الملاحظات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 18

الموضوع: كتاب مقامات القرني (_ رائعة من روائع الشيخ عائض القرني بين يديكم )

مـقـدمـــة المقـامَــات * بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا * الحمد لله وليّ النعمة ، دافع النقمة ، ما غرّد طائر بنغمة ، وهبّ صبح بنسمة، وتلألأت على ثغرٍ بسمة

  1. #1 3dd79b289a كتاب مقامات القرني (_ رائعة من روائع الشيخ عائض القرني بين يديكم ) 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    لقاءات, الشيخ, القرني, بين, يديكم, رائعة, روائع, عائض, كتاب

    [img]كتاب مقامات القرني رائعة روائع 7ea66b1074.gif[/img]
    [frame="9 80"]مـقـدمـــة المقـامَــات

    * بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا *

    الحمد لله وليّ النعمة ، دافع النقمة ، ما غرّد طائر بنغمة ، وهبّ صبح بنسمة، وتلألأت على ثغرٍ بسمة ، والصلاة والسلام على من زيّن ببيانه الكلام ، وأذهل بفصاحته الأنام، وطرق بوعظه الأيام ، سلالة النجب ، وصفوة العرب، أجلّ من خطب ، صاحب الحسب والنسب ، محطم الأصنام والنصب ، وعلى آله والأصحاب ، ما لمع سراب ، وهمع سحاب ، وقرئ كتاب ، وبعد :
    فقد أشار عليّ الشيخ الأريب ، والشاعر الأديب ، الدكتور / أحمد بن علي القرني الأستاذ بالجامعة الإسلامية بكتابة مقامات ، هي على الفضل علامات ، فقلت له صاحب ذلك قدْ مات ، ولم يبق إلا حاسد وشمّات .
    فذكرني بشريط مصارع العشّاق ، وقال : كلّ لمثله مشتاق ، فإنه للقلوب ترياق ، وليس لك عذر ولو التفت الساق بالساق ، وأحضر لي من حرصه الدفاتر ، والخاطر قبل مجيئه فاتر ، فأجّلت تفكيري ، وقد اشتعل في ليل رأسي صبح نذيري ، وقد سبقني لهذا الهمداني والحريري ، ولكن على الله المعوّل ، وكما قال الأول :
    ولو قبل مبكاها بكيت صبابة.لكنتُ شفيت النفس قبل التندمِ
    ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا.بكاها مكان الفضل للمتقدّمِ

    وقد قلت لصاحبنا لا جرم أنك استسمنت ذا ورم ، وهذه سنة أهل الكرم ، والخاطر شذر مذر ، من شجون لا تبقي ولا تذر ، ولا أقول بعدت علينا الشقة ، ولكن كما قال أبو الطيب : لولا المشقة ، واعرف أن من البشر ، كشجرة العشر ، أعدى من السوس ، وأشأم من البسوس ، يأتي على غرة ، ويبحث عن العثرة ، ويقص الجُرّة ، ولو اعتذرت لنا عنده سبعين مرة .
    فأقول للمادحين ، كونوا ناصحين ، وكما قيل فعين الرضا ، والمحب يمشي على جمر الغضا ، وأقول للقادحين ، كونوا مازحين ، وتذكروا : وإذا أتتك مذمتي ، واجعلوا الخطأ في ذمتي ، فقد شابت لمتي ، فإن عثر جواد بياني ، وتلعثم لساني ، فالعيب من زماني ، فما أدركت حسّان ، وما صاحبت سحبان ، وما دخلت على النعمان ، وما لقيت صُنّاع الألفاظ ، في سوق عكاظ . ولكنني مع أقوام ، على الأدب أيتام ، كلما لمع فيهم متكلم وظهر ، وقال إن الله مبتليكم من البيان بنهر ، قالوا إنما يعلمه بشر ، ولولا سواه ما اشتهر ، فيقول الحال : لكل عين قذى ، ولن يضروكم إلا أذى ، فجِدّوا كما جَدّوا ، أو سُدوا المكان الذي سَدوا . فكم نال الحساد صاحب الأدب ، وأنه ليس له في البلاغة نسب ، وما له في الفصاحة حسب ، وجاءوا على قميصه بدم كذب .
    وكم انبعث من أهل البلادة أشقاها ، فصاح بهم رسول البيان ناقة الله وسقياها . وعسى عصا موسى البيان ، تكسر رأس فرعون الطغيان .
    وإذا ألقى قميص يوسف الملاحة ، على بصر يعقوب الفصاحة ، نادى لسان حال المتكلمين : ادخلوا مصر الإبداع آمنين . وقد طاولت بهذه المقامات قامات ، ولامست بها هامات ، وكلما قابلني هامّات وطامّات ، قلت : أعوذ بكلمات الله التامّات .
    وسوف يقرؤها صاحب ورع بارد ، وذهن جامد فيتأفف ، ويتأسف ، ويقول الرجل تكلّف وتعسّف ، فأقول : ماذا بعشك يا حمامة فادرجي ، فقد جعلت القلم واللسان أوسي وخزرجي ، وعلمت أنه مع كل بانٍ هادم ، ومن راقب الناس فهو النادم ، وقد عاب المخلوق الخالق فقال تعالى : ( يسبني ابن آدم ) .
    وإذا أراد الله لعمل بشر أن ينتشر ، قيض الله له أهل خير وشر ، فصاحب الخير له نصير ، وظهير ، وخفير ، ووزير .
    وصاحب الشر سبّاب عيّاب ، له من الحسد ناب ، وله من العداوة مخلاب .
    وانظر إلى المعصوم ، كيف ابتلي بالخصوم ، شق الله له القمر ، فقالوا هذا سحر مستمر ، ولما جمع قريشاً وخطبها ، قالوا أساطير الأولين اكتتبها .
    وأسأل الله أن يجعل هذه المقامات ، بكل فضل ملمّات ، وأن يجعلها بالحسن رائعة ، وبالفضل ذائعة ، وبالبر شائعة ، وبالأنس ماتعة ، وبالنور ساطعة ، وبالجمال لامعة ، ولكل خير جامعة ، وعن كل سوء مانعة ، وللجدل قاطعة .
    محلاة بالفوائد ، مزينة بالقلائد ، متوّجة بالفرائد ، مزدانة بالشوارد ، كالماء الزلال لكل صادر ووارد ، تضمرها العقائد ، وتنشرها القصائد ، وصلى الله وسلم على صفوة الحواضر والبوادي ، الذي تشرفت بذكره النوادي ، فهو الهادي ، وإلى كل فضل منادي ، وعلى آله البررة ، والأربعة الخيرة ، وبقية العشرة ، وأهل الشجرة . [/frame]

    ;jhf lrhlhj hgrvkd (_ vhzum lk v,hzu hgado uhzq hgrvkd fdk d]d;l )







    رد مع اقتباس  

  2. #2  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="3 80"]

    [img][/img]

    مقـامَـــةُ التــَّوحيــد
    * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ *




    فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
    وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

    التوحيد ، هو حق الله على العبيد ، وهو أول ما دعا إليه الرسل ، وبه كل كتاب نزل ، وهو أصل الأصول ، والطريق للوصول ، وبه عرف المعبود ، وعمر الوجود ، ولأجله أعدت الجنة والنار ، وسل السيف البتار ، وقوتل الكفار ، ولإقامته في الأرض دعت الأنبياء ، وعلمت العلماء ، وقتل الشهداء ، وهو أول مطلوب ، وأعظم محبوب ، وهو أشرف المقاصد ، وأعذب الموارد ، وأجل الأعمال ، وأحسن الأقوال ، وهو أول الأبواب ، وبداية الكتاب ، وأعظم القضايا ، وأهم الوصايا ، وخير زاد ، يحمله العباد ، ليوم التناد ، وهو قرة عيون الموحدين ، وبهجة صدور العابدين ، وهو غاية الآمال ، وأنبل الخصال ، بل هو أعظم الكفارات ، وأرفع الدرجات ، وأكبر الحسنات ، وهو منشور الولاية ، وتاج الرعاية ، والبداية والنهاية ، وهو الإكسير الذي إذا وضع على جبال الخطايا أصبحت تذوب ، وصارت حسنات بعد أن كانت من الذنوب .
    وعلى هذا حديث (( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) .
    وهو الذي هز في طرفة عين قلوب السحرة . فقالوا بعزم ماض : اقض ما أنت قاض ، والمرأة التي سقت الكلب ، فغفر لها الذنب ، كان معها توحيد الرب ، والرجل الذي قتل مائة رجل ، وذهب إلى القرية على عجل ، فأدركه الأجل ، غفر له بالتوحيد عز وجل . والتوحيد كنـز جليل ، في قلب الخليل ، فقال لما شاهد الكرب الثقيل ، حسبنا الله ونعم الوكيل .
    ولما قال الصدّيق في الغار ، لسيد الأبرار ، لو نظر أحدهما لرآنا ولسمعنا ، قال :  لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا  ، إنما قال ذلك بلسان الموحد ، وقد سدد بتوفيق الله وأيد .
    وما فلق الله البحر للكليم ، إلا لأنه صاحب توحيد عظيم ، ونهج كريم ، ولو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان ، ولا إله إلا الله في كفة لكان لها الرجحان ، ولو كانت في حلقة حديد لفصمتها ، وفي صخرة لفجّرتها ، ولا إله إلا الله مفتاح الجنان ، وله أسنان ، من الواجبات والأركان ، وصاحبها لا يخلد في النار ، ولا يلحق بالكفار ، وقد قالوا لأحد العلماء وقد سجن ، وفي سبيل هذه الكلمة ذاق المحن ، قل كلمة التوحيد، قال من أجلها وضعت في الحديد ، وقالوا لأحد الأولياء وقد رفع على خشبة الموت ، وقرب منه الفوت ، قل لا إله إلا الله ولا تغفل ، قال : من أجلها أقتل .
    وسمع أحد الصالحين رجلاً يقول لا إله إلا الله ومد بها صوته فبكى وقال :
    وإني لتعروني لذكرك هزة كما انتفض العصور بلله القطرُ

