[align=center]((( أيوب عليه السلام )))
ضربت الأمثال في صبر هذا النبي العظيم. فكلما ابتلي إنسان ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه قال تعالى:
إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
والأوبة هي العودة إلى الله تعالى وقد كان أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر. وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه. والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه قيل إنه مرض مرضا جلديا منفرا تجنب الناس الاقتراب منه بسببه.
يقول سفر أيوب في التوراة: فخرج الشيطان من حضرة الرب وضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته. فأخذ لنفسه شقفة ليحتك بها وهو جالس في وسط الرماد. ص2. وقال هذا السفر نفسه على لسان أيوب: "لأنه مثل خبزي يأتيني أنيني، ومثل المياه تنسكب زفرتي". ص3. وقال هذا السفر نفسه: "قد كرهت نفسي حياتي أسبب شكواي أتكلم في مرارة نفسي". ص10
ونحن نرفض هذا كله كحقيقة واقعة. فانظر إلى تعبير التوراة: فخرج الشيطان من حضرة الرب.
نعلم -كمسلمين- أن الشيطان قد خرج من حضرة الرب منذ أن خلق الرب آدم عليه الصلاة والسلام فمتى عاد الشيطان إلى حضرة الرب؟ نحن أمام تعبير أدبي ولسنا أمام حقيقة مادية.
ما حقيقة مرض أيوب وما قصته؟
إن أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره هي الرواية التالية:
تحدث ملائكة الأرض فيما بينهم عن الخلق وعبادتهم. قال قائل منهم: ما على الأرض خير من أيوب هو أعظم المؤمنين إيمانا وأكثرهم عبادة لله، وشكرا على نعمه، ودعوة له.
وسمع الشيطان ما يقال فساءه ذلك وطار إلى أيوب محاولا إغواءه ولكن أيوب نبي قلبه هو الصفاء لله والحب لله وليس للشيطان عليه سبيل. ويئس الشيطان من إغواء أيوب، قال لله تعالى: يا رب إن عبدك أيوب الذي يعبدك ويقدسك لا يعبدك حبا وإنما يعبدك لأغراض. يعبدك ثمنا لما منحته من مال وبنين، وما أعطيته إياه من ثروة وعقار وهو يطمع أن تحفظ عليه ماله وثراءه وأولاده وكأن النعم العديدة التي منحتها له هي السر في عبادته إنه يخاف أن يمسها الفناء أو تزول وعلى ذلك فعبادته مشوبة بالرغبة والرهبة يشيع فيها الخوف والطمع وليست عبادة خالصة ولا حبا خالصا.
وتقول الرواية إن الله تعالى قال لإبليس: إن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان وليكون أيوب قبسا في الإيمان ومثلا عاليا في الصبر قد أبحتك ماله وعقاره افعل ما تريد ثم انظر إلى ما تنتهي.
وهكذا انطلقت الشياطين فأتت على أرض أيوب وأملاكه وزروعه ونعيمه ودمرتها جميعا وانحدر أيوب من قمة الثراء إلى حضيض الفقر فجأة وانتظر الشيطان تصرف أيوب.
وقال أيوب: عارية لله استردها ووديعة كانت عندنا فأخذها، نعمنا بها دهرا، فالحمد لله على ما أنعم، وسلبنا إياها اليوم، فله الحمد معطيا وسالبا، وراضيا وساخطا، نافعا وضارا، وهو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.
ثم خر أيوب ساجدا وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد الشيطان يقول لله تعالى: يا رب إذا كان أيوب لم يقابل النعمة إلا بالحمد، والمصيبة إلا بالصبر، فليس ذلك إلا اعتدادا بما لديه من أولاد انه يطمع أن يشتد بهم ظهره ويسترد بهم ثروته.
تقول الرواية إن الله أباح للشيطان أولاد أيوب فزلزل عليهم البيت الذي يسكنون فيه، فقتلهم جميعا.
وهنا قال أيوب داعيا ربه: الله أعطى والله أخذ فله الحمد معطيا وسالبا، ساخطا وراضيا، نافعا وضارا.
ثم خر لله ساجدا وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد إبليس يدعو الله: إن أيوب لم يزل صابرا لأنه معافى في بدنه. ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه، فسوف يكف عن صبره.
تقول الرواية أن الله أباح جسد أيوب للشيطان يتصرف فيه كيف يشاء فضرب الشيطان جسد أيوب من رأسه حتى قدميه، فمرض أيوب مرضا جلديا راح لحمه فيه يتساقط ويتقيح حتى هجره الأهل والصحاب، لم يعد معه إلا زوجته.
وظل أيوب على صبره وشكره لله تعالى حمد الله على أيام الصحة وحمده تعالى على بلاء المرض وشكره في الحالتين.
وازداد غيظ الشيطان فلم يعرف ماذا يفعل وهنا جمع إبليس مستشاريه من الشياطين وحدثهم بقصة أيوب وطلب رأيهم بعد أن أعلن يأسه من إغوائه أو إخراجه من صبره وشكره وقال أحد الشياطين: لقد أخرجت آدم أبا البشر من الجنة فمن أين أتيته؟
قال إبليس: آه تقصد حواء.
