أغنى, منقول, القرآن, القصص
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو من الله ان ينفعكم
معنى القصص:
القص : تتبع الأثر . يقال : قصصتُ أثره : أي تتبعته ، والقصص مصدر ، قال تعالى : فارتدا على أثارهما قصصا أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به . وقال على لسان أم موسى وقالت لأخته قصيه أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه . والقصص كذلك : الأخبار المتتبعة قال تعالى إن هذا لهو القصص الحق ، وقال : لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب والقصة : الأمر ، والخبر ، والشأن ، والحال وقصص القرآن: أخباره عن أحوال الأمم الماضية ، والنبوات السابقة ، والحوادث الواقعة _ وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي ، وتاريخ الأمم ، وذكر البلاد والديار . وتتبع آثار كل قوم ، وحكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه .
قال الشيخ محمد بن عثيمين: القصص والقص لغة : تتبع الأثر
وفي الاصطلاح : الإخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضًا .
وقصص القرآن أصدق القصص لقوله تعالى : ومن أصدق من الله حديثًا وذلك لتمام مطابقتها للواقع .
وأحسن القصص لقوله تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى .
وأنفع القصص لقوله تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق( )
* * *
أنواع القصص في القرآن:
والقصص في القرآن ثلاثة أنواع :
النوع الأول : قصص الأنبياء ، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم ، والمعجزات التي أيدهم الله بها ، وموقف المعاندين منهم ، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين . كقصة نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وهارون ، وعيسى ، ومحمد ، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين ، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام .
النوع الثاني : قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة ، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم ، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . وطالوت وجالوت ، وابني آدم ، وأهل الكهف ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب السبت ، ومريم ، وأصحاب الأخدود ، وأصحاب الفيل ونحوهم.
النوع الثالث : قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله كغزوة بدر واُحد في سورة آل عمران ، وغزوة حنين وتبوك في التوبة ، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب ، والهجرة ، والإسراء ، ونحو ذلك .
( ) انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (52-53).
فوائد قصص القرآن:
وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي :
1- إيضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كل نبي : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .
2- تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ، وخذلان البطل وأهله: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين .
3- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
4- إظهار صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .
5- مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى ، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل ، كقوله تعالى : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسة من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين .
6- والقصص ضرب من ضروب الأدب ، يصغى إليها السامع ، وترسخ عبره في النفس : لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ( ).
7-بيان حكم الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص لقوله تعالى : ولقد جاءهم من الأنبياء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني النذر
8- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين لقوله تعالى عن المكذبين : وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك .
9- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين لقوله تعالى : إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر .
10- تسلية النبي عما أصابه من المكذبين له لقوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير .
11- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد لقوله تعالى : فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين .
12- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم لقوله تعالى : أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها .
13- إثبات رسالة النبي فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا وقوله ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( ).
أغراض القصة القرآنية( ):
ليست القصة القرآنية عملاً فنيًا مطلقًا مجردًا عن الأغراض التوجيهية ، إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى تحقيق أغراضه الدينية الربانية ، فهي إحدى الوسائل لإبلاغ الدعوة الإسلامية وتثبيتها .
والتعبير القرآني مع ذلك يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني ، وبهذا امتازت القصة القرآنية بميزات تربوية وفنية ، ذكرنا بعضها في الصفحات الماضية حيث لاحظنا أن القصص القرآني يَجعَل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني ، وإثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية .
وسنعرض للقارئ بعض أغراض القصة القرآنية(2) لكي يكون المربي على بينة :
(1) من أهم أغراض القصة عمومًا الاعتبار وقد أجلت ذلك إلى بحث ( التربية بالعبرة والموعظة ) وذكرت هناك بعض خطوات تدريس القصة للوصول إلى العبرة منها بالاستجواب .
من هذه الأغراض فيوجه الطلاب بالاستجواب عن كل غرض إلى معرفة هذا الغرض ، وتحقيقه في نفوسهم أو في سلوكهم أو تربية عقولهم ووجدانهم وعواطفهم . وهاك أهم الأغراض :
1) كان من أغراض القصة القرآنية إثبات الوحي والرسالة ، وتحقيق القناعة بأن محمد وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يعرف عنه أنه يجلس إلى أحبار اليهود والنصارى ، يتلو على قومه هذه القصص من كلام ربه ، وقد جاء بعضها في دقة وإسهاب ، فلا يشك عاقل في أنها وحي من الله ، وأن محمد رسول الله يبلغ رسالة ربه ، والقرآن ينص على هذا الغرض نصًا في مقدمات بعض القصص أو في أواخرها فقد جاء في أول سورة يوسف : إنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ ، نَحْنُ نَقُصٌّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هذا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لِمِنَ الْغافِلينَ وجاء في سورة هود بعد قصة نوح : تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نوحيها إِلَيْكْ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا
2) ومن أغراض القصة القرآنية : بيان أن الدين كله من عند الله .
