الملاحظات
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 39

الموضوع: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي

  1. #11 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 11 ( نهاية العام دروس ووقفات ) السديس

    نهاية العام دروس ووقفات

    ما أسرع مرور الأيام والليالي؛ فها نحن في نهاية عام هجري، وبهذه المناسبة نتذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن هذه الحادثة غيرت مجرى التاريخ.

    وفي هذا الدرس ذكر الشيخ حفظه الله دروساً ومواقف من الهجرة النبوية، كما تحدث عن فضل شهر الله المحرم وصيام يوم عاشوراء.

    دروس ومواقف من الهجرة النبوية




    الحمد لله مقدر المقدور، ومصرِّف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع صاحبها يوم يُبَعْثر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، النبي المجتبى، والحبيب المصطفى، والعبد الشكور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما امتدت البحور، وتعاقب العشي والبكور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقب، وبها تنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب.

    عباد الله: تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة عام مبارك بإذن الله، بعد أن أفلت شمسُ عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله!

    ما أسرع مرور الليالي والأيام! وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفق الملهم من أخذ من ذلك دروساً وعبراً، واستفاد منه مُدَّكَراً ومُزدَجَراً، وتزود من الممر للمقر؛ فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد مَن حاذَرَ الغفلة عن الدار الآخرة، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة، فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، واللهَ نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام والمسلمين، وصلاحاً لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.

    إخوة الإسلام: حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطره تأريخنا الإسلامي المجيد من أحداث عظمية، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها، وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد، في أمور المعاش والمعاد.

    معاشر المسلمين: ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد؛ علها تكون سبباً في شحذ الهمم، واستنهاض العزمات، للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفات المحاسبة الدقيقة، ونظرات المراجعة المستديمة في الأمة؛ تجريداً للمواقف، وإصلاحاً للمناهج، وتقويماً للمسيرة في كافة جوانبها.



    العقيدة الإسلامية هي الرابطة التي لا تنقطع



    أمة الإسلام: ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القومية، والتمايزات القبلية، والعلاقات الحزبية.

    إن طريق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها، وارتباطها بمبادئها.

    يُقال ذلك -أيها المسلمون- وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثُر أمام تيارات إلحادية وافدة، ومبادئ عصرية زائفة، تُرفَع شعارات مصطنعة، وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذل والصغار، والمهانة والتبار، والشقاء والبوار؛ فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين، والتمزق المشين.

    وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى: أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟!

    أين أخوة المهاجرين والأنصار من شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟!

    فقولوا لي بربكم: أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم، وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟!

    فلتصغ منظماتُ حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرح الشائعات المغرضة عن الإسلام وأهله وبلاده؛ إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.



    أعلى الصفحة



    الهجرة النبوية تغيير لمجرى التاريخ



    إخوة العقيدة: وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء.

    إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقاً للنصر والعزة ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيساً في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.

    إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات، والآثار النيرات، والدروس والعبر البالغات، ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق؛ لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها؛ إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً ونذيراً ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين.

    وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين.

    إذا تحقق ذلك -أيها المسلمون- وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدرع الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعاً، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.



    أعلى الصفحة



    عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد



    أمة التوحيد والوحدة: لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة، أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد، وتفكك المجتمع، وهزيمة الأمة.

    وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التاريخ؛ يجد أن مرد ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة، والتساهل في جانب الثوابت المعنوية، مهما تقدمت الوسائل المادية.

    وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقاً في الثقة بالله، والاطمئنان إليه، والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد.

    ينظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار، فيقول: {يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه صلى الله عليه وسلم -جواب الواثق بنصر الله-: يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! } الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده، ونصره لأوليائه!

    وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة: أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110].



    أعلى الصفحة


    دروس من مواقف التضحية والفداء في الهجرة




    إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التضحية والبذل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته وحقوقه يجر -يا رعاكم الله- إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة، في بقاع شتى من العالم، حيث حلت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.

    سائلوا أرض النبوَّات، ومهد الحضارات، ومنطلق الرسالات، وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهدة: ماذا تعاني من صلف يهودي سافر، ومن حقد صهيوني أرعن؟!

    سائلوا الشيشان و كشمير وغيرهما عن الأوضاع المأساوية؟

    علَّ دروس الهجرة النبوية تحرك نخوة، وتشحذ همة، وتنهض عزماً، وما ذلك على الله بعزيز.



    موقف عبد الله بن أبي بكر



    إخوة الإيمان: في مجال تربية الشباب والمرأة، وميدان البيت والأسرة، يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام -بأبي هو وأمي- ما يجلي أثر الشباب في الدعوة، ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة.

    أين هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب بالشهوات، وجعلهم فريسة لمهازل القنوات، وشبكات المعلومات في الوقت الذي يُعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمات بالحفاظ على الدين والقيم والثبات على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة، ودعاوى العولمة المفضوحة؟



    أعلى الصفحة



    موقف أسماء بنت أبي بكر



    أيها الإخوة والأخوات: وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها -ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم- ما يجلي دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فأين هذا من دُعاة المدنية المأفونة الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم، زاعمين -زوراً وبهتاناً- أن تمسك المرأة بثوابتها وقيمها، واعتزازها بحجابها وعفافها؛ تقييد لحريتها وفقد لشخصيتها؟! وبئس ما زعموا.

    خرجت المرأة من البيت تبحث عن سعادة موهومة، وتقدمية مزعومة، وهي تظنها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف، مدنسة العرض، مغتصبة الحقوق، عديمة الحياء، موءودة الغيرة، وتلك صورة من صور إنسانيات العصر المزعومة، وحريته المأفونة، ومدنيته المدعاة.

    ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثاث وراء السراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.



    أعلى الصفحة



    التاريخ الهجري في حياة المسلمين



    أيها الأحبة في الله: وإشارة أخرى إلى أمر يتعلق بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمَرية، أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنها التوقيت والتاريخ بالهجرة النبوية المباركة.

    وكم لهذه القضية من مغزىً عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به؟! كيف وقد فُتن بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في تاريخهم وأعيادهم؟! أين عزة الإسلام؟! وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضم مغريات الحياة؟!

    فإلى الذين تنكروا لثوابتهم، وخدشوا بهاء هويتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة أمتهم، وتهافتوا تهافتاً مذموماً، وانساقوا انسياقاً محموماً خلف خصومهم، وذابوا وتميعوا أمام أعدائهم.

    ننادي نداء المحبة والإشفاق: رويدكم، فنحن أمة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة، ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

    فلا مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى تقليد غيرنا، بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا؛ لكنه التقليد والتبعية، والمجاراة والانهزامية، والتشبه الأعمى من بعض المسلمين هداهم الله، وقد حذر صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك بقوله فيما أخرج الإمام أحمد ، وأهل السنن: {من تشبه بقوم فهو منهم } والله المستعان!



    أعلى الصفحة


    فضل شهر الله المحرم




    أيها الإخوة المسلمون: وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة الله لأوليائه، وانتقامه من أعدائه مهما تطاول، إنه حدث قديم؛ لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والأعصار.

    إنه يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى عليه السلام، وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفكر للدعاة إلى الله في كل زمان ومكان؟! فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب، ويا لها من عبرة لكل عدو لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون؛ أن الله منتقم من الطغاة الظالمين، طال الزمان أو قصر!

    فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النصر الخالدة.

    ألا فليقر أعيناً بذلك أهلُ الحق ودُعاتُه، فالعاقبة للمتقين، وليتنبه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاتُه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات:26] إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] وإن في الحوادث لَعِبَراً، وإن في التاريخ لَخَبَراً، وإن في الآيات لَنُذُراً، وإن في القصص والأخبار لَمُدَّكَراً ومُزْدَجَراً: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111].

    اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

    اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا إنك خير مسئول وأكرم مأمول.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان تواباً.



    فضل صيام يوم عاشوراء







    أعلى الصفحة


    فضل صيام يوم عاشوراء




    الحمد لله الملك القدوس السلام، مجري الليالي والأيام، ومجدد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر المحرم فاتحة شهور العام، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، سيد الأنام، وبدر التمام، ومسك الختام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحبه الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله: وتمسكوا بدينكم، فهو عصمة أمركم، وتاج عزكم، ورمز قوتكم، وسبب نصركم.

    واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أيها الإخوة في الله: إشارة رابعة إلى فاتحة شهور العام؛ شهر الله المحرم، إنه من أعظم شهور الله جل وعلا، عظيم المكانة، قديم الحرمة، رأس العام، من أشهر الله الحرم، فيه نصر الله موسى وقومه على فرعون وملئه.

    ومن فضائله: أن الأعمال الصالحة فيه لها فضل عظيم، لا سيما الصيام، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل }.

    وأفضل أيام هذا الشهر -يا عباد الله- يوم عاشوراء، في الصحيحين : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه }.

    وفي صحيح مسلم : عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: {أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله } الله أكبر! يا له من فضل عظيم، لا يفوته إلا محروم!

    وقد عزم صلى الله عليه وسلم على أن يصوم يوماً قبله مخالفة لأهل الكتاب، فقال صلى الله عليه وسلم: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع } خرَّجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

    لذا فيستحب للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداءً بأنبياء الله، وطلباً لثواب الله، وأن يصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده مخالفة لليهود، وعملاً بما استقرت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    فياله من عمل قليل، وأجر كبير وكثير من المنعم المتفضل سبحانه!

    إن ذلك -أيها الأحبة في الله- لَمِن شُكْر الله عزَّ وجلَّ على نعمه، واستفتاح هذا العام بعمل من أفضل الأعمال الصالحة التي يُرجى فيها ثواب الله سبحانه وتعالى، والكيِّس الواعي والحصيف اللبيب يدرك أنه كسب عظيم ينبغي أن يتوج به صحائف أعماله. فيا لَفوز المشمرين!

    نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه.

    هذا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضل الطاعات، وأشرف القربات، كثرة صلاتكم وسلامكم على خير البريات، صاحب المعجزات الباهرات، والآيات البينات، فقد أمركم بذلك ربكم جلَّ وعلا فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.

    وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، ذوي المقام العلي؛ أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا. اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

    اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداء الدين يا رب العالمين.

    اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك.اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق.

    اللهم انصر إخواننا في فلسطين ، وكشمير ، والشيشان ، وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

    اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن، وقنا عذاب النار.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





    رد مع اقتباس  

  2. #12 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 12 ( محبة النبي بين الوهم والحقيقة ) السديس

    محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الوهم والحقيقة

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، ومحبته واجبة على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ محبة لا إفراط فيها ولا تفريط، وهكذا أمر صلى الله عليه وسلم هذا ما بينه الشيخ، وذكر أنه لابد من اتباع سنته صلى الله عليه وسلم حتى يعود للأمة عزها ومجدها وصلاحها، ثم ذكر فضل الصحابة وآل البيت، وفضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.

    أهمية معرفة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم




    الحمد لله مَنَّ على هذه الأمة ببعثة خير البرايا، وجعل التمسك بسنته عصمة من الفتن والبلايا، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله الثبات على السنة والسلامة من المحن والرزايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله كريم الخصال وشريف السجايا، والمجبول على معالي الشمائل والمعصوم من الدنايا، عليه من الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات وأشرف التحايا.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله تبارك وتعالى، فإن تقواه سبحانه وصيته للأوائل والأواخر، وبها تسمو المشاعر، وتحيا الضمائر، وبها النجاة يوم تبلى السرائر.

    أيها المسلمون: إن المتأمل في تاريخ الأمم والحضارات يجد أنه ما من أمة زخر تاريخها بالعظماء كهذه الأمة؛ أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما يرى الناظر في سير عظماء التاريخ، وصناع المجد وبناة الحضارة أن الشخصية الفذة -بلا منازع- التي تتضاءل عند عظمتها عظمة كل عظماء البشرية هي شخصية الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى؛ أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي صلوات ربي وسلامه عليه حبيب القلوب، والمبلغ عن علام الغيوب، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فأعظم به من نبي! وأكرم به من رسول!

    فأعظم منه لم تر قط عينٌ وأعظم منه لم تلد النساءُ


    وسيرته العطرة بما فيها من شمائل نبوية، ومعجزات محمدية، ووقائع مصطفوية، كلها معينٌ وينبوعٌ صافٍ متدفق، يرتوي من معينه ويستقي من رحيقه كل من أراد السلامة من لوثات الوثنية ، والنجاة من آصار الجاهلية، بل هي الشمس الساطعة، والسنا المشرق المتلألئ، والمشعل الوضاء، والنور المتألق الذي يبدد ظلمات الانحرافات: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15] يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:16].

    معاشر المسلمين: إن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذلك فوق كل ضرورة، وستظل السيرة العطرة الرصيد التاريخي والمنهل الحضاري، والمنهج العلمي والعملي الذي تستمد منه الأجيال المتلاحقة، من ورثة ميراث النبوة وحملة مشاعل الهداية زاد مسيرها، وأصول امتدادها، وعناصر بقائها، فكل من يرجو الله واليوم الآخر يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم قدوته، والمصطفى عليه الصلاة والسلام أسوته: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    وأهل الإيمان الحق عبر العصور يستمدون من الهدي النبوي منهاج حياتهم، فلا يستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه عليه الصلاة والسلام يهتدون، وعلى ضوء سنته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها ينضوون أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعارات الزائفة، ولم يرفعوا إلا شعار التوحيد والمتابعة، عليه يحيون، وعليه يموتون، وفي سبيله يجاهدون، وعليه يلقون الله رب العالمين.


    إشارات إلى أهم الجوانب من سيرته صلى الله عليه وسلم




    أمة الإسلام! أحباب سيد الأنام عليه الصلاة والسلام: ولد صلى الله عليه وسلم في هذه البقاع الشريفة، وكانت ولادته إيذاناً ببزوغ فجر الحق وأفول شمس الباطل

    ولد الهدى فالكائنات ضياءُ وفم الزمان تبسمٌ وثناءُ


    الله أكبر! إنه ضياء الحق والإيمان أشرق على الدنيا فبدد ظلام الجاهلية، وقضى على معالم الشرك والوثنية ، وارتقى بالإنسانية إلى آفاق الحرية الشرعية، وقمم أمجادها الحضارية التي لم تشهدها على امتداد تاريخها وبين تلك الربى والبطاح نشأ وترعرع عليه الصلاة والسلام، ودرج مدارج الصبى محفوظاً بحفظ الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية نشأ يتيماً تكلؤه عناية الله، وعندما بلغ الأربعين من عمره الشريف أكرمه الله بحمل الرسالة، وبعثه إلى كافة الناس بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

    وكم لقي في سبيل تبليغ دعوة ربه من الأذى، فصبر وصابر، وجاهد وثابر ثلاثٌ وعشرون سنة لم تلن له قناة، ولم يفتر عن تبليغ رسالة الله أيده الله بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، والحجج القاهرة، وجبله على أكرم سجية، وخصه بأفضل مزية، عليه من الله أفضل صلاة وأزكى سلامٍ وتحية وهبه من الأخلاق أعلاها، ومن المكارم أزكاها، ومن الآداب أفضلها وأسناها، وحسبكم بما وصفه ربه بقوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    وعندما اشتد أذى خصومه له في مكة أذن الله له بالهجرة إلى المدينة ؛ طيبة الطيبة، قاعدة الدعوة، ومنطلق الرسالة، ومأرز الإيمان، وأساس دولة الإسلام، فأعلى راية الجهاد والدعوة إلى الله حتى انتهت بعز الإسلام ودخوله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وبعد حياة حافلة بجليل الأعمال وكريم السجايا والفعال، توفاه الله عز وجل، ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن بلغ البلاغ المبين، وأنار الطريق للسالكين، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبياً عن قومه، وصلوات الله وسلامه عليه دائماً وأبداً إلى يوم الدين.

    تلك يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إشاراتٌ إلى أهم الجوانب في شخصية وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، التي لم تكن غائبة يوماً ما عن سلوك محبيه، رفع الله ذكره، وأعلى في العالمين قدره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.


    محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الإفراط والتفريط




    إخوة الإيمان: ولم تكن حاجة الأمة في عصرٍ ما إلى معرفة السيرة العطرة معرفة اهتداءٍ واقتداء أشد إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمة أمواج المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت الزعوم والآراء، وواجهت فيه الأمة ألواناً من التحديات، وصنوفاً من المؤامرات، من قبل أعداء الإسلام على اختلاف مللهم ونحلهم، يتولى كبر ذلك من لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، من اليهود الصهاينة، ويوالي مسيرتهم دعاة التثليث وعباد الصليب، ويشد أزرهم المفتونون بهم، والمتأثرون بصديد أفكارهم وقيح ثقافاتهم من أهل العلمنة ودعاة التغريب.

    ويزداد الأسى حينما يجهل كثيرٌ من المسلمين حقائق دينهم، وجوهر عقيدتهم، ويسيرون مع التيارات الجارفة دون تمحيصٍ ولا تحقيق، أو يجمدون على موروثات مبتدعة دون تجلية ولا تدقيق، وحينما يضرب المثل في ذلك على نظرة كثيرٍ من المسلمين للسيرة العطرة فإنك واجدٌ العجب العجاب.

    ففئاتٌ تغلو في الجناب المحمدي وترفعه إلى المقام الإلهي، وفئات تجفوا وتعرض، والميزان الشرعي في ذلك توجيهه صلى الله عليه وآله وسلم لأمته بقوله: {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا: عبد الله ورسوله } خرجه البخاري ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه فهو عليه الصلاة والسلام ليس إلهاً فيعبد، ولا رباً فيقصد، وإنما هو رسول يطاع ويتبع.

    من الناس من نظر إلى السيرة النبوية على أنها قصصٌ تورد، وروايات تسرد، دون متابعة واقتداء فلا تحرك قلوباً، ولا تستثير همماً.

    وأبو القاسم محمدٌ صلى الله عليه وسلم فوق كونه عظيماً من عظماء التاريخ؛ فإن شرف النبوة وتاج الرسالة هو الذي يحتم له المحبة والاتباع، وإن صلة الأمة وارتباطها برسولها وحبيبها صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة ليس ارتباط أوقاتٍ ومناسبات، ولا حديث معجزاتٍ وذكريات، بل إنه ارتباطٌ وثيق في كل الظروف وجميع الشئون وأحوال الحياة إلى الممات.

    وشخصيته صلى الله عليه وسلم ليست شخصية مغمورة في زوايا السير، ولا مطمورة في جنبات التاريخ، تروى قليلاً وتطوى كثيراً حاشاه عليه الصلاة والسلام فداه أبي وأمي بل إن ذكره يملأ الآفاق، والشهادة برسالته تدوي عبر المآذن والمنابر، وتنطلق عبر الحناجر والمنائر، والمسلم الذي لا يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ضميره، ولا تتبعه بصيرته في علمه وعمله وتفكيره في كل لحظة من لحظاته لا يغني عنه أبداً التغني بسيرته، ولا صياغة النعوت في مدائحه، وليس هناك أغلى وأعلى من مدح ربه جلَّ وعلا له وثنائه عليه.

    وما جنح بعض المسلمين إلى مثل هذا اللون في الإفصاح عن تعلقهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم إلا يوم أن زهدوا في الثوابت واليقينيات، وانبهروا بالمظاهر والشكليات، وتركت نفوسهم الجد والعزمات، واستسلمت للتواني والدونيات، فالجهد الذي يتطلب العزائم هو: الاستمساك والاقتداء، فينهض المسلم الجاد إلى تقويم نفسه وإصلاح شأنه؛ حتى يحقق الاقتداء والاهتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يترجم تلك الدعاوى إلى واقعٍ عملي في كل شئونه في معاشه ومعاده، في حربه وسلمه، في علمه وعمله، في عباداته ومعاملاته وإن تحويل الإسلام إلى هزٍ للرءوس، وجمود على مظاهر وطقوس، يصاحب ذلك تعلقٌ بأذكارٍ وتسابيح، وترنمٌ بقصائد وتواشيح؛ لشيءٌ عجيب يحار العقل في قبوله!

    والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأمور معايير لصدق المحبة وعدمها، ومقاييس يُرمى كل من تركها واستبان عوارها بتنقصه لجناب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتلك شنشنة معروفة من أخزم، فحب رسولنا صلى الله عليه وسلم يتغلغل في أعماق نفوسنا، ويتربع في سويداء قلوبنا، ولا يغيب حبه إلا من قلب أهل النفاق والزندقة، ونشهد الله الذي لا إله غيره أنه أحب إلينا من أنفسنا ووالدينا وأولادنا والناس أجمعين كيف لا ومحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم دينٌ يدين لله بها كل من تشرف للإسلام؟! بل لا يستحق أحدٌ شرف الإيمان إلا بتحقيقها، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين } خرَّجه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه .

    وعند البخاري من حديث عمر رضي الله عنه قال: {قلت: يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيءٍ إلا من نفسي. فقال: والذي نفسي بيده! حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر : فإنك الآن أحب إلي من نفسي، قال: الآن يا عمر }.



    حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم



    إن المعول -أيها المحبون رعاكم الله- على صدق المحبة ولوازمها وحقيقتها بالاتباع والاهتداء والتأسي والاقتداء، يقول سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32].

    ومن الأسف أن أعداء الملة وخصوم السنة وسماسرة الخرافة، تمكنوا في غفلة من المصلحين أن يصدعوا البناء، ويشوبوا الصفاء، ويكدروا النقاء، ويتركوا دينهم لعباً ولهواً وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [الأنعام:70].

    فكيف -يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يترك ميراث النبوة نهباً للعوادي؟! وكيف يكون التبديل والتغيير في دين الله في غفلة وسكون؟! وكيف يمهد للجاهلية الأولى أن تعود من جديد؟!

    ألا فليفقه المسلمون سيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم فقهاً مؤصلاً بالدليل والبرهان، والسير على منهج سلف الأمة رحمهم الله، قبل أن تأخذ السبل الملتوية بهم فتطيح بهم بعيداً عن جادة الحق والهدى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:104].



