الهـضـم
عندما يحجب الطفل عن الرضاعة و يبدأ في الأكل ، تظهر الآيات البينات على قدرة الخالق و عظمته ، بما يشاهد من جليل الصنع على تهيئة الإنسان بما يحقق له حفظ حياته . فنجد في فم الإنسان فتحات الأنف الداخلية ، وفتحة التنفس في أول القصبة الهوائية و فتحة البلعوم أول القناة الهضمية . ويقول العلم أن أية ذرة من غبار تضل طريقها و تصل إلى القصبة الهوائية لابد أن تُطرد ، وما السعال إلا محاولة لطرد غبار وصل القصبة الهوائية ، وأي ذرة من الغبار تقتحم القصبة الهوائية تفضي إلى الموت فكيف تدخل أذن البلعة الغذائية إلى فتحة القناة الهضمية و لا تدخل في فتحة القصبة الهوائية برغـم تلاصق فتحتيها ؟!
تدفع اللهاة إلى أعلى عند البلع ، و يسد لسان المزمار طريق التنفس حتى تدخل البلعة الغذائية ، و لم يحدث أن أخطأ لسان المزمار طريق التنفس حتى تدخل البلعة الغذائية ، ولم يحدث أن أخطأ لسان المزمار ، ذلك الجندي المجهول في نظام المرور الكائن في فتحة الفم اطلاقاً فاذا تصورنا كم فماً على وجه الحياة و كم جنديا يحرس تلك الفتحات في كل ثانية بل في كل لمحة ، و كم مرة تفتح هذه هذه الفتحات و تقفل لآمنا بأن الله موجود في كل مكان وكل حين ، و لقلنا كما قال أحد العلماء في شرح طريق مرور البلعة الغذائية هنا آية حية تنطق بوجود الله .
و يتم هضم الغذاء ، أي تحويله من مواد صلبة معقدة ، إلى أخرى سائلة سهلة الامتصاص بعمليات دقيقة غاية الدقة ، تقوم خير دليل على وجود الله ، فكم ما يأكله الإنسان من صلب جامد وسائل و لزج ، ومر وحار ، و ثقيل و خفيف ، و حريف و لاذع و ساخن و بارد ، و لحوم وخضر ، و خبز و فاكهة ، وزيوت و شحوم ، و بقول و أبصال . مطبوخة أو نيئ ، كلها تهضم بمواد واحدة ، و طريق واحد ، مواد اختلفت تراكيبها وتباينت تراكيزها جسم الإنسان ، أدق معمل كيماوي عرف على وجه البسيطة فيدفعها في طريقها المرسوم لتصب عليها الغدد افرازاتها الحمضية ، و عصاراتها ذات التركيز المقدر ، الذي لو قل قليلاً لما هضم الطعام ، ولو زاد زيادة طفيفة لاحترق الجسم ، فسبحان الخالق العظيم .
تدخل البلعة الغذائية في الفم فتبدأ أولى مراحل الهضم ، و ذلك بخلط الغذاء باللعاب الذي تفرزه ست غدد : اثنتان على انبي عظمتي الوجه ، و هما النكفيتان ، ووزن كل منهما 25 جراما ، و اثنتان تحت الفك الأسفل كل بحجم اللوزة ، و اثنتان أسفل اللسان من الأمام و كل وزنهما 4 جرامات و هذا اللعاب أول مراتب الهضم ، لاحتوائه على خميرة ، ويساعد على خفض درجة حرارة الطعام ، إن كان ساخنا ، و كسر حدة برودته أن كان مثلجا ، كما أنه عامل أساسي في معادلة المواد الحرفة ، و تخفيف أثر التراكيب اللاذعة و تنزلق بعد ذلك البلعة مختلطة باللعاب إلى البلعوم ، فالمريء ثم المعدة إلي تفرز حامض الكلورودريك ، ذا التركيز الخاص المعد بعناية ، فتبلغ درجته من أربعة من أربعة إلى خمسه في الألف ، و لو زاد التركيز هذا الحامض على ذلك زيادة طفيفة ، لحرق أنسجة المعدة حرقاً تاماً . و تتولى بعد ذلك زيادة الافرازات و العصارات في مختلف أجزاء الجهاز الهضمي الذي يبلغ طوله تسعة أمتار . فهذه العصارات في مختلف أجزاء الجهاز الهضمي الذي يبلغ تسعة أمتار . فهذه عصارة الأمعاء ، و تلك إفرازات الصفراء والبنكرياس و غيرها وكلها تلائم حالة الغذاء الذي وصل إليها .
و لم تعرف إلا من عشرين سنة و وظائف الغدد المسامات تلك المعامل الكيماوية الصغيرة التي تمد الجسم بالتراكيب الكيماوية الضرورية ، و التي تبلغ من قوتها ، أن جزءا من بليون جزء من بليون جزء منها ، تحدث آثارا خطيرة في الإنسان . و هي مرتبة بحيث أن إفراز كل غدة يكمل إفراز الغدة الأخرى . و كل ما يعرف عن هذه الافرازات إنها معقدة التركيب تعقيداً مدهشاً ، وأن أي اختلال في إفرازها يسبب تلفاً عاما في الجسم ، يبلغ حد الخطورة إذا دام هذا الاختلال وقتاً قصيراً .
و كذلك لم يعرف إلا أخيراً أن الغدد النخامية و الغدتين فوق الكليتين إنما هي مخازن ذخيرة تعمل و تنشط عند الحاجة بينما في الأوقات العادية لا تزيد عن كونها أجهزة عاطلة هذه الغدة وظيفتها الأساسية حفظ التوازن الكمياوي و الحيوي في الجسم إلا أنه يحاط الإنسان بجو بارد تفرز هذه الغدد افرازات تسبب ضيقاً في الأوعية الدموية مما يرتفع بسببه ضغط الدم فيتغلب الجسم على الجو البارد المحيط به . بالدفء الداخلي الناتج من ارتفاع ضغط الدم .
