الدرس, السالكين, شرح, كتاب
منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدِّين
للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
المتوفَّـىٰ سنة 1376 هـ
وهذا شرح ميسّر له على حلقات
الدرس الأول من شرح كتاب منهج السالكين
قال الشيخ رحمه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
قال العبد الفقير عبد الرحمن السحيم :
الشرح :
افتتح المصنف رحمه الله كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز ، ولبركة هذا الاسم .
وأما حديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " فهو حديث ضعيف جداً ، كما في إرواء الغليل للألباني .
ثم افتتح المصنف كتابه بخُطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بها
قال الشيخ رحمه الله :
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
الشرح :
وقد تضمّنت هذه الخطبة الحمد والشهادة لله بالوحدانية ولنبيِّـه بالرسالة والاستعانة والاستغفار والتوبة .
وافتتح المصنف كتابه بهذه الخطبة لقوله عليه الصلاة والسلام : كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
والمتأمل في هذه الخطبة يجد أن الحمد والاستعانة والاستغفار بلفظ الجمع بخلاف الشهادة .
قال ابن القيم رحمه الله : والأحاديث كلها متفقة على أن " نسعينه ونستغفره ونعوذ به " بالنون ، والشهادتان بالإفراد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحد عن أحد ولا تقبل النيابة بحال أفرد الشهادة بها ، ولما كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار يُقبل ذلك ، فيستغفر الرجل لغيره ، ويستعين الله له ، ويستعيذ بالله له أُتي فيها بلفظ الجمع . وفيه معنى آخر ، وهو أن الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب وإنشاء ، فيستحب للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين ، وأما الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالواحدانية ولنبيه بالرسالة وهي خبر يُطابق عَقْد القلب وتصديقه ، وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله ، بخلاف إخباره عن غيره ، فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه لا عن عَقْد قلبه ، والله أعلم . انتهى كلامه رحمه الله .
قال الشيخ رحمه الله :
أما بعد :
فهذا كتاب مختصر في الفقه ، جمعت فيه بين المسائل والدلائل واقتصرت فيه على أهم الأمور وأعظمها نفعا لشدّة الضرورة إلى هذا الموضوع
وكثيرا ما اقتصر على النص إذا كان الحكم فيه واضحا
لسهولة حفظه وفهمه على المبتدئين
الشرح :
جعل المصنف كتابه هذا مُختَصَراً مُقتصِراً فيه على النص متى ما كان الحُـكم واضحاً
وطريقة المصنّف أنه لا يُكثر من الأدلة لسهولة الحفظ والفهم .
كما أن من طريقته أنه يسوق المسائل ويؤخّر الأدلة أحياناً ليسوقها في الأخير .
قال الشيخ رحمه الله :
لأن العلم : معرفة الحق بدليله
الشرح :
ولما كان هذا هو المقصود اكتفى بالدليل الواضح ، وربما اكتفى بالدليل الواحد .
فهذا هو العلم كما قال الذهبي :
العـِلم قال الله قال رسولـه *** قال الصحـابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأى فقيه
وقال ابن القيم في النونية :
العِـلم قال الله قال رسولـه *** قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فلان
قال الشيخ رحمه الله :
والفقه : معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح
الشرح :
هذا هو تعريف الفقه ، والفقه في اللغة هو الفهم
ويزيد بعضهم في التعريف : بأدلّتها التفصيلية
ليخرج بذلك القيد " معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها الإجمالية " ويُقصد بذلك أصول الفقه
لأن أصول الفقه تبحث في الأدلة الإجمالية وتوضع القواعد عليها ، بخلاف الأدلة الفقهية .
واقتصر المصنف رحمه الله في هذا المختصر على مصادر الاستدلال المتفق عليها ، وهي :
الكتاب ، وإذا أُطلق فإنه يُقصد به الكتاب العزيز " القرآن " .
والسنة ، ويُقصد بها ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة تقريرية أو وصف خلقي أو خُلقي .
والإجماع ، أي ما أجمعت عليه الأمة ، ولو كان في عصر من العصور ، ولو جرى الخلاف في عصر ثم وقع الإجماع واستقر وجب الأخذ به وحرُمت مُخالفته ، ولا يجوز خرق الإجماع ، ويجدر بطالب العلم العناية بمعرفة الإجماع حتى لا يأتي بطوامّ تُضحك العوامّ !
وقد دلّ الكتاب العزيز على حجية الإجماع ، كما في قوله تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا )
ودلّت عليه السنة كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة . رواه الحافظ الضياء في المختارة .
وينبغي التنبّه إلى أن بعض من يذكر الإجماع أو يسوقه يتساهل فيه أحيانا
وممن وُصف بذلك : الإمام ابن المنذر والإمام النووي وابن قدامة في المغني ، فإذا قيل : أجمع العلماء على كذا فيحتاج للتأكد منه ، إذ قد يعنون به أحيانا رأي الجمهور .
والقياس : أن يُقاس فرع على أصل ثابت حكمه ، ويشترك المقيس والمقيس عليه في العلّة .
وينبغي أيضا التنبّه إلى كثرة وقوع الخطأ في القياس .
ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالتأويل في الأدلة السمعية ، والقياس في الأدلة العقلية .
فلا يتحقق القياس إلا بوجود العلة المشتركة
وبوجود النص الواضح الجلي في الأصل الذي يُقاس عليه .
ولا عبرة بمن خالف أو ردّ القياس ، وهم الظاهرية رحمه الله ، فقد رد القياس وقال ببطلانه ، وهذا لا يُلتفت إليه
فهذه الأربعة ( الكتاب والسنة والإجماع والقياس ) هي مصادر الاستدلال المتفق عليها
وهناك مصادر للاستدلال مُختلف فيها ، ومنها :
* قول الصحابي ، والصحيح أنه حجة
* الاستحسان
* استصحاب الحال
* عمل أهل المدينة
وغيرها ، وهي مبسوطة في كُتب أصول الفقه .
قال الشيخ رحمه الله :
وأقتصِر على الأدلة المشهورة خوفا من التطويل .
الشرح :
بمعنى أنه لا يورد جميع الأدلة التي تحضره في المسألة خشية الإطالة .
قال الشيخ رحمه الله :
وإذا كانت المسالة خلافية اقتصرت على القول الذي ترجح عندي تبعا للأدلة الشرعية
الشرح :
وقيّده بما ترجّح عنده ؛ لأنه قد يكون عنده راجحا وعند غيره مرجوحا ، لما يرى أو لما يتضح له من خلال الأدلة .
لأنه قد يصح الدليل عند عالم فيأخذ به ، ولا يصح عند غيره فلا يأخذ به ، وهكذا .
ثم قال الشيخ رحمه الله :
الأحكام الخمسة :
الشرح :
هذه تُسمى الأحكام الشرعية ، أو الأحكام التكليفية التي كُلّف بها العباد ، والقيد فيها أغلبي ؛ لأن المباح لا يُكلّف به ، فلا يتعلّق به أمر ولا نهي .
وقد عرّف المؤلف هذه الأحكام ببيان حكمها وأقسمها ، وهو ما يُسمّيه الأصوليون : التعريف بالرسم .
وهناك التعريف بالحدّ ، وهو بيان حقيقة الشيء .
قال الشيخ رحمه الله :
الواجب : وهو ما أُثيب فاعله وعوقب تاركه
الشرح :
وهذا التعريف غير دقيق .
لماذا ؟
لأنه ليس كل من فعل الواجب أُثيب عليه ، ولا كل من تركه أثم وعوقب .
ولو قيل : ما أثُيب فاعله امتثالاً ، وعوقب تاركه عمداً .
فعلى سبيل المثال : الصلاة
قد يُصلي المنافق ولا يُثاب
وقد يتركها المسلم نسيانا ولا يُعاقب ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك . رواه مسلم .
وقد عُرّف الواجب بـ : ما استحق فاعله الثواب بفعله ، واستحق تاركه العقاب بتركه .
وتعريفه بالحدّ : ما طلب الشارع فعله طلبا جازما
فالواجب مأمور به مطلوب على سبيل الجزم ، بخلاف المسنون .
قال الشيخ رحمه الله :
والحرام : ضده
الشرح :
يعني : ما عوقب فاعله ، وأُثيب تاركه .
يُقال فيه مثل ما قيل في الواجب ، بأن التعريف غير دقيق .
فليس كل من فعل مُحرّما بآثم ، ولا كل من ترك مُحرّما مأجور مُثاب .
فقد يترك الحرام من لا يقدر عليه ويتمنى الحرام ويُعاقب عليه .
وقد يترك الشخص الحرام لنظر الناس إليه ولكنه لم يتركه لله عز وجل .
وقد يفعل الحرام من لا يعلم بحرمته فلا يُعاقب إذا لم يكن مُفرّطا
كما أن مرتكب الأمر المحرّم – وإن كان كبيرة – تحت مشيئة الله عز وجل ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذّبه .
ولو قيل فيه : ما استحق فاعله العذاب ، واُثيب تاركه لله ، لكان أولى .
وتعريفه بالحدّ : ما طلب الشارع تركه طلبا جازما
قال الشيخ رحمه الله :
والمكروه : وهو ما أثيب تاركه ، ولم يعاقب فاعله
الشرح :
كذلك
لو قيل فيه : ما أُثيب تاركه امتثالاً ، ولم يُعاقب فاعله . لكان أولى .
وتعريفه بالحدّ : ما طلب الشارع تركه طلبا غير جازم .
قال الشيخ رحمه الله :
والمسنون : ضده
الشرح :
كذلك
فالمسنون ما أُثيب فاعله امتثالاً ، ولم يُعاقب تاركه .
وتعريفه بالحدّ : ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم .
قال الشيخ رحمه الله :
والمباح : الذي فعله وتركه على حد سواء .
الشرح :
المباح متساوي الطرفين
لم يرد فيه أمر ولا نهي بخصوصه .
قال الشيخ رحمه الله :
ويجب على المكلف أن يتعلم من الفقه كل ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته وغيرها
قال صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين . متفق عليه .
الشرح :
هذا بيان ما يجب على المكلّف ، وأنه يجب على المسلم أن يتعلّم ما تصح به عقيدته ، وما تصح به عبادته ، وما تقوم به معاملاته .
وهذا القدر فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : طلب العلم فريضة على كل مسلم . رواه ابن ماجه وغيره ، وصححه الألباني .
فالفقير – مثلا – لا يجب عليه تعلّم أحكام الزكاة ، ولا تعلّم أحكام الحج ، طالما أنه لا يجد المال .
لأنه غير مُكلّف بهذه الأشياء
لكن الصلاة لا يُعذر بتعلم أحكامها أحد ، إذ تجب على الذكر والأنثى ، وعلى الحرّ والعبد .
ومن تعلّم أحكام دينه رفع الجهل عن نفسه وعن غيره
وأصابته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
ولم يعبد الله على جهل ، وإنما يعبد الله على علم وبصيرة .
ويكون مُطمئنا في علمه وعمله ومعتقده .
فالعلم نور لأهله في الدنيا والآخرة .
ومفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
أنه من لم يُرد به خيراً لم يُفقهه في الدّين .
والله تعالى أعلى وأعلم .
hg]vs hgH,g lk avp ;jhf lki[ hgshg;dk