بقيت جوليا تتقلب في فراشها، ودموعها جارية على خديها.
لم تأكل شيئاً طوال النهار ومع ذلك لم تشعر بالجوع مطلقاً
كرهت كل شيء حولها، أحست بالإختناق في غرفتها المقفلة، فحاولت الخروج، إلا أنها لم تستطع الوقوف لدقيقة على قدميها دون أن تستند إلى شيء.
غيرت رأيها وعادت للسرير تبكي من جديد إلى أن نامت
في صباح اليوم التالي، جاءت إحدى الخادمات حاملة صينية الفطور إلى غرفة جوليا على غير العادة طرقت بابها تستأذن للدخول، صرخت بها كما فعلت مع كل من حاول أن يدخل غرفتها.
إلا أن الخادمة أورورا ذات السنوات العشرين قالت بصوت منخفض:" عندي شيء مهم لك ليدي!"
كانت تعرف هذه النبرة، فغسلت وجهها ورفعت خصلات شعرها عن وجهها بيدها وفتحت الباب، دون أن تكلف نفسها عناء ترتيب نفسها.
قالت باستعجال:" ماهو؟"
قالت أورورا مبتسمة:" لقد كنت أنظف غرفة التدريب خاصتك هذا الصباح فوجدت شيئاً، من الواضح أنه مهم بالنسبة إليك!، لابد أنك كنت تبحثين عنه!"
" أين هو"
" إن وعدتني أن تأكلي سأعطيك إياه!"
" أورورا، لست في مزاج يسمح لي بالمزاح، فأعطينيه بسرعة!"
" لا أستطيع، أنا لم أجادلك يوماً ولم أعصك مذ توظفت هنا، لكنني في سبيل أن تأكلي مستعدة لفعل أي شيء، كأن أعطي السيد جون ذلك الشيء والذي يحوي شيئاً خاصاً جداً لا ترغبين أن يراه أحد بالتأكيد وخاصة السيد جون!"
وافقت على مضض قائلة:" حسناً، أدخلي الفطور وأحضري هذا الشيء!"
ابتسمت وقالت:" أمرك ليدي!"
دخلت فراعها ما وجدت عليه الغرفة من فوضى وإهمال.
" يجب أن أنظف الغرفة"
قاطعتها بصوت لا يقبل الجدل:" اتركيها كما هي وأعطني ذلك الشيء بسرعة فقد نفذ صبري"
" سأعطيك إياه، لكن أغمضي عينيك أولاً!"
" أورورا!"
قالت بامتعاض:" حسناً حسناً"
ناولتها حقيبة سهرة أنيقة رائعة، حمراء اللون لامعة، مع خطوط خفيفة بيضاء
نظرت إلى الحقيبة طويلاً ثم رفعت رأسها ببطأ وصرخت فجأة قائلة:" أهذا ما تعتبرينه شيئاً، يا للسخافة أورورا، وما هو الأمر المهم في حقيبة سهرة تافهة؟"
قالت متلعثمة:" كنت. كنت أعني ما بداخلها. لقد كنت أعتقد"
" لا تعتقدي شيئاً مرة أخرى، أخرجي وأتركيني وحدي!"
خرجت أورورا راكضة من الغرفة، لم تهتم جوليا مثقال ذرة بأورورا، بل أقفلت الباب وبكل برود، استلقت على سريرها لتكمل بكاءها، إلى أن لمحت من بعيد صينية الفطور.
وعلى الرغم من الدموع التي غسلت وجهها لم تستطع المقاومة، فقد كانت تتلوى من الجوع منذ الفجر وحتى الساعة.
أكلت قليلاً ثم جلست تفكر في أليكس فورد بالطبع!
لابد أنك تنفست الصعداء وشكرت ربك حين خرجت من بيتك!
أوه بالطبع فلم أكن سوى عائق يمنع ذهابك إلى خطيبتك الشقراء الرائعة الجمال، أيفا ويا له من اسم.
أكره هذا الاسم، وأكره صاحبته، أكرهك أنت أيضاً آليك.
رن هاتفها الخليوي فجأة، ومع أنها عادة تتجاهله، إلا أن دافعاً دفعها لترى من المتصل.
وجدت ولدهشتها الشديدة أن المتصل أليكس فورد، لم تكن تعرف رقمه، لكن شخصاً ما عبث بهاتفها وحفظ رقمه عندها رمته بغضب على الأرض.
ودخلت في نوبة بكاء جديدة
في اليومين التاليين أكلت ما يكفي لجعلها تعيش، وخلالهما لم تفتح باباً لأحد سوى أورورا التي لم تعد تمازحها أو تحدثها عن أسرتها كما في السابق.
جاءتها آلي عدة مرات، لكنها كانت تطردها في كل مرة ومع ذلك لم تغضب آلي منها ولم ترفع صوتها أبداً.
" آلي، ما العمل، سيصل والديّ بعد يومين وجوليا ترفض الخروج من غرفتها!"
