[frame="7 80"]الحلقة الرابعة عشر
توافد الطلبة على الجامع زرافات ووحدانا وذلك قبل الأذان
وحينما أذن المغرب ازدادت وتيرة الحضور حتى غص بهم الجامع
ولقد تأخر الشيخ كعادته للحضور حتى إنك إن خرجت خارج الجامع
سترى في الأسواق المحيطة بالجامع جلبة بعد خروجهم من صلاة المغرب من المساجد الأخرى!!
وأخيرا دخل شيخنا بهي الطلعة رحمة الله عليه
صلى بنا المغرب وكنت أول مرة أسمع تلاوة الشيخ
تلاوته شبيهة بقراءة الشيخ السبيل إمام الحرم لمن يعرفه !!
إلا أن شيخنا يسرع قليلا في القراءة.
وفي قراءته نبرة حزن .
صليت بجوار المؤذن عن يساره منذ ذلك اليوم
وحينما سلم الشيخ انتظرت قليلا ثم تخطيت الصفوف والأرتال
وللمسجد ضجة هائلة بالتسبيح والتكبير كما هي السنة
توجهت لمكاني الذي حجزته ورفعت كتابي وجلست
قدم مجموعة من الطلاب ، وجلسوا حولي وقال أحدهم لي
هذا مكان فلان قم وابحث لك عن مكان آخر!!
قلت له : وهل المكان ملك أبيه !!
هذا بيت الله والمكان لمن سبق!!
أعتدت على ذلك النقاش من قبل في الطائف!!
ابتسم محدثي وأطرق يقرأ في كتابه!!
كنت غرا ولا أدرك عواقب أفعالي
استكملت الصفوف وبقي مكاني الذي أنا فيه فرجة صغيرة !!
كان كل من حولي يرقبني بنظرة إشفاق كأن عيونهم تقول لي:
انتظر قليلا وسترى!!!
جاء شاب آدم اللون مستوي البنية ولحيته خفيفة!!
وقد خرج من غرفة بجوار مكان الدرس ويظهر أنه من كبار الطلبة!!
ويحمل حقيبة صغيرة وضعها على مقعد الشيخ ثم استدار وجاء نحوي!!
اقترب مني وقال:
هذا مكاني !!
قلت له : أهلا بك وزحزحت الذي بجواري حتى حشرته !!!
وقلت له: تفضل!!
فجلس الرجل وهو غير راض!!
تأخر الشيخ حتى يتسنن الراتبه ثم تخطى الصفوف ودخل حتى صار أمامنا
وعلا فوق منصة الدرس المصنوعة من القطيفة المحشوة بالقطن أو ألأسفنج الخشن، لا أدري!!
ثم جلس وألقى عباءته خلفه
واتكئ على الجدار
نظر إلي فرأى وجها جديدا لم يعهده!!
فنظر لمن بجواري وأرخى رموش عينيه ليركز النظر
وهو يقلب في أوراق منشورة في حجره كأنه يتساءل من هذا
ثم قال الشيخ: أليس المكان ضيق عليكم
أما أنا فلم أنطق حرفا واحدا ولم أتحرك كأنني لا أسمع وخيرا فعلت!!
وأما جاري فاستوى في جلسته وأصلح من مكانه فصار فسيحا بقدرة قادر!!
ثم هز رأسه بعلامة تفيد برضاه !!
انتهى الحال على هذا ولكن يظهر أن الشيخ قال في نفسه :
ستدفع ثمن جرأتك .!! فهذا المكان له ثمن!! وأي ثمن!!
ابتدأ الشيخ بالحمد والصلاة على رسول الله
وقال : درسنا في الفصل الماضي كذا وكذا
ثم بدأ بمراجعة الطلبة عما تلقوه في الدرس السابق.
كان الطلبة حولي يرفعون أيديهم لكي يجيبوا. أيهم يختار
أما أنا فليس لي في ذلك النقاش ناقة ولا جمل!!
الشيخ محمد سهل وبسيط في كل أموره
في أخلاقه في سمته ، في لباسه ، في حديثه ،
أما حينما يتعلق الأمر بالسؤال والنقاش فليحمد الله كل من سلم من ذلك!!
يقولون إن علم الرجل يظهر من سؤال الناس له
حيث يسهل على كل واحد أن يحضر من كتاب فيفرغه كاملا بين يدي الناس!!
لكن حينما تتوارد عليه الأسئلة ويحيطه المناقشون الأذكياء
فحينها يظهر علم العالم من جهله
وهذا هو منهج الشيخ في السؤال والنقاش
يعود الطلبة على قوة الحجة وتحمل الجدال دونما خوف أو تردد
ولذلك يتعمد حشر الطالب بأسئلة صعبة ويورد عليه الإشكالات
فلا يفلت منها إلا الأذكياء والنبهاء
أما من يرى في نفسه عدم الأهلية أو يعرف من حاله انشغال فكره بمصالحه وولده
فخير له أن ينصرف للصفوف البعيدة وليدس رأسه خلف زاوية أو عمود!!
استمرت المناقشة والمراجعة وقت لا بأس به
ثم ابتدأ الشيخ بالدرس الجديد.
شيخنا رحمه الله فنان في التدريس قل نظيره
أسلوبه يسير لا يشق على المبتديء ولا يحتقره الطالب المجد القديم
فكل يجد حاجته وكل يخرج وهو راض وفاهم ومستوعب لكلام الشيخ
الشيخ محمد ليس صاحب كم ولكنه إمام في الكيف!!
من الأمثال المشهورة :
علمني صنعة ولا تقرضني مالا!!
شيخنا يعلمك صنعة العلم بحيث يمرس الطالب على كيفية
البحث والمناقشة والاستدلال والتأصيل ، والجدال وكيفية ترتيب الدليل والحجة
ولذلك يستمر الطالب عند الشيخ سنوات عديدة ولم يكمل كتابا واحدا عنده
ولكنه يخرج بفهم ثاقب وقدرة هائلة على الطلب والبحث والاستمرار في التحصيل[/frame]
يتبع لكن والله مفيد جدا