    أعلى الصفحة


    اتباع السنة هو مصدر عز الأمة وصلاحها




    أمة الإسلام! لقد جربت الأمة هذه المظاهر والشكليات بعد انحسار القرون الثلاثة المفضلة، فلم تحقق عزة، ولم تورث منعاً، ولم تعد مقدسات، وإذا كانت الأمة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها تتحدث عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يطيب الحديث والذكريات؟ وكيف يحلو الكلام والمناسبات ومقدسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام والمسلمين؟

    كيف يجمد الحديد وأعداء الإسلام من الملحدين يصرون على صلفهم وعدوانهم ضد إخواننا في الشيشان المجاهدة؟ كيف يحلو الكلام وأعداء الإسلام من الوثنيين يمعنون في حقدهم السافر ضد إخواننا في كشمير ؟ كيف. وكيف . وقضايا المسلمين معلقة وأوضاعهم متردية إلا من رحم الله؟ ألا حق أن نذرف الدموع الحراء على أحوال السنة الغراء!

    إن الأمة بحاجة ماسة إلى تجديد المسار، وتصحيح المواقف، والوقوف طويلاً للمحاسبة والمراجعة، نريد من مطالعة السيرة ما يزيد الإيمان، ويزكي السريرة، ويعلو بالأخلاق، ويسمو بالقيم، ويقوم المسيرة.

    ويخطئ كثيراً من يظن أن انتكاسات الأمم، وهزائم الشعوب، وزوال الحضارات؛ راجعٌ إلى ضعفٍ مادي، أو نقصٍ حربي أو تقني؛ ولكن الحقيقة أن ذلك راجع إلى التفريط في الثوابت ودخول النقص في المبادئ والمعتقدات.

    إن عز الأمة وسعادتها وصلاحها وهدايتها مرهونٌ باتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشواهد ذلك جلية في نصوص الشرع وحوادث التاريخ.

    فيوم أن كانت الأمة متمسكة بإسلامها الحق، مهتدية بنور الوحيين، مقتفية آثار النبوة؛ دانت لها المشارق والمغارب، وتحققت لها العزة والمجد المؤثل، والشرف المؤصل اجتمعت كلمتها، وتوحدت صفوفها، ولم تجد البدع والأهواء طريقاً إلى مجتمعها وتمر القرون، وتمضي الأعصار والسنون، وتبتلى هذه الأمة بالفرقة والاختلاف في أمور دينها، حتى تسربت إلى صفوف الأمة ألوانٌ من العقائد المنحرفة، وتسللت عبر الحصون ضروبٌ من الطوق الفاسدة التي تشوش على الأمة في أعز ما تملك في عقيدتها، واتباعها وحبها لرسولها صلى الله عليه وسلم، وأضل سرادق الخرافة عقول كثيرٍ من أبناء أهل الديانة، مما يجسد المسئولية على حماة السنة وحراس الملة أن يهبوا من رقدتهم، ويبذلوا مزيداً من الجهود المنسقة في الدعوة إلى الكتاب والسنة، والتحذير مما يخالفها، والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً، ودعوة وجهاداً.

    يقول الإمام النيسابوري رحمه الله: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.

    ألم يئن الأوان -يا أمة الإسلام- أن تجتمع القلوب، وتتوحد الدروب على الكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة ؟ وإذا كانت الأمة تعيش عصر الانفتاح والعولمة فإن ترميم بنائها من الداخل ضمانة -بإذن الله- لوجود الحصانة من التأثير السلبي ضد عقيدة الأمة وقيمها ومثلها، ولن يكون ذلك إلا بتحقيق الاتباع، والحذر من الابتداع، ولو كان خيراً لسبقونا إليه والله المستعان!

    لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:128-129]. بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو البر الرحيم.


    فضل الصحابة وآل البيت




    الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه المبين: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل العاقبة الحميدة للمتقين المتبعين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة الأحبة في الله: إن شأن المسلم الحق التمسك بالثوابت التي كان عليها خير القرون، وهم سادات المحبين، ولا شك أنهم أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممن جاء بعدهم، وهيهات أن يأتي أدعياء المحبة في أعقاب الزمن بمحدثاتٍ يزعمون أنها ترجمان المحبة، وهي لا تزيدهم من المحبة إلا بعداً، ولطالما كان سبباً في توسيع هوة الفرقة في الأمة، وإن من يدعو إلى الاعتصام بالوحيين داعية وفاق وخير للأمة، لا من يتعصب لهواه على حساب هداه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50].

    أخي المحب المبارك: ومما يلحق بمنزلة المصطفى صلى الله عليه وسلم المختار مكانة أهل بيته الأطهار، وصحابته الأبرار، وآله الأخيار، وزوجاته أمهات المؤمنين، وحبهم ومعرفة قدرهم وفضلهم جميعاً، وعدم تنقصهم أو الوقيعة بهم؛ فإن ذلك أمارة الخسران، والكف عما شجر بينهم؛ فإنه علامة الإيمان، والترضي عنهم جميعاً رضي الله عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم مع رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في دار كرامته بمنه وكرمه.


    فضل الصلاة والسلام على رسول الله




    ألا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضل ما تقرب به المتقربون، وعبر به الصادقون عن محبتهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم كثرة الصلاة والسلام عليه؛ فقد أمر الله بذلك بقوله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأخبر أن فيه الأجر العظيم، كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً } وروى الإمام أحمد و النسائي بسندٍ صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات }، ولما قال له أبي بن كعب رضي الله عنه: {إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت -إلى قوله- أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك } رواه الإمام أحمد و الترمذي بسندٍ صحيح، والحاكم ووافقه الذهبي .

    فيا من يريد الخير في الدارين! أكثر من الصلاة والسلام على سيد الثقلين، لكن ذلك الأجر مرهونٌ بالإخلاص والمتابعة، والالتزام بالصلوات المشروعة دون المبتدعة، وأجمعها الصلاة الإبراهيمية، التي يقرؤها المسلم في تشهده: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

    فأكثروا -رحمكم الله- من الصلاة على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلاة متبعٍ له، مقتفٍ لسنته.

    اللهم صل على محمدٍ ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصل على محمد ما تعاقب الليل والنهار، وصل على محمدٍ وعلى المهاجرين والأنصار.

    اللهم صل على نبينا محمد ما ازدهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم.

    اللهم صل وسلم على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود.

    اللهم صل وسلم وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والمقام الأطهر، والمجد الأظهر.

    اللهم ارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، وأسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً، إنك أكبر مسئول، وخير مأمول.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين،،واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

    اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين والمضطهدين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصرهم في فلسطين و كشمير و الشيشان ، وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





    رد مع اقتباس  

  3. #13 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 13 حسن الخلق للسديس


    حسن الخلق

    الأخلاق هي صرخات الضمير في وجه الرذيلة، وهي معيارٌ لبقاء الأمم وزوالها.

    والتاريخ الإنساني لم يعرف ينبوعاً ولا معيناً للأخلاق أصفى وأعذب من أخلاق النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهنا دعوةٌ للتحلي بتلك الأخلاق، وبيان لها، وشهادة بروعتها.

    كما يتضمن هذا بياناً لمكانة أهل الأخلاق في الدار الآخرة.

    عقيدة الإسلام




    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا إليه صراطاً مستقيماً، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبياً عن قومه، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام وجعلكم من أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام.

    عباد الله! إن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا نعمة الإسلام، ذلكم الدين القويم، والصراط المستقيم، الذي خلق الله خلقه لأجله وبه أرسل رسله وبه أنزل كتبه ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، أتمه وأكمله وارتضاه ولا يقبل من أحد ديناً سواه، والاستسلام المطلق والانقياد التام لله جل وعلا قولاً وفعلاً واعتقاداً، تضمنت تعاليمه السمحة ومبادئه السامية كل ما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد، فيه صلاح النفوس والقلوب، ونور العقول والبصائر، وسعادة الأفراد والمجتمعات والأمم، وتحقيق الأمن والاطمئنان للبشرية جميعاً.

    أيها المسلمون! يقوم هذا الدين على أصل عظيم وأساس متين، ألا وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، وتخليصها من كل شائبة، وتجريد المتابعة للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسد كل طريق يوصل إلى ثلم العقيدة أو إضعاف التوحيد أو الإخلال بالمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أكد الإسلام على هذا الجانب تأكيداً بالغاً، بل لم يحظ جانبٌ في الإسلام بمثل ما حظي به الجانب العقدي، وما ذاك إلا لأنه القاعدة الكبرى التي تنبني عليها الأقوال والأفعال، ولقد كان هذا الأمر مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، ومحل عناية القرآن الكريم والسنة النبوية قولاً وفعلاً ومنهاجاً ودعوة، فالمسلم الحق يعتقد أن الله سبحانه هو الخالق الرازق المعبود المالك المتصرف المحيي المميت الضار النافع، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن أحداً لا يستطيع أن يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً من دون الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17]، وأنه جل وعلا متصف بكل كمال منـزه عن كل نقص، له الأسماء الحسنى والصفات العلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، فهو سبحانه يعطي ويمنع، ويضر وينفع، والعبادات كلها من صلاة وطواف ودعاءٍ ونذر وذبح واستغاثة وحلف واستعاذة وغيرها كل ذلك محض حقه سبحانه لا شريك له وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، بذلك طهر الإسلام النفوس، وأعلى مكانتها، وحارب ما يناقض ذلك ويضاده من ضروب الإشراك بالله وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، حتى لا تنحط النفوس إلى عبادة من لا يملك لنفسه شيئاً فضلاً عن أن يملك لنفسه ضراً أو نفعاً أو موتاً أو حياة أو نشورا، وحتى لا تخضع القلوب إلا لمن له الملك والخلق والأمر والعبادة وحده جل جلاله.

    هكذا جاء الإسلام بهذه العقيدة الصافية وهذا التوحيد الخالص؛ ليخرج الناس من ظلمات الجهل والشرك والضلالة والأوهام والأباطيل ويرفع النفوس من هوة الشرك وحضيض الوثنية وهوة الكفر والإلحاد إلى نور الحق والإيمان.


    الإسلام دين الأخلاق




    إخوة الإسلام! وكما جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية في تصحيحها عقائدها، كذلك جاء لتهذيب نفوسها وتقويم أخلاقها وأخلاق مجتمعاتها ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة وإطفائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن تتسلل إلى صفوفها؛ لذلك فقد كانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومعاني القيم وفضائل الشيم وكريم الصفات والسجايا من أسمى ما دعا إليه الإسلام، فقد تميز بمنهج أخلاقي فريد لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً، وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية، لرفع الإنسان الذي كرمه الله وكلفه بحمل الرسالة، وتحصين العبادة من درك الشر والانحراف وبئر الرذائل والفساد لرفعه قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح ليسود المجتمع السلام والمحبة والوئام، رائده نشر الخير والمعروف ودرء الشر والمنكر والفساد.



    أهمية الأخلاق للأمم



    أمة الإسلام! الأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها:

    وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا


    فصلاح الأفراد والأمم مرده إلى الإيمان والأخلاق:

    صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم


    وضعف الخلق أمارة على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل عليها السلام

    وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً


    فقد آذنت بتصدع أركانها وزعزعة أمورها، وخراب شئونها وفساد أبنائها.



    أعلى الصفحة



    الأخلاق في السنة النبوية



    أمة الإيمان والأخلاق! لقد بلغ من عظم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم مهمة بعثته وغاية دعوته بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق }، وفي هذا أكبر دليل وأنصع حجة على أن رسالة الإسلام حققت ذروة الكمال وقمة الخير والفضيلة والأخلاق، كما أن قدوة هذه الأمة عليه الصلاة والسلام كان المثل الأعلى والنموذج الأسمى للخلق الكريم، وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً، وقد وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بوصف جامع فقالت فيما رواه مسلم وغيره: {كان خلقه القرآن }، وعن أنس رضي الله عنه، قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، والله ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا } رواه مسلم .

    وعنه رضي الله عنه قال: {إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت، فكان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينـزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينـزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير مقدم ركبتيه بين يدي جليس له } رواه الترمذي .

    وعنه رضي الله عنه، قال: {كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وأمر له بعطاء } متفق عليه.

    وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه، قال: {ما رأيت أحداً أكثر من تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم }رواه الترمذي .

    وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: {ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك }، وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: {ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم }، وتقول خديجة رضي الله عنها في كلامها التاريخي: {كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق }، الله أكبر بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ما أكرم شمائله المحمدية، وما أعظم أخلاقه المصطفوية.

    أفلا يجدر بأمة محمد صلى الله عليه وسلم في أعقاب الزمن، وقد عصفت بها موجات الفساد والفتن من كل جانب، وأعاصير الشر والإلحاد والمحن من كل وسيلة وطريقة، أن تسلك سبيله، وتترسم خطاه، وتتمسك بسنته، إن أرادت الخير والأمن والنصر والسلام، وكما كانت سيرته العملية وسنته الفعلية نبراساً للأخلاق والشمائل، فقد زخرت سنته القولية بالإشارة والإشادة بمكارم الأخلاق، ومكانة أهلها وعظيم ثوابها، وهي مبثوثة في كوكبة من مشكاة النبوة في الصحاح والسنن وغيرها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: {البر حسن الخلق } رواه مسلم ، {إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً } متفق عليه، {ما من شيء أثقل في ميزان المسلم يوم القيامة من حسن الخلق } رواه الترمذي ، {إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم } رواه أبو داود ، {أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه }رواه أبو داود ، {إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً } رواه الترمذي ، {وخالق الناس بخلق حسن }.

    ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: {تقوى الله وحسن الخلق } رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.



    أعلى الصفحة



    الأخلاق عند السلف



    أيها المسلمون! لقد كانت الأخلاق السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فأولوها اهتمامهم قولاً وعملاً وسلوكاً، يقول الحسن البصري رحمه الله: [[حسن الخلق بسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى ]] ويقول عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ورحمه الله: [[حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ]]، حتى قال بعضهم: لأن يصحبني عاصٍ حسن الخلق أحب إلي من عابد سيئ الخلق.

    وقال أهل العلم في علامة ذي الخلق الحسن: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاة، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولا، وقورًا صبوراً شكوراً، رضياً حليماً، وفياً مؤثراً، عفيفاً، لا لعاناً، ولا طعاناً، لا مغتاباً ولا نماماً، لا فاحشاً ولا متفحشاً، لا كذاباً، ولا غاشاً، ولا خائناً، لا حقوداً، ولا حسوداً، ولا متكبراً، هاشاً باشاً، يحب في الله ويبغض في الله، حكيم في الأمر، قوي في الحق، هذا غيض من فيض ما زخر به كتاب الله سبحانه، من ذكر صفات وأخلاق أهل الإيمان.



    أعلى الصفحة



    أين نحن من أخلاق الإسلام؟



    وبعد ذلك كله يا إخوة الإسلام! لنتأمل في واقع أخلاقنا وسلوكنا مع أنفسنا وأهلينا وأولادنا وأسرنا وإخواننا المسلمين، إن الواقع في هذا يبعث على الأسى، فقد زهد كثير من الناس رجالاً ونساء شباباً وشيباً بأخلاق القرآن، في الوقت الذي نشط فيه أعداء الإسلام بنشر الغزو الأخلاقي المركز المختلف الوسائل، المتعجل القوارب ضد المسلمين، وأسرهم ومجتمعاتهم، فكثر الفساد وانتشرت المخالفات والمنكرات، وانتشر سوء الأخلاق وقل الحياء في سلوك كثير من الناس ومعاملاتهم، فهل من عودة يا أمة الإيمان والأخلاق لأخلاق القرآن والسنة؟! وهل من يقظة يا شباب الإسلام ترشد إلى المثل العليا، وتبعد عن سفاسف الأخلاق ومساوئ الأعمال؟!

    وهل من رجعة أيتها الأخت المسلمة إلى التزام أحكام وأخلاق الدين القويم بالمحافظة على الحجاب والعفاف والاحتشام والبعد عن الاختلاط والتبرج والسفور؟

    هل من عودة صادقة يا أمة الإسلام؟! إلى خلق الإسلام في حياتنا كلها بكل جوانبها؟ هذا الرجاء والأمل وعلينا الصدق والعمل، والله المستعان.

    اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال والأهواء والأدواء يا سميع الدعاء.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    أعلى الصفحة


    نداء للتحلي بأخلاق الإسلام




    الحمد لله على نعمائه، والشكر له على فضله وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، الذي عبد ربه في سرائه وضرائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله وتخلقوا بأخلاق الإسلام الفاضلة، واحذروا التأثر بأخلاق غير المسلمين، ألا وإن أولى الناس بمراعاة الأخلاق الفاضلة والتزام السجايا الكريمة هم أهل العلم وطلابه والمنتسبون إلى الحسبة والدعوة والإصلاح؛ ليتأثر الناس بهم ويكون لهم الأثر البالغ في مجتمعهم، وليعطوا صورة حسنة عن أخلاق الإسلام وسماحته ورفقه وحكمته، فذلك يجب أن يسود الأدب بين طلبة العلم في مسائل الخلاف، كذلك -أيها الإخوة- يجب أن ترفرف رايات الأخلاق على الأسرة، لا سيما بين الزوجين معاشرة بالمعروف، ومعاملة بالحسنى؛ حتى تسلم الأسرة من عواصف التصدع والتفكك والانهيار، وهكذا الأبناء مع آبائهم، والطلاب مع معلميهم، خلقاً ناشئاً عن عبادة وإيمان لا عن رياء ونفاق وتملق كما هو حال الكثير من المفتونين بالدنيا، الذين استبدلوا أخلاق القرآن بأخلاق تجارية، ومعاملة النـزاهة والإخلاص بمعاملات مادية، يرى أحدهم مع أهله ومع الناس صفيق الوجه عبوساً مقطب الجبين، معوج السلوك، غير آبه بأحد، لكنه إذا لاح له طمع، أو خاف من فزع، أو بدت له حاجة؛ تصنع وتملق، حتى إذا ما ظفر بحاجته عاد إلى قبح فعله، وذلك لعمر الحق غاية الإفلاس، فالواجب على أهل الإسلام التخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، فمن الأخلاق ما هو جبلي وفطري، ومنها ما هو مكتسب بالتخلق والمعاهدة:

    هي الأخلاق تنبت كالنباتِ إذا سقيت بماء المكرمات


    ويا أيها الآباء والأمهات! والمدرسون والمدرسات! كونوا قدوة حسنة لمن تحت أيديكم:

    لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم


    وربوا أجيالكم وناشئتكم على أخلاق القرآن، أدباً وصدقاً وبراً وحسن معاملة؛ ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمعهم نافعين لبلادهم وأمتهم، والله المسئول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

    ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على صاحب الخلق العظيم، كما أمركم بذلك الرءوف الرحيم فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.





    رد مع اقتباس  

  4. #14 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 14
    الصلاة عماد الدين للسديس

    الصلاة عماد الدين

    إن الله سبحانه وتعالى جعل لكل أمة خصائص وشعائر، وإن من شعائر هذه الأمة الصلاة التي هي عماد الدين ولبه، ففيها يصلح عمل العبد كله في الدنيا والآخرة، وبها يفسد؛ وبها يفرج الله الهموم ويقضي الديون عن كل عبد، وبها يضيع الله العبد وينساه ولا يبالي به في أي واد هلك؛ فلذلك يجب علينا أن نحافظ عليها في أوقاتها بشروطها وواجباتها وأركانها وخشوعها وخضوعها حتى تقبل عند الله سبحانه.

    مكانة الصلاة في الإسلام




    إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانك ربنا! لك الحمد والشكر والثناء، جعلت الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسلوى الطائعين، وقرة عيون المؤمنين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، أفضل البرية، وسيد البشرية، إمام المتقين، وقدوة المصلين الخاشعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومَن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله ربكم رب العالمين، وكونوا بدينكم مستمسكين، وعلى عموده محافظين، وفيه خاشعين خاضعين، تسْلُكوا سبيل المفلحين، وهذا وايم الله غاية العاملين.

    معاشر المسلمين: يحتاج الإنسان في خضم مشاغل الحياة الدنيوية، وما تفرزه الحضارة المادية من مشكلات نفسية، وتوتراتٍ عصبية، يحتاج حاجةً مُلِحَّةً إلى ما ينفِّس عن مشاعره، ويخفِّف من لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه الطمأنينة القلبية، والراحة النفسية، بعيداً عن العُقَد والاكتئاب، والقلق والاضطراب، وهيهات أن يجد الإنسان ذلك إلا في ظل الإسلام وعباداته العظيمة، التي تمثل دواءً روحياً ناجعاً لا نظير له في الأدوية المادية.

    إخوة الإيمان! تَحُلُّ بالأمة حوادث وبلايا، وتُصاب بكوارث ورزايا تشغلها عن قضاياها الأصلية وثوابتها الشرعية، وتمر بالأمة المناسبات والمواسم، فتأخذ حقها من التذكير والاهتمام؛ غير أن حديث المناسبة وكل مناسبة موسمٌ عظيم، ومنهل عذبٌ كريم، يتكرر كل يومٍ خمس مرات، وكثيرٌ من الناس في غفلة عن تحقيق آثاره، والتنويه بمكانته وأسراره، والعناية بحِكَمِه وأحكامه.

    يقول صلى الله عليه وسلم: {أرأيتم لو أن نهراً غمراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات! هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا } متفق عليه.

    معشر المسلمين! إنه نتيجة لارتماء كثيرٍ من الناس في أحضان الدنيا، والتنافس في جمع حطامها، وانشغال القلوب والهمم بها، ونسيان الدار الحقيقية، والغفلة عن العمل لها في هذه الدوامة؛ تناسى بعضُهم مكانة هذه العبادة العظيمة، فلم يبالوا بها، ولم يكترثوا بإقامتها، وصَدَقَ فيهم قول الحق تبارك وتعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً [مريم:59].

    وصنفٌ آخر يؤديها؛ ولكن مع الوقوع في الزلل والاستمرار في الخلل، يصلُّون؛ ولكن لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، صلاتهم صورية عادية؛ لإخلالهم بلُبِّها وروحها وخشوعها، يصلُّون جسداً بلا روح، وبدناً بلا قلب، وحركاتٍ بلا مشاعر وأحاسيس، صلاتهم مرتعٌ للوساوس والهواجس، يأتي الشيطانُ أحدَهم وهو في صلاته فيجعله يصول ويجول بفِكره في مجالات الدنيا، يتحرك ويتشاغل، يستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد، فينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئاً، بل لعل بعضَهم لا يعقل منها إلا قليلاً.

