الوصية الثالثة: أن يعي كل من الزوجين رسالته
الوصية الثالثة: ينبغي أن يعي الرجل وتعي المرأة، كل منهما رسالته في البيت، فإن الله أعطى الرجل خصائص لم يعطها المرأة، وأعطى المرأة خصائص لم يعطها الرجل، ولا يمكن للبيوت أن تقوم إلا بما قلناه: أن يقوم الرجل برسالته، ويهيئ لزوجته ما أمر الله عز وجل من تهيئته، وتقوم المرأة برسالتها في البيت، حتى تهيئ لذلك الرجل المؤمن الصالح بيته على خير ما تهيأ عليه بيوت المسلمين. وبما أن الرجل مطالب باللين مع المرأة، فكذلك هي مطالبة بأن تكون تحت الرجل، وهذه المطالبة -كونها أسفل من الرجل- كرامة للمرأة، فإن المرأة إذا شعرت أن القوامة للرجل، وأن بيتها لها تدير أبناءها وترضع صغيرها وتحفظ عورة زوجها، وتحفظ بيته وأسرته، وتربيهم على الأخلاق الكريمة، كمَّل الله عز وجل ما نقص من بيت الزوجية. وكما أن الرجل مطالب بالرحمة على الزوجة، كذلك الزوجة مطالبة بأن تعي مكانة الزوج، وحق الزوج عليها. ولا ينبغي للرجل أن يتدخل في أمور المرأة، ولا ينبغي للمرأة أن تتدخل في أمور الرجل، فليس من العشرة بالمعروف التي أوصانا الله عز وجل بها أن يكون الرجل فضولياً إذا دخل البيت، فيتدخل في كل صغير وكبير، ويناقش في كل جليل وحقير حتى يدخل في أمور الزوجية التي لا يفقهها ولا يفهمها، بل هذا من الخطأ الذي لا ينبغي للإنسان المسلم العاقل أن يكون عليه. ينبغي للرجل أن يكون عنده عزوف عن الأمور التي لا تليق به، فالمرأة راعية في بيت زوجها، كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) ما معنى راعية؟ معناه أن لها حقاً أن تتفقد أمور البيت، وأن يكون لها حق النظر في شئون البيت وأموره في الحدود الشرعية، فليس من حق الرجل أن يتدخل في كل أمورها، سواء كان صغيراً أو كبيراً. كذلك المرأة ليس من حقها أن تخرج من نطاق بيتها؛ لكي تسأل زوجها عن كل ساعة قضاها خارج البيت، وتتدخل في كل صغيرٍ وكبيرٍ من شأنه، حتى تسأله عن الضيف الذي دخل وخرج، فهذه من الأمور التي يمقتها الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كره لنا قيل وقال وكثرة السؤال) فكثرة السؤال من فضول الكلام الذي ينبغي للمسلم أن يبتعد عنه، بل هو مكروه، بل قد يكون ذلك مما يوجب الحرج. فقد يستاء الرجل من تدخل زوجته، فإن بعض الرجال يكون فيه لين ورقة إلى درجة تقوى معها الزوجة، فتتدخل في شئونه الخاصة. فلتتق الله المرأة المسلمة، ولتحفظ لزوجها كرامته، ولتحفظ لزوجها رجولته، ولا تتدخل في هذه الأمور. فإذا أعطى كل واحد من الزوجين حق الآخر، وقدر كل منهم للآخر قدره، فإن الله يحفظ بيوت المسلمين. ولتتصور المرأة مكانة الزوج حينما تعطيه حقه وهو خارج البيت، وليتصور الرجل حينما يدخل بيته، وقد أعطى رسالة البيت للمرأة تربي صغيرها، وترضع طفلها، وتقوم على ما يكون فيه الخير من شأن بيتها، كيف تكون البيوت؟ الرجل إذا دخل البيت ولم يتدخل في الشئون الخاصة، وأخذ يعين زوجته على تربية أولادها، وإدارة شئون بيتها قويت نفس المرأة وحمدت من زوجها ما كان منه.
