الملاحظات
صفحة 11 من 29 الأولىالأولى ... 91011121321 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 110 من 290

الموضوع: رواية بين الأمس واليوم

  1. #101  
    المشاركات
    3,260

    عاد منصور بعد صلاة الظهر محملا بضيقه المتزايد الذي لم يظهره للسطح

    دخل إلى غرفة نومه متسللا بهدوء حتى يرى إن كانت قد نهضت من نومها

    ولكنه تفاجأ أنها غير موجودة والغرفة مرتبة ومبخرة


    رغما عنه لا يستطيع دفع هذا الألم المتزايد الذي يطبق عليه بشراسة

    حينما يتخيل حياته تعود خالية من وجود عفراء ولمسات عفراء وحنان عفراء

    أي حياة هذه الحياة ستكون محض قبر موحش بدونها

    تنهد وهو يغلق باب الغرفة لينزل بحثا عنها ليتفاجأ بها خلفه متأنقة له كعادتهامبتسمة كعادتها

    قبل جبينها وهو يسألها باهتمام: شأخبارش الحين


    ابتسمت له برقة: طيبة مافيني شيء كنت أدلع عليك بس


    منصور بحنان: واللي تبي تدلع ومش منزلها ليه ماقعدتي ترتاحين في غرفتش


    عفراء برقة: رحت أسوي لك غدا مخصوص مهوب كفاية إنك ماتعشيت البارحة واكيد ماتريقت اليوم


    منصور مد ذراعه ليلف بها كتفيها ويعود بها لغرفتهما وهو يهتف بمودة مصفاة:

    لا تعبين نفسش تكفين أنا باكل أي شيء حتى لو شاهي وخبز


    عفراء تبتسم: حضرت العقيد يتغدى شاهي وخبز لا والله مايكون


    منصور بولع حقيقي أخفى خلفه حزنه وتوجسه من المجهول: الله لا يخلي العقيد منش

    والعقيد يسألش يقول متى تبي تسافرين لجميلة تراه حاضر



    شعر بارتعاش كتفيها تحت ذراعه وهي تهمس بتردد عذب: يعني لو بغيت أسافر عقب عرس كساب على طول مايأثر على شغلك


    منصور بثقة: شغلي باخلصه قبل عرس كساب بكرة أو بعد بكرة باخلصه إن شاء الله

    وتبين عقب عرس كساب على طول رحنا


    حينها مدت عفراء جسدها وهي تقف على أطراف قدميها حتى تطوق عنقه وهي تهمس بسعادة غامرة: مشكور يابو زايد مشكور الله لا يحرمني منك







    ************************************






    " ياحياها الله عروستنا"


    مزون بحرج: أي عروسة خالتي الله يهداش أنتي العروس


    عفراء تبتسم: أي عروسه الله يهداش أنتي عقب ماشاب ودوه الكتاب


    مزون تبتسم وهي تميل على كتف خالتها تقبله: وأحلى عروس بعد وهذا أنا شايفتش قدامي منورة

    ليه عمي خرعني عليش وقال تعبانة. وإلا العم العزيز يبي يزحلقني بس


    عفراء بمودة: لا والله كنت تعبانة شوي بس الحين زينة


    حينها ضحكت مزون وقالت: تدرين خالتي شر البلية مايضحك اليوم جبت العيد عند عمي

    يوم قال لي تعبانة قلت له على طول مبروكحسبتش حامل

    يا الله ياخالتي فشلني عمي من قلب.


    غصة مجروحة قفزت فورا لحنجرة عفراء وهي تشعر بألم صدمة موجعة استنزفت مشاعرها الرقيقة

    وبدلت فرحتها الشفافة التي شعرت بها اليومإلى حزن امتهان موجع لكرامتها وأنوثتها

    (حتى مع بنت أخيه وبنت أختي عادي عنده يبين إنه مايبي عيال مني

    ماحتى احترمني قدامها

    أشلون الحين أحط عيني في عينها)


    لم يمر حتى يوم واحد على مافعله بها البارحة حتى يطعنها طعنة جديدة اليوم!!

    عفراء تشاغلت بصب الشاي لمزون وهي تنحي عبراتها التي تجمعت في حلقها جانبا وتحاول أن تتحدث بنبرة طبيعية:

    خلش مني أنا وعمش منصور ما تشوفين أنش طولتي وأنتي تفكرين في سالفة عيال آل ليث


    حينها غام وجه مزون بشفافية وهمست بذات الشفافية: تعبت خالتي من كثر ما فكرت أقدر قول لش قراري وخلاص


    عفراء باستغراب حنون: أكيد تقدرين


    مزون بهدوء شفاف: ما أبي ولا واحد منهم


    عفراء بصدمة: من جدش وش ذا يأمش فكري زين هذا عرس مهوب لعبة


    مزون هزت كتفيها: والله فكرت وصليت واجد وهذا للي الله هداني له

    صعب علي خالتي أرضى بواحد وأرفض ولد عمهيمكن لو كان واحد منهم هو اللي تقدم لي كان تفكيري اختلف

    بس الحين الله سبحانه خلاهم يخطبون مع بعض عشان أرفضهم كلهم


    عفراء بذات الصدمة: خلش من ذا الخبال والأفكار المثالية زين وكلهم تقدموا ترا ماحد منهم يدري بخطبة الثاني


    مزون بعذوبة شفافة: بس يوم أوافق على واحد منهم الثاني بيدري تخيلي فشيلته وحتى ضيقه من ولد عمه


    عفراء باستغراب غاضب: كيفه هو وولد عمه يحلون مشاكلهم بنفسهم فكري في مصلحتش وبس


    مزون تنتهد: خالتي أنتي خايفة انه ماعاد يجيني خطاطيب صح

    وحدة مثلي ويجيها اثنين ماعليهم كلام وترفضهم تكون تردي نصيبها هذا تفكيرش صح


    عفراء بجزع حنون: أشلون طرت ذا الأفكار على بالش يابنتي مهوب زين نطب النصيب الزين يوم ياتي والا الخطاطيب يا مالش من الخير جاي


    مزون عاودت التنهد بعمق أكبر: على قولتش خالتيالخير جاي

    وترا ياخالتي واحد+واحد= اثنين يعني لاحظي ماحد خطبني لين خليت الطيران حتى الطيار اللي كان معي

    معنى كذا أن العيب الكبير مهوب فيني لكن في دراستي وشغلي

    ومعنى كذا لي نصيب عاده جايني الله ما كتبه

    شفتي ياخالتي الشينة اللي فلوس ابيها تنفقها هذي أنا

    كنت أقول أول حتى لو أنا مهوب حلوة المثل يقول (الدراهم مراهم تخلي الوحشة حلوة واللي مش فاهم فاهم)

    بس أثر الطيران عيب غطى حتى على حلاوة الفلوس

    وهذا هو العيب انكشف لو لي نصيب بياتي


    عفراء بغضب: مزون وش ذا الكلام السخيف أنتي مافيش قصور ومهوب أنتي اللي تزينها الفلوس

    ثم أردفت بحنان : أنتي على قولت ابن فطيس:

    زينش يزينه فعل أبيش وجدش. وأنتي بدورش للنقا كسابة


    مزون بألم: خلاص خالتي خلي لكل وحدة قناعتها أنا فعلا ما أبي أتزوج الحين والمشكة بيني وبين كساب ما انحلت


    عفراء رفعت حاجبا وأنزلت آخر: قولي إن السالفة فيها كساب بدون ذا الخرابيط كلها


    مزون نظرت لساعتها: خلاص ردي صار عندش بلغيه عمي وكساب

    وعلي الحين بيجي يأخذني


    حينها انتفضت عفراء بخفة: مزون حبيبتي اقعدي عندي عمش يقول عنده بكرة شغل من فجر وماراح يرجع إلا بكرة في الليل متاخر

    امسي عندي الليلة


    عفراء تريد أن تبقى مزون عندها كدرع تحتمي به من منصور الذي تشعر بغضب عميق منه ولا تريد أن يكونا لوحدهما الليلة

    فرؤيته دون حاجز حامي ستفتح جروحها التي بدأت تتكاثر منه.


    مزون أجابتها بمودة: يا ليت أقدر بس تدرين ابي ما يرضى

    بس أوعدش بكرة أجيش من بدري وأسهر عندش لين متأخر

    الليلة خلي حضرت العقيد يشبع من قعدتش بدون عزول


    عفراء تنهدت بوجع (شيدريش أني أبيش تقعدين عزول)


    لم تكن عفراء مطلقا تريد أن تبقى وحيدة مع منصور هذه الليلة

    فبقائهما وحيدين سيفتح مساحة للبوح هي غير مستعدة لها مع تعاظم تجريح منصور لها حتى وصل إلى حد السخرية بها أمام ابنتها


    مزون غادرت وخلا المكان على عفراء

    وأعشبت مساحات الألم التي وجدت لها مرتعا خصبا من غضب وعتب وألم

    قد تقبل أي شيء منه إلا أن يهينها أمام أبنائها تقبل بأي شيء إلا أن يكسر صورتها أمامهم

    فكيف واتته الجرأة أن يذكر أمام مزون أنه لا يريد أطفالا منها

    أي زواج هذا الذي يكون خاليا من أدنى احترام مفترض بهذه الصورة

    تنهدت بعمق لاسع وزفرت غضبها بحرارة

    رغم أن عمر زواجها القصير لم يخل من إساءات منصور لها

    ولكن من بين كل الإساءات هذه كانت الأعظم بلا مقارنة

    ما بينهما - مهما كان جارحا- صداه محدود بينهما

    لكن أن ينقله خارج حدودهما فهذا يعني انتشارا لا محدودا لصدى الجرح

    فهل كان يهدف من ذلك إلى الانتقام منها لما حدث البارحة حينما ناقش شرطها؟!

    أ يعقل أن منصور قد ينحدر إلى هذا التفكير المنحط الدنيء أ يعقل


    ثم كيف يكون حقا له أن يناقش شرطها ويغضب منه

    بينما شرطه لا يُمس ولا يُناقش كأنه حقيقة مُسَلمة لدرجة أن يُشرك مزون فيه بأي صورة حتى لو كان مزاحا

    ألا يكفي معرفة كساب له إحراجا لها بينما شرطها له سر بينهما لا يعرفه سواهما

    فهل هكذا الشهامة في عرفك يامنصور


    ألا يكفي أنه فعلا بدأت تسيطر عليها رغبتها بإنجاب طفل منهباتت تتخيل أطفالا يشبهونه ولهم نفس عنفوانه الآسر

    ولكنها يستحيل أن تضايقه بهذا الطلب وهي تقمع هذه الرغبة التي هي حقها الطبيعي

    ثم بعد ذلك يزيدها عليها بتصرفاته

    كيف يريدها أن تقتنع أنه يحبها وحريص عليها لدرجة هذا الغضب الهادر من شرطها وهو يتصرف معها على ها النحو الذي يثبت أن كلامه محض ادعاء وكذب

    فكلامه شيء وتصرفاته تثبت عكس مايقول


    تستطيع أن تخبره ببساطة أن شرطها كان خط حماية لحياة مجهولة معه لا تعلم كيف ستكون

    وأنها لو أيقنت أنه سيكون الحماية والاحتواء لها ولابنتها فشرطها لا داعي له

    ولكنه لم يشجعها على ذلك وهو يثير في روحها قلق دائم من حياتها معه


    التهمها هذه الأفكار وهي تدور في البيت تحاول الالتهاء فلا تلتهي عن أفكارها

    كانت غارقة في أفكارها وهي تجلس على أريكة في صالة الطابق العلوي

    حين فوجئت بمن ينحني عليها من الخلف ويقبل رأسهاوهو يلقي السلام

    ردت السلام بهدوء


    استدار ليجلس جوارها وهو يهتف بحنان: أشلونش الحين يا قلبي


    (قلبك يا النصاب؟!) هكذا قالت عفراء في ذهنها وهي ترد بنبرة محايدة: الحمدلله تمام

    تبي عشا


    مد يده ليطوق كتفيها وهو يشدها ناحيته ليقبل خدها وهو يجيب: متعشي في المجلس


    ولكنه فوجئ بها تنفض كتفيها وتنهض فهي لا تستطع تقبل لمساته بعد ما تظنه فعله

    حينها هتف بحزم غاضب وهو مازال جالسا وهي واقفة: عسى ماشر


    عفراء بذات النبرة المحايدة وهي تستعد للمغادرة: مافيني شيء تعبانة وأبي أنام


    فوجئت به يقف وينتزعها من عضدها بحزم: ياويلش مرة ثانية تخليني وأنا أتكلم معش


    عفراء همست بنبرة حزم لم يعتدها منها: أيش بتسوي يعني بتضربني

    ولو سمحت فك يدي لأنك آجعتني


    منصور أفلت عضدها وهو يهتف بحزم: مهوب أنا اللي أمد يدي على مرة

    بس أنتي الليلة منتي بطبيعية خليتش المغرب مافيش شيء


    عفراء تشعر أنها تريد أن تبكي وتمنع نفسها وهي تدفع القوة في عروقها:

    يعني ما يحق لي مرة أزعل أو أتضايق وأنت تستحملني شوي


    منصور بذات النبرة الحازمة التي حملت هذه المرة دفئا عميقا: أنا استحملش عمري كله

    بس أظني أنش صرتي عارفتني أسلوب المراوغة ما أحبه

    وأنتي مبين أنش زعلانة مني قولي لي أيش اللي مزعلش


    عفراء حينها تنهدت بألم رغما عنها وشعر منصور أن تنهيدتها نفذت من صدره

    ولم يشعر بنفسه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويهتف لها بحنان مصفى:

    وتنهيدة بعد أفا يا الغالية وش اللي مضايقش

    أدري أني أجيب الهم والضغط. بس والله ذا المرة ما ظنتي إني سويت شيء

    علميني منصور أبو دم ثقيل وش سوى


    عفراء اشاحت بوجهها لتبتعد عن مدى كفيه حينها تأخر منصور للخلف وهو يهتف بحزم عاتب: وحتى أقل لمسة ما تبينها مني. والله أن الزعلة كايدة

    شوفي خرابيط خلني بروحي وأبي أختلي بنفسي هذي ما أبي أسمعها

    الحين تقولين لي وش اللي مزعلش مني؟


    حينها رفعت عفراء عينيها الغائمتين له وهمست باختناق:زين يوم أنت حريص على الحوار ليش أمس طلعت وخلتيني وأنا أقول لك اقعد نتفاهم

    وإلا بس هذا حقك بروحك

    وعلى العموم خلنا في اليوم.تشوف إن الكلام اللي قلته لمزون مايزعل ليش تسوي فيني كذا يا منصور

    ممكن أقبل منك أي شيء إلا إنك تفشلني في عيالي


    منصور بصدمة: أنا فشلتش في مزون شكلش تخيلين شيء ماصار


    عفراء بألم أكبر: وبعد شايف إن اللي أنت قلته لها مافيه شيء خلاص منصور ما قصرت تصبح على خير


    منصور بغضب: وش تصبح على خير ذي تقطين الكلمة وتروحين مافيه اقعدي وفهميني


    حينها جلست عفراء وانخرطت في بكاء خافت وهي تشهق: بس منصور حرام عليك لازم توصلني لأخري ارحمني الله يرحم والديك


    منصور حينها استعد لمغادرتها لغرفته وهو يهتف بغضب حازم: ذا اليومين ما أدري وش فينا. شياطيننا متركزة الله يكفينا شرها

    بأخليش يأم جميلة بأروح أنخمد وراي شغل من فجر

    وانتي اشبعي بالتفاهم مع روحش يمكن توصلين مع روحش لحل لمشاكلش مع رجّالش اللي طلعتيه من السالفة


    عفراء رفعت عينيها وهي ترى ظهره داخلا لغرفتهما ثم يغلق الباب خلفه بدوي هائل كأنه سيحطم الباب

    انتفضت من الصوت وهي تستغرب قوله لها أم جميلة هي بالفعل تحب أن يُقال لها أم جميلة ولكنها المرة الأولى التي يقولها لها منصور

    ( أ هذه رسالتك الجديدة يا منصور

    فلست زوجتك عفرا

    ولكن أم جميلة فقط

    أ تشير إلى أنني قد أختار جميلة عليك لذا يجب أن أكتفي بكوني أما لها وليس زوجتك وشريكة حياتك

    ماذا أفعل يا منصور إن كنت لا تسمح لي أن أكون أما لسواها

    هل تظن أنه لو كان بيننا أطفال أنني قد أتركك

    أقسم لك أنني لا أريد تركك بدون أطفال فكيف لو كان هناك مايربط بيننا

    أريد أطفالا تكون أنت والدهم

    ولكنك ترعبني من الحياة معك

    تعبت يا منصور تعبت ونحن ما زلنا في أول الطريق

    يا لك من رجل مستبد متسلط لا تكتفي بأوساط الحلول ولا أوساط المشاعر!!)


    قضت عفراء ليلتها جالسة في الصالة صلت هناك وأخذت من سجاجيد وأجلة الضيوف

    لم تدخل على منصور ولم تستبدل ملابسها ولم تأخذ سجادتها

    تشعر أنها منهكة تماما من التعب والتفكير تمددت بشكل مائل على الأريكة ونامت

    صحت على هزات حانية على كتفها فتحت عينيها حين رأت وجه منصور القريب وملامحه المرهقة شعرت أن عبرتها قفزت لحلقها


    وقف وهو يهمس لها بعتب عميق مخلوط بالحزم: قومي نامي في غرفتش المتوحش اللي بيأكلش طالع لشغله

    البارحة ماجاني نوم وأنا أقول كل شوي بتجيني لأني كنت أظن أنه مايهون عليش تنامين بعيد عن حضني

    مادريت قلبش قاسي كذا


    أنهى عبارته ونزل وعفراء يتنازعها الاستغراب والألم من أشياء ثلاثة

    كلامه العاتب لها وهو يحملها مسؤولية ماحدث كله ويبرئ نفسه

    وأنه نزل بثوبه وغترته وليس بلباسه العسكري

    وأنه كان يحمل حقيبة صغيرة في يده!!






    ****************************************






    في صالة الانتظار لصعود الركاب

    مازالت البوابة لم تفتح ولكن لم يعد به صبر

    قضى البارحة ليلة منهكة في رحلته وهو يتطفل على الطاقم كعضو زائد لم يكن له عمل

    ولم يستطع مطلقا أن ينام وهو لم يكن قد نام قبلها ليصبح له يومين متواصلين لم ينم وهاهو يدخل اليوم الثالث


    كان يريد الوقوف عند البوابة تماما حتى يراهما فور وصولهما ولكنه رأى أن هذا سيكون محرجا له ولهم عدا أنه مازال عاجزا عن التصديق

    يريد له جوا ومكانا يستطيع التحكم بنفسه فيه

    لذا بقي جالسا في زاوية الصالة ينتظر وصول الركاب

    علاقته بابناء عمه علاقة أخوة خاصة فإن كان الله لم يرزقه بأخ سوى بصالح الصغير قبل عام فلطالما اعتبر ابناء عمه خالد أخوة له

    كان خبر وفاة عبدالله فاجعا له كما كان فاجعا لصالح وفهد وهزاع

    وماهزَّ غانم أكثر أنه يعلم قُرب عبدالله من عمه كان يعلم أن فجيعة عمه هائلة في هذا الشاب الذي انطفئت شمعة حياته في زهوتها

    لم يكن أبلها كي لا يلاحظ أن عمه منذ وفاة عبدالله وهو يزداد وهنا وضعفا يحاول إخفائه خلف صلابته المعتادة

    لطالما شعر غانم بغصة كلما رأى حسن الصغير طفل يتيم لم يعرف له أبا

    وغصة أخرى حين يرى شدة شبهه بعبدالله صورة من والده وكأن الله عز وجل يريد أن لا ينتهي امتداد عبدالله

    فإذا بأصل هذا الامتداد موجود لم يمت أي صدمة هذه

    يفكر غانم الآن بعمه عمه بالذات كيف ستكون ردة فعله



    كانت هذه أفكار غانم حينما التقطت عيناه الجسدان اللذان يعبران البوابة

    انتفض بعنف حادكأنما أصابته حمى حقيقية

    أحدهما رآه منذ أيام فقط لكن الآخر مضت سنوات منذ آخر رآه

    هـــو بذاته يبدو أكبر قليلا لكنه هــو هو عبدالله طوله وعرضه وحتى وسامته التي لم يستطع أحد منهم منافسته فيها


    رغم كل ما فعله غانم وهو يأخذ هذه الرحلة ويأتي بنفسه لواشنطن حتى يتأكد

    لكنه في داخله كان عاجزا عن التصديق إذا كان لم يمت فأين كان طيلة السنوات الماضية

    وهاهي شكوكه كلها تتفجر أمامه وعيناه تتبعان بصدمة الشقيقين حتى جلسا انتظارا لموعد صعود الطائرة بعد دقائق


    كان يحاول أن يقف فلا يستطيع وتفكيره يعود مرة أخرى لعمه بل حتى لوالده

    إذا كان هو لم يحتمل رؤية عبدالله حيا ومازال عاجزا عن الاستيعاب ومشاعره تضغط عليه بعنف غير معقول خليط من سعادة وصدمة هائلتين

    فكيف ستكون ردة والده وقبل ذلك ردة فعل عمه

    قلقه يتصاعد عليهما من شدة الصدمة

    ختاما حاول شد نفسه وهو يتوجه لهما



    حينها كان صالح وعبدالله مستغرقان في الحديث الذي قطعه عليهما الظل الطويل الذي وقف جوارهما وهو يضع يده على كتف عبدالله

    عبدالله رفع عينيهشهق بصدمة ليقفز بعدها مباشرة وهو يحتضن غانما دون تفكير

    لم يفكر حتى كيف أن غانم هنا أو لماذا

    لم يشغل نفسه سوى بفرحة عميقة اخترقت قلبه الذي أثقله الحرمان

    سعادة عميقة وهو يرى رائحة أخرى من روائح أهله الطيبة تقف أمامه أراد أن يطفي بعضا من شوقه جوعه لكل واحد منهم أراد أن يشعر باحتواءهم يسكن أيام غربته وضياعه


    بادله غانم الحضن بحضن أشد وكأنهما كلاهما يريدان تعويض سنوات متطاولة مرت دون سلام دون تحية دون دفء مودتهما المتبادلة!!

    ووعشرات الذكريات المشتركة تغتال أفكار كل منهما!!

    صالح يهمس بابتسامة : فكوا ياجماعة الخير فضحتونا يفكرونكم تسوون فيلم هندي


    صالح لم يستغرب رؤية غانم فغانم طيار وارجع رؤيته إلى رحلة مصادفة


    أفلت كل منهما الآخر وكلاهما يحاول منع عبرة متجبرة من القفز لحلقه

    وغانم يهتف بترحيب عميق عميق: الحمدلله على سلامتك


    ليجيبه عبدالله بتأثر أعمق: الله يسلمك بارك لي إن عيني قرت بشوفتك


    غانم بشجن: وين كنت ذا السنين كلها


    قبل أن يجيب عبدالله سارع صالح ليجيب بنبرة حاول أن تكون غاية في الطبيعية:

    صارت له شوي مشاكل توه خلص منها وموته خبر وصلنا بالغلط


    نظر غانم لصالح وفهم أنه لا يريد التحدث في الموضوع أو الأسباب وفي ختام الأمر غانم لم يهتم بالسبب مادام ابن عمه أمامه سليما معافى

    فأين كان قبل ذلك لا يهمه بأي حال من الأحوال فهو من معرفته لعبدالله يعلم أن السبب لن أبدا يصل إلى الدين أو الشرف وماعدا هذين الأمرين لا يهمه

    لذا رد بمودة عميقة: المهم إنه قدامي مافيه إلا العافية غير كذا ما يهمني


    عبدالله بلهفة: أشلون عمي وأشلون أم غانم وخواتك واخوانك الصغار صالح علمني إنه صار عندك تالي أخت وأخ


    غانم ابتسم: كلهم طيبين وبخير وإيه عندنا صالح ومها


    صالح يبتسم بسعادة: سميي صالح طير حوران وعمك مهوب هين جاب اثنين قبل يحيلونه للتقاعد

    أما عاد خواته تحشم تسأل عن المدام وأنا موجود


    حينها التفت غانم وهمس له بابتسامة كبيرة: أما على طاري المدام شكلك بتعلق من كراعينك إذا رجعت الدوحة


    غانم يضحك: أفا ياذا العلم ليه وش مزعل أم خالد علينا


    غانم يضحك: مرتك الجديدة أنت رايح تجيبها من أمريكا


    غانم أخبر صالحا الحكاية على عجالة وهو يضحك ومعها سبب حضوره وهم يتجهون لداخل الطائرة

    بينما عبدالله كان فقط يستمع باستمتاع حد الوجع حتى النخاع

    أن يجد نفسه يعود لجوه الأسري مشاكلهم الصغيرة .مشاحناتهم الدافئة.

    كل هذا دفع دفئا شفافا إلى روحه المثقلة بالبرد والجمود





    ************************************





    بعد حوالي 14 ساعة

    الطائرة تحط في مطار الدوحة الدولي


    ينزلون ثلاثتهم لأرض المطار قلب أحدهم يذوبيذوب يذوب

    حينما لفحت وجهه حرارة الجو شعر كما لو أن هذه الحرارة تنزل في روحه بردا وسلاما

    رغما عنه سالت دموع حاول جاهدا كبحها فلم يستطع لم يظن أنه قد يعود إلا في أحلامه العذبة المستحيلة

    بقيت الدوحة وأهلها حلما مستحيلا عذّب ليالي سهده الطويلة بمشاعر لا قياس لها من الألم والشوق والوجع

    كم ليلة صحا من نومه وهو يئن كأنين الملسوعالذي يشعر بسريان السم في جسده يشعر أن جسده وروحه يتمزقان ألما لايستطيع رده

    لأنه كان يرى في الحلم أنه هنا ثم حين ينتفض من السعادة ويقفز يجد نفسه هناك

    ليبدأ في أنين مكتوم ينزف فيه جروح قلبه أنين سريان السم في الجسد

    أنين يكتمه بوضع طرف اللحاف في فمه حتى لا يوقظ الصغير النائم جواره بشدة أناته التي ترتفع بحرقة يشعر بألمها تمزق أمعائه

    ويبقى يئن ويئن حتى صلاة الفجر ينحني حينها على سجادته ويدعو ربه بلوعة:

    أشعر أني أموت يا الله وروحي تذوي

    أعلم أن الموت أفضل من هذه الحياة ولكن هذا الصغير لا أحد له سواي

    أبقني بقوتي من أجله

    أرجوك يارب كل ليلة أشعر أنك ستنزع روحي من مكانها

    أعلم أن ذنبي كبير ولكن رحمتك أكبر يارب العالمين


    حينما ينهي صلاته ودعواته الطويلة يعود ليلقي جسدا متهالكا بجوار خالد الصغير يضمه لصدره وينام

    ساعات قليلة قبل أن ينهض لينخرط في حياة باردة مملة موجعة

    لا يوجد فيها سوى خالد وفيصل وأنينه الليلي الموجوع وأحلامه تأخذه إلى بلده وأهله


    ثم اليوم يجد نفسه هنا هنا في بلده وقريبا يرى أهله

    ( أحقا أنا هنا

    أ حقا لست أحلم

    أ هذه أنتِ الدوحة أيام الطفولة وليالي الصبا وابتسامات الشباب

    أ حقا لست أحلم

    إن كنت أحلم فلا توقظوني أرجوكم لا توقظوني

    ماعاد في روحي مكان للأنين والحرقة والحسرة)


    أيقظه من أفكاره يد صالح تشده: عبدالله مطول وأنت واقف على الدرج الناس كلهم نزلوا


    حينها التفت عبدالله وهمس لصالح باختناق: صحيح يا صالح أنا في الدوحة


    ابتسم صالح بألم وهو يشعر بألم شقيقه: ليه الحر ذا كله ماعطاك كف على وجهك وقال لك مرحبا بك أنت في الدوحة


    حينها أكمل عبدالله الخطوات المتبقية للأسفل ثم سجد ليقبل أرض المطار

    صالح بصدمة كان يشد عبدالله وهو يهتف بغضب: وش تسوي يا الخبل


    عبدالله ابتسم وهمس بكل شجن العالم: أنا نذرت لو الله كتب لي أرجع يوم للدوحة هذا أول شيء بأسويه أحب أرضها


    غانم وصلهما من خلفهما وهو يهمس بتأثر يخفيه خلف ابتسامته: والله وصاير الأخ حساس عقب ماترس روسنا فلوع


    أكملوا طريقهم وغانم يأخذهم معه على باص الطاقم وصالح يهتف لهما: غانم يأخيك أبيك أنت تأخذ عبدالله لبيتي

    وأنا باكلم فهد وهزاع ينتظرونكم هناك وتراني مخليها مفاجأة لهم

    ومابغيتهم يستقبلوننا في المطار ينصدمون قدام العالم.

    وأنا بأروح أجيب حسن ولد عبدالله وبجيكم هناك.





    #أنفاس_قطر#

    .






    رد مع اقتباس  

  2. #102  
    المشاركات
    3,260
    ياصباح الورد يا عطر الورد وريحته


    ياحيا الله كل الوجيه الجديدة ويا الله أبقها الوجيه اللي دايم على الوعد ودفاها غطا كل درجات الحرارة في عواصم الخليج هالأيام


    .


    .


    اليوم عندنا جلسة مصارحة صغنونة<<< تعرفوني أحب أتشدق بالشفافية مثل الحكومات العربية


    يالغوالي شوفت عينكم الأحداث باقي منها كثير كثير


    يعني لو مهما نزلت ما أقدر أخلص قبل رمضان


    غير عن كذا وكذا الإنسان طاقة وظروف غصبا عنه وحنا صيف وما أضمن ظروفي دايما مستتبة يمكن سفرة هناك أو هناك :)


    وأنا قلت لكم من البداية إنه بين الأمس واليوم رواية طويلة


    وبعدين فيه شخصيات باقي دورها جاي


    وأنا ما أحب اجيب شخصية وأعالجها معالجة ناقصة


    الشيء الثاني والأهم إنه الثالثة ثابتة يعني أنا قاعدة أكتب بين الأمس واليوم بإحساس أني ما أقدر أكتب عقبها شيء خلاص فعلا يا بنات


    كل روحي وطاقتي وتفكيري متحفزة معها وأبيها تكون شيء مختلف


    لأن التجربة اللي ما تضيف للإنسان مالها داعي


    وفعلا بعد بين الأمس واليوم لو ماكانت هي قصتي الأخيرة


    فأنا حاسة إحساس أشبه باليقين إني أبي لي عقبها سنين لو كنت بأكتب شيء جديد


    وخصوصا مع رغبتي ببدء الحياة العملية


    فعشان كذا استحملوني شوي العمل الجيد يبي له مراجعة ودقة


    وخصوصا إنه داخلين على مرحلة فيها عمق مشاعر متعب متعب متعب فعلا


    ومنها طبعا بارت اليوم اللي تعبني كثير وهو بارت طويل ومرهق ومؤلم ومفرح ومليان مفاجآت


    عشان كذا موعدنا الجاي صباح الخميس الساعة 10 إن شاء الله


    لأنه البارت الجاي بارت ثقيل جدا بعد <<< فيه ورم صدمات ومشاعر<<<أتعبوني شخصياتي


    وبعدني ما خلصت حتى نصه وأخاف يجي الثلاثاء ماخلصته أو ماراجعته


    فخلونا على الخميس وأوعدكم يكون طويل مثل خويه اليوم


    .