و في حالات الجروح الخطيرة ينعكس عمل هذه الغدد فتعمل على خفض ضغط الدم و سرعة تجلطه لإيقاف نزف الدم كما أن هذه الغدد تعمل على تخفيض ضغط الدم عند الانفعالات النفسية و حالات التوتر و القلق
و ما قرره العلم من أن للأمعاء الدقاق ، التي يبلغ طولها ستة أمتار و نصف متر ، حركتين لا اراديتن مما يؤيد وجود الله . الحركة الأولى : حركة خلط مستمر هدفها مزج الطعام بمختلف عصارات الأمعاء و خمائرها مزجا تاما حتى يكون الهضم عاما : و الحركة الثانية : عرض الطعام المهضوم على أكبر مساحة ممكنة في الأمعاء كي يمس أكبر مسطح فيها فتمتص منه أكبر قدر ، ثم يأتي بعد ذلك دور الهضم في الأمعاء الغلاظ التي تفرز آخر أجزاء المواد المهضومة من الفضلات ، حتى لا تخرج من الجسم إلا الفضلات و النفايات التي لا فائدة منها للإنسان ، كما أنها كذلك تفرز مادة مخاطية تيسر انزلاق هذه الفضلات إلى خارج الجسم .
و في جسم الإنسان ، علاوة على هذه المواد الكيماوية المعقدة و المختلفة الأنواع ، ميكروبات و جراثيم و بكتريا ، إذا زاد عدد النوع النوع منها عما هو مقدر لها ، أو قل عمل تنوع آخر ، أو اختلفت لسبب ما نسبة هذه الأحياء بعضها لبعض ، لهلك الجسم . و هذه الأحياء تفرز افرازات ، و تقوم بنفسها بتحويل الغذاء العسر إلى يسر ، و الصعب إلى سهل ، و المعقد إلى بسيط و الضار إلى نافع ، و الكيماوي إلى دم . و لتعرف ماهية هذه الحياء يكفي أن تعلم أن العلماء قد قدروا عدد الموجود منها بالمعدة بحوالي مائة ألف في السنتيمتر المكعب الواحد .
و يقول علماء الطب و أساتذة علم الأحياء عن جسم الإنسان ، انه يقوم بأعمال تثبيت أنه خلق بحكمة و لحكمة ، و انه وجد بتقدير ، و تنفي عنه شبة المصادفة في خلقه . و دليلهم على ذلك التحول الذي تقوم به الأجهزة لملاقات نقص وجد ، أو لتكملة ضعف طرأ على أحدها ، فقد دلت التجارب التي أجريت ، و المشاهدات التي درست ، على أنه إذا استؤصلت كلية من الجسم مثلاً ترتب على ذلك تضخم الأخرى ، لا مكان قيامها بعمل الكيتين ، دون أن يكون للإنسان دخل في ذلك : كذلك إذا بتر نصف الغدة الدرقية ن زاد حجم النصف الثاني ، و إذا أصاب القلب مرض في صمامه قلل من قدرته ، عمل على أن يزيد سمك جدرانه شيئاً فشيئاً لتقوى عضلاته على دفع الأذى . و كثيرا ما يلاحظ أن القلب في محاولة إصلاح خلله يأخذ حجمه في الكبر حتى يصبح أربعة أضعاف ما هو عليه . و يقول أحد العلماء أن القلب يفعل ذلك لأن عليه أن يفعله . و في ذلك يقول الدكتور " رتشارد كابوت " و الدكتور " راسل ركس " في مؤلف لهما : إن لأعضاء الجسم قوة مدخرة يستمد منها عند الحاجة ، فالمريض بالسل الذي أصيب في بقعة من الرئة ن يجد في جسمه أنسجة من الرئة تزيد عن حاجته ، يستطيع أن يعتمد عليها في مده بأسباب الحياة . و قد ظل الدكتور " ترودو " العظيم أربعين عاماً عاكفاً على علمه المتواصل المرهق ، و ليس له الا جز من رئة واحدة . و دلت التجارب على أن بالجسم أجزاء احتياطية ن يمكن الاستغناء عن جز منها عند إصابتها بمرض . فقد يقطع من أمعاء الإنسان متر من الأمتار السبعة و النصف الموجودة بجسمه دون أن يحس بفقده كذلك أمكن بتر أجزاء متعددة في مختلف أجهزة الجسم دون أن يؤثر على حياة الإنسان . و من أغرب ما حدث في هذا الشأن ما أعلنه الدكتور آرون سميث في المؤتمر الدولي لعلماء النفس المنعقد في موسكو أوائل شهر أغسطس 1966 عن رجل أمريكي أزيل نصف مخه بعملية جراحية وما زال يستطيع المشي و الكلام و الغناء بل و القيام بمسائل حسابية كما كان قبل الجراحة .
و لجسم الإنسان قدرة على التشكل لملائمة ظروف طارئة . فعندما يشرف الحمل على غايته ، تتدفق السوائل من مختلف الأجهزة إلى أنسجة المهبل لتصبح أنسجته رخوة مطاطة ، و تساعد بذلك على مرور الجنين ، و تجعل نزوله ممكنا . فأين كانت هذه السوائل ؟ و ما هي الافرازات التي كانت تفرز قبل هذه السوائل ؟ و هل يتم ذلك عفوا و هل وجد كل ذلك مصادفة .؟ . إنها قدرة كائنة في الإنسان لابد فيها له .