الملاحظات
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى ... 23456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 58

الموضوع: رواية تناديني سيدي

  1. #31  
    المشاركات
    3,260

    7- أكثر من حب حياتي



    أهتمت أيفين في الأيام التالية بالتصرف كأنما لا شيء يشغلها غير دروسها مع فونسكا , كان السائق يقودها كل صباح الى البلدة حيث توجد الفيللا , وأحيانا ترى راكيل في الحديقة أو خارجة في طريقها الى النادي ليتفرج على التنس أو لتناول الغداء مع أحد الأصدقاء.
    وكانت راكيل كلما رأت تلميذة والدها تتظاهر بعدم الأهتمام كثيرا , وذات صباح قالت لها وقد وجدتها قرب طاولة في الحديقة منهمكة في دراستها :
    " أنت مخلوقة صغيرة جادة , بالأمس فقط كان مانريك كورتيز يسأل عنك , وقد قلت له أن في أمكانه أن يلقاك هنا على الرحب والسعة ".
    أجابت أيفين :
    " آمل ألا يفعل , قد يلهيني عن الدراسة وأنا أهتم بالدروس".
    قطفت راكيل وردة صغيرة ووضعتها فوق ثوبها الجميل:
    " أرى هذا بوضوح , ولكن أليس من الأجمل أن تتزوجي شابا لظيفا , بدلا من دراسة هذه الكتب وحشو فكرك بالحقائق والتواريخ؟".
    " أنا أحب التعلم , ووالدك أستاذ رائع".
    قالت راكيل بأبتسامة الموافقة:
    " أنه محبوب , وهناك رجل آخر فقط يجاريه في عمله وذكائه وجاذبيته الأسبانية , هل تجدين رجالنا جذابين لطفاء يا آنسة بلغريم؟".
    رفعت أيفين نظرها ووجدت راكيل تتفحص ثوبها الأخضر الهادىء وشعرها الأحمر الداكن المنساب كذيل الحصان , وقالت وهي تبتسم:
    " أجل أحب جاذبيتهم ولطفهم , أن للأسبان بالتأكيد سحرهم ولطفهم".
    " أذن من الغريب أنك لم تحبي أحدهم يا آنسة بلغريم , بالطبع , إنني سمعت عن هدوء أعصاب الجني االبريطاني وإنهم لا يكشفون عن شعورهم".
    " أرى أنك تلمّحين الى شيء يا آنسة فونسكا , أرجوك كوني صريحة معي ".
    " أن دون جوان لا يمكن أن يظل دائما مسؤولا عنك . هل صراحتي هذه كافية ؟ وأنت لست طفلة حتى لو كان جوان يعتقد ذلك؟".
    نظرت أيفين الى عيني الفتاة الأخرى وقالت :
    " كلا يا آنسة أنا لا أحلم بالأعتماد على كرم دون جوان أكثر مما يلزم , والدك يعرف مدير أحدى صالات الفن في مدريد وآمل أن أذهب عمّا قريب للعمل هناك كمساعدة له".
    " مدريد؟ لا بد أن هذا سيناسبك بخصوص صداقتك مع مانريك كورتيز , يبدو أنه مهتم بك , ونصيحتي اليك هي ألاّ تغالي في التشدد , أن الرجال يحبون أثارة المطاردة , ولكنهم يحبون أيضا اللحاق بالطريدة ".
    أرخت راكيل أصابع قفّازيها ثم أضافت : " هل تخافين قليلا من الرجال؟".
    أحتجت أيفين وقالت :
    " أنا لست بنفسجة خجولة".
    " يبدو أن مانريك يعتقد بأنك متواضعة وخجولة , وأنه ربما أزعجك في المرة الأخيرة التي كنتما فيها معا".
    " لقد ضايقني".
    وبدت راكيل فضولية أذ سألتها:
    " ماذا أفعل يا عزيزتي؟".
    وعادت أيفين تتذكر نزهة السيارة مع مانريك ووجدت أن تفاصيلها قد طمستها الأحداث التي أعقبتها في الكوخ ليلة الضباب , آه , لو أن راكيل علمت بتلك الليلة ! أن ذلك يمكن أن يزلزل كيانها , فهي ليست من النوع الذي يصدق أن فتاة يمكن أن تظل بريئة بعد قضاء ليلة مع رجل , لا شك أنها ستتكدر من كون دون جوان يميل الى واحدة غيرها .
    آه لو كان ذلك صحيحا.