حاولت أن تخفف عنه:" لن يعلم والداك بشيء، سرعان ما ستخرج جوليا من عزلتها تلك وتعود كما كانت!"
" لكن لا أستطيع الكف عن التفكير فيما لو"
" لا تخشى شيئاً، ثق بي ستتناول الغداء معنا اليوم وسترى بنفسك!"
صممت آلي على أن تضع حداً لهذا الأمر، فأخذت تفكر في طريقة تجعل جوليا تنزل إلى الطابق السفلي.
مسحت دموعها التي أصبحت رفيقتها هذه الأيام بيدها بعصبية.
" إن كان يستمتع بحياته دوني، فلم أترك الأيام تمر دون فائدة، لماذا أندب حظي العاثر؟، إنه لا يستحق هذه الدموع، لا ولا يستحق أيضاً هذه الليالي التي أبكيه فيها إنه لا يستحق مني أي شيء، فما هو سوى مجرم، أجل مجرم وإن كان بتشجيع من أخي الساذج!، على أية حال، ماذنب أولئك الخدم الذين ما انفككت أصرخ في وجوههم طوال الأيام القليلة الماضية، ماذنب أخته فيما جرى، كل اللوم يقع عليه وحده، وسواء شئت أم أبيت ستكون آليسا قريبتي، فسيتزوجها جون قريباً، وعليّ أن أحسن معاملتها رغم كرهي لها، ليس لها تماماً بل كرهي موجه نحو أخيها السافل!لن أفكر فيه بعد الآن، وإذا رأيته يوماً ما سأهز كتفي وأنسى الأمر برمته وأتعامل معه كأي غريب ألتقيه لأول مرة. سأعود إلى حياتي السابقة، وسأبدأ منذ اللحظة!"
على مائدة الغداء فوجئ الثنائي بدخول جوليا.
قال جون بسرور:" هل هذا يعني أنك لم تعودي غاضبة مني!؟"
قالت بهدوء:" لم أكن غاضبة منك أنت!"
" لابد أنك غاضبة من أخي إذن!"
ألقت عليها نظرة غاضبة ثم قالت بهدوء بعد أن تمالكت نفسها:" لا لست غاضبة منه، لأن الغضب يعني التفكير، وهو لا يستحق أن أفكر به!"
أحست آلي بالإهانة لكنها اعتادت على هذا من جوليا فقالت:" لا بأس، آليك يستحق ذلك!"
" إن كنت لا ترغبين بكسب عدائي، فلا تذكري اسم ذلك الحقير أمامي من جديد!"
تدخل جون مدافعاً:" جوليا، آليك ليس"
قاطعته قائلة:" لا يهمني ما تعتقده، لكن تذكر هذا جيداً، إن ذكرت اسمه أمامي فسأخبر والديّ بكل ما حدث، وأتركك لتواجه العواقب وحدك، أنا لا أطلب منك سوى أن تنساه إذا كنت معك، فهل أطلب الكثير؟"
لم يشك جون في أنها قد تفعل هذا، فقال باستسلام:" لك ما تريدين!"
ومر اليوم بسلام.
تلاه يومان أخريان، حاولت جوليا أن تبدو فيهما طبيعية إلا أنها كانت في مزاج سيء جداً
كانت تجلس معهما في الحديقة تستمع بذهن غائب إلى حديث الخطيبين السعيدين.
اقترحا عليها عدة مرات أن يخرجا في رحلة، إلا أنها كانت ترفض باستمرار مما أثار قلق جون لكنه سكت ولم يعلق على الموضوع بشيء، وكما طلبت جوليا منهما أن ينسيا آليك تماماً، لم يذكراه أبداً، إلا أن المشكلة تكمن في أنها هي نفسها التي لم تستطع نسيانه لحظة واحدة كما كانت قد قررت.
" سيصل والدي اليوم بعد الظهر!"، قالها جون مسروراً.
قالت آلي بارتباك:" هل سأعجبهما يا ترى؟!"
نظرت إليها جوليا دون اهتمام، فقد كانت رائعة جداً بعينيها الواسعتين العسليتين، وشعرها البني الفاتح الناعم، وبشرتها الفاتحة لقد كانت مثالاً للجمال الأليري
قال جون مبتسماً:" أوه بالتأكيد فأنت رائعة الجمال، وبالتأكيد ستعجبينهما!، أمي تريد أن ترى زواجي منذ مدة طويلة، ولذلك فقد سرت كثيراً عندما أخبرتها بأنني سأخطب!، وأتصور أنها الآن تنتظر بفارغ الصبر وصولها كي تراك، فقد قلت لها بأنني سأتزوج من ملكة جمال أليريا كلها!"
أحمرت وجنتاها وقالت مغيرة الموضوع:" بالمناسبة، أمي أيضاً تريد ان ترى زواج آليك، لكنه كان يرفض دوماً، لكن قبل أن يسافر والديّ هذه المرة، وافق على أن يتزوج قريباً، ووكّل أمي بمهمة اختيار الزوجة المناسبة!، أنا لا أستطيع الانتظار إلى أن تعود أمي لأرى على من سيكون الاختيار!"
كانت جوليا تستمع بهدوء، لم ترغب بفعل أي شيء يذكرهما بوعدهما لها
لكن بعد أن أنهت آلي حديثها، وضعت جوليا الملعقة من يدها بصوت مسموع، وقفت فجأة وقالت:" لقد شبعت!" وخرجت من الغرفة.
قالت آلي بذعر:" أوه، ما العمل، لقد نسيت وذكرت آليك أمامها!، إنها غلطتي!"
" لم يكن خطاك!، سأذهب إليها بعد قليل وأعتذر مع أنني مللت الإعتذار!"
أما جوليا فقد خرجت بهدوء من الغرفة وما أن أصبحت آمنة من نظرات جون وآلي أخذت تركض حتى دخلت غرفتها فأقفلت الباب.
جلست تفكر فيما سمعته قبل قليل
آليك لم يكن خاطباً!! لم يكن يا للفرحة.
أخذت تضحك بهستيرية حتى طفرت الدموع من عينيها
وفي غمرة فرحها تذكرت شيئاً كانت قد قالته أورورا منذ عدة أيام.
شيء يسعدها أو من هذا القبيل موجود في حقيبة السهرة
أخذت تبحث عنها في كل مكان حتى وجدتها، فتحتها فرأت بداخلها شيئاً أثار عجبها.
كيف لم تتذكره من قبل؟، لم تعرف الجواب.
أخرجت هدية آليك الحمراء من الحقيبة، مزقت غلافها، فرأت ورقة مع شيء آخر.
انتزعت الورقة بقوة، ولم تنظر إلى الشيء الأخر
عزيزتي الليدي جوليا.
سأعترف لك بشيء لا يعرفه أحد سواي عني!
ربما ترينني واثقاً جداً بنفسي جريئاً.إلا أنني في الحقيقة مجرد جبان أكبر جبان في العالم.
أتعلمين لماذا؟ سأخبرك بالسبب.
لأن لدي شيئين لم استطع أن أخبرك عنهما وجهاً لوجه.
لذلك كتبت هذه الرسالة لك، علّك تفهمين ما أمر به من عذاب في سبيل إخبارك بهما.
الأول: هو أنني كاذب، أجل كاذب في كل ما أخبرتك به عن أختي وأخيك، فأختي ليست مطلقة بل إنها لم تتزوج مطلقاً.
أعلم بأنك مصدومة جداً الآن. بل إني أكاد أرى ما ارتسم على وجهك من الذهول والتساؤل في هذه اللحظة.
لابد أنك تتسائلين عن السبب الذي يجعلني أختطفك.
لقد اقترح جون عليّ أن اخطفك لمدة ثلاثة أسابيع، حتى يتسنى لك الوقت لنسيان جوليان الذي كان خطيبك فيما مضى، وحبيبك حالياً.
لم أرضى بهذا الأمر إلى أن حصل أمر ما جعلني أوافق مرغماً على هذا فاختطفتك ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فقد حدث ما ليس بالحسبان وهذا هو الأمر الآخر الذي لم أستطع أن اعترف لك به، ألا وهو أنني. أحبك أحبك ليدي بالرغم من كل شيء.
إلا أنني لا أستطيع أن أطلب منك أن تحبيني في المقابل، لأنني لا أستحق حبك بعد ما فعلته، ولأن جوليان في قلبك إلى الأبد.
في النهاية أعلم أنك تكرهينني جداً بعد أن عرفت عني هذه الأشياء. إلا أنني أرجو أن تتذكري أنني أحبك. وسأظل أحبك طوال حياتي.
أليكس فورد
[size=5]انهمرت دموع السعادة غزيرة من عينيها، مسحتهما بسرعة، اتصلت بسائق طائرتهم الخاصة، فلما أجاب، قالت:" مرحباً رايان، أنا جوليا!"
"أهلاً ليدي، كيف أخدمك؟"
" جهز الطائرة خلال ربع ساعة!"
" أمرك ليدي!
قطعت الاتصال ووقفت تتأمل نفسها في المرآة، فرأت فتاة أخرى، لأول مرة في حياتها ترى نفسها بهذا الشكل المزري.
استبدلت ملابسها على عجل، فلبست تنورة واسعة قصيرة سوداء، وبادي أصفر. ووضعت وردة صفراء في شعرها الذي تركته منسدلاً على كتفيها. لبست حذاء طويلاً أسود، تعطرت، واختطفت حقيبتها وخرجت راكضة من المنزل.
عندما هم جون بالصعود لاقناع جوليا بأن آليسا لم تكن تقصد شيئاً عندما ذكرت اسم آليك، رآها مندفعة تنزل الدرج، ثم خرجت دون أن تكلف نفسها عناء تفسير سبب الضحكات القوية التي كانت تطلقها بين حين وآخر وهي تنزل الدرج، أو تخبره بوجهتها.
وقف وعلامات الصدمة مرتسمة على وجهه:" لابد أنها جنت!"
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،