وروي عن تميم الداري أنه قرأ ليلة من الليالي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الجاثية:21] فتوقف وأخذ يبكي حتى الصباح.
وقيل أن عطاء السلمي سئل: ما هذا الحزن؟ لم كل هذا الحزن والبكاء والخشوع؟ فقال للسائل: ويحك! الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي، ولا أدري ما يُصنع بي، ثم تسأل لماذا أحزن؟! إذا كان هذا القبر بيتي، ويوماً من الأيام سوف أرد على الصراط، أُخبرت أني سوف أرده ولم أُخبر أنني سوف أجوز عليه، وفي القيامة موقفي ثم تقول لم تحزن!!
السلف الصالح والجهاد في سبيل الله
فإذا بزغ الصبح وأذن الفجر وطلع الصباح، وأشرقت الشمس؛ رأيتَ هؤلاء الذين بكوا في الليل وظلوا قياماً لله عز وجل يصيح بهم صائح الجهاد: حيَّ على الجهاد! يا خيل الله اركبي! إلى الجهاد والمعارك! رأيت الذي يبكي في الليل ويقوم ويصلي ويسجد يركب الفرس ويذهب ويسرع إلى الجهاد في سبيل الله.
فاسمع -يا عبد الله- إلى صفحة أخرى من صفحات سلفنا الصالح في الجهاد في سبيل الله وفي قتالهم الأعداء والكفار.
خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول
خالد بن الوليد أظن أن كل المسلمين قد سمعوا به، ما من صغير ولا كبير إلا طرب من سماعه، سيف الله، يقول قبل الموت رضي الله عنه: [شهدت مواقع كثيرة، ودخلت مائة حرب ليست حرباً واحدة، وما من موضع في جسدي إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء، ولقد طلبت الموت من مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على الفراش، وما من شيء أرضى عندي بعد لا إله إلا الله -أكثر شيء يرجوه في الدنيا بعد لا إله إلا الله- قال: من ليلة شديدة البرودة في سرية من المهاجرين بتها والسماء تنهل علي بالمطر، وأنا أنتظر حتى أغير على الكفار؛ فعليكم بالجهاد، فعليكم بالجهاد، فعليكم بالجهاد ].
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا
نفوسنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
أعلى الصفحة
ألب أرسلان وشجاعته
وهذا ألب أرسلان -اسمع إلى هذا الرجل ماذا فعل- سمع أن الروم قد حشدوا ستمائة ألف من الجيش، أكثر من نصف مليون جنود وعسكر وجيش، معهم الأسلحة، إذا رأيتهم تخاف من منظرهم، قد غطوا الجبال والسهول والوديان والأراضي، فسمع ألب أرسلان بهؤلاء، فقال لأصحابه وكانوا عشرين ألفاً -عشرون ألفاً ماذا يفعلون أمام ستمائة ألف من الكفار؟!- فقال لهم: ماذا تفعلون؟ الموت محتم لكم، إما أن نموت بكرامتنا وإما أن نموت بذلنا.
قالوا: اذهب أينما تذهب، فنحن خلفك، فسار بالجيش وهم عشرون ألفاً، كلهم رجال شجعان يمشون خلفه، فعدهم في الطريق فإذا خمسة آلاف قد رجعوا، فصاروا خمسة عشر ألفاً، فلما اقترب من جيش الكفار عد أصحابه فإذا هم اثنا عشر ألفاً، رجع ثلاثة آلاف ولم يبقَ إلا اثنا عشر ألف فارسٍ شجاعٍ، كلهم قد وضع نفسه على كفيه، يريد الموت قبل أن يطلب الحياة، وقفوا أمام ستمائة ألف من النصارى الروم، وقد صفوا عشرين صفاً لا يُرى أولهم من آخرهم، وملكهم خلف هذه الصفوف، فقال ألب أرسلان لجيشه: إني قد عزمت ألا أقاتلهم إلا بعد الزوال.
قالوا: ولم؟ قال: لأن في هذه الساعة يوم الجمعة كل المسلمين يدعون أن يعز الله دينه؛ فأحببت أن تصيبني دعوة المسلمين. قالوا: افعل ما تفعل، فلما زالت الشمس صلى وقام في الناس يدعو والناس يؤمنون خلفه، فاقترب الصفان، فقال لمن خلفه: إذا أنا حملت فاحملوا معي دفعة واحدة ستمائة ألف أمام اثني عشر ألفاً! قال: إذا أنا حملت فاحملوا معي دفعة واحدة، ولا ترموا بسهم حتى أكون أولكم رمياً، قالوا: افعل ما تفعل، فكبر وكبر الناس خلفه، فاخترقوا الصف الأول والثاني والثالث، وعشرين صفاً اخترقوها حتى وصلوا إلى ملكهم، فأسروه وقتلوا من حوله، ورفعوا رأس أحدهم على رمح، فقال قائل منهم: قتل الملك قتل الملك.
فاضطربت صفوف المشركين الكفار، وفروا وذلوا وهربوا، فقتلهم المسلمون شر قتلة، فأُسر ذلك الملك النصراني الرومي، فأتي به إلى ألب أرسلان وهو جالس على سريره، فأتي به وهو مربوط بالحبال، فقيل له: ماذا نفعل فيه؟ فقال ألب أرسلان لذلك الرومي: لو كنت في مكاني ماذا كنت تفعل؟ قال: أقتلك. فقال ذلك المسلم الشجاع المقدام: أنت أذل عندي من أن أقتلك، اذهبوا فبيعوه في المسلمين. فذهبوا به بالحبال مربوطاً كي يبيعوه من ضمن الأسرى، كلما مروا على ملأ لم يشترِه أحد بأبخس الأثمان، ولم يشتره أحد، حتى جاءوا في آخر الجيش على رجل عنده كلب -أجلكم الله- فقال ذلك الرجل المسلم: لو بعتموه لي بهذا الكلب اشتريته -ملك النصارى تبيعوه بهذا الكلب!- فأتي به إلى ألب أرسلان فقالوا: يريد أحد المسلمين أن يشتريه بكلب، فقال الملك: لَلْكلب أشرف من هذا الرجل، لَلْكلب أشرف من هذا الرجل، فالكلب ينفع وهذا الرجل لا ينفع، أعطوه لهذا الرجل مع هذا الكلب يقول الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169


LinkBack URL
About LinkBacks






