السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
----------------------------------------------
الجزء الثالث
السكون الذي تتبعه العاصفة
السكون سلطان ذلك البيت القديم كل فرد من تلك العائلة توجه لغرفته و أوصد الباب من خلفه إلا فراس دائم الغياب عن البيت و رب الأسرة الكادح الذي يفرض عليه عمله العودة في الساعة التاسعة مساءا
ساعة الحائط قد قرعت تعلن عن بلوغها السادسة مساءا في تلك الغرفة الصغيرة نرى رحاب قد توجهت إلى ربها لأداء صلاتها في محرابها تراها خاشعة تتضرع و تناجي ربها تجدها غارقة في ذلك العالم الروحاني بعيدة عن آلامها و أحزانها مطمئنة النفس و السريرة صدق الله العظيم حين قال : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) حتى القلوب المحطمة و المتعبة تجد دواءها عنده سبحانه وتعالى
من يجدها هكذا لا يصدق أنها رحاب المستهترة التي لا تفقه الإسلام و لا تعرف حقه لم تداوم من قبل على أداء الفرائض و العبادات إلا عندما انتقلت إلى بيت خالتها فزوج خالتها هو من أرشدها إلى طريق الهدى و الصلاح حتى لا تكون مسلمة فقط بالقول بل بالفعل أيضا
في تلك الأثناء سُمع دوي صرخات غلبت ذلك السكون فاهتزت له جدران ذلك البيت لابد بأنها لا تبشر بالخير
فزع كل من في البيت و خرجوا يهرولون قابضين أيديهم على أفئدتهم و قد ظهرت على وجوههم آثار الفزع و الهول
سيل من الضحكات كانت الرد على كل هذا نعم ضحكات كان وراءها ذلك الفتى فراس لازال طائشا غير واع ومقدر لعواقب الأمور فهو لا يرى أبعد من أنفه
ظل يتصفح الوجوه المذهولة و يسخر و يقول : يا إلهي ألهذه الدرجة أفزعتكم
صرخت به والدته : إلا تخجل من نفسك كدت أن تقتلني من الفزع لماذا فعلت ذلك ؟
أجاب بحدة : جئت أريد بعضا من النقود 50 دينارا
نظرت له أخته بعصبية : لذلك تصرخ عد من حيث أتيت لقد أجهدت نفسك من أجل لاشيء نحن لا نملك ذلك المبلغ فقر ألا تعلم ما هو الفقر
شد فراس قبضته على يد أخته و هو يقول : لابد أنك تملكينه ألست تعملين ؟ إذا أين هي أموالك
ردت هيفاء : هل تريدني أن أنفق عليكم أموالي لي وحدي و لن أبددها عليكم
قالت الأم بانكسار و حسرة بالغين : بني ليس لدينا ذلك المبلغ كما أن أباك ليس هنا
نظر فراس للقلادة التي على جيد أخته ثم قال : أعطني تلك القلادة صرخت هيفاء : لا لن أعطيك إياها
لم ينتظر الفتى كثيرا بل انتزع تلك القلادة بقوة تركت على إثرها جروح و آثار على رقبة هيفاء و خرج غانما بصيده فما كان بهيفاء إلا أن تصرخ و تسرع لغرفتها
تقف الأم عاجزة أمام هذا الموقف غارقة في حيرة بالغة هل ذلك الوحش القاسي الذي خرج للتو هو ابنها فراس هل يعقل هذا
لم يعد لها احترام و تقدير بل لم تعد لديها كلمة مسموعة هذا الإجحاف و التقصير من الأبناء هل هي عامل من عوامله أو سبب من مسبباته
شدت رحاب على يد خالتها و طبعت قبلة على رأسها و أردفت : لا تزعجي نفسك يا خالة يبدو بأنه لازال طفلا
أجابت الأم : طفل ! يبلغ من العمر عشرين عاما و تنعتينه بالطفل إما آن الأوان ليكبر
ردت رحاب : لا عليك لابد أن يعرف بأن ما يفعله هو الخطأ بعينه و الآن اذهبي لترتاحي في غرفتك.
تنهدت الأم : كتب علي الشقاء يا ابنتي فمن أين ستأتي الراحة و همت تجر أذيال الخيبة و الخذلان ثم أقفلت خلفها الباب لعله يستر شيئا من أوجاعها عن الناس
أحست رحاب بمعاناة خالتها لقد أعطت من دون مقابل لم تكن تنتظر إلا نتائج عطائها تماما كالفلاح الذي يترقب إثمار جهده و نجاحه
كذلك أحست رحاب بضرورة محادثة هيفاء للتخفيف من ثورة غضبها و حتى لا تصب ذلك الغضب على خالتها
فاتجهت إلى غرفة هيفاء لكنها سمعت صرخات توبيخ و لوم
عجبت رحاب لذلك الأمر من تحادث هيفاء تفقدت الردهة لتستوثق من وجود الهاتف لكن الأمر ازداد غرابة بوجود الهاتف هناك
ازدادت علامات التعجب و الاستفهام على وجهها ذلك اللغز بحاجة لحل و هيفاء هي من تملك ذلك الحل عادت الفتاة مرة أخرى لغرفة هيفاء و أسندت رأسها إلى باب الغرفة بعد تردد كبير لقد كان نص حديث هيفاء كالتالي
تتزوج لا ألم تقل لي بأنك تحبني لقد اتصلت بك لتواسيني لا أن تزيد الأمر سوءا أي ظروف تلك التي تتحدث عنها
كلمات متقطعة مهزوزة غلب عليها البكاء و النحيب
شهقت رحاب و أردفت : كارثة جديدة على مقربة من البيت رباه كيف لخالتي أن تحتمل
لم تنتظر طويلا بل فتحت الباب بقوة يسبقها الخوف والوجل على مصير هذه الفتاة أردفت رحاب : ألديك هاتف محمول أيضا
ارتعبت هيفاء و أغلقت الهاتف و صرخت : من أعطاك الحق لدخول غرفتي من دون استئذان
أجابت رحاب :جئت لأخفف عنك لكني لم أعلم بأن هناك شخصا آخر يقوم بالمهمة
صمتت لبرهة ثم أردفت : دعيني أخبرك شيئا لا تكوني تسلية بيد كل من هب و دب أنت أكبر من أن تعرضي نفسك عليهم كالسلعة الرخيصة و بأسلوب مبتذل و مهين
كوني جوهرة لا يصل لها إلا المثابر و المجد ألا تشعري بقيمتك يا فتاة
أدارت هيفاء ظهرها غير آبهة لكل ما قد قيل و قالت : لست مستعدة لأن أدخل معك في حوار عقيم فأنتي لم تعرفي الحب لذلك لن تفهميني يا عانس
طأطأت رحاب رأسها و خرجت من تلك الغرفة و قد امتلأت عينيها بالدموع استوقفها رنين الهاتف فأسرعت لتجيب و كان الطرف الآخر سارة صديقتها المسافرة التي ستعود بعد غد حتى تشاركهم صيام شهر رمضان واعدة إياها بأخبار سارة تحملها في جعبتها
أرجعت رحاب السماعة إلى الهاتف و قد انتابتها بعض مشاعر الفرح اثر تلك المكالمة لكن ذاكرتها تأبى السعادة لقد عادت كلمات هيفاء ترن في أذنها
بعد ذلك قالت : أنا من عرف الحب حق معرفته يا هيفاء
--------------------------------
انتظر ردودكم.