العصيدة والطباهج والحرير أقدم الأكلات مصرية من مطبخ الأجداد
انبهر المؤرخون بثراء وتنوع المطبخ المصري عبر العصور، فالمصريون شعب ذواقة ابتكروا أشهى أنواع المأكولات والمشروبات وتفننوا في مكوناتها وتركوا لنا العديد من الوصفات الغنية التي أثرت المائدة المصرية.
اشتهر العصر الفاطمي بأطباق اللكباج والطباهج، وعشق الناس البيسار والرجلة في العصر الأيوبي، وتميز العصر المملوكي بالمشاش والخبايص وتفننوا في صنع المفروكة والهيطيلية في العصر العثماني. السياسة والولائم تروي جيهان مأمون في كتابها "همسات مصرية جولة عبر الماضي" أن الولائم السلطانية مثلت جزءا مهما من تاريخ مصر، فعلى الموائد دارت أهم المناقشات السياسية وتمت أشهر المقابلات ووضعت أهم الخطط والسياسات، وحيكت المكائد ودبرت المؤامرات واتخذت أهم قرارات الحرب والسلام، وعلى الموائد اجتمع شمل الأسر، وكان الناس يجتمعون على الطعام لإيمانهم أنه كلما زاد عدد الآكلين زادت البركة في الطعام.
الخبز هو الطعام الرئيسي على المائدة المصرية أو سيد الطعام كما يقال ويطلق عليه المصريون العيش فيستخدم كمرادف للخبز وللحياة للدلالة على أهميته. وتعددت أنواع الخبز على المائدة المصرية، فصنع الناس خبز القمح والشعير والذرة والبقسماط والرقاق والكعك الذي يطلق عليه اليابس، والكماج وهو خبز شديد البياض يعجن بدون خميرة، وخبز الخشكار وهو طعام الفقراء أو الخبز الأسود يصنع من دقيق غير منخول، وخبز السميد وهو أغلى أنواع الخبز يصنع من نوع راق من الدقيق، وهناك أيضا الخبز الشمسي الذي ينضج في الشمس. وقد استهلك المصريون الكثير من البقول والخضروات والفواكه ومن أكثر الأنواع الشائعة الجميز والنبق والرمان والموز والنارنج والبطيخ والشمام. عندما تولى السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين برقوق حكم مصر أظهر شدة في بداية حكمه فقبض على كثير من أمراء المماليك ونفى البعض الآخر، فدخل الرعب في قلوب العوام، حتى كانوا يقولون للفكهاني عندك شقير؟ ولا يقولون برقوق تعظيما لاسمه فتوارى اسم البرقوق طوال فترة حكمه، ولكن عاد الاسم تدريجيا لهذه الثمرة بعد زوال عصره.
اشتغل الكثير من الناس بحرفة الطباخة، وكان الناس يشترون الأطعمة المجهزة من حوانيت الطباخين لرخص أسعارها نتيجة لارتفاع أسعار الوقود، وكانت هناك حوانيت أخرى تدعى الشرايحية تخصصت في طهو ما يرسله الناس من لحوم وخضروات فيخلطونها بالتوابل وتطهى وترسل إلى البيوت مع الصبيان في مقابل أجر معين.
القلاعمون والهريسة
وفي العصور الإسلامية كان قوام معظم الأكلات اللبن والتمر والشعير واللحم والأرز والسمن والدهن والزبد والعسل والسكر، ويضاف إلى هذه الأطعمة المسك والعنبر والعود والفواكه اليابسة مثل اللوز والفستق والعنب ليضيف نكهة وقيمة للطعام.
هذه بعض الوصفات التي تركها لنا أجدادنا وذكرتها مأمون في كتابها:
الهريسة: يتم هرس لحم الدجاج حتى يصير لين القوام ثم يضاف إليه البصل المبشور والتوابل المختلفة مثل الملح والفلفل والبهارات ويخلط في الدقيق ويشكل على هيئة أقراص دائرية تطهى في الفرن.
العصيدة: يقطع اللحم إلى مكعبات ويسلق بالغليان ويضاف إليه الحمص والملح والفلفل والبصل حتى ينضج.
اللكباج: يتم تقطيع اللحم على شكل شرائح تتبل بالخل والزعفران والكزبرة والبصل والجزر وتترك لمدة ساعة أو ساعتين ثم تشوى.
