عندما وصلت كان بدر متعجباً مما يحدث لي! تكلمنا قليلاً وعيناي تبحث عن تلك الطفلة…
حتى رأيتها ترسم على التراب بشيء لا ادري ماهو…
كانت قد رسمتني ذات مرة ولم ترسم لي فم! كنت سألتها أين شفتاي؟
اذكر أنها قالت: تكون أجمل بلا فم مزعج ولسان طويل.!
رأيتها…نعم رأيتها الآن!
كانت تكتفي بالحجاب وكنت اكتفي بذالك الحد من الجنون!
إنها هي! كنت سأصرخ حقاً
أنتِ رسيل…
وكأن ما سأنطق به جديداً!
قاصداً أن تستيقظ جميع المشاعر راقصة بيوم احتفالي برؤيتها…وكأن السنوات بيننا لم تكن سوى عدة أيام!
أبعدت عيناي لأركز بنبضات قلبي التي تسارعت بلا انتظام…
أرجوكم… كما قلت:
لا تسيئوا فهمي فربما هي فرحة اللقاء التي احتفل بها وحدي!
فأنا لست أحبها كما تصورون لكنني مشتاق لها…
مشتاق لها كما لم اشتاق لأحدٍ قبل…
مشتاق لها كما لم اشتاق لها سابقاً…!
بدر يراني كأخ لهاواحب ذلك لأنني لا أجد أسمى وأقوى من رابط الاخوَة….الذي لا يفصله موقف أو كلمة أو حتى زمن!
رغم ذلك فأنا…لا يربطني بها شيء!
فليست اختي!
ولا أحبــها
لكن احب أن اعطف عليها
احب أن امسح دموعها… أن ابعد الأحزان عنها…
احب أن أراها ….
وأن اسمع صوتها….
احب أن أعانق الطفلة فيها بشوق الغياب…وأسأل كيف قضت تلك الأيام من عمرها!
احب أن اعرف أدق تفاصيل حياتها وماتغيَر فيها ومابقي على حاله!
احب أن اسمع بدر يتحدث عنها ولو لم يكن بموضوع يخصها….!
احب المكان الذي تجلس فيه
والذي كان فيه وجودها!
والمكان الذي تعبره!
احب مرورها في كل اسم اقرأه لغيرها!
احب يأس التفكير فيها!
احب أن أراها بين القصائد والأبيات وفي كل عنوان يحمل الحريَة!!
احب أن اقرأ كل ما تكتبهومالا تكتبه…!
كحبي امتلاك صفات فتى الأحلام في سطورها!
غيـر ذلك أنـا لا أحبها…!
فما تفسير ماكان! …. أيمكن أن يكون غير الحب؟!
حب طفولي فقط….
لكنه نمى معي…ونمى معي…
ونمى معي!
مدينتي عاصفة بها…لو خرج جزءً مما اشعر به الآن
….لعمرت الكرة الأرضية…وتغير لون سمائها!
ولو مات في قلبي ذات يوم….
ستموت مدينة في داخليوسأدفن فيها…!
“والله انك منت طبيعي اليوم”
ضحكت لملامح بدر المفزوع….وحاولت العودة لما أنا عليه….وبدأنا في سباق لشجرة ما… طبعاً برهان…إذ أن بدر في الموضوع!!
.-.
.-.
رفعت رأسي على صوت ضحكات بدر وعمر مستعدين للركضلا أدري الى أين
كانا يولياني ظهريهما… ابتسمت وأنا اعبث بحبات الرمل….
كنت اكتفي بالحجاب…كما اعتدت عند خالتي لوجود مازن… اعتدت ذلك لكن لي ضمير يؤنبني أحياناً…فوالدتي لم تكن لترضى بشيء لايرضي ربي…
لذا بدأت أضع غطاء أو لثام
بينما أراهم قد ابتعدوا سمعت هاتف يرن…
وقد سمعته عندما كنت في السيارة لذا علمت انه هاتف عمر…!