    قراءة ممتعة مقدما


    .


    لا حول ولا قوة إلا بالله


    .


    .


    بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثلاثون





    بعد رحلة طويلة استغرقت حوالي 14 ساعة

    الطائرة تحط في مطار الدوحة الدولي



    ينزلون ثلاثتهم لأرض المطار قلب أحدهم يذوبيذوب يذوب

    حينما لفحت وجهه حرارة الجو شعر كما لو أن هذه الحرارة تنزل في روحه بردا وسلاما

    رغما عنه سالت دموع حاول جاهدا كبحها فلم يستطع لم يظن أنه قد يعود إلا في أحلامه العذبة المستحيلة

    بقيت الدوحة وأهلها حلما مستحيلا عذّب ليالي سهده الطويلة بمشاعر لا قياس لها من الألم والشوق والوجع

    كم ليلة صحا من نومه وهو يئن كأنين الملسوعالذي يشعر بسريان السم في جسده يشعر أن جسده وروحه يتمزقان ألما لايستطيع رده

    لأنه كان يرى في الحلم أنه هنا ثم حين ينتفض من السعادة ويقفز يجد نفسه هناك

    ليبدأ في أنين مكتوم ينزف فيه جروح قلبه أنين سريان السم في الجسد

    أنين يكتمه بوضع طرف اللحاف في فمه حتى لا يوقظ الصغير النائم جواره بشدة أناته التي ترتفع بحرقة يشعر بألمها تمزق أمعائه

    ويبقى يئن ويئن حتى صلاة الفجر ينحني حينها على سجادته ويدعو ربه بلوعة:

    أشعر أني أموت يا الله وروحي تذوي

    أعلم أن الموت أفضل من هذه الحياة ولكن هذا الصغير لا أحد له سواي

    أبقني بقوتي من أجله

    أرجوك يارب كل ليلة أشعر أنك ستنزع روحي من مكانها

    أعلم أن ذنبي كبير ولكن رحمتك أكبر يارب العالمين


    حينما ينهي صلاته ودعواته الطويلة يعود ليلقي جسدا متهالكا بجوار خالد الصغير يضمه لصدره وينام

    ساعات قليلة قبل أن ينهض لينخرط في حياة باردة مملة موجعة

    لا يوجد فيها سوى خالد وفيصل وأنينه الليلي الموجوع وأحلامه تأخذه إلى بلده وأهله


    ثم اليوم يجد نفسه هنا هنا في بلده وقريبا يرى أهله

    ( أحقا أنا هنا

    أ حقا لست أحلم

    أ هذه أنتِ الدوحة أيام الطفولة وليالي الصبا وابتسامات الشباب

    أ حقا لست أحلم

    إن كنت أحلم فلا توقظوني أرجوكم لا توقظوني

    ماعاد في روحي مكان للأنين والحرقة والحسرة)


    أيقظه من أفكاره يد صالح تشده: عبدالله مطول وأنت واقف على الدرج الناس كلهم نزلوا


    حينها التفت عبدالله وهمس لصالح باختناق: صحيح يا صالح أنا في الدوحة


    ابتسم صالح بألم وهو يشعر بألم شقيقه: ليه الحر ذا كله ماعطاك كف على وجهك وقال لك مرحبا بك أنت في الدوحة


    حينها أكمل عبدالله الخطوات المتبقية للأسفل ثم سجد ليقبل أرض المطار

    صالح بصدمة كان يشد عبدالله وهو يهتف بغضب: وش تسوي يا الخبل


    عبدالله ابتسم وهمس بكل شجن العالم: أنا نذرت لو الله كتب لي أرجع يوم للدوحة هذا أول شيء بأسويه أحب أرضها


    غانم وصلهما من خلفهما وهو يهمس بتأثر يخفيه خلف ابتسامته: والله وصاير الأخ حساس عقب ماترس روسنا فلوع


    أكملوا طريقهم وغانم يأخذهم معه على باص الطاقم وصالح يهتف لهما: غانم يأخيك أبيك أنت تأخذ عبدالله لبيتي

    وأنا باكلم فهد وهزاع ينتظرونكم هناك وتراني مخليها مفاجأة لهم

    ومابغيتهم يستقبلوننا في المطار ينصدمون قدام العالم.

    وأنا بأروح أجيب حسن ولد عبدالله وبجيكم هناك.






    ****************************************






    قبل ذلك بسبع ساعات

    منصور يصل إلى أنسي في رحلة رتبها له علي باستعجال

    وهو يوفر له سائقا استقبله في مطار جنيف وأخذه فورا لأنسي القريبة على الحدود الفرنسية السويسرية

    على أن ينتظره السائق ليعيده للمطار مرة أخرى بعد انتهاء مهمته

    وهكذا هي عنده -رغم قساوة المسمى- " مهمة" ولكنها هذه المرة تختلف عن مهماته العسكرية

    مهمة إنسانية بامتياز


    رغم أن منصور غادر عفراء والجو بينهما غير صاف ولكن منصور يُرجع كل ذلك إلى أن بينهما تعقيد يجب حله

    وهو لم يعتد فعلا العيش في جو متوتر بينما القرار بيده كما اعتاد

    فيجب أن تعرف جميلة بزواجهما وتقبل به حينها سيخبر عفراء أنه مستعد للعلاج من أجلها

    لينهي كل منهما شرطه السخيف.

    وهاهو يصل لأنسي تحقيقا لمهمته

    خليفة ينتظره عند باب المصحة بعد أن هاتفه وأخبره بوصوله

    فهو من بعد زواجه بعفراء في كل مرة كانت عفراء تكلم خليفة ومنصور موجوديحادثه منصور ويسأله عن أحواله وأحوال جميلة وأصبح بينهما معرفة مسبقة

    وهاهما كل منهما يسلم على الآخر بحرارة ثم يتجهان للداخل






    ****************************************






    رد مع اقتباس  

  3. #103  
    المشاركات
    3,260
    " غانم أنا اللي أبي أسوق"


    غانم كان على وشك تشغيل سيارته التي كانت متوقفة في مواقف موظفي المطار

    التفت لعبدالله وابتسم: وش معنى


    عبدالله بشفافية: خاطري أسوق في شوارع الدوحة. اشتقت حتى للسواقة فيها


    غانم يلقي المفتاح لعبدالله ويستدير للباب الثاني: يالله تعال مكاني بس ترا شوارع الدوحة قبل 4 سنين غير عنها ذا الحين


    عبدالله بابتسامة: خلني أجرب. صدقني قلبي بيدلني


    غانم اعتدل جالسا في المقعد المجاور للسائق: وش فيه الأخ صاير عاطفي كذا


    حينها همس عبدالله بوجع: الغربة جعلك ما تذوقها ولا يحكم على مسلم بها

    ثم أردف عبدالله وهو يحرك السيارة ويبتسم: وعلى طاري عاطفي منت بناوي تصير أنت عاطفي عاطفي


    هتف غانم بنبرة غموض باسمة: الله يكتب اللي فيه الخير لو علي ودي أصير عاطفي من اليوم بس طولوا مارضو بعاطفيتي


    كان عبدالله على وشك الاستفسار من غانم حول عبارته الغامضة لكن قطع استفساره بسؤال ملح: أكمل الطريق سيده وإلا ألف يسار


    ابتسم غانم: لا يسار إذا أنت ضيعت وحن عادنا في منطقة المطار وش بتسوي لين توصل بيت صالح


    عبدالله بحماس شفاف: استحملني شوي يمين يسار مهيب اللي توجع حنوكك

    وبعدين إن شاء الله ما أحتاج منّتك علينا بدل بروحي بس هنا غيروا اللفة



    ساق عبدالله لحوالي نصف ساعة ثم تفاجأ غانم به يركن سيارته جانب الطريق وينزل ويطلب من غانم أن يعود هو للسواقة

    وهو يهتف بوجع: ماهقيت ديرتي بتغير علي شوارعها كذا في 4 سنين بس


    ابتسم غانم وهو يحرك سيارته: لو أنت في ديرة ثانية صدقني ما يتغير شيء عليك

    بس الدوحة هي اللي تغيرت تغير كبير خلال السنين اللي فاتت

    لأنك سافرت قبل (أسياد 2006) من عقبه وكل شيء يتغير بسرعة مباني جديدة شوارع جديدة

    وبعدين على ضمانتي أنك يومين وأنت دال كل شيء مهوب من كُبر الدوحة يعني


    عبدالله يبتسم بألم: قاعد تشرح لي كني سايح لمعلوماتك كل يوم أفلفل جرايد قطر على الانترنت من أول خبر لين أخر خبر غير عن المنتديات القطرية

    يمكن حتى ما صارت حفرة في شارع داخلي مادريت عنها وعن القطاوة اللي طاحت فيها

    وش حيلة العاجز غير مطالع السما!!


    غانم بمودة عميقة: الحمدلله على سلامتكوهلا بك في ديرتك وبين هلك



    كانا يقتربان من منطقة بيت صالح غير البعيدة عن بيت والده ولا حتى بيت عمه

    حينها هتف عبدالله بألم: أرضي كانت جنب أرض صالح لاصقة فيها الله أعلم من صارت له الحين


    ابتسم غانم: ماصارت لأحد عمي أبو صالح قال تقعد لحسن لين يبنيها أو يبيعها كيفه فيها

    الحين أنت رجعت خلاص تبني أنت بيتك إن شاء الله


    تأثر عميق تسرب لروح عبدالله وعيناه تتبعان بشغف بيوت المنطقة التي كانت أكثرها خالية حينما سافر

    حتى وقف غانم بجانب مجلس صالح الخارجي وكانت هناك سيارة أخرى بداخل الباحة

    عبدالله شعر كما لو أن قلبه يُعصر بقسوة وهو يمسك بذراع غانم ويوقفه عن النزول ويهتف باختناق: سيارة من هذي


    غانم بطبيعية: أظني سيارة فهد الجديدة. مابعد شفتها بس هو قال لي عنها

    ثم ابتسم: وترا فهد عقبك يمكن بدّل 20 سيارة


    غانم كان يريد أن ينزل ولكن عبدالله منعه للمرة الثانية وهو يهتف باختناق أشد:

    هزاع طلع له شنب أتذكره لين سافرت بيموت عشانه تأخر ماطلع له شنب


    رغم غرابة السؤال ولكن شعر غانم باختناق عظيم وهو يشعر بمدى ثقل ووطأة مشاعر عبدالله الملتبسة عليه حاول أن يرد بابتسامة فاشلة:

    ياه شنبات وعوارض وعضلات التتو صار كنه طوفة


    عبدالله مازال يمسك بذراع غانم وهو يشد له نفسا عميقا: تكفى غانم انتظر شوي زين فهد تغير


    غانم بات يشعر أن كل هذا كثير عليه فكيف على عبدالله هذه المرة أجاب بسكون عميق: فهد ما تغير هو هو نفسه

    ثم انثال بوجيعة ماعاد يستطيع دفعها : بس عمي هو اللي تغير واجد ياعبدالله من عقبك تقول كبر 20 سنة


    تغير وجه عبدالله ليمتليء بتفاصيل الحزن وخطوطه وجبينه يتقطب بوجيعة وهو ينزف صريرا بين أسنانه: كله مني كله مني!!

    ماراح يسامحني ياغانم أدري إنه ماراح يسامحني


    غانم ليس غبيا ليعلم أن هناك أمرا كبيرا خلف اختفاء عبدالله ومادام يقول أن والده لن يسامحه هاهو يؤكد ظنونه

    ولكن كما فكر سابقا معرفة السر غير مهمة عنده.لأنه متيقن أنه لن يصل إلى حد يمس مقدسات المبادئ التي لا تتجزأ وعدا ذلك لا يهمه

    لذا هتف بمساندة وهو يربت على يد عبدالله التي تمسك بمعصمه: إن شاء الله بيسامحك الدم عمره مايصير ماء

    يا الله قول بسم الله أخوانك الحين تلاقيهم بالهم يجيب ويودي ليش صالح طالبهم




    في الداخل الاثنان يشاهدان برنامجا رياضيا وهما يختبران جهاز التلفاز الجديد

    هزاع يسأل فهد: وش عنده شيبتنا داعينا لاجتماع قمة مفاجئ


    فهد يرقص حاجبيه: يبي يعرفنا على المدام يمكن يبي يعرف راينا قبل يعرضها على الشيبان


    هزاع (بعيارة) : زين ماجاب خوات المدام معها يمكن يعجبنا الستايل ونعرضهم كلهم بالمرة


    فهد بتهكم: زين خلص الثانوية اللي عفنت فيها وعقبه فكر بالستايلات


    هزاع بثقة: قلت لك بإذن الله ذا السنة جايبها جايبها وشنبك ذا استمتع فيه باقي ذا الأيامقدام تودعه لا وفوقهم حواجبك بعد


    كان الاثنان في حوارهما حين انفتح باب المجلس من ناحية الشارع

    التفتا كلاهما للباب ثم وقفا مرحبين حينما رأيا غانما يدخل وابتسامة ترحيب ترتسم على وجهيهما

    لينزاح غانم جانبا ويظهر شخص آخر خلفه شخص ماعادت رؤيته متوقعة ولا حتى في أعتى المعجزات


    حـــيــنــهــا.

    تبدلت ملامحهما جذريا إلى صدمة كاسحة موجوعة وهما يقفزان كالملسوعين وكأنهما ضُربا بصاعقة مباشرة فلقت رأس كل منهما نصفين

    وعيناهما تنفتح على اتساعها وهما يتعرفان على الخيال المستحيل الذي عاد من الموت


    وفي الوقت الذي وقف فهد كإشارة مرور متخشبة

    فإن هزاع برّك على ركبتيه بشكل مفاجئ وجسمه ينهدم كأنه خال من أي عظام تسنده

    عبدالله ركض إليه وهو يحاول أن يرفعه له ولكن هزاع لم يستطع الوقوف وهو يشد عبدالله له ويجلسه معه على الأرض

    ثم يدفن وجهه في صدره وهو ينتحب كطفل صغير موجوع

    وبين شهقات نحيبه كان يقبل بلهفة متحسرة وهو يئن ويرتعش كل ما يقع عليه من جسد عبدالله وجهه صدره كفيهذراعيهكتفيه عنقه


    عبدالله يكاد يجن وهو يرى حالة هزاع وهو كريشة مرتعشة بين ذراعيه ولا يريد إفلاته.

    تمنى عبدالله أن صالحا لم يفجع هزاع برؤيته بهذه الطريقة وأنه مهد له

    كان عبدالله يشد هزاع لصدره وهو يحاول تهدئته دون فائدة


    وفي الوقت الذي غانم جلس معهما على الأرض وهو يضع يده على ظهر هزاع ويقرأ عليه آيات من القرآنوقلقه يتفجر على هزاع

    لأنه خشي عليه أن يفقد عقله لشدة نحيبه وارتعاشه وتمسكه في عبدالله


    فأن فهد بقي واقفا كنُصب خال من الحياةحتى عيناه لا ترمشان

    (أحلم أنا أحلم. يارب هذا حلم وإلا حقيقة

    يارب خله حقيقة يارب خله حقيقة

    أخاف أرمش ألقى الصورة كلها اختفت

    وأنا وهزاع بروحنا في المجلس)



    فهد انتفض وهو يرمش رغما عنه حينها ألقى غترته جانبا وترك الثلاثة الباركين على الارض واتجه للحمام وهو يفتح صنبور الماء على رأسه

    حينها عاد ليطل عليهم في المجلس وجد الحلم لم يختفِ

    فعاد مرة أخرى وفتح الماء على رأسه ثم عاد لينظر

    حينها شهق بأمل: أرجاك ياربي ما تفجعني عقب ما أملتني


    ثم ملأ كفيه بالماء وعاد للثلاثة ليجد هزاعا توقف عن النحيب وتقبيل عبدالله لكنه يرتعش بعنف بين أيديهم كمصاب بحمى شديدة


    حينها سمى بسم الله ورش الماء على وجه هزاع ليشهق هزاع بعنف

    ثم يسحب نفسه سحبا لزواية المجلس ليتقوقع على نفسه فيها و هو ينتحب بخفوت


    حينها شد فهد عبدالله من الأرض وأوقفه وهو ينظر إلى عينيه بمزيج مستعر سرمدي لا نهائي من الغضب والحنين والوجع

    غرز أصابعه في عضدي عبدالله وهو يختنق بشوك مرٍّ أدمى حنجرته:

    عبدالله وين كنت وين كنت ذا السنين كلها اللي فاتت

    تدري إن حن في ذا السنين كلها مامر علينا يوم ما تحسرنا فيه على شبابك اللي ماعشته ما مر يوم ما تحسرنا على ولدك اليتيم

    ما مر يوم ماتحسرنا على ذكرياتنا معك وكل شي وأقل شيء يذكرنا فيك


    سنة مرت وسنتين وثلاث وأربع ماكفتك ترجع من الموت

    يالظالم أربع سنين هذي فيها حياة وموت

    لو أمي وإلا ابي صار لهم شيء وهم ماشافوك ولا دروا أنك حي أشلون بتسامح روحك قل لي أشلون بتسامح روحك


    كان صوت فهد ينحدر من اختناق لاختناق أشد وهو يمنع نفسه من الانخراط في البكاء مثل هزاع

    حينها عبدالله شد فهد لحضنه بكل قوته وهو يهمس في أذنه بألم اشتياق شفاف:

    فيه أشياء واجد أنا ما أقدر أسامح روحي عليها خلني الحين أشبع من ريحتك تكفى وعقبه عاتبني مثل ماتبي


    فهد كان يحتضن عبدالله بقوة وهو يشد له نفسا عميقا وكأنه يريد أن يتأكد أنه في حضن عبدالله ويتنفس رائحة عبدالله

    رغم كل مشاعره الثائرة المضطربة.إلا أنه مازال يخشى أنه يحلم يشعر أن كل هذه السعادة فوق كل ما يستطيع احتماله

    حينها كان يتحسس عبدالله وهو يهمس في أذنه بألم: أنا زعلان عليك بس تكفى لا تكون حلم طالبك ما تكون حلم

    لو كنت حلم بأزعل عليك عمري كله بس لو كنت حقيقة بأفكر أسامحك


    عبدالله بشفافية مثقلة بالألم: يبقى خلاص غصبا عنك تسامحني لأني حقيقة وأبيكم قدامي حقيقةشبعت من الحلم خلاص

    وخلني أشوف هزاع ما تخيلته صار حساس كذا


    فهد يبتسم بألم وهو يلتفت لهزاع: هزاع حساس هذي نكتة القرن بس عشان تدري إن شوفتك مهيب هينة

    تكفى ما تفجعون الباقين بذا الطريقة خل نمهد لهم تمهيد طويل


    عبدالله يجلس بجوار هزاع الذي ما أن رأى عبدالله جواره حتى دفن رأسه في حجره وهو يتمدد على الأريكة ودموعه تسيل بصمت

    عبدالله وضع يده على رأس هزاع ثم هتف بقلق بالغ: فهد تكفى قم وده المستشفى

    الصبي تعبان عروق رأسه كلها تنبض ورأسه مولع حرارة


    هزاع بصوت أشبه بالأنين: أنا طيب مافيني شيء بس تكفى خلني كذا خلني أتاكد أنك هنا


    عبدالله برجاء آمر: هزاع الله يهداك قم للمستشفى أنا بأروح معك بنفسي


    غانم برفض: وين تروح صالح راح يجيب ولدك

    هزيع قم من غير دلع أنا وفهد بنوديك نص ساعة ونرجع وعبدالله هنا مهوب رايح مكان


    فهد وغانم كل واحد منهما أمسك هزاع من ناحية ليسنداه وتوجها لسيارة غانم المتوقفة خارجا رغم أن فهد وهزاع كلاهما لا رغبة لهما إطلاقا بمغادرة المكان

    فهما لم يتأكدا بعد أن عبدالله عاد لهم من الموت يخشيان كلاهما أن يذهبا ثم يعودا فلا يجداه حينها لا يعلمان ما الذي قد يحدث لهما


    المجلس خلا على عبدالله.وقرر حينها أن يرتدي له ثوبا صالح أخبره أنه طلب من فهد أن يحضر بعضا من ملابسه ويضعها في داخل البيت دون أن يبدي له سببا لحاجته لملابس فهد


    ينظر في نفسه في المرآة أ حقا هو يعود لجلده أربع سنوات مرت ما لامس الثوب جسده هاهو يشعر به يلامس روحه

    كم اشتاق لنفسه التي يشعر بها تعود لحناياه رويدا رويدا!!


    الثوب والغترة ليسا مجرد غطاء جسد ورأس هما احتواء لروح عرفت نفسها مدفونة في جوع الصحراء وحضارتها وصلابتها وحتى ألمها المختلف الذي لا يعرفه سوى أهلها


    عاد للمجلس ليجلس هناك وقلقه يتصاعد على هزاع الذي لم يتخيل أن ردة فعله ستكون عنيفة هكذا فكيف إذن بردة فعل والدته أو شقيقته؟!!

    بل كيف حتى بردة فعله هو يشعر أن رؤيته شقيقيه هزته بعنف انفعال انغرس حتى عمق عظامه

    يخشى رؤية كل منهما وأكثر من يخشى رؤيته ويتمناها. والده

    ولكنه الآن يفكر فيمن سيراه بعد لحظات. المخلوق العذب الصغير الذي لم يعرف بوجوده إلا منذ أيام فقط!!

    فرغم لهفته الكبيرة لرؤية ابنه إلا أنه تمنى لو أجل رؤيته قليلا فيكفيه اليوم ماحدث له مع شقيقيه

    يشعر أنه لن يحتمل المزيد اليوم وخصوصا أنه متأكد أنه في الوقت الذي سيموت رغبة في دفن صغيره بين أضلاعه فإن حسن الذي لا يعرفه سيهرب منه لا محالة

    يعلم أن هذا تصرف طبيعي من طفل تجاه الأغراب الذين لا يعرفهم

    ولكنه يشعر منذ الآن بالألم أن ابنه سيحتمي بصالح منه

    ولكن لا يستطيع مطلقا أن يلومهبل يلوم نفسه فقط

    يؤلمه أنه قد يحتاج لفترة طويلة حتى يجعل ابنه يعتاد عليه فكيف بجعله يحبه ويتعلق به كما يتمنى

    يحتاج فعلا إلى محبة هذا الصغير حتى يتوازن حتى يستطيع مواجهة الحياة

    وحتى ذلك الحين يشعر أنه سيغرق في لجة من الضياع وانعدام التوازن انتظارا حتى يعرفه حسن ويعرف أنه والده ويحبه كما يفترض هذا أن أحبه!!

    كل هذه الأفكار بعثت وتبعث في عبدالله ألما ومرارة لا حدود لهما


    ففي الوقت الذي كان هو يهتم هو بكل صغيرة وكبيرة تخص خالد الصغير

    كانت هناك روح صغيرة قطعة منه تنمو بعيدا عنه دون علم منه


    لو كرهه حسن –كما يظن ويخشى بكل وجع العالم- فهو يعلم أن هذا هو عقاب رب العالمين له على ما فعله بوالده

    يأخذ منه خالد ثم حين يشعر أن محبته لحسن باتت تغتال روحه حتى جذور الجذورمحبة أشبه بالسحرفأن حسن سيصفعه بكراهيته له

    ولا شيء يؤذي الروح مثل كراهية طفل فهذه الأرواح الشفافة لا تعرف الكراهية وحينما تكره تكون هذه هي النهاية


    كانت هذه هي أفكار عبدالله التي قاطعها نحنحة صالح وهو يحمل حسن الصغير الذي كان متعلقا بشدة بعنق صالح لأن المكان كان مجهولا بالنسبة له

    عبدالله لم يتحرك من مكانه لم يفتح ذراعيه كما كان يحلم ويتمنى

    قال لنفسه: هذه المرة ساكتفي بالنظر والحسرة لأني لو سمحت لنفسي باحتضانه أعلم أني سأخيفه لأني لا أضمن ردة فعلي


    كان ينظر لحسن بين ذراعي عمه وهو يقترب والصغير مشغول بالتلفت حوله اكتشافا للمكان الجديد

    بينما عبدالله يكاد يبكي وعيناه تتبعان كل تحركات صغيره ونظراته بجوع مرير

    وهو ينهر نفسه ويقهرها حتى لا يقفز وينتزعه من بين يدي صالح ليدفنه بين أحضانه ويشبع روحه من أنفاسه


    (ولدي والله العظيم ولدي

    لو شفته في أي شارع حتى لو كنت ما أدري إني عندي ولدكان عرفته دمه يناديني روحه تناديني

    كل شيء فيه يناديني

    ويا سبحان الله!! له نفس نظرة عيون أمه التي كانت تذوبني

    أموت واحضنه أحضنه بس أشم ريحته )



    ثم كانت الصدمة غير المعقولة غير المتوقعة من أي أحد أن حسن الصغير حينما انتبه لوجود مخلوق ثالث معهم في المجلس

    تخلص من يدي صالح بشكل مفاجئ وهو يقفز ليتجه ركضا لعبدالله ويتعلق بعنقه وهو يهذي بسعادة طفولية: بابا بابا بابا


    عبدالله كاد يجن ورعشة هائلة تجتاح كل خلية في جسده وهو يدخل الصغير بين أضلاعه

    ويغمر وجهه وكفيه وحتى قدميه بقبلاته ويهتف لصالح بعبراته التي ازدحمت في حلقه:

    عرفني يا صالح عرفني يقول لي بابا عرفني يقول بابا


    صالح كان يقف وهو مذهول تماما فحسن ليس من النوع الذي يعتاد على الغرباء بسرعة وحتى حينما يكون عندهم ضيوف في المجلس

    يتجه ليسلم عليهم بعد رجاءات عدة وكان صالح يحمل هم إقناع حسن أن يقبل عبدالله ولو قبلة واحدة على سبيل السلام

    لكن ماحدث أمامه كان غير معقول أبدا ولم يخطر بباله إطلاقا

    وهاهو ينظر لهما بعد أن هدأ عبدالله من فورة مشاعره الهائلة وحسن الصغير مازال متعلقا بعنقه ويستكين في حضنه

    وعبدالله يمسح على خصلات شعره ومشاعره كلها تختلج كالبراكين في روحه وهو لا يتوقف عن نثر قبلاته على جسد الصغير


    صالح اقترب يريد أن يتأكد من شيء. شد حسن الصغير قليلا وهو يهمس له بحنان: تعال عندي يأبيك


    حسن الصغير هز رأسه رفضا وعبدالله حينها انتفض بعنف وهو يضمه لصدره بقوة حانية ويغمر وجهه بالمزيد والمزيد من قبلاته


    صالح حينها ابتسم: تعرف من هذا حسون


    حسن الصغير ابتسم وأجاب بنبرته الطفولية المحببة: هذا بابا


    عبدالله باختناق: يا لبي الصوت وراعيهيقوله لك بابا

    ثم أردف وهو يوجه الحديث لصالح وخاطر مزعج مؤلم يكاد يفسد عليه فرحته الكبيرة:

    صالح هو متعود يقول لكل الناس بابا ويحبهم بذا الطريقة


    صالح بدهشة: أبد ولا أي أحد ما يحب إلا بالقطارة وعقب طلايب بعد وبابا ما يقولها لأحد كلنا ينادينا باسمائنا وجدانه يقول جدي


    حينها فرحة عميقة تصاعدت في روح عبدالله المستنزفة من الألأم ومعها أيضا تصاعدت دهشة عميقة لذا توجه لحسن الصغير بالسؤال:

    حبيبي حسون من قال لك أنا بابا


    حسن يعبث في ساعة يد عبدالله وهو يجلس في حضنه: ماما دالت لي تل يوم أثوف ثورتك وتل يوم أكي أبي أثوفها


    حينها شعر عبدالله كما لو أن سهما مُراشا اخترق منتصف قلبه بلا رحمة شهق بأنة خافتة لم تصل إلى مسمع صالح ولكنها اخترقت روحه بقسوة حانية


    " أنتِ ياجوزا صاحبة الفضل في كل السعادة التي أنا أشعر بها

    أنا أهديتكِ الألم والتعاسة ولا شيء غيرهما وأنتِ تهديني هذه السعادة كلها

    أحقا احتفظتِ بصورتي طوال هذه السنوات وكل يوم تُرينه إياها حتى حفظ شكلي وهو يعلم أني والده رغم أني كنت رجلا ميتا في عرف الجميع أيعقل ذلك

    أ يعقل أن هناك من قد يفعل مثلك

    طوال عمري كنت أقول وسأبقى أنه كطهارتكِ وبراءة قلبكِ يستحيل أن يوجد في هذا العالم

    لا يفعل هذا الفعل المثقل بالطهر سوى قلب كقلبكِ

    ولكن لماذا فعلتِ هذا لماذا

    هل أستطيع أن أأمل في شيء غبي ما

    أعوذ بالله من وسوسات الشيطان وصحبه

    لقد أصبحت لرجل آخر لا يحق لي مجرد التفكير فيها

    فلماذا أنا عاجز عن إخراجها من رأسي

    أو لماذا أنا عاجز عن إخراجها من قلبي!!"






    ************************************






    " جميلة فيه ناس واقفين برا يبون يسلمون عليج"


    جميلة رفعت رأسها عن مجلة كانت تتصفحها فهم في المصحة يختارون مجلات معينة بعناية ثم يلقونها في الغرف دون أن يطلبوا من المريض حتى أن يتصفحها

    وهذه المجلات تحتوي مقالات كُتبت بحرفنة عالية على يد خبراء نفسيين

    ودُعمت بصور جذابة تدعوا بطريقة غير مباشرة إلى تقبل الذات وفي ذات الوقت السعي الإيجابي نحو الأفضل

    تدعو إلى تدعيم التفكير المنطقي والعادات الصحية في الطعام والرياضة

    كثير من الموضوعات التي تحاول خلق شخصية واثقة منفتحة إيجابية

    وفي غرفة جميلة وضعوا المجلات المكتوبة بالانجليزية التي تجيدها جميلة

    وجميلة منذ تحسنها وهي تلتهم هذه المجلات التهاما


    رفعت رأسها لخليفة وهي تهمس بدهشة: من اللي يبي يسلم علي رجّال وإلا مرة


    خليفة بهدوء يخفي خلفه توتره: ريال


    جميلة شدت حجابها لتلبسه وهي تهمس له بتلقائية: يكفي حجابي وإلا لازم أغطي وجهي بعد


    خليفة كان سيقول لها لا داعي لهما كلاهما ولكنه لم يرد أن يصدمها لذا هتف لها بهدوء حاول أن يكون طبيعيا: حجاب يكفي ريال عدت أبوج


    حينما قال لها أنه رجل كأبيها شعرت جميلة بتحليق غامر في قلبها. أ يعقل أن عمها زايد قد حضر لزيارتها

    استغربت قليلا فهو كان هاتفها بالأمس هو ومزون وقالا لها أنها سيحضران لزيارتها بعد زواج كساب وزواج كسّاب تبقى عليه عدة أيام بعد

    ربما كان يريد عمل مفاجأة لها.ابتسمت بسعادة عميقة وقلبها يرفرف كم اشتاقت له!!