الطباهج: يحمر البصل حتى يصير ذهبي اللون ثم يضاف إليه البيض والملح والفلفل والبهارات والباذنجان ويتم إضافة شرائح ويقلي في السمن وتضاف إليه قطرات من المسك.
المضيرة: يتم تقطيع اللحم على شكل مكعبات يتم سلقها بالغليان وبعد أن ينضج اللحم يصفى من الماء ويضاف إليه اللبن الحامض والقشطة والتوابل مثل الملح والفلفل والحبهان والمستكة ويتم تقلبيها على نار هادئة.
الحريرة: يتم سلق اللحم الدسم ويفضل أن يكون من الضأن ثم ثم يضاف إلى الحساء الدقيق مع التقليب المستمر حتى يغلظ قوامه.
السنبوسك: يسلق لحم فخذ الضأن حتى ينضج ويضاف إليه الدهن والبهارات والبقدونس ثم يدق في الهون حتى يتجانس ويحشي في الرقاق ويوضع في الفرن.
رغيف الصينية: من أشهر أكلات العصر الفاطمي يطهى لحم الضأن ويضاف إليه البهارات مثل الفلفل والزنجبيل والقرفة والمستكة والكزبرة والكمون والحبهان ويرش فوقه ماء الورد المذاب به المسك ثم يحشى بلحم الدجاج المخلي والفستق المهروس ويتم لف اللحم في فطائر العجين ويدخل الفرن.
القلاعمون: هو نوع من أنواع الفطائر الشائعة في العصر الفاطمي، يتم عجن الدقيق بالسمن ويترك حتى يخمر ثم يضاف إليه البيض والزنجبيل والسمسم والينسون والكراوية والملح والفستق ويقلب حتى تمتزج كل المكونات ثم يشكل على هيئة كعكات مستديرة وينضج في الفرن.
البيسار: من الأكلات المفضلة في العصر الأيوبي، يتم سلق الفول المجروش حتى ينضج ثم يهرس حتى يصير غليظ القوام ويطهى بالسمن ويصنعون له تقلية من البصل والزيت الحار ويؤكل مع خبز الشعير والبصل الأخضر، وقد تحول اسم البيسار إلى البصارة.
البليلة: تختلف بليلة العصر العثماني عن البليلة التي نأكلها اليوم وتتكون من القمح المسلوق واللبن والسكر، أما بليلة العصر العثماني فكانت تتكون من القمح المسلوق المضاف إليه الحمص وتصنع لها تقلية من البصل وزيت الشيرج وتؤكل مع خبز الذرة.
المفروكة: يخلط الدقيق والسمن وتصنع فطائر مستديرة تنضج في الفرن ثم يتم فركها وهي ساخنة حتى تصير قطعا صغيرة جدا ويضاف إليها الحليب.
الفقاعية: من أكلات المدن الساحلية، يتم حشو السمك البوري بالبصل والفلفل الحار، ويضاف إليه الليمون ويتم وضعه في طاجن مستدير من الفخار ويطهى في الفرن ويؤكل مع الأرز أو الخبز.
المشكشك: أكلة مشهورة في العصر العثماني خاصة بأهل السواحل تتكون من جلد الفسيخ، يتم وضعها في طاجن ويقطع عليها البصل ثم يضاف الزيت الحار وزيت السمسم وأحيانا الطحينة.
الدقة: كانت وجبة الفقراء، تتكون من خليط من الملح والفلفل والزعتر والنعناع والكمون والكزبرة والقرفة والسمسم والحمص.
الكوارع: يتم غسل الكوارع وتنظف وتقطع ويتم سلقها في ماء مغلي مع إضافة البصل والحبهان والمستكة وبعد أن تنضج يضاف الملح والفلفل وعصير الطماطم والسمن وتطهى في الفرن.
الكشك: من الأكلات الشائعة في العصر العثماني، يغمر القمح بالماء ويتم غليه على نار هادئة حتى يصير لينا ويصب عليه اللبن ويجفف في الشمس ويتم تقطيعه إلى أقراص صغيرة ثم يطهى باللحم أو الدجاج أو السمك البوري.
الملوخية: اكتشفت لأول مرة في العالم على ضفاف النيل، ويروى أنه في زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي أصيب بمغص حاد فأطعمه أطباؤه الملوخية فشفي، ومن شدة إعجابه بها أطلق عليها "الملوكية" أي طعام الملوك، وبمرور الوقت انتشرت بين العامة وحرفت إلى الملوخية.
أطباق الحلوى
أم علي النيدة: كانت لا تطهى إلا في مصر وهي حلاوة القمح، حيث يسوى القمح حتى ينضج ويخلو من النشا ثم يصفى ويؤخذ الماء ويضاف إليه السكر والدقيق ويتم غليه حتى يغلظ قوامه.
كعب الغزال: يخلط الدقيق مع السمن ويتم تقليبه بدون توقف على نار هادئة حتى يغلب عليه اللون الذهبي، فيضاف إليه السكر أو العسل ويستمر التقليب حتى يغلظ قوامه فيشكل وهو ساخن على هيئة دوائر بملعقة، وهو ما يطلق عليه الفلاحون اليوم سد الحنك.
القاهرية: من أشهر حلويات العصر المملوكي، يقلب عسل النحل مع قدر من الدقيق فوق نار هادئة ويضاف اللوز ويترك حتى يتماسك ويتم تقطيعه.
الخبايص: يتم خلط الدقيق مع السمن والسكر والعسل ويتم تقليبها جيدا حتى تختلط ثم يبسط العجين ويحشى باللوز المهروس ويضاف على وجهه ملعقة من السمن وينضج في الفرن.
البسندود: يخلط الدقيق بالماء والسمن حتى يصير العجين لينا ويشكل على هيئة أقراص صغيرة يتم حشوها بالتمر.
الهيطلية: يذاب النشا في اللبن ويضاف إليهما العسل ويرفع على النار، ويستمر التقليب حتى يغلظ قوامه، وهي ما نطلق عليه اليوم المهلبية.
الجوذاب: تصنع من الأرز ومن رقائق الخبز ويضاف إليها السكر وتوضع في وعاء ويعلق فوقها طائر كالإوز أو الدجاج ويشوى فيسقط دهنه عليه.
اللوذينج: يتم خلط الدقيق بالماء والسمن والسكر واللوز المسحوق، ويضاف إليها ماء الورد وتشكل العجينة على هيئة طيور وحيوانات.
الأرز باللبن: يسلق الأرز حتى ينضج ويضاف إليه اللبن والعسل والعجوة ويتم تقليبه حتى يتماسك.
علي لوز: يطهى السكر ويتم وضعه في صينية حتى يتجمد ويزين باللوز المقشر ثم يقسم إلى مربعات.
أم علي: أشهر حلوى في العصر المملوكي، فبعد مقتل شجر الدر أمرت ضرتها "أم علي" الطهاة بخلط رقائق الخبز مع اللبن والعسل وقامت بتفريقه على الناس ابتهاجا بأخذ الثأر لزوجها عز الدين أيبك، وأطلق على هذه الأكلة أم علي وصارت من أحب الأطباق إلى المصريين.
طقوس الشراب
طقوس الشراب في بيوت الأغنياء يرويها لنا الكاتب الإنجليزي إدوارد لين الذي عايش المصريين في أوائل القرن التاسع عشر، فيقول "كانت أنواع الشربات المختلفة توضع في قلل وتصب في أقداح فوق صينية مستديرة يتم تغطيتها بقطع من الحرير المطرز أو القماش الذهبي وتتدلى من ذراع الساقي اليمنى فوطة عريضة مطرزة حافتها بخيوط ذهبية وحريرية ملونة تستعمل لمسح الشفاه بعد تناول الشربات، ولكنها في الواقع للمنظر ونادرا ما تلمسها شفاه".
ومن أهم أنواع المشروبات التي كانت شائعة في مصر "شربات السكر، شراب العسل، الأقسما، المزر، شربات البنفسج، الليموناضة، شربات التوت، الخشاف، الصوبية، قهوة البن".
ويتحدث إدوارد لين في كتابه "المصريون المحدثون" عن عادات تناول الطعام فيقول "المصريون معتدلو الوتيرة في تناولهم طعامهم، وإن أنهوه بسرعة فلما يفرغ الواحد منهم من الأكل يشكر ربه ويحمده على نعمته وينهض دون أن ينتظر الآخرين، فيقرب له الخادم الطشت والأبريق ليغسل يديه وفمه بالماء والصابون، وماء النيل الحلو لذيذ المذاق هو الشراب الوحيد الذي يرتوي به الآكلون".
hguwd]m ,hg'fhi[ ,hgpvdv Hr]l hgH;ghj lwvdm lk l'fo hgH[]h]