لم أتحرك
فلا دخل لي…
تكرر رنينه فأصبح لي دخل!
فتحت باب السيارةوألقيت نظرة على هاتفه…وقرأت اسم المتصل”لا تـرد “
ضحكت رغماً عنيوازداد فضولي لأعرف من المتصل…لذا اتصلت ببدر وأعلمته بأن هاتف عمر لايتوقف عن الرنين… عدت اجلس بالقرب منتظرة مجيئهملكن من أتى هو عمر…
اخذ هاتفه وهو لا يزال يرنوألقى علي نظرة خاطفة…وكأنه يتأكد هل قرأت المتصل أم لا.
فأقفلت على ضحكاتي ولذت بالصمت…
“هلا رنيم”
إذن كان المتحدث رنيم…أجلت ضحكاتي وانشغلت برؤية ملامحه…نعم أخيراً أتيح لي رؤيته دون أن يدري
نعم تغيرت ملامحه قليلاً…ربما أصبح أجملوربما ذاك الطفل الذي كان هو أجمل!
اشعر أن شيء ماتغيَر بوضوح في ملامحهترى ماهو! أكان …
اصطدمت نظراتي به وانساقت عيناي لرسمتي على الترابفأخذ إصبعي يتحرك بحرية لتختفي معالمها من شدة إحراجي!
-ترى ماذا سيقول عني…أحسست بأنني سأقول
“سامحني يابدر!!”
.-.
.-.
عدت لبدر وأنا أود الضحك بأعلى صوتي من شدة سعادتي…
هل رسيل أيضاً اشتاقت إلي!
اشعر الدنيا كلها تصفق لي…نظرة واحدة جعلت مني أحمقاً يضحك بجنون!
ماذا لو بقيت تنظر إلي ساعة!
ربما سأفقد عقلي…, ويصاب قلبي بالتشنج!!!
.-.
.-.
ذهبت وحدي امارس نشاطاتي التي اعتدت عليها هنا…وتركت لبدر حرية الانطلاق مع عمر
بدري أعطاني وعداً أن يبقى معي لكني أخبرته بأنني سأبقى وحدي
فلا أريد ل عمر أن يقول أنني لم ارحب بوجوده معنا!
مرت ساعات في استضافة الليل
وقد استمتعت كثيراً…ولا تسألوني مالسببلأنكم لا تعشقون هذا المكان مثلي
ولو جلست وحيده!
…مر الوقت سريعاًجميلاً .
.ـ.
.ـ.
أنا!!!
لا تسألوني كيف قضيت هذا اليوم…لأنني احس به خارج نطاق الزمن
كنت اضحك كثيراً على كل حرف حتى وصفني بدر بالجنون هذا اليوم!
أُمور كثيرة حصلت…
بالطبع لي وحدي أنا وبقية مشاعري!!
البقعة التي تحوي أبراج رسيل لا أصلها…بل إنني بمجرد إحساسي بالذبذبات اهرب!!
ألا يكفي ما أصابني هذا المساء لأن الطفلة الكبيرة هنا…؟!
أكثر شيء كنت انظر إليه هو ساعتيانتظر سيّدة قلبي تأمرنا بالرحيل…
ليجمعنا مرة اخرى مكان…!
في لحظة جنون تبعاً للحظات الجنون التي شعرت بها هذا اليوم…تمنيت ان نبقى مدى العمر في تلك السيَارة…يجمعنا حديث!
حتى نبقى كما في السابق….فكم يأخذني الحنين لتلك الأيام!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
بعد أن ركبنا السيَارة عائدين…كنت اشعر بتعطش للحديثفقد مر اليوم وأنا صامته…
“احماحم”
قلت ذلك محاولة تمرين حبالي الصوتية للانطلاق بالحديث…!