وانقدحت في عقل إبليس (لو كان له عقل) فكرة جديدة ذهب إلى امرأة أيوب وملأ قلبها باليأس حتى ذهبت إلى أيوب تقول له: حتى متى يعذبك الله؟ أين المال والعيال والصديق والرفيق؟ أين شبابك الذاهب وعزك القديم؟
وأجاب أيوب امرأته: لقد سول لك الشيطان أمرا أتراك تبكين على عز فات وولد مات؟
قالت: لماذا لا تدعو الله أن يزيح بلواك ويشفيك ويكشف حزنك؟
قال أيوب: كم مكثنا في الرخاء؟
قالت: ثمانين سنة.
قال: كم لبثنا في البلاء؟
قالت: سبع سنوات.
قال: أستحي أن اطلب من الله رفع بلائي، وما قضيت فيه مدة رخائي لقد بدا إيمانك يضعف وضاق بقضاء الله قلبك لئن برئت وعادت إلي القوة لأضربنك مائة عصا وحرام بعد اليوم أن آكل من يديك طعاما أو شرابا أو أكلفك أمرا فاذهبي عني.
وذهبت زوجته وبقي أيوب وحيدا صابرا يحتمل ما لا تحتمله الجبال أخيرا فزع أيوب إلى الله داعيا متحننا لا متبرما ولا متسخطا ودعا الله أن يشفيه فاستجاب له الله.
هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره ونحن نحس أنها موضوعة لأنها تتفق مع نص التوراة حول مرض أيوب أيضا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة كل ما نستطيع أن نقطع به هو ما حدثنا عنه القرآن. وهو وحده الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال تعال في سورة (الأنبياء):
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
نفهم مما سبق أن أيوب كان عبدا صالحا من عباد الله. أراد الله امتحانه في ماله وأهله وجسمه. ضاع ماله وأصبح فقيرا بعد أن كان أغنى الأغنياء. وفقد أهله وبدأ يعرف معنى الوحدة. ومرض جسمه مرضا عظيما كان يتألم له. ولكنه صبر على هذا كله وشكر.
وطال مرضه واستطال بلاؤه وعظم هجران الناس له، حتى صار يقضي أيامه كلها وحيدا مع المرض والحزن والوحدة، وانطبقت أضلاع المثلث الكئيب على حياته. المرض والحزن والوحدة، ورغم ذلك لم ينس الصبر كان صبره متجاوزا لبلائه ومتفوقا عليه.
وجاء الشيطان يوسوس لأيوب قائلا له: يا أيوب، هذا الألم وهذا العذاب اللذان تحسهما بسبب مس مني. ولو أنك توقفت عن الصبر يوما واحدا لذهب عنك الألم وشفيت.
وتهامس الناس حول أيوب فقالوا: لو كان الله يحبه ما ابتلاه بكل ما ابتلاه به.
ووسوسة الشيطان هذه وكلام الناس حول أيوب لا يمكن أن يقللا من عزم نبي من أنبياء الله تعالى. فالشيطان لا يستطيع أن يمس أحدا إلا بإذن الله. كما أن الله تبارك وتعالى لا يجعل حبه للناس مرادفا لسلامتهم، إنما يمتحنهم كما يشاء ويبتليهم كما يحب. فستمر أيوب في صبره وعبادته وشكره لله.
وجلس أيوب غاضبا لأن الشيطان تجرأ عليه وتصور أنه يمكن أن يغريه أو يغويه، مستغلا وحدته وأساه ومرضه.
وحضرت زوجة أيوب متأخرة فوجدت أيوب غاضبا. كانت تلف رأسها بغطاء. وكانت قد أحضرت إليه طعاما طيبا وسألها أيوب: من أين جاءتك النقود؟ وأقسم أيوب أن يضربها مائة ضربة بالعصا عندما يشفى. كان صبره واسعا مثل نهر عظيم. ثم اكتشف في المساء أن زوجته قد قصت شعرها لتحضر إليه طعاما يأكله.
وخرج نبي الله تعالى إلى الجبال يدعو ربه. قال تعالى في سورة (ص):
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىرَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
كيف نفهم قول أيوب: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ؟
يريد أيوب أن يشكو لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.
أمره الله تعالى أن يستحم في عين من عيون المياه في الجبل أمره أن يشرب من ماء هذا العين وجرى أيوب فاغتسل وشرب ولم يكد يشرب آخر جرعة من الماء حتى أحس أنه شفي فجأة زايلته الحمى، وذهب عنه الألم، وعادت حرارته إلى درجة الحرارة العادية ووهب الله لأيوب أهله ومثلهم معه رحمة من عنده سبحانه ولم يعد أيوب وحيدا.
وهبه الله أضعاف ثروته كرما من عنده، فلم يعد أيوب فقيرا عادت إليه صحته بعد طول المرض وشكر أيوب الله، وكان قد أقسم أن يضرب امرأته مائة ضربة بالعصا عندما يشفى، وها هو ذا قد شفي، وكان الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لا يقصد ضرب امرأته ولكي لا يحنث في قسمه أو يكذب فيه، أمره الله أن يجمع حزمة من أعواد الريحان عددها مائة، ويضرب بها امرأته ضربة واحدة، وبذلك يكون قد بر في قسمه ولم يكذب وجزى الله أيوب على صبره أن مدحه في القرآن الكريم وقال عنه:
إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
وتذكر بعض الروايات أن الله أعاد لزوجة أيوب شبابها جزاء لصبرها مع أيوب.[/align]