الوصية الرابعة: حفظ العهد بين الزوجين
الوصية الرابعة التي يوصى بها كلا الزوجين: حفظ العهد، فإن حفظ العهد من الإيمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الإيمان، وقد فعل ذلك عليه صلوات الله وسلامه، فكان حتى بعد وفاة خديجة حافظاً لعهدها صلوات الله وسلامه عليه، حينما دخلت عليه هالة أخت خديجة فقام يجر رداءه صلوات الله وسلامه عليه. وما ذكر خديجة إلا وأثنى عليها, فكانت عائشة رضي الله عنها، تغار حتى أنها قالت: (أليس قد أبدلك الله خيراً منها؟ فقال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي وكفر بي الناس، وأعطتني ومنعني الناس) سبحان الله! زوجة ميتة ومع ذلك يحفظ حقها صلوات الله وسلامه عليه، فمن شيمة أهل الإيمان أنهم يحفظون حقوق الزوجات. فحفظ الحق هو الذي يصلح الله به البيوت، ويكون في كل صغير وكبير من أمور الزوجية، حتى عندما تدخل البيت، وتراها قد هيأت لك طعامك، فقلت لها: جزاك الله كل خير بارك الله فيك لا شلت يمين منك أي كلمة طيبة، يقول الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83]. أيها الإخوة: هذه أمور قد تكون يسيرة، لكن نذكركم بها؛ لأن الله يأجر عليها، تراها في تعب ونصب، فتأتيها في الظهيرة والقائلة وأنت عليك الهموم والغموم فتضع بين يديك الطعام لكي تذكرك معروفها، فتقول من شيمتك ووفائك لها: جزاك الله كل خير لا شلت يمينكِ حفظكِ الله نِعم ما صنعتِ كلمة يسيرة أوصانا الله بها، فقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] الله أكبر وقولوا للناس! كيف بالأهل والزوجات؟! فالله أمرنا أن نقول الكلام الطيب، وأن نبوح بالكلام الطيب، لكن تصور لو جئتها بعد تعبها ونصبها، وقد صنعت لك الطعام وغسلت لك الثياب، فقلت لها: ما الذي صنعت؟ هذا الطعام فيه كذا وكذا، وأخذت تعيب طعامها، كيف يكون حالها؟ كيف يكون حال هذه المرأة الضعيفة التي سخرها الله لك، وقد كان الإنسان عزباً يغسل ثوبه ويطبخ طعامه، ثم قيظ الله له امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تهيئ له طعامه، فيقابل هذا المعروف بالإساءة؟!! ولذلك ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ما عاب طعاماً وضع بين يديه صلوات الله وسلامه عليه (ما عاب طعاماً قط) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يدل على أن الحياة الزوجية لا بد أن تقوم على الصبر، إن وجدت شيئاً طيباً أثنيت ومدحت، وإن وجدت شيئاً غير طيب غضضت وسترت، فإن غضضت عنها، فقد يغض الله عز وجل عنك يوم يقوم الأشهاد، وإن غفرت لها يغفر الله لك يوم يقوم الأشهاد، مع أنك قوي وهي ضعيفة، وتستطيع أن تؤدبها وتستطيع أن تؤذيها، لكن ترفع يديك وتقول: يا رب! إني أخاف منك، وإني قد أعرضت عن خطئها لوجهك، فكم يكون لك عند الله عز وجل من الأجر، فهذه من الأمور المهمة: أن يكون كلا الزوجين حافظاً للعهد. وكما نقول هذا للزوج نقوله للزوجة؛ هذه أمور قد تكون تافهة، لكنها مهمة جداً، فكم من مشاكل زوجية بسبب كلمات خرجت من الألسن في مثل هذه المواقف الحساسة، يأتي الزوج من التعب والنصب لكي تقابله المرأة في ذلك التعب والنصب فتناقشه عن أمر من الأمور، أو تريد أن تصل معه إلى حل قضية من القضايا التي تحتاج إلى راحة ودعة واستفراغ للذهن. فهذه من الأخطاء التي يقع فيها كثير من النساء -أصلحهن الله- فينبغي أن تعلم المرأة أن الله يحاسبها عن زوجها، وأن الله سيوقفها بين يديه، لكي يحاسبها على كل ما فيه أذى لزوجها. وإن باتت وزوجها عليها غضبان، باتت الملائكة تلعنها من عظيم حق الزوج عليها. كوني كبعض النساء الصالحات التي إذا أحست من غضب زوجها عليها بقيت عند قدمه تسأله أن يعفو عنها، كل ذلك خوفاً من أن يغضب الله عز وجل، أو يبيت الذي في السماء ساخطاً عليها. فالمرأة المؤمنة تخاف الله، والمرأة المؤمنة قلبها رقيق، فمن شيمة أهل الإيمان أن قلوبهم رقيقة، وأن قلوبهم لا تتحمل ما فيه سخط الله عز وجل وغضبه، فهذا أمر مهم ينبغي للمرأة المؤمنة أن تعطيه حقه، وأن تقدر للزوج قدره. ومن الأخطاء الشائعة من النساء خاصة، إذا عظم الأمر فكان الرجل كبير السن، ذي شيبة مسلم: تهزأ به أمام أطفاله، أو تسخر به أمام أولاده، وكم من امرأة فعلت ذلك في مشيبها فأحبط الله به عمل شبابها، وكم من امرأة سودت صحائف أعمالها بعد أن بيضتها بالأعمال الصالحة، صبرت على زوجها حتى بلغ المشيب والكبر فأهانته وآذته، فختم لها بخاتمة السوء في حياتها الزوجية والعياذ بالله. وكم من امرأة كانت على أذية لزوجها، وبُعدٍ عن تقديره وإجلاله في بادئ أمرها، فلما شاب ورق عظمه، وابيض شعره، حفظت حقه ووداده، فغفر الله لها سيئات العمر التي مضت. فينبغي للمرأة أن تخاف الله، وأن تراقب الله خاصة في الكبر. وكذلك الزوج ينبغي عليه أن يرعى حق الله في الزوجة، وأن يحفظ حقها وعهدها خاصة في الكبر، فمن العيب القبيح أن تجد الرجل ذي الشيبة يجلس مع أطفاله وامرأته على كبر ومشيب، فيستهزئ بامرأته أو يسخر منها، أو يسميها باسم فيه سخرية، فإن هذا مما لا يرضي الله عز وجل، فإن السخرية والاستهزاء ليست من شيمة أهل الإيمان، فإن الله لا يحب سفاسف الأمور، ولكن يحب معاليها. إذا شاب شعرك، ورق عظمك، وشاب شعرها ورق عظمها، فليس هناك إلا ختم الأعمال بالصالحات، وذكر الله عز وجل بالمرضاة التي توجب المحبة من الله ورفعة الدرجات، ليس بعد المشيب والكبر إلا الأخلاق الفاضلة، والسكينة والوقار التي يتربى عليها أبناء المسلمين، هذه أمور ينبغي أن نتواصى بها، وأن يشد بعضنا أزر بعض، وأن نتقي الله عز وجل في هذه البيوت، وأن نختم حياة الزوجية بمرضاة الله جل جلاله.
الوصية الخامسة: أن يؤدي كلا الزوجين للآخر حقه
الوصية الخامسة التي يوصى بها في رعاية الحياة الزوجية: أن يؤدي كلا الزوجين للآخر حقه، وذلك في الحقوق التي أمر الله بها ومنها: - حق المبيت: يؤديه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، فلا يعرض أهله للحرام. - حق النفقة: ينبغي للزوج أن يعطي الزوجة حقها في النفقة على الوجه الذي يرضي الله بالمعروف: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] فمن كان ضيق اليد ينفق على قدر ضيق يده، ومن كان واسع اليد ينفق على سعة يده، ما لم يبلغ الإسراف في إنفاقه، فيكرم زوجته ويعطيها المال الذي يحس أنه يجبر خاطرها به. ولذلك يتصور الإنسان لو أنه أعطى زوجته نفقة، وجاء في يوم من الأيام وزوجته على غفلة، وقال لها: هذا المال هدية مني لكِ، أنتِ لكِ عليَّ معروف كثير، أنتِ لكِ عليَّ فضل -المرأة لها فضل أين ما كان، الله عز وجل يقول بعد الطلاق: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] الله أكبر! حتى بعد الطلاق! فكيف إذا كان الإنسان يعاشر زوجته؟!