“احمم بدر بقولك تذكر يوم لمى سرقت جزمتي عشان تحضر فيها مناسبة”
بدر بابتسامة-”إيه…للحين تذكرينوشذكرك فيها”
“اكتشفت أمس إنها أخذتها مره ثانيه قبل ما نطلع من بيتهموبعد أخذت الثانية هذيك تذكر البنيه اللي “
توقفت على أصوات ضحك طالما كرهتها…!
لماذا يضحكون هل لأنني بالغت في انفعالي أم ماذا؟
بدر-”إيه كملي؟”
“أول ليش تضحكون؟”
بدر-”لابس كملي شفيها”
“خلاص ماراح أكمل “
بدر-” رسيلووه أقول كملي”
وهو لازال يضحك…
“والله ماكمل”
ليعودوا للضحك…أخرجت هاتفي من حقيبتي بغضب وبدأت اكتب لا أدري ماذا!! ولكن أذكر أنني كنت قد كتبت مقطع قصيدة قبل ساعة وأريد أن اكمله…
ليست قصيدة عاطفيه!!
عدت أقرأ ما كتبت من القصيدة حتى أكملها
رفعت عيناي لأفكر لتدور عيناي في أماكن عديدة
توزعت نظراتي
مرت من نافذتي لتعبر من الأعلى إلى الأسفل
مرت بعلبة العصير الفارغة إلى علب المناديل الفارغ بعضها !
حتى وصلت لمرآة السيارة الأمامي
لتقف مذهولة!
تلك المرآة عكست لي صورة عمر ينظر لشيء بعيد…
وعلى شفتيه ابتسامة
يبدو انه نسيها على شفتيه بعدما ضحكا هو وبدري علي!
اشتعلت نيران الغضب بداخلي
تركت هاتفي وأنا اذكر تلك الضحكة وهو يسأل عن قصتي بأي منتدى!
ازداد غضبي فجأة!
قلت وعيناي تنظر للظلام من تلك النافذة بجواري:
“مدري شيضحك”
رفعت عيناي لتلك المرآة لأتأكد من أنني قد نطقت بشيء!!
لأرى عمر ينظر إلي ولكن
تلك الابتسامة قد تلاشت!
بدأ قلبي يخفق رعباً من تلك النظرة الغريبة!
بدا كل شيء يخيفني! لا أدري لمَ!
“احب بدري…احب بدري”
لا تتعجبوا سأرددها دوماً….
انه الآن أعطى لقلبي الأمان عندما قال بفخر:
” من يقدر يضحك على رسوولتي واخوها البدر”
مهما يكن ما قالهالمهم أنني أحسست بوجوده هنا
ليتني لم انطق بشيء
عمر
ما باله هكذا؟!
.ـ.
.ـ.
.-.
نعم كنت ابتسم!
لستم مسئولين عني!!
كنت من فرحتي هذا المساء ابتسم
قد لا يكون لسبب ولكن لأن تلك الابتسامة انطبعت على شفتاي منذ رؤيتي لرسيل
طالما كنت اسيطر على مشاعريإلا أن نظرة من عينيها تفقدني السيطرة
ولكن ما بالها أفزعت قلبيوهزت كياني؟
لتحرك صمت المشاعر في داخلي!
إنني اجن لم اعتد على عدة مشاعر في آن واحد!ولا احتمل ذلك!
أنا لا أرى سوى عينيها أو البراءة التي تسكن تلك العينين
لكنها
فقط تكفي لقتلي!
.ـ.
.ـ.
شعرت بأن التوتر بدأ يجتاحني بعنف….
عندما سكن الصمت المكان أخذت اكتب في هاتفي ولا اعلم ماذا اكتبولكنني اضغط على تلك الأرقام والحروف لتصدر صوتاً يزيد من توتر الجو في هذا الضغط…
دقائق مرت
اقسم أن القصيدة التي كنت اكتبها بلا وزن وقافية…اقرب لخاطرة أضاعت الفكرة!!
لكنني لا أزال اكتب…والصوت يزداد علواً…
بدر-” فيك نوم؟ ولا وش فيك ؟”
عمر-” لا مافيني شي (ثم أضاف ) يمكن اختك فيها شي!”
واضاف ابتسامة غريبة…
بدر نظر إلي عبر تلك المرآة وهو يقول لعمر:
-”مدري شجاها….”
ليقول متعجباً:
“رسيــل…”
رفعت نظري لتلك المرآة لأرى نظرة تعجب من بدري لأزيد من دهشته وأنا أقول:
“وشو؟”
ضحك بدري: “فيك شي؟”
لأجيب بابتسامة تتضح من رسمت عيني :
“لامافيني”
ضحك بدري بخفة”اجل ارجعي لجوالكوانتبهي لايتكسّر من الضغط”
عدت اكتب بصمت…
.-.
مرت دقائق طويلة وهما لا يكفان عن الكلام وانا لا اكف عن الكتابة
والطريق قد انتصف
عندها قلت بسرعة:
“بــدر”
اتجهت انظارهم الي بسرعة فقلت بمكر لم اعهده في نفسي….لكن يستحق دوماً يسخر مني
“نسيت الرهان؟”
بدر-”هههههههه الله يذكرك بالشهادة ….وانت ساكت ها”
عمر-”هههه احس هذا الظلم”
بدر اوقف السيارة على جانب الطريق
“يالله عقابك”
عمر-”لوتحب النجوم قلت لك انا مظلوم”
بدر-”بشهادة رسيل انت معاقب”
قلت وانا في اوج سعادتي لانتصاري
-”يالله خير الامور الوسط انتصف الطريق”
عمر-”ههههههه توبه اسمع كلامك مره ثانية”
قالها لبدر وهما يبدلان مقاعدهما
عمر-”بمزاجي ترى”
ورفع إحدى حاجبيه وابتسم…
شعرت بذاتي ابتسم
ابتسامة حتى أنا جهلت معناها!!
.ـ.
.ـ.
أخذت أقود ببطء ممل…
-تحملوا ماعاقبتموني به…فأنا في اوج سعادتي لاستطاعتي صنع عدد اكبر من الدقائق لنبقى معاً
بدر-”تصدق كذا احسن من السرعة…في العجلة الندامة”
عمر-”اكيد احسنوهذي إمكانيات سيارتك هههه”
وعادا في جدالهما الذي لاينتهي…
فتحت هاتفي مرة اخرى اريد وضع التعديلات النهائية….
استغرق الأمر دقيقتينسمعت فيها عمر يقول:
“لقيتي اللي يستاهل انك تكتبين عشانه”
عفواً….أيتحدث إلي!!
أهذا السؤال موجه إلي!!!
أخذت ثواني لأستوعب ماقاله…
.-.
.-.
“لقيتي اللي يستاهل انك تكتبين عشانه”
رميت بتلك الكلمات والتزمت الصمت!
لكني عدت انظر للمرآة
أذهلتني تلك النظرة التي رمقتني بها…!
كما لمحت نظرة غريبة من بدر…
حاولت أن أضيف أي كلمة أوضح بها الموضوع
ولكن لساني شلّ مع تلك النظرة…
قال ما شاء وهرب ليختبئ في بطن ذلك البلعوم!
“نعم؟!!”
قالت رسيل ذلك
فقط…لتعجزني…!
هي تعلم بأنني قتلت بذلك السهم الذي رمتني به ببطء من عينيها
بدر التزم الصمتأرعبني ذلك أكثر
ترى بماذا يفكر!
ضغطت أكثر على البنزين وأنا أقول
“لا بسأشوفك تكتبين قصيده”
قلت لكم أنني لا أستطيع التحكم بمشاعري بعد أن عاد الأمل وضخ فيني طاقاته!!
ربما لن يكون وجودي شغل مقعد فحسب!
ربما ستكشف أوراقي ورقة ورقة…
ورقة!
//يتبع
للموقف بقية,,,,حتى يبرد غضب رسيل