.-.
.-.
كنت جالسة قرب بدري لا استمع لحديثه الهاتفي وجنان تتابع برنامجاً، جنان احتراماً لي ربما بدأت تغطي رأسها عند وجوده،
فكرت في خالتي التي أزورها كثيراً ،أخبرتني أن مازن غاضب أشد الغضب من قراري هذا، وبالأخص من أن عمر هو من فضلته عليه
وطلب منها ان ارجع بقراري أيضاً
وكنت متخوفة من رنيم، وانها قد تكون أسوأ من لمى لكني اطمأننت للأمر عندما زارتني هادئة ومتفهمة لتأخذ رأيي في بعض الاستعدادات، وجَنان من كانت متفاعلة جداً للموضوعلا أنا
أنهى هاتفه وكما اعتقد كان يتحدث لعمر،سألته عندها
-"هو يشتغل معكم انت ومازن؟"
كنت اعلم انه لايعمل معهم، لكنني أردت التوصل إلى إجابة تشبع فضولي،وكأن الأمر برمته مجرد فضول!
-"لا عاجبته شغلته بالصحافة"
صحفي!
منذ متى وهو يهتم بجمع الأخبار؟الم يقل سابقاً أن الصحفيين يجب يكونوا نساء لأنه يستوجب الثرثرة وتناقل الكلام!
أم تراه حتى هو نسي ماقاله! وأنا شخص عندما اغرس فكرة في رأسي ادعها تنمو لاتموت
إذن هو صحفي! لأي صحيفة!،لأني على ثقة انه لن يكون في إذاعة أو تلفاز!
سابقاً كان الصحفي ينعت به كل من يجلب المعلومات من الكتب بلا حاجة لمعلمين،وكل من يبحث في نقاش الأشياء، لكنه الآن زمن النساء!
حضر في بالي رامي،وجعلته في مقارنة سريعة بعمر! إذن استطاع امتلاك ورقة في صحيفة هو الآخر!
أصبح حر أيضاً، ذلك مشجع جداً!
-فقط بكلمة من بدر صنعت له مقالة في رأسي ورتبت له مقعد في صحيفة، وكأني اريد الحصول على ما اشتهي بحرية فكرة!
وليس ذلك آخر ما أخطاته عنه!
.-.
.-.
اخبرتهم انني اريد زفافي يوم الثلاثاء، حبي لذلك اليوم شيء يعنيني
لكنهم أصروا على الخميس
ولأنه يوم مهم لي أنا،ولا احد غيري لم ارضخ لهم!
ربما لأن اليوم الذي ارادوه هو يوم لا يأتي كل اسبوع إلا وهو في كامل زينته،ومجهز تماماً للأفراح
وأنا احب الأيام التي لاتكون على استعداد،احب مباغتة الأشياء في طبيعيتها لأستطيع أن احبها بلا أقنعة!
اخبروني سابقاً أن أعقد قراني به "الملكة" لكنني رفضت، فبعد الرؤية الشرعية فضلت أن يكون عقد القرآن هو اليوم الوحيد في حياتي حيث يحضره الجميع ، فلا زلت ابغض التدرج في الأشياء!
والدة عمر غضبت لذلك،وخالتي كما اعتقد، ودانة نصحتني مؤكدة انها ستكون الفترة الأجمل، لكني لازلت ارفض الفترة التي أتقاسم بها لقبين!
.-.
.-.
.-.
-"لازم فستان ابيض؟"
ردت جَنان ببهجة كان يفترض أن تكون بي
-"لا اسود ههه أكيد ابيض ولا بعد!!"
راقتني الفكرة قليلاًبالطبع لست امرأة تود الاختلاف والمعارضة! لابل الأسود جميل، ولا اعني ملائمته للمآتم بل انه أنيق فحسب!
لكن ماذا لو حدث وارتديت الأسود! سأكون مضحكة للبعض، وجالبة شؤم بنظر العجائز، ومستهترة بنظر من سيكون زوجي!
أو ربما لايعنيه شيئاً اذكر انه قال ذات نقاش طفولي: أن الألوان جميعها رائعة وانه يكره الأشياء التي لا لون لهاواذكر أن بدر قال مستهتراً انه لايوجد شيء بلا لونليأتيه الرد بصفعة على رأسه ذلك اليوم كنت افكر بالأشياء التي لا لون لها وكنت مؤمنة كثيراً أن الزجاج مثلاً مثال لشيء لالون له،وبحثت كثيراً عن ذلك اللون. لم أكن طفلة تترك الأشياء نصف مغلقة حتى خطأي بالزجاج لم اعترف به كخطأ لأنه من دون كل الأشياء يملك حرية أن يبقى كما يريد!