    حتى وإن كانت لا تستطيع تقبيله ولا احتضانه يكفيها تكحيل عينيها برؤيته

    كانت تريد القيام والوقوف ليراها أنها أصبحت أفضل الآن

    ولكنها قبل أن تقف فُجعت بمن دخل عليها أخر شخص في العالم توقعت أنه قد يزورها

    منصور آل كساب شخصيا وبكامل أناقته بثوبه وغترته كأنه في قلب الدوحة

    "منصور آل كساب هنا"

    الرجل الذي منذ طفولتها وهي تشعر أن له هيبة تشبه هيبة الأساطير التي كانت تشاهدها في أفلام الكرتون

    ارتاعت وهي تغطي طرف وجهها الأسفل –أنفها وشفتيها- بطرف حجابها

    كانت تريد أن تصرخ بخليفة كيف يحرجها بهذه الطريقة ولكنها ابتلعت صرخاتها حرجا من هذا الذي ملأ أقطاب الغرفة بحضوره


    اقترب خطوتين وهو يبتسم بفخامة: مساش الله بالخير يأبيش


    جميلة باختناق: هلا والله حياك الله يأبو علي وش ذا الساعة المباركة اللي شفناك فيها.


    أما ماكاد يفقد جميلة صوابها هو أنه تقدم حتى وصلها ثم انحنى وقبل رأسها

    جميلة صُعقت وهي تتأخر وتلصق ظهرها بظهر السرير وهي ترتعش وتنظر لخليفة بخليط متفجر من غضب وعتب وصدمة

    كيف يسمح لرجل غريب أن يقبل زوجته بينما هو واقف ببلاهة يوزع الابتسامات

    أما ماكاد يقتلها فعلا هو أن خليفة حينما رأى منصور شد مقعدا وجلس جوارها أنه هتف باحترام بالغ بغيض: تبي أخليكم بروحكم


    فأشار له منصور بحزم: لا خلك أي شيء بأقوله أبيك تسمعه


    جميلة تكاد تبكي من الرعب والمهانة

    "أي رجل لا غيرة لديه هذا يستحيل أن أبقى على ذمته بعد اليوم. يستحيل!!

    ثم كيف يفعل منصور آل كساب هذه التصرفات التي لا تليق مطلقا برجل مثله؟"


    منصور حينها هتف بهدوء حازم دون أن ينظر ناحية جميلة لأنه شعر بحرجها منه

    ولو أنه نظر ناحيتها لرأى عيناها الظاهرتان كأنهما بحيرتان تكادان تفيضان من شدة احتقانهما بالدموع لفجيعتها في خليفة قبل فجيعتها فيه:

    اسمعيني يأبيش أنتي أول عدت بنتي لكن الحين أنتي بنتي صدق

    وأبغيش تعتبريني كذا وأظني يابنتي أنش منتي بجاهلتني وتعرفين أني ما أقول شيء ما أقصده


    جميلة رأسها يدور ولا تفهم شيئا مما يدور حولها لكنه رأت أنه من الأدب الذي لا يستحقه أحد منهما أن تجيب:

    الله يكبر قدرك يأبو علي


    منصور بذات الهدوء الحازم: أنا ما أنا بطالب منش تقولين لي يبه بس تراني أتمناها منش


    جميلة بدأ الصداع يطرق رأسها (هذا اش فيه أكيد استخف!!)


    بينما منصور أكمل كلامه: تدرين يابيش الدنيا ما تأتي للواحد دايما على كيفه وأحيانا يكون الإنسان في ظروف تحده يسوي شيء يمكن يزعل الناس الغالين عليه

    لكن إذا حن نغليهم مثل ما يغلوننا لازم نقدر ظروفهم اللي حدتهم على ذا الشيء ولازم نحب لهم الخير مثل ما نحبه لأنفسنا


    جميلة بعدم فهم: أبو علي أنت وش تقصد من كلامك والله العظيم رأسي آجعني


    منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف: تدرين يا جميلة أنتي عند أمش أغلى خلق الله كلهم ماشفت أم تحب بنتها مثل أمش


    حينها همست جميلة بتوجس متوحش: وأنت وش عرفك أن أمي تحبني وبشوف عينك بعد


    حينها ألقى منصور قنبلته فهو تعب من محاولات اللف والدوران التي لا يتقنها: أنا وأمش تزوجنا من أكثر من 3 أسابيع.


    جميلة حينها سقطت يدها التي تغطي وجهها وهي تنقل نظراتها بارتياع بين خليفة ومنصور

    وهي تهمس بنبرة زائغة: من أكثر من 3 أسابيع يعني عقب مارجعت من عندي على طول

    يعني حذفتني هنا ورجعت تتزوج وطول ذا الأسابيع كلها وهي ناسيتني وتوه يطري عليها تبلغني كني ولا شي

    ثم ألتفتت لخليفة وهي تصرخ فيه بوجيعة: وأنت كنت تدري بعد ومخبي علي ليه تسوون فيني كذا؟ ليه ليه


    ثم تعالى صراخها أكثر وأكثر وأكثر وبشكل هستيري في ثورة ذكرت خليفة بثوراتها في أيامهما الأولى هنا


    كان خليفة على وشك استدعاء الممرضات ليحقنوها بإبرة مهدئة لولا صدمته من تصرف منصور غير المتوقع

    فمنصور وقف ليجلس جوارها على السرير ثم يحتضنها لصدره بكل قوته

    حاولت جميلة التفلت منه وهي تلكم صدره وتصرخ

    ولكنه لم يفلتها وهو يهدهدها بصوته العميق وبنبرة شديدة السكون والهدوء:

    بس يأبيش اهدي اهدي اذكري الله

    أمش ماسوت حرام ولا عيب هذا حقها مثل ماكان حقش إنش تختارين خليفة وتصرين عليه

    أمش ما يصير تقعد ساكنة بروحها حتى لو صار لها أي شيء في الليل ماحد درى عنها


    جميلة تبكي وتشهق وهي تحاول دفع منصور عنها: ما أبيها تزوج ما أبيها تزوج هذي أمي أنا طول عمرنا مع بعض أشلون تخليني الحين


    منصور يمسح على رأسها بيد وهو يمسكها باليد الثانية: يأبيش أمش ماخلتش ولا عمرها بتخليش

    عفرا قبل ما تصير مرتي هي أمش وأنا الحين صرت أبيش

    وإلا ما تشوفيني كفو أكون اب لش


    جميلة سكتت رغما عنها وهي تهدأ رغما عنها كذلك بل تجبر نفسها على أن تبدي هدوءا يختلف تماما عن الأعاصير الثائرة في داخلها

    صمتت والغضب يتحول لمشاعر أعمق من الخذلان والحزن

    أصمتها شعورها بالخجل من منصور رغم رغبتها العميقة أن تصرخ وتصرخ وتصرخ حتى تفرغ كل ما لديها من مشاعر سلبية موجوعة

    أ يعقل أن تفعل أمها بها ذلك. تتزوج بعد كل هذه السنين ودون أن تستشيرها حتى

    إن كانت تريد الزواج لماذا لم تتزوج من زايد

    لماذا لم تحقق لها أمنيتها أن يكون زايد والدها فعلا

    هذا الأب (المودرن) الوسيم لا تريده أبا لها كيف يكون مثل هذا أبا لها ؟!


    منصور حين رآها هدأت أفلتها بهدوء حان بينما خليفة كان مصدوما من ردة فعل منصور السريعة والمتمكنة

    (كيف لم يخطر لي أن افعل مثله في أيام ثوراتها الأولى

    التي كانت تخترق جمجمتي بصراخها فيها)


    حينما رأت أن منصور ابتعد قليلا عنها لم تستطع حينها أن تمنع نفسها من دفن وجهها بين كفيها لتسمح لطوفان دموعها بالانهمار دون قياس


    الرجلان معها صمتا وهما يحترمان رغبتها في البكاء كلاهما أصبح يعرفان أن البكاء أحد لوازم المرأة التي لا تستطيع التخلي عنها


    بعد دقائق من بكاءها الصامت. شد منصور له نفسا عميقا ثم هتف بحزم:

    من حقش تبكين وتطيبين خاطرش بس من حق نفسش عليش ومن حق أمش عليش أنش تفكرين بشوي منطقية

    لو فرضا ابيش عاده حي هل ابيش بيأخذ أمش منش

    عديني مثل ابيش صدق مهوب مجرد كلام

    أمش ما تتخيلين أشلون شايلة هم ردة فعلش إذا دريتي وخايفة أنه ذا الشيء يأثر على علاجش وهذا السبب الوحيد لتاجيلها تبلغيش بالخبر


    جميلة رفعت وجهها المحمر وعيناها المحمرتان وهمست بصوت مختنق من أثر البكاء: قل لها إنها ماقصرت وياتي منها أكثر وألف مبروك منك المال ومنها العيال

    مطلوب مني شيء ثاني


    منصور منذ فكر أن يأتي هنا وهو يعلم تماما أن جميلة لن تتقبل زواج والدتها بسهولة هذا إذا تقبلته!!

    لكنه أراد من كل هذا أن يمتص هو الصدمة الأولى حتى حينما يحضر مع عفراء تكون جميلة تأقلمت مع الخبرواتضحت الفكرة في بالها

    وعلى الأقل تكون استبعدت فكرة أن تضغط على والدتها حتى تتركه


    منصور ابتسم وهو يهتف لها بفخامة حميمة وهو يمد يده لكيس كان معه ووضعه جواره:

    أنا كنت جاي مستعجل بس جبت لش معي هدية صغيرة وإن شاء الله يعجبش ذوقي. اعتبريها هدية متأخرة شوي لعرسش


    حينها نظرت له جميلة بحذر متألم: هدية وإلا رشوة


    حينها قفز منصور وهو يهتف بنبرة مخيفة مرعبة: لي أنا تقولين ذا الكلام


    جميلة انكمشت على نفسها وانخرطت في بكاء حاد حينها اقترب خليفة منها وهو يضع يده على كتفها

    جميلة طوقت خصره بذراعيها لأنها كانت تجلس على السرير وهو يقف ودفنت وجهها في أسفل صدره وهي تنتحب وتهمس له بصوت خافت: تكفى قل له يطلع خلاص خله يطلع قل له يرجع لها خلاص ما أبي حد منهم


    خليفة أشار لمنصور أن يخرج برجاء عميق وهو يحتضن جميلة بحنو ويحاول تهدئتها. منصور كان يشتعل غضبا

    أ له يقال أنه جاء ليرشيها. بينما جاء وهو يقدم استعداده الكامل والصادق أن يكون أبا لها.


    منصور خرج فعلا لأنه خشي فعلا أن يتصرف معها تصرفا آخر.

    فيبدو أن الجميع عاجز عن إيقاف هذه الفتاة المدللة عند حدها وتعليمها كيف تحترم الآخرين وأين حدودها معهم

    وللحق فعلا كان جزء من تفكيره كأب فهي مهما يكن ابنة عفراء أي ابنته. ولو كانت فعلا ابنته لم يكن ليرضى أن تكون تصرفاتها على هذا النحو


    فور خروج منصور جميلة دفعت خليفة بعيدا عنها وهي تصرخ:

    أنت بعد وخر عني. ما ابي حد منكم أنت بعد روح معه يالخاين كذا تسوي فيني

    كذا تتفق معهم علي.كذا تسوي فيني يا الخاين؟


    خليفة تأخر وهو يتنهد بعمق.حتى متى سيبقى عاجزا عن فهم تقلبات هذه الفتاة

    كلما شعر أنه اقترب منها خطوة. أبعدته عشرات الخطوات!!

    فمتى سيستقر الحال بينهما



    خليفة غادرها لمنصور الواقف خارجا. حالما رآه أخذ يعتذر له عن تصرف جميلة


    منصور هتف بثقة: لا تعتذر يا ولدي ما أقول إلا الله يعينك وتراها ياولدي بنية عمك ويتيمة هذا من صوب

    والصوب الثاني لا تزعل مني بس جميلة الحين بنتي وتراني ما أرضى حد يضميها ولا يقهرها


    ابتسم خليفة: لا تخاف عليها ياعمي تاخذ حقها وزيادة


    ابتسم منصور: لا تقول لي شفت بروحي

    ثم أردف بعمق: والحق يقال إن الغلط غلط عفرا اللي ماعرفت تربيها عدل

    ثم أردف بنبرة أخفت وأعمق وأكثر حزما: وترا يابيك الرجّال الصدق ما يعجز في المرة يقدر يمشيها على شوره بدون مايكسرها ولا يهينها

    والحين أسلم عليك وأي شي تبيه تكفى مايردك شي


    خليفة مودعا: سلامتك عمي سلم لي بس على عمتي وسامحنا على اللي صار






    *************************************







    رد مع اقتباس  

  4. #104  
    المشاركات
    3,260


    " يا الله انزلوا

    فضحتونا في المستشفى كنكم تقلوون على فرن

    كنكم خايفين أخيكم يطق"


    هزاع الممدد على المقعد الخلفي يرد على غانم بابتسامة مرهقة: إيه والله خايفين مهوب أول مرة يسويها له سوابق


    غانم يضحك: صدق شر البلية ما يضحك

    يالله انزلوا. ميت تعب أبي أروح أصلي العشا وأرقد ذبحتوني اليوم ياعيال عمي


    فهد بحزم: لا والله إن قد تحول تصلي معنا ثم تعشى معنا أنا طلبت عشا خلاص


    غانم برفض قاطع: استغفر وأنت مكانك وأطعم لك عشر مساكين

    ما أقدر منتهي من التعب 3 أيام ما رقدت ماعادني أشوف أصلا


    فهد بحزم: يا ابن الحلال طالب ذبيحة حول تعشى معنا حن بس مامعنا حد


    غانم يبتسم: هزيع على الروعة اللي جاته الليلة بياكل الخروف بروحه


    هزاع يئن بابتسامة: لا حد يطري علي العيشة زعت عليكم


    غانم بمرح: حوّل الله يرضى عليك فيها زوع روح زوع في موتر فهيدان الجديد ماني بناقص قرف


    فهد يفتح الباب لهزاع وهو يهتف بمرح مماثل: وليه يعني الشيخ مايزوع إلا في سيارة هذي القاع وسيعة


    هزاع يتسند على فهد بإرهاق فمؤشراته الحيوية كلها اضطربت اليوم ودقات القلب عنده قفزت للذروة. لذا يشعر بإنهاك عام في مفاصل جسده كلها.


    حين دخل الاثنان تفاجأ بالمشهد صالح وعبدالله جالسان يتحدثان لا غرابة حتى الآن

    ولكن كل الغرابة في المخلوق الصغير الذي يقف خلف عبدالله وهو يطوق عنقه من الخلف بينما عبدالله يمسك ذراعيه ويميل به إلى الأمام قليلا ثم يعود للخلف في حركة متكررة ليلاعبه

    وبين كل حركة والأخرى يمسك ذراعيه الصغيرتين ويقبلها ويبدو على وجه عبدالله ملامح استرخاء وسعادة لا حدود لها


    الاثنان ألقيا السلام عبدالله وصالح كلاهما هاتفا شقيقيهما عدة مرات حتى خرجا من المستشفى

    هزاع مال يقبل رأس الاثنين ثم جلس جوار عبدالله ليحتضن عضده ويقبل كتفه

    بينما صالح هتف بابتسامة: راحت على أبو خالد خلاص نقرت رأسي كنك مان علينا بحبتك


    هزاع حتى وهو متعب لا يستطيع أن يتخلص من مرحه التلقائي: واجد عليك بعد زهقنا منك خلاص ترا حبيت رأسك وكبدي لايعة علي بعد


    صالح يضحك: زين يا هزيع ذا وجهي كني جبت لك هدية لنجاحك


    حينها قفز هزاع ليقبل رأس صالح عدة مرات هو يهتف بابتسامة: يقطع أبو الماديات اللي خربت أخلاقنا


    فهد جلس في الزواية المقابلة وهو يهتف: وش عنده حسون أفندي كنه شمبانزي في ظهر أبيهتعالي حبني يالخايس


    حسن كان خلف والده يهز رأسه رفضا بينما عبدالله يبتسم: شمبانزي وخايس بعد وتبيه يحبك روح بس


    حينها نظر فهد لعبدالله نظرة مباشرة: بيحبني غصبن عن خشته بس خلني لين أروق له

    الحين نبي ندري وين كنت غاط ذا السنين كلها. وأشلون يوصلنا خبر موتك في حادث

    أنت داري إن هلك ذا السنين اللي فاتت باقي يمنعوني من السواقة


    هزاع الجالس بشكل مائل وهو يتسند على (المركا) يهمس بإرهاق: يمنعونك قومهم شين سواقتهم. لبسها عبدالله بعد؟!!


    فهد بغضب: تلايط أنت الكبار يتكلمون الصغار يتلايطون


    حينها هتف صالح بغضب: اجل انت بعد تلايط تسكته وحن قاعدين هذا حن أكبر منك.


    فهد شد له نفسا عميقا: ذا الكلام كله ما يهمني. حتى لو منعوني من السواقة مهيب ذي القضية

    القضية عبدالله وين كان


    عبدالله تنهد ثم ابتسم: الحين أنت وش يهمك وين كنت مهوب المهم أني قدامك طيب وبعافية.

    وأقول لك أن السبب اللي لدني منكم ذا السنين كلها مافيه شيء يلحق الدين ولا الشرف يكفيك كذا وإلا لا


    فهد بتصميم غاضب: لا ما يكفيني. من حقي أعرف وش السبب اللي يخلي أخي يختفي أربع سنين وينقال لنا إنه مات

    عبدالله أمي كانت بتموت عقبك جاها اللي ما تمناه لعدوك دون صديقك وابي إسأل اخوانك عنه. جاه السكر والضغط وتشوفه تقول كنه شيبه في التسعين

    عالية كانت في فرنسا وما رجعت إلا عقب الخبر بـ3 شهور وحن كل مرة تسأل عنك وتقول أن جوالك مسكر نتحجج لها بألف حجة

    ويوم درت جاها انهيار وأسبوع كامل ما طب بطنها شيء وكل ما أكلناها غصب رجعت وعقبه دخلت للمستشفى من الجفاف

    وذا الصبي اللي أنت مستانس به. شوف أشلون متعلق فيك وذ ذنبه 3 سنين عايش يتيم.

    وأم حسن اللي حادت عليك وانحبست 8 شهور وضاع مستقبلها ودراستها

    وعقب ذا كله تقول أنا ماسويت شيء يمس الدين ولا الشرف

    اللي سويته في هلك في أي دين هو في أي دين


    عبدالله كان وجهه يتلون بألم مع انثيال فهد الغاضب وكل كلمة يقولها يشعر بها طعنة تتجدد في جراحه التي مازالت تنزف


    هزاع حينها انتفض بغضب: بس فهد اسكت. أنت ليه تبي توجعه كذا


    عبدالله أشار بيده لهزاع: هزاع خله يقول اللي يبي. أنا أستاهل اللي قاله وأكثر


    ثم توجه بحواره لفهد وهو يتناول حسن من خلفه ويضعه في حضنه ويهتف بألم عميق:

    وأنت ظنك يا فهد أني ذا السنين اللي فاتت قاعد بعيد عنكم مستانس

    إذا كل واحد منكم ذاق وجيعة وحدة فقد ولد وإلا فقد أخ

    فأنا ذقت الوجايع ألوان فقدت الوطن والأم والأب والأخوان والأهل والأمان وحتى الراحة النفسية

    أنا كنت عايش بس ما أفرق عن أي ميت غير أني أتنفس

    تبي تحاسبني حاسبني حسابك مهوب الشيء اللي بيوجعني أنا مرت على الأوجاع كلها لين أقصاها أقصاها


    حينها وقف صالح وهو يهتف بحزم شديد: خلاص حكي في الموضوع ما أبي أسمع

    عبدالله ورجع شيء ثاني ما أبي أسمعه

    المشكلة الحين مهيب عبدالله وين كان لأن هذا شي فات المشكلة الحين أشلون نوصل الخبر لامي وابي وعالية وحتى عمي راشد وخالاتي وباقي جماعتنا


    حينها همس هزاع بوجع: تكفون ماتفجعون أمي وعالية إذا أنا الرجال ما استحملت عطوهم الخبر شوي شوي


    صالح توجه للباب : بنتفق عقب أشلون نوصل الخبر لهم وأول حد بنبلغه عالية

    والحين بأروح أسلم على أمي وأبي وانتو خلكم عند عبدالله

    ثم فهد عقب رجّع حسن لأمه عبدالرحمن كلمني يقول يبي يأتي يأخذه قلت له لا حن بنرجعه.





    *************************************






    "أوف خالتي ميتة تعب"


    عفراء تلتفت لمزون بحنان: أكيد لازم تتعبين تجهيز عرس مهوب شيء هين

    عقبال ما أجهز لعرسش أنتي وعلي إن شاء الله


    مزون بتساؤل: عمي متى راجع الليلة


    عفراء توترت قليلا لذكر منصور لا تنكر أنها حاولت الاتصال به مرتين اليوم لكن هاتفه كان مغلقا شعرت كما لو أن هذا الإغلاق هو رسالة موجهة لها أشعرتها بكثير من الألم

    عفراء حاولت أن تهمس بطبيعية: ما أدري بالضبط بس في الليل متأخر


    مزون بتلقائية: زين نرجع البيت وإلا عندنا مشوار ثاني


    عفراء بهدوء: والله كنت أبي أمر الدكتورة بس ما أظني الوقت يكفي الساعة الحين 7 ونص وهي تسكر 8.


    مزون بقلق: دكتورة ليش


    عفراء بتلقائية: الدورة تأخرت على أكثر من أسبوع وصايرة أحس بألم في بطني من تحت أخر مرة جاتني قبل زواجي باسبوعين

    أبي أكل حبوب تنزلها بس قلت أستشير الدكتورة أول


    مزون تبتسم وهي تهتف للسائقة: جينا قدامش مختبر البرج وقفي عنده لو سمحتي


    عفراء بدهشة: والمختبر ليه


    مزون بسعادة: خالتي أنا اللي أعلمش بدل ما تقولين أكل حبوب تنزل الدورة

    قولي أسوي فحص حمل


    عفراء بصدمة كاسحة : وش حمله الله يهداش


    مزون باستغراب: إلا أنتي خالتي الله يهداش هذا الشيء المتوقع

    انتي دورتش كانت منتظمة مثل الساعة وتأخير أكثر من أسبوع معناها شيء واحد

    ليش مستبعدته يعني


    عفراء برفض تام: لأنه مستحيل يامش


    مزون بحذر خجول: ليه خالتي أنتي تاكلين مانع


    عفراء تنهدت بعمق لم ترد أن تطيل الحوار أكثر من ذلك مع مزون قررت أن تجري الفحص حتى تسكتها لم تردها أن تسأل أكثر من ذلك


    وبالفعل نزلتا في المختبر وسحبوا عينة دم من عفراء ووعدوهما بالنتيجة بعد حوالي 40 دقيقة

    عفراء لم تكن تريد الانتظار العبثي هذا تنتظر شيئا غير موجود بل يستحيل وجوده

    ولكنها لم ترد أن تكسر بخاطر مزون التي كانت غاية في التحمس لذا كانت الأربعين دقيقة غاية في الثقل والملل.


    بعد الانتهاء خرج الطبيب بورقة في يده مزون قفزت لناحية المكتب وهي تهمس بسعادة حذرة: بشر يا دكتور


    بينما عفراء جالسة دون أدنى اهتمام وكل ماتريده هو انتهاء مزون من لعبتها حتى تعود للبيت


    الطبيب بابتسامة مهنية: نتيجة إيجابية


    مزون بسعادة محلقة: أشلون إيجابية حامل يعني


    الطبيب اتسعت ابتسامته: آه حامل إن شاء الله


    عفراء كأنها سمعت كلمة (حامل) لكنها أرجعتها لخلل في السماع أو ربما كان يقول لها (غير حامل)


    مزون كادت تجن من السعادة: دكتور أقدر أعطيك بشارة


    الطبيب يضحك: خلاص البشارة بتاعتي الفرحة دي


    عفراء أصيبت بالجمود والتيبس (ماذا يقولان هذان يبدو أنهما يهذيان أو أنا من تهذي وتتخيل)


    مزون قفزت بجوار خالتها وهي تحتضنها والكلمات تختلط على لسانها من سعادتها:

    مبروك ياخالتي مبروك. سبحان الله كنت أتمنى أكون أول من يعرف ويبارك

    والله حقق لي أمنيتي اللهم لك الحمد والشكر

    عقبال فرحتي بحمال مرت كساب


    عفراء كانت جالسة متخشبة (أتخيل أكيد أتخيل!! مستحيل!! مستحيل!! أشلون أنا حامل ومنصور)

    مزون تهز خالتها: خالتي بسم الله عليش


    عفراء انتفضت بخفة وهي تقف وتسأل الطبيب: دكتور أكيد أنا حامل


    الطبيب بمهنية: إن شاء الله دا تحليل دم مش بول والدورة تأخرت أكتر من أسبوع أكيد إن شاء الله


    حينها عاودت عفراء الجلوس صدمة هائلة مزقت حواسها.

    دون أن تشعر مدت يدها لبطنها وذكريات مشوشة لحملها بجميلة تعود لذاكرتها

    ولكن فرق شاسع بين بساطة مشاعرها وفرحتها البريئة آنذاك

    وبين تعقيد مشاعرها وفرحتها المعقدة الكثيفة العارمة اليوم!!

    نعم. فـــرحــة!!

    رغم كل التعقيدات رغم كل التوتر رغم كل التأزم هي سعيدة بل سعيدة جدا

    كانت تتمنى طفلا من منصور وهاهي حصلت عليه لا تعلم كيف ولا يهمها كيف

    هي رحمة رب العالمين ورغبته ومشيئته التي لا يقف أمامها شيء


    كانت تخرج مع مزون وابتسامة متلاعبة شفافة ترتسم على وجهها

    قد تكون فاشلة جدا في التصرف بالخبث الأنثوي الذي قد يكون مطلوبا في بعض الأحيان

    ولكن حملها هذا ستجعله سلاحا ضد منصور المتبجح!!

    تستطيع قلب الطاولة عليه وقبل أن يغضب هو من حملها

    ستغضب هي منه لأنه خدعها وقال لها أنه يعاني من عيب يمنعه من الإنجاب

    فإذا به يورطها في حمل لم تكن هي مستعدة له أطلاقا

    " يالها من مسكينة!! "

    اتسعت ابتسامتها حتى كادت تتحول لقهقهه منعتها حتى لا تفضح نفسها في مزون

    (طيب يا منصور!! زين

    ربي أكرم من كل شيء

    أقوى من تسلطك وتجبرك وشروطك

    انتظر علي شوي

    بس شوي يا منصور!!)







    **********************************






    " خلاص أبو عبدالرحمن شنطتك جاهزة واللي قلت لي عليه كله حطيته فيها"


    أبو عبدالرحمن يلتفت لأم عبدالرحمن وهو يجلس على السرير ويضع أوراقه وماله وجواز سفره في حقيبة صغيرة معه

    ويهتف لها بحزم: أنا معزوم على العشا وما قدرت أعتذر من الرجال بارجع بسرعة عقبه وبأخذ شنطتي وبيمرني تميم امهاب بيودينا المطار


    أم عبدالرحمن بتردد: والله ذا السفرة مالها سنع عرس بنت ناصر عقب أسبوع وأنت بعد ماخذ أخيها معك


    أبو عبدالرحمن بذات نبرته الحازمة: ما أقدر أجلها فضل المنان يقول إنه حاجز طيور لي وماقدر يخليها أكثر من أسبوع

    ولولا أن أبيه الله يحسن خاتمته هو اللي موصيه إنه إذا جاته طيور زينة يخيرني فيها أول حد أو كان باع بدون ما يهتم مني

    وما أقدر بعد أقول له احجزها أكثر من أسبوع ما أرضى له الخسارة.أنا وأبيه صحبة وأكثر من أخوان بعد من أكثر من 35 سنة


    أم عبدالرحمن بذات التردد: زين روح أنت جيب طيورك وخل تميم خاف يتأخر على عرس أخته


    حينها ابتسم أبو عبدالرحمن: ما أقدر أروح بدون تميم أستبشر بوجهه العام الأول حدني أشتري فرخ وأنا ما أبيه كلش بس شريته لأني ما أحب أخالفه

    تميم دايما رايه إهدا (الهدا=الصواب) مايحدني إلا على خير

    وذا الحين ذا الفرخ صار خيرة طيوري

    والعام يوم رحت بدون ما أقول له عشانه كان مريض زعل علي إني رحت وخليته

    وش تبيني أسوي يعني أنا ماغصبته. أنا قلت له تخاويني وإن شاء الله محن بمبطين 3 أيام وإلا 4 بالكثير ومعودين


    تنهدت أم عبدالرحمن: أنت بعد يا فاضل غلطان من يوم ولعت الصبي في القنص وإلا حد مثل تميم يقنص


    ابتسم فاضل بشفافيه وهتف كأنه يكلم نفسه: والله إنه أخير من كل الصقارين صقار بالفطرة نبيه وفطين

    هذا أنا كنت أخذ عبدالرحمن وامهاب كلهم معي لو أني اللي أولعهم في الشيء كان ولعت ولدي

    بس ماحد منهم اهتوى القنص إلا تميم لأنه قرم في رأسه حب ما طحن ما يطحنه غير حوال الطير نكاسي

    والله ثم والله لو أني داري إنه له طاري بالعرس من وحدة مهيب مثله ماكان أخليه يروح على شعاع


    أم عبدالرحمن بجزع: من جدك يافاضل تميم ولد أخي واحبه مثل ولدي بس شعاع بنتي وأبي لها الزين


    أبو عبدالرحمن قلب شفتيه: هذا عشانش مرة عقلش ناقص أنا أشهد أنش ما تعرفين الرياجيلوإلا تميم يسوى عشر رياجيل

    ثم أردف بحزم وهو يشير للتسريحة: تراني خليت لش ظرف فيه فلوس في الدرج الأول


    أم عبدالرحمن تغلق حقيبته وتهتف بتلقائية: ماله داعي يابو عبدالرحمن عبدارحمن موجود


    حينها هتف بغضب: ما حد مسئول عن بيتي غيري وما تأخذون مصروفك من غيري


    حينها هتفت أم عبدالرحمن بوجع مخفي: وهي المسئولية فلوس وبس الله لا يخلينا منك ولا من عبدالرحمن


    أبو عبدالرحمن يشد حقيبته وهو ينزلها على الأرض ثم يهتف لها بتحذير:

    إياني وإياش مرة ثانية تخلين شعاع تروح بروحها من السواق والخدامةوالله لا يصير شيء ما يرضيش

    شعاع ما تطلع مكان إلا معش أنتي أو مع أخيها أو مع جوزاء وبس. حتى مع بنات خالها ما تروح

    سامعتني؟!!