    ثم لا تسأل عن الأحوال، وسيء الفعال، وقبيح الخصال بعد الصلاة؛ فحشٌ في القول، وإساءةٌ في الفعل، وأكلٌ للحرام، وتعسفٌ في الأخلاق، واجتراحٌ للسيئات، وإصرارٌ على المعاصي والمنكرات، وربما تساءل بعضهم: ألم يقل الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ؟! فأين نحن من هذه الآية؟!

    فنحن نؤدي الصلاة؛ ولكن لا أثر لها في حياتنا، ولا ثمرة لها في واقعنا، وتغيير أحوالنا، وتحسن مناهجنا، وصلاح سائر جوانب حياتنا!

    إخوة العقيدة! إن الصلاة التي يريدها الإسلام هي التي تمثِّل المعراج الروحي للمؤمن؛ حيث تعرج به روحه كلما قام مصلياً في فريضةٍ أو نافلة، منتقلة من عالم المادة إلى عالم السمو والصفاء والطهر والنقاء، وفي ذلك مصدر السعادة والسرور، ومبعث الطمأنينة والحُبور، وكان ذلك ديدن الأنبياء جميعاً عليهم صلوات الله وسلامه، وهكذا كان الحبيب المصطفى القدوة عليه الصلاة والسلام: {إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة } خرَّجه الإمام أحمد و أبو داود من حديث حذيفة رضي الله عنه.


    فضل الصلاة والمحافظة عليها




    معاشر المسلمين! الصلاة غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوعٌ وثناء، تذللٌ وبكاء، وتوسلٌ ورجاء، واعتصامٌ والتجاء، وتواضعٌ لكبرياء الله، وخضوعٌ لعظمته، وانطراحٌ بين يديه، وانكسارٌ وافتقارٌ إليه، تذللٌ وعبودية، تقربٌ وخشوع لجناب الربوبية والألوهية، إنها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنها خير عُدةٍ وسلاح، وأفضل جُنة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تُنشئ في النفوس وتُذْكي في الضمائر قوةً روحيةً، وإيماناً راسخاً، ويقيناً عميقاً، ونوراً يبدد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثيرٌ ممن يؤديها! فما أعظم الأجر، وأوفر الحظ لِمَن أداها على الوجه الشرعي!

    أخرج الإمام أبو داود في سننه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {خمس صلواتٍ افترضهن الله عز وجل، مَن أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان على الله عهدٌ أن يغفر له }.

    إخوة الإسلام! لا يخفى على كل مسلمٍ بحمد الله مكانة الصلاة في دين الله، ومنزلتها في شرع الله، فهي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، وإذا كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة؛ فإن الذي يحز في النفس ويؤلم القلب أنه لا يزال في عداد المنتسبين للإسلام من لا يرفع رأساً بها، فما بال أقوامٍ يعيشون بين ظهرانَي المسلمين قد خف ميزان الصلاة عندهم، وطاش معيارها، بل لربما تعدى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل ينتهون قبل أن يحل بهم سخط الله؟ وتعاجلهم المنية وهم على هذه الحال السيئة؟!

    أيها الإخوة المصلون! لِتَهْنِكُم الصلاة! ويا بشرى لكم يا من شرح الله صدوركم بهذه الفريضة العظيمة! وهنيئاً لكم ثواب الله وفضله العاجل والآجل لقيامكم بهذا الواجب الشرعي العظيم!


    الخشوع في الصلاة




    يا أيها المصلون! لتعلموا أن للصلاة المقبولة شروطاً وأركاناً، وواجباتٍ وآداباً، لابد من الوفاء بها، كما أن هناك مسائل مهمة، وأخطاءً شائعةً في هذه الفريضة، يحتاج المصلون إلى معرفتها، وقد ورد عند أحمد وغيره: {إن أسوأ الناس سرقة: الذي يسرق من صلاته، وذلك بعدم تمام ركوعها وسجودها وخشوعها } كما ورد عن أحمد و أبي داود و النسائي : {إن المصلي لينصرف من صلاته وما كُتِب له إلا ربعها أو خمسها حتى بلغ عشرها } وهذا يدعو المسلم المصلي إلى أن يتنبه لشأن صلاته؛ حتى لا يخسر الثواب، ويبوء بالعقاب، متعهداً طهارتها وشروطها وأركانها وواجباتها، مجتهداً في الخشوع فيها، فهو لُبُّها وروحها.



    الخشوع في الصلاة عند السلف



    أمة الإسلام! لقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم ووصفهم بالخشوع له في أجلِّ عباداتهم، ورتب على ذلك الفوز والفلاح، فقال جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح.

    وقال ابن رجب : وأصل الخشوع: لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحُرْقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح؛ لأنها تابعة له.

    وقد رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة فقال: [[لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ]] رُوِي ذلك عن حذيفة و سعيد بن المسيب ، ويُرْوَى مرفوعاً لكن بإسنادٍ لا يصح.

    وفي معنى الخشوع في الصلاة يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : [[هو الخشوع في القلب وأن تُلِيْنَ كنفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك يميناً ولا شمالاً ]].

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] قال: [[خائفون ساكنون ]].

    وعن الحسن رحمه الله قال: [[ كان الخشوع في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح ]].

    وقال ابن سيرين : [[ كانوا يغضون أبصارهم إلى موضع سجودهم ]].

    وحُكِي أن مسلم بن يسار أنه كان يصلي في مسجد البصرة ، فسقط حائط المسجد، ففزع أهل السوق لهدته، فما التَفَتَ، ولما هُنِّئ بسلامته عَجِبَ وقال: ما شعرتُ به.

    الله أكبر! هذا هو منهج السلف الصالح رحمهم الله، الذين كانت قلوبهم تستشعر رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوع منها إلى جميع الجوارح، وكل الحركات والملامح، ويغشى أرواحهم جلال الله وعظمته، وهم يقفون بين يديه، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل عندما يشتغلون بلذيذ المناجاة للجبار جل جلاله، ويتوارَى عن حسهم في تلك الحالة كلُّ ما حولهم، فيتطهر وجدانهم من كل دنس، وينفضون عنهم كل شائبة، وعندئذٍ تتضاءل الماديات، وتتلاشى جميع الدنيويات، وحينئذٍ تكون الصلاة راحةً قلبيةً وطمأنينةً نفسيةً وقرة عين حقيقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد و النسائي عن أنس رضي الله عنه: {وجُعِلَت قرة عيني في الصلاة }.

    وفي المسند وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قُمْ يا بلال ! فأرحنا بالصلاة } رواه أحمد و أبو داود .

    الله أكبر! إنها الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة؛ لكي تشعر من خلال أدائها أنها تناجي من بيده ملكوت كل شيء.

    وأن المصلي حينما يكبر ويرفع يديه؛ إنما هو تعظيم لله.

    وإذا وضع اليمنى على اليسرى؛ فهو ذل بين يدي مولاه، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: هو ذلٌّ بين يدي عزيز.

    وإذا ركع؛ فهو إقرار بعظمة الله.

    وإذا سجد؛ فهو تواضعٌ أمام علوِّ الله، وهكذا يكون المسلم في صلاته يوثق الصلة بمولاه؛ ليفوز بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد.

    أخرج الإمام مسلم في صحيحه : عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله }.



    أعلى الصفحة



    ذهاب الخشوع من صلاة الناس



    أيها الإخوة المصلُّون! إن المصلي حقاً من يقيم الصلاة كاملة الفرائض والأركان، مستوفية الشروط والواجبات والآداب، يستغرق فيها القلب، ويتفاعل من خلالها الوجدان، ويحافظ عليها محافظةً تامةً قدر الطاقة، يبعثه على ذلك قلبٌ يقظ، وشعور صادق، وإحساس مرهف، وضمير حي، فينصرف بكليته إلى الصلاة؛ لأن الخشوع فيها إنما يحصُل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، ومنزلة الخشوع من الصلاة كمنزلة الرأس من الجسد، فالذي يجعل الصلاة مرتعاً للتفكير في أمور دنياه، ومحلاً للهواجس في مشاغله قلبه في كل واد، وهمه في كل مكان، يختلس الشيطان من صلاته بكثرة التفاته، وعبثه بملابسه ويده ورجله وجوارحه، وربما أخل بطمأنينيتها، ولم يعِ ما قرأ فيها، فيُخْشى أن ترد عليه صلاته، فقد ورد عند الطبراني وغيره أن صلاةَ مَن هذه حالُه: {تُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوبُ الخلِق، ثم يُرْمَى بها وجه صاحبها } والعياذ بالله.

    أمة الإسلام! إنه لما طال بالناس الأمد، وقست قلوبهم، وأساءوا فهم شعائر الإسلام، أصبَحْتَ ترى مَن يخل ببعض شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، فلم تعمل الصلاة عمَلَها في قلوب الناس، ولم تؤثر في حياتهم، فهل مَن يؤديها ولكن لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا تمنعه مما يخدش العقيدة أو يخالف السنة أو يناقض مبادئ الإسلام، ولا تمنعه من تعاطي الربا، واقتراف الزنا، والرشوة، والغش، وشرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، والتساهل في حقوق العباد، والوقيعة في أعراضهم، وما إلى ذلك من المحرمات، هل أولئك قد أقاموا الصلاة وأدَّوا حقها؟! والله لو فعلوا ذلك لانتهوا عن كل محرم، وأقلعوا عن كل ما يخالف شرع الله، ولكنه إضاعة جوهر الصلاة، ولا حول ولا وقوة إلا بالله!

    خرَّج الترمذي و النسائي من حديث جبير بن نفير : {أن أول علمٍ يُرْفع من الناس الخشوع، فيوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً } فالله المستعان!

    يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! ما هي حالنا اليوم مع هذه الفريضة العظيمة؟!

    أجسادٌ تهوي إلى الأرض، وقلوبٌ غافلة، وأفئدة متعلقة بالدنيا، إلا من رحم الله.



    أعلى الصفحة



    إقامة الصلاة من أسباب النصر



    هل من عودة صادقة أيها المسلمون المصلون إلى ترسُّم خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذه الفريضة العظيمة وغيرها من فرائض الإسلام؛ لتعود للأمة قوتها وهيبتها بعد أن مُنِيَت بنكسة خطيرة، أفقدتها كثيراً من مقوماتها التي تجعلها متماسكة قوية؟!

    ألا ما أحرى الأمة وهي تتجرع غصص الهزائم أن تتحرى الأسباب والدوافع لتقوم بالتغلب عليها، وإنها واجدةٌ في شعائر الإسلام وأعظمها الصلاة ما يكون سبباً في صقل الأفراد، وتهذيب المجتمعات، وصلاح الأحوال، والقضاء على أسباب الضعف والهزيمة وخواء الروح المعنوية في الأمة.

    نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا


    جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا


    فلنتقِ الله -عباد الله- في أمورنا عامة وفي صلاتنا خاصة، فإن حظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ولنفكر في حالنا ماذا جنينا من جراء التهاون في شعائر الإسلام كلها لاسيما الصلاة؟!

    إن أمة لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه، لَجَدِيْرَةٌ ألا تقف ثابتة في مواقف الخير والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده.

    فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله؛ أصلح الله ما بيننا وبين الناس.

    وإن أمة لا يعفر أبناؤها وجوههم في التراب، ويمرغون جباههم في الأرض تعظيماً لخالقهم، وإعلاناً للعبودية التامة له، لَحَرِيَّةٌ ألا تثبت أمام التحديات والمتغيرات، وأن تذوب في خضم المغريات والابتلاءات، وسيول المحن والبلايا، وأن تغرق في مستنقعات الفتن والرزايا.

    وإن مَرَدَّ تَرَدِّي كثيرٍ من الأوضاع في شتى البقاع لتردي أبنائها في أودية المخالفات، وعدم القيام بما هو من أوجب الواجبات، ألا وهو الصلاة، فإلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويرزقهم الفقه في دينه، والبصيرة فيه، وأن يجعلهم محافظين على شعائر دينهم، معظِّمين لها، قائمين بعمودها على خير وجه، إنه جوادٌ كريم.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه كان عفواً غفوراً.



    أعلى الصفحة


    أسباب إقامة الصلاة بخشوع




    الحمد لله الذي جعل لكل شيء عماداً، وجعل الصلاة لنا ذخراً وزاداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، فلا شركاء له ولا أنداداً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أكمل الأمة إيماناً وصلاةً، وأعظمها عبادةً وجهاداً، صلى الله وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً تامَّين متلازمَين لا نحصيهما أعداداً، وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعث الناس زرافاتٍ وفرادى.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله، وعظموا شعائر دينكم، واستحضروا فيها عظمة بارئكم جل وعلا، وفرغوا قلوبكم من الشواغل الدنيوية، والعلائق المادية، وأقيموا صلاتكم بقلوبٍ حاضرة خاشعة.

    واعلموا -يا رعاكم الله- أن أكبر ما يعين على ذلك حضور القلب فيها، واستشعار عظمة وجلال الخالق جل وعلا، وتفريغ القلوب من الصوارف عن الله والدار الآخرة، والتخفف من مشاغل الدنيا، وعمارة القلوب بالإيمان، وسد مداخل الشيطان على الإنسان.

    ومما يعين على ذلك أيضاً: قَصْرُ النظر على موضع السجود، ووضعُ اليد اليمنى على اليسرى حال القيام، والتدبرُ فيما يُقْرأ بالقرآن وفيما يُرَدَّد من الأدعية، وعدم الالتفات، ومراعاة الطمأنينة، والحذر من العجلة ومسابقة الإمام، والعبث والحركة، كل ذلك مع توفيق الله عز وجل من الأسباب التي تعين المسلم على إقامة الصلاة كما شرع الله، وكما سن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    أيها الإخوة في الله! إن من الظواهر الجديرة بالمعالجة والتي لها أثر كبيرٌ في انصراف المصلين عن الخشوع في الصلاة: ما قذفت به المدنية المعاصرة من وسائل الاتصال الحديثة، كالهواتف المتنقلة التي بُلِي بها كثيرٌ من الناس، فيصطحبونها في صلواتهم ومساجدهم وهي تسبب أذىً وإزعاجاً للمصلِّين، فأي خشوعٍ عند هذا المصلي عفا الله عنه، الذي يقطع حلاوةَ إقباله على ربه ولذيذَ مناجاته لخالقه رنينُ هاتفه المتكرِّر، فيُشْغِل نفسَه ويؤذي غيره؟!

    فهل هؤلاء الذين جاءوا إلى المسجد مصطحبين هذه الأجهزة مفتوحة جاءوا مصلين أم ماذا؟!

    ألا فليتقِ الله أولئك في صلاتهم، وليحذروا من إيذاء إخوانهم المصلين، وانتهاك حرمة بيوت الله، ومتى علم الله من عبده الرغبة في الخير وفَّقه له وأعانه عليه، ولو أن المسلمين اليوم أدوا هذه الصلاة كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانت بتوفيق الله انطلاقةً جادة لإصلاح أوضاعهم، وتغيير أحوالهم وسلامة مجتمعاتهم، وطريقاً إلى النصر على أعدائهم، وتحقيق ما يصبُون إليه في دنياهم وأخراهم؛ لأن في تطبيق شعائر الإسلام السلاح القوي، والدرع الواقي من كل مكروه بإذن الله؛ لأن الدافع إليه قوة الإيمان، وصدق اليقين، والشوق إلى الآخرة.

    ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على إقامة صلاتكم؛ فإنها نور لكم في الأرض، وذخرٌ لكم في السماء، وإن المتأمل في آيات التنزيل لَيَجِدُ أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة، وفي ذلك زيادةُ معانٍ على مجرد الأداء، لأن الإقامة تعني: الإتمام والعناية، وإن مسئولية المصلين لَعَظِيمة بالنسبة لأنفسهم تعاهداً لها وعناية بها، وبالنسبة لغيرهم من معارف وأقارب وأبناءٍ وجيران؛ من حيث أمرهم ونصحهم في هذا الموضوع المهم كما قال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] وعلى أئمة المساجد دورٌ كبيرٌ في ذلك؛ لأنهم يضطلعون بمهمة كبرى، فعليهم أن يقوموا بها عنايةً وتفقيهاً بأحكامها وحكمها كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري : {صلوا كما رأيتموني أصلي } ولابد من تحقيق التعاون بين الأئمة والمأمومين، وذلك بقيام كلٍّ برسالته؛ لتتحقق النتائج المرجوة بإذن الله.

    هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير مَن أقام الصلاة، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، كما أمركم بذلك الرب المعبود، فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر ، و عمر ، و عثمان و علي ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!



    سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





    رد مع اقتباس  

  5. #15 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 15
    ظاهرة العزوبة والعنوسة للسديس

    ظاهرة العزوبة والعنوسة

    إن من المسلَّم به أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فإذا ما فسدت هذه اللبنة أو انعدمت فسد المجتمع أو عدم، وما نراه من ظاهرة العزوبة إنما سببه الرئيسي هو ما دخل على المجتمع من أفكار غريبة، ولوثات فكرية موبوءة، وأيضاً ما يقوم به أولياء الأمور من المغالاة في المهور، والتقيد بعادات وتقاليد مخالفة للشرع.

    خطر تفكك النسيج الاجتماعي




    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الإصباح، شرع لعباده النكاح، وحرَّم عليهم السفاح، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، إمام الدعاة ورائد الإصلاح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي التقى والصلاح، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب المساء والصباح، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها سبب التوفيق والنجاح، وطريق العز والصلاح، وينبوع الخير والفلاح.

    أيها المسلمون: إن النسيج الاجتماعي المترابط في الأمة دعامةٌ من دعائم سعادتها واستقرارها، وركيزة من ركائز نموها وازدهارها، والمنظومة الاجتماعية الخيرة في المجتمعات قاعدة كبرى في إرساء حضارتها وبناء أمجادها، والخلل الاجتماعي في أي أمة نذير خطرٍ يُهدد كيانها لما يحدثه من صدوع عميقة في بنائها الحضاري، ونظامها الاجتماعي، مما يُهدد البنية التحتية الاجتماعية، ويستأصل شأفتها.

    والمتأمل في الواقع الاجتماعي لكثيرٍ من المجتمعات يُدرك ما أحدثته المتغيرات الحضارية من نقلة نوعية في حياة الأفراد والأسر والبيوتات، انعكست آثارها السلبية على كافة المستويات، لا سيما في القضايا الاجتماعية، فبعد أن كانت قضايا الأمة الاجتماعية متسمة باليسر والسهولة انقلبت إلى صورٍ جديدة متسمة بالعنت والمشقة والتعقيد، لتظهر أنماطٌ جديدة وظواهر خطيرة يُخشى أن تسهم في خلخلة النظام الاجتماعي في الأمة، ويأتي الانفتاح العالمي، والتواصل الحضاري، بين الشعوب والمجتمعات ليسهم في إبرام هذه الظواهر وإذكاء سعير هذه المظاهر؛ مما يتطلب التأكيد على التمسك بثوابت الأمة وأصولها وأخلاقها وقيمها ونظمها.

    ولعل من أبرز الظواهر والسلبيات التي أذكتها المتغيرات والمستجدات: تلك الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تعصف بكيان الأسر، وتهدد تماسك المجتمع، حتى تقلصت وظائف البيت، وضعفت مسئوليات الأسرة، وكثرت ظواهر العقوق، وتخلَّى كثير من الأبناء والآباء عن أداء الحقوق، وعلت نسبة العنوسة، وكثرت المشكلات الاجتماعية، وارتفعت معدلات الطلاق، وتعددت أسباب الانحراف والجريمة والانتحار والمخدرات والمسكرات، وجنوح الأحداث، وتشرد الأطفال والعنف العائلي، وتفككت كثيرٌ من العلاقات الاجتماعية، وضعف تواصل الأرحام وذوي القربى، وسادت القطيعة والجفاء، وعَمَّ الحقد والحسد والبغضاء، وأسندت مهمة البيت وتربية النشء للخدم والسائقين، وضعفت أواصر المودة ووشائج الأخوة، وانتشرت ظواهر البطالة والاستهلاك التفاخري بين مطرقة الديون وسندان التقسيط، وشاعت قيم الآحادية والأنانية محل القيم الجماعية والإيثارية، وأهملت قضايا المرأة في حجابها وعفافها، واشتكت كثير من المجتمعات من تبرجها وسفورها، مما يشكل أزمة اجتماعية وتربوية محدقة، ويفرز أجيالاً جديدة وفق معطيات ثقافية مخالفة لعقيدتنا، وقيمٍ مخالفة لمجتمعاتنا المحافظة، مما يتطلب من الغيورين إيلاء القضايا الاجتماعية في الأمة حقها من العناية والتركيز والاهتمام والرعاية.


    أسباب تفشي ظاهرة العزوبة والعنوسة




    معاشر المسلمين! ولنقف وقفةً مع إحدى أبرز قضايانا الاجتماعية المتعلقة بقضايا الزواج لنُشخِّص فيها ظاهرة من أخطر الظواهر الأسرية التي لها آثارها وأخطارها على الفرد والمجتمع والأمة، إنها ظاهرة ما يعرف بالعزوبة والعنوسة التي يئن من لأوائها فئام من الشباب والفتيات.

    لقد أرصدت دراسات اجتماعية معاصرة نسبة الإحصائيات المذهلة في بعض المجتمعات لهذه الظاهرة، حيث بلغت في مجتمعٍ واحد (مليوناً ونصف مليون) من العوانس تنتظر كل واحدة منهن فارس أحلامها، ومن المحتمل أن يزيد العدد خلال خمس سنوات قادمة إلى أربعة ملايين أو أكثر لو استمرت معدلات الزيادة بنفس الوتيرة، ولا شك أنه مؤثر مزعج ينذر بشؤمٍ خطير، وضررٍ كبير، ما لم تتدارك هذه الظاهرة، وتشخص داءً ودواءً بحلولٍ عملية تطبيقية لا نظرية فحسب.

    أمة الإسلام: إن ظاهرة العنوسة في المجتمع وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج له مضاره الخطيرة، وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، سواء أكانت هذه الأخطار والآثار نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لا سيما في هذا الزمان التي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والردى والفساد الأخلاقي إلا التحصن بالزواج الشرعي، فالقضية إذاً -أيها الغيورون- قضية فضيلة أو رذيلة.