3) وأن الله ينصر رسله والذين آمنوا ويرحمهم وينجيهم من المآزق والكروب ، من عهد آدم ونوح إلى عهد محمد ، وأن المؤمنين كلهم أمه واحدة والله الواحد رب الجميع .
وكثيرًا ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة ، معروضة عرضًا سريعًا بطريقة خاصة لتؤيد هذه الحقيقة ، كما في سورة الأنبياء ، حيث ورد ذكر : موسى وهارون ، ثم لمحة موجزة عن قصة إبراهيم ولوط ، وكيف نجاهم الله وأهلك قومهما ، وقصة نوح ، وجانب من أخبار داود وسليمان ، وما أنعم الله عليهما ،
وأيوب حين نجاه الله من الضر ، وورد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وكلهم من الصابرين الصالحين . وذكر الله لنا : وَذا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا قال تعالى فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمَّ وَكَذَلِكَ نُنْجي الْمُؤْمِنينَ ثم قال تعالى : وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبَّ لا تَذَرْني فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهْ إِنَّهُمْ كَانوا يُسارِعونَ في الْخَيْراتِ وَيَدْعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لنا خاشِعينَ ويختم الله هذه السلسلة من الأنبياء بخبر مريم وابنها عيسى عليهما السلام وَالَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيها مِنْ روحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيهْ لِلْعالَمينَ ثم يخاطب الله مباشرة جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم بقوله إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمًَّة واحِدًَة وَأَنا رَبُّكُمْ فَاعْبُدونِ .
فتبين بهذه الآية الكريمة تقرير الغرض الأصيل من هذا الاستعراض الطويل وهو أن جميع الأنبياء يدينون دينًا واحدًا ويخضعون لرب واحد يعبدونه وحده لا يشركون به شيئًا ، وعندما نستعرض خبر كل نبي نجد أن الله قد شد أزره ونصره ونجاه من الكرب الذي نزل به ، أو المأزق الذي أوشك أن يقع فيه ، كما نجى ذا النون ( يونس ) واستجاب لزكريا ، وكما نجى إبراهيم وقد أوشك أن يحترق بالنار ؛ وأنه سبحانه دائمًا ينعم على رسله والذين آمنوا إذا صبروا وصدقوا ، كما أنعم على داود بالنصر ، وسليمان بالملك ، فشكروا نعمة ربهم .
4) وفي هذا شد لأزر المؤمنين ، وتسلية لهم عما يلاقون من الهموم والمصائب ، وتثبيت لرسول الله ومن تبعه من أمته ، وتأثير في نفوس من يدعوهم القرآن إلى الإيمان وأنهم إن لم يؤمنوا لا محالة هالكون ، وموعظة وذكرى للمؤمنين ، وقد صرح القرآن بهذا المعنى في قوله تعالى وَكُلاَّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبَّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجاءَكَ هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةُ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنينَ .
وجاء في سورة العنكبوت لمحة خاطفة عن قصة كل نبي ، مختومة بالعذاب الذي عذب به المذنبون من قومه حتى ختمت جميع القصص المجملة بقوله تعالى : فَكُلاً أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَهُ وَمِنْهُمْ مِنْ خَسَفْنا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمونَ فعلى المربي أن يستحضر مكان الموعظة والذكرى من كل قصة ، ليحاور الطلاب حوارًا يوجههم إلى معرفتها والتأثر بها والعمل بمقتضاها .
5) ومن أغراض القصة في التربية الإسلامية : تنبيه أبناء آدم إلى خطر غواية الشيطان( ) وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم إلى أن تقوم الساعة ، وإبراز هذه العداوة عن طريق القصة أروع وأقوى ، وأدعى إلى الحذر الشديد من كل هاجسه في النفس تدعو إلى الشّر ، ولما كان هذا موضوعًا خالدًا فقد تكررت قصة آدم في مواضع شتى ، مما يدعو المربي إلى الإلحاح على هذا الموضوع وتوجيه الطلاب إلى الحذر من غواية الشيطان في كل مناسبة ملائمة .
6) ومن أغراض القصص التربوية : بيان قدرة الله تعالى : بيانًا يثير انفعال الدهشة والخوف من الله لتربية عاطفة الخشوع والخضوع والانقياد ونحوها من العواطف الربانية .
كقصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه( ) وقصة خلق آدم( ) ، وقصة إبراهيم والطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل جزءًا منه قال تعالى: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم .
إنتهى من كتاب القصص في القرآن الكريم إعداد إسلام محمود دربالة عفا الله عنه .
lukn hgrww td hgrvNk (lkr,g)