    رد مع اقتباس  

  2. #32  
    المشاركات
    3,260

    شعرت أيفين بالأضطراب مجددا , وشعرت كذلك برغبة في أن تثور , أن راكيل بالمقارنة مع دون جوان سطحية , أنها تقضي أيامها في متع تافهة , وحبها له ليس عميقا.
    كانت عودة السيد فونسكا الى الحديقة حاملا معه كتابا به مستنسخات من روائع الفن يريد منها دراسته , بمثابة خلاص لها من راكيل , أذ سأل أبنته:
    " أتنوين البقاء ومشاركتنا الدراسة؟ ظننت أنك كنت في طريقك للغداء في هيدالغو مع واحد من المعجبين بك".
    أبتسمت راكيل مبدية شفقتها على أيفين , وأجابته:
    " أنه لن يمانع في أنتظاري , أشفق عليك يا عزيزتي لأنك مضطرة للعمل, عليك أن تأخذي بنصيحتي وتبحثي عن زوج".
    سألها والدها بجفاء:
    " وهل وجدت أنت زوجا لك".
    " نعم يا أبي , هناك شخص خاص".
    وأبتسمت في غموض وهي تقبل والدها على خده , وكانت لا تزال تبتسم وهي تلوح لأيفين مودعة , خرجت من باحة الحديقة , وأنتشر عطرها في الهواء ولم تفارق كلماتها أيفين بقية الصباح , كان دون جوان هو هذا الشخص الخاص , الذي يجب أن يتزوج ليكون له أبن يحمل لقبه ووصايته على الجزيرة.
    تناولت أيفين الغداء مع معلمها تحت شجرة ظليلة , بينما الطيور تغرد والزهور تتعرّض لهجمات النحل.
    " يبدو أنك حزينة , هل أنت متعبة؟".
    " كنت أفكر يا سيدي أنني لا أستطيع البقاء في القلعة الى ما لا نهاية , متى تعتقد أنه يمكنني أن أعمل في غاليري مدريد؟".
    أبتسم وهو يقطف خوهتين من الشجرة القريبة من الحائط بواسطة سكين ذات مقبض عاجي وقال :
    " أن الصغار لا يصيرون , وهم يتوقون للمغامرات الجديدة , هل مللت بسرعة من مدرسك ذي اللحية والكتب السميكة التي يريد منك دراستها؟".
    أسرعت الى القول:
    " كلا , ليس هذا هو الأمر أنني أستمتع بكل لحظة هنا , وألعق كل ما تعلمني أياه كقطة عطشى , ولكنني أتوق الى الأعتماد على نفسي . لا يمكنني أن أعتمد دائما على دون جوان في مأكلي ومسكني".
    أخرج فونسكا بذرة أحدى الخوختين ثم وضعها في صحن أيفين , وقال :
    " أنا متأكد من أنه مسرور بتوفيرهما لك , أن جوان أسباني أصيل وهو كريم جدا , والقلعة خالية بالنسبة اليه وأنت تساعدين على شغلها , تعالي , تناولي لخوخة ولا تتصوري أنك عالة على أحد".
    " متى يتزوج يا سيدي ؟".
    " لا أظن أن االيوم الكبير قريب يا صغيرتي".
    " ولكنني أريد أن أرحل يوم حدوثه".
    ركّز السيد فونسكا نظره على أيفين وقال :
    " هذا مفهوم , يوم يتزوج جوان , ستتغير الحياة بالنسبة اليك , ولكن أستمتعي حاليا بأيامك وأنت تحت وصايته".
    أبتسمت وأكلت الخوخة وقالت :
    " هذه هي الحياة".
    " أجل يا صغيرتي , ما كتب علينا سنراه , وليس لنا جميعا غير الرضى بقدرنا مهما كان شكل هذا القدر".
    " هذا يجعلني كورقة خريفية لا تدري متى تسقط".
    " أنت تشعرين كذلك لأنك في سن الشباب , وللشباب أحلامه وآماله وأحزانه أحيانا , أن أفضل الشعراء والفنانين هم من الشباب , يجدون في الحب العذاب أكثر مما يجدون فيه من الراحة , والحب يتغلغل في كل شيء . لا مفر منه".
    " لم أحب أبدا , وأعجب كيف يعرف المرء".
    تأملها فونسكا للحظة طويلة ثم قال :
    " يشعر المرء كأنما يموت ميتة صغيرة في كل مرة يودع فيها شخصا معينا بالذات , ويبتعد عنه ويكون مراده هو فقط البقاء الى جانبه , الحب شيء أساسي يا أيفين , أنه الرغبة لأن نكون جزءا من ذلك الشخص , ليس لساعة واحدة وأنما كل يوم , صدقيني , ستعرفين عندما تحبين , فأنت حساسة وعاطفة صادقة".
    ضحك بهدوء على الطريقة التي تطلّعت بها اليه , كانت عيناها في صفاء العسل , وتنبأ قائلا:
    " ستجدين سرورا عظيما أو حزنا كبيرا , ولا يمكن أن تكون حالة وسطى للفتاة التي يجب أن تعطي كل شيء لرجل واحد ".
    قالت شبه ضاحكة :
    " بدون هذا التفاني لا تصبحين طالبة ممتازة ".











    رد مع اقتباس  

  3. #33  
    المشاركات
    3,260

    " شكرا لك يا أستاذ , ومتى ستعطيني الدبلوم؟".
    " في الوقت المناسب يا أيفين , أذا أصبح زواج دون جوان وشيكا فسأكون من بين أوائل العارفين به".
    طبعا , ن والد راكيل أول من بعلم بأن عليه أن يتوقع زواج أبنته من دون جوان في يوم معين في كاتدرائية الجزيرة , ون على العروس أن ترتدي ثوب العرس الطويل المطرز وتحمل بيدها باقة الزنبق , وستعلو الأبتسامة شفتيها الناعمتين , وسيتم أعلان يوم الأحتفال للجزيرة كلها , والجميع سيتمنون السعادة للمركيز , وسيقولون أنه أحسن الأختيار.
    مرّت بضع دقائق قبل أن تتذكّر أيفين أن السيد فونسكا قد تركها لينام القيلولة بعد الغداء , أن محادثتهما قد جعلتها تشعر بالقلق , ووجدت نفسها ترسم وجوها في دفترها . وجوه أسبان بشعر كثيف , وضعت قلمها جانبا وبدافع مفاجىء خرجت من باب جانبي في الحديقة , وهكذا تغيبت من دروسها.
    شقّت طريقها في الشوارع ذات الدرج صوب الساحل , حيث تقبع مراكب الصيد والزوارق الشراعية وقت العصر في حرارة الشمس الخفيفة , قلة من الناس هنا وهناك , وبعض القطط تتمدّد في ظل قناطر الطرق , والنوافذ الضيقة تغلق ستائرها الخشبية لدرء حرارة الشمس , والبحر يفوح برائحة السمك والورود , وكانت هناك نخلة تلقي بظلها على جدار , وأيفين وحيدة بثوبها الأخضر وشعرها يلمع بأشعة الشمس.
    قادتها السلالم الحجرية الى الشاطىء الرملي , ورأت قاربا مقلويا جففت الشمس قعره الذي كان يختبىء تحته سرطان خرج من مخبأه عندما جلست أيفين على هيكل القارب , كل شيء هادىء , البحر ساكن , وجبال أسبانيا البعيدة بدت كسلسلة من الحديد الأزرق عبر الأفق.
    بالتأكيد لن يطول الوقت كثيرا حين يحين اليوم الذي تعبر فيه تلك الجبال راكبة الباص الذي يقطع الطرق البيضاء الى أن يدخل مدينة مدريد حيث ستشتغل هناك , حاولت أن تشعر بالفرح والأمل أتجاه المستقبل , ولكن عندما تخيّلت الوحدة التي ستعانيها في مدينة كبيرة , أحست بالأنقباض وأنكمشت فوق هيكل قارب الصيد كأنما تشعر بالب
    أن الأحساس بالوحدة يوحي بالبرودة , وبدا كأن عليها طوال حياتها أن تترك ما تحب وتذهب الى مكان آخر , لقد أحبت كوخ والدها في كومب سانت بليز , ولكن بعد وفاته لم تتمكن من البقاء فيه , وها هي تحب هذه الجزيرة وتحب القلعة , ولكن بعد أن يتزوج الوصي عليها لا بد أن تغادرها أيضا لتعيش وسط غرباء , طرفت عيناها وأحست بالدموع تبلل رموشها , وشعرت بالوحدة الى حد أنها تاقت الى صوت يحدّثها وتكون له شاكرة.
    وعندما سمعت الصوت عرفته بدون أن تدير رأسها ناحيته , إنه صوت الأسباني عازف الغيتار.
    " كنت أفكر فيك يا أيفين , ولا بد أن أفكاري قادتني اليك".
    مدّت له يدها , كأنما تريد لقبضته الدافئة أن تخرجها من برودة أفكارها , وقالت:
    " مرحبا ريك , نحن والقطط وحدنا هنا".
    أمسك يدها ووضع أصابعه بين أصابعه , كان شعره قاتما كالظلال , وأبتسامته كالشمس المنعكسة على جدران البيوت البيضاء المطلة على الشاطىء , ولمسته دافئة , ولم تتأفف هذه المرة من صراحة نظرته الجريئة , سألها:
    " ما الذي أسال دمعك , الشمس المنعكسة على الماء , أم الطريقة التي هربت بها مني بدون سبب حقيقي؟".
    قالت بسخرية ولكن بصوت فيه سرور لرؤيته:
    " ربما من البكاء عليك , أجلسي وحدثني يا ريك".
    " هذا ما أريده".
    وجلس الى جانبها على القارب وتابع:
    " ماذا فعلت بعدما تركتني الأحد الماضي ؟ آمل ألا يكون تجوالك في الشاطىء قد طال , لأن الضباب ملأ الجو".
    وكيف لها أن تنسى الضباب ؟ ولكنها قالت:
    " دعنا من الحديث عن تلك المشاجرة السخيفة".
    " كانت سخيفة يا أيفين , ما الذي فعلته وكان بغيضا؟".
    " أرجوك , دعنا نبدأ من جديد أنطلاقا من أول لقاء لنا , كنت لطيفا جدا , مثل تروبادور الزمن الماضي".
    " أفضل شعور شباب الجيل يا صغيرتي , ترى هل قال لك المركيز أن عليك الأهتمام بدروسك وعدم تشجيع الشباب على مقابلتك؟".
    " أنا في حاجة ماسة الى التعلّم ".










    رد مع اقتباس  

  4. #34 W1  
    المشاركات
    3,260

    " وماذا ستدرسين الآن , هل ستكتبين مقالة عن قوارب الصيد؟".
    أعترفت قائلة :
    " أوه , لقد هربت من الدراسة , أذ شعرت فجأة بعدم قدرتي على التركيز , فتركت كتبي طلبا للراحة نحو ساعة".
    شدّ ريك قبضته على يدها وقال:
    " كتب , دروس ! لا بد لك من المرح واللهو , ولو كنت المركيز لأعطيتك دروسا من نوع آخر".
    " ريك!".
    ضحك بدون خجل :
    " هل حضرت عرسا أسبانيا يا عزيزتي , بالطبع لا , سآخذك اليوم الى زواج في الساعة السادسة , العروسان سيذهبون الى الكنيسة , وبعد مراسم الزواج ستقام حفلة , وقد وعدتهم بالعزف فيها , وقيل لي أن أحضر مع فتاة".
    تمهّل ريك قليلا ثم تأمل ثوبها الأخضر وقال:
    " ن من دواعي سروري أن أصحبك الى هذا العرس".
    " أود ذلك يا ريك , ولكن السيارة ستأتي لأعادتي الى القلعة ".
    " يمكنك أن تقولي للسائق أن يعود فيما بعد".
    وافقت وقالت:
    " يمكنني , ولكن هناك دون جوان".
    وسألها ريك ساخرا :
    " وهل يسجنك في القلعة بقية اليوم , وهل أنت خاضعة لنفوذه وسحره فلا تجدين الجرأة على أرضاء سواه ؟ أنا أريد أن أعاملك كأمرأة يا أيفين وليس كطفلة , أريد أن أعطيك الموسيقى والضحك وليس جدران القلعة الحزينة والعشاء الرزين داخل غرفة تحجبها ذكريات الماضي , إنه بسبب عجزه عن الرقص يظن أنك لا تريدين الرقص , ويتوق لأن تكوني طفلة طوال النهار , وعانسا غير شاكية في الأمسيات !".
    أحتجت قائلة:
    " ريك , ما هذا التقريع , دون جوان ليس كما تقول أطلاقا , إنه سيسمح لي بالذهاب الى العرس أذا كنت أريد ذلك".
    إبتسم ريك وقال:
    " أذن ليست هناك مشكلة , نعود الى افيللا في الرابعة , وبذلك يمكنك أعطاء السائق رسالة الى المركيز , ثم نذهب الى نادي هيدالغو لكي آخذ غيتاري , لا عمل لي في النادي هذا المساء , وبذلك نظل معا هذا المساء لنقضي وقتا ممتعا , ألا تجدين الأحتفال بعرس تحت النجوم فيه رومانسية؟".
    " أنتم الأسبان لديكم أستعداد للرومانسية".
    " أن الفتاة الأسبانية تعيش لأرضاء الرجل الذي تحبه ".
    " أظن ما من شيء سيجعلني أسبانية ".
    أقترب منها وقال:
    " أنت مخطئة أذا تزوجت أسبانيا تصبحين أسبانية ".
    " سأظل دائما أنكليزية في أعماقي , ولن تكون عندي الروح الأسبانية الحقيقية".
    " أن لك سحرك الذاتي".
    ثم سرح نظره على وجهها وأستقر على شعرها الأحمر الداكن مثل أوراق الخريف فوق الثوب الأخضر الهادىء , وهمس بالأسبانية وهو يقرّب يدها من خده:
    " باردة هي يد الفتاة ذات القلب الدافىء , في الأسبوع الماضي , تمنيت مغازلتك فقط , والآن سأعاملك على نحو مختلف".
    أشتدّت دقات قلبها فقالت:
    " كلا يا ريك , دعنا نظل هادئين".
    " سنكون كالأجراس والموسيقى وضوء القمر".
    " ريك , لا تستعمل سحرك أتجاهي , ربما لا أستطيع مقاومته , وقد نتأذى ".
    " لهذا كانت الحياة , أن نتأذى وأن تندمل جراحنا , وأن نسعد , أيفين , لا تقاومي تيار الحياة".
    ما أسهل ألا تقاوم لون أن القدر تركها تقع في حب عازف الغيتار , لم تستطع الأبتسام فقالت:
    " أن الأسبان خطرون أذ يمكنهم أن يكونوا لطفاء . سأرقص في عرس صديقك , ن شيئا من ذكرياتي بعدما أغادر الجزيرة".
    " لا تعتزمين البقاء هنا ؟".
    هزّت رأسها وقالت:
    " كان مجرد تدبير نؤقت , عما قريب أذهب الى مدريد للعمل".
    " آه في مدريد الكثير االذي يجب التفرج عليه معي , القديم والحديث , العتيق والجميل , سنكون سعداء هناك".
    نظرت اليه وأرادت أن تصدق أنها يمكن أن تكون سعيدة على بعد أميال من جزيرة زهور الدفلى العطرة وأشجار الصنوبر , جزيرة الشمس والأبراج تحت السماء الزرقاء.










    رد مع اقتباس  

  5. #35  
    المشاركات
    3,260


    " يبدو كأنك ستحزنين لمغادرة الجزيرة يا أيفا".
    أخذت تتأمل شباك الصيد وصواري المراكب الشراعية , ثم أستدارت نحوه وفي عينيها نظرة مروعة:
    " سميتني أيفا؟".
    " ألم يعجبك ؟".
    " بلى أعجبني ".
    " والأكثر من هذا يا أيفا أن أسم التصغير علامة أعجاب من الأسباني بك ".
    ضحكت وقالت :
    " لقد أوقعتني في الفخ عندما جعلتني أسميك ريك منذ البداية !".
    " آمل ذلك".
    تلاقت نظراتهما , ورأت في عينيه حنانا , وأرادت أن ترجوه بألا ينظر اليها هكذا , ولا بد أنه فهم مرادها , أذ أخذ يحدّثها عن أشياء أخرى , عن طفولته في تلال أسبانيا , وطموحه لأن يكون أكثر من مجرد عامل يقطع اللوز والزيتون , وعن هربه من البيت في الخامسة عشرة من عمره وذهابه الى برشلونة حيث أشتغل خادما في أحد المطاعم , ثم أصبح تلميذا لعازف غيتار يشبه الملاك ولكنه يعيش كالشيطان.
    وقال ريك:
    " لدي فقط نصف مواهب ذلك الرجل , ولكنني أستغلها كل الأستغلال , وعندي طموحي أيضا , أفكر في جمع المال حتى أذا صرت غنيا أشتريت بيتا كبيرا فيه أشجار اللوز وفيه نوافير , وسأكون رجلا له زوجة وعائلة".
    أبتسمت أيفين وقالت:
    " أنت تذهلني يا ريك".
    " أنت نظنينني بلاي بوي , أنني أسباني قبل أي شيء آخر , ونحن نأخذ الحياة بروح جادة برغم أننا نغني ونحتفل كلما سنحت لنا الفرصة , الليلة سترين كيف نمرح , وسأعلمك كيف ترقصين كأسبانية".
    " هل سنذهب الى الكنيسة لنرى حفل الزواج؟".
    " سنذهب طبعا يا عزيزتي".
    كانت الشموع الطويلة تضيء فوق مذبح الكنيسة , ونورها يرسم هالة حول العروسين الواقفين أمام القسيس وهما يتمتمان القسم , وكان كل شيء داخل الكنيسة يوحي بالخشوع , وأخذ الحضور يركزون أبصارهم على العروسين.
    وتأملت أيفين وهي صامتة ومأخوذة , بينما كانت طرحة العروس البيضاء تنبسط فوق كتفي العريس الواقف بجوارها , وذلك جزء رمزي من الأحتفال , معناه الوعد بأن تخضع العروس له بالمحبة والوفاق , بعد ذلك وضع في يدها خاتم الزواج , وبنظرة خجولة الى وجهه وضعت خاتما في يده , هذا التبادل للخاتمين رمز تحالفهما , وأذا بتنهيدات الرضى تعلو وسط جموع الحضور.
    كان دخان الشموع يختلط برائحة القرنفل عندما أعلن القسيس أنهما أصبحا رجلا وزوجة , وأبتسم الشاب الأسمر وضغط على اليدين اللتين تحملان زهر البرتقال , وكتاب صلاة مغلف بالصدف ومسبحة , كانا خجولين الى حد لم يقبّل أحدهما الآخر أمام الناس , ورأت أيفين أن العروس تمسح دموعها بمنديلها , أن قسم الزواج رباط مقدس , ولا أفتراق فيه عند الأسبان , وقد نظر كل من العروسين للآخر نظرة أمل وثقة وفرح.
    كانت الشمس عند الغروب في لون البرتقال والذهب المتوهج , عندما خرج الضيوف من الكنيسة سعداء وركبوا العربات الغريبة اللامعة التي أستأجرها والد العريس , وكانت الأجراس ترن حول رقاب الخيل وهي تتبع عربة العروسين الى بيت العريس , وكان بيتا قوقازيا ريفيا في التلال , بجدران عالية وفناء فسيح تضاء فيه القناديل أول الليل وتزدان أغصان شجر الدفلى والسرو بأضواء خافتة.
    تمايلت أثواب الفلامنغو الأسبانية الواسعة تحت الخصر , بينما راح الشبان يرفعون الفتيات من العربات , وكان الشبان يرتدون الثياب السوداء الأنيقة والقبعات العريضة , وجاء بعض الضيوف على صهوات الخيل , وشعرت أيفين كأنما عادت الى الوراء قرنا أو يزيد , الى أيام الأسبان القدامى وفرسانهم وقبعاتهم.
    وأبتسم ريك وهو يصحب أيفين عبر الفناء ليقدّمها الى والدي العروسين , كانت أيفين ترتدي منديلا مطرزا زوّدها به مدرّسها من خزانة ثياب راكيل , وحظيت بنظرات الأعجاب من أم العروس وأم العريس , وكانت كل منهما تضع في شعرها مشطا عاليا يزدان بالأحجار الكريمة.
    في مناسبات كالزواج تتزيّن الأسبانيات الكبيرات بما لديهن من حلي وجواهر أكثر من العروس , وأخذت المراوح تهتز في الأيدي والعيون تتلألأ , وأنحنى شبان كثيرون على يد أيفين وهم يهمسون بالسرور العميق لتعرفهم بالأنكليزية , وأسرعت دقات قلبها وهي تجيبهم بالأسبانية المترددة وهم يستجيبون بأبتسامات السرور لأنها تعلّمت لغتهم , كانت تبتسم وتقول:
    " وجدت لغتكم وموسيقاكم وحفلات أعراسكم ساحرة للغاية".
    ولعله كان يمكنها أن تضيف أنها معهم تعيش من جديد صباها يوم كان والدها يحملها على كتفيه لكي تحضر حفلات الرقص الريفي في البراري في كومب سانت بليز حيث تلهو مع الصغار.
    وهنا في حفل دوريتا والفارس , كان الصغار يندفعون حول الأشجار المزيّنة بالأضواء الملونة , ويقبضون بأيديهم قطع الثلج أو البرتقال , ويرتدون أبهى الثياب ذات الكشاكش والسترات السوداء.
    تطلعت أيفين حولها وجعلها المرح الكثير تتساءل عما إذا كان المركيز يتناول عشاءه هذه الليلة بمفرده , هل هو وحده في القلعة , أم هو مع راكيل التي تلف حوله ببطء شباك جاذبيتها؟ ترى هل وقوفه الى جانب عروس متلألئة وتقبله التهاني أصبح وشيكا ؟ الآن وقد شاهدت عرسا أسبانيا , يمكنها أن تتخيّل صورة المركيز بقامته الطويلة أمام هيكل الكنيسة والخاتم الذهبي اللامع في أصبعه بعدما يكون قد وضع الخاتم للعروس في أصبع يدها المصبوغة الأظافر , وبعدئذ ترتسم الأبتسامة على شفاه راكيل لأن خاتمه وقسمه يجعلانها مركيزة , وهي ستحسن آداء دور المركيزة.
    ولكن ما يرمز اليه بسط طرحتها فوق كتفي دون جوان لن يكون له معنى حقيقي بالنسبة اليها , أنها لن تخضع له أنطلاقا من حب حميم صادق .
    أخرجها ريك من أفكارها أذ سحبها من ذراعها قائلا:
    " هيا نتناول شيئا من الطعام قبل أن يطلبوا أليّ العزف والغناء".
    ورافقته نحو المائدة العامرة بألوان شتى من الأطعمة القروية الشهية , وأختار كل منهما في طبقه ما راق له.
    بدأ شاب وفتاة رقصة الفلامنغو على مهل , وكانت الموسيقى الوحيدة هي طقطقة الكاستانيت بين أصابع الفتيات ونفر خطوات الشاب الضيقة , ثم تسارعت خطواتهما الى أن دار كل منهما حول الآخر , وأخذ ذيل ثوب الفتاة الملون المتعدد الثنيات يمس سروال الشاب الذي يراقصها , وأخذت الموسيقى إيقاع رنات الكاستانيت ونفرات الكعوب , وبين الحين والآخر وكقلب يوقف أحدى خفقاته , تتوقف الموسيقى ويواجه الشاب فتاته بشدة , وهكذا دواليك تواصل الرقص تحت أضواء الفوانيس والنجوم.
    أعجبت أيفين بالرقص , وكانت كالحالمة لا تريد أن تفكر في أي شيء يتخطى ليلة العرس , لم تكن تريد أن تواجه الغد والواقع.










    رد مع اقتباس  

  6. #36  
    المشاركات
    3,260




    أرتشفت بعض عصير الفاكهة الذي ناولها أياها ريك وقالت:
    " شكرا لأنك دعوتني الى هذا المكان الليلة , حسنا فعلت , فما كنت لأضيّع هذه الفرصة".
    " تتحدّثين كأنك لن تشاهدي أي عرس أسباني آخر بعد هذه المرة".
    " ربما أحضر عرسا آخر , ولكن المرة الأولى لها سحرها وروعتها".
    " مثل الحب الأول".
    كانت أضواء الفوانيس تنفذ الى أعماق عينيه قبل أن تقول له:
    " أتوقع تحطّم المرة الأولى في حبي".
    عبثا حاول أن يقرأ في عينيها الواسعتين اللتين تزايد سحرهما الليلة سر تخوفها , فتعجب وقال:
    " جميع هؤلاء الناس يعتقدون أننا حبيبان , الأسباني لا يعرف شيئا أسمه الصداقة بين رجل وفتاة , حب أو عاطفة فقط".
    "ولكننا أصدقاء!".
    " لا تكوني بمثل هذه البراءة يا أيفين , الصديق بالنسبة الى الأسباني هو الشخص الذي يناقش معه السياسة وحفلات مصارعة الثيران".
    " هل جئت بي هنا عمدا , حتى يعتقد كل شخص أننا أكثر من صديقين؟".
    " هل تعنين أنني عرضتك للفضيحة؟".
    قال ذلك وأطلق ضحكة صغيرة ولمس خدّها قبل أن تمنعه , وأضاف:
    " مسألة كهذه تتطلب أكثر من هذا يا صغيرة , قولي أنني قضيت ليلة معك بمفردنا مع وجود شاهد على ذلك , وعندئذ يكون لزاما عليّ كأسباني أن أتزوجك , وإلا تكونين فتاة ملطخة الأسم , لا تجد رجلا آخر يريدها زوجة له".
    دقّ قلبها بقسوة وسرعة وقالت:
    " تقصد أن أحدا لا يصدق براءتنا؟".
    " وهل يمكن أن تكون مثل تلك الليلة بريئة؟".
    " نعم , أذا كان الرجل شخصا شريفا".
    ضحك ريك وقال :
    " لا بد أن يكون من حجر , في كل حال , الأمر سيّان حتى أذا كانت ليلة بريئة , سيتوجب عليه مع ذلك أن يتزوج الفتاة ويتركها تنضم للأشباح".
    رددت أيفين:
    " الأشباح؟".











    رد مع اقتباس  

  7. #37  
    المشاركات
    3,260


    نعم , هذه عبارة تقال عن الفتيات المتروكات على الرف".
    " هل تعني حقا أن الأسبان يمكن ألا يتسامحوا هكذا أتجاه فتاة منيت بورطة بسبب قوة خارجة عن أرادتها أو سيطرتها؟".
    " للأسبان قواعد صارمة تتعلق بالشرف , وعليك أن تتذكري أن حواء هي التي أغوت أول رجل ".
    " أيها الرجال المساكين , لا بد أنه من الصعب عليكم التعرض لخطر كهذا".
    ضحك وقال :
    " صحيح , ولكن فكري في اللذات التي كنا سنفتقدها بدون وجود الجميلات".
    " أظن أن حواء ضيّعت علينا المبادرة لقيامها بالأغواء , إنها جعلت آدم يعتقد أنه جائزة علينا نحن النساء أن نفوز بها , ومنذ الخروج من الجنة وهو يتصرف كأنه ورقة اليانصيب الرابحة في حياة الفتاة".
    قال ريك بدون خجل:
    " هذا صحيح بالنسبة الى معظم الفتيات , وأنت هل تريدين العيش في الحياة بدون رجل يحبك؟".
    أستدارت أيفين لتنظر الى العروسين وقد غمرتهما السعادة وأحاط بهما الأصدقاء , حتى أن أيفين تمنت أن لا تحجب واقعية الزواج نور النجوم الذي يتلألأ في عيونهما , أنهما متحابان. ومعظم الناس يريدون أن يكونوا محبوبين , وبدون ذلك تبدو الحياة فارغة في جوانب كثيرة.
    وفي هذه الأثناء بدأ الضيوف في طلب ريك ليعزف لهم , وسرعان ما أشتد سحر الموسيقى مع شذى الزنبق الذي سحقته الأقدام وبريق الفوانيس والأضواء الملونة على الوجوه الأسبانية المجتمعة في الفناء.
    شعرت أيفين بالترحاب وسط هؤلاء الناس , كانوا أشبه بصورة مطرزة في لوحة من السجاد القديم , كانت وجوههم من النوع الذي لم تفسده الحياة العصرية بضغوطها ومشاقها , وعيونهم يقظة ومتقدة , وبدا كأنهم يضعون كل قلوبهم في الأستمتاع بالموسيقى وينعمون بها كأنها العسل المصفّى , وسرعان ما تشابكت الأيدي في حلقات كبيرة وبدأوا ي
    كانت رقصة جديدة بالنسبة الى أيفين وقد أحبتها , وكان الجميع على أستعداد لتعليمها كيف تقوم بخطوات قصيرة ثم تليها خطوات طويلة , الى أن ألتقطت إيقاع الرقصة وأحست بسحرها.
    هل مضت ساعة أم ساعتان قبل أن تجد نفسها وحيدة تهز منديلها طلبا للأنتعاش ؟ كان بريق القمر في عينيها وجمال السماء ينجلي من خلال الشجر , الليلة وجدت ملاذا صغيرا كاد يطمس أدراكها بأن عليها عما قريب أن تغادر جزيرة القلوب الحنونة والأيام المشمسة والليالي الساحرة.
    لحظات وتنتهي الموسيقى ويعود ريك للبحث عنها , ويجدها بفضل هذا العرس السعيد الجميل مستعدة للتغاضي عن تحرشاته.
    عاد كظل مخملي , وكنمر يستعد للأنقضاض على فريسته , وأقترب من الشجرة التي تستند اليها , وقال:
    " على المرء ألا يغيب نظره عنك وإلا أختفيت".
    " منذ فترة كنت تحثني على الحب".
    " أظن أن عليّ الآن أن أضعك في مزهرية فضية أنيقة وأعجب بك ".
    ضحكت وقالت:
    " فوق الرف".
    وضحك معها وقال:
    " تعالي , إن العروسين على وشك أعطاء حلوى من شجرة الأس الموينة خصيصا لهما".
    وضع يده في يدها وسارا مع بقية الضيوف المتجمعين حول العروسين لمشاهدة العروس والعريس وهما يقدمان الحلوى لكل شاب وفتاة من الضيوف , وكانت أيفين مشغولة بروعة اللعبة حتى أنها فوجئت لما وجدت العروس دوريتا تقدم لها قطعة من الحلوى بينما العريس الفارس يقدم قطعة أخرى الى ريك , وأنطلقت الضحكات , وما من أحد علت وجهه الدهشة مثل أيفين , وبينما هي تستدير ناحية ريك شد أنتباهها وجه أمرأة في ضوء الفانوس , كان وجه العجوز التي نامت هي ودون جوان في كوخها ليلة الضباب , ذهلت , كانت تلك العجوز جزءا من حلم أنطمست معالمه , ومع ذلك كان وجهها لا ينسى.
    كانت العجوز تحمل أبريقا من عصير الفاكهة وتتولى توزيع أكواب منه على الضيوف , لا بد أن أصحاب العرس أستأجروها لخدمة ضيوفهم , ولا بدّ أن أيفين كانت مفتونة بالحفل الى حد أنها لم ترها إلا الآن.
    أبتسمت في تردد بينما كانت العجوز تنظر اليها , كان المتجمعون حول أيفين يقولون :
    " لا تخجلي , يا آنسة , كلي الحلوى!".
    ولكنها لم تستطع , لق جف حلقها وأشتد نبضها , ولم تكن تهتم لأحد غير تلك العجوز ذات الثوب الأسود , التي أقتربت منها وقالت:
    " هل أستطيع أن أقدم كوبا من العصير للسيدة ؟". وأضافت بعد أن أقتربت أكثر : " آمل أن يكون زوج السيدة في خير حال ؟ أنه سيد شريف , كان سخيا بنقوده في تلك الليلة التي قضيتمونها في بيتي".













    رد مع اقتباس  

  8. #38  
    المشاركات
    3,260



    "
    وفيما كان الأشخاص المحاورون لأيفين يحملقون فيها والفضول يملأ عيونهم , قاطعها ريك قائلا:
    " أنت مخطئة , رفيقتي ليست متزوجة".
    تطلّعت العجوز الى وجه أيفين الشاحب وقالت:
    " أذن لا عجب في أن السيد كان سخيا فيما دفعه لي".
    سألها ريك وكأنه ينفث نارا:
    " ماذا تعنين يا عجوز؟".
    " الأفضل أن تسألها هي يا سيدي".
    وأبتعدت المرأة كروح خبيثة , وتأوهت أيفين من الألم عندما أمسك ريك معصمها وضغط بأصابعه بشدة:
    " هل فهمت ما قالت ؟".
    " لقد فهمت أيفين بوضوح من وجهه, أن سرّها – مع دون جوان – قد أفتضح , فقالت:
    " نعم , فهمت بعض قولها".
    بدا الشر في عينيه وهو يمسك بها من معصمها ويبعدها الى مكان معزول في الفناء :
    " أريد منك تفسيرا أذا كنت لا تمانعين , مع من أمضيت ليلة في الكوخ العجوز , ولماذا قدّمتما أنفسكما كزوج وزوجة ؟".
    جذبت أيفين معصمها من قبضته:
    " أخشى أن لا أستطيع أن أخبرك.".
    " أنا أصر على أن أعرف!".
    " وأنا أرفض أن أخبرك".
    كانت ترتعش إذ شعرت فجأة أن العرس لم يعد له جاذبيته بالنسبة لها , واتت تريد شيئا واحدا فقط وهو العودة الى القلعة فقالت:
    " بغض النظر عمّا ألمحت اليه المرأة العجوز , كانت تلك الليلة في كوخها بريئة ونتيجة لظروف خارجة عن أرادتي أو .".
    وتوقفت كاتمة الأسم الذي لا يجب أن يذكر أسم الوصيّ عليها , لا يجب أن يعلم أحد , لأن ريك قال منذ برهة أن على الأسباني الذي يعرّض فتاة للفضيحة أن يعيد لأسمها طهارته بالزواج منها ! قالت بتوتر:
    " أظن أنه يجب عليّ أن أترك المكان".
    أعترض سبيلها حيث كانت واقفة بين بعض الأشجار , وقال لها :
    " كلا , علينا أن ننهي هذه المسألة , لا يمكننا أن نمشي ونتظاهر بأنها لم تحدث , علينا أن ننهي هذه المسألة , لا يمكننا أن نمشي ونتظاهر بأنها لم تحدث ! أريد أن أعرف أسم هذا الرجل أن هويته يمكن أن تبيّن أذا كانت الليلة التي قضيتها معه كانت بريئة كما تقولين , أريد أن أصدق براءتك".
    شعرت ببرودة نسمة منتصف الليل على ذراعيها العاريتين وقالت:
    " هذه شهامة منك , ولكنك بعجرفة الرجال تضع شروطك قبل أن تبرهن عن شهامتك , آسفة يا ريك , لا أستطيع أن أخبرك بأسم شريك في المحنة , وعليك أن تظن ما تشاء".
    " هل كان هو دون جوان , لسبب ما؟".
    تسمرت لحظة وظنت أن آهة كادت تخونها وتنطلق منها , ولكن الواقع أن الصدمة جمدتها , وكان عليها أن تبذل جهدا لكي تجيبه , فقالت :
    " ما هذا الذي تقوله ! لو كان دون جوان يريد مني شيئا , لما أحتاج لأن يأخذني الى بيت شخص آخر ليلا !".
    وأبتعدت عن ريك وقد آلمها أنه أجبرها على أن ينتزع تلك الكلمات منها.
    " أذن من يكون ؟".
    سألها ريك بصوت متذمر , وهو يقف أمامها متوترا , وكأنه على أستعداد للأنقضاض عليها لينتزع منها أسم الرجل الذي تحميه :
    " أذن أي رجل آخر تعرفين على هذه الجزيرة ؟ فيما عدا السيد فونسكا؟".
    زحفت برودة أطرافها الى صوتها وهي تقول :
    " هل تتهم الآن أستاذي ؟ ريك , هل هذا يهم , ألا تصدق أنه لم يحدث أي سوء؟".
    " ولماذا تحمين الرجل بكل هذا العناد؟".
    تنهدت وقالت :
    " أنت الشخص العنيد يا ريك , نسيت الأحد الذي كنا نتنزه فيه بالسيارة ثم تشاجرنا , لقد قابلت شخصا آخر لا تعرفه ".
    كانت نصف الحقيقة هذه محاولة يائسة منها لتغطية الوصي عليها, وتجنبيه التعرض للفضيحة , أن أخلاقيات هؤلاء الناس الصارمة ذات أثر عكسي أذ تثير الفضيحة , وأن آخر شيء تريده هو أن تسوء صفحة دون جوان في نظرهم , أنه ليس قديسا ولكنه يعتبر مثالا للشرف والشجاعة والكياسة , ولعله قد يرى نفسه ملزما على الزواج منها أذا شملتهما الفضيحة.
    تلاقت عيناها مع عيني ريك تحت ضوء القمر فرأت الغضب المحير ينعكس عليهما , فقالت محاولة أن تخفف عنه:
    " سامحني لأنني حطمت أوهامك عني , يجب أن تصدق أننا أوينا الى أول سقف وجدناه , كان طيا ومهذبا وسأكون دائما ممتنة له".











    رد مع اقتباس  

  9. #39  
    المشاركات
    3,260




    " هل أنت مغرمة به؟".
    بهرها السؤال , وكان عليها ألا تتخاذل أمام الأثارة , فضحكت وقالت:
    " أن المرء لا يقع في حب شخص غريب , وإلا واجه تجربة مرهقة للأعصاب , ومع ذلك فلن أنساه بسهولة".
    " لا أفهم كيف تسمحين لغريب أن ينتحل صفة الزوج لك !".
    " أن المرأ العجوز هي التي أفترضت ذلك وقد ظن أن لا أهمية لذلك في تلك الظروف".
    قال ريك:
    " كم هو قصير النظر , أن تلك العجوز قد رأتك ثانية وفضحتك , وجميع أصدقائي سيعتقدون أنك فتاة مغامرة".
    تفحصت وجهه تحت ضوء القمر , ورأته عابسا حانقا كأنه طفل وجد عيبا في لعبة أحبها , فقالت:
    " وهل أنت تتأثر الى هذا الحد بظنون الآخرين ؟ أنك أسبني متزمت , أليس كذلك يا ريك ؟ ويبدو أنني كاللواتي مكانهن الرف".
    " لا تحولي المسألة الى مزحة !".
    أبتسمت وقالت :
    " من الأمور المسلية أن أعدو أمرأة موصومة بينما كنت من بضعة أسابيع زهرة على الجدار".
    أمسك بكتفيها وهزّها وقال:
    " أيفين , أن الفضيحة تنتشر هنا في هذه الجزيرة أنتشار النار , وسيبدأ الناس بالتهامس عنك , ألا تهتمين؟".
    منتديات ليلاس
    أن أكثر ما تهتم له هو ألا يكتشف أن دون جوان كان الرجل الذي قضى معها الليلة في غرفة واحدة في الكوخ , لقد كان طيبا معها للغاية , وخفق قلبها للتفكير فيه وأرادت أن ترد له الجميل الذي طوّقها به , والأشياء التي أعطاها لها وخاصة أسابيع الدراسة مع والد راكيل , وفكرت في علاقته الرومانسية مع راكيل. وأرادت لحظة أن تنحي هذا التفكير جانبا, قالت:
    " أود أن أعود الى البيت , فقد أنتصف الليل وبعض الضيوف يخرجون".
    وكانت الكلمات قد تجمّدت على شفاه ريك , فنظر الى وجهها الحزين الجذاب والقمر في عينيها , وشعرها الذي أنساب على كتفيها بعد الرقص , منذ فترة كانا سعيدين . وقد أعطاهما العروسين الحلوى .
    ودّعا أهل العروسين , وغادرا المكان في سيارة صديق , وشعرت أيفين بالراحة عندما لاحت في الأفق أبراج القلعة وقد أفاض القمر عليها أنواره , وأحست مثل سندريللا التي توجهت الى الحفلة الراقصة كلها سعادة ثم عادت الى البيت والدمع في عينيها.
    ودّعت ريك وصديقه في السيارة ثم أسرعت الى فتح باب القلعة الجانبي , وما أن أغلقت الباب وراءها حتى أبتعدت السيارة.











    رد مع اقتباس  

  10. #40  
    المشاركات
    3,260


    كانت المصابيح الفراشية الشكل تشع أضواؤها الخافتة في الباحة عندما عبرت أيفين الممشى الذي قادها الى داخل القلعة , وكانت الفراشت الخضراء تهيم حول الشجر , وأحد الضفادع ينق في حوض النافورة , والقمر ينساب في سمائه ساطعا ويلقي نوره كغلالة فضية رقيقة على كل ما تحته في الليل الساكن .
    وبينما هي واقفة تتأمل طبيعة الليل تناهت الى سمعها موسيقى البيانو من القلعة , كانت الموسيقى تتسلل ناعمة وحزينة , وشدّتها الموسيقى فوجدت نفسها عند باب الغرفة الذهبية المفتوح جزئيا , توقفت وأصغت , كان الوقت متأخرا جدا والقلعة ساكنة , كأنما هناك شبح في غرفة روزاليتا يعزف مقدمة شوبان , كان يعزف وحيدا في سكون الليل حتى أن أيفين ترددت في النظر الى داخل الغرفة.
    خفق قلبها بهدوء , وأخيرا تشجعت وخطت الخطوات القليلة التي مكنتها من رؤية العازف , كان فوق البيانو شمعدان يهتز لهب شمعتيه راسما ظلالا على وجه دون جوان.
    تابع عزفه كأنما يتجاهل حضورها وإن كانت تعرف بغريزتها أنه شعر بوجودها , ولكنه مستاء منها , وكأنما سرعة دقات قلبها قالت لها أنه كان ينتظر عودتها الى البيت , وكان من الواضح من ثيابه وربطة العنق الحريرية أنه لم يذهب الى فراشه.
    وعندما قاربت موسيقى مقدمة شوبان على الأنتهاء , كانت سرعة دقات قلبها قد جعلتها تشعر بأغماء , أرادت أن تبتعد وتتراجع عنه ولكنها لم تستطع , أرادت أن تتحدث ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها , إنها على أستعداد أن تفعل أي شيء , أن تركع عند قدميه أذا لم يعاملها كطفل تأخر خارج البيت ولا بد من أن يؤنب وينال عقابه.
    غمر السكون الغرفة , ثم أستدار ببطء لينظر اليها , كان وجهه شاحبا وزاد من شحوبه القميص الحريري القاتم وربطة العنق , وشدّتها عيناه ورأت فيهما وميض الغضب , سألها بلهجة لاذعة:
    " تعرفين كم الساعة؟".
    قالت وصوتها يرتجف :
    " أعرف . أنني متأخرة , كنت مدعوة الى عرس في الكنيسة , وأقيمت بعد ذلك حفلة للعروسين ولم نغادر المكان إلا بعد منتصف الليل".
    " أعتقد أنك تقصدين أنت ومانريك كورتيز ؟".
    " نعم يا سيدي".
    " كان العرس مرحا , وزاهيا فشق عليك مغادرة الحفلة ؟ وكان هناك موسيقى ورقص , ويبدو عليك أنك أستمتعت بالرقص".
    " أحب الرقص , وهل من العيب يا دون جوان أن أستمتع بحفل عرس ؟ هل أنا صغيرة وبلهاء لئلا يوثق بي في أي مكان إلا هنا أو في دروسي؟".
    نظر الى وجهها وثوبها والمنديل المطرز الذي يغطي كتفيها:
    " أنت لست في عمر يسمح لك أن تبقي في الخارج الى ما بعد منتصف الليل , والآن أدخلي وأغلقي الباب , أرجو أن تخبريني من هم أصحاب العرس , لا بد أنهم أصدقاء كورتيز؟".
    أحمرت وجنتاها وهي تغلق الباب بكل طاعة ووقفت أمامه موقف الدفاع , وقالت :
    " كانا ألطف عروسين , وقد أقيم الحفل في فناء دار واسعة في التلال يملكه والد الفارس العريس ويدعى السيد فيلاردي".
    " أذن هو رجل له مكانته في الجزيرة , يسرني أن كورتيز أخذك الى أناس يمكنني الموافقة عليهم , فأنني سمعت أنه ليس دائما بلشخص الذي يوثق به".
    تعجبت أيفين وقالت:
    " أنت تتشدد ! وأنا لست بفتاة عاشت في دير ويتوجب حراستها , أنت تنسي يا سيدي أنني أشتغلت خادمة وكنت أقوم بخدمة الضيوف في حفلات بيت آل ساندل الريفي , وكان تغييرا لطيفا أن أكون الليلة ضيفة في حفلة !".
    " يسرني أنك قضيت ممتعا , ولكن كوصي عليك لي الحق أن ينتابني القلق عندما تعودين الى البيت متأخرة".
    تفحصت وجهه في ضوء الشموع , لم يكن قلقا عليها , وإنما كان متضايقا , فقالت بعنف:
    " لا حاجة بك لأنتظاري إلا أذا كنت تشعر بضرورة تأنيبي".
    " أنا لا أؤنبك يا صغيرتي".
    إبتسمت وقالت :
    " ولكن الحال أشبه بذلك , وعبوسك شديد حتى لم تعد لي قدرة على الوقوف , وإذا بقيت هكذا فمن المحتمل أن أنهار على السجادة من الخوف !".
    ضحكت شفتاه وقال :
    " أظن أنني نسيت ما معنى أن يكون الأنسان صغيرا وينسى الوقت مع رفاقه , ونسيت أنك لم تشهدي أبدا عرسا أسبانيا وأنك كنت مفتونة به , أخبريني أي مشهد أعجبك أكثر من غيره".
    وبعد ذلك حرّك ساقه وهو ممسك بعصاه الأبنوسية التي لا تبعد عن يده.
    عادت تتذكر الكنيسة والشموع , وطرحة العرس المطرزة التي بسطتها العروس على كتفي العريس وتبادل خاتمي الزواج, وقالت :
    " الأحتفال ذاته يا دون جوان".
    وفجأة , وبخفة الشباب , ركعت ومدّت مقعدا بثلاث قوائم تحت ساقه اليسرى , ونظر اليها فغابت في أعماق عينيه , فسألها:
    " لماذا فعلت هذا؟".
    أجابته وهي راكعة أمامه وثوبها يشبه بركة خضراء من حولها , وشعرها يتدلى حول عنقها ووجهها يتطلع اليه من أسفل وقد بدا شاحبا في ضوء الشموع , وفي عينيها خجل لأنها أخيرا تجرأت وحدّثته عن ألمه.

    " أنا حادة الملاحظة ".
    " وأنت مترفع جدا- دائما – الى حد لا تبوح فيه بما يؤلمك يا سيدي".
    " قد أصبح عبئا ثقيلا يا أيفين أذا تأوهت في كل مرة أشعر فيها بوخزة ساقي , لقد أعتدت العيش بها , وعليك ألا تدلليني".
    أبتسمت وقالت:
    " ينبغي لنا جميعا أن ندلّل بين حين وآخر".
    أنحنى الى الأمام , وأمسك معصمها بأصابعه الطويلة , فأنفعلت لرد الفعل المباغت . والرعشة التي تغلغلت في عظامها , وقال:
    " أيفين , لا تفكري في العبودية مرة أخرى , أنت لست مدينة لي بأي شيء , وعلى الأخص عطفك, هل فهمت؟".
    أطلقت زفرة مهزوزة وقالت:
    " نعم فهمت , يمكنني أن آخذ منك أشياء لأن عندك المال , ولكنك ترفض أي ذرّة من الأمتنان أسديها لك , ليس هذا بكثير , ولكنه كل أملك".











    رد مع اقتباس  

صفحة 4 من 6 الأولىالأولى ... 23456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  2. تناديني وأجي ملهوف sms
    بواسطة لؤلؤة البحر في المنتدى مسجات و رسائل وسائط SMS & MMS
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26-Mar-2011, 12:27 AM
  3. أنشودة تناديني
    بواسطة الريحــــانة في المنتدى تحميل و استماع اناشيد و صوتيات الاسلامية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-Mar-2009, 12:07 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •