دعكت عينيها بهدوء ، قدمت ورقة انتساب إلى طفولة النهار، ثم نهضت بتروٍ ، و لديها رغبة في استمرار هذا الحلم الذي وُلد من رحمه أسئلة غير مقنعة حول أسباب وجود وجوه عديدة بالقرب منها ، وإدارتهم لحوار لا تمت إليه بصلة مباشرة، و ملاسنة ماهر كأنه يدافع عنها من حاسدين ، أو محاولة منه للبقاء إلى جانبها كما تتمنى في الواقع على اعتبار أن المنام يتبع أحداثاً خلت جزأت ما حدث لها إلى نصفين : براءة وفوضى غير محسوبة أحاكت ميلودراما من الحدث وهي تقارنه مع سهرة تلفزيونية مؤثرة شاهدتها مؤخرا ، كما سبق لها أن فعلت مثل هذه المقارنة أكثر من مرة تمنت أن تكون أمها قريبة منها كي تسألها حول بعض المواقف ، وما مردها ومغزاها همست : << كانت ستقول إن هيئة الأفق تشير إلى حكمة ، ولها فأل خير ، والرجل الذي حاوره هو صديق وفي وغيور ، والخطوط والغشاوة والشكل الهلامي تعبر عن فوضى أو أمر غريب سيحدث ، والخلاف بينهما العياذ بالله منه والزعيق نبوءة فيها بعض الخوف أعرف أنها ستقول كعادتها : أما الشرطي، فهو ملاك أو مؤمن ، والأفعى عدو والبياض فسحة أمل أو عرس إلى آخر الاسطوانة >>
تنهدت مبعدة احتملات الشك ، وانبرت كقطة تخربش على صفحة نفورها من الحرج ، وتساءلت بتردد فيه أنفاس ذكرى : " قالت أمي ، إن أحلام أول الليل غير صادقة وتصدق عند وجه الصبح حلمي صادق ؟! لكن ما معني الاختلاف ؟ هه كان الصبح ورديا ولن أنذر أي نذر للخلاص من عقباه خير اللهم اجعله خير "
توقفت على حدود شرود افتعل موقفا غير مهذب معها تركته يسيح كقطعة ثلج بفعل إهمالها العفوي
منحها ذلك قوة وتدبر كيفي من أجل إدارة اللحظات التالية على الفور تراءت لها صورة عمتها وشبهتها بالضوء الذي انتظر عند الشرفة ، تمنت أن تبقى تحت وقع هذا الحوار الذي فرّ من داخل ردهة مخفية في أعماقها كوطواط هونت الأمر وطوت تنهب فصاحة عمتها : " لقد حكت لي عمتي حكاية مشابهة عن شيخ نام مساء ومع الصباح تحول إلى فتى بفعل الضوء"
تعكزت همتها قليلا على رغبتها في استرجاع تفاصيل حلم للتو تسلل إلى بهو تخمينها الحسابي غير الدقيق ، كادت تستسلم لهذه الرغبة لولا وقع نداء خفي لكزها من مشاعرها المحاذية لطرف هدوئها الخام ، عرّتها شحنات متتالية من ذكريات بدت طازجة بفعل الفتوة وبفعل وقائع امتزجت مع أهوائها بأن تخوض أول خطواتها مع سكينة تنتظرها في لحظة استعداد لإنجاز مهمة تعتريها ضرورة استخدام الفطنة الندية
استند جسدها المرن على طرف ذراعها لبعض الوقت ودون أية مبادرة منها للتفكير بعمق اندفعت نحو زاوية الغرفة قاطعة أية محاولة لاستجواب أفكارها أزاحت الستارة كأنها تستدعي أحلام يقظة بالدخول إلى غرفتها فتحت النافذة بشكل جزئي اندلق العالم الخارجي دفعة واحدة إلى الغرفة قدمت اعتذارا غير مقصود لنفسها عن فوضى أشيائها بطريقة لا تخلو من الخجل الوردي ، وكأن العالم الذي ينتظرها للسلام لم تجهز له بعد قهوة الهمة ونبات النوافذ لا يزال ينمو بين كتلتي روحها وحسها المترب بالطراوة أزاحت عن عينها أشلاء النعاس بالماء البارد ، واغتسلت من بقايا تعب واخز حسبت أنها تأخرت عن الدوام رتبت سريرها نصف ترتيب ، نظرت إلى ساعة الحائط غير المضبوطة أزاحت التقويم المهمل جانباً ، وتركت أوراقه تلاعبها ريح نصف شتوية ، وانطلقت ناسية نصف أغراضها التي ترافقها في مثل هذا المشوار
استعدت للخروج في يوم دراستها الأول تحت تأثير مبدئها المقدس " الدراسة أولا "
تركت الستارة نصف مفتوحة ، وسلمت النافذة لعبثية الهواء المنتمي إلى شتاء بدأ يشيخ
وهي تغلق الغرفة التي تفوح منها رائحة جسد يتخمر ، اشتعلت نظراتها بشيء يشبه حلما طارئا ، خرج معها ونزل الدرج أمامها كطفل ليترك الظل في الغرفة ، وهو يردد :
- لن أبقى في الغرفة وحيدا ، في غرفة نافذتها متروكة للريح ، وتقويم مهمل ، وساعة تكاتها عشوائية
- هي متعبة
- وهل هذا مبرر كي ؟
- نعم .
- لقد فتحتَ لها أبواب الكلية و
- لا منية لي في ذلك
- أما أنا ، فأختلف عنك
- أنت حر
- حرية من هذا النوع تجعلني أصدقك أيها الضوء
تركت إهمالها والضوء وظل الوحدة السكنية يتحاورون في الفسحة الجانبية للسكن والمحصورة بسياج لشجيرات مقصوصة الروؤس حديثا ، ومضت مسرعة
تملكتها همة تسربت إلى أوصالها من روح تراب بستانهم التي أشعرتها بوجود والدها يكدح فيه الآن، ودفعتها للمضي تمشي على وقع ضربات منكوشه كأنها ترسم لها خطواتها


LinkBack URL
About LinkBacks





