جاء رمضان . ليرقص الجميع
حالة الإقصاء لكل ما هو ذو قيمة في احترام عقل الإنسان وإنسانيته تبدو أكثر وضوحاً عندما تقترن بحالة الإلهاء التي تمارسها الفضائيات بتعمد فج وأسلوب سلس، ولكن من دون هوادة. وقد تكون هناك بعض لمسات من برامج دينية ذراً للرماد ولكنها تضيع وسط هذا كله.
هذا الحديث المكرر يجب أن يكرر كل عام، يجب أن أدعوا الجميع لمقاطعة التلفاز في شهر رمضان، ولا تكفي المقاطعة بل أكتب عن ذلك، قل للناس أنك لا تشاهد التلفاز في رمضان وربما تنوي عدم مشاهدته بعد رمضان، قل للناس أنك تحترم عقلك ونفسك ومبادئك ولا ترضى أن تشاهد الانحطاط الذي لا يأتينا بهذا التركيز إلا في شهر الفضيلة، قل لهم أنك تود فعلاً أن تجعل الشهر شهر نظافة العقل والنفس والبدن فلا تسمع إلا خيراً ولا تشاهد إلا خيراً.
ما يحدث في فضائياتنا هو بكل بساطة مشروع تجاري لا هدف له سوى الربح، لو نظرت قليلاً للواقع ستجد أن شركات الإنتاج التي تصدر هذه المسلسلات والأعمال العـ . فنية هي شركات تهدف للربح، الفضائيات أيضاً مؤسسات تهدف للربح ولا يمكنها فعل ذلك بدون مسلسلات وبرامح مختلفة تنافس بها الفضائيات الأخرى، وهذا السباق لا يرتقي ولا يهدف للارتقاء بل يهدف لجذب أعين الناس على حساب كل شيء، وإذا شاهد الناس القناة يمكن للفضائية أن تمطرهم بوابل من الإعلانات لمعلنين يهدفون أيضاً للربح.
رمضان سوق للربح لا أكثر، هذا ما يحدث في إعلامنا، أنت أيها المشاهد مجرد رقم في سجلات الأرباح، أنت أيها المشاهد مجرد وسيلة لجمع الأرباح، القناة تقول للمعلنين: لدينا أفضل المسلسلات وعدد المشاهدين وصل إلى الملايين ولذلك عليكم دفع الملايين مقابل كل عين تشاهدنا.
كثير من البرامج تمزق من أجل وضع إعلانات كل 10 دقائق، ولا يهم نوع البرنامج لأن الإعلان المنحط قد يوضع في منتصف برنامج ديني، وحتى الأخبار التي أتذكر أنها لا تقطع أبداً بأي شيء أصبحت مقطعة بفواصل إعلانية مختلفة، تصور المذيع يتحدث عن موت 30 شخصاً في انفجار أو 200 شخص في إعصار ثم "فاصل إعلاني" وترى تلك الإعلانات التي جعلت الجسد مجرد سلعة أخرى رخيصة، هل أصبحت الأخبار مجرد وسيلة أخرى لجذب الأعين نحو مصدر ربح القناة؟ نعم . هذا ما يحدث.
المادية لا تفهم شيئاً سوى المادة، الربح والنمو المستمر على حساب كل شيء، والعالم يدمر نفسه بهذه المادية الجشعة التي لم تترك مكاناً لأي شيء آخر، الروحانيات والإيمانيات والاخلاق كلها توظف في سبيل الربح والنمو، المادية لا يهمها إن كان هذا الدين أو هذه الأخلاق صحيحة أم لا، لا يهمها إن كانت المبادئ تستحق التضحية من أجل الحفاظ عليها، كل ما يهمها أن توظف كل هذا من أجل جمع المال، وكل شيء بحسب الطلب والموضة.
إن بقينا على حالنا هذا سنصل إلى مرحلة لا يعرف الإنسان ما هو اليقين وما هو الثابت فكل شيء متحرك متغير، كل شيء تحدده المصلحة والمنفعة، ستصبح الحياة مجردة من المعاني فلا فائدة من العيش فيها ولا هدف من البقاء فيها ما لم يكن الإنسان نفعياً مادياً لا هدف له سوى تلبية رغباته بغض النظر عن العواقب.
[hx vlqhk > gdvrw hg[ldu