[frame="7 80"]الحلقة الواحدة والأربعون
سألت شيخنا رحمه الله يوما .
ما خير وسيلة وأقصر طريق لتحصيل العلوم وخاصة علوم الفقه
قال: عليك بالقواعد والأصول.
قلت له : وأين أجد تلك القواعد والأصول
فقال: يصعب أن تجدها جميعا كلها في كتاب واحد
ولكن عليك بالتنقيب في كلام الفقهاء والعلماء الأصوليين
وستجد في تعليلاتهم واستدلالاتهم كثيرا من القواعد الجامعة لفروع
المسائل أو الأصول التي تبنى عليها الأحكام
اشتغلت بجمع تلك القواعد والأصول من كتب الفقهاء والأصوليين
ومنها كتب ابن قدامة المقدسي كالإقناع والكافي
ورجعت لكتب القواعد للحافظ ابن رجب والحافظ السيوطي
وكذلك لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم
ومن أكثر الكتب التي استفدت منها بمشورة شيخنا شرح العمدة
للحافظ ابن دقيق العيد الشافعي المالكي!!
وكذلك فتح الباري للحافظ ابن حجر
والمجموع شرح المهذب للنووي
ومنها أضواء البيان للشنقيطي ومذكراته في الأصول
كنت اقرأ وأراجع تلك الكتب ثم أدون تلك التعليلات والقواعد
وفي اليوم التالي أقرأها على الشيخ وأسجل تعليقاته وتفصيلاته
لها ويفرع عليها قواعد أخرى يسردها شيخنا على السليقة دون
مراجعة وتردد ، مما حيرني في عقلية وسعة إطلاع هذا العالم الجليل
رحمه الله رحمة واسعة
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
سألته ذات مرة : ياشيخنا هل تراجع أو تحضر لدروسك
فقال : الحمد لله العلم أحمله في صدري ،ونادرا احتاج للمراجعة!!
ولقد شهدته مرارا ينقل من حافظته مسائل ونصوصا يحتاج الواحد من
للبحث فيها والتحرير عنها دهرا ،يسوقها الشيخ ببيانه الشافي بكل
ثقة واقتدار من صدره بالنص والكمال!!
كما ذكرت سابقا مرت علي فترة من الهدوء من قبل صاحبنا العتيد!!
ولكنه لم يصبر ولم يطق الانتظار حيث ظن ذلك المسكين أن البساط
سيسحب أو كاد أن يسحب من تحته وما درى أن شيخنا
قلبه سيسع الجميع لو كنا نعقل أو نرشد!!
فاجأني ذات مرة أن لحقني وأنا خارج من المسجد ونادى علي!!
فالتفت إليه فما صدقت نظري
انه صاحبي ذاته
ابتسم في وجهي ابتسامة لا أكاد أميزها!!
وقال لي : كيف أحوالك وما هي أخبارك
فقلت أنا بخير حال والحمد لله .
لم يطل الحديث معي بل كان يريد أن يعطيني انطباعا معينا ونجح فيه!!
لمن يفهم ما اعنيه!!
انصرف فبقيت واقفا حائرا لا اصدق ما جرى
هل من المعقول أن الرجل عاد لرشده
قلت في نفسي: لا يستغرب ذلك من طالب علم في مثل مستواه
يعلم الله تعالى شدة فرحي بما حصل واستبشاري بذلك
وظننت أن ذلك هو نهاية تلك المآسي التي لا تليق بطلبة العلم
خصوصا على سمعة شيخنا رحمه الله
في اليوم التالي بادرته أنا بالسلام في صلاتي الفجر والظهر
كان قصدي أن استوثق من الرجل هل ما فعله حقيقة أم أنه كيد
جاءني بعد صلاة العصر وقال لي: هل ممكن ترافقني لفنجان قهوة في
بيتي
قلت : لدي برنامج مع الشيخ.
ولكن لأجلك سأذهب معك!!
ركبت معه على سيارته
وأنا فرح بهذا التقدم الغير متوقع!!
وقطعنا الطريق لبيته الواقع في أطراف عنيزة
كان يتحدث ويتبسط في الكلام ويبتسم ويظهر السرور والفرح
مما زاد وثوقي واطمئناني
وما كنت أعلم أنني كالشاة تسقى وتطعم العلف وهي تساق لسكين
الجزار !!
وصلت لبيته ، وهو منزل عائلته وكان شبه خال !!
دخلنا المجلس
ولم يقدم لي القهوة والشاي كما هي العادة بل تحول الحديث بشكل
مفاجئلتحقيق وتدقيق !!
ولكنه كان من النوع الهادئ ولم يكن عاصفا أو مدويا!!
ولم أفهمه أنه كذلك إلا حينما قال لي :
أريدك أن تفرغ كل مافي جيبك من أوراق !!
قلت له : لماذا
قال: أفعل ما أطلبه منك !!
أخرجت ما في جيبي من أوراق فبعثرها وفتش فيها ودقق
فقال : أخرج كل مافي جيبك
فقلت : لا يوجد شيء سوى مناديل وأقلام
قال : أخرجها!!
أخرجتها حتى لم أترك شيئا في جيبي!!
لم افطن لمقصده حينها!!
فتش في تلك الحاجيات وبحث فما أشفى ذلك غليله ونهمه!!
فقام إلي وأخذ يفتش جيوبي بنفسه ورفع شماغي عن رأسي
وانزلها !!
قلت له : عماذا تبحث يافلان
قال : لا يعنيك!!
قلت : وكيف لا يعنيني
قال : أنت تخفي شيئا ولا ادري أين وضعته ولكن سوف أجده يوما!!
ثم أمرني بالخروج معه من المنزل
خرجنا وكان وجهه مسودا من الغيظ وهو كظيم ويكاد يفتك بي!!
ركبت للسيارة وأنا خائف منه
ولم نتكلم حتى اقتربنا من السكن
عندها دار في فكري شيء.!!
وفهمت ماذا يقصد وعماذا يبحث!!
قلت له : يافلان أما آن لك أن تعقل !!
أنت أحضرتني لبيتك وفتشتني وأهنتني ماذا تريد من ذلك
سكت ولم يجبني !!
قلت له : هل تظن أنني سحرت الشيخ وأنني اخفي السحر في جيبي
فالتفت إلي ونظر في عيني وكاد أن يوقف السيارة ولكنه نظر أمامه
ولم يتحدث بكلمة واحده!!
نزلت من سيارته وأنا خائر وحزين من فعل هذا الخائب
ترددت في الاتصال على شيخنا
هل أخبره بما فعل ذلك الرجل
لم أصدق والله أن بلغت به الظنون هذا الحد!!
هل ياترى لو أخبرت الشيخ سيصدق
أليس من المعيب أن اشغل شيخنا بتلك التفاهات
خاصة بعد انتهاء مشكلتي مع الوالد قريبا
حضرت الدرس تلك الليلة وأنا لا أكاد أشعر بما هو حولي
بعد صلاة العشاء انتظرت الشيخ
فسألني أين كنت اليوم
فقلت له : ذهبت مع فلان في بيته!!
فتعجب وقال : مع فلان صحيح
كأنه فرح بذلك
ثم ناولني عباءته ودخل لدورات المياه حيث سيذهب بعد ذلك
لزيارة إحدى قريباته كما هي عادته
لم يكن لدي فرصة للحديث معه أو إبلاغه بما فعل صاحبنا معي
في اليوم التالي
لم أقابل الشيخ لصلاة الفجر ولا الجمعة ذلك اليوم.
حيث كنت تعبانا وكسولا ومتضايقا للغاية
رأيت الشيخ من نافذة غرفتي وهو خارج من المسجد من صلاة الجمعة
ومعه جمع من الناس ومنهم صاحبنا ذاك!!
بعد صلاة العصر مشيت مع الشيخ وقرأت عليه عددا من القواعد
وحينما اقتربنا من منزله وكنت وحيدا مع الشيخ
لاحظت صاحبنا يسير بسيارته ويراقبني
حيث مر بسيارته من أمام منزل الشيخ
سلمت على الشيخ ثم رجعت للسكن
وفي الطريق بدر لي أن ارجع للشيخ وأحدثه بما تم بالأمس
فرجعت لبيته وطرقت الباب .
فرد علي أهل الشيخ فطلبت منهم أن ينادوه.
فقالو لي: انتظر قليلا.
حينها مر صاحبنا بسيارته مرة أخرى فرآني واقفا أمام بيت الشيخ
فأوقف السيارة و ترجل منها وتوجه نحوي
فاقترب مني وصرخ في وجهي
وقال: ماذا تفعل هنا
هيا أغرب عن وجهي
فقلت له : أنا أمام بيت الشيخ ، وليس بيتك وهذا ليس من شأنك!!
فرفع يده فجأة
ولطمني على وجهي بشدة فسقطت على الأرض
وتبعثرت أوراقي ومسجلي
فحمل المسجل وضرب به على وجهي فسقطت مرة أخرى ثم رمى به على جدار منزل الشيخ فتكسر ولم يعد ذا نفع
ثم دفعني بشدة وعنف وقال : هيا اذهب وإلا فعلت بك وفعلت!!
حملت متاعي وأوراقي المبعثرة وتمنيت أن يخرج الشيخ فيرى ما حصل بعينه ورجعت للسكن وأنا أبكي من الألم والحسرة
سبحان الله أهكذا العلم وهكذا حال طلبة العلم
وممن من أقرب الناس للشيخ
واعيباه وفضيحتاه على العلم وطلبته!!
والله الذي لا إله سواه إنني أتحدث لكم ولا أكاد اصدق ما حدث وجرى
دخلت على سكن الطلبة وطلبت من علاء الدين أن يعطيني هاتفا
فقال لي: مالذي حصل لوجهك
فقلت : دعني ياعلاء سأخبرك لاحقا
فقال : إن هاتفي يستقبل ولا يمكن الاتصال منه
ولكن اذهب لتلفون المكتبة فيمكنك الاتصال منه
دخلت على مشرف المكتبة وهو الأخ عبيد الله الأفغاني وهو من أصحابي القريبين جدا مني
فاستأذنته للاتصال على شيخنا لأمر هام.
فتفهم الأمر وعرف أن هناك كارثة حصلت معي!!
فاسـتأذنته أن أخلو بالتلفون
لم أكن ارغب أن يسمع الطلاب تلك المهزلة والفضيحة
فخرج من المكتبة ولم يكن حينها سواه ورد الباب خلفه
فاتصلت على تلفون الشيخ الخاص
فردت علي أهله وحولتني للشيخ.
حينما سمعت صوته ، انفجرت باكيا ولم أستطع أن أنطق جملة واحدة مفهومة
فقال لي:
اهدأ وحدثني بما حصل .
فرويت له القصة وما فعله طالب العلم ذاك معي
فاسترجع شيخنا ، وعرفت الغضب والحيرة من صوته
وقال لي: سوف أرى مالذي سأفعله مع هذا الرجل
ثم أغلق السماعة [/frame]
أحبتي بالله لاتنسوا كلامي من البداية وهو
ان هذا الموضوع منقول
وجزاكم الله خير
يتبع