    أم عبدالرحمن بجزع: الله يهداك ماصارت إلا مرة وحدة عشاني ماكنت موجودة

    راحت تصور ملزمة في المكتبة القريبة عشان الامتحانات وهذي الامتحانات خلصت

    وشعاع جاها ماكفاها منك تيك المرة


    أبو عبدالرحمن بغضب: جزاها وأقل من جزاها. أنا منبه عليها ألف مرة. ثم تعصاني

    ثم أردف بتصميم : وإيه أمنتش الله ما ترقدين لين تأكدين إنش قفلتي البيان وسحبتي المفاتيح


    أم عبدالرحمن بسكون: يا فاضل الله يهداك كل ماجيت تسافر توصي نفس الوصايا والله أني حفظتها لا توصي حريص


    أبو عبدالرحمن وهو يستعد للخروج: واسمعيني يأم عبدالرحمن تراني مخلي مع الفلوس فلوس هدية بنت ناصر لا تقصرون فيها

    تراها مالها خوال ولا عمان وأنتي عمتها الوحيدة أبي هديتش لها بهدية عشر عمان






    *******************************************






    " عبدالرحمن فديتك تكفى جيب لي حسون

    الساعة صارت تسع ونص متى بألحق أعشيه واسبحه وانيمه"


    عبدالرحمن يهتف في هاتفه بمودة: جوزاء ياقلبي والله أني كلمت صالح كم مرة

    قال لي إن فهد بيجيبه.

    كلمت فهد يقول حسون مهوب راضي يرجع معه

    قلت لهم أنا بأجيكم أجيبه فهد يقول إنه مطلعه يلعبه وبيرجعه


    جوزاء بقلق: والله تاخر ياعبدالرحمن. صالح خذه من عقب العصر من الساعة أربع ونص الحين صارت تسع ونص

    لو كان ماخذه الصبح كان عادي عندي بس الحين تأخر الوقت


    عبدالرحمن بطمأنة: وش تاخر يابنت الحلال تو الناس

    والله مايأكلونه عمانه ولا يهمش أنا بكلم فهد لو ماجابه الحين باروح له بنفسي الألعاب



    جوزا ألقت بهاتفها جوارها وهي تمسح على وجهها بإرهاق شعاع الجالسة جوارها تقلب في جهازها الحاسوب همست لها بهدوء:

    أشفيش متوترة كذا. ترا مهيب أول مرة يأخذونه هله وأحيانا ياخذونه أكثر من كذا وخصوصا عقب مارجعت عالية يكون معها طول اليوم

    وش معنى اليوم متوترة كذا


    جوزاء بتوتر وقلق عميقين: أنا كلمت عالية عقب المغرب قالت لي ماشافته قلبي قارصني


    5 ساعات قاعد في المجلس. أنا خايفة يكون مسك دلال القهوة وإلا طلع الشارع

    وإلا صار له بعيد الشر شيء عشان كذا عمانه مايبون يروعوني

    ياربي شعاع. والله العظيم قلبي قارصني وقاعدة أطمن روحي


    شعاع بطمأنة: ما أشين فالش مابه إلا الزين




    .

    .

    ذات الوقت


    فهد يبتسم: أنت خلصنا من ولدك اللزقة خاله صدعنا يقول أمه صدعته


    عبدالله لا يريد تركه يغادر فعلا مازال لم يشبع عينيه وروحه منه ولكن هل ساعة أو ساعتين آخريين سيكفيانه

    يشعر أن العمر كله لا يكفيه حتى يعوضه عن تركه له طيلة السنوات الماضية

    وخصوصا أن حسن لا يريد تركه مطلقاويبدو متعلقا به بصورة غريبة مبالغة


    أ لم عميق يتصاعد في روح عبدالله على حال هذا الصغير الذي عاش علاقة أبوة مع مجرد صور ورق مصفر أشباح باهتة لخيال أب كان

    بينما والده حي يرزق

    ينظر إلى حسن الجالس على ركبتيه ويعاود احتضانه ربما للمرة الألف هذه الليلة ولا يرتوي من رائحته ولا من قرب جسده الضئيل


    فهد يعاود الإلحاح: لا تزعل علي بس تراني بشله غصب وبوديه لامه نبي نرجع نتعشى ونتصل في صالح يجينا


    عبدالله يقف وهو يحمل حسن بين ذراعيه: أنا باروح معك نوديه


    فهد بتوجس: أخاف حد يعرفك ما أبي حد يبلغ هلي الخبر قبل ماحنا نقول لهم


    عبدالله بهدوء واثق: يا ابن الحلال أنا باتلطم وأقعد جنبك.وأنت انزل وعطه خاله صار لك ساعتين تحايل فيه وهو مهوب راضي


    فهد باستغراب: صراحة تعلقه فيك غير طبيعي متى لحق يعرفك عشان يتعلق فيك كذا

    وبعدين ماشاء الله تعاملك معه تعامل واحد خبير ومحترف بعد مهوب واحد المفروض إنه عليمي


    عبدالله يبتسم: الأخ مركز في كل شيء هذي اسمها تناجي أرواح يا متنح ولد وابيه الروح تنادي الروح


    فهد يضحك: الكلام كذا كني سمعته في فيلم هندي قديم يا الله قوم قوم. نسيبنا دخل في مخ مخي. الله يعين عالية عليه ويعينه على عالية


    عبدالله وفهد يتجهان للخارج تاركين هزاعا الذي كان نائما في المجلس

    وعبدالله يسأل فهد بابتسامة: عالية ماعقلت


    فهد يبتسم: إذا عقل حسون عقلت عالية معه


    عبدالله بمودة عميقة: وخالي نايف وش أخباره صالح يقول لي باقي له سنة ويخلص ماستر


    فهد بمودة مشابهة: نايف طيب لو أن الله يخلصه من حنت خالاتك هم موذين العالم فكيف أخيهم الوحيد


    ثم أردف فهد وكأنه يتذكر شيئا: تدري عبدالله حتى يوم كانت أم حسن في الحداد

    كنت دايم أشوف عالية مفولة من خالاتي خصوصا خالتي نورة وسلطانة

    تقول أنهم حاطين دوبهم دوب المسكينة ومطفرينها من عيشتها


    عبدالله شعر كما لو كان تكهرب وتيار لاسع يمر عبر كامل جسده: أشلون يعني


    فهد بعدم اهتمام: ما أدري اسأل عالية عقب


    عبدالله سكت باقي الطريق وهو يحتضن حسن الذي يستكين على صدره

    (هل تبقى شيء يا جوزاء لم أجرحكِ فيه

    حتى أبسط شيء أتركك عرضة للألسنة تلتهمكِ دون أن أكون موجودا لحمايتكِ!! للتخفيف عنك!!

    تركتكِ براءة عذبة مغبونة مجروحة في عمق أنوثتها

    ضاعت فرصتك في اكمال دراستك في حداد ماكان يجب أن تخضعي له

    وبعد ذلك حتى من أذية الكلام لم يرحموك

    وأنا السبب في كل ذلك!! دائما أنا السبب!!)


    عبدالله كان مستغرقا في أفكاره التي يأخذه منها أحيانا حديث فهد الذي كان يجيبه باقتضاب بعد أن صدمه بوجيعة جوزا الجديدة

    أي فرحة هذه التي خالجتها الأوجاع حتى صميم الروح

    أي فرحة هذه التي ما ابتسم فيها ابتسامة حتى سالت خلفها روحه دمعات وآهات


    "وصلنا!!"


    انتزعته كلمة فهد الحادة القاطعة من أفكاره بالكامل

    والسيارة تقف أمام بيت أبي عبدالرحمن







    ************************************






    قبل ذلك بحوالي ساعة. بعد صلاة العشاء مباشرة




    تجلس في غرفتها تحترق تفكر تنطفئ لتعاود الاحتراق بلا هوادة

    تعلم أنه عاد وتعلم أنه كان في الأسفل

    سلم على والديه وشقيقته وولديه ثم ذهب للمسجد مع والده لصلاة العشاء

    كل هذه الأخبار أبلغها بها ولديها اللذين ذهبا هما أيضا مع والدهما للصلاة

    بينما هي كانت في أثناء حدوث ذلك تلتهي بترتيب ملابسهما عن الهموم التي تكاثرت في روحها

    والتي زادها عليها أن غانم لا يرد على اتصالاتها أبدا بعد خروجه المفجع بالأمس الذي زاد قلقها قلقا

    عادت لغرفتها وهي لا تعلم حتى إن كان صالح سيتذكر أن يصعد لرؤيتها

    أو ربما كان مستعجلا للعودة لشيء آخر!!


    بداخلها ترفض فكرة أن صالحا قد يتزوج عليها لا يمكن أن ينهار كل الحب الذي يحبها صالح في لحظة يستحيل أن يستبدلها بآخرى

    تطوف ببالها مئات من ذكرياتها مع صالح العاشق الذي لم تطفئ جذوة حبه لها أي ظروف لا خلافاتهما ولا بعادها ولا السنوات

    دائما كان عاشقا متجددا وكأنهما عريسان في شهر زواجهما الأول

    رغما عنها شهقت بألم هي من أضاعته من يدها

    صالح على الدوام كان رجلا استثنائيا تكاد تقسم أنه قد لا يوجد على كوكب الأرض رجلا أغرق زوجته في مشاعر عشق مستحيلة كما فعل صالح

    أخطأ في حقها خطأ كبيرا ولكنها هي من لم تعرف كيف تتصرف حينما حدث الخطأ في مرته الأولى ومراته التالية

    كانت تهرب لغرفة ابنائها ثم تدعي أنها رضيت سريعا رغم أنها بداخلها لم ترضَ

    شيء ما بقي حاجزا بينها وبينه

    حاجز كان يثير جنون صالح الذي يريد امتلاكها حتى أخر نفس

    ولكنها ربما كانت تعاقبه بهذه الطريقة كانت تعلم استماتته في إشعال مشاعرها

    لكنها كانت تبقي لها دائما حاجز ما من تباعد وبرود

    لا تعلم هل (غرّها الغلا) هل كانت طريقتها في التعامل مع صالح فاشلة


    (بالتأكيد هي فاشلة

    وأنا فاشلة!!

    وإلا لماذا وصلنا إلى هذا الحال

    لماذا وصلنا هنا رغم كل الحب الذي جمعنا

    أو بمعنى أصح حب صالح الذي كنت أستقبله دون مقابل يوازيه!!)


    كانت أفكارها الجارحة الثقيلة تدمي فؤادا أرهقه اليأس والسهر والقلق والغيرة وشهقاتها الخافتة تحاول كتمانها فلا تفلح

    حتى سمعت الطرقات الهادئة على الباب التي أجبرتها على ابتلاع شهقاتها





    ********************************





    يتنهد بعمق وهو يدخل إلى بيته

    تجاوزت الساعة منتصف الليل لا يعلم هل كانت مهمته ناجحة أو فاشلة

    ولكن أكثر ما يخشاه أن تؤدي لتأزم الوضع بينه وبين عفراء

    يخشى أن تكون جميلة اتصلت بوالدتها بعد مغادرته

    ولا يعلم كيف نسي حدوث مثل هذا الاحتمال المتوقع جدا

    احتمال كهذا قد ينسف كل مافعله

    وغلطة الشاطر بألف

    بل غلطة كهذه بملايين الملايين

    يخشى أكثر من أي شيء أنه لن يجدها حتى هنا قد تكون غضبت وعادت لبيتها

    وهذا هو المتوقع منها

    فبعد اتفاقهما أن يؤجلا إبلاغ جميلة بزواجهما حتى تذهب عفراء لها

    كان هو من خرق الاتفاق وهو يبلغ جميلة ودون علم عفراء حتى

    يخشى بشدة أن تسيء فهم سبب تصرفه هذا أو تبرره بسوء نية مقصود منه

    كانت هذه الأفكار تدور في رأسه وهو يصعد للأعلى ومع كل خطوة يخطوها يغتاله أحساس مر أنه لن يجدها لن يجدها

    وأنه سيجد فقط أطلالا مهجورة تستحضر ذكراها في المكان





    #أنفاس_قطر#

    .

    .

    .







    رد مع اقتباس  

  5. #105  
    المشاركات
    3,260

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    يا صباح الإشراق والجمال والسعادة


    ياصباح التفاعل الراقي برقيكم


    دائما تغمرون قلبي بسعادة تفاعلكم ومودتكم المصفاة الله لا يحرمني منكم


    .


    ألف ألف مبروك للناجحين وعقبال الباقين وفرحتهم بالنجاح


    وألف مبروك لكل العرايس اللي عرسهم هالصيفية


    ودعواتنا لأخت جافيني النوم أن ييسر لها أمورها في الخير وبالخير


    .


    .


    تدرون بنات أنكم شككتوني في روحي :)


    رجعت أقرأ أخر كلام كتبته بعد أخر جزء من بعد الغياب وأسى الهجران


    نهائي ماجبت طاري أني ماراح أرجع للكتابة لكن كان مجرد توديع ودعوات


    بس يمكن البعض فهمها كذا


    ويمكن فيه بنات كانوا يسألوني بشكل فردي


    فكنت أقول كفاية عليكم اللي فات من باب أني ما أبي أقول شيء أنا غير متاكدة منه


    وخلال بعد الغياب واسى الهجران كانت تجيني أفكار كنت أجلئها وأقول هذي بأخليها لرواية جديدة


    لكن هذا ماصار هنا فعلا أكتبها بروح الرواية الأخيرة قلت روح!!


    وهذا كلام يدور في بالي فقلته لكم المرة اللي فاتت <<< تخلون الواحد يندم على الشفافية :) مثل الحكومات لا استخفت وسوتها :)


    أثر يا بنات على قولت المثل (الحكومة أبخص) مثل سديد :)


    يعني الحكومات تمارس سياسة التعتيم الإعلامي يازينها <<< يا شين الفلسفة على غير سنع بس أصبحي وأفلحي يا أم س


    المهم صبحكم الله بالخير ويا الله على البارت


    .


    بارت تعبني فوق ما تتخيلون جد تعبني <<< ياكثر ما تقولين كذا


    شكلي عجّزت يا بنات وأنا توني << تهقون


    بارت طويل جدا وعاصف وبيفتح النار جد


    .


    البارت الرابع والثلاثون


    .


    قراءة ممتعة مقدما


    .


    .


    لا حول ولا قوة إلا بالله


    .


    .


    بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والثلاثون





    مشاعر ثقيلة جدا أورمت قلبه الذي ماعاد يحتمل المزيد وهو يقف أمام باب بيت أبو عبدالرحمن من الخارج


    بينما حسن حين عرف البيت شدَّ على عبدالله وهو يهز رأسه بعناد طفولي: مابي مابي أبي بابا بث مابي ألوح


    عبدالله يحتضنه بخفة ويسأل فهد بشجن: كنهم مغيرين واجهة البيت والصبغة


    فهد بدون اهتمام: ما أدري يأخيك الظاهر


    عبدالله تنهد بألم شفاف وهو يهمس في داخله:

    (أنا اللي أدري أنا اللي أدري

    كان باقي أعد خطوط البيت وأنا أنتظرها تطلع علي في كل مرة كنت أوديها لأهلها

    أحاول أتشاغل بشيء ألهي نفسي عن شوقي لها

    ألهي نفسي عن قلبي اللي أحسه ينشلخ ألف مرة)


    بينما عبدالله لاه في أفكاره وهو يشد ابنه إلى صدره كان فهد ينهي اتصالا ثم يلتفت لعبدالله:

    عبدالرحمن عاده في الطريق ويبي له شوي ويقول ا ن ابيه معزوم على عشا

    خل نعطي ذا الأذوة واحد من صبيان المجلس ويعطيه الخدامات يوصلونه لأمه


    عبدالله بصدمة: من جدك أنت تبي تعطي ولدي واحد من الصبيان يوصله للخدامات

    قسما بالله منت بصاحي ولا تأمن على الولد. عسى مهوب أنت اللي ترجعه كل مرة


    فهد يضحك: وانا وش عرفني بالبرتوكول لإعادة صاحب السمو. رجعته كم مرة بس كل مرة عبدالرحمن موجود وإلا جده وهم اللي يأخذونه


    عبدالله بقلق: فهد أمنتك الله لا تكون مرة سويتها وعطيته الصبيان


    فهد يضحك: والله العظيم مابعد سويتها. خاطري تشوف وجهك لابس دور الأب مضبوط

    ثم أردف بابتسامة: يا الله قل لي وش تبينا نسوي نقعد واقفين لين ياتي عبدالرحمن ويعرفك

    كان مخططنا أني أنا بأنزله المجلس وبأجيك الحين وش السواة


    عبدالله تنهد: اتصل في أمه خلها تخلي وحدة من الخدامات تطلع لنا وبننتظر هنا لين أشوفها دخلته داخل البيت


    فهد حينها تفجرت في رأسه قنبلة ما شهق ثم كح وهو يهتف لعبدالله برعب حقيقي:

    على طاري أم حسن

    عبدالله أنت الحين ما متت والمرة حادت عليك وحتى عدة الغياب ماكملتها لك بالضبط 3 سنين و11 شهر

    ووأم حسن الحين على ذمة ولد آل يحيا لازم تسأل شيخ


    عبدالله ألا يكفيه مافيه من أوجاع حتى يذكره: أم حسن أنا طلقتها وأنا في أمريكا وعقد الطلاق موثق ورسمي وموجود الحين في الخارجية للي يبي يتاكد


    فهد بصدمة: عبدالله أنا مصدوم فيك يعني مخطط لكل شيء ليه ذا كله ليه


    عبدالله لم يرد عليه حينها زفر فهد بغضب متزايد على عبدالله: باتصل في عالية أخذ رقم البيت منها


    عبدالله بسكون: مافيه داعي أنا حافظه إذا هو نفسه ماتغير


    فهد أخذ الرقم من عبدالله وهو مازال يغلي من الغضب


    في الداخل جوزا تذهب وتعود ماعادت قادرة على الجلوس

    بينما شعاع مازالت تعبث بأزرار حاسوبها وهي تهمس بهدوء: جوزا الله يهداش عبدالرحمن الحين مكلمش ويقول أنه جاي

    اقعدي حولتيني


    جوزاء بغضب: خلش في اللي أنتي فيه ومالش شغل


    رن الهاتف بجوار شعاع التقطته وعينها على شاشة الحاسوب: مرحبا


    صوت رجولي غاضب: وين أم حسن وإلا أم عبدالرحمن يا بنت


    شعاع مصدومة من هذه الوقاحة (بدون سلام حتى)

    بينما فهد كان يظن أن من ردت عليه طفلة صغيرة

    شعاع تحاول الاعتصام بالأدب وهي تتكلم بطريقتها الهادئة الرقيقة التلقائية المعتادة: أم حسن موجودة وأم عبدالرحمن تصلي من تبي منهم


    حينها علم فهد أنها ليست طفلة بل صبية يقطر صوتها رقة وعذوبة أشعرته بمزيد من الغضب لأنه يكره بشكل عام يكره (الميوعة) في البنت

    وهو حسب ظنه شعر أنها تتحدث بميوعة زائدة مع غضبه الذي قفل عروق التفكير في رأسه:

    اصطلبي يا بنت لا تسيحين ماعلموش هلش أشلون بنت الحمايل ترد على الرياجيل


    شعاع شهقت بشدة وهي تلقي الهاتف والحاسوب وتقفز راكضة للأعلى

    حينها انتزع عبدالله الهاتف منه بغضب كاسح: قسما أنك مستخف هذي أكيد شعاع البنية أذكرها هادية خلقة ربي يا الجلف الله يأخذ عدوك


    فهد لم يهتم وعبدالله يأخذ منه الهاتف ويقرر أن يطلب منها إرسال أحد للخارج فهو متأكد أنها لا تتذكر صوته

    ولكنه مع التقاطه للهاتف كان صوتا آخر يهتف بقلق عميق: من أنت ووش قلت للي ردت عليك


    حينها عبدالله عاود إلقاء الهاتف لفهد و يشير له أن يرد وهو يشعر أن قلبه مزقته قنبلة مدمرة إلى مئات الشظايا

    يكاد يقسم أنه يشعر بألم فعلي في كل نواحي قلبه

    صوتها هي همساتها!!

    قبل أن تتحدث حتى عرفها عرفها!!

    شعر أن أول نفس عانق وتين قلبه

    والنفس الثاني مزقه تماما ثم بقية الأحرف عبثت بقلبه الممزق ذهابا وإيابا


    ( يا الله يارب

    هل حكمت على سواي بعذاب حب كهذا

    كنت أخدع نفسي أنني سأنساها أو حتى أتناسها

    بعد ان كانت ذكرياتي الشاردة معها زادا يدفئ قلبي المجمد طوال كل دقيقة في السنوات الماضية

    فإذا بحلم النسيان مجرد حلم مستحيل وأنا أسمع همساتها اليوم

    يا الله كم اشتقت لها

    كم اشتقت!!

    يا الله مابقي فيَّ قلب يحتمل كل هذا!!

    وكل ماقلت هذا جاء مزيد مما لا أتحمله

    أموت لأسمع همساتها مرة أخرى مرة بعد!

    اللهم أني استغفرك وأتوب إليك

    يا الله انزع حبها من قلبي يا الله اعني على نفسي )



    فهد حينما تناول الهاتف عرف صوت جوزا هتف باحترام: هلا أم حسن


    جوزاء بتوتر: هلا أبو خالد حسن فيه شيء


    فهد يهتف بهدوء رغم أنه مازال غاضبا وسماع صوتها ذكره بسبب غضبه من عبدالله: لا والله مافيه إلا العافية


    جوزا بحرج: زين دام مافيه شيء ليش تروعت أختي كذا


    فهد بثقة: قلت لش مافيه إلا العافية بس ماكان راضي يرجع

    أنا واقف عند باب الحوش من برا طرشي لي الخدامة تأخذه


    جوزاء أرسلت الخادمة ووقفت أمام النافذة تنظر للسيارة كانت الرؤية غير واضحة لأنهما لم يكونا يقفان في داخل الباحة لكن أمام الباب الخارجي

    ولكنها متأكدة أن السيارة كان فيها شخصين

    والشخص الذي ناول الخادمة الولد كان من يجلس بجوار السائق شعرت باستغراب عميق وهي ترى حسن لا يريد التخلص منه

    ثم وهي تسمع بدء تعالي صرخاته وهو يرفس الخادمة التي تحمله ويحاول التخلص منها

    وفعلا أفلت منها ونزل وعاد ركضا للسيارة حينها تفجر قلق جوزاء عارما

    أخذت الرقم من الكاشف وعاودت الاتصال بفهد بينما حسن عاد لوالده ورفض النزول والخادمة تحاول أن تنزله

    فهد بقلق يهتف لعبدالله: شكلنا بننفضح الليلة من سبت ولدك اللزقة هذا

    عبدالرحمن على وصول


    تعالى رنين هاتفه كانت المتصلة هي جوزاء وهي تهتف بقلق: أبو خالد ولدي مهوب طبيعي الليلة أمنتك الله وش صاير له

    أنا بألبس عباتي وأجي اخذه بنفسي


    فهد قلقه بدأ بالتصاعد ومع ذلك هتف بثقة: لا والله ما تجين أنا بأنزل فيه للمجلس وبأنتظر عبدالرحمن


    فهد أغلق الاتصال ثم ألتفت لعبدالله بحزم: أنت أنزل وسق بدالي وأرجع لبيت صالح وانا بأنزل بولدك الفضيحة وكن فيه خير خله يتفلت مني

    بانتظر عبدالرحمن ثم بخلي صالح يمرني


    فهد نزل بالفعل وشد حسن بقوة حانية ولأن فهد ليس كالخادمة طبعا فحسن لم يستطع التفلت منه بينما عبدالله كان ينزل ليتجه لمكان السائق وهو يهتف برجاء أقرب للأمر: فهد تكفى شوي شوي آجعته.


    فهد بغضب يتجه بحسن الباكي للمجلس: ما آجعته بس هو متدلع بزيادة


    بينما صراخ حسن يرتفع : أبي بابا أبي بابا



    الخادمة عادت للداخل وجوزاء أمسكتها لتحقق معها: حسن وش فيه


    الخادمة بطبيعية: مافيه سي بس يبكي يبي بابا


    جوزاء باستغراب: أي بابا ياخبلة


    الخادمة تتجه للداخل: أنا مافي معلوم


    جوزاء انتظرت على أعصابها المتفلتة قلقا لمدة خمس دقائق هي المدة التي استغرقها وصول عبدالرحمن ثم إحضاره لحسن الذي مازال ينتحب بعناد: أبي بابا أبي بابا


    جوزاء حين رأته تناولته وهي تحتضنه وتهدئه: وش فيك حبيبي


    حسن تعلق بعنقها وهو يبكي: ماما أبي ألوح بابا بس سوي سوي بس


    جوزاء اختنقت: أي بابا ياقلبي


    حسن مازال يبكي: بابا عند ثالح أبي ألوح بابا

    ثم ألتفت لخاله: دحمان ودني بابا


    عبدالرحمن يتناوله من جوزاء ويحمله وهو يقبله ويهمس له بحنان: خلاص بكرة حبيبي أوديك


    جوزاء بغضب عاتب: عبدالرحمن ألف مرة قلت لك لاعاد تمنيه شيء ماتقدر تسويه


    عبدالرحمن بإرهاق: خرق مخي في المجلس وهو عند فهد يبكي كأنه مقروص ترا ماهدا إلا يوم شافش.


    جوزاء بقلق تنظر لحسن المستمر في البكاء: ليه هو ذا الحين ينقال له هدأ


    عبدالرحمن يطبطب على ظهر حسن ويهتف بتعب: أهون من قبل شوي بواجدقسما بالله صدعت من صياحه


    جوزاء صعدت بابنها رفض أن يتناول العشاء وطوال ماكانت تحممه كان مستمرا في البكاء وفي طلب وحيد: أبي بابا


    حينها توجهت جوزا لغرفة شعاع التي كانت مازالت تعاني من حرج عميق من موقف الاتصال السخيف الذي عرفت تاليا من صاحبه

    ومع ذلك خرجت حين سمعت بكاء حسن

    وحاولت مع جوزاء تهدئته أو جعله يتناول العشاء ولكنه رفض

    وعادت لغرفتها حين كانت جوزاء تحمم حسن


    جوزاء كانت تحمل حسن الذي بدأ مرهقا من كثرة البكاء ومع ذلك مازال يبكي

    دخلت على شعاع وضعته على السرير وهمست لها برجاء عميق: تكفين شعاع تكفين طالبتش بس ذا المرة الولد مات من البكاء

    عمره ماصار له كذا عطيه صور أبيه بس الليلة خليه ينام شوفي أشلون وجهه متورم من البكاء تكفين شعاع عشان خاطري والله جاني الليلة ماكفاني


    شعاع تهز رأسها رفضا وهي تهمس بعمق شفاف: جوزا على ويش احنا متفقين كذا بيرجع حسن يتعلق في الصور


    جوزاء بألم: يرجع يتعلق ليه هو نسى ياربي حاسة أن الذنب اللي سويته في حسن ذنب كبير واجد وأنا أعلقه في أب ميت

    تكفين شعاع بس الليلة بس الليلة أنا تعبانة حدي


    شعاع رغم رفضها لذلك لكن حسن بالفعل كان هذه الليلة أكثر من كل ليلة وزاد عليها أن جوزاء كانت تبدو بالفعل على وشك الانهيار

    لذا تناولت مفتاحها وفتحت دولابها المغلق وأحضرت الألبوم ووضعته على ساقي حسن الباكي وهي تهمس بحنان: هذي حبيبي صور بابا خلاص لا تبكي


    ثم كانت الصدمة الكاسحة لهما كليهما أن حسنا ألقى بالألبوم على الأرض دون أن يفتحه وهو يصرخ بعناد:

    ما أبي ثورةأنتي خبلة أدول أبي بابا أبي بابا






    **************************************






    رد مع اقتباس  

  6. #106  
    المشاركات
    3,260
    طرقاته من سواه

    تصاعدت طرقات قلبها التي بدأت مع الطرقات وزادت مع انفتاح الباب

    لتصل ذروتها وهي ترى صالحا يتقدم ناحيتها


    صالح أصبحت لديه معرفة عن حالها وظنونها وغيرتها لا ينكر سعادته المخفية في أعماقه

    دائما الغيرة هي دليل حب وتملك قد تختلف الآراء والمضامين حولها لكن في حالهما هما هي دليل حب لا شك صالح لا يشك في محبة نجلا له

    لكنه بات يشك في مكانته عندها

    فالإنسان مثلا قد يكون يحب شيء معين لعبة قديمة صورة أو حتى قطعة ملابس وقد تكون عزيزة جدا عليه

    لكنه قد يضعها في دولاب ثم ينساها لأنه يعلم أنها محمية ولن تصلها يد

    لكن حينما يشعر أنها مهددة فأنه ينتفض للدفاع عنها


    هكذا كان حالهما فهي ركنته في الدولاب المحمي ولهت في حياتها مطمئنة أنه سيبقى دائما لها

    ولكنها يبدو أنها نسيت أن تغلق الخزانة جيدا فهي تركتها مواربة

    لذا لم تستطع منع وصول يد أخرى إليه كما كانت تظن

    تريده أن يعود لها وحدها حينها ستتأكد من قفل الخزانة جيدا وإلقاء المفتاح في البحر لأنها في حينها ستغلق على نفسها معه في ذات الخزانة

    ولكن هل مازال لديها فرصة وهي تراه يتقدم نحوها بوجه خال تماما من التعابير

    وكأنه لا يحمل أدنى اهتمام بها أو ربما يريد اخبارها بخبر زواجه ثم العودة لزوجته الجديدة


    تريد أن تبكي تشعر برغبة حادة للبكاء لكنها لم تفعلها

    لم ترد أن تبدو بمظهر معدومة الكرامة التي تستجدي حنانه بينما هو قد يكون أصبح لأخرى

    فما فائدة الدموع التي ماعاد لها فائدة؟!!

    كان من المفترض أن تبكي له ومن أجله وأمامه قبل الآن


    ولكن الآن لا تريد أن تستجلب شفقته عليها وهي قد تكون فقدته

    لا تريد شفقته تريد حبه وولعه وغرامه المشاعر التي كان يغرقها في طوفانها والتي قد تكون فقدتها للأبد

    تزداد رغبتها في البكاء ومعها إحساسها بضرورة التماسك

    مادامت قد تكون فقدته فلتحتفظ ببعض كرامتها!!


    صالح يعلم أن دفاعاته معدومة لو همست الآن باسمه فقط سينهار كل تمثيله الهش فهو مشتاق حتى النخاع عاشق حتى نخاع النخاع

    ولكنه يتمنى أن يحتفظ ببعض جلده حتى يحلا بشكل تام مابينهما من مشكلات

    فهو من ناحيته يرى أن جزء كبير من مشكلتهما يرجع إلى كونها متأكدة من قوة مشاعره ناحيتها المشاعر التي كان يصدح بها لها ليلا ونهارا

    والتي جعلتها هي في موقع القوة!!

    لابد أن تشعر فعلا أنها ستفقد هذه المشاعر لتشعر بقيمتها

    صالح دخل بخطوات ثابتة كانت تجلس على السرير ووقفت احتراما حين رأته وصلها وهي تتحاشى النظر له

    ألقى السلام وهو يلصق خده بخدها في سلام بدا باردا لكليهما ظاهرا ولكنه كان مشتعلا في خلايا كل منهما

    كل واحد منهما تمنى أن يطول هذا السلام ويتحور لصورة أكثر قربا وحميمية علها تريح بال كل منهما من أفكاره

    ولكن السلام انتهى خاطفا كما بدا خاطفا


    صالح اتجه للتسريحة وهو يخلع ساعته وأزرته ويهتف بهدوء مصطنع: أشلونش وأشلون العيال عسى ما قصركم شيء


    همست بذات اصطناعه ولكن بحذر أشد فهي تخشى ماهو قادم بينما هو الصورة واضحة تماما لديه: الحمدلله بخير جعلك سالم


    استدار صالح ليهتف بطبيعية: أنا بأدخل أسبح جهزي لي شنطة لو سمحتي فيها ملابس داخلية فنايل وسرويل وفوط والثياب خليها معلقة


    حينها سقط كل اصطناعها وانهار وهي تشهق بجزع مرتعب كأن روحها استلت من جنبيها:

    يعني صحيح صالح سويتها وتزوجت علي


    صالح يريد أن يضحك لذا استدار حتى لا ترى وجهه وهو يهتف ببرود: من اللي قال لش ذا السخافات؟


    نجلاء تمنع عبراتها المتفجرة من الظهور في صوتها: مايحتاج حد يقول لي السالفة بينة


    صالح بحزم: نجلا أنا ماني بفاضي لذا الخرابيط باسبح أبي أطلع ألقى شنطتي جاهزة عندي شغل ضروري

    ثم أردف بنبرة مقصودة: نجلا إذا جيت بأعرس ترا أنتي أول حد بيدري

    لأني لو بأعرس بتكونين أنتي السبب وأنتي عارفة ليه


    صالح دخل الحمامنجلاء سحبت لها حقيبة من أسفل السرير وهي تكاد تسكب فيضان دموعها فيه

    (ما دام قال إنه ما تزوج علي مستحيل يكذب

    صالح ما يكذب

    بس ليش الشنطة ياربي ليش)


    فتحت الحقيبة فوق السرير وبدأت تضع الملابس فيها التي غرقت من دموعها التي كانت تمسحها بكفيها وهي تضعها في الحقيبة

    انتهت من تجهيز الحقيبة وأغلقتها وأخرجت ثيابه وتركتها في علاقاتها فوق حقيبته أنجزت مهمتها على أكمل وجه في انتظار خروجه

    حالما خرج استدارت حتى لا يرى دموعها وهي تخرج له ملابس أخرى ثم ناولته إياها دون أن تنظر إليه

    صالح عاد لغرفة التبديل ليرتدي ملابسه بينما هي كانت تلتهي بشيء غير معلوم في الخزانة.

    حينما خرج كانت مازالت مستمرة في التهاءها

    بينما توجه هو للتسريحة ليمشط شعره ثم تناول غترته ليلبسها.

    خلال هذه الخطوات الكثيرة كلها كانت نجلاء توليه ظهرها وهي تشهق في داخلها

    وتنتظر منه كلمة واحدة تطمئن نفسها به ولكنه كان صامتا كبئر مهجورة


    حين رأته تناول حقيبته وملابسه وسيخرج دون أن يقول لها شيئا همست له باختناق: كم يوم بتسافر


    صالح دون أن يلتفت: ماني بمسافر بأروح أقعد في بيتي عندي شغل لازم أخلصه هناك


    نجلاء بصدمة: زين ليش صالح ذا كله


    صالح بسكون: لا تسألين الشيء اللي يهمش ريحي بالش عرس ماني بمعرس


    نجلاء تحاول أن تتماسك بفشل: زين ما تبي تعرس بس تطلع وتخليني بدون ما تشرح لي زعلان علي خلاص اقعد خل نتفاهم

    ولا تكلمني وأنت معطيني ظهرك لذا الدرجة ما تبي تشوفني


    صالح لا مقاومة فعلية لديه يعرف نفسه لا يستطيع مقاومتها لذا كان يكلمها دون أن ينظر لها

    تعب من كل هذا لابد أن يجد له حلا جذريا

    لذا هتف بهدوء: بنتفاهم بس مهوب الحين أنتي يانجلا تبين لش وقت تفكرين زين وأنا بعد


    نجلاء باختناق: زين والتسع الشهور اللي فاتت ما كفتك تفكر


    صالح بنبرة مقصودة: والله أنا كفتني وزود عن الزود لين طلعت روحي بس أنتي ما كفتش تبين لش زود


    حينها انصدم صالح بذراعيها الرقيقين تطوقان خصره من الخلف وهي تدفن وجهها في ظهره وتهمس باختناق:

    والله العظيم كفتنيوكفتني وكفتني. تكفى صالح لا تروح


    صالح شعر أن كهرباء لاسعة صعقت سلسلة ظهره بشكل صادمناسف

    رغم أنهما زوجان منذ سنوات لكن على الدوم كان يشعر أن كل لمسة لها هي لمسته الأولى لشدة ولعه الغير طبيعي بها

    الولع الذي كانت هي غير حريصة عليهوجعلته في حالات كثيرة يفقد توازنه


    لا يبرئ نفسه من خطئه الذي لا يغتفر في حقها ولكنه لا يبرئها من عجزها عن مد حبل التواصل والتفاهم بينهما كما يجب

    ولكنه رجل عاشق عاشق كما لم يعشق رجل من قبل!!

    فكيف يستطيع التوفيق بين مايريده الآن حالا ومايريده دائما؟!!


    الآن يشعر أنه سينهار وهو يشعر بدفء أنفاسها في منتصف ظهره يريد أن يلقي بكل مافي يديه ويستدير ليحتضنها ويشعر بأنفاسها هذه قريبا من قلبه

    هذا ما يريده الآن وحالا !!

    وكان سينفذ فعلا لولا هاتفه الذي رن بإصرار وأخذه من عالمه الخاص هو وإياها

    حينها هي أفلتته وتأخرت وهو وضع حقيبته وتناول الهاتف. كان فهد يستعجله أن يأتي لأخذه من بيت أبو عبدالرحمن


    صالح تنهد وهو يسب فهدا في داخله الذي اتصل في وقت غير مناسب وفي ذات الوقت يشكره على اتصاله في الوقت المناسب

    لم يكن يريد أن ينهار هكذا من محاولتها الأولى حينها ستعلم أنها عادت لموقع القوة والسيطرة عليه!!


    صالح غادرها بينما هي تراجعت لتجلس على السرير

    وهي تلكم المخدات بغيظ


    (ماراح أبكي ماراح أبكي

    النذل أقول له أقعد ويطنشني.

    أنا يسوي فيني كذا

    يبي يخليني أفكر قال وإلا يبي يطفش مني ويلاقي له سبب

    ماراح أبكي عشانه

    كفاني الدموع اللي صبيتها عشانه الأيام اللي فاتت وهو ما يستاهل

    ما يستاهل ما يستاهل دموعي

    مستحيل أبكي عشانه مرة ثانية

    مستحيل)


    كانت تصرخ في داخلها بحرقة دون أن تشعر بسيول عارمة من الدموع كانت تنسكب على خديها تزامنا مع صرخاتها أنه لا يستحق دموعها

    وأنها لن تبكي أبدا أبدا من أجله!!






    ***************************






    طرق الباب بخفة فتح الباب ليعبر صالة والده التي كانت تغرق في أضواء خافتة

    ثم مد رأسه لداخل غرفة النوم بحذر خشية أن يكون نائما


    "تعال يأبيك!!"


    زايد أغلق كتابا كان يقرأ فيه حين رأى رأس علي يطل عليه علي ابتسم وهو يتقدم: أزعجتك


    زايد أعتدل جالسا: لا يأبيك كنت أقرأ بس


    علي جلس جواره وهتف بابتسامة: عاد عندك وقت تقرأ يبه


    زايد ابتسم: لكل شيء وقته يأبيك


    علي بمودة: ماشاء الله عليك يبه


    تبادلا الحوار العام لعدة دقائق هتف بعدها علي باحترام: يبه ترا أبي أسوي عشا لربعي في المنصب الجديد وأبي أسويه في المزرعة


    زايد بحزم: تشاور في حلالك


    ابتسم علي: لا جعلني فداك بس أبي أشوف الوقت اللي يناسبك كلهم يبون يتعرفون عليك


    زايد قطب جبينه: سوه ذا اليومين قدام عرس كساب لأني عقب العرس واعد مزون أوديها لبنت خالتها


    علي بشهامة تلقائية : تبي أكفيك كفيتك ووديتها أنا


    وحينها كما لو أنه ضُرب على رأسه وهو يستوعب ما الذي فعله يذهب هو بمزون هناك حيث هي وزوجها الذي فضلته عليه!!!


    زايد بتلقائية: جعلني ما أبكيك أنا بروحي أبي أشوف جميلةوأتطمن عليها وكنه ما لدني شغل ضروري أنا اللي باودي مزون بنفسي

    وإن لدني شيء جعلني ما أبكيك وتكفيني دوم


    علي تنهد وهو يقف ويقبل رأس زايد وهو يغادر ويسب نفسه:

    (يا شين اللقافة

    ليتني قعدت ساكت

    يا الله ما يلده شغل ذاك الوقت يارب يا كريم)






    ********************************







    تحتضنه وهو نائم ودموعها عجزت عن إيقافها ورعب متصاعد يتزايد في قلبها على صغيرها

    تضع يدها على جبينه وتنقلها لخده ثم تتحسس جسده وهي تكثر من قراءة الأذكار عليه

    يستحيل أن يكون ماحدث له اليوم طبيعيا بأي صورة

    تخشى أن يكون ابنها أصيب بلوثة ما في عقله وأكثر ما تخشاه أنها هي سبب هذا اللوثة

    بل لا يوجد لها سبب سواها فهي من علقته بأب ميت بمجرد صور وهاهو الطفل بات يتخيل أن هناك أب فعلا له


    ما أثار جنونها وجعلها تبكي بلا توقف أنه الليلة بعد أن هدأ قليلا وهي تحاول معه أن ينام

    كانت تمدده على ذراعها لتحكي له حكاية قبل النوم كما اعتادا

    ولكن حكاية ماقبل النوم اليوم كانت من نصيبها فحسن انثال يحدثها بحماسة عن والده

    ووالده فعل كذا وكذا حمله على ظهره ودار به ورفعه وجعله يلمس الإضاءة

    حينها بدأ وجهه يضيء ثم بدأ يضحك بهستيرية وهو يحكي لها بسعادة طفولية غامرة ماذا فعل والده

    ومع كل حكاية يحكيها كانت جوزاء تختنق وتختنق ودموعها تنسكب وتنسكب


    ( الولد استخف استخف وأنا السبب

    ياربي ماعندي غير ذا الولد

    لا تعاقبني فيه أرجوك يارب

    سوو اللي تبي فيني بس ولدي لا ولدي لا)


    جوزاء كانت تحاول أن تتمسك بخيط أمل أخير وهي تمنع نفسها أن تشهق وهي تسأل حسن:

    حسن حبيبي من اللي لاعبك اليوم بابا صالح وإلا بابا فهد


    رغم أنها تعلم أن حسن لا ينادي أي أحد بابا ولكن كان لديها أملا ما أن هذا الأمر تغير الليلة وأن من يحكي عنه هو واحد منهما


    لذا انهارت مقاومتها تماما وهو يجيبها: ثالح وفهد مو بابا ما أحب فهد عثانه ماخلاني أروح مع بابا


    جوزاء بدأت تشهق وهي تهمس له: حبيبي بسم الله عليك أنت ماعندك الحين بابا بعدين بيصير عندك بابا امهاب


    حسن يعبث بأزرار بيجامتها وهو يولي وجهه ناحيتها: هاب مو بابا بعد أنا عندي بابا حقي بلوحي بابا عدالله


    حينها فعلا انفجرت جوزاء في شهقات حارقة واسم عبدالله يبعث قشعريرة مرارة في كل خلايا جسدها

    حسن يعرف فعلا أن اسم والده هو عبداللهويعرف فقط أن عبدالله هو من يراه في الصور

    فمن أين أتى بعبدالله هذا هذه الليلة


    ( الولد استخف

    يا الله العفو واللطف منك

    يا الله لا تفجعني لا تفجعني

    ممكن أستحمل أي شيء في الدنيا إلا شيء يلحق ولدي

    يا الله لا تفجعني فيه)



    مازال لديها أمل وحيد أن ابنها فعلا هناك من لاعبه في بيت أهل والده والولد يحكي عنه

    تريد أي شيء يطمئنها أن ابنها بخير وطبيعي رغم أنها بدأت تشك في ذلك

    لا تستطيع الانتظار للغد فماذا تفعل ماذا تفعل





    ******************************






    رد مع اقتباس  

  7. #107  
    المشاركات
    3,260

    "قل لي وش مخططاتك الحين "


    عبدالله ينظر لصالح الذي يجلس متربعا فوق السرير ويهتف بسكون: تدري المخططات تضاربت في رأسي

    أنتظر بلهفة شوفتي لهلي بس لين ذاك الوقت فيه شوي إجراءات لازم نخلصها

    بكرة أبي أروح أنا وأنت للمحكمة عشان نثبت أني عادني حي

    وأبي أشوف لي طريقة أرجع شغلي ما تعودت أقعد بطالي


    ابتسم صالح: لا تخاف الحين هنا اللي يعرف انجليزي هو اللي مأكل الجو في الوظايف.

    وأنت أول تعرف انجليزي زين والحين عقب ذا السنين كلها في أمريكا ومنقطع عن الرجعة والعرب أكيد صرت تحكي مثلهم

    حتى لو مارجعت وظيفتك القديمة. أنا ضامن لك وظيفة أحسن


    عبدالله بسكون: الله يكتب الخير رأسي مختبص وأبي أبدأ أنضم حياتي

    ثم أردف وكأنه يتذكر شيئا : إلا أنت وش اللي مقعدك لين الحين هنا

    حتى فهد وهزاع راحوا عشان مايحس هلي بشيء


    صالح ينظر لعبدالله الذي يخلع ملابسه بينما هو تمدد على السرير ويرد عليه بابتسامة:

    وين تبيني أروح هذا أنا جبت ثياب لي ولك وقاعد عندك

    مثل ما اتفقنا من يوم حن في امريكا


    عبدالله يرد بابتسامة مشابهة: لا طال عمرك ما اتفقنا أنت قلت وما خذت رأيي

    وبعدين استح على وجهك لا تكون خايف علي وتبي تحرسني

    ثم أردف وابتسامته تتسع: وإلا لا تكون خايف علي أسرق بيتك

    قوم روح لا تدعي علينا أم خالد


    صالح يضحك: وأنت وش عليك أنا أصلا أبي أم خالد تشتاق لي


    عبدالله يغمز له: والله أخبرك أنت اللي على طول مشتاق ومتولع وإلا لا تكون راحت على بنت العم


    صالح باستنكار عفوي: الله لا يقوله تروح على العالم كله ولا تروح عليها


    عبدالله يضحك وهو يجلس جواره: إيه هذا صالح اللي أعرفه بنت العم كفو عارفة تمسكك من حلقك مضبوط


    صالح يبتسم: الشرهة علي اللي كنت أئتمنك على كل شيء تعلق علي بعد!!


    عبدالله يتنهد ثم يرد بنبرة شفافة: تدري يا صالح أحس من كثر ما كنت أعلق عليك قبل ما أتزوج أنا إنه ربي حافاني بحال أردأ من حالك

    وش رجّال يحس روحه معلقة في يدين مره إن بغت خنقت قلبك بدون تفكير


    صالح بنبرة مقصودة: أنا وأنت عارفين اللي خانقة قلبي بس أنت شيء جديد وش ذا البلوة اللي ابتلى بها عيال خالد آل ليث بلعون أن ابي ربانا على قوة الباس بس ماعلمنا يوم يصير غريمك قلبك وش تسوي


    قبل أن يرد عبدالله على صالح قاطعهما رنة رسالة وصلت صالح

    وفتحها صالح بلهفة ظنا منه أنها من خانقة قلبه لكنه تفاجأ بشدة أنها من شخص آخر:


    " سامحني يابو خالد

    أدري والله مهوب وقت مكالمة

    بس أنا بأموت من الروعة ومحاتاة ولدي

    تكفى كلمني وأبي أم خالد تكون موجودة وتسمع

    ولدي الليلة مستحيل يكون طبيعي

    أبي أسمع منك شيء يطمني عليه

    تكفى طالبتك "



    صالح أزاح الهاتف عن مدى بصره ثم ألتفت لعبدالله وهتف باستغراب:

    مسج من أم حسن تبيني أكلمها


    حينها ورغما عنه اشتعلت غيرته لاهبة محرقة وهو يصر على أسنانه:

    وأم حسن متعودة ترسل لك مسج ذا الحزة وتطلب أنك تكلمها


    صالح ضرب عبدالله على صدره بالهاتف الذي ألقاه عليه بعنف وهو يرد عليه بغضب:

    تخسى أنت ووجهك وتكرم أم حسن صدق أنك مستخف

    هاك اقرأ مسجها


    عبدالله رفع المسج وقرأه ثم هتف لصالح وهو يمسح وجهه ويستعيذ من الشيطان:

    سامحني يأخيك بس لو أنا قلت لك إن أم خالد أرسلت لي مسج ذا الحزة

    وش كانت ردة فعلك


    صالح بغضب: كان ردت فعلي أعبر منك وأقوى. بس أم خالد مرتي


    عبدالله رد بغضب مشابه: وأم حسن مــرتــ


    عبدالله بتر عبارته وألم الحقيقة يجفف الكلمات على لسانه بينما صالح تركه غارقا في أفكاره وتناول الهاتف ليتصل بجوزاء.

    حينها عبدالله هتف له بحزم: مادام الموضوع يخص ولدي من حقي أسمع حطه على السبيكر


    جوزاء التي كانت تنتظر اتصال صالح بقلق عارم ردت فورا بحرج خانق: هلا بوخالد أرجوك سامحني على الإزعاج


    صوتها السحر الخالد الذي ما انفك رصده عنه يوما انسكب في روحه العطشى لنبراتها التي ارتفعت لتحلق في أثير الغرفة التي يجلس فيها

    وكأن همساتها تحلق به هو على موجاتها التي آسرت روحه للأبد

    صوتها هو ذاته لم يتغير فقط أكثر نضجا وتأثيرا !!


    صالح رد عليها باريحية: مابه ازعاج يام حسن آمريني


    جوزاء حينها سألت باختناق: أنتو كان عندكم حد اليوم غريب لاعب حسن وشاله تكفى جاوبني


    حينها شعر عبدالله أن عرقه سيتصبب كما لو أن لحظة الحقيقة حانت واقتربت وأكثر ما يخشاه تأثير عودته عليها


    صالح بحذر: ليه تسألين


    حينها اختنق صوتها بالعبرات: يابو خالد الولد الليلة مهوب طبيعي

    أول شي ساعتين يبكي يبي أبيه وعقب قبل ينام يسولف لي عنه سوالف وش كثر إنه شاله وأنه لاعبه

    ثم حينها انفجرت في البكاء: والمشكلة إنه يقول بابا عبدالله. وهو يعرف شكل عبدالله عدل من صوره فأشلون يقول إنه شاف ابيه الليلة

    الولد استخف يابو خالد استخف


    كان صالح على وشك أن يرد عليها لولا الطرف الثالث الذي أذابته شهقاتها والذي انتزع الهاتف من صالح وأغلق السماعة لينسكب صوتها وأنينها وأنفاسها في أذنه هو فقط

    وهو يهمس لها بحنان ذائب لا مثيل له: تكفين يأم حسن لا تبكين حسن مافيه الا العافيةحسن شاف ابيه صدق شافني جعل يومي قبل يومه


    جوزاء شهقت بعنف جازع وهي تلقي الهاتف من يدها كما لو كان الهاتف شظية من نار أحرقت يدها

    ثم تتراجع لتلصق ظهرها بظهر السرير ثم تنتزع ولدها النائم جوارها وتضعه في حضنها وتضمه لصدرها بكل قوة وهي ترتجف

    وصور سوداء مرعبة لذكريات قاسية تعبر روحها الجازعة وأنفاسها تضيق وتضيق:

    كابوس هذا مجرد كابوس أنا أحلم بكابوس عبدالله مات وشبع موت مستحيل يرجع مستحيل يرجع عشان يعذبني مرة ثانية


    كانت تشد على ولدها الصغير في حضنها وارتجافها يتزايد وهي تكلم نفسها وكلماتها تتبعثر برعب متوحش:

    أتخيل أتخيل كابوس هذا عبدالله مات مات الميت مايرجع


    ظلت على هذا الحال لمدة خمس دقائق كأنها خمس سنوات لثقل ووطأة ماشعرت به من مرارة وقسوة على روحها

    شعرت كما لو أن جبلا هائلا أطبق على قفصها الصدري وهي ترزح تم أغلاله

    كانت تشد على حسن الصغير ورأسها يميل للأمام والخلف مع جسدها كاملا الذي يتأرجح كعقرب ساعة تروح وتأتي

    تشعر بسعير حارق يعبر جسدها محرقا لاهبا وكأنه يذيب خلاياها لشدة ماشعرت من الوجع والحرقة

    وكأنها حُشرت بين عقارب الساعة التي تنهش لحمها في كل حركة بين ثانية وأخرى ودقيقة وأخرى

    الصور كلها تداخلت والخيالات والأزمنة والذكريات والآلام


    " أ لم يكفه مافعله بي حتى وهو ميت حتى يعود من الموت

    أ لم يكفه أني مازلت حتى الآن عاجزة عن نسيان مافعله بي حتى يأتي ليفعل المزيد

    أ لم يكفه أنني بسببه خيال أنثى ومحض وجيعة وبقايا إنسان

    أ لم يكفه أنني بسببه مجرد شيء هلامي مضغته الآلام ثم لفظه رحم الوجع

    أ لم يكفه أنه حولني لمسخ زاده التجريح والحقد والرغبة في الانتقام من كل شيء

    ثم بعد ذلك كله حينما بدأت أفكر أن أنسى كل ذلك أن أبدأ حياة جديدة

    يعود في هذا الوقت بالتحديد وكأنه علم أنني أفكر أن أتجاوز سجنه لروحي في قفص ظلمه

    عاد ليعلن رفضه لتحرر روحي عاد ليخبرني أنه لا فكاك لي من سجنه

    وأنني سأبقى للأبد أسيرة لجرحه وظلمه وقسوته.

    من أجل أن يستمر في ذبحي هو مستعد للعودة من الموت حتى!! "


    كانت تفكر بكل هذا وهي مستمرة في حركتها الدورية ذهابا وإيابا

    وجهها يحتقن وعيونها تسيل وأنفها يسيل وهي تمسح وجهها دون أن تشعر بطرف كمها في حركة يائسة


    وهي على هذا الحال فوجئت بعدها بدخول عبدالرحمن الفجائي عليها الذي كان يبدو كما لو كان أوقظ من نومه وجهه محتقن وأنفاسه تعلو وتهبط


    عبدالرحمن جلس جوارها ووضع يده على رأسها وهمس لها باختناق: اذكري الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب

    وإذا كان عبدالله حي هذي حكمة رب العالمين وحكمه


    جوزاء حينها انفجرت ببكاء خافت وهي تضع جبينها على كتف عبدالرحمن وصغيرها النائم في حضنها بينهما:

    تكفى عبدالرحمن قل لي إنه كابوس كابوس الميتين مايرجعون مايرجعون

    ما أبيه يرجع ما أبيه يرجع صح هذا حلم حلم

    عبدالله مات من سنين أشلون يرجع


    عبدالرحمن تناول حسن من حضنها تشبثت به خلصه عبدالرحمن من بين يديها ووضعه على السرير.

    وهو يهمس لها بحنان عميق: لا تخافين على حسن مستحيل حد يأخذه منش لا عبدالله ولا غيره


    جوزاء ارتمت في حضنه وهي تشهق: هو بيأخذه رجع من الموت عشان يأخذه مني

    ماشفت أشلون الولد تعلق فيه من ساعات بس أشلون عقب أيام

    حتى أنا يمكن ما يبيني.


    عبدالرحمن يحتضنها وهو يربت على ظهرها ويهدهدها: لا تصيرين خبلة مافيه حد عند البزر مثل أمه


    جوزاء مستمرة في بكاءها الهستيري: عمري ماشفت منه الا البلاوي وهذا هو راجع يكمل على اللي باقي مني

    يبي يأخذ ولدي بيأخذ ولدي مني أدري إن هذا اللي بيسويه

    ماباقي شيء محسسني إني عايشة وأني إنسانة غير حسن عشان كذا يبي يحرمني منه


    جوزاء عاودت انتزاع حسن من جوارها وضمه لصدرها وهي تصرخ بهستيرية وتنفجر في شكل لم يحدث لها أبدا من قبل:

    ماحد بماخذ ولدي مني ماحد بماخذه مني

    عبدالله أنا أكرهك أكرهك مستحيل أخليك تأخذ ولدي هذا ولدي بروحي متى عرفته أنت جاي الحين تبي تاخذه على الجاهز

    أكرهك أكرهك أكرهك


    حسن صحا من نومه وبدا يبكي عبدالرحمن يحاول تهدئتها أو أخذ حسن منها دون أن يفلح.

    وصراخها يتزايد مع تزايد تشجنات جسدها وهي مازالت متشبثة بحسن الذي زاد بكاءه

    توجه عبدالرحمن بسرعة لإيقاظ شعاع. وطلب منها أن تبقى معها حتى يحضر أي طبيب

    فجوزا بدت مستثارة بشكل غير طبيعي أبدا ولابد من حقنها بمهدئ


    وفوجئ حينها بوالدته تحاول أن تفتح الباب وهي تترنح لأن قدميها أصابهما الخدر حين صحت برعب على صرخات جوزاء

    سارع لها ليسندها ليجدها ترتعش والكلمات جافة على لسانها: أختك وش فيها أختك وش فيها


    عبدالرحمن باختناق لجزعه على أمه أيضا: والله العظيم مافيها شيء متروعة عشان رجالها الأولي طلع حي

    تكفين يمه أبيش قوية كفاية جوزا أبيش تهدينها

    تكفين عاد كله ولا أنتي

    .

    .

    .

    في ذات الوقت

    عبدالله كان يروح ويأتي: تكفى صالح كلم عبدالرحمن تطمن عليها تكفى يأخيك


    صالح بحزم: عبدالله مالنا طريقة على أخت الرجال خلاص كلمته وعلمته باللي صار عشان يروح لها وأكثر من كذا ما أقدر


    عبدالله بيأس: صالح تكفى أنت ماسمعت شهقتها في التلفون حسيت كن روحها طلعت


    صالح بنبرة مقصودة: عبدالله اهتمامك بها مهوب طبيعي أبد شوف وجهك حاس أنك لو تقدر تروح بنفسك كان رحت


    عبدالله بألم: صالح تكفى لا تنبشني المرة حتى مهوب حلال لي أفكر فيها وأنا ماني بقادر أطلعها من رأسي اللهم أني استغفرك وأتوب إليك

    خلني الحين أقول إنه روعة على أم ولدي تكفى كلم عبدالرحمن


    صالح تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل رغم شعوره العميق بالحرج: هلا أبو فاضل آسف على الإزعاج بس نبي نتطمن على أم حسن



    صالح بصدمة: ويش أنت طالع تجيب دكتور لذا الدرجة تعبانة

    .

    صالح بحرج أشد: والله مالنا وجه منك يابو فاضل ماكنت أبي أصدمها كذا بس هي اللي لزمت تعرف من اللي كان حسن يقول إنه بابا وكانت متروعة عليه

    ما قدرت أدس عليها موضوع مثل ذا يوم شفت روعتها عسى بس أبو عبدالرحمن ما زعل علينا من روعة تالي الليل ذي



    صالح ينهي الاتصال: الله يكبر قدرك تكفى طمنا على أم حسن


    صالح التفت لعبدالله الذي كان وجهه مخطوف اللون وهو يهمس كأنه يكلم نفسه: لذا الدرجة تعبانة


    صالح يتنهد: منهارة شوي لا تلومها وعبدالرحمن راح يدور دكتور يضربها إبرة مهدئة

    وعلى الطاري ترا عبدالرحمن يتحمد لك السلامة. والله أنه ذوق ذا الرجال حتى روعته ما نسته

    وربك يحبك إن أبو عبدالرحمن مسافر توه الليلة وإلا يمكن كان سود عيشتك على ترويعك لبنتهتعرفه إذا عصب ما يتفاهم


    عبدالله تنهد وهو يدعك جانبي رأسه هذا الوضع الذي يعيشه لا يمكن أن يكون طبيعيا

    مازال يحاول أن يجد له مجرد أرض صلبة يقف عليها فإذا بكل الأرضيات هلامية رخوة

    والصدمات تتوالى عليه من كل جهة دون هوادة أو رحمة






    ************************************






    كان قد وصل إلى باب غرفته مع إحساس يقيني متزايد أنه لم يجدها

    فتح الباب بحذر لتستقبله أولا الرائحة العذبة الكثيفة فتح الباب بحذر أكبر ليجد المفاجأة الصادمة في انتظاره



    هي هكذالا تعرف كيف يكون التلون أو كيف تتلون

    حين عادت للبيت كانت تخطر ببالها عشرات الأفكار لإصابة منصور بالجنونومعاتبته على خداعه لها بكذبة عدم قدرته على الإنجاب حتى تقلب الطاولة عليه قبل أن يغضب من حملها

    ولكنها مع مرور اللحظات كانت كل الأفكار والخطط تتسرب أمام حقيقة واحدة

    سعادتها بحملها الذي حتى لا تستطيع تمثيل أنها غاضبة منه وان منصور لم يعد زوجها فقط ولكن والد طفلها

    حنان غامر شعرت به ناحية الاثنين: منصور وابنه وحتى غضبها منه يتبخر

    ستتصرف كما تمليء عليها سريرتها النقية بما أنها سعيدة ستشعره بهذه السعادة وستشركه بها وإن كان فعلا يحبها كما يقول دائما فهو سيسعد حملها

    وكما يقول شروط على البر غير عنها حينما تدخل البحر

    أما لو غضب من حملها فمعنى ذلك أنه يرفضها وحينها يستحيل أن تبقى معه

    أرادت أن يكون كل شيء واضحا أمامهما منذ البداية

    فهذا الملاك القادم لن يكون أبدا لعبة بينهما فهو يستحق الأفضل وإن كان والده لا يريده فهي تريده

    ولن تكون هذه المرة الأولى التي تربي طفلا لوحدها. رغم أنها كانت في داخلها ترتجف من هذا الاحتمال وترفضه بكل أمنيات قلبها السعيد

    فهي تتمنى أن تتشارك مع منصور -الذي بدأ يستولي على روحها- في تربية هذا الصغير


    كانت هذه هي أفكارها التي ملئت روحها وهي تستعد لاستقبال منصور استقبالا حافلا بحجم الخبر السعيد

    كانت تشعل الشمعة العطرية الأخيرة حين انفتح الباب ودخل منصور بخطواته الواثقة المعتادة

    وقف للحظات وهو ينظر للزاوية حيث الجلسة الصغيرة التي غرقت في أضواء الشموع المعطرة وروائحها وفي وسطها تقف الشمعة التي أنارت حياته المعتمة

    كانت غاية في التألق والتأنق في فستان مشجر بتدرجات الأزرق وكأنها تستعد للذهاب إلى حفل كبير ما

    ابتسم بشفافية وهو يلقي السلام ويتقدم ناحيتها يشبع عينيه نظرا لفتنتها فلا يرتوي

    رغم تفاجئه من كل هذا إلا أنه لم يرهق ذهنه بالتساؤل عن الأسباب فهو أصبح يعرف أن هذه المخلوقة العذبة قلبها لا يعرف أن يحمل أصرا أو غضبا ويكفيه هذا ليهتنئ به

    ومن ناحية أخرى اطمئن أن خبر زيارته لجميلة لم يصلها بعد وإلا ماكانت لتستقبله هذا الاستقبال فهو يريد أن يكون من يخبرها بنفسه


    عفراء استقبلته لتطوق عنقه بذراعيها وتهمس له برقة: نزل رأسك شوي زين


    منصور انحنى قليلا لتلصق خدها بخده وتهمس في أذنه بدفء: اشتقت لك


    حينها غمر بشغف عميق وجهها بقبلاته ثم همس في أذنها بخفوت: وأنا اشتقت لش أكثر


    شدته عفراء من يده لتجلسه وهي تهمس برقة: اقعد تعشى وبعدين تأكل من كيكة السربرايز عندنا اليوم حدث سبيشل


    منصور يجلس وهو يطوق كتفيها بذراعه ويهمس بشجن: كل يوم معش هو عندي يوم سبيشل

    شأخبارش اليوم ياقلبي وش سويتي في غيبتي


    عفراء تسكب له كوبا من العصير: أبد اليوم كله مع مزون ثم أردفت بنبرة ذات مغزى: ثم ختمناه بمشوار ختامها مسك


    منصور حينها قطب جبينه: إلا مزون ماردت على خطبة فهد


    عفراء تبتسم: تكفى منصور ما تزعل بس مزون ماوافقت عليه


    منصور حينها همس بغضب عاتب: أكيد وافقت على غانم عشان كساب وأنا مالي قدر عندها


    عفراء قبلت يده التي ترتاح كتفها وهمست بابتسامة: حرام عليك ومارضت في غانم بعد ماحبت تزعل حد منكم

    كساب يوم بلغته يقول إنها مارضت بغانم عشانه من طرفه خفوا على البنية


    منصور يتنهد: والله أني أبي لها الزين فهد والله رجّال مثايله نادرين يُعتمد عليه صدق

    كان فيه عذروب السواقة والتسرع وإن شاء الله إنه انصلح وبينصلح حاله


    عفراء أسندت رأسها لكتفه واحتضت خصره بيد وهي تشد يده الحرة وتضعها على بطنها بيدها الأخرى

    تشعر بجيشان مشاعر عميق تود أن توصل له بعضا منه فقط

    تتمنى في هذه اللحظة لو استطاعت حتى أن تنفذ من بين أضلاعه لتختبئ بين جنبيه وتستكين بفرحتها الغامرة

    همست له بنبرة مقصودة مثقلة بالعذوبة: تبي تكلم مزون بنفسك كلمها وبعدين الليلة حقي أنا وإياك بروحنا مانبي نتكلم في مشاكل غيرنا

    قل لي أنت وش أخبارك وأشلون النفسية اليوم عشان أتشجع


    قالتها وهي تشدد احتضان كفه على بطنها منصور تنهد وهو يجيبها بصراحته المعتادة وانشغاله بموضوع جميلة يعميه عن ملاحظة تلميحاتها البريئة:

    أخباري إني توني راجع من أنسي من عند جميلة


    يعلم يقينا أنه استعجل في إخبارها الخبر وخصوصا أنه بإخبارها سيفسد هذا الجو الرائق بينهما الذي هو أكثر اشتياقا منها له

    لكنه على الناحية الأخرى يعلم أنها لو علمت حتى غدا صباحا ستعاتبه مرتين على ذهابه وعلى تأجيله إخبارها الخبر أو لو علمت من سواه

    كيف ستكون ردة فعلها. لذا قرر أن يكون هو من يخبرها وفورا حتى يتحكم في ردة الفعل من أولها


    تصلب جسدها بعنف وهي تبعد يده عن بطنها ثم تبتعد هي كليا عنه وتقف لتهمس بصوت مبحوح: وليه سويت كذا يا منصور


    منصور بحزم: لأني حبيت أكون أنا اللي ابلغ جميلة عشان إذا رحت أنا وأياش تكون امتصت الصدمة وما تنفجر فيش

    وقبل ما تسيئين الظن فينيترا مقصدي اني بغيتها تكون في وجهي ولا في وجهش


    ارتعشت شفتا عفراء واختلجت أنفاسها: وأكيد جميلة عصبت واتهمتني أني رجعت هنا عشان أتزوج واخليها صح وإلا أنا غلطانة


    منصور بحزم: هذا أنتي عارفة بنتش زين

    بتخلين دلعها وأنانيتها حاجز بيننا


    عفراء غرقت روحها في حزن شفاف شدها من قمة الجبل الذي كنت فيه إلى الحضيض:

    يعني شفت دلعها وأنانيتها وماشفت أنانيتك أنت

    شفت دلعها وأنانيتها وماشفت مرضها

    يا ترا استمتعت بقهرها وبكاها ووجيعتها

    عسى بس حسيت برجولتك وأنت رايح تقول لها ترا أمش خلتش وتزوجتني

    يا عسى بس انبسطت بتضحيتك وأنت تضحي إن الخبر يكون في وجهك عشان تحميني من بنتي


    عفراء صمتت لثوان ثم همست بجمود : تصبح على خير يا منصور والحمدلله على السلامة


    قالتها وهي تطفئ الشمعة الأولى بباطن كفها ثم تنتقل للشمعة الثانية قبل أن يمسك بها منصور الذي كان يقف مصدوما مذهولا من هجومها الناعم المدمر عليه ثم انتفض قبل تطفئ الثانية

    أمسك بكفها وهو ينفخ في باطنها المحمر ويصرخ بغضب: أنتي صاحية وإلا مجنونة


    عفراء جاوبته بذات الجمود: مجنونة من يوم وافقت أتزوج وأنا خلاص المفروض أقول كفاية علي أربي أحفادي


    رغم وجيعته من كلماتها ولكنه شدها من يدها حتى أوقفها أمام التسريحة ثم فتح الجارور الأول ليستخرج مرهم الحرائق ثم أخذ بعضا منه ليمده في باطن يدها

    ولم يستطع حينها إلا أن يرفع يدها إلى شفتيه ليقبلها بحنين وحنان عميقين ويهمس لها: عفرا لا تخلين زعلش علي يعميش عن غلاش عندي


    لم تمنعه لم تجيبه ولم تتجاوب معه

    حينما أفلتها اتجهت بصمت لغرفة التبديل


    وفي الوقت الذي جلس هو على أقرب مقعد وشد له نفسا عميقا وهو يحاول أن يصفي تفكيره

    كانت هي تنهار على أرضية غرفة التبديل وهي تضم ركبتيها لصدرها ودموعها تنساب بقهر وألم

    وخيالها يصور لها عشرات الصور المؤلمة لاستقبال جميلة الخبر بينما هي لم تكن جوارها في هذه الصور.


    من قال له أنها تريده أن يتلقى غضب جميلة بدلا عنها كيف يقرر هو نيابة عنها

    بأي حق هو من يقرر حتى في ابنتها

    كانت تريد أن تكون هي من تتلقى غضبهاإن كان تنفيسها عن غضبها فيها سيريحها

    كانت تريد أن تكون موجودة حتى تعلم كيف سيكون تلقي جميلة للخبر

    لم تكن تريد أن تعاني جميلة بسببها وتكون هي غير موجودة

    وقبل ذلك كله أرادت أن تراها قبل أن تعلم


    بكت بغزارة أكثر ووجيعتها تنهمر:

    " كنت أبي أشوف الشوق في عيونها قبل ما تدري

    كنت أبي أستمتع بضمتها لصدري بدون زعل

    كنت أبي أشبع من ريحتها قبل ماياخذها زعلها مني

    حتى ذا الأمنية سلبها مني!!

    أشلون الحين لاشفتها وهي تشح بنظرة عينها علي

    أشلون أجي اضمها لصدري وتصد عني

    يعني عقب ماقلاني الشوق أجيها الاقيها زعلانة

    وليتها على الزعل بس الله يستر على بنتي ما يتاثر علاجها

    ليه يا منصور ليه تسوي فيني كذا"



    بعد نصف ساعة مازالت معتصمة فيها بجلستها في غرفة الملابس قررت ختاما أن تنهض حتى تستحم

    ذهنها مشوش وعاجزة عن التفكير في شيء غير غضبها من منصور

    سمعت طرقات منصور على الباب تلاها صوت منصور الحازم:

    عفرا أنا طالع للمعسكر جايني استدعاء

    ردي علي عشان أتطمن عليش وأروح


    عفراء لم تستطع أن ترد عليه مع اختناقها بعبراتها ارتفع صوته بجزم أكبر:

    عفرا بتردين وإلا كسرت الباب


    حينها همست عفراء باختناق: خلاص سمعتك


    تنهد منصور وهو يشد قامته ويكف يده حتى لا يكسر الباب فعلاوغضب كثيف على كل شيء يتصاعد في روحه

    لا يعلم لماذا تعقد كل شيء هكذا

    لماذا لا يستطيع اقتحام هذا الباب الهزيل الفاصل بينهما ليشدها ويدفنها بين حناياه حيث يجب أن تكون

    وحيث يجب أن يكون مكانها الوحيد جواره وفي داخله وحوله






    ********************************






    رد مع اقتباس  

  8. #108  
    المشاركات
    3,260

    " ممكن أعرف ليه رفضتي غانم عشانه من طرفي رفضتيه"


    مزون انتفضت بجزع بلهفة لأول مرة منذ سنوات يوجه لها خطابا مباشرا بهذه الصورة

    دائما كان كل مابينهما سلاما باردا يلقيه صاعدا أو نازلا وكأنه يلقيه عليها تأففا وتفضلا


    منذ أبلغته خالته منذ أكثر من ساعتين برفضها لغانم وعشرات الأفكار تمور في رأسه أولا قرر ألا يكلمها مطلقا أو حتى يلمح لها بالموضوع

    فالأمر ختاما شأنها ولا يهمه ولكنه لم يستطع أن يقف على الحياد وهو يراها تضيع رجلا كغانم من يدها وبسببه لأنها تهمه مهما أخفى ذلك عن العالم كله ومصلحتها لديه في المقام الأول


    مزون أجابته بهمس وهي تنظر لكفيها: لو كنت بأوافق عليه كان وافقت عليه عشانه من طرفك وعشان أرضيك بس


    حينها هتف لها كساب بحزم صارم: وأنا ما أبيش توافقين عشاني أبيش توافقين عشان نفسش

    أنا ما أدري لين متى قراراتش بتكون كلها تخبط في تخبط تدرين مزون مثل ماقررتي قرار غلط قبل 4 سنين وندمتي عليه ولا فادش الندم

    رفضش لغانم قرار غلط وبتندمين عليه وقت مايفيدش الندم فيه


    حينها رفعت مزون نظرها إليه وهتفت بحزم: تدري يا كساب أنا ماراح أطلع منذ ذا البيت لين أنت ترضى علي

    أشلون أبدأ حياتي كزوجة وأم وأنا لحد الحين فاشلة أكون أخت

    خطوة تترتب على فشل بتكون خطوة فاشلة


    كساب حينها لم يجبها وهو يتجاوزها ويصعد للأعلى وغضبه من نفسه يتصاعد ويتصاعد


    (حتى متى وأنا قلبي الأسود لا يعرف كيف يسامح أويغفر

    يا الله كم اشتقت لطفولتها العذبة ابنتي التي لطالما هدهدتها بين ذراعي حتى تنام!!

    يا الله تعبت من كل هذا!!

    حتى أنا أتمنى أن أسامحها!! أتمنى ذلك أكثر منها بكثير!!

    ولكن ماذا أفعل بهذا العقل الذي لا يتزحزح عن أفكاره وعناده الصوان

    وماذا أفعل هذا القلب الذي جمع كل متناقضات العالم بين رغبة عارمة في التسامح وبين قسوة عجزت أجد لها حلا)



    وصل لغرفته وغضبه من نفسه يتصاعد صلى قيامه وقرأ ورده هدأت روحه قليلا ولكنه ما أن تمدد لينام حتى عادت أفكاره تنهشه

    كم آلمه ربطها لحياتها القادمة برضاه!!

    (وإن كنت أنا عاجزا عن السماح

    هل تدفنين حياتك في انتظار رضا قلبي الأسود

    يا الله أفرجها من عندك!!)


    كان سيقوم ليُجري بعض التمارين الرياضية علها تشغله عن التفكير وترهقه حتى ينام

    حينما وصلته رسالة من مشكلته الأخرى:


    " لو سمحت ممكن تجاوب على سؤال محدد إجابة محددة


    كم يوم بتكون رحلتنا عشان أعرف وش كثر أخذ معي ملابس "


    حينها عاود التمدد وهو يجد له شي يشغله عن الألم ليأخذه إلى عوالم الترقب المسليةوهو يرسل لها رسالة:

    " كلميني

    وأقول لش "


    وصله الرد:

    " أنت عندك خلل في رأسك يخلي رأسك مايعرف يمشي سيده

    خلاص شكرا ما أبي أعرف الجواب

    بأخذ معي شناط وش كثر تغطي وتزيد

    وأنت عاد الله يعينك على ثمن الشحن

    أدري ما يهمك خلاص ادفع"


    ابتسم وهو يهمس في داخله (خبلة ذا البنت) ثم أرسل لها:


    " أنا قلت لش كلميني

    شكلش في راسش نفس المشكلة اللي راسي

    طلبت طلب محدد تنفيذنه تنفيذ محدد

    ك ل م ي ن ي

    فهمتي وإلا لا"


    كاسرة على الطرف الآخر كانت هي أيضا تسترخي على سريرها وتهمس في داخلها بتهكم

    (صدق إنك سخيف وشايف حالك على الفاضي!!

    ليتني ما سألته ماصدق سواها سالفة يلزق بها)


    أرسلت له :


    " ومن قال أني أبي أسمع صوتك عشان أكلمك

    يعني عشان أنت مافيك صبر خمس أيام بس ماصدقت تلقى سالفة تلزق فيها"



    كساب حينما تلقى ردها ضحك (ياحليلها تحسب إنها أحرجتني وأني بأموت من الحرج الحين

    قلت لها قبل إنها ما تعرف تتكلم على قدها)

    كساب ابتسم بخبث وهو يرسل لها :


    " ومن قال لش فيني أصبر خمس ساعات

    عشان أصبر خمس أيام

    كلميني!!"


    حينما وصلت الرسالة لكاسرة اعتدلت جالسة ووجهها يتفجر احمرارا رغما عنها

    (النذل يبي يسكتني للمرة الثانية!!

    لا والله إنها ما تصير)

    أرسلت له وهي لا تكاد ترى الشاشة لشدة خجلها لكن لا يمكن أن تسمح له أن يمسك بيدها التي تؤلمها حينها سيتمادى أكثر:

    " مافيك صبر

    أنت كلمني!!"


    حين وصل ردها لكساب انفجر ضاحكا (والله أنش خطيرة. ملعوبة يا بنت

    بس أنتي تلعبين مع كسّاب مهوب مع اي حد!!)

    تناول هاتفه ليرسل لها رسالته الأخيرة:


    " تدرين أجلي المكالمة بعدين

    نعسان وأبي أنام

    إيه وقبل أنسى

    سفرتنا مدتها أسبوعين بالضبط

    شنطة وحدة زيادة أنتي اللي بتدفعين شحنها!!"


    كاسرة ألقت هاتفها جوارها بعنف وغيظها منه يتصاعد

    (نذل ووقح.زين يا كساب إن ماطلعت ذا كله من عينك ما أكون بنت ناصر

    زين كلها مردودة)






    *************************************




    " أنت وش مقعدك عندي قوم روح لشقتك"


    خليفة ينظر لجميلة بنصف عين : والله أنتي اللي حاكمة علي كل ليلة أبات عندج اش معنى الليلة أروح لشقتي


    جميلة بغيظ: ما أبيك تبات عندي لا الليلة ولا كل ليلة عقبها لأني خلاص الحين زينة ومانيب في حاجة حد


    خليفة لم يرد عليها وهو ينظر لوجهها الذي تورم لكثرة ما بكت اليوم

    فهي منذ مغادرة منصور لم تتوقف عن البكاء الصامت حينا والنحيبي حينا آخر

    وبين كل فترة وأخرى تطلق عتابها القارص حينها له وأحيانا أكثر لوالدتها

    وهي تصور نفسها ضحية لجريمة نكراء اتفق الاثنان على ارتكابها فيها

    ومنذ أكثر من ساعتين صمتت عن البكاء وهي تغرق في صمت غريب ختمه طلبها منه أن يغادر


    كم تثير هذه الفتاة حيرته بقدر ماهي مدللة وهشة وبكاءة إلا أنه يشعر أن بداخلها قوة عجز عن تفسيرها


    خليفة وقف حينها همست هي بغيظ أشد: ما صدقت أقول لك عشان تخلص مني. كلكم ما تبوني ماحد يبيني


    خليفة يريد أن يضحك فعلا لكنه يعلم أنه إن ضحك فأنها ستغضب غضبا عارما هتف لها بنبرة حاول ان تكون طبيعية:

    يا الدلوعة ما راح أروح مكان راد أنام عندج بس أبي أودي هدية عمج لأمانات المصحة أخاف أنام تنسرق


    جميلة بغيظ: خلها تنسرقمن زينه هو وهديته ولا تقول عمي


    خليفة يبتسم: الريال متخسر وايد في هديتج وأنتي بصراحة ما تستاهلين

    حتى قولت عمي ما تبين تقولينها له لو ياي يده فاضية وايد أبرك له ليش الخساير


    جميلة بغيظ: أنا ما أستاهل خليفة أنا

    روح فارق ود هديته الخايسة مثله

    قطها في الزبالة.ولا ترجع ما أبي أشوف وجهك الليلة ولا حتى بكرة


    خليفة ضحك: تدرين أحسن شيء أدور لي ممرضة حلوة أعطيها الهدية خلها تحلل الساعة في يدها الحلوة


    جميلة بدأت تصرخ بغيظ متزايد: أقول لك فارق فارق


    خليفة ماعاد يأثر فيه جنونه وثوراتها ابتسم: يا الله رايح شوي وراجع بأدور كاترين هي اللي تستاهلها


    بينما صرخاتها ترتفع خلفه: دب وما أحبك وخلك عند كاترين لا أشوف وجهك توطوط عندي


    خليفة غادر بينما عادت هي لبكاء خافت محترق وعميق


    (لماذا هم عاجزين عن فهمي هكذا

    مدللة عنيدة وأنانية

    كلمات تقال أمامي ومن وراء ظهري

    كلمات يلقون بها ذنوبهم على كاهلي ليتخلصوا من عبئها وأتحملها أنا

    والآن يريدني غيورة يريد أن يشعر برجولته مع شبح أنثى وفي هذه الليلة التعيسة بالذات

    أحاول أن أتماسك بينما روحي تذوب ألما

    الليلة أنا موجوعة أكثر حتى مما أستطيع أن أحتمل

    أعلم أنه من حقها أن تتزوج لست طفلة

    ولكنني طفلتها هي وأحتاجها ألم تستطع أن تنتظر لأشهر فقط حتى أتحسن

    أعلم أني من رفضت بداية أن تكون جواري أخطئت كل البشر يخطئون

    فهل تعاقبني على خطيئتي بهذه الطريقة

    العقاب على قدر الخطيئة وليس أضعافا مضاعفة هكذا

    أعلم أنني أخطئت وأخطئ وسأخطئ

    ولكن أ في كل مرة لم ولن تكن هي جواري لتوجهني

    حزينة أنا ولا أجد صدرا أنثر عليه بعض دموع حزني

    أعلم أنه يحاول ولكني مازلت أشعر أنني لا أنتمي إليه وبكائي على صدره لن يكون راحتي!!)






    ***********************************






    صباح جديد

    مختلف عن كل صباح

    قلوب أنضجها الوجد وقلوب أنضجها الرعب

    آمال تتجدد وذكريات ترفض الانزياح

    .

    .

    .


    " صبحش الله بالخير

    وين أمي"


    عالية ترفع بصرها لفهد الذي يغلق الزر الأخير في بدلته العسكرية حول عنقه وتهمس بابتسامة: ماني بتارسة عينك

    هذا أنا قايمة من صباح الله خير أمسك موقع امي الاستراتيجي


    فهد يجلس بينما هي تصب له فنجانا من القهوة ويهمس بقلق: لا بس مهوب عوايد أمي لا تكون تعبانة


    عالية بمودة: بسم الله عليها. بس بنت جيراننا ولدت البارحة وأمك لزمت إنها تودي لهم ريوق في المستشفى من بدري


    فهد ينظر لساعته ويبتسم: الساعة ست ونص الصبح مغثة ذا مهوب ريوق


    عالية ترقص حاجبيها: لو دارية أنها مغثة كان أنا اللي وديته


    بعد تبادل سريع للتعليق والحكايات وفهد يتناول إفطاره هتف بنبرة مقصودة:

    تدرين عالية البارحة طول الليل أتحلم بعبدالله


    عالية ردت عليه بشجن: جعل قبره برايد عليه أبو حسن لازم تطلع صدقة له


    فهد بذات النبرة المقصودة: إن شاء الله تدرين في الحلم أشوفه راجع لنا وكني في الحلم أقول له أنت ما متت ياعبدالله

    يقول لي لا أنتو شفتو لي جثة عشان تقولون أني متت


    عالية رغما عنها انتفضت وهمست بضيق: وش ذا الحلم الغريب

    تكفى فهد أنتظر دقيقة أنا بأقوم أجيب فلوس من عندي أبيك تطلع له صدقة عني بعد أبو حسن خيره سابق دايما



    .

    .

    بعد ثلاث ساعات هزاع ينزل يجد عالية أيضا تجلس مكان والدتها التي عادت ولكنها في غرفتها صلت ضحاهاثم قررت أن تتمدد


    هزاع ينحني عليها ويسلم مقبلا رأسها: حيا الله أختي العجوز


    عالية تبتسم: عجزوا عدوينك قول آمينحاط أخواني شيبان. وأنا عجوز يا النونو

    لا تكون مرة تقول أختي العجوز عند عبدالرحمن سويتك شاورما


    هزاع يرقص حاجبيه: لا عند عبدالرحمن أقول أختي الخبلة عقلها باقي له ربع برج ويطير


    عالية تهدده أن ترشه بالماء وهي تهمس بتهديد مرح: أفطر ثم قم وانت ساكت لا أسبحك وأخرب كشختك تقول رايح تخطب

    الا تعال على وين إن شاء الله


    هزاع يدعي الجدية: أبي أقدم على فيزا أبي أروح لأمريكا بس لا تقولين لأحد


    حينها همست عالية بقلق: من جدك وش فيكم على أمريكا صالح توه راجع البارحة وأنت تبي تروح اليوم وش السالفة


    هزاع بنبرة سرية: أبي أشوف قبر عبدالله بعيني ما أدري ليه تطري لي طواري عقب سالفة صارت لخويي


    عالية تصاعد توترها: أي سالفة


    هزاع بنبرة خافتة: خويي ولد عمه متوفي قد له عشر سنين في ديرة ثانية وقالوا انه اندفن هناك وتخيلي ولد عمه رجع لهم قبل كم يوم مافيه الا العافية


    حينها كانت عالية تمد لهزاع كوبا من الكرك انتفضت حينها يدها وانسكب على يدها السائل الساخن

    وضعت يدها في ماء الفناجين أمامها وهي تشهق برعب: من جدك


    هزاع مستمر في تمثيليته: إيه من جدي وولد عمه زعلان على هله يقول أنتو شفتو جثتي والا قبري والا حد منكم راح يدور لي

    ماصدقتوا جاكم خبر اني ميت عشان تصدقون وتنسوني.


    عالية حينها شعرت بقشعريرة باردة مرت عبر كل فقرات ظهرها: معقولة ياربي

    بس من جدك أنت تفكر أنه ممكن عبدالله.


    لم تستطع حتى إكمال عبارتها التي اختنقت بها حينها بالفعل تناولت كوبا مملوءا بالماء ورشته على هزاع بغضب

    هزاع شهق بعنف وهو ينظر لملابسه ووجهه الغارقين بالماء صرخ بغضب عارم وهو يعتصر كفيه:

    والله لو أنش منتي بالكبيرة يا الدبش إن قد أكوفنش اليوم ولا يفكش من يدي حد


    حينها صرخت عالية بغضب أشد: أجل هذا كلام تقوله لي إياني وإياك تقول ذا التفكير الغبي عند أمي تبي تخبل فينا يا الخبل


    رغم غضب هزاع الشديد منها إلا أنه قرر أن يضبط أعصابه وهو يتناول كمية كبيرة من علبة المناديل أمامه ويمسح وجهه وعنقه بها ويهتف من بين أسنانه:

    الشرهة عي اللي حبيت أشركش في أفكاري يا المتخلفة

    والله لو فيه أمل واحد في المليون إن عبدالله حي إني ما أفوته من يدي

    والله إذا أنتي تبينه ميت هذا شيء راجع لش لكن واحد ماشفنا جثته ولا حتى ندري وين قبره بالضبط ولا عمر حد منا راح يشوف القبر

    وشيدريش إنه ميت صدق شيدرينا مايكون شيء لده هناك وينتظر حد منا يساعده مهوب نقول مات الله يرحمه


    كانت دقات قلب عالية ترتفع بدا لها الأمر مستحيلا لأبعد حد ومع ذلك هذا هو طبع الإنسان يبحث عن الامل مهما كان بعيدا ومستحيل التحقق

    يقولون لإنسان على شفير الموت هناك أمل في شفائك فيركض خلفه إلى أخر العالم حتى وهو يشعر بنزعات الموت


    عالية قفزت ووجهها يحتقن: والله لا تكون عطيتني ذا الأمل مهما كان سخيف مثلك ثم تطلع كلها خرابيط في مخك أني ما أسامحك عمري كله

    وهذا أنا حلفت والحين بأقوم معك بأقدم على الفيزا معك


    هزاع بغضب: مافيه تروحين معي انطقي هنا وتجيش العلوم والحين باروح أبدل ثيابي


    عالية بغضب مشابه: مهوب على كيفك رجلي على رجلك وترا العلم جاك




    انتهت مهمة هزاع وصعد للأعلى لتبدأ مهمة صالح الذي عاد لتوه من المحكمة مع عبدالله وتلقى كل ما قاله فهد وهزاع


    صالح دخل وسلم سأل عن أمه وأجابته عالية وهي تنظر له بنظرة سابرة وكأنها تريد اختراق عقله: أمي دخلت تصلي ضحاها ثم قالت إنها بتنسدح شوي لين صلاة الظهر


    حينها سألها بحذر أخفاه خلف حزم صوته: ووين نجلاء والعيال


    عالية مازالت تنظر وهي تصر عينيها: نجلاء كانت هنا قبل شوي وطلعت تلبس عيالها تقول تبي تستاذنك توديهم جنغل زون

    ثم أردفت بنبرة مقصودة: المساكين كانوا موعودين بديزني لاند وما أدري وش ذا الشيء الكايد اللي خلي ابيهم ينط يوم سفرهم لأمريكا بدون تفكير


    صالح ابتسم في داخله لأنه عرف أن جيشا من الفئران بدا يلعب في خيالاتها أجابها بذات نبرتها المقصودة:

    ما ودى ابيهم إلا موضوع أخطر من كل شيء وأهم من كل شيء

    وإن شاء الله أنهم معوضين


    صالح وقف ليتجه للأعلى بينما عالية همست بحزم: لا تروح ماخلصت كلامي


    صالح عاد ليجلس وهو ينظر لها بتأنيب قارص: لا تأمرين يا الشيخة تراني أخيش الكبير كنش ناسية


    عالية بتصميم: والله أخواني اليوم كبارهم وصغارهم ماخلو فيني عقل يفكر

    تراني بعد أبي أروح أمريكا الشيء اللي وداك وبيودي هزاع بيوديني بعد


    حينها ضحك صالح ثم هتف بنبرة مقصودة وصوت خافت وهو يميل عليها: ما تدرين يمكن الشيء اللي في أمريكا أقرب مما تتوقعين


    حينها انتفضت بشدة وهي تتراجع للخلف وكأنها تحتمي من شيء مجهول كانت تريد أن تتكلم فشرقت ثم كحت صالح ضرب ظهرها بخفة

    بينما كانت دموعها تسيل من احتقان وجهها وهي تهتف بغضب: تبون تقتلوني عشان ترتاحون

    ترا ماعندكم أخت غيري خافوا الله في ابيكم وأمكم تيتمونهم عقبي



    حينها وقف صالح وهتف بحزم مختلط بابتسامته: ذا المرة ياويلش تقولين اقعد بأروح أشوف مرتي وعيالي نشبتي في حلقي

    ولا تقولين مافهمت وإلا اقعد اشرح لش أعرفش فطينة وتلقطينها وهي طايرة وعقب ذا التلميحات كلها لو مافهمتي ماعاد فيش رجا


    عالية لم تستطع أن ترد وعيناها تغيمان منذ هزاع والفكرة تمزق عقلها لدرجة الأمل المضني ولكن صالح أكدها لها لدرجة الحقيقة الفاجعة

    لم تستطع حتى أن تتكلم أو تصرخ كما تريد بينما صالح استعد للصعود وهو يهتف لها بتصميم: ترا التمهيد لأمش مسؤوليتش أنتي وتراني معتمد عليش تجيبنها لها بأخف طريقة


    عالية قفزت لأقرب حمام لها حمام مجلس الحريم شعرت أنها لو صعدت لغرفتها فستنهار على الدرج

    انحنت على المغسلة وهي تغسل وجهها بكثافة تحاول أن تمنع نفسها من البكاء فلا تستطيع ودموعها تختلط بالماء الذي أغرق وجهها

    مازالت عاجزة عن التخيل ومجرد التخيل بعث ألما قارصا في كل خلية في قلبها

    (حي حي حي حي حي!!)


    كانت هذه هي الكلمة التي تهرس مخها وتتردد على لسانها لم تجرؤ حتى أن تقول (عبدالله حي) بدا لها الربط بين الاسم والحقيقة مؤلما لقلبها الذي أجهدته الصدمة المفرحة

    (أقرب مما أتوقع

    يعني موجود هنا في الدوحة

    معقولة ياربي معقولة

    حي حي)


    حينها بدأت تقهقه بسعادة طفولية شفافة غامرة دون أن تشعر ودموعها وأنفها يسيلان حينها سمعت طرقات على الباب ثم صوت هزاع:

    يالخبلة حد يضحك في الحمام اطلعي لا يدخلون سكون زيادة فيش كفاية سكونش اللي فيش






    **************************************






    في الأعلى

    صالح يصل لباب غرفته يشد له نفسا عميقا قبل أن يدخل يفتح لها فلا يجدها

    فيتوجه لغرفة ابناءه ليجدها بالفعل تلبس أولادها صالح غاضب بالفعل أنها بدأت تلبس الأولاد دون أن تستأذنه حتى في ذهابهم


    صالح دخل وسلم والصغيران حينما رأيا والدهما ركضا ناحيته وكل واحد يقبله من ناحية

    صالح جلس على طرف السرير وهو يُجلس عبدالعزيز الذي أنهى اللبس على فخذه بينما نجلاء كانت تلبس خالد

    صالح هتف بنبرة عتب حازمة: وش ذا الروحة اللي مادريت عنها


    نجلاء بهدوء: توني كنت ألبس العيال وأبي أوديهم جنغل زون وكنت بأكلمك الحين


    صالح حينها هتف بغضب خافت من بين أسنانه: قصدش تعطيني خبر ترا المعنى يختلف


    نجلا بجزع: لا والله مهوب القصد يابو خالد بس أدري ماعندك مانع ولو عندك خلاص مالها لازم


    صالح مازال يحاول كتم غضبه الشفاف: وهذي بعد ترا اسمها لوي ذراع العيال صاروا لابسين وأنتي منيتيهم خلاص

    أحزنهم وأقول مافيه روحة يعني


    نجلاء بضيق: آسفة صالح ولا يهمك آخر مرة


    حينها أنزل صالح عبدالعزيز وهتف بحزم: أتمنى صدق أنها أخر مرة لأنه عيب عليش فعلا اللي سويتيه

    العيال أنا بأوديهم خلاص وأنتي ارتاحي


    نجلاء كانت تلتقط ملابس أولادها من الأرض وتهمس دون أن تنظر ناحيته:

    الله لا يخليهم منهم حط بالك على عزوز تدري به أحيان يتفلت



    صالح نزل بأولاده للأسفل ليجد عالية تجلس وعلى وجهها تبدو علائم البكاء والسعادة والشجن وكل المتناقضات

    ابتسمت حين رأتهم وهمست للصغيرين: يا الله بوسة لعميمة صاحبة الفكرة


    صالح يعدل غترته امام المرآة ويهتف بهدوء: أي فكرة يأم الأفكار


    عالية أهلكت الصغيرين بقبلاتها الكثيرة فهي اليوم سعيدة سعيدة:

    فكرة روحتهم اليوم لجنغل زون خليتهم يأكلون كبد نجلا وإلا هي كانت تبي تمشي على النظام

    وتأخذ أذن أول وتنتظر الرضا السامي بس أنا قلت لبسيهم الحين وكلمي صالح عقب

    أحب أسوي قلب أدوار شوي.


    رغم تفاهة الموضوع وبساطته إلا انه بعث حزنا شفافا في روحه لو كانت الأمور بينهما على مايرام لم يكن ليهتم ولكن الآن كل تصرف بسيط يُفسر بتفسيرات ضخمة

    وأكثر ما ضايقه الآن أنها اعتذرت دون أن تبرر أو تحاول توضيح ماحدث

    هل لأن غضبه أو رضاه لا يهمانها لذا لم تتعب نفسها بالتبريرات

    أو لأنها لم ترد أن تذكر اسم عالية في الموضوع

    أيهما السبب

    أيهما السبب






    ******************************************






    " زين الحمدلله ماهقيت إنه بنخلص كذا على طول ونشتري

    يا الله عشان نرخص للطيور بكرة ونرجع بعد بكرة إن شاء الله"


    كان أبو عبدالرحمن يشير لتميم بإشارات أكثرها غير دقيق ولكن تميم أصبح يتعرف على هذه الإشارات التي يشترك في فهمه لها قراءته لحركة الشفاه


    هز تميم رأسه : إن شاء الله


    كان الاثنان يجلسان في غرفتهما في الفندق بعد أن انتهيا من شراء الطيور

    حينها أشار له تميم بتساؤل: اب الرجّال اللي حن نشتري منه الطيور وش فيه

    من زمان أبي أسألك بس كل مرة أنسى


    أبو عبدالرحمن لم يفهم ما يعنيه تميم تماما فأعاد له تميم السؤال بإشارات أكثر تبسيطا


    حينها تنهد أبو عبدالرحمن تنهيدة عميقة جدا: عبدالجبار الله يحسن خاتمته بس

    أنا أشهد يأبيك إنهم يوم يعدون الرياجيل إن عبدالجبار ذا رأسهم

    رجّال نادر أعرفه من 35 سنة عاد ولده عبدالمنان ذا أبو خمس سنين

    تدري إني وش كُثر كنت أخذ منه طيور بالدين وأحيانا بالميتين ألف عمره ما قال لي وين فلوسي

    وإذا قلت له وأنا أضحك ماتخاف ياعبدالجبار أني أروح بفلوسك ولا عاد أرجع

    كان يقول لي الفلوس تفدا الرياجيل اللي مثلك الرياجيل هم اللي يجيبون الفلوس مهيب الفلوس اللي تجيب الرياجيل


    تميم استطاع أن يلتقط ويفهم ما يقصده أبو عبدالرحمن لذا أشار بمرح: أنا أشهد إن عبدالمنان مهوب مثله


    أجابه أبو عبدالرحمن بشجن: عبدالمنان تاجر وإلا عبدالجبار لولا نيته صافية وربه عطاه على قدها وإلا فعايله فعايل شيخ مهوب تاجر

    أخر مرة جيت أبي أعطيه دينه قبل 15 سنة انصدمت يوم شفته الرجّال اللي كنه جبل مايهزه ريح ماعاد فيه شيء يتحرك إلا عين(ن) شاغرة

    أقول له وأنا أبي أضحك له ولا أقدر: جبت لك فلوسك يا بو عبدالمنانيا الله قوم

    ما أنسى نظرته

    كنه يقول لي وش فود الفلوس عقبها!!

    ما يكسر ظهور الرجال كون النسا

    تدري يأبيك أني شليتها على يدي مولودة وقعدتها في حضني تمشي

    كانت تزوغ بقلب أبيها كان مقعادها دايمن جنبه وربعه وجماعته يلومونه

    كان يقول ربي عطاها المحبة من عنده فلا تلوموني في عطا ربي

    كل ماجيت من الدوحة جبت لها معي هدية يستانس بهديتها أكثر من وناسته حتى بفلوسه

    ثم أردف وهو يخفض رأسه: سبحان رب(ن) خلقها مزيونة وهادية من هداوتها ما تحس بها كن زولها لا تذكرته زول شعاع


    تميم يشعر كما لو أن تواصله من القصة ينقطع وإشارات أبو عبدالرحمن تتباطأ وحركة شفتيه تتحول لتمتمة لذا أشار له تميم: وبنته وش صار لها


    أبو عبدالرحمن أسود وجهه: ما حد يدري أصبحوا ما لقوها وأغراضها كلها في البيت ما تحرك منها شيء عمرها ثَم أم 15 سنة

    ماحد يدري هي طقت من البيت هي خطفت اختفت كنها ملح(ن) ذاب

    ابيها بغى يستخف أسبوع كامل يدورها بروحه في كل مكان حتى الليل ما يمسيه وعقب الأسبوع طاح ذا الطيحة اللي أنت شايف

    سبحان الله كن روحه معلقة بها ويوم توكد إنها صدق اختفت اختفت روحه معها

    الله يستر على بناتنا وبنات المسلمين وجعلك يأبيك ماتذوق خلفة البنات وهمهم


    حينها ابتسم تميم: لا والله ياعمي أنا أبي لي بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وصانا في تربية البنات وإن اللي يحسن تربيتهم من هل الجنة

    ما قال تربية العيال

    لا تكون ياعمي ما تحب بناتك


    حينها ابتسم أبو عبدالرحمن بشفافية: هو أنا موجعني غير أني أحب بناتي بس البنت عُور في وجه أبيها أدنى شيء يجيها في وجهه

    عشان كذا الواحد لازم يشد عليهم ولازم يخافون من كل شيء عشان مايوزهم تفكيرهم


    تمنيت لي يأبيك عيال واجد بس الله ما كتب لي ولولا غلا عبدالرحمن كان عرست كنت أبي لبناتي أخوان سنايد لهم

    بس الحمدلله على كل حال عبدالرحمن عندي بعشر عيال جعل عمره طويل لأمه وخواته من عقبي






    *****************************************






    " شأخبارها الحين"


    عبدالرحمن يشد شعاع خارجا حتى لا تسمعه جوزاء التي كانت مستغرقة في النوم وشعاع ملازمة لها


    شعاع أجابته بإرهاق: ماصحت لحد الحين


    عبدالرحمن بإرهاق مشابه: وحسون وينه


    أجابته شعاع وهي تشعر بعبرة تقف في حلقها: راقد عند أمي ياقلبي البارحة كله يقول أبي بابا وحنا متروعين نحسب الصبي استخف

    ثم أردفت بتساؤل حذر: إلا أنت تأكدت صدق إن عبدالله حي


    عبدالرحمن تنهد: طبعا تأكدت اتصلت في صالح ولقيتهم في المحكمة ورحت لهم هناك

    وأنا بعد اللي شهدت معهم إنه فعلا عبدالله عشان يثبتونه في الأوراق الرسمية


    شعاع حينها همست بقلق عميق: زين جوزا وش وضعها الحين قانونيا


    عبدالرحمن شد له نفسا عميقا: وضعها سليم لأن عبدالله أساسا طلقها عقب ماسافر أمريكا صالح بنفسه قال لي


    شعاع شهقت بصدمة كاسحة وكلماتها تتبعثر: يا قلبي ياجوزا وليش يطلقها اللي ماله ذمة ذا

    لا والمسكينة حادت عليه وضاعت عليها فرصة إنها تكمل دراستها وهي مطلقة

    وأشلون ماوصلنا خبر الطلاق أشلون سالفة مثل ذي ما تتنخبى


    عبدالرحمن يكمل لها: عقد الطلاق موجود في الخارجية من 4 سنين وأنا بنفسي تأكدت من ذا الشيء

    أشلون ما وصلنا الخبر ما أدري

    أنا من يوم دريت وأنا مثل اللي انضرب على وجهه كف ما أدري أيش اللي بيصير الحين


    شعاع بتحذير موجوع: أهم شيء ما يفكر ياخذ حسن إذا تزوجت جوزا والله لا يفكر يقرب من حسن إن جوزا تستخف


    عبدالرحمن يضغط رأسه بإرهاق: حسن الحين صغير وفي حضانة جوزا

    بس إذا تزوجت حقها في الحضانة يسقط وتصير الحضانة لأبيه دامه موجود

    كذا الشرع والقانون يقولون

    بس ممكن نرفع قضية ونطلب الحضانة لأمي أنا

    بس إن شاء الله ما توصل السالفة للمحاكم


    حينها تفاجأ عبدالرحمن بالصوت الحازم الذي قاطعهما رغم الإرهاق العميق والوجع الأكثر عمقا المتبدي في ثناياه:

    وأنا مستحيل أعرض ولدي لذا المشاكل كلها

    أنا ما أبي أعرس خلاص كفاية علي أربي ولدي وما أبي عبدالله يلقى طريقة يقدر يأخذ فيها ولدي

    تكفى عبدالرحمن قول لامهاب يطلقني تكفى







    ******************************************






    " وش فيك يأمك مهوب عوايدك ترجع ذا الحزة البيت"


    نبهه صوتها الحنون من أفكاره اعتدل جالسا من تمدده على سريره وهتف لها بهدوء: مافيني شيء جعلني فداش


    مزنة جلست جواره وهي تضع كفها على فخذه وتهمس بحنان: علي يأمك


    وضع كفه فوق كفها وهتف بذات هدوءه: متضايق شوي يمه


    مزنة بجزع حان: أفا وش اللي مضايقك


    مهاب تنهد: عبدالله آل ليث طلع حي ورجع الدوحة البارحة


    مزنة بصدمة: الصبي اللي صار له أربع سنين ميت يطلع حي يا سبحان الله ووين كان ذا ووش سبته

    ثم أردفت بصدمة أشد: امهاب ومرتك وش وضعها الحين


    مهاب يهتف بذات الهدوء الذي يخفي قلقا وتوجسا عميقين: طلقها أصلا من أربع سنين

    بس اللي أحاتيه الحين يمه حسن تدرين لا تزوجنا حضانته تصير لأبيه إلا لو هو خلاه من خاطره

    وأنا ما ظنتي يخليه مافيه رجال يرضى أن رجال غريب يربي ولده وهو موجود

    وأنا خايف إن ذا الشيء يأثر على جوزا أو حتى يأثر على زواجنا


    مزنة بقلق مشابه: وش ذا المصيبة اللي ماكانت على الخاطر عرسك عقب حوالي شهر ونص


    حينها شد مهاب له نفسا عميقا لم ينسَ أبدا لتذكره!!

    سأل والدته بحذر: يمه لو حطيتي نفسش مكان جوزا وش القرار اللي بتقررينه


    مزنة حينها وقفت وهي تهمس بحزم أخفت خلفه تعاظم حزنها الشفاف على مايحدث لابنها: يأمك لكل وحدة تفكيرها وأنا ما أقدر أفكر عن غيري


    مهاب أمسك بمعصمها وهتف بحزم: أفا يأم امهاب أعرفش ما تهربين من شيء

    أنا ما أقول لش فكري بعقل غيرش. أقول لش فكري بعقل أم!!


    حينها التفتت له مزنة وهتفت بحزم يذوب حنانا: يأمك مهوب جاهلني قصدك من أوله بس بعض الشيء تركه أحسن


    حينها وقف مهاب وقبل رأسها وهتف بثقة: وأنتي بعد منتي بجاهلتني فجاوبيني تكفين


    مزنة بحزمها الطبيعي رغم شعورها أنها ستختنق بالكلمة: لو أنا مكانها . بأطلب الطلاق منك !!!!






    **************************************






    باله مشغول تماما بها منذ غادرها البارحة وهي من تلتهم أفكاره كلها

    وهاهو يعود الآن وهو لا يعلم ما الذي سيواجهه أو حتى كيف استقرت حالتها الآن بعد الكلام المؤلم الذي صفعته به البارحة


    رن هاتفه نظر للاسم وتنهد (بنت حلال كنت أبي أكلمها بنفسي عشان سالفة فهد) رد عليها بحميمته الفخمة: هلا بالغالية


    مزون انهمرت بسعادة شفافة: هلا بك زود هالمرة أقدر أقول مبروك وأنا مالية يدي

    فحص الحمل كان قدام عيوني مافيه تزلحقني

    ألف ألف مبروك ياعمي ما تتخيل وش كثر فرحانة ما أتخيلك وأنت أب وشايل ولدك في يدك

    ياربي حاسة إن هالولد غلاه بيغطي على خلق الله

    وإيه قبل أنسى تراه محجوز حق بنت عمه وبنت خالته مافيه كاني ماني


    كانت مزون تنهمر وتنهمر بسعادتها الطفولية العذبة في الوقت الذي كان منصور ينهمر صداعا مؤلما طرق كل خلايا دماغه

    كان بداية عاجزا عن الفهم ثم مصدوما ثم مذهولا

    وهو يتمتم بجمود: الله يبارك فيش يأبيش الله يبارك فيش




    #أنفاس_قطر#

    .

    .

    .






    رد مع اقتباس  

  9. #109  
    المشاركات
    3,260
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    يا صباح البركة والخير على كل القلوب الطاهرة


    اشتقت لكم كثير كثير بلا قياس


    بشروني منكم عسى مبسوطين في العطلة


    .


    .


    ما تخيلون والله العظيم سعادتي فيكم


    وسعادتي بكل رد انكتب وكل شعور وكل تعليق


    بس عاد مهوب تصيرون وجه الضيف نشوفكم مرة وحدة وعقبه تختفون


    الله لا يحرمني من دفء أنامل كل من كتب وتعب نفسه


    .


    .


    عدنا والعود أحمد وادري بنات كثير يقولون أني تأخرت وعاتبوا عتب جامد لدرجة الاتهام بالتقصير وإخلاف المواعيد وتقطيع الرواية واتهامات أقرب للتشفي بعد


    وعلى فكرة تراني والله مازعلت من أي عتب وعتبكم كله على رأسي


    لكن اللي صار يا نبضات القلب أني عمري ما أخلفت موعد


    قلت بأرجع خلال أسبوعين ثلاثة واليوم تميت ثلاث أسابيع


    (حنين الذكرى لها نجمة توقعت البارت يوم الخميس واليوم الخميس)



    وخلكم حقانيين لأنه فعلا يا نبضات القلب ترا عدا هذي الثلاثة أسابيع ومرة وحدة غبت أسبوعين


    عمري ماغبت أكثر من أسبوع واحد حتى مرت قلت بأغيب أسبوعين وماغبت إلا أسبوع


    وحتى لو مرة أخلفت وتأخرت مايشفع لي يا نبضات القلب أني صار لي معكم سنتين وروايتين وعمري ما أخلفت موعد


    ماراح تدرون لأختكم عذر يعني؟!!


    تدرون بنات قلتها قبل والله العظيم لو كنت أدري بالظروف اللي صارت في هذه الرواية إنها بتصير ماكنت نزلتها أبد أعوذ بالله من (لو)


    قدر الله وماشاء فعل


    تدرون بنات إنه مع ذا كله مرة انضرب الجهاز عندي وفيه ثلاث بارتات جديدة وعقبها ضاع فلاش عليه أربع بارتات


    تأزمت لأني أتعب جد في الكتابة وتضايقت ووسوست لأني قلت يمكن ربي مايبني أكمل وصليت استخارة كم مرة


    ويمكن هذا سبب من الأسباب الكثيرة اللي خلتني أبطأ في هذه الرواية


    عدا أنه الرواية هذي طويلة وأعمق مثل ماقلت لكم قبل لكن لنا إن شاء أيضا فيها طريق طويل من متعة واختلاف


    وأنا لحد الحين ولله الحمد والمنة عمري ما أخلفت موعد


    يبي لي مرة أخلف وأشوف بتدورون لي عذر وإلا لا :)


    .


    .



    حمل عفراء


    أنا بغيته كذا وبذا الصورة وبدون تبرير


    لأن فيه حقيقة وحدة تقول "قدرة رب العالمين فوق كل شيء" بدون تفسيرات علمية أو طبية مالها معنى أمام قدرته عز وجل


    وفي الحياة آلاف القصص الحقيقية اللي تدل على معجزاته اللي عجز عنها الأطباء


    أما أن منصور يشك إن الولد منه فهذي فكرة ماخطرت ببالي


    لأني لو سويتها معناها أني أهدم حياتهم من أساسها مهوب أسوي أكشن بس :)


    وبعدين شخصية منصور ما توحي بكذا أبد



    على فكرة بنات (قلتها قبل بس في أسى الهجران وأدري أنها معلومة معروفة جدا بس ماعليه اسمحوا لي نعيدها)


    صحيح عفراء اكتشفت الحمل بعد 3 أسابيع بس تراها تكون في الشهر الثاني


    أشلون


    لأنه الحمل ينحسب من أول يوم لآخر دورة قبل الحمل معناتها الحين إنها الحين تخلص الأسبوع الخامس وتدخل في السادس بما أن آخر دورة كانت قبل زواجها بأسبوعين


    .


    .


    الحين مع الجزء الخامس والثلاثين


    ونكمل بالضبط من أخر ما وقفنا عنده البارت اللي فات


    كنا في ثاني يوم بعد رجعة عبدالله من أمريكا ورجعة منصور من عند جميلة


    ومزون اتصلت لمنصور وباركت له في حمل خالتها


    صالح كان مودي عياله للألعاب بعد ماصار شد بينه وبين نجلا


    وأم صالح كانت مسوية ريوق لوحدة والده ورجعت وتمددت


    وعالية عرفت عن عبدالله بس مابعد شافته


    وجوزا انهارت لما عرفت برجعة عبدالله وبعدها طلبت من عبدالرحمن يطلب من امهاب يطلقها


    ويالله نكمل


    وموعدنا الجاي يوم الأحد الساعة 9 ونص الصبح


    .


    قراءة ممتعة مقدما


    .


    لا حول ولا قوة إلا بالله


    .


    .


    بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثلاثون







    لم يشعر في حياته كلها بصداع كما يشعر اليوم وفي هذه اللحظة بالذات رأسه سينفجر من قوة نبض العروق

    يوقف سيارته جانبا ليضغط على جانبي رأسه ويحرر عنقه من جيبه المغلق وهو يفتح أزرته العلوية


    منذ أنهى اتصاله مع مزون وهو في حالة انعدام وزن كما لو كان انفصل عن الكون كله ويحلق في العدم. وقدماه لا تلمسان الأرض حتى

    ومشاعره غاية في التبلد عاجز عن التصديق أو حتى مجرد التصور



    " حامل

    حـــامـــــل

    مستحيل مـــســتــحــيــل

    أكيد مزون فاهمة الموضوع غلط

    أكيد فهمت السالفة كلها غلط

    أنا إنسان مؤمن مافيه شيء بعيد على ربي

    ومزون تقول إنها راحت معها بنفسها للفحص

    معقولة معقولة رأسي بينفجر

    بس بس

    بس ليش لو كانت حامل أعرف الخبر من مزون

    ليش مهوب منها

    ليش تخلي خبر خاص فينا مثل هذا يوصلني من غيرها

    ليه

    .

    بس البارحة كانت تبي تقول شيء بس أنا ماخليتها

    كانت تبي تتكلم بس أنا خنقت كلامها في حلقها"


    حينها نظر منصور ليده اليمنى التي وضعتها على بطنها كالملسوع

    وهو يتذكر كمن ضُرب على رأسه كل تلميحاتها البريئة العذبة البارحة

    ويهز رأسه بقوة ويقطب جبينه وهو يشعر بضغط هائل على كل مفاصله كما لو أن عظامه ستتفجر من قوة الضغط


    " ياقلبي ياعفرا وأنا خربت عليها فرحتها كلها

    يعني وش كان بيضر لو شاركتها الفرحة بدون ما أكدر عليها

    يعني أنت يامنصور ما تعرف إلا المغثة

    .

    بس صدق حامل معقولة

    معقولة

    سبحان الله ياربي ما أعظم قدرتك ورحمتك

    معقولة أنا أب وعقب ذا السنين كلها!!

    وعقب ما يأست أني ممكن أسمع كلمه يبه لين كرهت حتى اني أكون اب

    معقولة"


    حينها بدأت ابتسامته تتسع وتتسع دون أن يشعر وألم الجسد والصداع يتحوران تدريجيا لإحساس خيالي بخفة في الروح والجسد لم يشعر بمثلهما سابقا أبدا

    يشعر كما لو أنه يحلق تحليقا يختلف عن تحليقه قبل دقائق

    قبل دقائق كان يحلق إحساسا بالصدمة غير المعقولة

    ولكنه الآن يحلق إحساسا بسعادة مختلفة لم يتذوق مثلها أبدا

    سعادة لها نكهة مختلفة لم يظن أنها موجودة على وجه الأرض بهذه الصورة الشفافة الموغلة في العذوبة والدفء


    كانت هذه هي مشاعره التي انتفضت من تحت الرماد وهو يشغل سيارته ثم يغير اتجاهها لاتجاه آخر غير البيت

    وسعادة عميقة جدا ومختلفة جدا تتسلل إلى روحه بتمكن غامر


    "طـــفــــل ؟!!ومن عفراء؟!!"


    أي سعادة كان يخبئها له هذا الصباح المختلف

    .

    .

    .

    بعد ساعة

    يفتح باب غرفته بهدوء وهو يحمل كيسا غاية في الفخامة في يده

    فمناسبة كهذه لا يمكن أن تمر دون هدية لآسرة قلبه

    رغم أن كل هدايا الكون لا يمكن أن تعبر عن إحساسه بالسعادة والاختلاف الذي يزداد عمقا بتمكن في كل دقيقة تمر



    تفاجأ منصور أن الغرفة مازالت تغرق في ظلام خافت من جراء الستائر الداكنة المسدلة

    شعر بانقباض في قلبه وعيناه تبحثان عنها

    كانت هناك ارتعاشها واضح تحت الغطاء

    زاد انقباض قلبه

    "تــبــكــي؟! "


    فتح الستائر قليلا وتوجه ناحيتها رفع الغطاء عنها بخفة

    ليتفاجأ من منظرها

    كانت تحتضن نفسها تبكي وترتعش ويبدو أنها على هذه الحال من مدة طويلة

    لأنه حين رفع الغطاء عنها جلست بحرج وهي تبعد شعرها المشعث التي التصق بعرق وجهها بعيدا عنها

    وبدت أثار أناملها غائرة في عضديها العاريين من شدة احتضانها لنفسها

    شعر بألم شفاف يجتاح روحه أن تحتضن هي نفسها بينما من كان يجب أن يكون جوارها ويحتضنها

    حتى لو رفضت لم يكن ليسمح لها بالرفض

    لم يقل لها شيئا أجلسها ليمسح وجهها بكفيه ثم انتقل ليدعك احمرار عضديها بخفة وألم قلبه يتزايد رغما عنه


    همس لها بحنان عميق: عفرا ليه ذا كله ياقلبي


    همست بصوت مبحوح دون أن تنظر ناحيته: البارحة كلمت جميلة عقب ما أنت طلعت

    ما قدرت ما اتطمن عليها


    حينها هتف منصور بحزم رغم إحساسه بالحزن من أجلها: وأكيد أجعتش بالحكي


    حينها دفنت وجهها بين كفيها وبكت بحرقة عميقة منصور حينها أبعد كفيها عن وجهها واحتضنها بحنان وقوة وهمس في أذنها:

    أدري أنش زعلانة علي وأدري أني أستاهل

    بس لا تحاولين تبعدين عني لأني ماراح أسمح لش


    آلمه كثيرا تصلب جسدها بين ذراعيه وكأنها ترفض قربه منها

    حينها أبعدها عنه قليلا وهو يلمس بطنها بخفة حانية انتفضت عفرا بشدة بينما هتف هو بحزم حنون:

    إذا مهوب عشاني ولا عشانش عشان ذا الروح اللي هنا خافي ربش فيه تسوين في نفسش كذا


    حينها بالفعل ارتمت في حضنه وهي تشدد احتضانه وتبكي بنحيب عال

    بينما شعر هو براحة ما تتسلل إلى روحه أنها تعود إلى أحضانه وبرغبتها رغم تيقنه أن موضوع جميلة لن يمر أبدا بسهولة عليهما

    ولكنه من أجلها والآن من أجل طفلهما أيضا هو مستعد للقتال حتى الرمق الأخير فهو لم يخلق سوى للمعارك!!


    كان يهدهدها بحنان خالص ويهمس لها بثقة غامرة:

    هدي حبيبتي هدي واللي ركب رأسي ورأسش إنه مايصير الا اللي يرضيش

    أمنتش بالله لا تزعلين نفسش ياقلبي

    وإلا زايد الصغير ماله خاطر عند أمه؟!!.






    *************************************






    " السلام عليكم

    هلا والله بالشيبان المتجمعين

    وش ذا الصباح المبارك اللي الواحد يتصبح بوجيهكم"


    كان غانم ينحني مسلما على رأس عمه في الوقت الذي كان والده يجيبه مبتسما:

    ماعاد هو بصبح يأبيك قدنا قريب الظهر

    عساك بس منت بتعبان البارحة رقدت عقب العشا على طول

    ورجعت ورقدت عقب صلاة الفجر إلى ذا الحين


    غانم ينحني على والده ويجيبه: لا جعلني فداكبس مرهق شوي رحلة أمريكا طويلة شوي


    أبو صالح يهتف بمودة: جعلك على القوة يأبيك


    غانم يلتفت لعمه ويهتف له باحترام ومودة: ويقويك ويطول عمرك في الطاعة

    ثم أردف وهو يشير للمقهوي أن يتقدم: أقهويكم


    أبو صالح أشار للمقهوي ألا يحضر وهو يهتف بحزم: شكّرنا يأبيك القهوة بعد مهيب زينة لي ترفع الضغظ عندي

    بس وش نسوي بروسنا لا أجعتنا عند حِلها


    أبوغانم يتوجه بالسؤال لغانم: إلا وش سالفة رحلة أمريكا ماخبرت إن أمريكا على خطك ذا السنة


    غانم بهدوء: رحلة جات فجأة كذا

    ثم أردف بنبرة مقصودة: وإلا شفت لكم شوفة في ذا السفرة طيرت عقلي


    أبو غانم يبتسم: عساها شمحوطة بس


    غانم يضحك: زين يأبو غانم إن ماعلمت أم غانم عليك


    أبو غانم يضحك: أنت اللي تقول بتقط بلاك علي ياولد


    أبو صالح بعتب: احشموني تراني قاعد


    غانم باحترام جزيل: محشوم ياعمي بس صدق والله العظيم شفت لي واحد طار قلبي يوم شفته وش أقول لكم نسخة عبدالله الله يرحمه


    أبو غانم بشجن: الله يرحمه أبو حسن ويبيح منه


    بينما أبو صالح صمت ولم يعلق وأبو غانم أكمل: وهو ويش هو امريكاني وإلا عُربي


    غانم بنفس النبرة المقصودة: ما أدري بس والله العالم دمه عربي أقول لك عبدالله بشحمه لحمه كني شايفة قدامي

    كنت أبي ألحقه بس فات علي هو داخل وأنا طالع


    حتى الآن كانت الحكاية لا بأس لها ومحتملة ومعقولة إلى حد ما حتى أكمل غانم حديثه قائلا:

    والله من شكي إنه هو بأطلب لي رحلة على خط واشنطن عشان أروح السفارة القطرية هناك أتأكد

    قلبي نط من مكانه يوم شفته ماني بمرتاح لين أشوف قبر عبدالله بعيني

    أقول لكم شايف عبدالله قدام عيني هو هو.


    حينها انتفض أبو صالح انتفاضة لم تظهر للسطح وهو يهتف بحزم: وش لك يأبيك بذا الشغلة كلها

    عشان واحد يشبه عبدالله الله يرحمه تبغي تعنّى للسفارة وتسأل عبدالله اطلبوا له الرحمة وحكي الخبلان ذا مامنه فود


    وفي الوقت الذي كره أبو صالح أن يعرف غانم حقيقة انتحار عبدالله التي أخفاها عن الجميع حين يذهب هناك

    فإن أبا غانم كان على عكسه انتعشت روحه بأمل بريء هش: خالد الله يهدك خل الصبي يروح كود إن به شيء خافينا طالبك يأخيك


    أبو صالح بحزم أشد: مابه شيء خافينا عبدالله مات وانتهينا من ذا الحكي


    غانم قرر أن يقف حتى لا يتهور عمه ويحلف عليه ولأنه تأكد أن عمه يعلم شيئا عن وفاة عبدالله المزعومة لا يريده أن يعلمه.

    وهو يريد الآن أن يجعل عمه يظن أنه سيفعلها وسيذهب حتى يتحرك لمنعه بطريقة تمهد له معرفة عودة عبدالله وهو يقرر أن يبلغ صالحا حتى يتولى هو الخطوة التالية


    غانم هتف بحزم وهو يستعد للمغادرة: الرجّال اللي شفته مستحيل مايكون عبدالله وأنا ماني بخبل عشان أجهل ولد عمي

    وش بيضر لا رحت وتاكدت يمكن عبدالله هناك فيه شيء لاده من المجي أنا لازم أتاكد


    أبو غانم ارتعش بخفة (معقولة عبدالله لا لا أكيد غانم تشابه عليه الشوف

    لو كان حي وينه ذا السنين كلها

    لا لا مهوب صحيح)


    بينما قلق أعمق وتوجس أعمق وأعمق تصاعد في قلب الشيخ الذي أثقلته الهموم

    ( لا حول ولا قوة إلا بالله

    الحين لا راح غانم ودرى إن عبدالله مات. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك

    خوفي لا يوصل العلم أم صالح والله إن قد تروح فيها

    وش السواة وش السواة

    صافية ما تمسي الليل تدعي له أشلون لا درت إنه مات منتحر وكافر

    مابقى لها منه إلا ذكراه الطيبة عندها حتى الذكرى يأخذونها منها!! )






    **************************************






    " صفوي وش ذا النوم اللي عندش اليوم

    ماباقي على صلاة الظهر إلا شوي

    وإلا الصبا نوام على قولتهم "


    أم صالح تعتدل جالسة وهي تهمس بصوت ناعس: أي صبا الله يخلف علي بشوفت عيالش

    إلا قولي ماعاد به حيل عشاني مارقدت عقب صلاة الفجر أسوي ريوق البنية الوالدة حسيت جسمي متهدد


    عالية تجلس بجوار والدتها تحتضن عضدها وتقبله وهي تهمس بحنان: يمه واللي مثلش عادها تطبخ عندش الخدامات وش هم جايين من بلادهم له


    أم صالح تبتسم وهي تمسح على شعر عالية: بدل ما تقولين أنا بأكفيش


    عالية تضحك وهي تتناول كف والدتها من فوق رأسها وتقبلها:

    لا يمه هذا تهور أنا ماني بقده مع أني أم التهور بس عاد هذي فيها تسمم لمخاليق ربي


    عالية بعد ذلك وضعت رأسها على فخذ والدتها وتمددت على السرير وهي تعبث بيد والدتها التي كانت تمسكها

    بينما أم صالح تداعب شعر عالية بيدها الحرة عالية تمسح أنامل والدتها وتهمس بتقصد:

    إلا يمه لو مثلا في يوم من الأيام قالوا لش إن الله سبحانه بيرجع لش واحد ميت للحياة من تختارين


    أم صالح ابتسمت: وش سوالف الخبلان ذي


    عالية برجاء: يمه لعبة هذي علميني


    أم صالح بعفوية: باختار أمي جعل ترابها الجنة


    عالية مدت شفتيها: يمه جدتي أم نايف الله يرحمها جابت نويف عمرها 54 سنة يعني لو رجعت لش الحين عمرها 79

    وش يعني تقعد معش سنة وإلا سنتين وتودع


    أم صالح ضربت عالية بخفة على رأسها وهي تبتسم: مهوب تقولين لعبة. كيفي أنا أبي أمي أحس أني ما شبعت منها


    حينها همست عالية بنبرة مقصودة: وهي بس أمش اللي ماشبعتي منها مافيه غيرها


    حينها ارتعشت أم صالح ارتعاشة لا يكاد يُشعر بها ولكن عالية شعرت بها ووالدتها تربت على كتفها وتهمس بحنان:

    قومي الله يصلحش أبي أروح الحمام أتوضأ






    *************************************








    رد مع اقتباس  

  10. #110  
    المشاركات
    3,260

    " أنا بصراحة لين الحين مصدوم فيج معقولة الكلام اللي قلتيه لأمج البارح"


    جميلة نظرت بغيظ لخليفة: مالك شغل بيني وبين أمي


    خليفة تفجّر غضبه: إلا لي شغل ونص ترا ربج وصاج فيها ماوصاها فيج لكن اللي أشوفه العكس

    الحين أنتي يوم اخترتيني وخلج من خرابيط اخطأت الاختيار لأنها ما تهمني

    خلنا في انج اخترتيني وفرضتيني عليها مع انها ما كانت راضية وهي اللي أمج

    ومع كذا عاملتني مثل ولدها وماضايقتني بكلمة ولا حتى ضايقتج

    لكن انتي شوفي نفسج وش سويتي أنتي ما تخافين ربج في الكلام اللي جرحتيها فيه

    اتقي الله جميلة في أمج اللي شافته منج موب شويه


    حينها انخرطت جميلة في البكاء بينما خليفة أكمل بذات الغضب: تمثيلية البجي هذي خلاص ما تمشي علي دوري غيرها

    يعني البارح كله تبجين ويوم عمتي اتصلت صرتي ترعدين وتبرقين ولسانج شبرين


    حينها شهقت جميلة: ما أبيها تعرس وتخليني ولو أعرست ما أبي منصور هذا ليش ماخذت عمي زايد


    خليفة بحزم: تأخذ اللي هي تبي مثلج مالج حق تفرضين عليها شريج حياتها

    وخصوصا واحد مثل منصور ما أعتقد فيه عيب عشان ما يعجب جنابج

    وبعدين ما أعتقد إن منصور غريب عليج دامج متربية في بيت أخوه

    أنا سامعة بأذوني يقول لج (أنتي قبل مثل بنتي والحين بنتي صدق)

    يعني علاقته قبل فيج زينة صح والا انا غلطان شنو اللي تغير الحين قولي لي


    جميلة بغضب وهي تمسح أنفها المحمر: صحيح إني تربيت في بيت عمي زايد بس مهوب معناها إن منصور رباني

    ثم أردفت بغضب أشد: أما على قولته مثل بنتي فهذا شيء في رأسه هو يعني عشاني بنت المدام صرت بنته

    ما أنكر إن منصور كان يعاملني مثل مزون لأني كنت على طول عند مزون وما تغطيت منه إلا قبل كم سنة بس بس هذي كانت مجاملة منه

    طول عمري حاسته إنسان بعيد هيبته تخوف عمري ماحسيته أب مثل عمي زايد

    يا أخي المحبة من الله غصب أحبه وأرضى فيه أب ما أبيه ما أبيه


    حينها هتف خليفة بغضب عنيف: الله الغني من حبج والناس اللي أنتي حبيتهم وش لقوا من محبتج يعني

    الأحسن الواحد يدعي ربه إنج تكرهينه وما تذوقينه محبتج اللي مايلاقي منها إلا نكرانج له وقسوتج عليه

    أنتي وش هالقلب اللي عندج ماحد يهمج غير نفسج أمنتج الله قولي لي موقف واحد بس فضلتي غيرج على نفسج

    مع أني ماعرفتج إلا من كم أسبوع لكن أقدر أحلف إنه يمكن مافيه في حياتج كلها يوم واحد فكرتي أنج تقدمين إنسان على رغباتج أنتي

    أولها هالسخافة اللي سويتيها في نفسج وأنتي تجوعين نفسج لين صار شكلج جذيه

    ماهمج حد لا أمج ولا بنت خالتج ولا عمج زايد الناس اللي تقولين أنج تحبينهم وهم يحبونج ما اهتميتي إلا بتفاهات في رأسج أنتي وسويتها

    وعقبها حتى موافقتج علي اتضح إنها بسبب أنانيتج بس فكرتي بشيء في رأسج الله أعلم شنهو

    وما اهتميتي بأحد حتى الإنسان اللي ترك كل شيء وراه ويا وياج ما اهتميتي بمشاعره وأنتي تقولين عنه اختيار غلط

    أنتي تبين كل الناس يسخرون حياتهم لج أنتي وبس وأنا منهم

    وترا ماعندنا مانع نضحي ونخليج أول أولوياتنا بس أقل شيء تسوينه تظهرين شوي أدب شوي امتنان شوي إحساس بالناس موب بنفسج وبس


    خليفة فقد سيطرته على نفسه وهو ينهال عليها بقسوة وعباراته الحادة تنثال وتنثال بلا توقف

    فموقفها الأخير مع والدتها وهو يسمع بنفسه عتبها القاسي لها جعله يخرج من عندها ولم يستطع حتى أن يبات عندها ولم يعد لها إلا صباح اليوم التالي قبل دقائق

    فخليفة فقد والدته قبل سنوات وكان يتمنى لو أطال الله في عمرها ليبر بها فكيف بهذه التي أمها تستميت من أجلها بينما هي تصفعها بقسوتها دون تفكير



    بينما جميلة كانت قضت ليلة قاسية بالفعل تتجرع الوحدة والألم فكما آلمت والدتها كل كلمة آلمتها أكثر

    تشعر بضياع وتشتت وماكان ينقصها هو زواج والدتها لتشعر أنها ضائعة تماما

    ووجدت كل جزعها يُترجم في عبارات قاسية حادة تفرغ فيها غضبها وجزعها وخوفها وإحساسها بالاختناق والضياع


    وموقف خليفة هو ماكان ينقصها تماما لتكتمل مأساتها الشخص الوحيد الذي معها ينفجر فيها دون رحمة. فإلى أين تولي وجهها إلى أين






    *************************************






    " هزاع تكفى ساعدني سالفة خويك الخبلة يمشي حالها

    أبيك تقولها عند أمي"


    هزاع الذي كان ينفذ عن ذراعيه متوجها للحمام ليتوضأ هتف بغيظ: ما تعرفين تسلمين الأول

    وبعدين مهوب أنتي اللي قلتي لي لا تقول ذا السالفة عند أمي


    عالية برجاء: ماحبيتك تعطيها أمل ماله أساس بس مادام له أساس السالفة أشوفها مناسبة وأنا بصراحة أبيك تساعدني

    لأني عقلي موقف


    هزاع يرقص حاجبيه: مساعدة ببلاش مافيه


    عالية بنفاذ صبر: باعطيك اللي تبيه يا المادي خلصني


    هزاع يهز كتفيه: لا الماديات خليها بعدين ما نعيفها بس أبيش تعتذرين واعتذار محترم على تغريقي بالماء باللي ما تستحين


    عالية تشده لتقبل رأسه: آسفة واحب راسك بعد. خلصني بس. أنا ماعاد فيني صبر والله مافيني وصلت حدي بس أبي اشوفه أنا وأمي سوا

    ثم أردفت بوجع عميق: هزاع أنت شفته بعينك تغير متن ضعف صدق يعني هو حي صدق هزاع


    هزاع لم يجبها شعر أن الجواب سيكون ثقيلا عليها لذا هتف لها باستعجال: روحي الحين أنا باروح أصلي وعقب بأرجع عليكم أسولف على أمي بخرابيطي






    **********************************






    صالح كان عائدا بأولاده للبيت حينما تلقى اتصال من والده يطلبه أن يحضر له في المجلس حالا


    صالح أوقف سيارته داخل مظلات البيت طلب من ولديه أن يتوجها للداخل بينما توجه هو للمجلس


    دخل ليجد وجه والده متغيرا مال على رأسه يقبله ثم جلس جواره وهتف باحترام: آمرني جعلني فداك


    أبو صالح هتف بحزم: هم شغلتين مهيب شغلة وحدة

    أول شغلة وينك أمسيت البارحة قمت لصلاة الفجر ماعينت سيارتك وعقبها طلعت من البيت حول الساعة تسع وأنت مابعد جيت


    صالح بهدوء: كنت ممسي في بيتي عندي ضيف


    أبو صالح انتفض بغضب عارم: وليه بيتي ما يستقبل ضيوفك يوم توديهم لبيت حتى مابعد خلص


    صالح بهدوء متمكن: بيتي خلصت منه المجلس وكم حجرة عشاني داري إن ضيفي ذا أنت ماتبي تستقبله في بيتك


    حينها وقف أبو صالح وهو ينتفض بغضب حاد: أنا ما أطرد حد من بيتي يا مسود الوجه ولو هو ذابح أمي وأبي

    إلا كن ضيفك سواد وجهه كنه سواد وجهك يا قليل الحيا


    صالح بنفس الهدوء: وجهك أبيض يا أبو صالح ومهوب أنا اللي أسود وجهي ووجهك

    خلنا من ضيفي ذا الحين وقل لي وش الشغلة الثانية اللي أنت طالبني عليها


    أبو صالح بغضب متزايد وهو يلوح بعصاه: أنا ولد أبي أنا منت بصاحي اليوم والله يا كسار وجهك بذا العصا إنه يجيب المطر

    قم روح جيب ضيفك ذا الساعة ولا توريني وجهك إلا وهو معك

    ماعاد إلا ذا داس ضيفك في بيتك يا الرخمة


    حينها أجاب عليه صالح بنبرة مقصودة: يبه الشغلة الثانية ما تخص غانم وروحته لأمريكا يمكنك تبيني أمنعه مثلا


    حينها هتف أبو صالح بصدمة: وأنت وشدراك


    حينها شد صالح نفسا عميقا: يبه اربط اللي شافه غانم بالضيف اللي في بيتي ونخلص من الشغلتين كلها


    حينها انهار أبو صالح جالسا وعيناه تتسعان ذهولا

    صالح يعلم أنه استعجل في إخباره بالخبر ولكن بعد معرفة عبدالرحمن وأهله بالخبر خاف أن يصله الخبر من سواه

    وهو يعلم يقينا قوة والده فالذي احتمل خبر وفاة ولده منتحرا وتعايش معه طيلة هذه السنوات هو على احتمال خبر عودته الحياة أقدر وأكثر تحملا


    أبو صالح أغمض عينيه وفتحهما هز رأسه وضغط صدمات وأفكار ومشاعر مدمر كسيل جارف يجتاحه بعنف

    شعر بثقل مرير في أطرافه وأنفاسه وكل عرق ينبض في جسده والصدمة تبعثره تماما لأشلاء متطايرة

    لكنه تجاهل كل ذلك ليقف ويغادر وهو يهتف بحزم يذوب قسوة أو ربما حزم يذوب وجعا

    ولكن من المؤكد أن شيئا ما في روحه كان ينصهر حتى الانتهاء حتى الانتهاء:

    قل لضيفك بيتي يتعذرهووجهه ما أبغي أشوفه


    .

    .


    في الداخل

    كان هزاع ينتهي من إخبار والدته بحكايته الطريفة عن عودة ابن عم صديقه

    ويخلطها بتلميحات حذرة جدا عن أن من الممكن أن يكون هناك أيضا من هو في حال هذا الرجل دون أن يصرح بأي اسم


    كانت أم صالح تبتسم بصفاء فكل شيء يقوله آخر العنقود هزاع يبدو عندها مسليا ورائعا مثلما تراه هي

    ولكن ابتسامتها بدأت تنطفئ رويدا وأنفاسها تضيق شيئا فشيئا ومجرد الأمل الباهت يجتاح خلاياها المستنزفة فقدا كطوفان عارم يغرقها بين أمواجه

    همست باختناق : وولد عم خويك كم سنة كان غايب


    هزاع بدأ يشعر بالألم وهو يسب عالية على إدخاله في الموضوع حاول أن يهتف بطبيعية فاشلة وصوته يخرج مرتعشا: حول ست سنين


    همست بألم في اتجاه آخر وهي تبعد الأمل عنها وتكتفي بالحزن: أمه عادها حية


    هزاع رغم استغرابه للسؤال وأين اتجه تفكير والدته أجابها: ما أدري


    همست حينها بألم عميق: كن عادها حية أبي أروح أهنيها سلامته


    هزاع نزل عن السرير جلس تحت قدميها وأمسك بكفها وقبلها ثم أسند رأسه لركبتها وهتف بألم عميق: وأنتي تعرفينها عشان تهنينها سلامتها


    ربتت على رأس هزاع بحنان وهو تهمس بوجيعة: أعرف وجيعتها يأمك أعرف وجيعتها


    هزاع كان ينظر لعالية شزرا وكأنه يقول لها (يا الله تصرفي) وحينها همست عالية باختناق:

    زين يمه ما تمنيتي يوم تكونين مثلها يعني كنتي مثلها في وجيعتها ما تبين تكونين مثلها في فرحتها


    أم صالح تنهدت بعمق: ماعاد لي يأمش قلب يتحمل رجا مثل ذا أدري إنه ما راح يصير

    يا الله أني تصبرت على فرقاه وأنا دارية إنه تحت التراب أشلون أصبر على فرقاه وأنا أقول يمكن وكان


    هزاع يبتسم بفشل: يمه ما تدرين رحمة الله فوق كل شيء ليه تصكين باب الأمل

    الحين عبدالله ما شفنا له جثة ولا قبر وش فيها لا تأملنا إنه حي حرام


    أم صالح ترفض أملا إن فتحت له الباب سيسكن روحها وإن لم يحدث سينزع روحها معه: يأمك هو عندك رجا لكن عندي أنا حد السكين

    يعني أنت كيفك تأمل وترجى صار كان من الله وخير وبركة ماصار بتحزن يومين وترجع تنسى وش المشكلة هو ميت عندك ميت

    لكن أنا لو سمحت لنفسي أهوجس مثلك كني أحط السكين على رقبتي إن صار وعينته حي رفعت السكين من رقبتي

    لكن إن دورت له وطلع ميت عقب مارجيت أنا شوفه كنك تنحرني بالسكين اللي ماباعدت من رقبتي

    يأمك ماعاد لي قلب يستحمل شيء يا الله حسن الخاتمة


    هزاع وعالية تبادلا النظرات اليائسة وهما يشعران أنهما عاجزان عن فجعها بهذه الصورة وهي حتى مجرد الأمل تراه كثيرا عليها

    صمتا كلاهما وهما يشعران بتعاظم يأسهما وقلة حيلتهما في مواجهة هذا الموقف مع أمهما



    عالية شدت هزاع خارجا ثم همست له بخفوت: خلاص هزاع ودني أنا بروحي

    مافيني صبر وأمي شكلها تبي لها كم يوم لين تستوعب


    هزاع يشير بيده وهو يذهب: إذا صليت العصر وديتش


    عالية تمسك به بإصرار: وش عقب صلاة العصر أقول لك مافيني صبر أبي أروح الحين ياخوفي لا تكونون تكذبون علي


    هزاع يتركها متجها للمجلس: تبين سويكي ترا السبير فوق في الدرج اللي عند رأسي توكلي الله يحفظش


    عالية تصرخ دون أن يهتم لصراخها: هزيع هزيع تعال ودني يالزفت

    هزيع

    زين دواك عندي


    هزاع حين وصل للباب التفت لها وهتف ببرود: عمش هزاع لو سمحتي


    هزاع لم يكن يريد أن يتجاهل طلبها لكنه يخشى ألا تحتمل رؤية عبدالله

    فمازالت عظامه تؤلمه منذ ليلة البارحة

    يريد لها وقتا أطول تتاقلم مع الفكرة التي مهما كانت مفرحة إلا أن فرحتها قاسيةموجعة لأبعد حد يخشى عليها لأبعد من تأثيرها






    *******************************






    يدخل إلى غرفته بخطوات هادئة تخفي خلفها حذرا ما

    كانت تقرأ في مصحفها حينما دخل

    لم يقاطعها وهو يخلع ملابسه ويسترق النظرات إلى هدوءها العميق وهي تتلو

    جلس على سريره وهو مازال يراقبها أنهت وردها وخلعت جلالها ثم التفتت لتهمس له بهدوء: عسى العيال ما تعبوك


    همس لها بهدوء مشابه: لا أبد

    كانت تتجه للتسريحة وهي تفك شعرها لتمشطه يستغرب منها شعرها يبدو مسرحا وغاية في الترتيب فلماذا تسرحه مرة أخرى

    تنهد (الخبيثة تعلم أن أمواج العسل هذه تفقدني صوابي)


    همست وهي تمشط شعرها وتسترق النظرات له وكأنها تحاول أن تستشف ما الذي يحدث لهذا الرجل:

    بتبات الليلة هنا وإلا في بيتك


    صالح بنبرة قاطعة: حسب التياسير بأشوف

    ثم أردف بنبرة مقصودة: ليش ما قلتي لي إن فكرة الروحة لجنغل زون فكرة عالية


    هزت نجلاء كتفيها وهي تهمس بنفس نبرته: أولا ما عطيتني فرصة شايل في قلبك علي واجد ياولد عمي ولقيتها سبب

    ثانيا مهيب حلوة في حقي ولا حق عالية كني بزر أقول ترا مهيب فكرتي أنا تراها عالية


    صالح لم يجبها وهو يتمدد على سريره ويضع ذراعه على وجهه

    كثير كل هذا عليه

    يكفيه ضغط عودة عبدالله وما يحدثه من صدمات

    كم يحتاجها إلى جواره في هذا الوقت بالذات أنهكه اشتياقه لها!!

    وأنهكه فيض مشاعر أهله الذي يشعر أنه يشارك عبدالله في تلقي صدماته

    منهك من كل شيء من كل شيء!!


    بدأ يشعر بالنعاس أو ربما يهلوس

    حركتها جوارهرائحة عطرها قريبة جداتلتها همساتها الدافئة في عمق أذنه: ما تبي تقول لي وش اللي مضايقك


    همس بخفوت عميق شفاف دون أن يزيل يده عن وجهه:

    متضايق من اشياء واجد وأكثر شيء مضايقني أني في ضيقتي هذي مالقيتش جنبي


    همست بخفوت مشابه في عمق أذنه وهي تضع رأسها على نفس مخدته:

    أنت اللي مبعدني عنك وإلا لو علي أبي أكون أقرب لك من أنفاسك


    همس بذات نبرته العميقة الخافتة: لو بغيتي تكونين قريببتكونين

    يا كثر ما كنتي تبعديني عنش لكني ماكنت أسمح لمحاولاتش تبعدش عني

    لكن أنتي ما صدقتي تبعدين وتباعدين


    حينها اقتربت منه أكثر احتضنت خصره وهمست بألم: زين أنا باحاول

    بس أنت تكفى لا تقسى علي كفاني اللي شفته في الأيام اللي فاتت!!


    صالح أزال يده عن وجهه ليحتضنها بها بخفة ويهمس بعمق: الحين كم يوم شفتيهم واجد عليش واللي له شهور يتعذب وش حيلته


    نجلاء حينها همست بعمق مشابه: حيلته يوعدني مايجرحني وأنا أوعده أرضيه باللي يبي


    إحساس أشبه بإحساس العائد من غربته إلى أحضان وطنه يجتاح خلايا كل منهما

    بينهما عشرة طويلة غلف مداد أيامها تغلغل كل منهما في روح الآخر

    وافتقاد كل منهما كان يخل بتوازن كل منهما ووجوده الذي يحسه وجودا ناقصا دون نصفه الآخر


    صالح يحتضنها بقوة وهو يقبل أمواج العسل ويهمس بعمق دافئ: وأنا أوعدش ما أجعش بكلمة واللي يوجعش يوجعني







    **************************************






    " جوزا من جدش تبين تطلقين من امهاب"


    جوزاء تضغط جانب رأسها بإرهاق بيد وتضم حسن لصدرها باليد الأخرى وتهمس بسكون:

    الله كاتب له نصيب أحسن مني ربي رحمه


    شعاع بألم: زين انتظري شوي يمكن عبدالله مايبي يأخذ حسن


    جوزا بتهكم مشبع بالألم: مايبي أنا متاكدة إنه يبي له فرصة بس شوفي الحين عادنا عقب صلاة العصر

    صار متصل بعبدالرحمن فوق خمس مرات يقول يبي يشوف حسن

    فرضا صدقت إن الشيطان صار ملاك وخلا حسن معي عقب ما أتزوج

    وش ذنب امهاب ينط عبدالله له كل يوم بحجة يبي يشوف ولده مع أني متاكدة إنه قصده التنكيد

    أنا ليش أخلي حياتي معلقة برغبات عبدالله وكرمه الله الغني

    السالفة هذي كلها لازم أخلص منها بأسرع وقت كل ما قرب وقت العرس كل ماصارت السالفة أصعب

    مستحيل أخلي لعبدالله طريقة يأخذ ولدي مني


    حينها شد حسن جيبها بخفة: ماما أبي عدالله بابا وينه


    جوزاء مسحت على شعره وهي تهمس من بين أسنانه: بابا في اللي ما يحفظه يأمك


    حينها بدأ بالإلحاح: أبي بابا أنتي دلتي بعدين الحين بعدين


    جوزاء كانت تحاول محايلته والتحايل عليه ولكنه كان يلح بإصرار ثم بدأ بالبكاء

    لتصرخ فيه بصوت عال: قلت لك بس خلاص ماتفهم مافيه بابا اليوم


    حسن فتح عينيه ذهولا ثم انفجر في البكاء فجوزاء لم يسبق حتى أن صرخت فيه

    جوزاء نظرت لنفسها بذهول حاولت أن تحتضنه ولكنه قفز لحضن لشعاع وهو يتعلق بعنقها

    شعاع احتضنته بحنان وهي تنظر لجوزاء بعتب وتهمس بصوت عاتب منخفض:

    جوزا عمرش حتى الصياح ماصحتي عليه وش الخطوة الجاية تضربينه إذا طلب أبيه


    جوزاء بجزع: لا إن شاء الله تنقص يدي لو مديتها عليه


    شعاع بهدوء: جوزا عبدالله صار حقيقة ما تقدرين تلغينها ماراح أقول الذنب ذنبش إنش علقتي حسن فيه

    لكن بأقول الحين إنها رغبة رب العالمين الله سبحانه راد أن عبدالله يرجع ويلاقي حسن متعلق فيه كذا لحكمة


    الحين هل كل ما طلب حسن أبيه بتصارخين عليه جوزا لا تعقدين البزر تكفين عبدالله أبيه من حقه يشوفه


    حينها انفجرت جوزاء في البكاء: متى صار إبيه هذا ولدي بروحي ولدي أنا

    شوفي أشلون حسون يطلبه ويبكي عليه يعني جاته محبته على الجاهز ماتعب فيها

    لكن أنا اللي سهرت وتعبت وربيت خلاص مالي حق


    شعاع بألم: ياجوزا عمرها ماكانت كذا الحب ربي قسمه بين الأم والأب وماحد يأخذ غلا الثاني

    وحسن لو حب أبيه محبتش هي نفسها ما ينقص منها شيء


    جوزاء بألم: عمره قلبي ماراح يصفى لعبدالله الزفت مغماز أبليس ذا لكن لأجل عين تكرم مدينة

    تعال حسون حبيبي لا تبكي بأخلي خالي عبدالرحمن الحين يوديك لبابا


    حسن قفز من حضن شعاع ليتعلق بحضن أمه التي احتضنته ودموعها تسيل بصمت مثقل بوجعها الذي مزّق روحها المرهقة كل شيء





    *******************************************






    " هو ماقال لك إنه بيجيبها عقب صلاة العصر"


    عبدالله ينظر لساعته وهو يخاطب فهد فهد يجلس على أريكة في غرفة عبدالله المؤقتة في بيت صالح ويهتف بهدوء:

    إلا قال بس عاد من دقة هزيع في المواعيد قالوا لك ساعة بيغ بين


    عبدالله يعاود النظر للمرة الألف من النافذة: صار لنا أكثر من ساعة راجعين من الصلاة ومهوب من بعد بيتنا


    بتر عبارته ماعاد حتى يستطيع أن يقول أن البيت (بيتنا) وصاحبه ينبذه

    هذا وهو مازال لا يعلم أن والده علم بعودته ورفضها


    همس لفهد وهو يعود للجلوس: إلا عالية موافقة برضاها على عبدالرحمن


    فهد ينظر ليديه ويهتف بهدوء: ليه عالية حد يقدر يجبرها على شيء ماتبيه وبعدين عبدالرحمن مافيه عيب عشان ما توافق عليه


    عبدالله يهز كتفيه: حبيت بس أتاكدومتى حددوا العرس


    فهد بذات الهدوء: مابعد حددوه عالية باقي عليها فصل واحد يعني بترجع من فرنسا في عطلة الربيع

    إذا رجعت حددوه


    عبدالله بعدم رضا: بس كذا الملكة بتبطي يمكن يكملون سنة ماعرسوا وهذا مهوب سنع


    فهد بنبرة مقصودة: زين إنك عادك تعرف السنع ماسجيت منه


    عبدالله نظر له بشكل مباشر وهتف بذات النبرة المقصودة: والله أشوف ناس واجد مضيعين السنع اللي أهمها احترام الكبير

    ترا الفرق بيني وبينك مهوب سنة وإلا سنتين أربع سنين

    وأشوفك من يوم جيت وأنت حاد علي سكاكينك

    فأنت اللي اعرف السنع واحترمني


    فهد تنهد وهو يقف ليميل على رأس عبدالله ويقبله ويهتف بحزم موجوع:

    السموحة يأخيكاستحملني شوي أنا مستوجع منك واجد غصبا عني

    والله يوم أضايقك كني أضايق روحي بس وش أسوي بطبعي الأقشر


    عبدالله يشير بيده بضيق: خلاص ماصار الا الخير كلّم هزاع شوف وينه


    بعد انتهاء عبدالله من عبارته كان صوت هزاع قادما من الصالة عبر باب الغرفة المفتوح: وين أنتو يا جماعة الخير


    فهد هتف بصوت عال: تعالوا يمينكم


    بينما عبدالله وقف وهو يشد له نفسا عميقا ويريد أن يتوجه بنفسه للخارج لولا أنهما دخلا فورا

    .

    .

    .


    عالية منذ خروجها من البيت وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها

    هزاع هتف لها مازحا وهو يحاول تخفيف توترها: لا تكونين رايحة لاختبارات الثانوية العامة بدون ماتذاكرين


    عالية باختناق: هو وينه قاعد


    هزاع حينها تحول للسكون: في بيت صالح

    ثم أردف بتحذير لطيف: يا ويلش تبكين


    عالية باختناق أكبر: كيفي أبكي ما أبكي مهوب شغلك


    هزاع (بعيارة) : مهوب شغلي رجعنا للبيت


    عالية بجزع: لا فديتك شغلك ونص

    ثم صمتت وذكريات أثيرة دافئة تأخذها للبعيد

    يومها الأول في المدرسة

    كان هو في حينها الرابعة عشرة أصرَّ أن يذهب معها رغم أن أمها كانت معها أوصلها حتى باب المدرسة ثم همس في أذنها بخفوت:

    إذا ما بكيتي اليوم في المدرسة العصر بأخلي صالح يودينا أي مكان تبينه بسيارته الجديدة وخذت من أبي فلوس وخليتش تشترين كل اللي تبين

    بس لا تبكين


    هزت رأسها بعينيها الدامعتينوهي تمسح أنفها المبلل بطرف كمها ثم انفجرت في البكاء

    ورغم أنها لم تفي بوعدها له أخذها في جولة مع صالح واشترت كيسا ضخما من الحلويات


    مع عبدالله بالذات في ذكرياتها حديث وشجن الكثير من الشجن

    حينما كانت صغيرة مدللة وعنيدة كان يعرف كيف يقنعها بما يعجز عنه الجميع

    كان يهمس في أذنها كأنه يخبرها بسر خاص بهماوهمساته الحانية كانت دائما تصب في قلبها كالسحر.


    حينما سافرت لفرنسا للدراسة لأول مرة كان هو من رافقها أيضا همس لها همساته التي ما فارقت أحلامها:

    كنت معش أول يوم مدرسة لازم أكون معش أول يوم جامعة


    حينما أراد أن يعود تعلقت به وبكت مطولاهمس لها وهو يحتضنها: لا تفشليني وأنا حاط ثقلي كله في دراستش

    أبيش ترفعين رأسي. ويوم أسمع طاريش واسمش أنفخ ريشي وأقول هذي أختي


    غرزت أضافره في عضده وبكت أكثر وهي تدفن وجهها في صدره: زين اقعد عندي شوي بعد






    رد مع اقتباس  

صفحة 11 من 29 الأولىالأولى ... 91011121321 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  2. علاقة الجار بالجار بين الأمس واليوم
    بواسطة بوغالب في المنتدى خارج مقص الرقيب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-Nov-2011, 08:50 PM
  3. الأمس واليوم وغدا الخصر النحيل هو رمز الأنوثة والخصوبة
    بواسطة بوغالب في المنتدى الاسرة والطفل
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 09-Aug-2010, 08:17 AM
  4. بعد مباريات الأمس واليوم .جدول الترتيب للدوري السعودي
    بواسطة البنت التي كويس في المنتدى كرة القدم المحلية و العربية و الاوربية
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 31-Oct-2008, 01:37 PM
  5. المغازل بين الأمس واليوم وعقب باكر
    بواسطة سفيرة الصمت في المنتدى نكت مضحكة - طرائف - الغاز - Joke
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-Jan-2007, 02:18 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •