بارك الله فيك يا الغلا
/
\
بما ان الان موسم الحج
مما قرات من موقع الشيخ ابن باز
وشرع الله جل وعلا الحج لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة . وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقيل يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع فهو فرض مرة في العمر فما زاد على ذلك فهو تطوع على الرجال والنساء المكلفين المستطيعين السبيل إليه ، ثم هو بعد ذلك تطوع وقربة عظيمة ، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذا يعم الفرض والنفل من العمرة والحج .
وقال عليه الصلاة والسلام : من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه وفي اللفظ الآخر : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا لحج بيت الله وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك . وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة ، ولكن فيه فضل عظيم ، كما في الحديث الصحيح : قيل يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم أي؟ قال حج مبرور متفق عليه .
وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وشرع للناس المنسك بقوله وفعله وخطب بهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة ذكّرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده ، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة ، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما وأخبر أنهم لن يضلوا ما اعتصموا بهما ، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه وبين أمورا كثيرة عليه الصلاة والسلام . ثم قال : وأنتم تُسْأَلُون عني فما أنت قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام .
ولا شك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها ، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله بأقواله وأفعاله . وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر ، محرما بالحج والعمرة قارنا من ذي الحليفة ، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام ، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام .
وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة ، فمنهم من لبى بالعمرة ومنهم من لبى بهما ، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتلبية ، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم . . ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق ، وبيّن للناس ما يقولونه من الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى . وبيّن الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم حيث قال جل وعلا : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى أن قال سبحانه وتعالى وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ الآية .
فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ الآية ، وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله
وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار . فكل أنواع مناسك الحج ذكر لله قولا وعملا . فالحج بأعماله وأقواله كله ذكر الله عز وجل وكله دعوة إلى توحيده والاستقامة على دينه والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام . فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعث الله به من الحق والهدى في الحج وغيره .
فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر يقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ) يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له ، وهكذا في طوافه لذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده ، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل من سواه ، وهكذا بالتحليق والتقصير وهكذا بذبح الهدايا والضحايا كل ذلك لله وحده ، وهكذا بأذكاره التي يقولها في عرفات وفي مزدلفة وفي منى ، كلها ذكر الله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك وهم يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم .
وهذه المنافع كثيرة جدا أجملها الله في الآية وفصلها في مواضع كثيرة ، منها الطواف وهو عبادة عظيمة ومن أعظم أسباب تكفير الذنوب وحط الخطايا ، وهكذا السعي وما فيهما من ذكر الله عز وجل والدعاء ، وهكذا ما في عرفات من ذكر الله والدعاء وما في مزدلفة من ذكر الله والدعاء ، وما في ذبح الهدايا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه ، وما يقال عند رمي الجمار من تكبير الله عز وجل وتعظيمه ، وكل أعمال الحج تذكر بالله وحده وتدعو المسلمين جميعا إلى أن يكونوا جسدا واحدا وبناءً واحدا في اتباع الحق والثبات عليه والدعوة إليه والإخلاص لله سبحانه في جميع الأقوال والأعمال ، وهم يتلاقون على هذه الأراضي المباركة يريدون التقرب إلى الله وعبادته سبحانه ، وطلب غفرانه وعتقه لهم من النار .
ولا شك أن هذا مما يوحد القلوب ويجمعها على طاعة الله والإخلاص له واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه ، ولهذا قال عز وجل إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فأخبر سبحانه أنه مبارك بما يحصل لزواره والحاجين إليه من الخير العظيم من الطواف والسعي وسائر ما شرعه الله من أعمال الحج والعمرة وهو مبارك تحط عنده الخطايا وتضاعف عنده الحسنات وترفع فيه الدرجات ، ويرفع الله ذكر أهله المخلصين الصادقين ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة فضلا منه وإحسانا إذ أخلصوا له واستقاموا على أمره وتركوا الرفث والفسوق كما قال صلى الله عليه وسلم : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه والرفث هو الجماع قبل التحلل ، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث ، والفسوق : جميع المعاصي القولية والفعلية يجب على الحاج تركها والحذر منها ، وهكذا الجدال يجب تركه إلا في خير ، كما قال جل وعلا : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
/
\
لي عوده مره اخرى بمشيئه الرحمن
الله يرزقك الجنه