    ومن المؤسف! أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين أو أكثر وهو لم يُفكِّر بعد في موضوع الزواج، وما انفتحت أبواب الفساد إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج، بل لم ينتشر الانحلال وتنتشر الدعارة والعلاقات المشبوهة، والسفر إلى جهاتٍ موضوعة ومستنقعاتٍ محمومة إلا بسبب تعقيد أمور الزواج؛ لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة ويقضي على العفة والحياء مما يُرى ويقرأ ويسمع من ألوان الفساد الذي قذفت به المدنية الحديثة، وحدِّث ولا كرامة! عما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتوجه ضد قيم الأمة وأخلاقها، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



    تعلق الشباب بسراب تأمين المستقبل



    معاشر المسلمين! وإذا التمست أسباب هذه الظاهرة نجد أن جملة منها لا تعدو أن تكون رواسب مرحلة تأريخية مرت بها كثيرٌ من المجتمعات الإسلامية، عقبها غزوٌ فكري كانت له آثارٌ خطيرة على الأوضاع الاجتماعية في الأمة؛ مما أبرز عوامل نفسية وثقافية واقتصادية، منها ما يرجع إلى الشباب والفتيات، ومنها ما يرجع إلى الأولياء، ومنها ما يعود إلى المجتمع بأسره.

    فأما الشباب والفتيات فبعضهم يتعلق بآمالٍ وأحلام، وخيالات وأوهام، وطموحات ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان، فبعضهم يتعلق بحجة إكمال الدراسة، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، فمتى كان الزواج عائقاً عن التحصيل العلمي؟

    بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يُعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر، وأنس الضمير والخاطر، ونقولها بصراحة: ماذا تنفع المرأة بالذات شهاداتها العليا إذا بقيت عانساً قد فاتها ركب الزواج؟! وأصبحت أيماً لم تسعد في حياتها بزوجٍ وأولاد يكونون لها زينة في الحياة، وذخراً لها بعد الوفاة؟!

    وكم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها، ولكن بعد فوات الأوان؟!

    وكم هي الصيحات والزفرات الحراء التي أطلقت من المجربات فأين المتعقلات؟!

    إن هذه المشكلة ومثيلاتها مردها إلى غبش في التصور، وخللٍ في التفكير، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها إفراز ضعف المعتقد، وقلة الديانة، والخلل في الموازين، وسوء الفهم لأحكام ومقاصد الشريعة الغراء.

    إنه النظر المشوش حول المستقبل، والتخوف الذي لا مبرر له، والاعتماد على المناصب والماديات، والتعلق بالوظائف والشهادات، وتأمين فرص العمل زعم! مما يزعزع الثقة بالله والرضا بقضائه وقدره، ويضعف النظر المتبصر، والفكر المتعقل.

    إن حقاً على الشباب والفتيات أن يبادروا عملياً إلى الزواج متى ما تيسر لهم أمره، وألا يتعلقوا بأمور مثالية تكون حجر عثرة بينهم وبين ما ينشدون من سعادةٍ وفلاح، ويقصدون من خير ونجاح، وألا يتذرعوا بما يُعبِّر عنه بتأمين المستقبل، فالله عز وجل يقول: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

    ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام أعلم أني أموت في آخرها يوماً ولي طولٌ على النكاح؛ لتزوجت مخافة الفتنة ]]، ويقول الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروذي : " ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام ".



    أعلى الصفحة



    عضل النساء عن زواج الأكفاء



    إخوة الإيمان! ومن الأسباب الخطيرة في انتشار هذه الظاهرة واستفحالها عضل النساء من زواج الأكفاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض } خرَّجه الترمذي ، وابن ماجة ، والحاكم بسند صحيح.

    فهناك بعض الأولياء هداهم الله قد خان الأمانة التي حملوها في بناتهم وفتياتهم بمنعهن من الزواج من الأتقياء ديناً وخلقاً وأمانة، وقد يتقدم إليهن الخاطب الكفء فيماطلونه ويعتذرون له بأعذار واهية، وينظرون فيه إلى أمور شكلية وجوانب كمالية، ويسألون عن ماله ووظيفته ووجاهته ومكانته، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته، بل لقد وصل ببعض الأولياء الجشع والطمع أن يعرض ابنته سلعة للمساومة وتجارة للمزايدة والعياذ بالله، وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضلٌ وظلمٌ وخيانة، وقد تكون مدرسة وموظفة فيطمع في مرتبها.

    ألم يعلم هؤلاء بالاعترافات والقصص الواقعية بضحايا هذه الظاهرة؟

    ألم يسمعوا الرسائل المؤلمة المفجعة التي سطرتها دموع هؤلاء؟

    إنها صرخة نذير في آذان الآباء والأولياء، ورسالة عاجلة إليهم أن يتداركوا شرفهم وعفتهم وعرضهم قبل فوات الأوان.

    أين الرحمة في هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يُفكِّرون بالعواقب؟ أيسرهم أن تلطخ سمعتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟

    سبحان الله!! كيف يجرؤ مسلمٌ غيور يعلم فطرة المرأة وغريزتها على الحكم عليها بالسجن المؤبد إلى ما شاء الله؟

    ولو عقل هؤلاء لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان رضي الله عنهم أجمعين.

    وهذا سعيد بن المسيب -رحمه الله- يزوج تلميذه أبا وادعة ، وهذا ديدن السلف في عصورهم الزاهية.

    إنَّ تضييق فرص الزواج علة خراب الديار، به تقض المضاجع، وتكون الديار بلاقع، وبه يُقتل العفاف، وتوأد الفضائل، وتسود الرذائل، وتهتك الحرمات، وتنتشر الخبائث والسوءات.

    أيها الأولياء: اتقوا الله فيمن تحت أيدكم من البنات، بادروا بتزويجهن متى ما تقدم الأكفاء في دينهم وخلقهم، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وعضل النساء ورد الأكفاء فيه جناية على النفس، وعلى الفتاة، وعلى الخاطب، وعلى المجتمع بأمته، والمعيار كفاءة الدين، وكرم العنصر، وطيب الأرومة، وزكاء المعدن، وسلامة المحضن، وحسن المنبت، وصدق التوجه: {فاظفر بذات الدين تربت يداك }.



    أعلى الصفحة


    غلاء المهور




    أمة الخير والفضيلة! وسببٌ آخر لا يقل أهمية عن سابقه ألا وهو: مشكلة غلاء المهور، والمبالغة في الصداق في بعض الأوساط؛ حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور المستحيلة، وبلغ المهر في بعض البقاع حداً خيالياً لا يُطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الأزواج.

    ويؤسف كل غيور أن يصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهراً باهظاً من أُناسٍ -يعلم الله- حالهم لو جلسوا شطر حياتهم في جمعه لما استطاعوا.

    فيا سبحان الله! أإلى هذا الحد بلغ الطمع وحب الدنيا ببعض الناس؟

    وكيف تعرض المرأة الحرة الكريمة المحصنة العفيفة سلعة للبيع والمزايدة وهي أكرم من ذلك كله؛ حتى غدت كثيرات مخدرات في البيوت، حبيساتٍ في المنازل، بسبب ذلك التعنت والتصرف الأرعن.

    إن المهر في الزواج -يا رعاكم الله- وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثارٌ سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء من تعطيل الزواج أو الزواج من مجتمعاتٍ أخرى مخالفة للمجتمعات المحافظة، مما له عواقب وخيمة، فرب لذة ساعة تعقبها حسرات إلى قيام الساعة.

    ولم يقف الجشع في بعض الناس عند هذا الحد، بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مما هو خروج عن منهج السلف الصالح رحمهم الله، يقول الفاروق رضي الله عنه: [[ألا لا تغالوا في صداق النساء! فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولاكم بها ]] وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لرجل: {التمس ولو خاتماً من حديد }، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب.

    الله المستعان! كيف بحال المغالين اليوم؟ أما علم أولئك أنهم مسئولون أمام الله عن أمانتهم ورعاياهم؟

    هل نُزِعَت الرحمة من قلوبهم؟ ولا تنزع الرحمة إلا من شقي.

    أمة الإسلام: وعاملٌ مهمٌ في رواج هذه الظاهرة: ألا وهو ما أُحيطت به بعض الزيجات من تكاليف باهظة، ونفقات مذهلة، وعاداتٍ اجتماعية، وتقاليد وأعراف جاهلية، فرضها كثيرٌ من الناس على أنفسهم تقليداً وتبعية، مفاخرة ومباهاة، إسرافاً وتبذيراً، فلماذا كل هذا يا أمة الإسلام؟

    فاتقوا الله عباد الله! وتناصحوا فيما بينكم، وتعقلوا كل التعقل في حل قضاياكم الاجتماعية، لا سيما قضايا الزواج، ولا تتركوا الأمر بأيدي غيركم من السفهاء، والدعوة موجهة للمصلحين، والوجهاء، والعلماء والأثرياء، وأهل الحل والعقد في الأمة، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، فالناس تبعٌ لهم، وعلى وسائل الإعلام بكافة قنواتها نصيبٌ كبيرٌ في بث التوعية والتوجيه في صفوف أبناء المجتمع لعلاج هذه المشكلات الاجتماعية الكبيرة، واقتفاء هذه الظواهر الخطيرة.

    وأنتم أيها الإخوة والأخوات! يا من ابتليتم بهذه الظاهرة صبراً صبراً، وثباتاً واستعفافاً، ورضاً بقضاء الله وقدره، وعملاً بالأسباب الشرعية، وفتحاً لآفاق الآمال الكبرى، فما عند الله خيرٌ وأبقى.

    وأنتم أيها الآباء والأولياء! الأمل فيكم كبير، إننا لمتفائلون كل التفاؤل أن تفتحوا قلوبكم، وتستجيبوا لما فيه صلاح أنفسكم وأبنائكم ومجتمعاتكم، وكان الله في عون العاملين المخلصين لما فيه صلاح دينهم وأمتهم.

    بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات، فاستغفروه وتوبوا إليه فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.


    علاج ظاهرة العزوبة والعنوسة




    الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثراً.

    أما بعــد:

    فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة الأحبة في الله! وبعد تشخيص الداء يأتي وصف الدواء، وإن الحلَّ والعلاج لظاهرة العزوبة والعنوسة في المجتمع يكمن في تقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، ونشر القيم الأخلاقية في المجتمع -لا سيما في البيت والأسرة- ومعالجة الأزمات والعواصف والزوابع التي تُهدد كيان المجتمع، وتيسير أمور الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الموروثة والدخيلة.

    وتحقيق التعاون بين أبناء المجتمع، وكذا قيام وسائل الإعلام بواجبها التربوي والتوجيهي، فينبغي العناية بجمعيات إعانة الشباب على الزواج، والدلالة عليه، ومنحها فرصاً كبرى في أداء مهمتها العظمى، وكذا دعم ذوي اليسار لها، وأن يكون الوجهاء قدوة لغيرهم في هذا المجال، وكذا الاهتمام بالقضايا الاجتماعية عبر مؤسسات خيرية كبرى، وهيئات خيرية عليا.

    وثمة موضوعٌ لعلاج هذه الظاهرة: ألا وهو ضرورة أن تعيد المجتمعات النظر في قضية تعدد الزوجات، على حسب الضوابط الشرعية، ومراعاة الحكمة التشريعية، فمن للعوانس والأرامل والمطلقات وذوات الأعذار والاحتياجات الخاصة؟ إنه تعدد المودة والرحمة والإحسان والعدل لا الظلم والتسلط والحيف والجور، لا سيما للزوجة الأولى، وكم يسمع من الشكاوى في ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائلٌ } أي: ساقط. رواه أحمد وأصحاب السنن .

    ألا فاتقوا الله -عباد الله- واتقين الله إماء الله، ثم صلوا وسلموا جميعاً على الحبيب رسول الله، نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم جلَّ في علاه، فقال تعالى قولاً كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن الأئمة الأربعة الخلفاء: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

    اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين.

    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان .

    اللهم عليك باليهود المعتدين، وسائر الكفرة المعاندين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الرحمين!

    عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





    رد مع اقتباس  

  6. #16 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 16 السديس تحقيق العبودية لله وحده

    تحقيق العبودية

    لقد خلق الله الإنسان لحكمة عظيمة تتجلى في قول المولى عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فهذا هو واجب المسلم في الحياة، ولقد عرّف العلماء العبادة بمفهومها الشامل.

    وهناك من أساء فهم العبادة فأحدث ما أحدث -والعياذ بالله- وأخرجها عن شروطها التي وردت عن محمد صلى الله عليه وسلم، وعن مقتضاها الشرعي في الشريعة الإسلامية.

    الحكمة من خلق الإنسان




    الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أكمل الخلق عبودية لله، وأعظمهم طاعة له ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تأسى به واهتدى بهديه إلى يوم المعاد، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سداً، وإنما خلقتم لمهمة عظيمة، وغاية جسيمة شريفة، ألا وهي تحقيق العبودية الحقة لله وحده، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وبعبادة الله وحده لا شريك له أمر الناس كلهم، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وقال عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23].



    العبادة حق الله على العباد



    وعبادة الله وحده لا شريك له، خلاصة دعوة الرسل وأولها وأصلها، يقول عز من قائل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال جل شأنه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وكل رسول يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32].

    إخوة العقيدة: إن عبادة الله هي أوجب الواجبات، وآكد الحقوق، فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، كما صح في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري و مسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كما إنها وسام العز والشرف في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله بها أكرم خلقه وصفوتهم من الملائكة والرسل عليهم الصلاة والسلام، كما وصف بها خاتمهم وأشرفهم محمداً صلى الله عليه وسلم في أكمل أحواله وأشرف مقاماته، فهنيئاً لمن اتصف بها حقاً، مشاركة خير خلق الله في هذه المنزلة العظيمة والمكانة السامية.



    أعلى الصفحة



    تعريف العبادة



    أيها المسلمون: إن العبادة التي أمرنا بها كلمة جامعة وعبارة شاملة ونطاق واسع، فهي ليست محصورة بعدد من الشعائر، وليست مقصورة على نوع من المكان، ومرحلة من الزمان، وليست محدودة بجملة من الأعمال، بل هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وهي بهذا التعريف تشمل كل ما يصدر عن المسلم من الأعمال القلبية والبدنية والمالية المشروعة، حتى العادات تتحول إلى عبادات إذا قارنتها نية صالحة، ولا تنقطع العبادات إلا بالموت، قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وعبادة الله وحده، هي السر في انتصارات المسلمين وعزتهم وأمنهم وتمكينهم في الأرض.



    أعلى الصفحة



    مفهوم العبادة الخاطئ عند الناس



    وقد أساء كثير من الناس اليوم في مفهوم العبادة، وقصروها -جهلاً منهم وضلالاً- على عدد من الأعمال التعبدية، وجهلوا بعد مراميها وكثرة متضمناتها، وسعة أبعادها، ولسان حال الكثير منهم يقول: الدين في المسجد ليس إلا -والعياذ بالله- ويبرز هذا جلياً في الناحية العملية التطبيقية، فهل عبد الله حق عبادته من أدخل في عبادته غيره، وجعله شريكاً له يدعوه ويستغيث به، ويعول في أموره عليه؟

    وهل عبده حق عبادته من زاد في دين الله، وأحدث في شريعته ما لم يأذن به؟

    وهل عبده من دنس معاملاته وأخلاقه بالمعاملات المحرمة، فبيعه وشراؤه وسائر معاملاته لا تسلم من الطرق المحرمة، فأكل الربا والتحايل على أكله، وغش المسلمين وظلمهم وخديعتهم ديدنه وطريقته.

    أين العبادة في أفعال هؤلاء الذين آثروا الحياة الدنيا وخدعوا بحطامها وشهواتها وهي وبال عليهم وحسرة وندامة يوم القيامة، يوم يقفون أمام جبار السماوات والأرض، ويسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها؟ وهل عبد الله حق عبادته من ضيع وقته وأفنى عمره في معصية الله، باللهو واللغو القولي والعملي؟ أين نصيب العبادة في أوقات هؤلاء؟!

    أنسوا أن الله سائلهم عن أعمارهم فيما أفنوها؟ وأوقاتهم فيما شغلوها؟ إن هؤلاء وأمثالهم قد تركوا عبادة الله، وأصبحوا عبيداً لأهوائهم وعبيداً لشياطينهم؟ وقد حذرنا الله من عبادة الشيطان والهوى فقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61] وقال: أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23].

    فاتقوا الله -أيها المسلمون- وقوموا بواجب الله عليكم في عبادته، فأنتم تعاهدونه في كل ركعة من ركعاتكم على ذلك حينما تقرءون قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولكن قل من يتنبه لها ويفهمها ويعمل بمقتضاها، والله المستعان!

    اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين وحزبك المفلحين، وارزقنا العمل لوجهك الكريم، واجعلنا ممن عبدك حق عبادتك يا كريم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    أعلى الصفحة


    شروط صحة العبادة




    الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن العبادة لا تسمى عبادة ولا تنفع صاحبها عند الله إلا إذا توفر فيها شرطان:

    أولهما: أن تكون خالصة لله وحده، ليس فيها شرك ولا رياء ولا سمعة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه }.

    ثانيهما: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن تكون الأعمال على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، سليمة من شوائب البدع والمحدثات، وقد أخرج البخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وفي رواية مسلم : {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }.

    فاتقوا الله عباد الله واعبدوه حق عبادته، وابتغوا بأعمالكم كلها وجه الله، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على من عبد الله حق عبادته، الذي قام في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه، نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل كيدهم في نحورهم يا رب العالمين.

    اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، وأعداء المسلمين، اللهم عليك بهم عاجلاً غير آجل، اللهم اكفِ المسلمين شرورهم يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفق إمامنا لهداك، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم منّ على المسلمين جميعاً في كل مكان، بصلاح قادتهم وعلمائهم ونسائهم وشبابهم يا رب العالمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.





    رد مع اقتباس  

  7. #17 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 17 واعبد ربك حتى حتى يأتيك اليقين للسديس

    واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

    استهلَّ الشيخ حديثه بأهمية التذكير، والجلوس إلى العلماء، وثنَّى بالكلام عن حاجة العباد إلى ربهم، وجعل كلامه اللاحق على ثلاثة محاور:

    العبودية - الربوبية - الموت.

    فالعبودية وصف تشريف جعله الله لرسوله في أشرف المواضع التي ذكره بها في كتابه.

    والربوبية من مبادئ العقيدة التي لا غنى لأحد عنها.

    والموت حقيقة قاسية مرة، لكن يجب ترويض النفس على التفكر فيها والتذكير بها.

    التذكير والتواصي بين المسلمين




    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعـد:

    أيها الإخوة الكرام: أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    بادئ ذي بدء أشكر الله عز وجل على ما منَّ به عليَّ وعليكم من هذا اللقاء الطيب المبارك الذي نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحقق النفع منه إنه جواد كريم، فلا يخفى عليكم أيها الإخوة الأحبة! أهمية أمثال هذه اللقاءات؛ لأنها منطلقة من قول الحق تبارك وتعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] وقوله سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] وقوله تبارك وتعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    فالتعاون والتواصي بالحق والصبر عليه سمات عظيمة من أهم سمات أهل الإيمان، ينبغي على جميع المسلمين العناية بها، وما هذه المحاضرات القيمة التي يقوم عليها وبها طلاب العلم والعلماء والمشايخ إلا من باب التعاون على البر والتقوى، بل هي في الحقيقة من أهم الجوانب التي يطلق عليها هذا التعاون، فالتعاون ليس إسداء أمر مادي فقط، وإنما نصح إخوانك ونصح نفسك أولاً، وإرشادهم وتذكيرهم بالواجب عليهم، وهذه الجلسات الإيمانية التي هي تذكير للغافل، وتنبيه للعالم والجاهل علهم يحاسبون أنفسهم، ويراجعون ربهم، ويوثقون الصلة به سبحانه.

    أثني بالشكر للإخوة الأحبة في الخطوط السعودية، لا سيما المسئولون عنها نسأل الله تعالى لهم كل توفيق، ونسأله تعالى أن يعينهم على ما حُمِّلوا، ونسأله جل وعلا أن يجعلهم خير من يقوموا على هذا الثغر المهم الذي له أبعاده وآثاره وأهميته لهذه البلاد وخارج هذه البلاد؛ لأنه في الحقيقة ثغر مهم ينبغي أن يمثل واجهةً إسلاميةً جيدةً تنم عن تمسك أهل هذه البلاد بعقيدتهم، واعتزازهم بدينهم، فنسأل الله تعالى أن يجعل من هؤلاء المسئولين خير من يمثل هذه المسئولية العظيمة، وإنهم لفاعلون إن شاء الله، وأخص بالشكر في الخطوط السعودية إخوتنا الفضلاء في لجنة التوعية الإسلامية، نسأل الله تعالى أن يثيبهم على جهودهم، وأن يجزيهم على جهودهم، وأن يجزيهم خيراً على ما قدموا.

    والحق أني لا أكتمكم أني تأثرت بالغ التأثر بالحفاوة والإكرام والتقدير الذي لمسته منهم في خطواتي إلى هذا المكان، فقد لمست فيهم من يمثل الإسلام حقيقة نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، استقامة في السلوك، وحسن أخلاقٍ في المعاشرة، وليس هذا بغريب على أبناء التوحيد، وعلى أهل العقيدة، وعلى أهل المعادن الأصيلة كرماً ورجولةً وقوة معدن، فنسأل الله تعالى أن يثيبهم على هذه المحاضرات، وهذه الندوات التي يحرصون عليها، وهي في الحقيقة أهلٌ لأن يحرص عليها.

    واسمحوا لي أن أقول لكم: إن الواجب على إخوتنا في التوعية الإسلامية أكبر مما يقومون به، وإن كانوا ولله الحمد والمنة يقومون بجهود موفقة في هذا، لكن المسئولية عظيمة، والواجب كبير؛ لأننا بحاجة إلى الخطوط المعنوية التي تصلنا بعقيدتنا، تصلنا بمثلنا وقيمنا، تربطنا دائماً بمبادئنا الإسلامية القويمة، وأي انحراف عن هذا الخط العظيم، فإنه في الحقيقة مدعاة إلى التعثر في الخُطا، ومدعاة إلى أن يحصل لمن وقع في الانحراف ما لا تحمد عقباه.

