محاضرة 32
التشبه وروح الانهزام في الأمة / بن حميد
شبابنا اليوم قد انجروا وراء الغرب تشبهاً بلبسهم وبكلامهم وبقصات شعرهم . إلخ، والله جل وعلا قد ميز كل أمة عن غيرها بمميزات، وعزة الإسلام تكمن في تميز أهله عن غيرهم من أهل الباطل.
وقد ساق الشيخ في هذا الدرس أحاديث في تحريم التشبه بالكافرين، كما ذكر مجالات التشبه، وبين خطر التشبه على الأمة الإسلامية.
ونبه إلى ضرورة الاستفادة من الآخرين في الصناعات والتقدم التقني، وأنه ليس تشبهاً ولا يدخل ضمن مجالات التشبه.
تميز الأمم بعضها عن بعض والحكمة من ذلك
الحمد لله الذي لم يزل بصفات الكمال متصفاً، جوادٌ كريم إذا وعد أنجز ووفى، تواب حليم إذا عصي تجاوز وعفا، أحمده سبحانه وأشكره على ما بسط من آلائه وأوفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو حسبي وكفى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أزكى البرية أصلاً، وأعلى الأنام شرفاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الحنفاء السادة الخلفاء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد :
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- فإن تقوى الله عروة ما لها انفصام، من استمسك بها حمته -بإذن الله- من محذور العاقبة، ومن اعتصم بها وقته من كل نائبة، فعليكم بتقوى الله فالزموها، وجدوا في الأعمال الصالحة واغتنموها، فالزمان يطوي مسافة الأعمار، وكل ابن أنثى راحل عن هذه الدار.
أيها المسلمون! قضت سنة الله -عز وجل- في هذه الدنيا أن يتصارع الحق والباطل، ويتدافع الهدى والضلال، ويتنازع الصلاح والفساد، وفي محكم التنزيل: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:25]، ويقول سبحانه وتعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].
فالتدافع في هذه الدنيا قائم بلا انقطاع، والتنازع سِرٌّ من أسرار هذه الحياة، وناموس من نواميس الله في خلقه، يجري على قدر، وينتهي إلى غاية، تدبير من حكيم عليم، ولقد كان من مقتضى ذلك أن تتعدد المجتمعات في صفاتها، وتتنوع في سماتها، فتلتقي كل جماعة على صفات عامة تؤلف بينها، وتشد بنيانها، وتوثق تماسكها، وتوحد صفوفها، لتبدو كالجسد الواحد، وفي ذات الوقت تتميز كل جماعة أو مجموعة عن غيرها بخصائص وعوامل تجعلها ذات استقلال وانفراد، فتشابه أفراد المجموعة يحفظها من التشتت والتفكك، وأما مخالفتها لغيرها فيحميها من الذوبان والاضمحلال، ودين الإسلام -وهو دين الفطرة- يقرر هذه السنة الإلهية، والنظام الرباني، فقد جعل الله الناس أمماً، كما جعلهم شعوباً وقبائل، فقال سبحانه: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ * وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الحج:67-69].
ويقول سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48] وفي هذا الباب وبمقتضى هذه السنن حرص الإسلام على تميز المسلمين عن سائر الأمم بوصفهم أمة مسلمة، فلقد دلت الدلائل والنصوص على حفظ هذا الدين ورعاية تميزه واستقلاله، وخلوصه من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعته ومنهاجه أقوالاً وأفعالاً ومظاهر تباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وتخالف طريق الكفار والمشركين، والمجوس والوثنيين.
التحذير من التشبه بالكفار
إن دين الإسلام مبني على الابتعاد عن مشابهة الكفار، ومن أعظم مقاصد الدين وأصوله تميز الحق وأهله عن الباطل وأهله، وبيان سبيل الهدى والسنة والدعوة إليه، وكشف سبيل الضلالة والتحذير منه، وقد أوضح ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفصَّله، وأمر أمته بمخالفة الكفار في جميع أحوالهم في العقائد والعبادات، والعادات والمعاملات، والآداب والسلوك.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد في مسنده ، ,وأبو داود في سننه ، وحسنه الحافظ ابن حجر ، وصححه الحافظ العراقي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، وفي الحديث الآخر: {ليس منا من تشبه بغيرنا } رواه الترمذي .
وقد تكاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : {خالفوا المشركين } {خالفوا المجوس } {خالفوا اليهود } {خالفوا أهل الكتاب } { ومن تشبه بقوم حُشر معهم }.
وقد أورد أهل العلم على هذا أكثر من مائة دليل، قالوا: "حتى في الصلاة التي يحبها الله ورسوله شُرع لنا تجنب مشابهتهم حتى في مجرد الصورة، كالصلاة عند طلوع الشمس وغروبها، فريضةً كان ذلك أو تطوعاً".
ويقرر جمعٌ من أهل العلم أن التشبه وجه من وجوه المودة والموالاة، مما يدخل في قوله سبحانه : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
مجالات التشبه بالكافرين
أيها المسلمون! والتشبه يكون بفعل الشيء لأجل أن الأعداء فعلوه، ومن فعل شيئاً لأن غيره قد فعله فقد تشبه به، ومن تبع غيره في فعل منسوب إليه فقد تشبه به، والمتشبه محب لمن يتشبه به، ومحب لعاداته: {والمرء مع من أحب } والإنسان ميَّال بطبعه إلى نظيره وشبيهه، وهذه طبيعة الإنسان مفطورٌ عليها، وهذا يورث مودة وألفاً، فمن تشبه بقوم أو طائفة وجد في قلبه أنساً بهم وميلاً إليهم، كما يجد نفوراً وابتعاداً ممن يخالفه أو يعارضه، وقد شهد الحس والوجدان بأن النفوس مجبولة على حب من يتبعها، ومن تشبه بغيره في مظهره وعادته وسلوكه ولغته أو أي شيء من أشيائه، فإنه يولد إحساساً بالتقارب، وشعوراً بالتعاطف، والطيور على أشباهها تقع، فإذا كانت المشابهة في الأمور الدنيوية تورث مثل هذه المحبة والمودة والميول والمشاكلة؛ فكيف بأمور الدين والتربية والأخلاق والإعجاب بأحوال الأعداء ومبادئهم ونظمهم؟ فإنَّ إفضاءها إلى أنواع من الموالاة أكثر وأشد مما قد يقود الواقع فيها إلى الدخول في قضايا الإيمان ومسائل الاعتقاد.
أيها المسلمون! ومن أجل هذا فقد تكاثرت النصوص وتواترت في التحذير من التشبه بالكفار في جميع مللهم وعقائدهم، وفي كل ما له صلة بالعقائد والعبادات والعادات، ففي باب العقائد جاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن الغلو في الصالحين، واتخاذ القبور مشاهد ومزارات والبناء عليها، كما جاء النهي عن التفرق في الدين، وعن العصبيات والتحزبات والشعارات، وكذلك النياحة على الميت، والفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، وحمية الجاهلية.
وفي العبادات ورد النهي في مسائل كثيرة من أبواب الأذان والمساجد، والصلاة في أوقات صلاتهم أو هيئاتها، والصيام في أوقات صيامهم، والحج على طريقتهم، والنكاح والذبائح والأعياد.
وفي العادات والآداب من اللباس والزي والزينة، والطعام، وتوفير اللحى، وحف الشوارب، وتغيير الشيب، وطريقة إلقاء السلام، والجلوس، والاضطجاع، والأكل بالشمال، والتختم بالذهب، وإسبال الثياب، وحمل الصور، واصطحاب الكلاب، والفن الساقط، والطرب، ومزامر الشيطان.
أعلى الصفحة
خطر التشبه بالكفار
إن التشبه بالكفار عقائدهم وعباداتهم إظهار لأديانهم الباطلة وعباداتهم الفاسدة ونشرٍ لها، والتشبه بالعادات والصفات إهانة للأمة، وشعور بالضعف والذلة، والتبعية والدونية.
وإن المخالفة فيما أمر المسلمون فيه بالمخالفة مصلحة في الدين، وإبقاء عليه، وحفظ له من أسباب الانحلال، كما أن الموافقة فيما نهي عن الموافقة فيه مضرة بالدين وموقعة في أسباب الانحلال.
ومع الأسف! فقد نبتت نابتة في العصور المتأخرة، وفي أعقاب الزمن ذليلة مستعبدة، ديدنها التشبه والاستخذاء، ووجد في بعض أهل الرأي وبعض الضعاف من المنتسبين إلى العلم من يهون أمر التشبه بالكفار في اللباس والهيئات والمظهر والخلق، حتى صاروا مسخاً في الأمة، فترى الاستئناس بأحوال الأعداء، والرضا عن مسالكهم، وازدراء المسلمين وتنقصهم، والتنكر للجميل من عوائدهم ومحافظتهم واحتشامهم في سلوكم ولباسهم، ومن انسلخ من عوائد أهل دينه فقد أبرز شأن أعدائه وقدم أمرهم على أمر المسلمين.
إن كثيراً منهم يعيشون تشبهاً يقود إلى الذوبان والانحلال والتهتك، بل يقود إلى الفسوق والفجور والحرية المتفلتة، والاختلاط المحرم، وقبول التبرج والسفور، وإبداء الزينة المحرمة، وبسبب الغفلة عن هذه القضية، ضعفت معنويات كثير من المسلمين، وتضعضعت أحوالهم، وتبلبلت أفكارهم، ونشأت فيهم النظريات الهدامة، والأفكار المنحرفة، في عقولهم وديارهم، وشب فيهم فئات لا تعرف للدين منزلة، ولا تعترف للفضيلة بوزن، مظاهر التغريب، وبواطن الانحراف في الأخلاق والعادات، والإفراط في أنواع من الفسوق والفجور، وانتشار الجرائم، مما لم يكن معهوداً في أوساط المسلمين، ترى ما الذي أصاب فئات من أبناء الأمة، فتساقطوا في أحضان الأعداء، خفة في الوزن، وضعة في القدر، فلا دين لله أقاموا، ولا أعداؤهم لهم صدقوا وأخلصوا، فمهما قدم هؤلاء الضعاف من تنازلات وذابوا في شخصيتهم ولاقوا رطانتهم فلن يجدوا ناصراً، ولن يكسبوا وداً: أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ [الملك:20].
أيها المسلمون! إن التحذير من التشبه هو دعوة المصلحين الخُلَّص من حُرَّاس الملة، إنهم مُصلحون أبصروا بالعلل وأسباب الهزائم، وفقهوا طرق العزة وأسباب طمس الهوية ومسالك التبعية من مظاهر الشخصية، والحياة والتفكير مصلحون يدركون أن صحة الطريق بصفاء التميز وتأكيد الخصوصية.
فمن كان شحيحاً بدينه، راغباً في خلاص مهجته من عذاب الله فليتق الله، وليلزم هدي الإسلام، ويتبع سبيل المؤمنين، وليحذر طريق المشركين، والمغضوب عليهم والضالين.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:30-32].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أعلى الصفحة
الاستفادة من الآخرين في أمور الدنيا
الحمد لله خلق النفوس فألهمها فجورها وتقواها، وأرشدها إلى هداها، وحذرها من رداها، أحمده سبحانه وأشكره، شكر من عرف نعمه فرعاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رضيت به رباً وإلهاً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرفع الخلق قدراً، وأعظمهم جاهاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله! لقد أكمل الله هذا الدين ورضيه، وأتم به على المسلمين نعمته الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، فكانت هذه الأمة بالإسلام خير الأمم، ومن المعلوم قطعاً وجزماً أن هذه الخيرية نابعة من كمال دينها، وصفاء عقيدتها، ووفاء شريعتها، لا تكون العزة ولا يتحقق السمو إلا به، بل لا تكون النجاة في الدارين إلا بطريقه، والبشر محتاجون إليه حاجتهم إلى الغذاء والهواء، ومن كمال الدين واكتمال الصورة التفريق البين في ديننا بين منع المشابهة في العقائد والأحكام والأخلاق وبين مشروعية الإفادة مما عند الآخرين من علوم ومعارف وصناعات وأساليب تجارة، ووسائل تقانة، فهذا غير تشبه؛ لأن العلوم والصناعات ترجع -بإذن الله وتوفيقه- إلى الجهود البشرية البحتة من المعلومات والمعقولات والتجارب، كما أن باب البر والصلة، والإحسان والعدل شيء غير الموالاة والمودة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].
إن الإسلام لم يُحفظ كيانه، ولم يحتفظ بقوته إلا بالاستقلال في شريعته، وانفراده بأخلاقه ومبادئه، وبعده عن التشبه القائد إلى الذوبان، والمروق والانحلال.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعرفوا فضل الله ومنته، وعظموا أمر دينكم، وقدروه قدره، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أُمرتم بذلك في كتاب الله، فقال ربكم جل في علاه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضِ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وفضلك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذه بناصيته للبر والتقوى، وأيده بالحق وأيد الحق به، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة لأوليائك، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك، لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، وأنزل عليهم نصراً من عندك، اللهم واخذل اليهود ومن شايعهم، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم.
اللهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب! اهزم اليهود واخذلهم، وزلزل الأرض من تحتهم، اللهم واجعل بأسهم بينهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وعتوا في الأرض فساداً، وعتوا في عباد الله تقتيلاً وتنكيلاً وهدماً وتشريداً، اللهم عليك بهم، واكفناهم بما شئت يا رب العالمين.
اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والربى والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.