.-.
التاريخ الذي لن انساه!
جاء ليجعل كل الأرقام سواه دون قيمة، وكأن لااحد غيري سيتزوج هذا اليوم،ولا غيري اتخذ موعداً من حلم لم يلتقيه ذات يوم!
.-.
بينما تركت جسدي على مقعد طويل، ليقوموا برسم ملامحي وتصفيف شعري، كنت اسبق الزمن بساعات مستبقة كل شيء كل حدث وكل موقف قد يأتي مهنئاً بحريتي أو معزياً فقدي لها
تلك المصففة اخالها تجن لو سمعت حديثي الآن،وكأنني سأتزوج من الحرية!
كنت على وشك ان اخبرها بالاستدلال بنزار عندما قال:كان هناك ألف امرأة في تاريخي
إلا آني لم أتزوج بين نساء العالم إلا الحرية، وأتحدث لها في نقاش طويل كيف كان يحب النساء ويفضل الحرية! وكأن لاشيء عندي لقوله في هذا اليوم الا قصيدة وتبرير حلم!
-"الازرق او الاسود؟"
كنت سأرد على سؤالها بالأسود طبعاً،او ربما كدت سأقول أريد اللون الذي لا لون له!
لثقتي انه المؤمن الوحيد بذلك اللون غيري!
عند ذلك فقط شعرت أنني سألقاه إن تحركت من هذا المقعد، وسيكون زوجي بعد خطوات
هناك شريان بدأ ينبض،وهناك حنجرة تستغل الفرص لتقتصد في الهواء،تمنيت أن تخفيني جيداً بألوان التجميل ولاتبقي من ملامحي مايذكرني بي!
لم اخرج لأحد سواه، بل جاءني الأقربون ممن احب ولا احب وتبادلنا قبلات وتهنئة،وسألتني دانة لمِ لااخرج للجميع فحتماً سأبهرهم! ابتسمت لها قائلة:أن ابهره هوَ،فقط مااريد،
وطبعاً هو ليس الجواب الذي اريد،احتفظت به كي لا ابدوا حزينة حتى في هذا اليوم،لأنني وددت ان أقول:لست في مزاج جيد لتحمل رؤية الحشد الكبير من العيون الفضولية!التي لاتتكاثر إلا في الأفراح.والتي لم أرى منها عيناً في عزاءاتي الطويلة!
كنت اشعر بالوقت لايمر.حقاً أطرافي بدأت ترجف رهبة!
-"رسولة تعاليتعالي"
أمسكت بيدي وسرنا نحو النافذة الصغيرة المطلة على الحفل بالأسفل، انه حفل لأجلي!
رؤية جميع النساء جعلت عيناي تتسع أكثر فأكثر، رباه يبدوا الأمر ليس بمزاح أبداً!
لم أتزحزح عن مكاني، بقيت أرى تلك الحشود البشرية بالأسفل، وكأن ذلك العالم الصغير تحتي قد صنع لأجلي!
لبرهة شعرت أن الجميع "متنكرين بثيابي"
ويمارسون طقوس لم اجربها ويقلدوني في كل مالم افعله!
.-.
.-.
.-.
اجلس بجواره،يغلق الباب بدري، واغلق عيناي تبعاً لذلك، واشعر بالسيارة تتحرك
إن فتحت عيناي الآن سأرى أن من يقود بجانبي عمر!
عمر ذاك عمر ليس بأحد غيره!عمر.وفوق ذلك زوجي!
.-.
.-.
امسك بالمقود وكأنني اقبض هذا اليوم كي لايرحل او يصير حلماً، امسكه بشدة افيق ولا افيق
انتِ بجانبي تجلسين.! انتِ هنا بالقرب مني ولي !
استرق النظر اليك كل ثانية شيء فيني لايصدق ان كنتِ حقيقة!
كنت بجانبي كتمثال في متحف مغلق
قلبي يرتعش،وجسدك كذلك!
اقطع الطريق بجنون،وتبدولي كل المراكب المجاورة ليست إلا حمامات ضائعة، خالفت سرب الحمام
الكون أمامي يختلف عما كانلم تعد إشارات المرور تعني التوقف
اشعر بالكون يراقب حركاتي ،يتوقف ويصطف الطريق أمامي دفعة واحدة،ويطل علي من النوافذ في فضول ،وكل شيء يهمس عنا
اشعر بضوء يسطع عاكساً رغد الحياة أمامي فلم افقد الشمس، كل شيء يشع هذا اليوم
يوم زواجي منكِ،افترشت الطرق نفسها لنا، وألبستنا أجنحة كي نطير عليها!
حضر لأجلنا هذا اليوم شمس وقمر،فاختلفت الأضواء في الطرق أمامي،وبدأت كل الأشياء ليست كما هي
ولم يكن عقدكِ سوى نجوم،وروحكِ سوى غيوم،وعيناكِ تذكرتي حول العالم، وأنتِ بجانبي فقط اشعر بك تتحولين لشجرة-كريسماس- لأعلق عليك جميع أحلامي وامنياتي
-التفتت إليّ،كان هناك غطاء لايجعلني أرى أي نظرة كانت،لكن تراجعها على المقعد قليلاً نبهني إلى مؤشر السرعة الذي بلا أدنى شعور مني تخطيت السلامة بكثير!
ربما كدت اهرب من تلصص الأشياء علينا،أو ربما كنت اسابق لأصل لسرب الحمام!
كنت ارتكب الحماقات منذ الصباح، بل منذ أن أدركت الحب، وبحثت عنك
.-.
توقفنا أمام الفندق، خرجت من السيارة بعد أن ألقيت نظرة عليك مفادها تعرفينه جيداً –اخرجي أيضاً- ولم انطق بشيء
وقفت على بعد خطوات،ارجوا مزيداً من الهواء ليزيح توتري،فأنا اجن كلما تذكرت انكِ هنا معي!
.-.
.-.
.-.
ارتجل من السيارة فاسحاً لي المجال بالتنفس
قيادته مجنونة، رفعت رأسي ورفعت الغشاء عنه قليلاً لأنعش رئتي، فرأيته بوضوح يقف بثوبه الأبيض –وغترة- بيضاء، استفزتني رؤيته وكأنه يظهر نية السلام،
أسدلت الغطاء بسرعة وأسندت رأسي على المقعد وكنت احسب دقات قلبي المفزوع ولا اريد مغادرة السيارة ابداً
فجأة عاد للسيارة، شعرت بالضيق مرة اخرى، وكأنه لايجب عليه أن يعود هنا
-"وش تنتظرين؟"
رفعت عيني بسرعة وعدت ادقق فيما قاله!
أهكذا تطلب من عروسك النزول! ربما لم ترد ان تفتح الباب لي ايضاً
كان لايزال واقفاً مغلقاً بجسده الكبير الباب!ومنفذ الاوكسجين!
-"الباب"
قلتها بصوت ضعيف جداً لايساوي قوة الغضب فيني، الا يجب ان تفتح الباب ألا ترى فستاني الكبير!
وفتح الباب مباشرة، وخرجت بطيئة الخطى وحذائي يطرق الأرض كما يطرق في رأسي
إلى أين نحن متجهون!
اهو جاد؟ إلى أين يأخذني!
استقبلونا مجموعة رجال لايتحدثون العربية، شعرت أنني اريد بلغة لا أتحدثها ولا يتحدثونها أن اشتكي ذلك الشخص أمامي
إلا انني كنت اتبعه حتى المصعد
وقفت أمام المصعد ولم ادخل، لم أكن أخاف المصاعد أبداً،ولا املك رهاب الأماكن الضيقة، لكني كنت أخافه هو!
-"نطلع مع الدرج؟"
ذلك ماقاله كمن فهم أمراً، لكني غير مؤهلة لصعود الدرجات بهذه الأشياء الثقيلة، وبلا فهم منه تبعته
التصقت بالزجاج الخلفي وبدأ بالارتفاع وواكبته دقات قلبي،توقف المصعد قبل أن أتفجر من ارتفاع الضغط بوجوده!
وخرج قبلي،
فتح الباب بيده اليمنى وبقي مسكاً له كي لايغلق لأدخل، لكن ذراعه الاخرى من كانت يغلق الطريق
كان يبتسم، وأعي انني املك بؤبؤاً احمقاً لايراه الا عندما يطير إليه!
تراجعت خطة للوراء مهددة بالهروب!!
لا ادري سبب ارتفاع إحدى حاجبيه عندها، وهو يحتفظ بابتسامة مزعجة!
ابتعد كثيراً وعندما تقدمت للداخل قال:
-"بنزل شوي وبرجع"
أغلق الباب خلفه، رفعت الغطاء عن عيني والقيت نظرة للمكان كمن يتفحص وجوده،
ان لايعود هنا شيء مطمئن، عندما تقدمت اكثر لم اجد سواها،
انقبض قلبي رعباً مع اول رسالة رنت في هاتفي،واول فكرة ترددت في عقلي
أيعقل ان لاتكون سوى غرفة واحده!
-ان تكون غرفة واحدة،وسرير واحد، وتلفاز واحد،ومنشفتين!
شيء هائل! شيء لايصل بالحرية بشيء،
كل صوت بالخارج يهزني حد الدعاء ان لايكون هو،عبائتي تتشبث بي رهبة سكون المكان
اجلس دون إحداث أي تغيير،وكأنني مجهزة للرحيل،وكل دقيقة تمر تعلمني بخطورة ماقدمت عليه!
عشرون دقيقة مرت،ولا شيء يتغير،ولاهو يؤكد صحة وجوده!
ربما اعتادت الاشياء اخلاف موعدها معي.!
-مضت ساعة، كأنها خارج الزمن، وأنا على يقين انني لو خرجت من هنا لرأيت الحياة بالخارج متوقفة، ذات يوم تمنيت لو أن اموت، لكني الآن اتمنى لو أني لم اولد بعد!
يتبع
-2-
-أن تكون غرفة واحدة،وسرير واحد، وتلفاز واحد،ومنشفتين!
شيء هائل! شيء لايصل بالحرية بشيء،
كل صوت بالخارج يهزني حد الدعاء أن لايكون هو،عباءتي تتشبث بي رهبة سكون المكان
اجلس دون إحداث أي تغيير،وكأنني مجهزة للرحيل،وكل دقيقة تمر تعلمني بخطورة ماقدمت عليه!
عشرون دقيقة مرت،ولا شيء يتغير،ولاهو يؤكد صحة وجوده!
ربما اعتادت الأشياء اخلاف موعدها معي.!
-مضت ساعة، كأنها خارج الزمن، وأنا على يقين انني لو خرجت من هنا لرأيت الحياة بالخارج متوقفة، ذات يوم
تمنيت لو أن اموت، لكني الآن اتمنى لو أني لم اولد بعد!
.-.
.-.
الساعة الثانية عشر وأربعون دقيقة
انه منتصف الإدراك،ومنتصف الندامة،والسخط !
لمَ تصبح الأشياء عندما تتصل بي ناقصة الاتساق،لم أخلفت الحرية موعدها ورمت بي على مقعد بارد،مع رجل غادر قبل حضور، أيعقل أنها لن تأتي قريباً، هل الأجمل دوماً يأتي متأخراً!
"حين تصير الحياة كابوساً تصبح الحواس ادوات تعذيب"*غادة
.-.
كنت قد بدلت ملابسي،وملامحي،وإحساسي،وجلست على مقعد يفصلني آخر مثله عن السرير الكبير
وانتظر الرجل الذي تأخر قرابة الساعتين،لا لأتأكد من وجوده،بل لأرى أي جنون دفعه لأخذ غرفة واحده!
-من الأفضل أن يبيت خارجاً
كنت انظر للباب وانا اردد ذلك في داخلي،ماذا يحدث ان تقدمت الآن وأقفلته واستلقيت على السرير ونمت بعمق!
جميل ا ن أعي أن الحرية اقتصرت على رجل واحد، فقط واحد،إن غادر ملكتها!
تحرك الباب الذي كنت أتخيل فيه جنوني، وعاد الرجل!
.-.
.-.
.-.
أغلقت الباب وتقدمت للداخل،وقفت بالقرب منها
التقت نظراتنا بعمق هذه المرة،وبدا لي انها تنطق بشوقِ لي!
عند ذلك.اصيب لساني بنوبة نطقية!!
-إذا وقفت أمام حسنك صامتاًفالصمت في حرم الجَمال جَمالُ*
-كلماتنا بالحب تقتل حبناإن الحروف تموت حين تقالُ*
اردت ان اقول شيئاً كهذا لكني قلت شيئاً آخر :
-"بعد شوي.بيجبون العشاء"
لم يكن منها سوى حركة نفي من رأسها وجملة لم استطع سماعها، لذا استغليت هذا العذر لأقترب منها أكثر
ربما أحست بتحرك الاريكة حيث جلست جوراها،بعد ذلك غطى المكان صوت لاصوت له فبدت لي كحلموجميع الاشياء أصبحت غير محسوسة!
ربما حتى هيَ!
ماتراني سأقول الآن!
-"كنتي ماتشربين عصير البرتقال عشان كذا طلبتلك كوكتيل"
وبدأ استعراض الذاكرة سابقاً لأوانه!ولم اقصد سوى ان تعي أن ابسط شؤونها تهمني!
ما ان أنّبت لساني،حتى قال متجاهلاً:
-" مو كأن الإضاءة هنا عالية"
تركته ينطق مايشاء،فربما هي لاتسمع على أية حال!
ولاتنظر الي،ولاتتحرك.هل يصيب الخجل الفتيات بالنعاس؟ هل ياترى نامت!
ابتسمت،بل ضحكت، واردت ان ابتعد قليلاً
ما أن وقفت حتى اعادني حشد الكلام في حنجرتي لأجلس قبالتها، لم يتوتر فيها سوى أصابع يدها، كنت حقاً مفلس من الكلام وعاقداً صفقات فاشلة مع عدة مواضيع
طالما أيقنت بقدرتي على الإفصاح عما اريد، دوماً شعوري كان واضحاً كخبر رئيسي يضطجع في صحيفة!
افقد كل الثقة الآن، قلبي حانق جداً على لساني، فكلما مر الوقت أصيب بخيبة جديدة،وليالي السهاد التي أعدتني لموقف كهذا،تضع خيباتها فوق رأسها بإحباط !
هذا اللقاء،وهذا الوقت،وربما ان كذبت سأقول هذه الأريكة وذاك الباب جميع الأشياء فكرت بها معكِ منذ أن صار إسمك لايمر عادياً على مسامع قلبي!
اذكر أن رساماً قضى نصف عمره في لوحة رسمها لمعرض عشيقته،وعندما حقق ما أراد اصطف معها،لتبدوا اللوحة صامتة،ويبقى بقية العمر اخرس!
وان أكون هنا دون لوحة عاجزاً حتى عن الصمت يجعلني فقط أؤمن ان اللحظات الأجمل بودها أن تصبح لوحة لاتحتاج لأصوات لتنعم بها الذكرى!
عندما ألقت نظرة خاطفة علي،فكرت بلا تفكير
-أتراني أعجبتها هذا اليوم؟ اقصد هل ابدوا شبيهاً بالشخص في قصتها؟
ليتني احمل مسبحة!!
-كان يحمل مسبحة عندما يفكر، ويبدوا انني ان فعلت مثله الآن لرأيتم حباتها منتشرة قرب قدمي!
-"رسيل"
-"الف مبروكحبيبتيالف مبروك"
أكاد اقبل رأس الكلمة التي استلذ لساني بها،قبل ان تعجبها! فقد كانت كما خلقها قلبي!
ولم تعقب أبداً، وتدريجياً اكتفيت بمجرد ان تكون تستمع إلي
-"كان الفستان(ضيقت إحدى فتحتي عيني تصنعاً لتفكير كاذب) زايد وزنك"
اتبعتها بنصف ضحكة
-"كنت طالع عشان تاخذين عالمكان براحتكوش رايك بالغرفة؟"
كنت أتأملها وهي ملقية بعينيها قرب قدمها،متجاهلة وجودي تماماً
تابعت:
-"اليوم بدر اخذ جوالي يصور فيه ولا رجعه تدرين ماخلا شي ماصوره حتى الكراسي"
تعلمينباستطاعتي الآن سرد كل ماقرأت في حياتي،ووصف كل مالم اشاهده،استطيع أن أقول أي شيء الا عن النابض في داخلي!
.-.
قال حبيبتي!
ذلك الصنف من الرجال،مشتريّ العبارات الأكثر رواجاَ، لاابغض سواهم!
لعلمي أن بدري لايحب التصوير،وانني لم اكره عصير البرتقال من قبل،وانني اقل وزناً بالفستان،وان الإضاءة طبيعية،يجعلني أود أن اخبره أن يصمت!
لكنني سمعته يقول ضاحكاً متفاجئاً من نفسه ربما:
-"حاس اني بسجد شكر"
طُرق الباب وقد اهتز جسدي بفزع،وكان العشاء
أنصت! لاتفكر ان تتقدم لي بصحن طعامك!
حسناً! حاول أن تكون لطيفاً إن أردت،وكن غير ذلك ان وددت أيضاً، لن يغير شيئاً حديثك،فأنا لا اشعر بالخوف فقط،ولا بالخجل فقط،ولا بالنعاس وخيبة الأملفقط،اشعر اني سألفظ الطعام ان حاولت إطعامي!
اتجهت أنظاري إليه عن بعد،كان بقدر كبير من الابتهاج،يتعسني ان أكون عكسه تماماً في ليلة كهذه!
الا يجب ان تكون ليلة مرتبطة بالفرح!
نعمدققت في ملامحه،خلسة! وازداد قلقلي عندما تأكدت انه لم يعد عمر الذي رأيته في طفولتي!
.-.
.-.
استلمت العشاء، كلانا لم يكن قادراً على تناول الطعام ولا الحديث ولاحتى النوم
كي لاازيد الجو شحنة جديدة،قررت ان اصمت حتى تسترخي بعض العضلات!
فما احوج وجهي لاسترخاء فقد أتعبته الابتسامات!
نظرت للساعة كانت تشير الواحدة،ثم لعينيها المشيرة بالهلع ،ثم للتلفاز المغلق الذي فتحته مقلباً القنوات والمزاجات
قرب مقعدها كنت أجلس، والتلفاز أمامي ، وكانت تستحوذ على تلك الرقعة بلا امل حتى لتعديل جلستها، أن أعي انها خجولة مني لهذا الحد يجعلني اشعر بنشوة غريبة!
اتابع تغيير القنوات دون استيعاب مايعرض فيها،لست متأكداً ان بإمكان رجل شغف بفتاة
عندما تكون معه ،يترك عينيها ويتابع التلفاز!
يبدو ان الأقدار ستكون مميزة معنا! وكل مايعرض بدا مميزاً عندما فوجئت بها تتابع التلفاز معي!
فلم تعد الأريكة تشعر بثقلي!
رن هاتفها،فأغلقتْ الشاشة مباشرة،مما اضحكني انها ألقت بنظرة علي وكأنني تخطيت حقوقها!
تجَاهَلَت الهاتف بعد ان هبطت عينيها فجأة
-"الجوال"
قلتها بمكر من يريد نظرة اخرى!
عندها توقف عن الرنين وبدأ هاتفي أيضاً، ذهبت لحيث يوجد مبتعداً عنها قليلاً ، وكان بدر
-"هلااا حبيبيههههه ياخي اسكت اصلا مضيع من الصبح ههههه ايه ابشر بس على فكرة مفروض تقول لي يااستاذ ياسيد تعرف انا عريس هههه اوكي الحين انا كم بدر عندي هههه"
شعرت بها تلتفت الي مباشرة،فقط بعد أن سمعت اسم أخيهاوأسعدني انه اراد مهاتفتها لتتحدث معي!
.-.
سماعي لاسم بدري يشعرني بأمان،بحق اشعر بالأمان!
احتقرت حينها كذب ذلك المخلوق منذ البداية! ألم يقل ان هاتفه مع أخي!
قبل ان يدعني أتحدث معه عاد ليقول لبدر
-"على فكرة تراها ماتتكلم بس تسمع هههه لالالا آسفين يالشيخ هههه"
اقترب الي ممسكاً بهاتفه،وأمسكت احد أطرافه وتمتمت لبدر بعدة كلمات وأنا مشبعة بالغضب على الآخر ذاك
-"عليكم السلام،بخير،ايه،(وفجأة أردت السكوت حتى أدرك خجلي فوعدني بمعاودة الاتصال وأضفت)وانت من اهله"
بعد أن أغلقت،تورطت بهاتفه
قررت ان اتركه على المنضدة أمامي،كنت أتأمل جهازه الأسود ولحظت عدة خدوش تبدو حديثة
يبدوا معتاداً على خدش كل شيء لم يقتصر على الجمادات!
رتبت المقعد من حاجياتي،وترددت كثيراً قبل أن أتحرك، وأنفذ مافكرت به مباشرة أثناء وقوفي،
رفعت مرتبتيه، وعيناي لاتحاول الإقلاع ابداً!
أن يصبح للمقعد الذي جُهّز ليجلس عليه اثنين سرير طوارئ لفصل احدهما عن الآخرهو أفضل ماحظيت به هذا اليوم
عندما انزلق السرير للخارج فوجئت بلساني ينعقد أكثر،فأين لي بغطاء لاختبئ فيه عن ذلك المذهول أمامي؟!
اقترب مني، خطوة بعد اخرى وصل أمامي مباشرة، أقدامي بدأت ترجف حتى كدت اسقط
قال،"وش تسوين؟"
في وضعي الطبيعي لم أكن قادرة على النطق كيف بي الآن!
نظر إلي طويلاً،ثم أدبر وجسده الذي يبدولي كبيراً كظلّ رجل صممت له توقيعاً ذات حدة طباع، يتعملق كلما ازداد هلعي!
ثم ابتعد وأنا اتبعه بعيني رهبة من رد لفعلي،وقف أمام السرير وقال:
-"تعالي"
وكأن من يظنها قبل قليل لاتتحدث،هاهي لاتسمع أيضاً!
اقسم أن أطرافي تهتز،وضربات قلبي كخطوات جيش بدأ معركة!
ثم حمل هاتفه وجاء إليّ فكدت اسبقه بالهروب لولا انه تخطاني وفتح باب الخزانة بجوار التلفاز واخرج وسادة وغطاء!
وضعهم على سرير المقعد وقال:
-"انا بنام هنا"
وكأنه يتحدث بلغة لااعرفها تابعت النظر بعدم استيعاب،أضاف:
-"نامي هناك"
واتجهت أعيننا للسرير،وما ان منحني تلك الموافقة حتى كدت اركض هاربة، استلقيت وأحكمت الغطاء حتى على وجهي وأنا اشعر بالراحة رغم الاختناق
ربما مرت قرابة الساعة وغفوت
.-.
استيقظت على أذان الفجر،وتلك المرة الأولى التي يوقظني فيها صوت الأذان!
طالما كانت اذنيّ تنام معي!
أخذت استشعر السكون الذي لفَ المكان،تلك المآذن جميلة حد البكاء،في طفولتي كنت أتمنى خمس مرات في اليوم ان أتسلقها وقت الآذان،وعندما كبرت تمنيت لو كنت مئذنة،ليعم الحق بالنداء!
تذكرت تلك التي حَسَدَت المآذن والأطفال الرضّع، لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه، قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية، وتعلِّمهم الصمت!*
رأيته بالظلام يقف قرب النافذة بهدوء،ظَلّ منكبيه يشكلان نافذة اخرى لاتطل على تلك المآذن التي تصدر من قلبي وتفقدني صوابي!
في صغري سألت امي،عندما رافقني ظلان لي،هل هؤلاء هم الملكين في كتفي؟وعندما فوجئت بظل واحد لاحقاً،اعتقدت أن الآخر يلعب معي لعبة الاختباء،فقفزت كثيراً باحثة عنه!
دوماً عندما اشعر باليأس اذكر طفولتي،وعندما اشعر بالوحدة ابحث عن الظلال!
.-.
.-.
خرجت للصلاة،وكنت في حاجة لأبقى بعد ذلك قليلاً ارتب افكاري دون ان يكون لوجودها تأثير عليَ
لااشعر بالنعاس،طيلة الليل افكر بملامحها الخائفة جداً مني، لو رآها أحد ما لاعتقد انني تحولت لأسد! لالا بل نمر.لا ربما هي لاتخاف منذ ذلك بقدر الهلع الذي بدا منها!
وعند انشغالي بتعداد الحيوانات المتوحشة عدت لغرفتنا،وما ان رأيتها نسيت شكل الأسد!
ذلك الشيء المتراب في نفسي،بدأ بالزوال كلما تعذر لي حياؤها بنظرة وجلة!
وكم أحببتها.!!
ظهيرة اليوم التالي
صحوت وأنا أتفقدها،واستيقظت جميع السعادة فيني ما أن تأكد الواقعكانت نائمة،توضأت وفتحت الستار لتدخل الشمس كاشفة عن امتعاض ملامحها المتفاجأة
خرجت وانا اشعر بتوعك بسيط،ذلك السرير غير مريح بالطبع، أكان خطأها الغير متوقعام خطأي لقبولهام خطأ الغرفة الواحدة!
بعد عودتي بمزاجي الجيد،رأيتها تجلس قرب المرآة، أطلت النظر إليهماورؤية اثنتين منها يفقدني صوابي!
ابتسمت على جشعي وقلت للتي بالمرآة
-"كيف نمتي"
لم تقل شيئا لكنها فعلت الأدهى من ذلك، ابتسمت وخفضت رأسها
أليس من المعيب ان يرتعش قلبي اثر ذلك،واشعر اني سأفقده بسببها!
كدت أقول شيئاً عما يؤيدني قلبي به لكنها قالت
:"خالتي تسلم عليك"
-"الله يسلمها من كل شر تبين نروح لها؟"
وسألت على استحياء متجاهلة نظراتي
-"وبيت عمي؟"
قلت مباشرة-"اكيداي شي تبيه الحلوة يصير"
لم تكن فقط حلوة،كنت سأصاب بداء السكري بسببها!
وما ان بقيت لي التي بالمرآة حتى اقتربت،وحطت يدي على كتفيها وأنا اقول:
-"الله يخليك لي"
لاادري لم ملكت صوتا لطيفاً، لا لااقصد كصوت فتاة صوتي أجش قليلاً، وجميل لكني لااصلح مطرباًلاتضحكوا، فأنا سعيد كما لم يسعد بشر قبلي في الخمسين عاماً الأخيرة
هل تصدقوا إحصائياتي؟
عندما نظرت الي من المرآة،وددت الخروج بإحصائية أكثر دقة، لكني فضلت ان لااكذب أمام حشر الكلمات على طرف لساني
ربما منذ الأمس علمت ان معدتي الأكثر بديهية!!
-"تجهزي عشان نطلع نتغدى"
حركت رأسها ايجاباً،فقلت
-"وين تحبين نروح؟"
قالت بارتباك-"اللي تحب"
احبكِ انتِاحبكِ انتِ خذي بقلبي مقعداً واغفي هنا وارتاحي!
كدت اغنيها لو ان صوتي لايستدعي للبكاء حينها، حبك يجلب لي كل شعور يجعلني ساخراً من نفسيوفخوراً بها!
خلال ذلك الوقت وقبل ان نخرج للغداء،كنت اسألها عن أي شيء وتجيب مرة باقتضاب،ومرة بنعم واخرى بلا،وتجيب كثيراً بلا صوت!
وددت ان تُقلع سيارتي،وان أطير معها حيث لاشيء سواها، وجودها يطغى على كل شيء،كدت اجزم ان لا امرأة سواها في هذه الحياة!
ألهذا السبب تغار الحموات!انني عابث جداً بوجودها،لن تغضب والدتي بالطبعاخبروها فهي تحتل الماء في كرتي ان احتلت رسيل اليابسة!
وكنت أقود باتزانمتظاهراً بكوني رزين!
.-.
هناك.
اشعر براحة مذ صحوت، لم أكن كالأمس أبداً.اشعر انني ابتسم لاصادقة لكنني لااجد غير ذلك عوضاً عن صمتياعلم أن التصفيق وسيلة مؤدبة لإسكات المتحدث،لكنني لم اقتنع بها ابداً،لذا ابتكرت وسيلة أكثر أدباً لإسكات المتحدث لي، دون الحاجة إلى تبرير!
لايهم اقتناعي بالاخرى ايضاً،لكنه راضٍ بابتسامتي،بل وسعيد
-احياناً لامفر من إجابة،ولا تعويضاً عن سؤالوالآن افكر بشيء خطير.سأحاول التحدث معه تمهيداً لما سأطلب!
وهذا المطعم يبدو مشجعاً للكلام
هناك أماكن جهزت لفتح شهيتك للطعام،واخرى قادرة لإشعال شهيتك للكلاموهذا المكان يبدوا اخرساً، لكنه يجيد الاستماع
ولأنها المرة الأولى التي أتناول فيها غداء مع رجل في مكان عام،لم استطع ان آكل شيئاً، وبما انه عمر لم يعدني جهازي الهضمي بخير!
-"اختاري"
مد لي قائمة الطعام وكما يكون"بكل سرور"!!
لكن كلمته-اختاري- كانت جافة لاتستحمل عروس تتناول أول غداء مع زوجها!كان يجب ان يضيف كلمة مرطبة عليها ليست فقط بشراتنا تحتاج على ترطيب، لكن بالطبعذلك لايعني أنني أريد الحصول على مرطب منه!
لكنه انتقاد كما انتقد في داخلي قائمة الطعام للونها القبيح،ونوع قماش الكرسي الذي سيرحل معك بعضه،واثر أجوائنا على ألسنة الشعب، ولا انتقد الجو طبعاً لكنني انتقد عدم استخدامهم لمرطبات!
نسيت أرضية المكان لامعة ولاتصلح لمطعم،وحتى الرجل الواقف ليكتب طلبي نسيته!
لم اسمع ماطلبه عمر،لكني قلت:
-"اثنين"
وعدت ادقق بقائمة الطعام،ولا اذكر منها سوى اللون،ولو اُخبرت أنها تحمل لغة روسية لصدقت!
كان عمر يتحدث عن المكان والتصميم وإستراتيجية الموقعة والخ،ربما نسي انني لست احد أصدقائه!
وعندما حضر الطعام حمل لي ملعقتي من أمامي ومدها لي، وبدأ بتناول طبقه مشجعاً
لكني أكاد آكل ملعقتي فارغة
-أدوات الطعام حين تصل فمي،وتعود للصحن الموضوع لا تأخذ وقتاً ولاجهداً، إلا أنها الآن تمثل إدخال إبرة في قماش ثقيل!
فقط لأنه يتابعني.دقيقة،واثنتين،واخريات،
يزداد توتري كلما مر الوقتفحدث أن سقطت ملعقتي أرضاً!
أخفيت يدي سريعاً إلى حضنيفزعت!قلبي يواصل الخفقان،ويدي كانت ترتعش كلما يزداد ضغطي النفسي من ذاك الذي وقف الآن!
حاولت سبقه لأجلب الملعقة،ولم اعد احسن التصرف،إلا انه اقبل مسرعاً وامسك بيديّ
لا بل ان أغلق عليهما بكفيه التي تذكرون!
وذلك لم يخفف من رعشتها حتى سرت بجسدي كله!