    فهذه المحاضرات والندوات هي في الحقيقة طبٌ يعالج كل مظهر من مظاهر المخالفات لدين الله، كما أنها غذاءٌ يشحن الإنسان بما يحتاجه في دينه ودنياه وأخراه، ونحن نعلم في زحمة الحياة المادية حاجتنا إلى مثل هذه المحاضرات، وإلى هذه الندوات التي فيها قال الله وقال رسوله، وتبين للناس ما يجب عليهم، وترشدهم إلى ما قصروا فيه، فالكمال لله وحده، والخطأ من طبع البشر، فجزى الله إخوتنا في التوعية الإسلامية خيراً، وإلى الأمام سيروا في الإكثار من هذه المحاضرات، وإنني بالأصالة عن نفسي والنيابة عن زملائي وإخواني ومشايخنا سواء في مكة ، أو في غيرها من أرجاء هذه البلاد المباركة نشجعكم ونعينكم، ونجعل من استجابتنا التي هي في الحقيقة واجبٌ علينا، وليست تفضلاً منا، بل هي واجب؛ لأن الواجب علينا في البلاغ والدعوة والبيان والإرشاد عظيم جداً، وأنا أقول: إننا بحول الله وقوته، وبعونه وتوفيقه يجب علينا ألا نألو جهداً في تشجيعكم ودعمكم كل ذلك في محيط ما تمليه علينا شريعتنا الغراء، وما يوجهه لنا ولاة أمرنا وفقهم الله إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.



    الذكرى في ظلال القرآن



    أيها الإخوة الأحبة: الحديث في ظلال القرآن له مذاقٌ خاصٌ، وله طعمٌ معين، لأننا يجب علينا أن نكون أهلاً للقرآن، فأهل القرآن الذين يقرءونه ويتدبرونه، ويخشعون في تلاوته، ويعملون بما فيه ويؤمنون بمحكمه ويعملون به، ويؤمنون بمتشابهه، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه؛ هؤلاء هم أهل الإيمان في الحقيقة، فالأمة الإسلامية قد منَّ الله عليها بهذا القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل هدايةً لها في جميع شئونها وأمورها إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فالقرآن الكريم كتاب هداية، في أمور العقائد، وفي أمور العبادات، وفي أمور المعاملات، وفي أمور الأخلاق والسلوك، وفي كل أمور الدين والدنيا والآخرة؛ الكتاب الكريم هداية لنا، ولا مصدر للهداية إلا عن طريق هذا القرآن، وهذه حقيقة ينبغي أن نعيها جيداً، وينبغي أن نعتز بها، وينبغي أن نرفعها لا سيما في هذه الآونة التي أخفقت فيها جميع الشعارات، وأصبحت لا تمثل الهداية، ولا تمثل السعادة لمعتنقيها، بل لا يمثل السعادة على الحقيقة والهداية لخيري الدنيا والآخرة إلا هذا الكتاب الكريم الذي نزل من عند رب العالمين الذي هو أعلم بمصالح الناس، وأعلم بما يصلح لهم في أمور المعاش والمعاد قال سبحانه وتعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فالله عز وجل خلق خلقه، واعتنى بهم جل وعلا، خلقهم في أحسن تقويم، وكرمهم أحسن تكريم قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] ويقول سبحانه وتعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8] ويقول جل وعلا: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:13].

    فكل ما في الخليقة، وكل ما في الكون في الأرض، والبحر، والجو، والسماء؛ مسخر لخدمة بني آدم، فالله عز وجل خلقنا ورزقنا، وأنعم علينا بالنعم ما ظهر منها وما بطن، وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، كل ذلك منَّةٌ علينا، وكل ذلك نعمةٌ من الله جل وعلا علينا، فالواجب على العباد أن يشكروا الله، من الذي خلقنا ورزقنا وكلأنا ورعانا وحفظنا بالليل والنهار؟ قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] من الذي فعل ذلك إلا الله عز وجل؟! من الذي أنعم على العباد بنعم الإيمان والأمن والاطمئنان؟! وغيرهم يخافون، وغيرهم يصابون بالاضطراب، وغيرهم يصابون بالفيضانات والأعاصير والكوارث والحوادث، من الذي حفظهم إلا الله؟!

    فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ


    ولله في كل تحريكـةٍ وتسكينةٍ أبداً شاهدُ


    وفي كل شيءٍ له أيةٌ تدل على أنه واحدُ


    سبحان الله ما أكرمه وأعظمه! ما أحلمه وألطفه! سبحانه ما عبدناه حق عبادته، ينعم علينا؛ فلا نشكر نعم الله عز وجل على الحقيقة، ونخطئ ونذنب؛ فيسترنا ويغفر لنا ذنوبنا قال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    فالحاصل أن حاجة العباد إلى الله، وضرورة التجائهم إلى الله أعظم من ضرورتهم للطعام والشراب والكساء والهواء والدواء، لأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، من الذي ينفع إذا حصل الضر، وحصلت الكروب والكوارث والحوادث؟! لا يستطيع الناس أن يدفعوا عنك ضرراً، أو يجلبوا لك نفعاً، وإنما يملك ذلك الله وحده جل وعلا. وأما غيره فيقول تعالى فيهم: وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] ويقول تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]

    لقد ضل أقوامٌ ألحدوا، وضل أقوامٌ أشركوا، وضل أقوامٌ كفروا، وضل أقوامٌ انحرفوا عن دين الله عز وجل، لقد ذاقوا وتجرعوا تعاسة الدنيا قبل عذاب الآخرة عافانا الله وإياكم.

    فيا أيها الإخوة الكرام! إن الحديث في ظلال القرآن حديث له أهمية، ينبغي على أمة الإسلام أن ترتبط بكتاب الله عز وجل دائماً وأبداً قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].



    أعلى الصفحة



    ثلاث قضايا اشتملت عليها الآية



    ونحن في هذه الجلسة المباركة نتأمل في آية من آيات كتاب الله، وقد أحسن الإخوة الكرام حين اختاروا هذا العنوان الطيب المبارك، واختاروا الحديث ليكون منبثقاً من عبق كتاب الله، ومن نمير كتاب الله عز وجل، نرتوي من نميره، ونُشفى من عللنا وأدوائنا وأمراضنا وقسوة قلوبنا من كتاب ربنا تبارك وتعالى، ولا غرو فقد قال الله عز وجل: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44] وقال جل جلاله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58] والله إن هذا اللقاء الطيب المبارك -الذي نسأل الله أن يكتبه في موازين الجميع- لهو خيرٌ من الدنيا وما عليها؛ لأن صلة الإنسان بالله وارتباطه بالله، وجلوسه في مجلس تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، ويذكر الله الحاضرين في الملأ الأعلى فيمن عنده، لهو خيرٌ من الدنيا وما فيها، فنسأل الله الإخلاص في الحضور، وفي الاستماع، والانتفاع إنه جوادٌ كريم.

    يقول الله عز وجل في الآية الأخيرة من سورة الحجر: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] هذه آية عظيمة من كتاب الله عز وجل، لها دلالاتها العظيمة، ولها أهميتها الكبيرة، لأنها تشتمل في نظري وتدور على ثلاث قضايا رئيسية:

    القضية الأولى: قضية العبودية.

    القضية الثانية: قضية الوحدانية والربوبية.

    القضية الثالثة: القضية المصيرية التي كلنا قادمون عليها ألا وهي الموت.

    فهذه الثلاث القضايا الجوهرية يدور عليها رحى هذه الحياة، وتدور عليها متطلبات الناس في هذه الحياة، وما ينبغي عليهم في هذه الدنيا، العبادة: ( وَاعْبُدْ ) ، الربوبية: ( رَبَّكَ ) الغاية التي تنتهي من أجلها وأساسها هذه الرسالة، وهي تحقيق العبودية لله، وهي قضية الموت ( حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ).



    أعلى الصفحة


    قضية العبودية




    العبادة في لغة العرب: الذل والخضوع، يقال: طريق معبد، أي: مذللٌ قد وطأته الأقدام.

    والعبادة في الاصطلاح- كما نعلم جميعاً-: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وقد عرف ذلك التعريف جمعٌ من أهل العلم منهم شيخ الإسلام/ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمة الله عليه في كتاب جيد نفيس أنصح بقراءته اسمه" العبودية " بين فيه رحمه الله ما يجب على العباد تجاه خالقهم، لأن الله سبحانه وتعالى-كما نعلم- خلقنا في هذه الحياة لا ليستكثر بنا من قلة، ولا ليستقوي بنا من ضعف، ولا ليتعزز بنا من ذلة، حاشاه سبحانه فهو الغني عن خلقه يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].

    فالعبادة أمرٌ أوجبه الله عز وجل، بل هي الغاية من خلقنا، لم نخلق لنأكل، ولم نخلق لنتمتع في هذه الحياة، لم نخلق لنشرب، ولنركب، ولنتمتع بالشهوات، كما يفهم الشهوانيون الماديون، وإنما خلقنا لأمر عظيم، خلقنا لرسالة سامية لواجب كبير ألا وهو تحقيق العبادة لله، ففي هذه الآية أمر من الله عز وجل لرسوله وحبيبه محمد بن عبد الله بالعبادة وَاعْبُدْ رَبَّكَ [الحجر:99] وهذا أمر، والأمر للوجوب، وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم وتدخل فيه أمته؛ لأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته ما لم يرد دليل على تخصيصه عليه الصلاة والسلام كما هو مقررٌ عند الأصوليين.



    مكانة العبادة



    العبادة أمر واجب، ليست أمراً اختياراً، وليست أمراً يعاد فيه إلى رغبة الإنسان، بل على الإنسان أن يقوم بتحقيق العبادة لله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذه الغاية التي خلقنا من أجلها يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] من هو؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ [البقرة:21-22] هذا هو الله! فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] يخلقكم ويرزقكم ويسخر لكم هذه النعم، فتحادونه، وتعبدون معه غيره! فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22].

    فواجب العباد أن يقوموا بالعبودية لله سبحانه وتعالى، والعبودية -أيها الإخوة الكرام- وسام عزِّ، وتاج شرف، هي في الحقيقة أغلى والله من كل متاع هذه الحياة، ولهذا لما كانت أشرف وسام، كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق ينادى بأشرف نداء وهو نداء العبودية لله قال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19] وقال سبحانه وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1] نعم هذا هو الوسام العظيم الذي ينبغي أن نتشرف بحمله في عبوديتنا لله عز وجل، وفي ذلك العز لنا والسعادة، والخيرية لنا في الدنيا والآخرة، ولهذا الذين يدَّعون أنهم يرفعون شرف النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته بالتشييد وغيره هم في الحقيقة أخطئوا ما هو أهم من هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ناداه ربه بأشرف نداء وهو نداء العبودية لله.

    ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا


    دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا




    أعلى الصفحة



    العبادة حياة للأرواح



    العبادة نعمةٌ لا يحس بها إلا من حرمها، اسألوا الماديين، واسألوا الذين ذاقوا من متع هذه الحياة وشهواتها ما ذاقوا، ركبوا ما ركبوا، ولبسوا ما لبسوا، وتمتعوا بكل أمور هذه الحياة؛ ولكن كما قال الله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] ثم ماذا؟ إن لم يتربع الإيمان في سويداء قلوب الناس، وإن لم يشرفوا بالإيمان والعبودية لله الواحد الأحد، وإن لم يصلوا له عز وجل، ويتصلوا به في كل يوم وليلة خمس مرات، فإن ذلك معناه قضاء على الحياة الحقيقية، قضاء على الحياة التي لا تكون إلا بحياة الروح، وحياة الفكر حياة الإيمان، وحياة العقيدة.

    من هم الناس بدون الإيمان؟!

    ومن هم الناس بدون العقيدة؟!

    ومن هم الناس بدون العبادة لله عز وجل؟!

    وحوش في غابة، أو بهائم في زريبة، بينما إذا كانوا مؤمنين موحدين حقاً يتحلون بحلية الإيمان، يلتزمون تعاليم الإسلام، يطبقون في أنفسهم أعظم نظام عرفته البشرية، ولن تعرف أحسن منه إلى قيام الساعة، ولهذا ينبغي أن نعلم أن المخدوعين المنهزمين الذين ابتلوا بعقدة التأثر بأعداء الإسلام، ويطالبون أمة الإسلام بالتخلي عن هذا الدين، إنما هم أعداءٌ لنا في عقيدتنا، وأعداءٌ لنا في ديننا، وأنهم في الحقيقة يريدون تعاستنا، وأنهم حسدونا على ما نحن فيه من إيمان، وعلى ما نحن فيه من إسلام، فلن يكون عزٌ لهذه الأمة، ولا نصرٌ، ولا توفيقٌ، ولا سعادةٌ، ولا هدايةٌ في أمور الدين والدنيا إلا بتحقيق الإسلام، وهذه حقيقة مثبتةٌ في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس في قلوبنا مثقال ذرة من الشك في هذا، بل كلنا يقين، وكلنا اعتقاد إلا أننا نخشى أن يتأثر بعض أبناء المسلمين بهذه الدعاوى الجوفاء التي يطلقها إما بأقلامٍ، أو بأصوات بين الفينة والأخرى أناسٌ حاقدون على الإسلام، وإن تسموا باسم الإسلام، وأناسٌ منبهرون بأعداء الإسلام، وأناسٌ أُشربت قلوبهم والعياذ بالله بالعاجلة، وآثروها على الآجلة.

    ثبتنا الله وإياكم على طاعته، وهداهم إلى الحق، فإن نعمة الهداية لهذا الدين لا يحس بها إلا من حرمها الذين ينادون اليوم بالرجوع إلى الإسلام، والذين جربوا كل شرٍ وفتنةٍ ورذيلةٍ، ذاقوا من متع هذه الحياة ما ذاقوا، وانغمسوا في الشهوات ما انغمسوا، ثم ماذا؟ يحسون بفراغ! يحسون بنقص! ما حصل الاكتئاب والقلق والاضطراب والتوتر وكثر الأطباء النفسيون إلا لما ضعف الإيمان في النفوس، ولما ضعفت العبادة وتحقيقها في نفوس أهل الإسلام وفي نفوس الناس جميعاً.

    ولهذا المجتمعات الإسلامية التي طبقت الإسلام هي من أقل الناس أمراضاً وأوبئةً، ومن أقلها جرائم، ومن أسعدها حياةً، ونحن ولله الحمد والمنة في هذه البلاد من باب التحدث بنعم الله ننعم بهذه النعمة، ونحس طعم الإيمان في الحقيقة، ونحس الحياة السعيدة التي هي حياة الكتاب والسنة، ولكننا مع كل ذلك على خطر، أعداءٌ حاقدون، وأمورٌ يريد أعداء الإسلام تحقيقها حسداً من عند أنفسهم، ولكن أملنا في الله عز وجل، ثم في يقظة أبنائنا وإخواننا أبناء العقيدة الذين تربوا عليها لا يمكن أن يتنازلوا عنها يوماً ما؛ لأنهم جربوها، وأصبحوا ولله الحمد والمنة دعاةً لله، وأصبحت وبفضل الله ترى في كل مكان، وفي كل ثغر من الثغور، وفي كل بقعة من البقاع من يصدع بهذه العقيدة، ومن يدعو بهذه الدعوة، ومن يتمثل هذا الإسلام تمثلاً حقيقياً، وهذا من بشائر دين الله، ومن بشائر نصرة دين الله.

    وهنا أطمئن الجميع أن الذين يأسون على مستقبل المسلمين، وعلى أوضاع المسلمين، ويطلقون الآهات تلو الآهات على ما وصل إليه واقع الأمة المتردي عليهم ألا ييأسوا من روح الله، وعليهم أن يبشروا ويتفاءلوا، فالله عز وجل ناصرٌ دينه، والناظر في تاريخ المسلمين، وفي تاريخ الأمم يجد أن الأمم مهما بعدت عن دين الله عز وجل، فإن الله بلطفه وكرمه ومنته يخرج منها طائفة في كل مكان تصدع بهذا الدين، وتقوم به، وتمتثل أمره حتى في البلاد التي تقول: لا إله، أصبحت اليوم تسمع لا إله إلا الله، وينطلق الأذان مدوياً عبر مآذنها، لما سقطت جميع الشعارات التي أثبتت إفلاسها، ولم تقدم السعادة للبشرية، ولم تحقق الحياة الإنسانية كما يقولون، فالحياة الإنسانية الكريمة حياة الطهر والعفاف والمبادئ والقيم والأخلاق لا تتحقق إلا في ظل الإسلام، أما إذا قصد بالحياة الإنسانية حياة العهر والخنا والرذيلة، فهذه في الحقيقة حياة بهيمية أكرمنا الإسلام أن نقع في حضيضها وفي مستنقعاتها.



    أعلى الصفحة



    عدم اقتصار العبادة على الشعارات أو الشعائر



    أيها الإخوة: عبادتنا لله عز وجل وسام شرف نحمله في أعناقنا وفي صدورنا ينبغي ألا نفرط فيه، ولا يفوتني أن أنبه أن العبادة التي يأمرنا الله عز وجل بها في هذه الآية وفي غيرها من آيات كتاب الله العزيز ليست مقصورة على الشعارات أو الشعائر، إنها ليست مقصورة على الشعائر التعبدية التي جاء بها الإسلام، وإن كانت في الحقيقة هي جزٌ كبيرٌ في العبادة، ولكن ليست هي العبادة، وإنما هي جزءٌ منها، ولهذا عرف أهل الإسلام العبادة بأنها: اسمٌ جامعٌ -معناها: واسع- لكل ما يحبه الله ويرضاه من قول أو فعل فإنه داخلٌ ضمن هذه العبادة سواء كان ظاهراً من الأعمال التي يراها الناس وتفعل، أو من الأمور الباطنة الأمور القلبية التي لا يعلمها إلا الله جل وعلا.

    وبهذه المناسبة أنبه الإخوة العاملين في كل مجال من مجالات الحياة الذين يعملون الأعمال المادية، الذين يعملون في هذا الثغر مثلاً في الخطوط السعودية، أو غيرها من الأعمال في قيامهم بخدمة إخوانهم المسافرين، في قيامهم بأعمالهم هذه إعفافاً لأنفسهم، وبحثاً عن لقمة العيش، وسداداً لأسرهم ومن يعولون أنهم في عبادة إذا أخلصوا النية لله، المزارع في عبادة لله عز وجل إذا غرس وبذر وحصد إخلاصاً لله عز وجل وتقويةً على العبادة، وإقامةً لجسده، وسداً لحاجة أسرته وحاجته {إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس } فالإنسان في عبادة في أي عمل عمله، الموظف في وظيفته، والتاجر في متجره، وكل إنسان في عمله متى ما أخلص النية لله -وهذا شرط مهم- واحتسب الأجر عند الله، وأخذ من هذه الوظيفة عوناً له على عبادة الله، وسداداً له وقياماً له بحاجاته وحاجات أسرته، فإنه في عبادةٍ يؤجر عليها، لم أقل هذا أنا، وإنما قاله المعصوم عليه الصلاة والسلام حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا وسيدنا بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، يقول: {وفي بضع أحدكم صدقة } حتى معاشرة الرجل لأهله وزوجته يؤجر، وهي صدقة يتصدق بها على نفسه، وعلى زوجه، الصحابة رضي الله عنهم عجبوا من هذا، فقالوا: {يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! } هذه الشهوة والغريزة التي ركبت في الإنسان لا غنى له من إخراجها في طريق الحلال، أو في طريق الحرام والعياذ بالله ولكن طريق الحرام مغلق، فتصرف في طريق الحلال لا غنى له عن ذلك يؤجر على ذلك قال: {أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر }.

    فهذه العبادة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقامت بها أمته من بعده، ويجب على الأمة الإسلامية أن تقوم بها خير قيام في كل أمورها في أمور الأعمال، وفي أمورها الوظيفية، وفي أمورها الأسرية، وفي أمور البيت والأسرة، وفي غير ذلك من الأعمال التي يقوم بها كل إنسان عليه أن يعلم أنه في عبادة إذا أحسن النية وأخلصها لله جل وعلا، كذلك الأقوال التي يكون فيها دلالة على الخير، أو فيها كلام مباح، أو فيها سؤال عن الحال، أو فيها انشغال عن المحرمات كل ذلك يؤجر عليه الإنسان، لكن لا يفوتنا أن نستصحب إخلاص النية والاحتساب للأجر من الله جل وعلا، هذه هي القضية الأولى التي شملتها هذه الآية، وهي قضية العبادة.



    أعلى الصفحة



    تحقيق العبودية معيار للعزة



    العبادة أيها الإخوة الكرام! معناها -كما سمعنا وكما علمنا- واسع وجامع، يدخل فيها كل قول، وكل عمل، وكل فعل، وكل خلق، وكل سلوك، وكل أمر يعمله الإنسان، أو يقوله، أو يتلفظ به، أو يقوم به ابتغاء وجه الله فيما يحبه الله ويرضاه، وهذا أمر مهم من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والكلام في هذا في الحقيقة يطول، ويستحق محاضرة كاملة، لكني أنبه على أهمية هذا الأمر، وأنبه أيضاً على أن شرف الإنسان ومكانته إنما هو في الحقيقة بقيامه بعبادة الله، بقيامه بطاعة الله جل وعلا في كل أمر شرعه الله سبحانه وتعالى، فليست الكرامة، وليست العزة، وليست السعادة هي في أمور هذه الحياة، المناصب تزول، المراكب، المشتهيات، المطعومات، المشروبات، كلها عرضٌ زائلٌ، فلا يبقى إلا القيام بالعبادة لله جل وعلا، القيام بالأعمال الصالحة، فالله عز وجل هو الذي خلقك، ربط جل وعلا بين الخلق والأمر كما قال سبحانه وتعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] فينبغي على العبد أن يقوم بعبادة الله عز وجل، فالذي خلقك ورزقك وأنعم عليك بهذه النعم هو الذي أمرك بما في كتاب الله، وما في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، عليك أن تقوم بتحقيق هذه الأوامر، وما تحقيق هذه الأوامر إلا لسعادتك، ولصلاحك، ولسعادتك في الدنيا وفي الآخرة.



    أعلى الصفحة



    العبادة والعقيدة



    أهم العبادات التي يقوم العبد بها في جانب العقائد: جانب الوحدانية لله، جانب الألوهية لله عز وجل، تأليه الله سبحانه وتعالى، بمعنى أن كل أمر يجب أن يكون لله، العبادة لله، الذبح لله، الخوف من الله، النذر لله، التوكل على الله، والاستعانة والاستغاثة والرجاء والخوف كله بالله ومن الله جل وعلا، هكذا يجب أن يقوم العباد، فالمحقق للعبادة لا يخاف إلا الله؛ لأنه يعلم أن أجله وأن رزقه مقسوم، والله عز وجل هو الذي كتبه، وهو الذي يملك له الحياة، وهو الذي يملك له الموت، فلا يستطيع أحد في هذه الدنيا كائناً من كان أن يقدم من أجلك دقيقة، أو يؤخر دقيقة، أو يعطيك رزقاً منعك الله إياه، أو يجلب لك رزقاً منعك الله إياه، أو يحرم رزقك الذي أعطاك الله إياه وساقه إليك.