- فيجبر خاطرها - حق التجمل: فبعض النساء صالحات قانتات عابدات، لكنها تهمل التجمل لزوجها، وهذه قضية ينبغي طرحها، فإن الله أعطى حقاً للزوج كما أعطاه للمرأة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]. فصلاح المرأة لنفسها، أما الزوج فله حق ينبغي أن تظهر له ما يرغبه فيها، ويكسر عينه عن غيرها، أما أن تبقى صالحة عابدة مهملة لحق زوجها فهذا مما لم يأذن الله عز وجل به، فإن حق الزوج فرض، والنوافل والعبادات طاعة وقربة ليست بواجبة، ولا يتقرب إلى الله بشيء أحب إليه مما افترضه عليه، فأول ما تفكر فيه المرأة الصالحة التي تريد الصلاح بعينه أن تكسر عين زوجها، وذلك بما أمر الله به من التهيؤ للزوج. وكذلك الزوج، فبعض الرجال على صلاحه وعلى ديانته واستقامته -لكن صلاحه لنفسه- يهمل حق التجمل للمرأة. أيها الإخوة: دين الإسلام عظيم، حتى في أمور الزوجية، ليس من الحياء أن الإنسان ينكف عنها؛ لأنها حقوق وشرف لك أن تبين هذه الحقوق، وأن تدل عليها؛ لأن بيوت المسلمين تهدم عندما تضيع هذه الحقوق. ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن جلس ذات مرة مع أصحابه وجاء بالمرآة فجعل يكتحل ويسرح شعره، ويقول: [أتجمل لها، أحب أن أتجمل لأهلي كما أحب أن يتجملوا لي] وهو حبر الأمة وترجمان القرآن. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدخل بيت الزوجية ماذا كان يفعل؟! تقول عائشة : (كان يبدأ بالسواك) حتى لا يشم أهله منه الرائحة الخبيثة صلوات الله وسلامه عليه. فدين الإسلام دين طهارة، ودين سمو، ودين عفة، فهذه الأمور ينبغي العناية بها. المرأة الصالحة صلاحها لنفسها، لكن ينبغي عليها أن تؤدي حق زوجها، وأن تسعى في كل شيء يغض نظره عن الحرام، ولذلك أباح العلماء الاستمتاع بالمرأة، ونصوا على ذلك من خلال نصوص الكتاب والسنة، لئلا يتعرض الزوج للحرام ولا تتعرض المرأة للحرام، هذه أمور ينبغي التنبه لها. - حق الزواج ينبغي إعطاؤه على الوجه الذي يرضي الله، فكثرة السهر والتفريط في الفراش، هذه أمور ينبغي الحذر منها والبعد عنها وتقوى الله عز وجل فيها، فكم من فراش فسد بضياع حقه، وكم من امرأة تعرضت للحرام بغفلة زوجها عنها، وكم من زوج تعرض للحرام والنظرة المسمومة بغفلة زوجته عنه، فهذه أمور ينبغي التنبه لها. - حق الترويح: أن يحاول الإنسان أن يجعل للزوجة وقتاً للترويح وذهاب ما بها من ضيق، فالمرأة بشر ضعيف إذا جلست بين الأربع الجدران طيلة العام لا شك أنها في يوم من الأيام ستسأم. فإذا أكرمك الله عز وجل بامرأة صالحة قانتة عابدة بعيدة عن الأسواق، بعيدة عن الخروج والتبرج، فليكن من وفائك وشيمتك وعهدك أن تأخذها يوماً في الأسبوع أو يوماً في الشهر، لتروح عنها فتزور أقاربها. أعرف أناساً من أهل العلم والفضل بل من العلماء كانوا يأخذون أهليهم مرة في الشهر، أو المرة أو المرتين في السنة، يخرجون بأقربائهم. وبعض الأزواج لا يخرج زوجته إلا إذا طلبت، وبعض الأزواج قد لا يخرجها حتى لو طلبت، ومن المؤسف أن بعض الزوجات تقول لزوجها: أريد أن أزور عمتي، فيقول لها: ماذا عمتك؟ لا. اقعدي في البيت، وإذا قالت له: أريد أن أزور أمي، قال: لا. ماذا أمك؟ كل قليل تذهبين إلى أمك؟ -وقد تكون لها عن أمها شهوراً- سبحان الله! تسألك صلة رحم أمر الله بها أن توصل. كانت هذه المرأة الصالحة تنتظر منك في يوم من الأيام أن تأتي إليها وتقول: يا زوجتي! طال العهد بك ولم تزوري أمك، وأمك لها عليك حق فاذهبي إليها، لو عرضت عليها كيف يكون وقع ذلك في قلبها؟ والله لو أن الزوج ابتدأ زوجته بمثل هذه الأخلاق لملك قلبها. فإن الزوجة لو جئت في يوم من الأيام تقول لها: أمك لها عليَّ حق، ولها عليكِ حق، وأبيك له عليَّ حق، وله عليكِ حق، فلنذهب لزيارتهما، كيف يقع ذلك في قلبها؟ ولو أنها يوماً من الأيام قالت لك: يا فلان! والدك له عليّّ حق، ووالدتك لها عليَّ حق، أريد أن أزورهم، كيف يقع هذا في قلبك؟ يقع موقعاً كبيراً، فبمثل هذه الأخلاق وبمثل هذه الأمور يكون الترويح وتكون الصلة التي أمر الله بها. أيضاً تكون بركة لك؛ لأن المرأة الصالحة التي تصل أمها وأباها وتصل قرابتها مباركة؛ لأن صلة الرحم بركة: (من أحب أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه، وأن يزاد له في عمره، فليصل رحمه). فإذا وفقك الله بامرأة تبحث عن قرابتها وتصلهم، فكن أول من يعينها على طاعة الله ومرضاته، فصلة الرحم من الأمور التي ينبغي أن يتواصى بها. تصور لو أنك في يوم من الأيام جئت إلى والد الزوجة أو والدة الزوجة، وقلت: أريد منكم أن تأتوا عندنا، وتذبح لهم شاة تقصد بها وجه الله، وتقصد بها صلة الرحم، كم يكون لك فيها من الأجر؟ فوالد الزوجة له حق كبير عليك، فقد اختارك ورضِيَكَ من بين الناس لابنته، أو رضِيَك لأخته، هذا شيء ليس بالسهل ولا تستطيع أن تكافئه إلا بالدعاء، فكن خير زوج لأبي زوجتك: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [النساء:1] فصلهم وبرهم ولو مرة في العام. هل أحد يتصور زوجاً على ديانة واستقامة لم يدع أهل زوجته إلى طعام في بيته يوماً من الأيام؟! ينتظرهم يزورونه، وقد يحرجونه، فيجلسون إلى ساعات متأخرة! والله إن بعض الزوجات تقول: إن أبي وأمي يأتيان ويجلسان إلى ساعة متأخرة في الليل، وينصرفان من عندي بدون عشاء! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه). لما أراد علي أن يتزوج فاطمة قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فذكر أبا العاص - زوج زينب وأبا أمامة- رضي الله عنه وأرضاه فأثنى عليه خيراً، وسبب ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه، أنه لما أخذ أسيراً يوم بدر ، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقه من الأسر، قال: أطلقك من الأسر لكن تبعث لي زينب ، فمضى إلى مكة ووفى للنبي صلى الله عليه وسلم فبعث له ابنته زينب ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حافظاً لهذا العهد، فأثنى عليه خيراً. فبيوت الزوجية لا بد أن تقام على مثل هذه المعاملة، أن تكون خير زوج لابنة من زوجك، وخاصة إذا كان الشخص ملتزماً أو ينتسب إلى الهداية، فإنه محل نظرة إجلال، ولذلك تجد بعض الرجال يقول: فلان يفعل بي كذا، وقد يكون الزوج الثاني غير ملتزم يفعل أشد منه، ولكن يقول لك: هذا ملتزم، هذا مهتدٍ، كيف يفعل هكذا؟ إذا كان الإنسان على استقامة ينبغي أن يكون خير الأزواج لوالد زوجته. فهذه أمور مما يوصى بها، فإن العناية بالأرحام تحقيق لما أمر الله عز وجل به، فهذا من صلة الرحم، ومن إدخال السرور على الأهل، وقد يدخل الإنسان السرور على زوجته فيكون قربة بينه وبين الله، ولذلك يقول العلماء: "العادات تنقلب عبادات بالنية". فإن إدخال السرور على أهل الزوجة عادة، لكنها تنقلب عبادة باحتساب الأجر عند الله. فكن -أخي- ذلك الرجل، كن ممن يدخل السرور على المرأة، كما أنك تحب أن تدخل السرور على نفسك، فأدخل السرور على نساء المؤمنين، وكن وفياً كريماً.