لكل, الحب
المقطع الأول
كنت أجلس مع أختي بعد انتهاء الصلاة في المسجد الحرام وإذا بالإمام ينادي للصلاة على الميت ، وبينما أنا أشرح لها كيفية أدائها إذا بفتاة شابة بجوارنا تبكي وتسألنا أن ندعو للميت ، حاولت أن أواسيها ولكن الكلمات احتبست في حلقي وامتلأت عيناي بالدموع وأنا أفكر بحال الميت وتخيلت ماذا لو كنت مكانه ؟ عندها أحسست بواجب كبير تجاه كل الأموات بأن أدعو لهم على الأقل في كل صلاة وعند ذكرهم فهم من المحرومين وفي أشد الحاجة لدعاء يؤنس وحشتهم ويخفف عذابهم ويحط من سيئاتهم ، فمن فاته العمل الصالح في الدنيا والصدقة الجارية ليس له بعد الله سبحانه إلا انتظار مايجود عليه أهل الخير من دعاء وصدقة ، وإن كان الميت صالحا كان ذلك مزيدا له في الخير.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين ، وأكرم نزلهم ، ووسع مدخلهم ، وأغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وارحمنا إلى صرنا إلى ما صاروا إليه .
المقطع الثاني
منذ مدة ليست بالبعيدة فقدت خالي وابنته ــ رحمة الله عليهما ــ وقد قالت أختي حينها إن هذه ( بروفة ) وأيدتها في ذلك حيث أن كل الأحلام التي رأيتها وأخواتي قبل الحادثة وبعدها تؤكد هذا ، وفي إحدى المرات حكيت لأمي حلمي الثالث دون أن أدرك معناه ، لكن عندما أنبتني أمي على روايتي للحلم ظهرت لي الحقيقة كقرص الشمس ، وظللت أفكر من ياترى المقصودين ؟ ومتى ؟ وكيف ؟ وأهم من ذلك كله هل الله راض عنا ؟ وأول ماخطر لي عندما وقفت أصلي أن تكون صلاتي وكأني سأموت الآن ، ولما حضر أحد إخوتي للسلام علينا في غرفتنا رغم أننا نراه كل يوم تماسكت قدر استطاعتي كي لا تنسكب دموعي التي تجمعت في عيناي وأنا أتخيل فراقه وسألت الله الثبات والشكر والصبر على كل حال وأصبحت هذه دعوة ثابتة أدعو بها صباحا ومساء ، وتذكرت أنه قد يكون عليهم ديونا لا نعرفها عليهم توثيقها إن كانوا عاجزين عن سدادها أو الاعتذار من أصحابها والوعد بسدادها حال تمكنهم ، كما أنني متاكدة بانهم لم يكتبوا وصيتهم طاعة لأمر الله تعالى بكتابتها وتجديدها كل فترة ليتجدد معها الإحساس بدنو الأجل فيصلح العمل ، ورأيت أن أفضل طريقة لتنبيه النفس هي وضع لافتة على ظهر السرير لتذكرنا بمحاسبة أنفسنا كل ليلة والاستغفار لمن أسأنا إليهم ، كما لم أنسى الحرص الدائم على رضى والدينا ، ولكل ما سبق قررت وأخواتي أن نجتمع مع إخوتي لتنبيهم فسواء صدقت أحلامنا أم لم تصدق ، فعلى المؤمن أن يكون مستعدا للموت في أي وقت . قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) .
قد اتهم بالقسوة والتشاؤم ولكني أفضل ذلك وأرى أن أكون واقعية وأستعد لأمر واقع لا محالة خير من أن أعيش في غفلة وأندم حين لا ينفع الندم . قال تعالى ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربي ارجعون . لعلي أعمل صالحا فيما تركت )
صحيح أن الإنذار لعائلتي ، ولكنني رغـبت في عرض الموضوع عليكم من باب ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) عسى ألا يكون من بيننا محروم من نفع هذه الذكرى .
المقطع الثالث
في كل عام نؤدي العمرة مرة ، وفي كل مرة نردد والله إننا لمقصرين فمكة بجوارنا ولا نزور بيت الله الحرام إلا مرة في العام ونقول ( إن شاء الله سنعتمر كل شهر ) وتمر الشهور بين تأجيل وكسل ، أليس هذا حرمان عظيم من تكفير الذنوب !!
والمحرومون كثير وسأذكر على سبيل المثال بعضا منهم :
من يستمع إلى الآذان ولايردد مع المؤذن ويدعو بالدعاء المأثور يحرم نفسه من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل ضمنت الجنة وفي غنى عن شفاعته عليه الصلاة والسلام ؟!!
من يمر عليه الثلث الأخير دون أن يسأل الله من فضله ، محروم من دعوة يجيبها له المولى عز وجل في ساعات الإجابة التي يتنزل فيها إلى السماء الدنيا ، هل تحققت لك كل أمنياتك وغفرت ذنوبك لتتعالى على الله ولا ترد عليه سبحانه وهو ينادي هل من سائل فأعطيه ؟ ، هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داعي فأجيبه ؟ ألا تستحي أن تظل نائما أو لاهيا دون أن تقوم له عز شأنه وقد تنزل لأجلك ؟ !!!!!!!!! لو زارك ضيف من أهل الدنيا لنهضت راغما من نومك لاستقباله ولله المثل الأعلى ملك الملوك وأنت عبده فهل ستظل محروما من قربه ؟
محروم من لم يختر لنفسه من الأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يردده كل يوم فمن قال مثلا ( استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ) غفرت ذنوبه ولو كان فارا من الزحف . هل أنت من المبشرين بالجنة ولست محتاجا للذكر ؟!!!! رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة ، وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه شكرا لله على نعمه ، أما آن الآوان لتدرك حقيقة حرمانك ؟! قال تعالى ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )
إن ليلة القدر فرصة عظيمة لتكفير الذنوب جميعها والعتق من النار وكل عمل صالح فيها يكون أجره خير من العمل ألف شهر وتستجاب فيها الدعوات ، إن الصيام يسقط الفريضة لكن مغفرة الذنوب مرهونة بسلوكياتنا قولا وعملا، وقد أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول جبريل ( بعدا لمن أدرك رمضان ولم يغفر له ) ، فهل ستكون محروما فيما بقي من الليالي العشر ؟
إخواني وأخواتي فيكم الخير الكثير ، لكن لايخلو كل منا من بعض جوانب الحرمان علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا فالمؤمن عليه أن يظل بين الخوف والرجاء ؛ يخاف عقاب الله ويرجو أن يقبل عمله ، ولا ننسى أن العمل الصالح لا يقتصر على رمضان فلو غفر لنا في هذا الشهر الفضيل سنبدأ بعده صحيفة جديدة علينا أن نحرص على أن تكون منيرة بأعمالنا الصالحة .
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
" انشر تؤجر "
g;g lk i, lpv,l lk hgpf !!