    فهذه العقيدة ينبغي أن تصطبغ في حياتنا، وفي أمورنا العامة، وفي أمورنا العملية، فليست العقيدة قضايا نظرية فقط، وإنما هي في الحقيقة ينبغي أن تتفاعل وأن تتحول إلى سلوك في حياة الناس، وهذا أمر مهم ينبغي ألا نغيب عنه أبداً، وألا يغيب عن أمورنا.

    فليس من العبادة، وليس من العقيدة أيضاً أنك تجعل للعبادة موسماً، أو وقتاً، أو مكاناً، ثم بعد ذلك تترك العبادة، فكما يقول بعض الناس، أو يتصور أن العبادة في المساجد، وأن العبادة في رمضان، أو أن العبادة في أشهر الحج، أو في موسم الحج، أو ما إلى ذلك من المناسبات الشرعية كما يقولون، هذا في الحقيقة قصور، وهذا في الحقيقة من الغزو الذي بلينا به، والذي حصل عند كثير من أبناء المسلمين لما عطلوا فهمهم لشعائر دينهم كما ينبغي، ولهذا في الطائرة مثلاً، في البر، أو العمل، أو الوظيفة لا تطالبنا بعبادة، لا تطالبنا بحلال وحرام كما يقول بعض الناس، سبحان الله! أدين الله في أماكن، ثم نعصي الله عز وجل في كثير من الأماكن، سبحان الله! هذا قصور في الفهم في أمور الدين، فأمور ديننا ينبغي أن تكون في كل أمورنا والإسلام نظام شامل لم يترك مجالاً من مجالات الحياة إلا كفله ونظمه وأصلحه ووضعه قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] ولهذا ينبغي أن نصطبغ بصبغة الإسلام، وصبغة العبودية لله أينما كنا {اتق الله حيثما كنت } في البر، في البحر، في الجو، في الوظيفة، في العمل، في البيت، في السوق، في الأسرة، في أمور الأموال، في أمور المعاملات، في البيع والشراء، في الأخلاق، في السلوك، في التعامل ينبغي أن نفهم الإسلام على أنه دين شامل، وعلى أن العبودية أمر واجب في كل مجال من المجالات التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف.

    أيها الإخوة الكرام! هذا هو الجانب الأول، وتلك هي القضية الأولى التي هي قضية العبودية لله جل وعلا.



    أعلى الصفحة


    قضية الوحدانية




    قضية الربوبية وَاعْبُدْ رَبَّكَ [الحجر:99] هذا فيه تجريد العبادة لله عز وجل، العبادة ذلك الشرف العظيم الذي أمرنا به، والذي خلقنا الله عز وجل لتحقيقه ينبغي أن تكون لله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل الخالق الرازق، المنعم المتفضل، المحيي المميت الذي بيده أزمة الأمور كلها، مالك النفع والضر سبحانه وتعالى، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، هو الله عز وجل الذي ينبغي أن يعبد، هو سبحانه وتعالى الذي ينبغي أن يوحد قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ [الحجر:99] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] فالعبادة محض حق الله سبحانه وتعالى، فالربوبية مجالها عظيم، وهي إفراد الله عز وجل بأفعاله هو بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والنفع والضر، فلا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، وينبني على ذلك قضية الألوهية التي هي قضية أنه مادام أيقنا واعتقدنا وآمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق، فيجب علينا أن نوحده، ويجب علينا أن نعبده حق عبادته، ينبغي علينا أن نفوض الأمور كلها إليه.

    ولهذا لا يجوز للناس أن يلتفتوا إلى غير الله، لا ملجأ من الله إلا إليه، المخلوق الضعيف مشغولٌ بنفسه، عاجزٌ عن إدراك مصالحه حتى يحقق مصالح غيره، ينبغي أن نلتجئ إلى من بيده قلوب الناس جميعاً فلا نلتجئ ولا نستعين بمخلوق ضعيف مثلنا، بل نلتجئ إلى الله الخالق الرازق القادر جل وعلا، والإنس والجن يعجزون، الإنس والجن لا يستطيعون دفع ضرر، أو جلب نفع، ولا يملك ذلك إلا الله جل وعلا وحده، فينبغي أن تكون عقيدتنا وإيماننا مبدؤنا وثقتنا بالله عز وجل فوق كل شيء، وهذا في الحقيقة هو ما يميز أهل الإسلام، لما جعلت الجاهليات المعاصرة والحديثة من الإنسان، إما حيواناً ناطقاً، أو حيواناً صامتاً كما في النظرية الداروينية الجاهلية الإلحادية، ولما وضعت الأديان المحرفة من الإنسان مكبلاً بالخطيئة الموروثة التي فعلها آدم لما كان سبباً في هبوطه من الجنة إلى الأرض، وكان الإنسان عندهم مكبلاً بالأحزان والأوهام والخيالات والضلالات، أعز الله الإنسان وشرفه، وأعلمه قدره ومكانته، ورزقه من الطيبات، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.

    إذاً: فالله عز وجل الذي خلقنا ورزقنا فلماذا نلتجئ إلى جمادات، أو إلى بشر ضعاف لا يستطيعون جلب نفع، أو دفع ضر، من الذي يملك الخير للناس ودفع الشر عنهم إلا الله، لما أصيبت الأمة بالحوادث والكوارث، لم يكن مخلصاً منها إلا الله عز وجل وحده قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17] وقال سبحانه وتعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ [يونس:107] فالوحدانية لله والربوبية لله، فينبغي أن تكون هاتان القضيتان من القضايا المهمة في حياة المسلمين، وينبغي ألا تشغله قضايا المال، وقضايا الأعمال، وقضايا الوظيفة عن تحقيق هذا الأمر، فإيقاننا واعتقادنا ويقيننا بالله عز وجل وإيماننا به يبعث فينا الضمير الذي يراقبه جل وعلا في كل لحظة، ولهذا أمر الإخلاص لله، وأمر أداء الأمانة، والقيام بالمسئوليات على الوجه الشرعي كما يريد الله، وكما أمر الله عز وجل هذه قضية لا يقوم بها إلا من حققوا الإيمان، ولهذا لو علمت الجاهليات وعلمت النظم الأرضية اليوم ما يفعل الإسلام في تحقيق الرقابة الذاتية، وفي تكوين الشعور والإيمان الذي يجعله يراقب الله عز وجل، ويبعثه على مراقبة الله عز وجل، ويعتقد أن الله سيحاسبه، لو علمت ذلك، لربت شعوبها على الإيمان، فإذا أوجدنا الجيل المؤمن والفرد المؤمن، كسبنا القيام بأعمالنا على الوجه الصحيح؛ لأننا نطمئن أن صاحب الإيمان سيراقب الله.

    وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعيةٌ إلى الطغيان


    فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني


    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب


    ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تخفي عليه يغيب


    أفيظن أصحاب المعاصي، وأصحاب الانحرافات، والذين يخلون بما حرم الله عز وجل من سماع محرم، ومن نظر محرم، ومن قراءة محرمة، ومن ممارسة محرمة في أفعال وأقوال أبعدت القلوب عن خالقها وبارئها ورازقها، أفيظنون أن الله لا يراهم، ولا يطلع عليهم، ولا يراقبهم؟! قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    ينبغي أن نُكَون هذا الشعور في نفوسنا، وأن نعلم أن رقابة الله عز وجل ينبغي أن تكون شعاراً لنا وديدناً لنا في كل عمل نقوم به، وفي كل لفظ نتلفظه، لو وجد الجيل المراقب لله، لما وجدت من يعصي الله، لما وجدت من يخل بالعمل، لما وجدت من يقع في الظلم والغش والتزوير والتدليس، لما رأيت من يواقع معصية، لما رأيت امرأة تخالف شرع الله وتقع فيما حرم الله عز وجل، لما رأيت رجلاً يقع في أي أمر حرمه الله عليه.


    الموت ونهاية العبادة




    أمر الرقابة، وأمر العبادة، وأمر الوحدانية لله ينبغي علينا جميعاً أن نحققه، ولكن هل نحققه في يوم، أو في شهر، أو في لحظات معينة، أو في مواسم نأتي بها من عند أنفسنا؟ ما هي الغاية؟

    لقد أفصحت عنها الآية الكريمة: حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وهذا يبين أن عبادة الإنسان لله، وقيامه بالواجب عليه ليس محدوداً بحد، ولا مغيئاً بغاية، لا يحول عن العبادة، ولا الطاعة، ولا القيام بأمر الله عز وجل إلا الموت، إلا مغادرة هذه الحياة، والموت تلك الحقيقة المرة القاسية التي هي في الحقيقة ثقيلة على نفوس الناس، ولا يريدها الناس بفطرهم، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57] حقيقة كتبها الله على الناس جميعاً، يموت الأغنياء، ويموت الفقراء، ويموت الأقوياء، ويموت الضعفاء، يموت الملوك وغير الملوك، يموت المسئول وغير المسئول، يموت الكبير والصغير والذكر والأنثى، إذاً هذه نهاية كل الناس داخلها.

    الموت كأس وكل الناس شاربه والقبر بابٌ وكل الناس داخله




    معنى اليقين في الآية



    السؤال الذي نسأله: ثم ماذا بعد ذلك؟

    أيقنا أن هذه حقيقة ينبغي ألا تغيب عنا وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] واليقين كما فسره أهل العلم وأهل التفسير: الموت، كما فسر ذلك فيما نقل البخاري عدد من الصحابة رضي الله عنهم وعدد من التابعين كـقتادة والحسن وعكرمة ومجاهد وسالم وغيرهم أن اليقين هو الموت، وقد دل على ذلك في كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل عن أهل النار عافانا الله وإياكم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46] هذه حال أهل النار والعياذ بالله لا يصلون، لا يؤدون الزكاة، يقعون فيما حرم الله عز وجل، يكذبون بيوم الدين، لا يبالون بالبعث والنشور، لا يستعدون للقاء الله، ألهتهم هذه الحياة بمغرياتها ومادياتها وشهواتها.

    فينبغي علينا أيها الإخوة! أن ننتبه لهذه الأمور، قال الله تعالى: حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:47] فاليقين هنا الموت كما في آية الحجر التي معنا.

    وقد جاءت السنة أيضاً في بيان أن اليقين الموت، عندما دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عثمان بن مظعون وقد مات، قال: {أما هو فقد أتاه اليقين، ولكني أرجو الله له الخير } فنبه على أن اليقين هنا هو الموت، وهنا لطيفة: أن اليقين هنا هو الموت خلافاً لما عليه بعض أهل الإلحاد الذين يقولون: إن اليقين هو المعرفة، يقولون: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] ما هو اليقين عندكم؟ قالوا: المعرفة، تتدرج في سلم المعرفة حتى تعرف الله -كما يقولون- وحتى تصل إلى درجة تسقط عنك فيها التكاليف، وحتى تصل إلى درجة والعياذ بالله يكون العبد فيها معبوداً والمعبود عابداً والعياذ بالله كما قالوا:

    العبد ربٌ والرب عبدٌ يا ليت شعري من المكلف


    إن قلت عبدٌ فذاك ربٌ أو قلت ربٌ أنى يكلف


    حمقٌ وجهلٌ وسفسطةٌ وفلسفة خلاف دين الله عز وجل، وما على ذلك من غلاة المتصوفة الذين يرون أن اليقين هنا هو المعرفة، أو أن الإنسان يعبد الله يصلي حتى يصل إلى درجة معينة، ثم تسقط عنه التكاليف، فهذه الآية ردٌ عليهم، وهذه الآيات والأحاديث تدل على أن عبادة الإنسان وطاعته تجب عليه ما دام عقله معه، وما دام يعيش على هذه البسيطة يجب عليه أن يقوم بعبادة الله، وليس معنى ذلك -كما قلت يا إخوان- أن ندخل المسجد فلا نخرج منه، أو أن نمسك المصاحف فلا نتركها، لا. بل نفهم العبادة، ونفهم الدين على أنه مجالٌ واسعٌ في كل مجال من المجالات حتى الأعمال الوظيفية يخلص فيها العبد النية لله عز وجل، فتندرج ضمن العبادات، وهذا أمرٌ ينبغي أن نتنبه له.



    أعلى الصفحة



    الموت والاتعاظ به



    الموت تلك الحقيقة التي نغفل عنها لما كبلنا بالماديات والأعمال والشهوات والوظائف والمناصب والكراسي، فأصبح بعض الناس يغفل، أما يفكر أين أبوه؟ أين أجداده؟ أين الناس الذين قبله؟

    أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجان


    وأين ما شاده شداد في إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان


    أتى على الكل أمرٌ لا مرد لـه حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا


    فإذاً علينا أن نستعد لهذه القضية ولهذه الحقيقة التي نحن قادمون عليها، ولكن ماذا بعد الموت أيها الإخوة؟

    الموت باب وكل الناس داخله فليت شعري بعد الموت ما الدار؟!


    الدار دار نعيمٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار


    فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي


    ولكنا إذا متنا بعثنـا ونسأل بعده عن كل شيء


    {لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه } هذه أسئلةٌ ينبغي أن نعد لها جواباً، وينبغي علينا أيها الإخوة ألا نطيل الأمل [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ]] هذه الدنيا إن أسعدتنا قليلاً بهذه الشهوات فإنها لن تدوم، هذه الشهوات لن تدوم، هذه الماديات لن تدوم، إما تنتقل عنا، أو ننتقل عنها، فينبغي علينا أن نعتبر، وأن نعد العدة لما بعد هذه الحقيقة التي سنقدم عليها، وأن يكون عند الإنسان إحساسٌ بها، وقد غفلنا عنها، والله لما أهملنا الصلوات الخمس مع الجماعة، ولما أذن المؤذن ونحن سادرون وغافلون ومنهمكون في دنيانا، غفلنا عنها لما ضيعنا أبناءنا وأسرنا، كثير من أبناء المسلمين وقعوا فيما حرم الله، بدل أن يعرفوا طريق المساجد عرفوا طريق قرناء السوء، المسكرات، المخدرات، المشكلات، المصائب التي جرت عليهم وعلى مجتمعاتهم فساداً عريضاً.



    أعلى الصفحة



    الاستعداد للموت



    يجب علينا أن نستعد لهذه الحقيقة يا من قصرنا في معاملاتنا، أكلنا الربا، وتساهلنا في الرشوة، ووقع بعضنا في الخيانة، يجب علينا أن نستعد لهذه الحقيقة يا من بخلت بزكاة مالك، ويا من ضيعت عمرك ووقتك عبر محرم من المحرمات أغنيات ماجنة، أو منظر محرم، أو فيلم يذكي فيك الغريزة، ويبعدك عن ربك، ألم تعلم أن أوقاتك محسوبة عليك، وأن ساعاتك مدونة عليك، وأن الله سائلك عن كل دقيقة؟ الوقت يمر، الوقت يمضي، فعليك أن تتزود من محطة من المحطات التي ينبغي أن تتزود فيها من الأعمال الصالحة، لا يمر علينا العمر هكذا، لا تمر علينا هذه الأعمار نمسي ونصبح ونحن في عجلة من الزمن لا ندري إلى أين نحن صائرون، ألا نعتبر بما يقع من الحوادث والكوارث عند الناس، نسمع هكذا أن فلاناً مات، وأن فلاناً انتقل من هذه الحياة، ألا نصور أنفسنا مكانهم؟! ثم نعلم أننا محشورون، وقائمون أمام الله عز وجل في موقف عظيم، وقبله موصدون وموضوعون في حفرة ضيقة لا أنيس فيها إلا العمل الصالح، هل سأل الإنسان نفسه هذه الأسئلة؟ فإن ذلك يدفعه إلى العمل الصالح أن يقول خيراً، أن يحب الخير للناس، أن يطهر قلبه من الأحقاد والضغائن والحسد والغيبة والنميمة، أن تتقي المرأة ربها، فتلتزم بحجابها وعفافها وحيائها وحشمتها، وبعدها عن الاختلاط بالرجال وإبداء الزينة أمامهم، كل هذه أمورٌ ينبغي أن نستعد بها وفيها أمام ربنا جل وعلا.

    هذه القضايا الثلاث أيها الإخوة الكرام: قضية العبادة ، وقضية الوحدانية والربوبية، وقضية الموت والنهاية، كل تلك قضايا تضمنتها هذه الآية العظيمة، وهي آية كريمة ينبغي أن نقف عندها طويلاً، وأن نعرض أنفسنا وأعمالنا وأقوالنا عليها، وأن ننظر في أنفسنا، وأن نحاسبها: هل نحن حققنا هذه الأمور أم نحن قصرنا فيها؟

    وحري بالعبد وعلى من علم عظمة الله، وعلم قدرة الله، وعلم واجبه تجاه ربه جل وعلا، وشكر نعمة الله عليه الذي خلقه ورزقه وحباه وكلأه وهيأ له النعم؛ أن يقوم في هذه الأيام بعبادة الله، فإن العمر قصير، آجالٌ محدودة، وأنفاس معدودة، أجل مقسوم، ووقت محسوم، ثم بعد ذلك سؤالٌ وحشرٌ ونشرٌ وجنةٌ أو نارٌ، عذاب ٌلا نعيم بعده، أو نعيمٌ لا عذاب بعده.

    نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن حقق هذه الأمور كلها بمنِّه وكرمه، كما نسأله تعالى بأسمائه الحسنى أن يرزقنا حسن عبادته، وأن يرزقنا القيام بها على الوجه المطلوب، كما نسأله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وإسرافنا في أمرنا، وأن يتوب علينا إنه جوادٌ كريم، كما نسأله تعالى أن يوفقنا للاستعداد للقائه، وأن يحسن خاتمتنا وعاقبتنا، وأن يصلح فساد قلوبنا وأعمالنا إنه جوادٌ كريم، ونسأله تعالى أن يجمعنا بكم دائماً وأبداً على طريق الخير والحق والإرشاد والتذكير، والتعاون على البر والتقوى، ونسأله تعالى أن يجمعنا بكم في دار كرامته كما جمعنا بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك.

    شكر الله لكم حضوركم وإنصاتكم، وبارك الله فيكم، وشكر الله لإخواننا المسئولين في الخطوط السعودية الذين أتاحوا لي هذا اللقاء الطيب المبارك، والذين ترك بعضهم أعماله، وأتى وشرفنا في هذا اللقاء الأخوي، شكر الله للجميع، وجعل ذلك في موازين الأعمال، وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.



    أعلى الصفحة


    الأسئلة



    .



    السبيل إلى مجاهدة النفس



    السؤال: ما هو السبيل إلى مجاهدة النفس، وإخلاص النية في جميع الأقوال والأفعال؟ وجزاكم الله خير الجزاء على إجابة هذا السؤال؟

    الجواب: أحمد الله تعالى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    لا شك أن هذه الطرق الثلاث، أو هذه القضايا الثلاث الرئيسية التي ذكرناها ضمن الحديث تحتاج إلى مجاهدة، وتحتاج إلى عمل؛ لأن هناك أعداء يريدون إشغالنا عما خلقنا له.

    إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي


    فشياطين الإنس والجن مع النفس الأمارة بالسوء والهوى كل هؤلاء حريصون على إضلالنا وإبعادنا، وأن نكون معهم في نار جهنم والعياذ بالله! كما حرص الشيطان الرجيم -أعاذنا الله منه- على إغواء بني آدم، وأنه سيأتيهم من أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم إلى آخر ما ذكر الله عز وجل عنه، فينبغي على العبد أن يجاهد نفسه، وطرق مجاهدة النفس تأتي ضمن عدة أمور:

    الأمر الأول: الدعاء والالتجاء إلى الله عز وجل، فهو سبحانه الذي يعين، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: { اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك } ويقول: {يا معاذ ! إني لأحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك }.

    إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده


    الأمر الثاني: أن يأخذ الإنسان بطرق مكافحة الشيطان، أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً وأبداً، ويسأل الله دائماً أن يعيذه من شرور نفسه وسيئات عمله، وأن يدله على الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه، ثم عليه أن يأخذ بعوامل الثبات، يقبل على كتاب الله عز وجل، يقوي الإيمان في قلبه عن طريق تقوية الإيمان المعروفة: قراءة القرآن، الأذكار الشرعية، صلاة الفرائض وصلاة النوافل، والصدقات، والتطوع، والواجبات، وأيضاً من ذلك أن يشتغل الإنسان بالطاعات، ويبتعد عن المعاصي، فإن المعاصي تقرب الإنسان مما يبعده عن الله عز وجل، وتأخذ به رويداً رويداً حتى تقذف به بعيداً عن جادة الصواب والعياذ بالله، ولهذا يجب على المسلم ألا يستقل صغيرة، لا يقول أنا لم أصلِّ السنن، وهذه سنن ويتساهل فيها، عليه أن يأخذ نفسه بالجد، ولا يضع لنفسه ثغرة من الثغرات، فإن الشيطان حريص أن يتسلل منها إلى قلبه، وإلى دينه وإيمانه.

    الأمر الثالث: عليه أن يلتمس الجلساء الصالحين، وهذه قضية مهمة.

    إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي


    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي


    إذا مشى الإنسان مع الذين يصلون ويذكرون الله ويطيعون الله؛ صار منهم، وإذا مشى مع الذين يلعبون ويلهثون ويلغون ويرابون ويسكرون ويعبثون في هذه الدنيا؛ أصبح منهم، فالتمس لك قريناً صالحاً، والتمس لك خلاً صادقاً وفياً، فإن هذا مما يعينك على مجاهدة نفسك، لازم العلماء، استفد منهم عبر مجالستهم، أو مجالسة أصواتهم والاستفادة منهم عبر محاضراتهم وندواتهم.

    الكتاب الإسلامي، الشريط الإسلامي، الالتزام بالرفقة الصالحة، كل ذلك ومما يعين على مجاهدة النفس، البعد عن المعاصي، لا نستمرئ المعاصي، إذا كثر إمساسنا للمعاصي، قل إحساسنا لها، ولهذا تجد بعض الناس الذين واقعوا كثيراً من المعاصي يعدونها سهلة، وإن كان ثبت {أن الإنسان المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال له هكذا فطار، والمؤمن يرى ذنوبه كأنه جبل يريد أن يقع عليه }.

    إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون:57] إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60-61] هذه بعض الوصايا التي تعين الإنسان على أن يسلك مجاهدة النفس، وطريق الثبات، وعليه أن يسأل الله دائماً وأبداً الثبات على الحق، فمن نحن عند أفضل الخلق على الإطلاق الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه؟ وكان يقول: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك } يقوم الليل حتى تتفطر قدماه! فقلوبنا نحن قاسية الآن، وعلينا أن نسأل الله الثبات، ثم علينا أيها الإخوة أن نتذكر الموت، نزور المقابر، نتذكر الآخرة، نأخذ برصيد، لا تشغلنا هذه الحياة بزخارفها وشهواتها، كل ذلك بإذن الله عونٌ على مجاهدة الإنسان نفسه، وسيره على الطريق المستقيم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل ذلك؟



    أعلى الصفحة



    واجب رجل الخطوط الجوية تجاه دينه



    السؤال: ما هو واجب رجل الخطوط السعودية تجاه دينه لكونه أول واجهة لهذا البلد الإسلامي الذي حباه الله تعالى بنعمة الإسلام؟

    الجواب: الحقيقة هذا سؤال غاية في الأهمية، وليته كان عنوان المحاضرة، لكن أشير إشارة بشيء على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم.

    أولاً: المسلم أياً كان موقعه مطالبٌ بالالتزام بهذا الدين، والقيام بما أوجب الله عليه، وأن يكون متحلياً بما فرض الله عليه، متخلياً عمَّا حرم الله عليه، فكيف بالرجل الذي يقوم بعمل من أهم الأعمال، ومن أكثرها ملامسةً للجمهور، وهي في الحقيقة الواجهة -كما تفضل الأخ- التي يواجهها أي قادم لهذه البلاد، بل هي حلقة الوصل في الحقيقة بين المسافرين وبين محطات سفرهم.

    عليه أولاً: أن يستشعر أنه عضوٌ في مجتمعٍ شرفه الله بالإسلام، نحن في هذه البلاد شرفها الله وحرسها، وأدام عليها نعمة العقيدة والإيمان، ونعمة تحكيم شريعة الإسلام، ووفق ولاة أمرها إلى ما فيه الخير للمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، وجزاهم خيراً على ما قدموا ويقدمون من خدمات جُلَّى للمسلمين، أقول نحن في هذه البلاد لسنا كغيرنا، ومن الخطأ أن نكون كغيرنا، نحن في هذه البلاد دستورنا كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، منهجنا منهج الإسلام، يجب علينا أن نتمسك به، وأن نلتزم به، وأن يُرى الإسلام متمثلاً في كل مجال من المجالات، وفي كل مكان من الأمكنة في هذه البلاد المباركة، وهذا ولله الحمد والمنة موجود في جملته، ولكن الكمال لله وحده، والقصور من طبع البشر، يحصل فينا قصور وأخطاء، ولكن علينا أن نحاسب أنفسنا، وأن نصلح من أخطائنا، وألا نستمر فيما عرفنا أنه خطأ محض، والحمد لله فإن الله عز وجل قد شرفنا بهذا الدين، وأكرمنا أيضاً بنعمة العقل والتمييز والإدراك والتفريق بين الحق والباطل.

    أقول: إن عضو الخطوط السعودية أول ما ينبغي أن يحمله: إيمانه وعقيدته والتزامه بالإسلام الذي يجعله لا يمارس عملاً يخالف هذا الدين، لا يقع في أمر يخالفه ويحرمه الإسلام، هذا جانب مهم عليه أن يتمثل هذا الدين وهذه العقيدة في كل مكان.

    الأمر الثاني: عليه أن يلتزم بالإسلام ظاهراً وباطناً، ثم عليه أن يعتز بذلك لا ينظر لنفسه على أنه دون غيره، وأن المكانة واللياقة والمكان العظيم والتقدم إنما هو في غير ما تقوم به، الذي أعلمه أن الخطوط السعودية ولله الحمد والمنة تكاد تكون من أفضل الخطوط في العالم من حيث الإمكانات المادية، بل ومن حيث الالتزام أيضاً، وهي أسلم ولله الحمد والمنة من غيرها، أو من كثير من الخطوط فيما يعرض فيها، لكن مع ذلك كلنا يدرك أن ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وأن ما يحصل من أمور تخالف الإسلام وتخالف الشريعة، وهي ولله الحمد والمنة معدودة بالأصابع وقليلة ينبغي علينا ألا نيأس في حلها، ونحمد الله أن ولاة أمرنا يفتحون صدورهم، ويحبون كل ما فيه إبداء النصح لهم، وإبداء النصح فيما فيه الخير لهذه البلاد أمام الشعوب الإسلامية؛ لأن الشعوب الإسلامية حينما تأتي إلى هذه البلاد كأنها تريد أن ترى جيل الصحابة، وجيل العهد النبوي الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن نكون عند حسن الظن، أنا ألخص الأمر في أمور حتى لا يضيع الوقت.

    أولاً: يعلم أنه عضو مسلم تسلح بالعقيدة.

    ثانياً: عليه أن يلتزم بالإسلام ظاهراً وباطناً.

    ثالثاً: عليه أن يمثل واجهة لهذا الدين، الذي يحضر إلى هذه البلاد يرى في رجل الخطوط السعودية المسلمة الالتزام بالإسلام حقيقة، فلا يخالف شيئاً من الإسلام، لا يكذب في حديثه، لا يخلف في موعده، لا يقع فيما يخالف السلوك الإسلامي الحسن، ينبغي علينا أن نتخلق مع القادمين والمسافرين والمغادرين، لا سيما الذين يأتون من الحجاج والمعتمرين أن نتمثل أمامهم بأحسن صورة بالأخلاق الطيبة، بالتعامل الحسن، والتفاني في خدمتهم، واحتساب هذا عند الله عز وجل، فهذا أمر يؤجر عليه الإنسان، أيضاً جانب الخلق جانب مهم، أيضاً معالجة بعض الظواهر التي نراها، وهي في الحقيقة معروفة، ينبغي علينا أن نلتزم بكل ما يمليه علينا ديننا وكفى.

    هذا هو المطالب به رجل الخطوط السعودية من حيث كونه يحمل الإيمان في جنبيه، ويحمل العقيدة بين جوانحه وتعاليم الإسلام في سلوكه وأخلاقه وأعماله الظاهرة والباطنة، لكن السؤال الذي نطرحه: هل طُبِّقَ هذا؟ وهل قمنا بهذا أم لا؟

    هذا سؤال يطرحه كل فرد من أفراد مؤسسة الخطوط العربية السعودية على نفسه، والحقيقة لا نعدكم شيئاً آخر، وإنما نحن منكم وفيكم، وأنتم منا وفينا، وكلنا أسرة واحدة، والإنسان يكمل نقص أخيه، الخطأ ولا شك موجود والتقصير حاصل، لكن علينا من الآن أن نسعى بجد واجتهاد، وأن نفتح مجالات الإصلاح قدر المستطاع، والحمد لله سرنا ما لقينا من إخواننا في التوعية، وأيضاً بلغنا الكثير من المبادرات الطيبة التي قام بها المسئولون في الخطوط السعودية، والمسئولون في هذه البلاد وفقهم الله قاموا بخطوات جبارة، فقد سمعنا أموراً سرتنا كثيراً فيما يتعلق بصون حرمات المسلمين وسلامة أعراضهم من أمور قد يراد بها غير ذلك، ولكن ولله الحمد والمنة وقفوا؛ لأن هذه أمور تخالف عقيدتنا، وتخالف شريعتنا، وتخالف إسلامنا، ولا شيء إلا وفي الإسلام له حل، وفي تعاليم الإسلام له علاج، لكن علينا بالصدق مع الله عز وجل، والمبادرة والعزم، وإنكم لفاعلون إن شاء الله، لكن الذي أوصي به الإخوة الأفاضل الملتزمين الطيبين أن يسعوا في حل ذلك بالطرق السليمة، وأن يدعُوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يغمروا الناس بحسن أخلاقهم وحسن تعاملهم وتفانيهم في العمل ليكونوا قدوة عملية ليستطيعوا من خلالها الوصول إلى تحقيق المجالات التي ينبغي أن تصلح، وهي ولله الحمد والمنة في طريقها إلى الإصلاح، وولاة الأمر كما نحسبهم كذلك، ولا نزكيهم على الله لا يألون جهداً في تحقيق كل ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، والحمد لله.



    أعلى الصفحة



    استخدام الممتلكات العامة في الأغراض الشخصية



    السؤال يقول: فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن السديس المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ذكرتم في المحاضرة القيمة أن الشخص في عمله يعتبر في عبادة، فما حكم استخدام الهاتف لأغراض شخصية؟ وكذلك الأمر بالنسبة لأدوات المكتب ومحتوياته؟

    الجواب: لا شك أن مراقبة الله عز وجل يجب أن تكون في كل مجال، وفي كل أمر، وفي كل نهي، وفي كل فعل، وفي كل ترك، وفي كل مكان من الأماكن ينبغي أن يتقي اللهَ العبدُ، وأن يقوم بواجبه، وأن يعلم أن الله مطلعٌ عليه، ومن أهم ما يميز الموظف المسلم أمانته ونزاهته وخوفه من الله، وقيامه بعمله على الوجه المطلوب، وعدم استغلال عمله لأغراضه الشخصية، ولهذا فالذي أراه أنه لا يجوز للفرد العامل في مؤسسة، أو دائرة حكومية، أو غير ذلك أن يستغل ذلك في أموره الشخصية، بل عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أن الله سائله عن كل ذلك لا السيارات، ولا الهواتف، وغير ذلك من الإمكانات، اللهم إلا إذا كان في حدود عمله، أتصل بالهاتف في حدود عملي، أذهب في السيارة التي أعطيتها في حدود عملي، وما يسمح لي مجالي، وما يراه ولاة الأمر عني، فهذا أرجو ألا حرج فيه إن شاء الله، أما استغلال أموال المسلمين في أمورنا الشخصية، فلا ينبغي، ولا يليق، وينبغي أن يعلم أن الله عز وجل سائله عن ذلك، وعليه أن يتحلى بالأمانة والنزاهة والإخلاص أولاً لله عز وجل، ثم القيام بما أسند إليه من أعمال -أسندها إليه ولاة الأمر- لأنه عند حسن الظن، أما إذا كان خائناً، وإذا كان يستغل الأمور لصالحه وأموره الشخصية، فهذا في الحقيقة قصر في شيء من الأمانة، ووقع في شيء من الخيانة، اللهم إلا ما يمليه عليه عمله، والله أعلم.



    أعلى الصفحة



    حكم الوقوف لبعض الأشخاص



    السؤال: ما حكم الرجل الذي يحب أن يقف الناس له وهو جالس على مكتبه؟

    الجواب: على كل حال نحن قدمنا في أن الإنسان ضعيف، الإنسان خلقه الله عز وجل، وكلنا يعرف أساس خلقه قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7] لماذا التكبر؟ ولماذا الغطرسة؟ ولماذا الغرور؟ ولماذا النظر إلى الناس، والتعامل معهم معاملة الخيلاء، والبطر، وحب الذات والنفس؟ كل ذلك في الحقيقة ضعف إيمان، وفي الحقيقة أيضاَ يدل على أن الإنسان لم يتفكر في خلقه، رأى بعض السلف رجلاً متكبراً، فقال: أنت من أنت؟ أنت أصلك نطفةٌ قذرة، وآخرك جيفةٌ مذرة، وبين جنبيك تحمل العذرة، فلماذا التكبر؟ وقد ورد: {من أحب أن يتمثل له الناس قياماً، فليتبوأ مقعده من النار } الحاصل أن على العبد أن يتسم بالتواضع لله عز وجل، ويعلم أنه إن لم يسخر عمله ومنصبه ومكانته وكرسيه لخدمة الناس ونفعهم والتواضع لهم، وسماع أقوال الناس، وكون بابه مفتوحاً لجميع الناس، فإن معنى ذلك أنه وقع في أمر يبعده عنهم ويبغضه لهم، والمتكبر بعيد من الله، بعيد من الناس ويمقته الناس على عمله؛ لأنه في الحقيقة تعدى قدره، لماذا يشمخ الإنسان بنفسه؟ ولماذا يتطاول على الناس؟ من هو؟ هو والناس سواء، الناس سواسية إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

    أقول إن هذا الأمر لا ينبغي، ولا يليق، بل إن على الإنسان أن يتسم بالتواضع، ولكن لا ينظر الإنسان الفقير إلى هؤلاء، لا تنظرون إلى من هو فوقكم، وإنما انظروا إلى من هو دونكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم، إذا رأيت أن هذا متكبر، فانظر إلى آلاف الناس الفقراء والمساكين والمتواضعين، وهذا إنما في الحقيقة يجني على نفسه، وكفى بالكبر مرضاً وداءً وإثماً أنه كان سبباً في إنزال إبليس وإبلاسه وإبعاده من رحمة الله عز وجل؛ لأنه تكبر على الله وأبى عن السجود لآدم عليه السلام.



    أعلى الصفحة



    حكم الوساطة



    السؤال: ما حكم ما يحدث في الدوائر الحكومية من الوساطة للتوظيف أو العلاوات أو غيرها ؟

    الجواب: على كل حال دائماً الصراحة محببة للنفوس تدل في الحقيقة على أن هناك من يتمحض النصح بين جوانبه، وحاجتنا إلى العنصر الصريح أكثر من حاجتنا إلى المجامل؛ لأن المجامل أحياناً يضرنا على حساب مصلحة الجميع، فيظهر لك الشيء على أنه حسن، وهو غير حسن، ويبدي لك الحسن سيئاً، بينما العنصر الصريح والحمد لله اكتشفت مواهب من طرح هذه الأسئلة شكر الله لهم وجزاهم الله خيراً، وهذا دليل على الإيمان في نفوسهم، وتقدير أيضاً للمسئول، فهذا لا ينافي أننا مع إبداء النصح أننا لا نحب المسئول، أو لا نطيعه ولا نمتثل أمره فيما يتمشى مع الشرع.

    أقول: إن الواسطة، ليست أمراً خاصاً في دائرة، أو مؤسسة، أو مكان، هذا أمر يعم الناس جميعاً، الحقيقة فيه تفصيل فيما يعرف بالشفاعة وهي شرعية، قال الله عز وجل: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء } فإذا كان الإنسان مظلوماً، ويشفع له ليرد ويبعد عنه الظلم، أو كان حقه التقديم فيؤخر، إلى آخره، أو منع من حقه، فلا مانع من الشفاعة له، أو كان هناك فرص متاحة، ويريد أن يشفع له في هذا، فهذا لا بأس به.

    أما الواسطة التي فيها ظلم للناس، وفيها رفع للناس على حساب آخرين، وفيها إعطاءٌ للناس على حسب مراتبهم وأماكنهم، وإهانة ودوس على حق الضعيف المحتاج، فهذا أمر لا يجوز، فإذا كانت لا تحق باطلاً، ولا تبطل حقاً، فأرجو أن الأمر فيه سعة إن شاء الله.

    لعل فيما حصل إن شاء الله كفاية وبركة، ولا نحب أيضاً أن نطيل عليكم، ولا نحب أيضاً أن نتخطى الجدول المرسوم، فقد اطلعت على جزأين في الجدول الذي أعده الإخوة لنا، إنما إن شاء الله هذا لقاء تعقبه لقاءات إن شاء الله مني، أو من غيري من الإخوة.

    نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ويرزقنا وإياكم العمل الصالح والعلم النافع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





    رد مع اقتباس  

  8. #18 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 18 في ظلال سورة ق للسديس

    في ظلال سورة ق

    سورة ق من السور التي ينبغي تدبر معانيها، فهي تعالج قضية مهمة، وهي قضية إنكار البعث، وتذكر الإنسان بمراقبة الله له، وتعرض له مشاهد من الموت والعرض والحساب.

    وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة ق في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس.

    القرآن دستور المسلمين




    الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على أن هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة القرآن المعجزة الباهرة، والآية الظاهرة، كتاب الهدى وسفر الشهادة، ولواء الريادة والسيادة، وإمام الخير والحق والفضيلة، ودستور العدل والأمان في كل زمان ومكان: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

    أمة القرآن! إن سعادة البشرية وصلاح البلاد والعباد، مرهون باتباع هذا الكتاب، فإن كان قائداً إماماً نصب الأعين وبين الأيدي؛ حصلت سعادة الدارين، ونجاة الحياتين، وإن كان خلف الظهور والعياذ بالله! عم الذل والشقاء في الأولى والأخرى، ولو وقفت الأمة تحت راية القرآن وتفيأت ظلال دوحة الفرقان؛ لنالت سلم المجد، وتبوأت مكانة العزة والشرف والقوة، ولو أنها حافظت عليه وعملت بما فيه؛ لضاءت لها المسالك، وتفتحت لها المدارك، ولو درس المسلمون كتاب الله ووقفوا عند آياته فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، لصاروا سعداء عاجلاً وآجلاً.

    إخوتي في الله: يقول الله سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وأنكر المولى سبحانه وتعالى على الذين أعرضوا عن كتابه، فلا يتعظون ولا يتدبرون، اسمعوا إلى قوله تقدست أسماؤه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].


    وقفات مع سورة ق




    كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة وعظ الناس بهذا القرآن، بل كان عليه صلوات ربي وسلامه يخطب الناس به، كما أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أم هشام بنت حارثة ، قالت: [ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إلا من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ].

    يا إخوة الإسلام! ويا أهل القرآن: ما أجمل أن نعيش لحظات في ظلال هذه السورة نتدبر آياتها ونتأمل عضاتها، ونقف عند عجائبها؛ إحياءً لهذه السنة التي اندثرت أو كادت تندثر، فلم يكن عليه الصلاة والسلام ليركز عليها في اجتماع الناس ويقرأها في الفجر والجمع والأعياد إلا لما لها من الشأن والمكانة، إنها سورة عظيمة رهيبة، شديدة الوقع بأسلوبها وحقائقها، تأخذ بمجامع القلوب، تهز النفوس هزاً، وتثير فيها الخوف من الله، وتوقظها من الغفلة.

    فعسى أن نلقي نظرات تسحبها عبرات، من قضايا هذه السورة العظيمة، وصورها المتعددة، في الحياة والاحتضار والممات والبعث والحشر وغيرها: تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8].



    معالجة قضية إنكار البعث



    أيها المسلمون: لقد ابتدأ الله هذه السورة، بالإنكار على المكذبين المنكرين لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، الجاحدين بالبعث والحساب، بقولهم: أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3].

    فبين الله سبحانه أنهم لما كذبوا بالحق التبس عليهم الأمر فهم في أمرٍ مريج، قد اختلفت عليهم الحقائق، وعميت بهم السبل وهكذا كل من حاد عن الحق، تتقاذفه الأهواء، وتمزقه الحيرة، وتقلقه الشكوك.

    لقد جاء صدر هذه السورة ليعالج قضية عقدية مهمة، ألا وهي قضية البعث، وإنكار الكفار له، بأسلوبٍ يذيب القلوب ويرققها، ويقيم الحجة على المعاندين، ويلفت أنظارهم إلى بديع خلق الله في الأرض والسماوات، والجبال والمطر والنبات، يقول تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6] إلى قوله سبحانه: رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:11].



    أعلى الصفحة



    التذكير بمصارع الغابرين



    ثم يأتي السياق في عرض صفحة أخرى، تذكر القلوب بمصارع الغابرين وأحوال المكذبين السابقين، الذين حق عليهم وعيد الله بعذابه ونكاله بهم: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ [ق:12] إلى قوله سبحانه : كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ق:14].



    أعلى الصفحة



    رقابة الله لخلقه



    وتمضي السورة مستطردة مع قضية البعث، مذكرة الإنسان بخلق الله له، وعلمه به، وقربه منه، وأنه سبحانه يعلم وساوس النفس وخلجات الضمير، فضلاً عن الظاهر البيِّن: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] وتلفت الأنظار إلى رقابة الله جل وعلا على خلقه وأنه مطلعٌ على أعمالهم، وقد أوكل بكل إنسان ملكين، يتلقيان أعماله فكل لفظة وكلمة مدونة عليه يقول تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].



    أعلى الصفحة



    مشاهد من الموت والعرض والحساب



    ثم تأتي المشاهد المرعبة بأسلوبٍ رهيبٍ مخيف، يرج الأفئدة رجاً مبتدأً بمشهد الموت وسكراته، ثم مشهد الحساب وعرض الصحف، ثم مشهد جهنم -أعاذنا الله منها- فاغرة فاها تتلمظ كلما ألقي فيها وقودها من الناس، تقول هل من مزيد؟ وفي جانب ذلك مشهد الجنة ونعيمها -جعلنا الله وإياكم من أهلها- .

    يقول تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] إنها سكرة فراق المال والمناصب: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] ذلك ما كنت منه تحيد وتهرب، ولكن لا مفر من الموت ولا مهرب، ومن سكرة الموت إلى وهلة الحشر وهول الحساب: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:20-21] معها سائقٌ وشهيد، وفي هذا الموقف العصيب يقال له: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22].

    ويكشف السياق عن جانبٍ أشد وأعظم: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30] الله أكبر! يؤتى بكل كفار عنيد مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ [ق:25] فيقذفون مع كثرتهم في جهنم تباعاً وتتكدس ركاماً، ثم تنادى: يا جهنم! هل امتلأتي واكتفيتي؟ ولكنها تجيب جواباً يروع القلوب ويهز النفوس: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30] فيا له من هولٍ شديد ورعبٍ أكيد يبعث على القلوب الحية على الأخذ بأسباب الوقاية منها!

    ويقابل هذا المشهد المرعب، مشهد الجنة وهي تقرب من المتقين: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31] إلى قوله سبحانه وتعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]. ثم تختم السورة بتأكيد القضايا السابقة، ولكن بأسلوب جديد ليكون أكثر وقعاً وأشد تركيزاً، فيه لمسات التاريخ ومصارع الهالكين، وفيه الإشارة لبعض الحقائق الكونية، وفيه التذكير بعقيدة البعث والنشور، كل ذلك ذكرى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].



    أعلى الصفحة


    تدبر القرآن والاتعاظ به




    وبعد يا أمة القرآن هذه وقفات سريعة ونظرات خاطفة في سورة من أعظم سور القرآن.

