الواقع نعم سأتأخر قليلا
اقترب منها وربت على وجنتها قائلا :- تذكري بأن هذا هو بيتك الآن
أومأت برأسها دون أن تقول شيئا ظنت بأنه سيضيف شيئا إلا أنه قال أخيرا :- أراك لاحقا
راقبته يبتعد ويستقل سيارته فتنهدت وهي تعود إلى داخل المنزل كانت في طريقها إلى غرفة لينا عندما أتاها صوت ريم قادما من خلف أحد الأبواب كادت تتابع طريقها لو لم تسمع اسمها فتوقفت وسمعت ريم تبكي وهي تقول :- ما الذي أعجبه بها ؟ ليست أكثر جمالا مني إنها ابنة لص حقير وستحرجه أينما ذهب
توتر جسد نانسي بغضب سمعت صوت منار تقول :- لا تقلقي يا حبيبتي لن تمر فترة طويلة حتى يمل منها ويرميها في الشارع كما فعل مع غيرها
لم تستطع نانسي أن تسمع المزيد وإلا كانت ستقتحم الغرفة وتنهال على الإثنتين ضربا دخلت إلى غرفة لينا لتجدها جالسة على طرف السرير ساهمة جلست إلى جانبها وهي تقول برقة :- ما الأمر ؟ تبدين وكأن المكان لا يعجبك إنه أكبر وأجمل من منزلنا القديم
قالت لينا بخفوت :- بالتأكيد ؟ ولكن ما الفائدة إذا كان سكانه لا يحبوننا
عقدت نانسي حاجبيها قائلة :- لماذا تقولين هذا ؟
قالت لينا بغضب :- تلك المتعجرفة ريم إنها تعاملني وكأنني أحد الخدم
قالت نانسي بهدوء :- لا تهتمي لأمرها يا لينا كما أن فراس يبدو لطيفا معك
أشرق وجهه لينا وهي تقول :- بالفعل فراس طيب جدا ويحب الموسيقى والرسم لقد تحدثنا كثيرا إنه معجب بمحمود كثيرا ويحترمه وقد قال عنك بأنك جميلة جدا
ابتسمت نانسي بخبث قائلة :- فقط أنا ؟
احمر وجه لينا دون أن تجيب فضحكت نانسي برقة ثم قالت بجدية :- اسمعيني جيدا يا لينا من المؤكد بأن المرحبين بنا في هذا المنزل قلائل ولكننا لن نستسلم لريم ولأمها لا تنسي بأن محمود معنا وهو لن يسمح لأي أحد بأن يزعجنا
لم تكن متأكدة حقا مما تقول ولكن الراحة التي ارتسمت على وجه لينا استحقت تلك الكذبة قالت لينا فجأة :- هل تحبينه يا نانسي ؟
أجفلت نانسي وهي تقول :- ماذا ؟
:- أنا أعرف لماذا تزوجت بمحمود لقد سمعتك تتحدثين مع حنان
وعندما لم تجبها نانسي قالت :- أنا لست صغيرة يا نانسي أنا أعرف بأنك لن تتمكني من العيش معه إن كنت تكرهينه
قالت نانسي بهدوء :- أنا لا أكرهه
تمتمت لينا :- محمود شخص رائع أنا أحبه كثيرا وأتمنى أن تحبيه أنت أيضا
ربتت نانسي على شعر أختها الناعم وقالت :- لا تشغلي رأسك بهذه الأمور أنا سأكون بخير
ذلك المساء لم يحضر محمود وقت العشاء وحول المائدة انتقلت عينا نانسي عبر الوجوه الضاحكة وهي تشعر بالأسى الشديد لغيابه فشعورها بالغربة وسط أشخاص لا تثق بهم كان قويا تركزت نظرات ريم عليها وقد أطل منها الحقد فتذكرت نانسي الحديث الذي سمعته سابقا هل سيمل منها محمود حقا ويرميها في الشارع ؟ هل سبق وفعل هذا مع غيرها من النساء ؟
تذكرت الشائعات الغامضة التي سمعتها دائما عنه في الكلية من الواضح أنها لم تكن قادمة من فراغ وأن محمود فعلا كان له العديد من الصديقات قبل الزواج وربما ما زال
فاجأها الغضب الذي اعتراها لماذا تزوج منها إذن إن كان يعبث هنا وهناك ؟ لقد كان واضحا عندما قال بأن الوقت قد حان ليستقر وينجب الأطفال أهذا هو السبب الذي دفعه لربط نفسه بها ؟ أم لتكون ستارا لمغامراته المتعددة ؟
لا لا يبدو على محمود أنه من هذا النوع كان دائما وقورا ومتزنا ولطالما عاملها بتحفظ دون أن يقلل من احترامها يوما
خطرت على بالها فكرة أخرى أذهلتها هل يعود السبب إلى أنه قد عرف بأنها ليست من النوع المستهتر فقرر بأن الوسيلة الوحيدة للحصول عليها هي الزواج ؟
لم تستطع البقاء أكثر برفقة الآخرين بعد انتهاء العشاء فاعتذرت وغادرت غرفة الجلوس وبينما هي تصعد الدرج متجهة إلى غرفتها لحقت بها ريم لتقول وهي تقف أسفل الدرج :- لا تبدين بخير
ردت نانسي وهي تنظر إليها :- أنا متعبة فقط سأخلد إلى النوم
قالت ريم بهدوء :- لا أظنك تعانين من التعب ربما من القلق
نزلت نانسي حتى واجهت ريم قائلة ببرود :- ولماذا علي أن أكون قلقة ؟
هزت ريم كتفيها قائلة بلؤم :- ربما تتسائلين عن مكان محمود وعن موعد عودته
:- محمود في عمله لقد سبق وأخبرني بأنه سيتأخر
ضحكت ريم باستهزاء قائلة :- أ مازال محمود يستعمل هذه الخدعة ؟
عقدت نانسي حاجبيها دون أن تعلق فأكملت ريم :- عليك أن تكوني حذرة يا نانسي فمحمود ولد وحوله جيش من النساء وليس من السهل أن يتخلى عن كل هذا لمجرد أنه قد تزوج
ردت نانسي بصلابة :- أنا أثق بزوجي ثقة عمياء
أطلقت ريم ضحكة صغيرة وهي تقول ساخرة :- لا تنسي بأنه يعمل مع والدي ووالدي ماكان ليتركه ويعود باكرا تاركا محمود وحده غارقا في العمل
اقتربت من نانسي قائلة :- هل تعرفين بأن لمحمود شقة في المدينة شقة فاخرة مجهزة بجميع وسائل الراحة لقد اعتاد أن يقضي فيها الكثير من لياليه فهو قطعا لن يحضر صديقاته إلى هنا وأنا واثقة بأنه لم يخبرك بها ولن يفعل كي تبقى شقة العزوبية جاهزة دائما لأي موعد طارئ
بالرغم من توتر جسد نانسي وتأثير كلمات ريم السامة عليها قالت بمرح :- أنت محقة فهو لم يخبرني بها
منحتها ابتسامة لعوب وهي تقول :- لقد أخذني إليها . أين تتوقعين بأننا قد قضينا الوقت بعد زواجنا وقبل حضوري إلى هنا ؟
اقتربت لتنظر إلى عينيها العسليتين الغاضبتين وقالت :- أما عن صديقاته اللاتي تتحدثين عنهن فأنا واثقة بأن العديد منهن تمنين الزواج به بل ربما انتظرنه طيلة حياتهن وهذا لا يهمني إطلاقا لأنه عندما قرر الزواج أخيرا اختارني أنا
منحتها ابتسامة حلوة وهي تقول :- تصبحين على خير يا ريم
صعدت إلى غرفتها ومنعت نفسها بصعوبة من صفق الباب بقوة تمتمت بغضب :- الحقيرة
ثم نظرت إلى صورة صغيرة له على منضدة الزينة وقالت بغل :- أيها المزيف الحقير
بدلت ملابسها وارتدت منامة حريرية بيضاء ثم دست نفسها في السرير وهي تتساءل هل كانت ريم تكذب عليها أم أن محمود يمتلك مثل تلك الشقة في قلب المدينة ؟
تقلبت في الفراش وهي تفكر كالمحمومة هل سيشاركها محمود هذه الليلة فعلا ؟ هل سيشاركها السرير ويحاول أخذ حقوقه منها ؟
التدفئة المركزية كانت تعمل بأقصى طاقاتها ولكنها كانت تعرف بأن الحرارة التي كانت تجتاحها نابعة من أعماقها هي كان مجرد التفكير في محمود يلمسها تثير جنونها كيف ستسمح له بهذا بينما تأخذها الأفكار حوله في كل مكان أخذت تقسم بأغلظ الأيمان بأنه لو حاول لمسها فسينال منها ما يستحق ستقاومه وتركله تترك الغرفة إن اضطرت مهما كان وضعها سيكون مذلا أمام ريم
أخفت وجهها في الوسادة بإرهاق لقد أخبرها صراحة بأنه يريدها وهو ليس بالرجل الذي يقبل بسهولة ألا يحصل على عروسه بعد أسبوع من زواجهما تذكرت نظراته في كل مرة كان يوضح لها نواياه . فارتجفت
إن حصوله عليها في ظروف زواجهما الاستثنائية سوف يشعرها بمزيد من الذل والهوان ويؤكد لها على بيعها لنفسها له بالضبط كما قال ماهر
لم تدر كم مر من الوقت وهي تتقلب عاجزة عن النوم حتى شعرت بوصوله
أدرات ظهرها متظاهرة بالنوم في لحظة دخوله إلى الغرفة كانت حركاته هادئة وصامتة وهو يتجول في الغرفة سمعته يفتح الخزانة ثم سمعت حفيف ثيابه وهو يبدلها شعرت بالعرق يبلل جسدها ووجهها من فرط التوتر والترقب شعرت به يزيح البطانية الثقيلة والدافئة ففاجأها التيار البارد الذي تسرب إلى جسدها الدافئ استقر إلى جانبها بصمت فأحست بدفئه رغم المسافة الفاصلة بينهما واستنشقت عبير عطره الرجولي الزكي لم يلمسها أو حتى يحاول الاقتراب منها وخلال دقائق سمعت صوت انتظام أنفاسه لقد استغرق في النوم
رغم استرخاء أعصابها أخيرا إلا أن مزيجا من السخط والحيرة اجتاحا فكرها الحيرة من تصرفه والسخط من حرمانه لها من فرصة رفضه ومقاومته ما الذي يهدف إليه بالضبط ؟ هل أدرك فجأة بأنه لا يريدها حقا كما كان يظن ؟ أم أنه يهدف إلى إثارة أعصابها وإهانتها برفضه هو لها ؟
مهما كانت أسبابه فقد جنب نفسه الكثير من المشاكل وعندما نامت أخيرا كانت قد استغرقت وقتا طويلا لتفعل مانعة نفسها بصعوبة من إلقاء أي نظرة عابرة نحو الرجل الذي تزوجها
لا بل الرجل الذي اشتراها