معتصم, المسجد, تل المغاربة, حكاية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يكن لدى "معتصم سالم أبو فرحة" الشاب الفلسطيني الذي خرج من المدرسة قبل أن يكمل تعليمه الثانوي ليتمكن من إعالة والده ووالدته الطاعنين في السن وإخوته الخمسة أي مفر عندما اتصل به شخصيا "كاترئيل" رئيس شركة "جال نور" -التي يعمل بها منذ 3 سنوات في مجال الحفر والتجريف والترميم- ليخبره بضرورة تواجده في الموقع عند حائط المبكى في تمام السادسة والنصف صباحا قبل باقي العمال لإنهاء بعض الأعمال الترميمية.
ولأن الأمر على ما يبدو كان خطيرا فقد عاود "كاترئيل" الاتصال به مرة أخرى ليكرر عليه ما قاله له في المكالمة الأولى مع سؤال جديد عن رقم بطاقته الشخصية لإخراج تصريح ما من الجيش الإسرائيلي، وقتها بادر "معتصم" بالسؤال عن طبيعة العمل –التي تجعل رئيس الشركة يتصل به مرتين- وهل لها علاقة بتدمير تلة باب المغاربة فأجابه بالنفي!!
كان مشهد القوات الإسرائيلية والزخم الإعلامي الكبير بجوار الجرافتين الضخمتين قد أكدا لـ"معتصم" مخاوفه بأنه سيشارك في هدم طريق باب المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى فسارع بالاتصال برئيسه ليخبره بامتناعه عن العمل نهائيا تحت أي ظرف من الظروف فيعده الأول بمضاعفة الأجر إلى (1000 شيكل) وعندما كرر الرفض، حصل على وعد آخر. إنهاء خدماته في الشركة والاستغناء عنه.
ومن هنا تبدأ الحكايــة
|
V
كان المسجد الأقصى ولايزال يرتبط بقيمة تاريخية ودينية مميزة لدى المسلمين –تكاد تجعله في منزلة الكعبة المشرفة- بدأت منذ أن أسري بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى حيث التقى بأنبياء الله وصلى بهم إماما، وقد شرف النبي "صلى الله عليه وسلم" المسجد الأقصى بأن قال عنه "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ أَهَلَّ بِحَجَّة أوْ عُمْرَة من المسجد الأقصى إِلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر" (سنن أبي داود).
كما روى أحمد في مسنده عن ذِي الأصَابِعِ قَال: قلت يا رسول الله، إِنِ ابْتُلِينَا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشأ لك ذرية يعدون إلى ذلك المسجد ويروحون".
روى ابن ماجة في سننه عن ميمونة مولاة رسول الله قالت: قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره" وروي عن رسول الله قوله: "من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء".
وعن ابن عباس قال: من حج وصلى في مسجد المدينة ومسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وعن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله "من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس".
وعن المسجد المسجد الأقصى قال رب العزة جل قدره:
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" سورة الإسراء-الآية رقم (1)
ويعد المسجد الأقصى بهيئته الحالية هو البناء الثاني وليس الأول كما يعتقد البعض فقد تهدم المبنى الأصلي الأول الذي بناه الفاروق "عمر بن الخطاب" عقب الفتح الإسلامي لبيت المقدس سنة 636 ميلادية ولم يتحمل الظروف المناخية المختلفة ليعيد بناءه الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" في الفترة ما بين 709-714 ميلادية وذلك وفقا للراويات التاريخية التي أكدتها أوراق البردي التي حملت مكاتبات بين "قرة بن شريك" عامل مصر الأموي وأحد حكام الصعيد حول أجور العاملين في أعمال البناء والتجديد، والمؤكد أن الخليفة الأموي الأول "عبد الملك بن مروان" هو من قام ببناء مسجد قبة الصخرة عام 691م في وسط الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى في المنطقة الجنوبية وليس "الوليد بن عبد الملك" فالأخير قام بأعمال بترميم المسجد الأقصى وإعادة بنائها من جديد، ويخلط عدد من المسلمين بين البناءين بسبب تشابه قبتيهما المكونة من طبقتين خشبية ومعدنية مليئة بالزخارف الجبسية والزجاجية الملونة، إلا أن كلا البناءين مختلف عن الآخر.
قبة الصخرة والمسجد الأقصى
وقد ظل الأقصى كما بناه الأمويون بساحته الكبيرة حتى تعرض لهزة أرضية قوية تسببت في انهيار جانبيه الشرقي والغربي عام 746 ميلادية، وتولى العباسيون بعدها عملية ترميمه مرة أخرى لكن سرعان ما تعرض لهزة ثانية أدت إلى انهيار أجزاء منه ليتكفل الخليفة المهدي بإعادة تجديده وإنشائه عام 780 ميلادية ليتضمن وقتها 15 رواقا.
ويبدو أن الهزات الأرضية المتعاقبة على المسجد الأقصى قد نالت منه طويلا عبر العصور ففي عهد الفاطميين دمر الزلزال أجزاء كبيرة من المسجد الأقصى حتى قام الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بترميمه عام 1035 ميلادي لكنه قام بحذف أربعة أروقة من كل جانب.
وكانت الطامة الكبرى في 15 يوليو 1099ميلادية وقتما استعمرت الحملة الصليبية بيت المقدس بتحريض من البابا يوربان الثاني وأمراء الإقطاع وملوك أوروبا فقتلت أكثر من 40,000 من سكانه وغيرت من ملامح المسجد الأقصى وحولت قسما منه إلى كنيسة بينما استخدمت القسم الآخر كمسكن لفرسان الهيكل وأضافوا إليه ملحقا من الناحية الغربية استخدموه كمخزن للذخيرة، ومحوا كل ما له علاقة بالإسلام حتى إنهم وضعوا صليبا كبيرا من الذهب على قبة مسجد الصخرة وأسموه معبد السيد الرب ولم يكتفوا بهذا بل استغلوا الساحات الواسعة أسفل المسجد الأقصى كإسطبلات للخيل.
حريق المسجد الأقصى 1969
وجاء الفرج على يد صلاح الدين الأيوبي الذي نجح في القضاء على الغزو الصليبي وأعاد فتح بيت المقدس عام 583 هجرية/ 1187 ميلادية وأعاد للمسجد هيبته وقدسيته الدينية لدى المسلمين، وبدأت أعمال التطوير والتطهير من جديد في جميع أنحائه وكان أعظم ما تم إنشاؤه هو المنبر الخشبي الذي صمم في عهد "نور الدين زنكي" وكان تحفة فنية من أروع ما أنجبت الحضارة الإسلامية (لكن الحريق العظيم الذي شب فيه على يد شاب أسترالي يسمى مايكل روهان في 21/8/1969م وادعت المحكمة الإسرئيلية أنه مختل علقيا ويعاني من اضطرابات نفسية قضت عليه تماما ولم يتبقى منه سوى قطعة صغيرة حفظت في المتحف الإسلامي بالحرم الشريف).
ومن بعد الأيوبيين تابع المماليك أعمال الترميم والتجديد المستمرة ولم تتوقف أعمالهم في المسجد الأقصى بدءًا من السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون ومرورا بالناصر محمد بن قلاوون والملك الكامل سيف الدين شعبان وانتهاء بـ"قنصوه الغوري"، كما لم يضن العثمانيون بالمجهود والنفقات على المسجد بل تعددت ترميماته في عهد السلطان سليمان القانوني ومحمود الثاني وعبد الحميد الثاني 1293هجرية/ 1876 ميلادية.
و.
تحياتى لكـم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
lk "lujwl" Ygn "jg hglyhvfm" p;hdm hgls[] ,hgid;g!