    فأين القلوب التي تعي كلام الله، وتتدبر آياته؟!

    أين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً؟!

    العجب كل العجب! أن تكون مضغٌ مكونة من لحمٍ ودم أقسى من الجبال الرواسي والحجارة القاسية! ألم يقل الله سبحانه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21] فما بال القلوب -يا عباد الله- لا تلين ولا تخشع عند سماع آيات كتاب الله؟! إنها دعوة إلى المسلمين جميعاً، ولا سيما حملة كتاب الله، أن يتدبروا كتاب الله، وأن يستلهموا ما فيه من العبر والعظات، وأن يقفوا عند عجائبه ويحركوا به القلوب.

    يجب أن تربى الأجيال وتنشأ الأسر على هذا المنهاج السليم، تأسياً بسلف هذه الأمة رضي الله عنهم بإخلاصٍ واحتساب دون تصنعٍ وتكلفٍ واحتراف، وليتق الله من هضم حق كتاب الله، فساواه بغيره، ولاكه بلسانه، هذراً وهرذمة، دون تدبرٍ وتفكر.

    يا إخوة الإسلام: أعيدوا لكتاب الله حقه، لقد كان بعض السلف يقوم الليل كله بآية واحدة من كتاب الله يكررها ويبكي من خشية الله حتى الصباح، فأين نحن من هذا المنهج السديد؟!

    أما الشاردون عن القرآن، الغافلون عنه فليتقوا الله وليعودوا إليه، ليرتووا من معينه، وينهلوا من نميره، فهو علاج أمراض القلوب، وجلاء صدئها بإذن الله، ولا بد من التذكير مع بداية العام الدراسي لما لهذا الكتاب من مكانة، وما يجب على الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور من مسئولية تجاه كتاب الله تلاوة، وتدبراً، وتطبيقاً، وتربية؛ ليعمل الجميع قدر جهدهم على أن يكون لكتاب الله النصيب الأكبر والحظ الأوفر من الأوقات، وفي ذلك الخير العظيم في الدنيا والآخرة.

    اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.

    اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


    فوائد القرآن




    الحمد لله الخالق المقدر، الرازق المدبر، مالك النفع والضر عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

    أما بعــد:

    فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن أعظم ما استفيد من كتاب الله: صفاء العقيدة، وسلامة التوحيد، وتحقيق التوكل على الله وحده، والبعد عن كل ما يعكر ذلك من الأوهام والخزعبلات، فقد اعتنى كتاب الله بتقرير هذه القضية معلقاً آمال العباد برب العباد وحده، فلا تملك الشهور والأيام، والنجوم والطيور، والأشكال والألوان ضراً ولا نفعاً، فذلك بيد الله وحده.

    وقد طهر الإسلام النفوس من عقائد الجاهلية، كالتطير والتشاؤم ببعض المخلوقات، وعليه فيجب على من آثر سعادة الدارين، وصلاح أمره في الحياتين، أن يعلم أن ما يفعله بعض الجهلة من التشاؤم من شهر صفر أمرٌ منافٍ لعقيدة الإسلام، وإنه والله لمن الغريب حقاً أن تعبث الأوهام بأمة التوحيد، وتبعدها عن نقاء العقيدة، فماذا يملك الغراب والبوم؟! وما ذنب الأربعاء وصفر؟!

    وقد أبطل الإسلام عقائد الجاهلية، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر } أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    فاتقوا الله -عباد الله- وأفيقوا من سباتكم وفوضوا أموركم كلها إلى مولاكم جل وعلا، وحققوا إيمانكم بصدق التوكل على الله، وقوة اليقين به، واحذروا ممن استهواهم الشيطان، فضلوا عن الهدى، وسعوا في إضلال عباد الله، من كل زائغ عن منهج الكتاب والسنة، وكل وكرٍ من أوكار الشيطان أعاذنا الله منه.

    ألا وإن من أعظم ما يقربكم لمولاكم ويزكيكم عنده: كثرة صلاتكم وسلامكم على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيئ لهم البطانة الصالحة، اللهم احفظ على المسلمين عقيدتهم، اللهم احفظ عليهم إيمانهم وأمنهم يا رب العالمين!

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





    رد مع اقتباس  

  9. #19 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 19
    مراقبة الله للسديس
    مراقبة الله

    إن مراقبة الله تعالى هي: تمام علم العبد وثقته باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه ظاهراً وباطناً.

    والمراقبة أمر لازم في حياة كل مسلم؛ حتى يحقق الإحسان في عبوديته لله، ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وسلف هذه الأمة خير مثال وأسوة في مراقبة الله. وإن الناظر في أحوال الناس يجد أن الأحوال قد تغيرت وانعكست، ونسي كثير من الناس ربهم إلا من عصم الله.

    أهمية المراقبة في حياة المسلم




    الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسع كل شيءٍ علماً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، وتذكروا -رحمكم الله- أنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدىً فراقبوا الله تعالى حق مراقبته، فإنه سبحانه رقيبٌ عليكم، ومطلعٌ على أعمالكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] وقال سبحانه: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219] وقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5].

    وفي صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه: {أن جبريل عليه السلام، سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك } وهذه النصوص تقتضي أن يكون المسلم دائم المراقبة لله، مستحضراً قربه سبحانه منه، وأنه بين يديه سبحانه، يراه في جميع أحواله، وأقواله وأفعاله، في حركاته وسكناته: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

    وذلك يوجب الخشية والخوف من الله وحده، كما يقتضي فعل الطاعات وترك المنكرات، والإخلاص لله عز وجل، والبعد عن الرياء والسمعة المحبطة للأعمال.



    أحوال السلف مع المراقبة



    وتقوى الله ومراقبته، كانت شعار الصالحين، وعمل المؤمنين من سلف هذه الأمة، أسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وصّى بها أصحابه وأمته من بعدهم، ففي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف }.

    فيا لها من وصيةٍ عظيمة! يجب على كل مسلم أن يستلهم منها مساره واتجاهه في هذه الحياة، فيكون دائماً مراقباً لله وحده، متجهاً إليه دون سواه، وأن أي أحد كائناً من كان لا يستطيع أن يجلب له نفعاً، أو يدفع عنه ضرراً، إلا ما كتب الله له، فيسير عزيزاً بإسلامه، قوياً بتمسكه بسنة رسوله، لا يخشى غنياً لغناه، ولا قوياً لقوته، ولا يهن ولا يستكين لإرجاف المرجفين، وتخذيل المخذّلين، ونفاق المنافقين، ولا يتنازل عن شيءٍ من دينه وعقيدته، لأذىً يصيبه، أو ابتلاءٍ يلاقيه، فلا يخشى إلا الله، امتثالاً لقوله سبحانه: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

    وعلى هذا الطريق الأمثل كان المؤمنون الأولون الذين قال الله فيهم: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً [الأحزاب:39].



    أعلى الصفحة



    أحوال الناس اليوم مع المراقبة



    أما اليوم فقد تغيرت الأحوال، وانعكست المفاهيم، وقل الخوف من الله، وضعفت مراقبته في نفوس الناس، وانتشر بينهم الرياء والنفاق، والعمل للدنيا وحطامها، واتباع الأهواء والرغبات، وضعف الإخلاص لله، وفسدت النيات، ونسي كثيرٌ من الناس ربهم -إلا من عصم الله- في كل شئونهم وأحوالهم في العقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق، في الأقوال والأعمال، فأين الذين استهانوا بعقيدة التوحيد، وأفسدوا في الأرض بالبدع والخرافات، بعد إصلاحها بالإيمان وصحة العقيدة.

    أين هم من مراقبة الله؟! لو صدقوا في مراقبته سبحانه لاستقاموا على عقيدة سلف هذه الأمة، أين الذين يراءون في أعمالهم، ويداهنون بأقوالهم وأفعالهم، ويتتبعون رضى الناس ورغباتهم؟!

    أين هم من مراقبة الله القائل: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [التوبة:13].

    أين الذين آثروا حب الدرهم والدينار؟! فجدّوا للحصول عليهما بأي طريق؟! ولم يبالوا بمصدرها؟! فيظلمون ويخدعون! ويغشون ويرابون، ويبخسون المكاييل والموازين، ولا يتقون الله في بيعهم وشرائهم! ويتساهلون في أداء زكاة أموالهم؛ حتى كانوا سبباً في منع القطر من السماء بسوء أفعالهم!

    أين هؤلاء من مراقبة الواحد الديان؟! أين الذين أطلقوا جوارحهم في الحرام؟! فألسنتهم تقع في المحرمات! في الغيبة والنميمة! والكذب والسب والشتم! ونسوا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: {وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم -أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم } كما أطلقوا فروجهم وأيديهم وأرجلهم، وآذانهم، وجعلوها تواقع الحرام، ممارسةً وسماعاً، ونظراً وبطشاً ومشياً! أين هؤلاء من قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24]! وقوله: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20]؟!

    أنسوا أن الله سبحانه مستنطقٌ هذه الجوارح في يومٍ يجعل الولدان شيباً؟!

    أين الشباب المنغمس في أوحال الرذائل والمنكرات، فلا يعرفون الجماعات، ولا يؤدون الصلوات؟!

    أين هم من مراقبة الله؟ أغرهم ما هم فيه من صحةٍ وفتوة؟! أنسوا أن الموت يأتي بغتة، ولا يفرق بين صغير وكبير؟!

    أين النساء اللاتي سرنَ في ركاب الجاهلية الأولى والأخرى، فلا يبالين بتعاليم الدين الحنيف، بل اتبعنَ أهواءهن، فوقعن فيما حرم الله عليهن؟!

    أين هؤلاء كلهم من مراقبة الله؟! أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].

    فأفيقوا من غفلتكم أيها المسلمون، وأديموا مراقبة مولاكم، واستشعروا قرب آجالكم، وموقفكم أمام ربكم: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

    اللهم مُنّ علينا بالهداية والسعادة أجمعين، وأحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وثبتنا على الدين، وألحقنا بالصالحين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



    أعلى الصفحة


    مفهوم المراقبة




    الحمد لله مالك الملك، عالم الغيب والشهادة، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه على دينه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

    عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، واعلموا أن مراقبة الله تعالى هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله تعالى على ظاهره وباطنه، وأنه ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، عالمٌ بحركاته وسكناته ومع ذلك، فقد وكل بعباده ملائكة يكتبون أقوالهم وأعمالهم فقال: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] وأن أعماله مدونةٌ عليه، ستنشر يوم القيامة، وسيندم إن هو فرط حيث لا ينفع الندم، قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14].

    فاتقوا الله يا أمة الإسلام! وراقبوه في السر والعلن، في الظاهر والباطن، وسيروا على نهجه، واتبعوا سنة نبيه؛ تفلحوا وتسعدوا، واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على رسوله، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم وفق إمامنا لهداك، وألهمه الرشاد والسداد يا رب العالمين، اللهم انصره بالإسلام يا أرحم الراحمين.

    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وفقهم جميعاً لما تحب وترضى، اللهم وفق المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، اللهم منَّ على المسلمين جميعاً أينما وجدوا، وحيثما حلوا، اللهم منَّ عليهم بصلاح أحوالهم، اللهم وفق قادتهم لتحكيم كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.

    اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، والمستضعفين في أرضك، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا يا رب العالمين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وأغث بلاد المسلمين بالخيرات والأمطار يا أرحم الراحمين.

    اللهم ارفع عنهم ما هم فيه من بلاءٍ وجدب ومشقةٍ يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه؛ يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.





    رد مع اقتباس  

  10. #20 رد: أكبر مكتبة تضم خطب الجمعة لكبار أئمة الحرم المكي والنبوي 
    ضي الأمل غير متواجد حالياً T৵હ.¸ اللهم إغفر لها وتغمدها برحمتك "¸.હ৵
    المشاركات
    16,625
    الخطبة 20
    كل نفس ذائقة الموت للسديس

    إن الموت حقيقة لا مفر منها، وإن الموت لنازل على كل ساكن لهذه الأرض.

    فالواجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه على ما مضى من عمره ماذا عمل فيه من أعمال، فعند نزول الموت لا ينفع التأسف ولا الحزن ولا البكاء، وإنما سينفع كل امرئ ما قدم، فإن خيراً فخيراً، وإن كان شراً فشراً.

    الموت حقيقة لابد منها




    الحمد لله الذي قضى بالفناء على هذه الدار، وأمر بأخذ العدة لدار القرار، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أزهد الناس في الدنيا، وأكثرهم للموت ذكراً وللآخرة استعداداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقى، والتابعين ومن تبعهم بخيرٍ وإحسانٍ واقتفى.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى.

    عباد الله: حقيقةٌ قاسيةٌ لا محيد عنها، وقضيةٌ رهيبةٌ مسلمةٌ لا مفر منها تواجه أهل الدنيا، فلا يستطيعون لها رداً، ولا يملكون لها دفعاً، حقيقةٌ تتكرر كل لحظة، ونعايشها مرة بعد مرة، والناس سواءٌ أمام هذه الحقيقة المُسَلَمة، والمصير المحتوم، يواجهها الآباء والأبناء، والأغنياء والفقراء، والضعفاء والأقوياء، والرجال والنساء، والمرءوسون والرؤساء، والعامة والعلماء، والمغمورون والوجهاء، وأهل الشجاعة والجبناء، يقفون منها موقفاً موحداً، لا يستطيعون لها حيلة، ولا يملكون لردها وسيلة، ولا يقدرون تجاهها دفعاً ولا تأجيلاً، إنها حقيقة النهاية والفناء والموت، الموت الذي لا مفر ولا محيد من الاستسلام له، ولا يملك البشر حياله شيئاً.



    قلة العمل لما بعد الموت



    إخوة الإسلام: إن كل حيٍ يسلم بهذه الحقيقة عقيدة ونظراً، لكن الذين يتذكرونها ويعملون لما وراءها قليل، فالقلوب عن هذه الحقيقة غافلة، والنفوس شاردة، والعقول منصرفة، والهمم مشغولة، ومشاغل الحياة وزخرفها من الأموال والقصور، والأولاد والدور، والمراكب والمراتب، والأعمال والمناصب، كل ذلك وغيره أطال أمل الناس فيها، وإلا فالله عز وجل يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57] ويقول جل وعلا: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

    ونبيكم صلى الله عليه وسلم، يقول لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل } وكان ابن عمر يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ]] رواه البخاري .

    وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا من ذكر هادم اللذات } أي: الموت، وكان عليه الصلاة والسلام، إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: {يا أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعه الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه } خرّجه الترمذي من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، فالكل مرجعهم إلى الله، والجميع محشورون إليه، الموت في الموعد المحتوم، والأجل المقسوم: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً [آل عمران:145]، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11] وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].



    أعلى الصفحة



    استشعار حقيقة الموت وقصر الأمل



    أمة الإسلام: إنه لابد أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس الناس استقراراً واستشعاراً؛ حتى يكون له أثرٌ عمليٌ في حياة المسلم، بالإقبال على الطاعات وترك المعاصي والمحرمات، والمبادرة إلى التوبة وترك التسويف، فاستشعار قصر الأمل، يتطلب الجد في العمل، يجب أن نتذكر هذه الحقيقة دائماً وأبداً، حقيقة أن الدنيا مدبرةٌ فانية: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] وأن المرد إلى الله، وأن الحياة موقوتة، والآجال محدودة، والأنفاس معدودة، ثم تأتي النهاية الحتمية، ويحل هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ثم بعد ذلك يكون الناس فريقين فإما إلى جنة عالية، قطوفها دانية، وإما إلى نار حامية، نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه، فكأس الموت تتذوقه كل النفوس، وجرعته يتحساها كل حيٍ في هذه الحياة، لا فرق بين إنسانٍ وآخر، إنما الشأن كل الشأن ما بعد هذه اللحظة الحاسمة، من المصير الذي يستحق أن يعمل من أجله العاملون.

    فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي


    ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء


    فيا أيها المسلمون: تذكروا هذه الحقيقة: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

    أين الاتعاض والاعتبار؟ عشرات الجنائز نصلي عليها في اليوم والليلة، وعشرات الموتى نشيعهم إلى القبور، حيث ضيق اللحود ومراتع الدود، أما نعتبر بكثرة الموتى من حوادث السيارات، ومن موتى الفجأة والسكتات؟!

    كم من إنسان أمسى ولم يصبح، وأصبح فلم يمسِ، وخرج من بيته فلم يعد، وكم من صحيحٍ سليم يأتيك خبره، ويبلغك موته:

    تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر


    فكم من سليمٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر


    وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري


    فتذكروا -يا عباد الله- هجوم هادم اللذات، وتصوروا نزول ملك الموت بكم، في هذه اللحظات يندم المفرطون ويتحسر المقصرون: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

    تذكروا الموت وسكراته، يا من تلهون وتعبثون في دنياكم، وأنتم عن الآخرة غافلون! تذكروا هذا الموقف العصيب يا من تتثاقلون عن أداء الصلاة، وتبخلون بإخراج الزكاة! تذكروا ساعة الاحتضار يا من تظلمون عباد الله، وتقعون في أعراضهم، وتبخسونهم أشياءهم، وتغشونهم وتماطلونهم حقوقهم! فلله يومٌ يجمع فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء بينهم، وكتابٌ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، هل تظنون أنكم مخلدون في هذه الحياة؟!

    روى الترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك } فماذا قدم كل واحدٍ منا لهذه اللحظات الحاسمة، والمواقف العصيبة: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37].

    كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، إذا ذكر عنده الموت انتفض انتفاض الطير، وقال الحسن البصري رحمه الله: [[ فضح الموت الدنيا، فلن يترك لذي لبٍ بها فرحاً ]] هكذا كان سلف هذه الأمة، من قوة الإيمان وشدة الخوف من عذاب الله، مع اجتهادهم في طاعة الله، فغريب حالنا اليوم، كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له من مستعد! وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً! وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفاً! فعلام الفرح مع التفريط في جنب الله! إنه لا ينبغي لمن آمن بالله واليوم الآخر، ولا يليق بمن عرف مصير الأوائل والأواخر، ويرى أن الموت يأخذ الأصاغر والأكابر، أن يركن إلى هذه الدنيا وقد امتلأت المقابر.

    فيا من يفاخرون بأموالهم وأولادهم وأعمالهم: كيف بكم إذا واراكم الثرى وسرى بكم البلى! حقاً كفى بالموت واعظاً.



    أعلى الصفحة



    وقفة محاسبة بعد عام مضى



    أمة الإسلام! إنني أذكر بهذه الحقيقة القاسية، والنهاية الحتمية في الوقت الذي نودع فيه عاماً تصرمت أيامه، وقوضت خيامه، مضى وانقضى وهو شاهدٌ لنا أو علينا بما أودعناه فيه من أعمال، ونستقبل عاماً جديداً لا ندري هل نستكمله، أم يحول بيننا وبين ذلك هاذم اللذات!

    وإنه ليجدر بنا أن نحاسب أنفسنا: ماذا عملنا في العام المنصرم؟ وماذا عسانا أن نعمل في هذا العام الجديد؟ وأن نأخذ الدروس والعبر من مرور الليالي والأيام، وتصرم الشهور والأعوام، فيدفعنا ذلك إلى التوبة الصادقة، والإقلاع عن المعاصي والذنوب والاستعداد للآخرة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيدي المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ ومعصية، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    أعلى الصفحة


    الاستعداد للموت وما بعده




    الحمد لله الباقي فلا يفنى ولا يبيد، وأشهد أن لا إله إلا الله المبدء المعيد، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء وأكرم العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:-

    فاتقوا الله -عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، واتقوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً.

    عباد الله: إذا أيقنا أن مرور الأعوام وانقراض الأزمان إنما هو من أعمارنا، وأن الأيام مراحل تقربنا إلى الآخرة، فإن علينا ونحن بين عامين، بين عامٍ مضى، لا ندري ما الله صانعٌ فيه، وبين عامٍ قد أتى لا ندري ما الله قاضٍ فيه، إن علينا أن نستعد للموت وما بعده؛ وذلك بالتوبة الصادقة والإقلاع من الذنوب والتخفف من الدنيا، وكثرة ذكر الموت وزيارة القبور، والاعتبار والاتعاظ بما نرى ونسمع من أحوال الراحلين، فالموت الذي تخطانا إليهم سيتخطى غيرنا إلينا، وإن علينا أن نقف وقفة تأملٍ ومحاسبةٍ للنفوس، فإلى متى الغفلة يا عباد الله؟!

    إن مرور عامٍ في حياة الفرد المسلم والأمة المسلمة حدثٌ يستحق التأمل والمحاسبة، فهل نقوم بهذا الأمر، وهل نعي حقيقة الحياة ونهايتها، وهل نستقبل هذا العام الجديد بالتوبة والإنابة، والعودة الصادقة إلى ديننا، هذا ما نأمله ونرجوه، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وإني لأرجو أن تكون هذه الذكرى عهداً يأخذه كلٌ منا على نفسه وميثاقاً يعمل بمقتضاه فيما بقي من حياته، ليتحقق له الخير والفلاح في العاجل والآجل.

    هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النبي المصطفى والرسول المجتبى كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاية المسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم اكتب على يده جمع كلمة المسلمين يا رب العالمين.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم عاجلاً غير آجل يا قوي يا عزيز.

    اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

    اللهم اجعل عامنا الجديد عام عزٍ ونصرٍ للمسلمين، اللهم اجعله عام نصرٍ للمسلمين يا رب العالمين.

    اللهم حرر فيه مقدساتهم، وانصرهم فيه على أعدائهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.





    رد مع اقتباس  

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. كيكة على شكل الحرم المكي الشريف
    بواسطة ملكة الأماكن في المنتدى قسم الحلويات والمشروبات والايس كريم
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 02-Feb-2012, 09:53 PM
  2. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30-Sep-2009, 06:28 AM
  3. صور للحرم المكي و الحرم النبوي قديما.
    بواسطة D.O.D.I في المنتدى صور اسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 02-Sep-2008, 03:13 AM
  4. ™« مصحف الحرم المكى من صلاة التراويح لعام 1426هـ لأئمة الحرم الاربعة »™
    بواسطة هووواوووي في المنتدى تحميل و استماع اناشيد و صوتيات الاسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 14-Dec-2007, 04:45 AM
  5. سر؟برودة بلاط الحرم المكي
    بواسطة سعوديه وافتخر في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 28-Aug-2006, 05:20 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •