الخطبة 22
حفظ الله للعبد للسديس
إن العبد إذا حفظ الله عز وجل في أوامره ونواهيه، حفظه الله عز وجل في كل أموره وشئونه وحياته، وقد تعرض الشيخ في هذه الرسالة إلى شرح حديث ابن عباس في حفظ العبد لله، وحفظ الله عز وجل.
معنى "احفظ الله"
الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدِ، ومن يضلل فلن تجد له أولياء من دونه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وأمينه على وحيه، نبي شرح الله صدره، ووضع وزره، وأعلى قدره، ورفع ذكره، وجعل الذلة والعار على من خالف سنته وعصى أمره، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، وتقوى الله جماع خيرَي الدنيا والآخرة، وحياض من شر العاجلة والآجلة، واعلموا عباد الله! أن الله تعالى أمركم بحفظ أوامره واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، ومَن حفظ الله في الدنيا حفظه الله في الدنيا والآخرة. أخرج الإمام أحمد و الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك } الحديث. وحِفظ الله يا إخوة الإسلام! يعني: حفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، ويكون ذلك بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده، فلا يتجاوز ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهى عنه، ودخل في ذلك فعل الواجبات جميعاً، وترك المحرمات كلها، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله، الذين مدحهم الله في كتابه الكريم بقوله ضمن صفات المؤمنين: وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112] وقال سبحانه: وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:31-33] وفُسِّر الحفيظ: بالحافظ لأوامر الله وحدوده.
المحافظة على الصلوات
ومن أعظم ما يجب على العباد حفظه من المأمورات بعد سلامة التوحيد وصحة العقيدة: الصلوات الخمس، قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وقال جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9] يحافظون على أدائها في أوقاتها وأماكنها بطهارتها وخشوعها وأركانها وواجباتها وسننها.
أعلى الصفحة
حفظ الضروريات الخمس
ومما يؤمر بحفظه ما تميزت به هذه الشريعة من أنها جاءت بالمحافظة على الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والنسب، والعقل، والمال.
فالمحافظة على الدين: بفعل أوامره واجتناب نواهيه مطلقاً.
وحفظ النفس: بعدم الاعتداء عليها بقتل أو أذى.
وحفظ النسب والعرض: بالنكاح الشرعي والبُعد عما حرم الله من الزنا واللواط والقذف، ومجانبة أسبابها.
وحفظ العقل: بصيانته عما يخله من المسكِرات والمخدِّرات والمفتِّرات بأنواعها وصنوفها.
وحفظ المال: باتباع الطرق الشرعية في جلبه والبُعد عن الطرق المحرمة والمشتبهة، وإحاطته وغيره بالعقوبات التي تمنع الاعتداء عليه، وذلك بإقامة الحدود الشرعية.
أعلى الصفحة
حفظ الجوارح
ومِّما يتعيَّن حفظه على المسلمين: الجوارح؛ فيُحفظ الفرج عما حرم الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29].
والبطن؛ فلا يدخله إلا الحلال الطيب.
واللسان؛ فلا يتكلم إلا بخير وصدق ويجتنب الكذب والغيبة والنميمة واللمز وقول الزور، قال صلى الله عليه وسلم: {وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم } أخرجه الترمذي وغيره عن معاذ رضي الله عنه .
ومن ذلك: حفظ البصر والسمع عما حرم الله، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] إلى قوله سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] وقال عز وجل: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].
أعلى الصفحة
حفظ الأمة الإسلامية لله
يوم أن كانت الأمة الإسلامية محافظة على أوامر الله، قائمة بحدود الله، محكِّمة لكتاب الله نالت السيادة والريادة والنصر والعزة والكرامة، ويوم أن تخلت عوقبت بالذل والهوان والضعف والاختلاف وتقوية الأعداء.
فيتعين على أرباب الولاية في أرض الله أن يحفظوا شريعة الله بالحكم بها في كل صغير وكبير، وأن يكون سورُها واقٍ على نهج من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونبذ كل ما يخالفهما من أحكام الجاهلية.
وعلى علماء الأمة وأهل الرأي فيها أن يحفظوا العهد والميثاق فينشروا العلم النافع في صفوف المسلمين ويجاهدوا في سبيل الله، ونفع عباد الله، ويؤدوا رسالتهم العظيمة لئلا يقعوا تحت طائلة الكتمان المحرم.
وعلى شباب المسلمين أن يحفظوا شبابَهم ووقتهم ويبتعدوا عن الشر والرذائل لينفعوا دينهم وأمتهم وبلادهم.
وعلى نساء المسلمين أن يحفظن حدود الله ويَسِرْن على هدي من كتاب الله وسنة رسوله، فيلزمن الحجاب والعفاف والحياء ويبتعدن عن كل ما يكون سبباً في الشر والفتنة.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الحافظين لحدوده، القائمين بأوامره، المبتعدين عن نواهيه.
اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
حفظ الله لعباده
الحمد لله الملك العلام، القدوس السلام، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
اتقوا الله عباد الله! واحفظوا حدوده تنالوا الحفظ منه، قال العلامة ابن رجب في شرحه لحديث: { احفظ الله يحفظك } وحفظ الله لعباده يدخل فيه نوعان:
أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ الله في صباه وقوته؛ حفظه الله في كبره وضعف قوته ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته في ذريته ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله؛ فإن الله يحفظه في تلك الحال، قال بعض السلف: من اتقى الله فقد حفظ نفسه ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله غني عنه.
النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظ الله لعبده في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة والبدع المذلة، والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان.
فاتقوا الله يا عباد الله! واحفظوا حدود الله يحفظكم في الدنيا والآخرة.
ألا وصلوا على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وأخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين، يا رب العالمين!
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان يا أرحم الراحمين!
اللهم وفق المسلمين للعودة السابقة إلى دينك القويم، اللهم أصلح قادتهم وعلماءهم وشبابهم ونساءهم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم أيد بالحق إمامنا، اللهم أيده بالحق المبين يا أرحم الراحمين! واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم اجعله قرة عين للإسلام والمسلمين، اللهم اجعله هادياً مهدياً يا أرحم الراحمين!
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.