    وسمع أحد العلماء رجلاً يقول : لا إله إلا الله ، قال : صدقت وبالحق نطقت .
    فيا أيها العباد خذوا من التوحيد قطرة ، وضعوه على الفطرة ، وولّوا وجوهكم شطره . ويا من أثقله الهم ، وأحاط به الغم ، وهزه الألم الجم ، قل لا إله إلا الله .
    ويا من أثقلته الديون ، أو غيبته الشجون ، وبات وهو محزون ، قل لا إله إلا الله .
    ويا من اشتد به الكرب ، وعلاه الخطب ، اذكر الرب ، وقل لا إله إلا الله .
    هي أجمل الكلمات قلها كلما ضج الفؤاد وضاقت الأزمان

    اقرأها بعين الروح ، قبل أن تقرأها بعينك في اللوح ، واكتبها في سويداء قلبك ، لتحملها إلى ربك ، وتتخلص من ذنبك .
    ولما قيل لفرعون ، قل لا إله إلا الله ، تلعثم الحمار وتعثر ، فدس أنفه في الطين وتدثر . وقيل لأبي لهب قل لا إله إلا الله ، قال الخسيس ، أبى علي الجليس ، والأخ الرئيس ، إبليس . تقيأ شاعر البعث المخذول ، ليقول :
    آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

    قلنا يا شاعر البعث ، وعزة ربي ليخزينك يوم البعث . يا شاعر الخمر والحشيشة ، قد أرغم أنفك أبو ريشة ، فقال :
    أمتي كم صنم مجدته . لم يكن يحمل طهر الصنمِ[/frame]





    رد مع اقتباس  

  3. #3  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="1 80"]تابع مقامة التوحيد .


    [img][/img]
    من يأخذ تعاليمه من باريس ، حشر مع شيخه إبليس .
    يا مسكين ، تتعلم حروف الهجاء من بكين ، وتهجر رسالة نزل بها الروح الأمين ، على سيد المرسلين ، من رب العالمين .
    يرضع الوليد حليب التوحيد ، حتى يأتيه الحليب الصناعي من مدريد ، ليرتد المريد .
    صوت التوحيد يرتفع على كل صوت ، وقوته خير من كل قوت ، لخصه أبو بكر فقال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت
    لولا أن كلمة أحد ، في قلب بلال مثل جبل أحد ، ما صمد .
    التوحيد له كتاب ، وله قلم جذّاب ، ومداد جميل ، وكاتب جليل ، فكتابه الكون وما فيه ، وقلمه قلبك النبيه ، ومداده دمعك المترقرق ، والكاتب إيمانك المتدفق .
    التوحيد له رسالة أبدية ، ودعوة سرمدية ، ولأصحابه إلى مستقرهم ممر ، وبعد مرورهم مستقر . فرسالة التوحيد إفراد الباري بالألوهيه ، والربوبيه ، ودعوته اتباع سيد البشريه ، ورسول الإنسانيه . وممر أصحابه الصراط المستقيم ، ومستقرهم جنات النعيم .
    للتوحيد منبر ، ومخبر ومظهر ، ومسك وعنبر .
    فمنبره القلب ، إذا أخلص للرب ، ومخبره النيات الصالحات ، ومظهره عمل بالأركان ، وخدمة للديان ، ومسكه الدعاء والأذكار ، وعنبره التوبة والاستغفار .
    للتوحيد عين وبستان ، وحرس وسلطان ، وسيف وميدان .
    فعينه النصوص الواضحه ، وبستانه الأعمال الصالحه ، وحرسه الخوف والرجاء ، وسلطانه واعظ الله في القلب صباح مساء ، وسيفه الجهاد ، وميدانه حركات العباد .
    وللتوحيد قضاة وشهود ، وأعلام وجنود ، وحدود وقيود .
    فقضاته الرسل الكرام ، وشهوده العلماء الأعلام ، وأعلامه شعائر الدين ، وجنوده فيلق من الموحدين ، وحدوده ما جاء به الخبر ، وصح به الأثر ، وقيوده ما ورد من شروط ، للتوحيد المضبوط .
    من دعائم التوحيد ، عدم صرف شيء من العبادة لغير المعبود ، وتحريم تقديم شيء من لوازم الألوهية لغير الله مما في الوجود ، وركيزته إخلاص ليس فيه رياء ، وعلامته إخبات ليس معه ادعاء .
    فلا تُعبد النجوم ولكن يُعبد مُركبها ، ولا تعبد الكواكب بل يعبد مكوكبها ، ولا يُؤلّه حجر ، ولا بشر ، ولا شجر ، ولا مدر ، بل يؤلّه من فجر من الحجر الماء ، وأوجد الأحياء ، وخلق الشجر كأنها أصابع الأولياء ، فسبحان رب الأرض والسماء .
    الوحي هز أبا جهل هزّا ، لأنه يتهزّى ، وسجد للاّت والعزّا . قاتل الله هبل ، ومن طاف حوله ورمل ، أو نذر له أيّ عمل ، يا من خاف على نفسه من الحريق ، والدمار والتمزيق ، احذر من الشرك  وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ  إذا أخلصت التوحيد جاءك النصر ، وادخر لك الأجر ، ومحا عنك الوزر .
    سمع أحد العباد قارئاً يتلوا  فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ  ، فقال أواه ، وارتفع بكاه ، وكان أحد الملوك الصالحين ، يسمع أحد القراء يقرأ بتلحين  شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  فجلس يبكي ويقول وأنا أشهد مع الشاهدين .
    قال أبو معاذ الرازي ، لو تكلمت الأحجار ، ونطقت الأشجار ، وخطبت الأطيار، لقالت لا إله إلا الله الملك القهار . ولما قال فرعون اللعين :  فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى  قال :  رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى  ، فكأنما لكمه بالجواب ، ولطمه بالخطاب . ولما قال إمام التوحيد للنمرود العنيد  فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ  ، بهت وكُذّب ، وخسر وعُذِّب ، وهذا لظهور آيات التوحيد وقوة سلطانه ، وعزة أهله وأعوانه ، وقد أمهر يحيى بن زكريا التوحيد رأسه ، وقدم حمزة لما غمره من نور التوحيد رأسه ، ولما ذاقه جعفر ، تقطع وبالرمل تعفر ، وذبح الخلفاء على بساطه ، وضرب الأئمة على التوحيد بأيدي الظلم وسياطه ، ونحر الشهداء على فراش التوحيد وبلاطه ، وكم من موحد وضع في الزنزانة ، لما أعلن إيمانه .
    ولما نطق حبيب بن زيد ، بكلمة التوحيد ، عند مسيلمة الكذاب العنيد . قطّعه بالسيف فما أَنْ ، ولا قال له تأن ، بل اشتاق إلى الجنة وحن ، ولما ذهبوا بعبد الله بن حذافة إلى القدور ، والجثث فيها تدور ، والتوحيد في قلبه يمور ، بكى وقال : يا ليت لي بعدد شعر رأسي أرواح ، لتذوق القتل في سبيل الله والجراح .
    وضرب طلحة يوم أحد بالسيوف والرماح ، فما شكى ولا صاح ، حتى سال بالدم جبينه ، وشُلت يمينه ، ويبقى دينه ، لأن التوحيد قرينه . وقاتل مصعب قتال الأسود ، حتى وسّد اللحود ، لأنه وحّد المعبود . ولما حضر عبد الله بن جحش معركة أحد ، دعا واجتهد ، بكلام يبقى إلى الأبد ، فقال : اللهم هيئ لي عدواً لك شديد حرده ، قوي بأسه ، فيقتلني فيك فيجدع أنفي ، ويبقر بطني ، ويفقأ عيني ، ويقطع أذني ، فإذا لقيتك يا رب فقلت لي : يا عبد الله لم فعل بك هذا ؟ قلت : فيك يا رب . فهل سمعت نشيداً كهذا النشيد ، وهل أطربك قصيداً كهذا القصيد ، لأنه من ديوان التوحيد .
    وضع أحدُ الظلمة أحدَ الأولياء ، بين يدي الأسد ليتركه أشلاء ، شمّه الأسد ثم تركه وذهب ، قيل للولي : لماذا تركك ؟ قال : بسبب التوحيد وهو أعظم سبب ، قالوا : فماذا كنت تفكر ؟ قال : كنت أفكر في سؤر الأسد هل هو طاهر أم نجس يطهر .
    واعلم أن صدق التوحيد أقام بعض الأولياء ، في الليلة الظلماء ، في ذروة الشتاء ، يتوضأ بالماء ، ويقطع الليل بالصلاة والدعاء ، والمناجاة والبكاء ، وحرارة التوحيد أيقظت في الصالحين ، ذكر الله كل حين ، فلهم بالتسبيح زجل وحنين ، وعزيمة التوحيد دفعت المنفقين ، وجعلتهم بأموالهم متصدقين ، على الفقراء والمساكين .
    إذا ناداك نوح التوحيد ، وقال اركب معنا أيها العبد الرشيد ، فلا تفوتك سفينة الحميد المجيد ، وَجَدَ إبراهيم بن أدهم ورقة مكتوب فيها الله وقد سقطت في الطريق فبكى وحملها ، وطهرها وطيبها ، فطهر الله نفسه ، وطيّب اسمه ، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ، أن يكون أول ما يدعو إليه توحيد الله عز وجل . وكان يبدأ بالتوحيد خطبه ، ويخط به كتبه ، ويدعو إليه ليلاً ونهارا ، وسراً وجهارا [/frame]





    رد مع اقتباس  

  4. #4  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="2 80"]
    [img][/img]

    المقـامَــــة الإلـهيـــة(1)

    * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا *
    (( سـبحانك ما عبـدناك حـق عبـادتك ))



    تأمل في نبات الأرض وانظرإلى آثار ما صنع المليك
    عيون من لجين شاخصاتبأحداق هي الذهب السبيك
    على قضب الزبرجد شاهدات .بأن الله ليس له شريك

    الله رحيم لطيف ، الله بيده الأمر والتصريف ، الله أعرف المعارف لا يحتاج إلى تعريف ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، ولا نرجو سواه ، عظيم السلطان والجاه ، أفلح من دعاه ، وسعد من رجاه ، وفاز من تولاه ، سبحان من خلق وهدى ، ولم يخلق الخلق سدى ، عظم سلطانه ، ارتفع ميزانه ، وجمل إحسانه ، كثر امتنانه .
    إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمـؤل خائبُ
    وفيك وإلا فالغـرام مضيّع وعنك وإلا فالمحدث كاذبُ

    علام الغيوب ، غفار الذنوب ، ستار العيوب ، كاشف الكروب ، ميسر الخطوب ، مقدر المكتوب ، عظمت بركاته ، حسنت صفاته ، بهرت آياته ، أعجزت بيناته ، أفحمت معجزاته ، جلت أسماؤه ، عمت آلاؤه ، امتلأت بحمده أرضه وسماؤه ، كثرت نعماؤه ، حسن بلاؤه . ما أحسن قيله ، ما أجمل تفصيله ، ما أبهى تنـزيله ، ما أسرع تسهيله ، ليس إلا الخضوع له وسيلة ، وليس لما يقضيه حيلة .
    قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
    والله ما ذكرت نفسي معاهدكم إلا رأيت دموع العين هتانا

    يسقي ويطعم ، يقضي ويحكم ، ينسخ ويبرم ، يقصم ويفصم ، يهين ويكرم ، يروي ويشبع ، يصل ويقطع ، يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، يرى ويسمع ، ينصر ويقمع وليّه مأجور ، والسعي إليه مبرور ، والعمل له مشكور ، وحزبه منصور ، وعدوه مدحور وخصمه مبتور ، يسحق الطغاة ، يمحق العصاة ، يدمر العتاة ، يمزق من آذاه .
    سبحان من لو سجدنا بالجباه له.على لظى الجمر والمحمى من الأبرِ
    لم نبلغ العشر من مقدار نعمته.ولا العشير ولو عشر من العشرِ

    من انتصر به ما ذل ، ومن اهتدى بهداه ما ضل ، ومن اتقاه ما ذل ، ومن طلب غناه ما قل ، له الكبرياء والجبروت عز وجل .تم كمالهُ ، حسن جماله ، تقدس جلاله ، كرمت أفعاله ، أصابت أقواله ، نصر أوليائَه ، خذل أعدائَه ، قرّب أحبائه . اطلع فستر ، علم فغفر ، حلم بعد أن قدر ، زاد من شكر ، ذكر من ذكر ، قصم من كفر .
    يا رب أول شيء قاله خلدي أني ذكرتك في سري وإعلاني
    فوالذي قد هدى قلبي لطاعته.لأُذهبن بوحي منك أحزاني

    لو أن الأقلام هي الشجر ، والمداد هو المطر ، والكتبة هم البشر ، ثم أثنى عليه بالمدح من شكر ، لما بلغوا ذرة مما يستحقه جل في علاه وقهر . اعمر جنانك بحبه ، أصلح زمانك بقربه ، اشغل لسانك بمديحه ، احفظ وقتك بتسبيحه . العزيز من حماه ، المحظوظ من اجتباه ، الغني من أغناه ، السعيد من تولاه ، المحفوظ من رعاه . أرسل الرسل أفنى الدول ، هدى السبيل ، أبرم الحيل ، غفر الزلل ، شفى العلل ، ستر الخلل .


    مهما كتبنا في علاك قصائداً بالدمع خطت أو دم الأجفان
    فلأنت أعظم من مديحي كلهوأجل مما دار في الحسبان
    في حبك عذب بلال بن رباح ، وفي سبيلك هانت الجراح ، لدى عبيدة بن الجراح، ومن أجلك عرض مصعب صدره للرماح . ولإعلاء كلمتك قطعت يدا جعفر ، وتجندل على التراب وتعفر ، ومزق عكرمة في حرب بني الأصفر . أحبك حنظلة فترك عرسه ، وأهدى رأسه ، وقدّم نفسه ، وأحبك سعد بن معاذ فاستعذب فيك البلاء ، وجرت منه الدماء ، وشيعته الملائكة الكرماء ، واهتز له العرش من فوق السماء .
    وأحبك حمزة سيد الشهداء ، فصال في الهيجاء ، ونازل الأعداء ، ثم سلم روحه ثمناً للجنة هاء وهاء . من أجلك سهرت عيون المتهجدين ، وتعبت أقدام العابدين ، وانحنت ظهور الساجدين ، وحلقت رؤوس الحجاج والمعتمرين ، وجاعت بطون الصائمين ، وطارت نفوس المجاهدين .


    يا ربي حمداً ليس غيرك يحمديا من له كل الخلائق تصمدُ
    أبواب كل مملّك قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ

    أقلام العلماء ، تكتب فيه الثناء ، صباح مساء ، الرماح في ساحة الجهاد ، والسيوف الحداد ، ترفع اسمه على رؤوس الأشهاد ، جل عن الأنداد والأضداد .
    للمساجد دوي بذكره ، للطيور تغريد بشكره ، وللملائكة نزول بأمره ، حارت الأفكار في علو قدره ، وتمام قهره .
    من أجلك هاجر أبو بكر الصديق وترك عياله ، ولمرضاتك أنفق أمواله وأعماله ، وفي محبتك قتل الفاروق ومزق ، وفي سبيلك دمه تدفق ، ومن خشيتك دمعه ترقرق . ودفع عثمان أمواله لترضى ، فما ترك مالاً ولا أرضا ، جعلها عندك قرضا . وقدَّم عليُّ رأسه لمرضاتك في المسجد وهو يتهجد ، وفي بيتك يتعبد فما تردد .

    أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنما وجوارا
    لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو.نصب المنايا حولنا أسوارا
    كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا[/frame]





    رد مع اقتباس  

  5. #5  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="4 80"][img][/img]

    المقـامَــة الـنـَّبـويَّـــة
    * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ *


    صلى عليك الله يا علم الهدىواستبشرت بقدومك الأيامُ
    هتفت لك الأرواح من أشواقها.وازينت بحديثك الأقلامُ
    ما أحسن الاسم والمسمَّى ، وهو النبي العظيم في سورة عمّ ، إذا ذكرته هلت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب .

    وكنت إذا ما اشتدّ بي الشوق والجوى
    .وكادت عرى الصبر الجميل تفصمُ
    أُعلِّل نفسي بالتلاقي وقربه
    .وأوهمها لكنّنها تتوهم
    المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين
    [glow=FFCC00]* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * .[/glow]
    السماوات شيّقات ظِمــاءُ .والفضا والنجوم والأضواءُ
    كلها لهفة إلى العلَم الها دي وشـوق لذاتــه واحتفـاءُ

    تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنزاً محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر ، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل فضيلة ، وهو قبة الفلك خصال جميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
    إنْ كان أحببت بعد الله مثـلك في.بدو وحضر وفي عرب وفي عجمِ
    فلا اشتفى ناظري من منظرٍ حسنٍ.ولا تفوه بالقـول السديـد فمـي

    مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
    صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ، علم الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .
    وشب طفل الهدى المحبوب متشحاً. بالخير متزّراً بالنور والنار
    في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبارِ
    كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ، وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ، إنْ هو إلا وحي يوحى .
    للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف .
    أثني على مَنْ أتدري من أبجله
    أما علمت بمن أهديتُه كلمي
    في أصدق الناس لفظاً غير متَّهمٍ
    وأثبت الناس قلباً غير منتقم
    قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ، وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
    أما محمّد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يعبد الله فلا يشرك به معه أحد ، لأنه فرد صمد ،لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
    يسكن بيتاً من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تفتح بدعوته ، والخزائن تقسم لأمته .
    إن البرية يوم مبعث أحمد.نظر الإله لها فبدّل حالها
    بل كرم الإنسان حين اختار من.خير البرية نجمها وهلالها
    لبس المرقع وهو قائد أمة.جبت الكنوز فكسّرت أعلامها
    لما رآها الله تمشي نحوهجبت الكنوز فكسّرت أعلامها

    ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ، أم أقول للسحاب سلمت يا حامل الماء ؟

    يا من تضوّع بالرضوان أعظمهفطاب من طيب تلك القاع والأكمُ
    نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ

    أسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فقد تعس وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب ، بلال بن رباح صار باتباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتبّْ ، سيصلى ناراً ذات لهب .


    الفرس والروم واليونان إن ذكروافعند ذكرك أسمال على قزم
    هم نمقوا لوحة بالـرق هائمـة وأنت لوحك محفوظ من التهمِ
    وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خلق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلّْ ، وما زلّْ ، وما ذلّْ ، وما غلّْ ، وما ملّْ ، وما كلّْ ، فما ضلّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما ملّ لأنه أعطي الصبر ، وشرح له الصدر ، وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفس طاهرة مستقيمة .


    كأنك في الكتاب وجدت لاءً . محرمة عليك فلا تحلُّ
    إذا حضر الشتاء فأنت شمس .وإن حل المصيف فأنت ظلُّ

    صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقه ، من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعظم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ، كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .


    نور العرارة نوره ونسيمه نشر الخزامى في اخضرار الآسي
    وعليه تاج محبة من ربه ما صيغ من ذهب ولا من ماسي
    إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حب لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه ، فهو القدوة الإمام ، الذي يهدى به من اتبع رضوانه سبل السلام .
    صلى الله عليه وسلم علم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك ملكاً كبيرا ، بعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .

    أتاك رسول المكرمـات مسلمـاً
    يريد رسول الله أعظم متقي
    فأقبل يسعى في البساط فما درى
    .إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي

    هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهّلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ، وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى عثمان ذو النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدره ، فكم من كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حمر مستنفرة ، فرت من قسوره .

    إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه
    وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
    فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم
    مع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ

    كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة ، فأذّن بلال بن رباح ، بحي على الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .
    كل المشارب غير النيل آسنة
    وكل أرض سوى الزهراء قيعان
    لا تنحر النفس إلا عند خيمته
    فالموت فوق بلاط الحب رضوان

    أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهز بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ، لأن في الرؤوس مسامير اللات والعزى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة . تعلم اليهود العلم فعطلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ، وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .

    أخوك عيسـى دعا ميْتـاً فقام له
    وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
    قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم
    بك التشرف للتـاريخ لا بهمِ[/frame]





    رد مع اقتباس  

  6. #6  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="7 80"][img][/img]

    المقـامَــة الـكـونيــــة

    * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ *
    وكتابي الفضاء أقرؤ فيه سوراً ما قرأتها في كتابي
    صوراً تدهش العقول وحسن يسكب السحر في الصخور الصلابِ


    سبحان من له في كل شيء آية ، ليس لملكه نهاية ، وليس لعظمته غاية ، اقرأ آيات القدرة في صفحة الكون ، وطالع معجزة الخلق في الحركة والسكون ، في الليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس ، في السمك السارب ، في النمل الدائب ، في هالة النور تنشر رداء السناء ، في الفضاء ، في النهار يتماوج ، في البحر هائج مائج ، في النحل يلثم الأزهار ، في الليل يعانق النهار ، في الدمع يترقرق ، في الدماء تتدفق ، في الزهر يتشقق ، في الدواب السائمة ، في الوحوش الهائمة ، في الطيور الحائمة ، في الحيتان العائمة ، في العود يشتد ، في الظل يمتد ، في الجبال ترتدي عمائم الثلوج ، في القمر يهرول في البروج ، في الشمس تتبرج سافرة على العالم ، في النبت ما بين نائم وقائم .
    في الأسرار تكنزها الضمائر ، في الأخبار تختزنها السرائر.
    في الصخور كأنها تنتظر خبرًا من السماء فهي صامتة ، في الحجارة يكسرها الإنسان بفأسه وهي ساكتة ، في الفجر يطلق من عباءته النور ، في الأذهان بالأفكار تمور ، في الماء ينهمر من السماء ، ويغوص في الرمضاء ، يُقبِل بالخضرة والنماء ، ويدلف بالحياة للأحياء، يهيج أحيانا ويهدر ، ويزحف ويدمر ، لا تحدُّه الحدود ، ولا تردُّه السدود ، وعظمته سبحانه في خلق الإنسان ، وتركيبه في أحسن كيان ، حيث جعل في العينين سراجًا من النور، وأنشأ في القلب بصيرة تدرك الأمور ، وخلق العقل يقود هذا الكائن ، ويوجهه وهو ساكن ، في النبتة تشق طريقها إلى الفضاء ، وترفع رأسها إلى السماء ، في العندليب يرتجل على الغصن كالخطيب ، في الحمام يشدو بأحسن الأنغام ، يشكو الحب والهيام ، والعشق والغرام ، في الغراب يخبأ رزقه في الخراب ، ويدفن خصمه في التراب ، في الأسد يطارد القنيصة ، ويمزق الفريسة . في النحل يئِنّ ، والذباب يطِنّ ، في الزنبور يرِنّ .
    في عالم النبات ، آلاف المذاقات ، ومئات الطعومات ، أخضر يعانق أحمر ، وأصفر يضم أغبر ، في الأوراق تميس في الطل ، في الحشرات تهرب إلى الظِّل .
    في الناقة تحِنُّ إلى وليدها ، وتشتاق إلى وحيدها ، في الليل يخلع ثيابه على الآفاق ، في الضباب يخيّم على الأرض كالأطباق ، في النار تحرق ، في الماء يغرق .
    في الضياء يسطع ، في الضوء يلمع ، في العين تدمع ، في البرق يكاد يذهب سناؤه بالأبصار ، في الصواعق تقصف الصخور والأشجار ، في الرعد يدوِّي فيملأ العالم ضجيجا ، في الروض يفوح فيعبق به الجو أريجا .
    في أهل السلطان بين ولاية وعزل ، وأسرٍ وقَتْل ، وهزيمةٍ ونَصْر ، وسِجْنٍ وقَصْر ، في الموت يخترم النفوس ، ويسقط على الرؤوس ، ويأخذ الرئيس والمرؤوس ، ويبزّ العريس والعروس ، ويهدم الأعمار ، ويعطِّل الأفكار ، ويخلي الديار ، ويدخل كل دار .
    في صنف من البشر ، يعيشون البطر ، له أموال كالجبال ، وآمال كأعمار الأجيال ، قصور تشاد ، كأنها لن تباد ، وحدائق غنّاء ، وبساتين فيحاء .
    وفي صنف آخر فقير ، في دنياه حقير ، لا يملك الفتيل ولا القطمير ، يبحث عن الرغيف ، وينام على الرصيف ، ولقلبه من خوف الفقر رجيف .
    في أهل العافية يمرحون ، وفي نعيمهم يسرحون ، وبما أوتوا يفرحون . وفي أهل البلاء ، وفي أصحاب الضنك والشقاء ، في ظلمات المحيطات ، وفي متاهات الغابات ، وفي مجاهل الفلوات . أرض تمتد بلا بشر ، صحارٍ قاحلة ليس فيها شجر ، وعوالم موحشة ما يسكنها بدو ولا حضر .
    نجوم تسقط ، وكواكب تهبط ، ونيازك تلتهب ، ترمي بشرر ولهب ، مجرّات سميّة ، ومنازل قمريّة ، حدائق بأثواب الحسن تسر الناظرين ، ومشاهد في الكون جميلة تأخذ ألباب المبصرين ، رياض أنيقة تسرح فيها الغزلان ، باقات من الورود بهيجة يلعب بها الولدان .
    كل في فلكٍ يسبح ، وكلٌّ في عالم يمرح ، شمس تجري كأنها تبحث عن مفقود ، قبل أن تطلع تسجد للمعبود ، آية باهرة ، وحكمة ظاهرة ، في خلق الإنسان ، ذلك الكيان ، الذي يحمل جامعات من السكنات والحركات ، فذهن متوقد ، وقلب متجدد ، وخيال يطوي الزمان والمكان ، ويناقل الإنسان ، بين خوف وأمان ، وذاكرة حافظة ، وألسنةٌ لافظة ، وشركات في كل الأعضاء ، منها يجذب الهواء ، ويسحب الماء ، ويهضم الغذاء ، ويجلب الدواءْ ، ويُذهب الداء ، ما بين دفعٍ وضغط ، وإخراج وشفط ، ومؤسّسات تشارك في بناء الجسم ، وفي قيام الرسم ، ليكون في أحسن تقويم ، وأكمل تنظيم ، في الطير وهو يبحث عن طعامه ، ويعود إلى مستقرّه ومنامه ، في الكائنات وهي في صراع محموم ، وفي هموم وغموم ، لتحصل على رزقها المقسوم ، وعيشها المعلوم ، في الإنسان وهو يفكِّر ويقدِّر ، ويقدِّم ويؤخِّر ، ويخطّط وينظر ، في الجبال ، واقفة في هيبة وجلال ، في الروابي الخضراء آية في الجمال ، في العافية والأسقام ، في الحقيقة والأحلام ، في اليقين والأوهام ، في الأقدام والأحِجام ، في السحاب والسراب ، والضباب والرضاب.
    في الأحياء ، وحُبِّها للبقاء ، ومدافعتها للأعداء ، فهذا بمخلبه يصول ، وهذا بنابه يجول ، وهذا بمنقره يناضل ، وذاك بريشه يقاتل ، وآخر بسُمِّه يدفع ، وغيره بجناحه يردع ، منهم من يطير ، ومنهم من يسير ، ومنهم من يسبح ، ومنهم من يمرح ، ومنهم على رجلين ، ومنهم على يدين ، ومنهم من يطير بجناحين ، هذا يزحف ، وذاك يخطف ، وهذا في قيْدِه يرسُف ، في التقاء الأحباب والفراق ، في الضم والعناق ، في الركود والانطلاق .
    في النجمة هائمة في صفحة السماء تبسم في حنادس الليل ، في البدر تفنيه الليالي ويدركه المحاق كأنه قتيل ، في روعة الإشراق ، وقد نشرت الشمس ضفائرها ونثرت جدائلها على التلال ، وبثَّت سِحْرها على الجبال .
    في الطبيب يشفي من الداء ، فإذا أدركه الفناء ، بار فيه الدواء ، وعجز في علاجه الأطبّاء ، في المريض ييأس من العافية ، وتحار فيه الأدوية الظاهرة والخافية ، ثم تدركه من الله عناية شافية ، ورحمة كافية ، في البراكين تثور بالدمار ، في الزلازل تهز الديار ، في السُّم يُصنع منه الدواء ، في الماء يكون سبباً للفناء ، في الهواء يعصف فيدمر الأشياء ، في الريح تكون رخاءً فتلقح الثمار ، وتسوق الأمطار ، وتزجي السفن في البحار ، ثم تكون عاصفة هوجاء ، فتقتل الأحياء ، وتنقل الوباء ، في النخل باسقات لها طلع نضيد ، في الجبال تثبت الأرض وقد كادت تميد ، في الَّلبن يخرج من بين فرثٍ ودم، في كل مخلوق كيف وُجِد من العدم ، في الإبل كيف خُلقت ، في السماء كيف رُفعت ، في الجبال كيف نصبت ، في الأرض كيف سُطِحت ، في الضحى إذا ارتفع ، في الغيث إذا همع ، في خلق الإنسان كيف ينكس ، وفي عمره كيف يعكس ، يعمّر فيعود كالطفل ، فلا يُفرِّق بين فرضٍ ونفل ، في الطائر كيف يجمع القَش ، ويبني العُش ، ويختار عيضه ، ثم يضع بيضه ، في العجماوات ما بين جائع وبطين ، في الدود تبحث عن طعامها في الطين ، في البلبل يحبس في القفص فلا يبيض ، ويعيش بجناح مهيض ، في الحيّة وهي في الصحراء ، تنصب جسمها كأنه عود للإغراء ، فيقع عليها الهدهد ، يظنها عود مجرَّد ، فيكون طعامها ، بعد أن رأى قيامها ، في الثمرة تحمى بأشواك ، كأنها أسلاك ، في الأطعمة ما بين حلو وحامض ، وقلوي وقابض، في الناس ألف كواحد ، واحد كجيش حاشد ، في البشر ما بين عاقل حصيف، وطائش خفيف ، وتقيٍّ متنسِّك ، وفاجر متهتِّك ، في الأرواح كيف تتآلف وتتخالف ، في اختلاف الأصوات ، وتعدد الّلهجات ، وتباين النغمات ، وكثرة اللغات ، في الحر يكاد يذيب الحديد ، في البرد يحول الماء إلى جليد ، في الأرض يعلوها من الغيث بُرد أخضر ، ويكسوها من القحط رداء أغبر ، في المعادن تذوب بالنار ، فتسيل كأنها أنهار ، في السماء تتلبّد بالغيوم ، ولها وجوم ، كأن وجهها وجه مهموم ، أو طلعة مغموم ، في الشمس تكسف ، في القمر يخسف ، في كل ما ننكر ونعرف ، في كل مولود حين يوضع ، كيف يهتدي إلى الثدي فيرضع ، إن عاش الحيوان في جو معتدل كساه بالشعر ، وإن عاش في برد قارص غطاه بالوبر ، وإن عاش في الصحاري دثره بالصوف ، ليقاوم الحتوف ، حيوان الغاب يزوده بناب ، ويمنحه مخلاب ، وطير العريش يقويه بريش ليعيش ، ينبت في الصحراء شجرة جرداء ، تصبر لحرارة الرمضاء ، ووهج البيداء ، ويزرع في البستان شجرة ذات رواء وأغصان ، ندية الأفنان ، مختلفة الطعوم والألوان ، جعل الصيد في البيد ، ليحمي نفسه من التهديد ، علّم العنكبوت ، كيف تبني البيوت ، وهدى النملة لادّخار القوت ، جعل فوق العينين حاجبين ، ليحميهما من ضرر المعتدين ، وجعل أمامها رمشين ، لتكون في حرز أمين ، وجعل فيهما ماء تغتسلان به كل حين ، يسلط الرياح على السحاب ، فيقع التلاقح والإنجاب ، إن شاء جعل الهواء عليلاً ، يحمل نسيماً جميلاً ، وإن شاء جعله ريحاً عاصفة ً، مدمرة قاصفة ، سبحان من حكم الكون بالقهر ، مع علو القدر ، ونفاذ الأمر ، له الملكوت والجبروت ، وهو حي لا يموت ، أحسن كل شيء خلقه ، وتكفل بكل حي يوم رزقه ، أوجد الحب وفلقه ، تسمى بأحسن الأسماء، واتصف بأجمل الصفات والآلاء ، عطاؤه أنفع عطاء ، جلّ عن الشركاء ، نصر الأولياء ، وكبت الأعداء ، عبادته فرض ، والصدقة عنده قرض ، وسلطانه عمّ السماء والأرض ، يعلم الغيوب ، ويقدر المكتوب ، ويمحو الذنوب ، ويستر العيوب ، ويهدي القلوب ، وينقذ المكروب ، نعمه لا تعد ، ونقمه لا تصد ، وعظمته لا تحد ، وعطاياه لا ترد ، منصورٌ من والاه، سعيدٌ من دعاه ، موفَّق من رجاه ، مخذول من عصاه ، مدحور من عاداه .[/frame]





    رد مع اقتباس  

  7. #7  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="8 80"][img][/img]

    المقـامَــــة الـحـديـثيـّــة

    * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى *


    من زار بابك لم تبرح جوارحهتروي أحاديث ما أوليت من منن
    فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة.والقلب عن جابر والسمع عن حسن

    جاءني عطاء الله السمرقندي ، فبات عندي ، وكان أحد المحدثين ، ويكره الُمحْدِثين في الدين ، فقلنا : أيها الإمام ، عليك السلام : الوقت حثيث ، فحدثنا عن علم الحديث ، فتأوّه ثم قال : مات حفاظه ، فكادت تنسى ألفاظهُ ، ، وأهل الحديث هم الركب الأخيار ، أحباب المختار ، قوم تصدقوا بالأعمار على الآثار ، وقضوا الحياة في الأسفار ، لجمع كلام صفوة الأبرار :

    في كل يوم لنا في الأرض مرتحل
    نغدو بدار ونمسي بعد في دار
    شدّوا العمائم ، وجدّوا في العزائم ، وتسلحوا بالصبر الدائم ، فلو رأيتهم وقد فتحوا الدفاتر ، وقربوا المحابر ، وكتبوا : حدثنا مسدّد بن مسرهد ، أو رواه أحمد في المسند ، أو أخرجه البخاري ، وشرحه في فتح الباري ، لهانت عندك الدنيا بما فيها ، وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها . ولأقبلت على العلم والكتب ، وهجرت اللهو واللعب ، واللغو والطرب .
    يفوح من فم المحدث المسك التِّبتي ، لأن عليه سيماء ( نضَّر الله ، امرأً سمع مني مقالتي ) أنفاس المحدثين تنضح بالطيب ، لأنها حملت اسم الحبيب :

    يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى
    إليكم تلقى طيبكم فيطيب
    بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي ، وقد حف به الطلاب ، ونشر الكتاب ثم قال : حدثنا محمد بن شهاب ، عندها يرتحل قلبك ، ويكاد يطير لبك ، شوقاً لصاحب التركة ، لما جعل الله في كلامه من البركة . فتصبح الدنيا رخيصة مرفوضة ، لا تساوي جناح بعوضة ، وتشتاق النفوس إلى الجنة ، لما غشيتها أنوار السنة .

    إني إذا احتوشتني ألف محبرةٍ يكتبن حدثني طوراً وأخبرني
    نادت بحضرتي الأقلام معلنة تلك المكارم لا قعبان من لبنِ
    أما أخبار المحدثين في الأسفار ، وقطع القفار ، وامتطاء البحار ، وركوب الأخطار ، فقد حفلت به الأسفار . ولكنهم في سفرهم يقرؤون كتاب الكون ، في كل حركة وسكون ، فإن المحدث يجد المتعة في ارتحاله ، والبهجة في انتقاله ، من ناد إلى ناد ، ومن جبل إلى واد ، فهو يعب من المناهل ، ويسرح طرفه في المنازل ، ويطلق بصره إلى دساكر الأقطار وغياضها ، وحدائق الديار ورياضها ، فيلمح عجائب البلدان ، ويتصفح غرائب الأوطان ، ويأنس بنغم الطيور في كل بستان ، فهو في تنقل بين حيطان وغيطان ، ووديان وأفنان وألوان ، تمر به الصور والمشاهد ، ويبيت في المساجد ، ويعب الماء النمير ، من كل غدير ، له في كل بلدة أصحاب ، وله في كل قرية أحباب .
    يفترش الغبراء ، ويلتحف السماء ، سلم في سفره من أذى الجيران ، وضوضاء الصبيان ، والثقيل من الإخوان ، ينام على الثرا ، في العرا ، خارج القرى ، مركوبه رجلاه ، وخادمه يداه ، البسمة لا تغادر محياه :
    ومشتت العزمات لا يأوي إلىسكن ولا أهل ولا جيرانِ
    ألِفَ النوى حتى كأن رحيله للبين رحلته إلى الأوطانِ
    قيل للفلاسفة : من سندكم ؟ قالوا : ابن سينا عن سرجيس بن ماهان ، عن أرسطاليس من اليونان .
    وقيل لعلماء الكلام : من سندكم ؟ قالوا : محمد بن الجهم من خراسان ، عن الجهم بن صفوان .
    وقيل للمحدثين : من سندكم ؟ قالوا : طاووس بن كيسان ، عن ابن عباس ترجمان القرآن ، عن الرسول سيد ولد عدنان ، عن الرحمن ، كان المحدِّث إذا ودّع أولاده ، وترك بلاده ، وحمل زاده ، يجد من راحة البال ، وطيب الحال ، ما يفوق فرحة أصحاب الأموال ، وما يربو على سرور من ملك الرجال .
    إذا جمع بعضهم كلام الفلاسفة ، أهل الزيغ والسفه ، الذي يورث الجدال والمعاسفه ، جمع المحدثون كلام الذي ما ضل وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
    وإذا تفاخر أحدهم بجمع كلام علماء الكلام ، أهل الشقاق والخصام ، والفرقة والخصام . تفاخر المحدثون بحديث خير الأنام ، أزكى من صلى وصام ، وحج بالبيت الحرام . قال الشافعي : إذا رأيت محدثا فكأني رأيت أحد أصحاب محمد ، قلت : لأن نهجهم مسدد ، وعلمهم من الله مؤيد .
    وقد أطال ثنائي طول لابسه
    إن الثناء على التنبال تنبال
    أنا لا أريد سَنَدي من إيوان كسرى أنو شروان ، ولا من الرومان ، ولا من اليونان، أريد سندي عن سفيان ، أو سليمان بن مهران ، أو سلمان عن رسول الإنس والجان .
    تعلمني كلام الناس بلا دليل ، ولا تأصيل ، وتقول هذا كلام جميل ، وعندي التنـزيل ؟
    قيل للحمار ، لماذا لا تجتر ؟ قال : أكره الكذب .
    وقيل للجمل لماذا لا ترقص ؟ قال : لا أعرف الطرب .
    وتعلمني الفلسفة والمنطق ، وأنا ما عندي وقت للعب .
    أريد أن أسمع في المجلس ، حدثنا سبعين مرة ، لتكتمل المسرّة .
    أهل الحديث هموا أهل النبي وإن
    لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
    الحديث النبوي كلام ، لم يخمر في عقول فلاسفة اليونان ، ولم يتعفن في أدمغة فلان وفلان ، ولم يأت من أهواء أهل الطغيان . وإنما قاله من أتى بالقرآن ، تقرأ استنباط أهل الفهوم ، وتطالع كتب أرباب العلوم ، ثم تتلو حديث المعصوم ، فإذا ماء الوحي يترقـرق في جنباته ، ورحيق العصمة يتدفق في قسماته ، فكان كل علم قرأته قبله نسي وانتهى ، لأنه لا يقاوم كلاماً أتى من عند سدرة المنتهى .
    السموات شيقات ظماءوالفضا والنجوم والأنواء
    لكلام من الرسول جميل .تتلاشى من نوره الأضواء[/frame]





    رد مع اقتباس  

  8. #8  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="1 80"][img][/img]


    ما أحسن الضم والعناق ، لجملة حدثنا عبد الرزاق ، كلما قلت أخبرنا علي بن المديني ، حفظت ديني ، سهمي لكل مبتدع يسدد ، إذا قلت حدثنا مسدد بن مسرهد .
    أشرقت أمامي المسالك ، كلما قرأت موطأ مالك ، سقيم الإرادة العلمية له علاج ، عند مسلم بن الحجاج ، أدْمغُ كل منحرف بذي ، بسنن الترمذي ، أنا في صباحي ومسائي ، أدعو للنسائي .
    هاجر المحدثون إلى الله لطلب كلام رسوله الأمين ، فوجدوا في أول الطريق ثواب نية الصادقين ، ووجدوا في وسطه نضرة البهاء التي دعا بها سيد المرسلين ، ووجدوا في آخر الطريق جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
    كل صاحب فن ، ينسب إلى صاحب ذاك الفن ، إلا المحدثون فإنهم ينسبون ، إلى من أتى بالسنن ، وأهدى لنا المتن ، وتنعمت بعلومه الفطن .
    ما أروع الهمم الكبار لثلةٍ
    معروفة بالبر والإحسانِ
    يتصيدون كلام أكرم مرسلٍ
    ينفون عنه سبيكة البهتانِ
    سافر أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء ، يمتطي الرمضاء ، ويركب الظلماء ، يترك الأهل ، يدفعه الجبل إلى السهل ، تشيعه الدموع ، يرافقه الجوع . لأن الرجل مشتاق، وأحد العشاق ، لذاك الترياق ، من قوارير عبد الرزاق .
    دخل مكحول القرى والبوادي ، وطاف على النوادي ، وعبر كل وادي ، يطلب حديث النبي الهادي ، فصار ريحانة الشام ، وشيخ الإسلام .
    ومشى أبو حاتم ، ألف فرسخ على الأقدام ، لطلب حديث سيد الأنـام ، فأصبح بذلك أحد الأعلام .
    تهون خطانا للمحب فلو مشى
    إليكم فؤادي كان أبرد للشوقِ
    المحدثون هم عسكر الرسالة ، وجنود البسالة ، ظهروا على البدع بكتائب حدثنا ، وسحقوا الملاحدة بجيوش أخبرنا .
    لولا كتابة الحديث في الدفاتر ، وحمل المحدّثين للمحابر ، لخطب الدجَّال على المنابر
    الله كم من أنف لمبتدع أرغم بصحيح البخاري ، وكم من صدر لمخالف ضاق بفتح الباري .
    الحديث كسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين : رواية ودراية ، بداية ونهاية ، متون وأسانيد ، صحاح ومسانيد ، تراجم ومعاجم .
    من ركب هذه السفينة نجا من غرق الضلالة ، وسلم من بحر الجهالة ، ووصل شاطئ الرسالة .
    انطلقت هذه السفينة من المدينة ، ربانها المصطفى ، والركاب الصحابة الأوفياء ، نحن على مائدة المحدثين أضياف ، فلعلنا نعد منهم ، لأن المضاف إليه يأخذ حكم المضاف ، لكل طائفة رئيس ، والمحدِثّون محمد  رئيسهم ، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، ليتني خسرت ذهباً مثل ثهلان ، بمجلس واحد مع سفيان .
    المحدثون بيوتهم المساجد ، وعصى التسيار التوكل ، وزادهم التقوى ، وكلامهم حدثنا وأخبرنا ، ويريدون وجهه ، والمطلب الجنة ، والمقصد رضوان الله ، والعمل الذب عن الملة ، والنسبة محمديّون .
    هذه الطائفة : (( دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها ، في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر )) .
    سلام على المحدِّثين ، ورحمة رب العالمين ، ورضوان عليهم في الخالدين ، وجمعنا بهم في الصالحين ، وإلى لقاء بعد حين :
    إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي
    مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا[/frame]





    رد مع اقتباس  

  9. #9  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="2 80"][img][/img]

    المقـامَــة الـعـلـميّـــة
    ((العلمـاء ورثـة الأنبيــاء ))


    جعلت المال فوق العلم جهلاً لعمرك في القضية ما عدلتا
    وبينهما بنص الوحي بون ستعمله إذا طه قرأتا
    العلم أشرف مطلوب ، وأجل موهوب ، والعلماء ورثة الأنبياء ، وسادة الأولياء ، والشهداء على الألوهية ، والدعاة إلى الربوبية ، تستغفر لهم حيتان الماء ، وطيور السماء ، وتدعو لهم النملة ، وتستغفر لهم النحلة ، وَلاَيتهم لا تقبل العزل ، وأحكامهم ليس فيها هزل ، مجالسهم عبادة ، وكلامهم إفادة ، يوقعون عن رب العالمين ، ويفضلون الناس أجمعين ، وكما يُهتدى بالنجوم في ظلم البر والبحر ، فهم منائر الأرض يهتدى بهم في كل أمر ، العلم في صدورهم ، والله يهدي بنورهم ، وينـزّل عليهم الرضوان في قبورهم ، هم حملة الوثيقة ، والشهداء على الخليقة ، كلامهم محفوظ منقول ، وحكمهم ماضٍ مقبول ، بهم تصلح الديار ، وتعمر الأمصار ، ويكبت الأشرار ، وهم عز الدين ، وتاج الموحدين ، وصفوة العابدين ، هم أنصار الملة ، وأطباء العلة ، يذودون عن حياض الشريعة ، ويزجرون عن الأمور الفظيعة ، وينهون عن المعاصي الشنيعة ، هم خلفاء الرسول ، ثقات عدول ، ينفون عن الدين تأويل المبطلين ، وتحريف الجاهلين ، وأقوال الكاذبين ، مذاكرتهم من أعظم النوافل ، ومرافقتهم من أحسن الفضائل ، وهم زينة المحافل ، بهم تقام الجماعات والجمع ، وبهم تقمع البدع ، هم الكواكب في ليل الجهل ، وهم الغيث يعم الجبل والسهل ، عالِمٌ واحد ، أشد على الشيطان من ألف عابد ، لأن العالِم يُدرِك الحيل ، ولا تختلط عليه السبل ، يكشف الله به تلبيس إبليس ، ويدفع الله بهم كل دجّال خسيس ، أحياء بعد موتهم ، موجودون بعد فوتهم ، علمهم معهم في البيوت والأسواق ، ويزيد بكثرة الإنفاق ، أقلامهم قاضية ، على السيوف الماضية ، بصائرهم تنقب في مناجم النصوص ، وعقولهم تركب الدر في الفصوص ، الناس يتقاسمون الدرهم والدينار ، وهم يتوزعون ميراث النبي المختار ، لو صلّى العابد سبعين ركعة ، ما عادلت من العالم دمعة ، فهم أهل العقول الصحيحة ، وأرباب النصيحة .
    أما العلم شرف الدهر ، ومجد العصر ، ذهب الملك بحراسه ، وبقيت بركة العالم في أنفاسه ، فنِيَ السلاطين ، ووُسِّدوا الطين ، وخلد ذكر أهل العلم أبدا، وبقي ثناؤهم سرمدا ، العلم أعلى من المال ، وأهيب من الرجال ، به عُبِدَ الديّان ، وقام الميزان ، وبه نزل جبريل ، على صاحب الغرة والتحجيل،وبه عرفت شرائع الإسلام ، ومُيِّز بين الحلال والحرام ، وبه وُصلت الأرحام ، وحُلَّ كلُّ نزاع وخصام ، وبالعلم قام صرح الإيمان ، وارتفع حصن الإحسان ، وبيّنت العبادات ، وشرحت المعاملات ، وهو الذي جاء بالزواجر ، عن الصغائر والكبائر ، وفَقِه الناس به الفرائض والنوافل ، والآداب والفضائل ، ونصبت به معالم السُّنن ، وكُشف به وجه الفتن ، ودُلَّ به على الجنة ، ودعي به إلى السنة ، وهو الذي سحق الوثنية ، وهدم كيان الجاهلية ، ونهى عن سبيل النار ، وموجبات العار ، ووسائل الدمار ، وبه حورب الكفرة ، وطورد الفجرة ، وهو من العلل دواء ، والشكوك شفاء ، ينسف الشبهات ، ويحجب الشهوات ، ويصلح القلوب ، ويرضي علاّم الغيوب ، وهو شرف الزمان ، وختم الأمان ، وهو حارس على الجوارح ، وبوَّابة إلى المصالح ، وصاحبه مهاب عند الملوك ، ولو كان صعلوك ، وحامله ممجّد مسوّد ، ولو كان عبداً أسود ، يجلس به صاحبه على الكواكب، وتمشي معه المواكب ، وتخدمه السادة ، وتهابه القادة ، وتكتب أقواله ، وتقتفى أعماله ، وتحترمه الخاصة والعامة ، ويدعى للأمور العامّة ، مرفوع الهامة ، ظاهر الفخامة ، عظيم في الصدور ، غني بلا دور ولا قصور ، الله بُغيته ، والزهد حليته ، مسامرته للعلم قيام ، وصمته عن الخنا صيام ، رؤيته تُذكِّر بالله ، لا يعجبه إلا الذكر وما والاه ، عرف الحقيقة ، وسلك الطريقة ، به تقام الحجة ، وتعرف المحجة، وهو بطل المنابر، وأستاذ المحابر، والمحفوظ اسمه في الدفاتر .

    والعلم وسام لا يخلع ، وهو من الملك أرفع ، وهو إكليل على الهامة ، ونجاة يوم القيامة ، ينقذ صاحبه من ظلمات الشك والريبة ، ويخلصه من كل مصيبة، وهو علاج من الوسواس ، وفي الغربة رضا وإيناس ، وهو نعم الجليس والأنيس ، وهو المطلب النفيس .
    يغنيك عن المسومة من الخيل ، والباسقات من النخيل ، ويكفيك عن القناطير المقنطرة ، والدواوين المعطّرة .
    وحسبك كفاية عن كل بناء ، وعن الحدائق الغناء ، والبساتين الفيحاء ، وهو الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً ، والمُلْك الذي من أعطيه فقد أعطي ملكاً كبيرا ، وصاحب العلم غنيٌّ بلا تجارة ، أمير بلا إمارة ، قويٌّ بلا جنود ، والناس بالخير له شهود .
    مات القادات والسادات ، وذكرهم معهم مات ، إلا العلماء فذكرهم دائم ، ومجدهم قائم ، فألسنة الخلق ، أقلام الحق ، تكتب وتخط لهم الثناء ، وأفئدة الناس صحف تحفظ لهم الحب والوفاء ، كان أبو حنيفة مولىً يبيع بزّا ، ولكنه بعلمه هز الدنيا هزّا ، وكان عطاء بن أبي رباح ، خادم لامرأة في البطاح، فنال بعلمه الإمامة ، وأصبح في الأمة علامة ، وابن المبارك عبد الله، المولى الإمام الأوّاه ، والأعمش ومكحول ، كانوا من الموالي ولكنهم أئمة فحول ، فالعلم يرفع صاحبه بلا نسب ، ويشرفه بلا حسب .
    وإنما يحصل العلم بخدمته كلَّ حين ، وطلبه ليُعبد به رب العالمين ، وطيُّ الليل والنهار في تحصيله ، والسهر على تفصيله ، ومذاكرته كل يوم ، والاستغناء به عن حديث القوم ، ومطالعة مصنفاته ، ومدارسة مؤلفاته ، وتقييد أوابده ، وحفظ شوارده ، وتكرار متونه ، ومعرفة عيونه .
    فمن طلبه بصدق ، وحرص عليه بحق ، فهو مهاجر إلى الله ورسوله ، تفتح له أبواب الجنة عند وصوله ، وهو مرابط في ثغور المرابطين ، وجواد في صفوف المعطين ، ومداده في الأوراق ، كدماء الشهداء المهراق ، لأنه مقاتل بسيف النصوص ، قطّاع طريق الملة واللصوص ، وقد يقمع الله به الأشرار، ما لا يقوم به جيش جرار ، فإن الله يجري حجّته على لسانه ، ويُسيِّر موعظته في بيانه ، فينـزع الله بكلامه حظَّ الشيطان من النفوس ، ويجتث به خطرات الزيغ من الرؤوس ، ويغسل الله بمعين علمه أوساخ القلوب .
    وينفض بنصائحه أدران الذنوب ، فكلما بنى إبليس في الأرواح ضلالة جاء العالم فأزهقها ، وكلما نسج في الأنفس خيمة للباطل قام العالم فمزّقها .[/frame]





    رد مع اقتباس  

  10. #10  
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    [frame="3 80"]المقامة العلمية (3)

    [img][/img]

    صاحب المال مغموم مهموم ، خادم وليس بمخدوم ، حارس على ماله ، بخيل على عياله ، وصاحب العلم سعيد مسرور ، يعمره الحبور ، ويملأ فؤاده النور ، تعلم من السؤدد غايته ، ومن الشرف نهايته تجبى إليه ثمرات كل شيء من لطائف المعارف ، وتهوي إليه أفئدة الحكمة وهو واقف ، يأتيه طلبة العلم من كل فج عميق ، كأنما يؤمون البيت العتيق ، في قلبه نصوص الشريعة ، ينزل عليها ماء الفقه فتهتزّ وتربو ، وتنبت من كل زوج بهيج ، فترى العالم يجول فكره في الملأ الأعلى والناس في أمر مريج ، فقلب العالم له جولان في فضاء التوحيد ، وقلب الجاهل في غابات الجهل بليد ، أشرقت في قلب العالم مشكاة فيها مصباح ، وتنفس في نفسه نور الصباح ، أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها ، فاخضرت روضة العالم على أثرها.
    صيد الكلب المعلّم حلال ، وصيد الكلب الجاهل حرام ووبال ، وما ذاك إلا لشرف العلم حتى في البهائم ، ومكانة المعرفة حتى في السوائم .
    والهدهد حمل علماً إلى سليمان ، فسطّر الله اسمه في القرآن ،فهو بالحجة دمغ بلقيس، وأنكر عليهم عبادة إبليس ، وحمل من سليمان رسالة ، وأظهر بالعلم شجاعة وبسالة . فعليك بالعلم ، والفهم فيه الفهم ، وتصدَّق عليه بنوم الجفون ، وأنفِق عليه دمع العيون ، واكتبه في ألواح قلبك ، واستعِن على طلبه بتوفيق ربك ، وأتعِب في طلبه أقدامك ، وأشغل بتحصيله أيامك ، وإذا سهر الناس على الأغاني ، فاسهر على المثاني ، وإذا وقع القوم في الملذات ، وأدمنوا الشهوات ، فاعكف على الآيات البينات ، والحكم البالغات ، وإذا احتسى العصاة الصهباء فاكرع من معين الشريعة الغراء ، وإذا سمعت اللاهين يسمرون ، وعلى غيهم يسهرون ، فصاحب الكتاب ، فإنه أوفى الأصحاب ، وأصدق الأحباب ، وإذا رأيت الفلاّح يغرس الأشجار ، ويفجّر الأنهار ، فاغرس شجر العلم في النفوس ، وفجّر ينابيع الحكمة في الرؤوس ، وإذا أبصرت التجار يصرفون الفضة والذهب ، فاصرف الحجة كالشهب ، وأطلق الموعظة كاللهب .
    يكفيك أن العلم يَدَّعيه غير أهله ، وأن الجهل ينتفي منه الجاهل وهو في جهله ، يرفع العالم الصادق بعلمه على الشهيد ، لأنه يقتل به كل يوم شيطان مريد ، العالم سيوفه أقلامه ، وصحفه أعلامه ، ومنبره ظهر حصانِه ، وحلقته حلبة ميدانه ، العالم يفرّ من الدنيا وهي تلحقه ، ويأبى المناصب وهي ترمقه ، والعلم هو العضْب المهند ليس ينبو ، وهو الجواد المضمّر الذي لا يكبو ، ولكن المقصود بهذا العلم علم الكتاب والسنة ، الذي يدلك على طريق الجنة ، وهو ما قادك إلى الاتباع ، ونهاك عن الابتداع ، فإن كسرك وهصرك ونصرك ، فهو علم نافع فإن أعجبك وأطربك وأغضبك فهو علم ضار ، ما كسرك عن الدنيا الدنية ، والمراكب الوطيّة ، والشهوات الشهية ، وهصرك عن العلو في الأرض ، ونسيان يوم العرض ، ونصرك على النفس الأمارة ، والأماني الغدارة ، فهذا هو العلم المفيد ، والعطاء الفريد .
    وإن أعجبك فتكبرت ، وأطربك فتجبّرت ، وأغضبك فتهوّرت فاعلم أنه علم ضار، وبناء منهار ، علم لا يلزمك تكبيرة الإحرام مع الإمام ، فهو جهل وأوهام ، وعلم لا يدعوك إلى الصدق في الأقوال ، والإصلاح في الأعمال ، والاستقامة في الأحوال ، فهو وبال ، العلم ليس مناصب ومواكب ومراكب ومراتب ومكاسب .
    بل العلم إيمان وإيقان وإحسان وعرفان وإذعان وإتقان ، فهو إيمان بما جاء به الرسول ، وإيقان بالمنقول والمعقول ، وإحسان يجوَّد به العمل ، ويحذَر به من الزلل ، وعرفان يحمل على الشكر ، ويدعو لدوام الذكر ، وإذعان يحمل على العمل بالمأمور ، واجتناب المحذور ، والرضا بالمقدور ، وإتقان تصلح به العبادة ، وتطلب به الزيادة .[/frame]





    رد مع اقتباس  

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تواصل مع الشيخ عائض القرني مع رسائل الخير . تفضلوا ((مجانا))
    بواسطة حبايبنااا في المنتدى تحميل و استماع اناشيد و صوتيات الاسلامية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 20-Nov-2010, 04:04 PM
  2. صح النوم يا عرب !!! // د. عائض القرني
    بواسطة ونات حائره في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-Dec-2008, 07:36 PM
  3. الذنوب خراب الشعوب ( رائعة من روائع عائض القرني )
    بواسطة ضي الأمل في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 07-Apr-2007, 03:43 PM
  4. للشيخ عائض القرني .
    بواسطة مرجوجه و مملوحه في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 05-Nov-2006, 01:16 AM
  5. الشيخ/ عائض القرني.!!! معجب بزيدان «المسلم»
    بواسطة ali.net في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-Jul-2006, 02:20 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •