الجزء الخامس
وعادت العاصفة
في صبيحة أول أيام شهر رمضان المبارك أفاقت رحاب بعد ليلتين مضنيتين غلب عليهما الشجار و الصراخ بين فراس ووالده و أمسى منزلهم على كف عفريت الجميع خائف مما سيحدث فالأب أصبح وحشا يضرب و يصرخ و هذا أمر غريب عليه حتى أنه أخذ إجازة من عمله ليتفرغ لتربية ابنه كما يردد دائما
عندما خرجت رحاب من غرفتها مرت بالقرب من غرفة هيفاء و كان الباب مفتوحا آنذاك
فألقت نظرة سريعة على الغرفة وجدت هيفاء تضع المساحيق على وجهها و تحولت إلى لوحة زيتية متعددة الألوان عجبت رحاب لهذا الأمر ما الذي يدعوا هيفاء للتزين في هذا الصباح وبدون مناسبة ؟!!!
قطع تفكير رحاب صوت الهاتف النقال الخاص بهيفاء
عندها أجابت هيفاء عليه : أنا قادمة وخرجت من غرفتها و رأت رحاب أمامها فثارت ثائرتها و بدأت في الشتم و الصراخ
حتى أن أمها سمعت بذلك و أتت مسرعة : كفى أباك لم ينم طوال الليل كفاك صراخا ثم إلى أين عساك ذاهبة و هذه المساحيق قد غزت وجهك
ردت هيفاء : إلى صديقتي كما تعلمين تغير وقت العمل فهذا هو أول أيام شهر رمضان
الأم : ها أنت تعرفين ذلك فهل ستخرجين هكذا
فأخرجت هيفاء من حقيبتها النقاب ووضعته على وجهها وولت هاربة من أية أسئلة أخرى
تنهدت الأم وعادت إلى المطبخ مرة أخرى رحاب لا تزال في مكانها تأخذها الظنون ثم أبعدت عن رأسها كل ذلك و قررت أن تذهب لقراءة القرآن في غرفتها فذلك أفضل
أفاق الأب من غفوته التي لم تستمر إلا سويعات قليلة واتجه إلى غرفة فراس و بحوزته مفاتيح الغرفة أصبح مزاجه معكرا و لم يعرف الابتسامة من ليلتين تقريبا
صب غضبه على مقبض الباب و فتحه بقوة لـ ــ ــكن استوقفته رائحة غريبة
وقف قليلا ثم قال : نعم إنها رائحة سجائر
ثم نظر لفراس المتسمر في مكانه و سأل : أليست تلك رائحة سجائر
قفز فراس من مكانه و أجاب : لا بد بأنها آتية من الخارج سأغلق النافذة
لكن الأب بدأ يفتش الغرفة و قلبها رأسا على عقب حتى وجد ضالته سجائر حديثة الاستعمال !! ماذا يعني هذا لا هل يمكن هذا
توقف الأب لبرهة في مكانه و ما هي إلا لحظات و باغت فراس بصفعة صرخ على إثرها فراس و سقط على الأرض
أسرعت رحاب و خالتها ووقفتا أمام باب الغرفة لا تمتلكان الجرأة للدخول أو حتى التحدث
انتصب فراس ووقف مرة أخرى وصرخ : لماذا ضربتني ؟
الأب : اصمت هل وصلت بك الحقارة أن تفطر في شهر رمضان و على ماذا على سجائر حقيرة
!!
و ما أن أتم جملته حتى شهقت رحاب و خالتها غير مصدقتين هذا الأمر هل يعقل هذا يا أبا فراس قل غير ذلك
لكن صوت فراس جاء مؤكدا : نعم أنا لا أصوم و لا أصلي و لا أؤدي عباداتكم تلك لمن أفعل كل هذا لمن حرمني السعادة و أحاطني بجدران الفقر و الحاجة أبي عندما أكون غنيا سأصلي له و أصوم و أفعل ما تريده لكن الآن لا و لن تجبرني على ذلك
صعق الأب فقد جاءت كلمات ابنه كالسكاكين التي قطعت فؤاده و آلمته
صرخ : أنت تكفر !! استغفر ربك
أجاب مستهزأ : و ماذا يعني ذلك دينك و مبادئك لم يفيدوني بشيء كلماتك التي حشوت بها آذاننا لم يعد لها مفعول كما في السابق كنا أطفال نصدق أكاذيب قيمك
وها قد كبرت و أصبحت واعيا لكل ما تقوله لا تضحك على نفسك و علينا هل تعتقد فعلا بأن لنا ربا كالأغنياء
جاءه الجواب كالسهم الذي اخترق قلبه و انتابته حالة هستيرية
و أخذ يزمجر : لا تدنس هذا البيت بقذارة كلماتك اخرج ولا تعد لم يعد لي ابن اسمه فراس
خرج فراس سعيدا ضاحكا : و من أخبركم بأني سأعود
لم تعد قدما الأب تساعدانه على الوقوف هوى على الأرض و أسعف بعد ذلك إلى المستشفى ووضع تحت العناية القصوى لقد أصيب بأزمة قلبية كادت أن تنهي حياته لولا لطف الله
مكثت الأم معه بعد أن أوصت رحاب بهيفاء
بقت رحاب تفكر بما حصل لهم لم تستطع أن تصدق ما حدث أبهذه السهولة يا فراس تقذف كلماتك الشيطانية
يا إلهي هل الفقر حقا هو السبب لكن هناك الكثير من هم أشد فقرا لكن تجدهم شاكرين لله
تذكرت رحاب كلمات قرأتها في السابق لكنها لم تدرك ما ترمي إليه و أخذت تتمتم : حقا ما أن دخل الفقر بيتا حتى قال له الكفر خذني معك
الآن فقد أدركت المغزى
تذكرت رحاب المسئولية الكبرى الملقاة على عاتقها هيفاء ماذا عساك تخفين عنا و ما سر تلك التصرفات الغريبة
شهقت رحاب أخشى أن تكون . و بترت جملتها على الفور
من تراه سيساعدني عليها فلسانها سليط وحاد كالسيف ولا أستطيع إخبار خالتي بما يحدث فالظروف تمنعني من ذلك
حسنا يبدو بأني في ورطة كبيرة
أحست رحاب ببعض الجوع فألقت نظرة على الساعة لقد كانت الرابعة عصرا ولم تعد تلك الفتاة بعد
قلقت رحاب ولكن قلقها تفاقم عندما سمعت طرقا على باب المنزل فانتفضت مذعورة من تراه يطرق الباب
______________________
تقبلوا سلامي