وضمن منتديات
الثقة والأمان من الأسباب الجوهرية في العلاقة الزوجية، وهما أصل الرابطة الزوجية وهدفها، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الزوجين من أن يفشي أحدهما سر الآخر، كأسرار البيت، وأسرار
العلاقة بالآخر، والأسرار المالية، وأشدها أسرار الفراش، فقد نهى عليه الصلاة والسلام نهياً جازماً عن مثل هذا العمل، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها”.
خلافات بلا حل !!
يقول حسان من سوريا: “تكمن خطورة إفشاء الأسرار الزوجية وخاصة الخلافات في أنها إذا خرجت خارج البيت تتناقل بشكل سريع للغاية، وتصبح سيرة البيت على كل لسان، وهذا إن وصل للزوج قد يكون خطأ من الزوجة لا يغفر لها، لأن هذا يمس كرامة ورجولة الزوج، بالذات إذا كانا قد اتفقا على ذلك من قبل، فحتى إن حاول أي طرف التدخل لإصلاح المشكلات بينهما، فلن يجدي ذلك نفعاً لأن الزوج سيصر على ما يريد ولن يتنازل وذلك لرد اعتباره، لكن بين الزوجين لا كرامة وقد يتنازل كل طرف مرة بلا أي شعور بالإهانة”.
أما محمود – من البحرين فيقول: “مشكلتي قد تكون كبيرة للغاية لكن لا يشعر بها الكثيرون، فأنا وزوجتي على خلاف دائم، وأحرص دائماً ألا نتناقش أبداً مهما كانت الظروف أمام أبنائي خاصة أنهم في مرحلة المراهقة ومعرفتهم بوجود مثل هذه الخلافات بين والديهم قد يشكل خطراً نفسياً عليهم، وفوجئت مؤخراً أن زوجتي “تفضفض” مع ابنتي المراهقة عن تعسف الرجال، وكرهها لهم، وأن المرأة يجب عليها أن تتمرد منذ بداية الحياة الزوجية حتى يخضع لها زوجها من البداية، وألا تتركه يفرض رأيه عليها !! وطبعاً كل هذا شوه صورتي أما ابنتي بلا أي مبرر يذكر”.
مساحة فضفضة !
وللبنى – من مصر رأي آخر حيث تقول: “غالباً ما تكون الزوجة هي التي تفشي أسرارها الزوجية خارج منظومتها الذهبية، لأن طبيعة المرأة ثرثارة تحب مشاركة صديقاتها في همومها ومشاكلها خاصة إذا كانت متزوجة من رجل متعنت قاس، وأعتقد أن مساحة البوح والفضفضة يجب أن تكون خارج إطار “الزوج” حتى تجد من يعينها في حل مشكلاتها حتى لا تتفاقم الأمور بينها وبين زوجها ولا يجدا حلاً وقتها أفضل من الطلاق! ”
وتختلف معها أمل – من السعودية قائلة بألم شديد: “أنا طبعي كتومة للغاية ولا أحب أن يعرف أحد عني أي معلومات مهما كان، وعندما انفصلت عن زوجي بسبب خلافات بيننا لخيانته المستمرة، لم أتحدث مع أحد عن أسباب الانفصال، وكان ذلك باتفاق بيننا، حتى أهلي وأهله لا يعرفون سوى بعض المعلومات القليلة والتي اتفقنا أن نخبرهم بها بعيداً عن أزمة الخيانة، وبعد مرور وقت كنت أتحدث مع أبنائي عن والدهم الرائع، وأنه والدهم رغم أننا اختلفنا في طبيعة اختيارنا للحياة لكن هذا لا يعني أنه رجل سيئ، وذلك للحفاظ على نفسية أبنائي وألا أشوه صورته أمامهم، ولم أخبرهم قط أنه خائن… ثم فوجئت أن الكثير من أصدقائنا المشتركين يعرفون معلومات مغلوطة ومشوهة ومزيفة من طليقي عن أسباب انفصالنا، وأنني زوجة باردة مع زوجها ومسترجلة، تألمت كثيراً لأنني تفانيت في إشباع رغباته كزوج، لكنه يعاني من داء الخيانة، وخانني مجدداً عندما أخرج أسرارنا بل وشوهها حتى أمام أبنائي”.
حفظ الأسرار حتى بعد الطلاق!!
وهنا تقول المستشارة الاجتماعية الدكتورة سميحة غريب ومؤلفة كتاب ” زواج بلا مشاكل”، وكتاب “الزواج الناجح”: لابد أن يضع الخطيبان رؤية مستقبلية لما سوف تكون عليه الحياة بينهما، وضرورة حفظ أسرارهما وأسرار بيتهما وعدم إفشاء هذه الأسرار لأي شخص، حتى الوالدين، أو الأصدقاء والصديقات أو أي إنسان مهما كان شأنه.
فالثقة والأمان من الأسباب الجوهرية للعلاقة الزوجية، وهما أصل الرابطة الزوجية وهدفها، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الزوجين من أن يفشى الواحد منهما سر الآخر، كأسرار البيت وأسرار العلاقة بالآخرين والأسرار المالية، وأشدّها أسرار الفراش، فقد نهى عليه السلام نهياً جازماً عن مثل هذا العمل، فروى الإمام أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند النبي، والرجال و النساء قعود، فقال:”لعلَّ رجلاً يقول ما يفعله بأهله، ولعلّ امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها”. فأرم القوم – سكتوا- فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن، وإنهم ليفعلون، فقال: “فلا تفعلوا، إنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في طريق فغشيها والناس ينظرون”.
فإفشاء المرء لسر غيره خيانة إن كان مؤتمناً، ونميمة إن كان مستودعاً، وكلاهما حرام ومذموم، بل إنه يكره لمن يغسل الميت أن يتحدث بما يراه من سوء عليه، فحفظ السر للحى والميت، كذلك الأسرار الزوجية تحفظ أثناء بقاء العلاقة الزوجية وبعد وفاة أحد الطرفين أو حصول الطلاق.
شحن النفوس بكل ما هو سلبي
وعن مخاطر إفشاء الأسرار الزوجية لأهل أحد الزوجين تضيف قائلة: “لاشك أن إفشاء الأسرار للأهل بصفة دائمة، سيشحن النفوس بالمشاعر السلبية تجاه الطرف الآخر، و وقت حدوث المشكلة أو الخلاف، سيندفع الأهل ( الأم أو الأخت أو غيرهما) بسكب ما كان مختزنا وكان يظن الطرف الآخر أن شريكه يحفظ سره، فيقذف بما كان مستورا، وفي هذه الحالة يزداد كل طرف تصلبا بآرائه ومواقفه، لأن همه يصبح في مثل هذه الحالة منحصرا في حفظ ماء وجهه، وإظهار عيوب الطرف الآخر، بدلا من الرغبة في التركيز علي المشكلة الأصلية وحلها.
ولا يجب على الزوجين أو أحدهما أن يستدعي طرفا آخر لحل مشكلة وقعت بينهما، وإذا تطلب الأمر تدخل طرف آخر فيكون لإسداء النصح العام والتعريف بالحقوق والواجبات، دون محاولة الخوض في التفاصيل، على أن يكون هذا الطرف مما يُعرف عنه الحكمة والعقل وكتمان السر، وأن يكون مقبولا لدى الزوج والزوجة على السواء”.
وتستكمل قائلة: ” أحيانا يلجأ الزوج إلى صديق، و الزوجة إلى صديقة لتبث كل منهما همومه من أجل المشورة، أو لمجرد الفضفضة، فهذا الأمر لا بأس به، على أن يكون هذا الصديق/ الصديقة ممن يتسم بالتدين وحفظ الأسرار والحكمة والتعقل والإنصاف، وألا يكون الحديث من باب فضح الطرف الآخر أو إفشاء سره، وألا يكون الحديث على ملأ من عدة أشخاص، فلو اتبع المرء هذه الأمور واحتاط لها فلا بأس، وإن لم يتحقق ذلك فلا داعي مطلقا لمثل تلك الفضفضات.
فإفشاء الأسرار الزوجية يضعف الثقة بين الزوجين ويشحن النفوس بالكراهية ويجعل ركائز الحياة الزوجية هشة وضعيفة، ومن ثم يتصيد كل طرف أخطاء الطرف الآخر، ثم يتم الطلاق، وإفشاء الأسرار يشعر الطرف الآخر أن شريكه قد خلع عنه ستره، بدلا من أن يكون ستره وغطاءه، وليس أقسى علي النفس حين ترى شريكها ومستودع سرها يهتك سترها ويفضح أمرها وينشر ما كان بينهما على ملأ من الآخرين. وبالطبع تنعكس هذه النفسية على الحياة برمتها وليس على العلاقة الخاصة فقط.