[frame="8 80"]العزيز1
P
شرح أسماء الله الحسنى
العزيز
جل جلاله وتقدست أسماؤه
المعنى اللغوي:
العز في الأصل القوة والشدة والغلبة.
وبالإمكان جعل معانيها تدور على ثلاثة في اللغة:
1. العزيز أي الغالب ودليل ذلك قوله تعالى: ((وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)).
2. العزيز أي القوي قال تعالى: ((فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ )) أي: أتينا باثنين ثم عززنا بثالث تقوية لهما.
3. العزيز أي: النادر، ويقال عزّ الشيء إذا قل حتى ما كاد يوجد يعني أصبح نادراً.
ورود الاسم في القرآن:
ذكر " العزيز" في القرآن اثنين وتسعين مرة.
معنى الاسم في حق الله تعالى:
لله تعالى ثلاثة أنواع من العزّة:
الأول: عزّة قدر: معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز يعنى لا نظير له.
الثاني: عزة قهر: وهي عزة الغلبة أي أنه غالب كل شيء قاهر كل شيء.
الثالث: عزة امتناع: وهو أن الله تعالى يمتنع أن يناله سوء أو نقص فهو مأخوذ من القوة والصلابة.
هذه هي معاني العزة التي أثبتها الله لنفسه، وهي تدل على كمال قهره وسلطانه، وعلى كمال صفاته، وعلى تمام تنزهه عن النقص.
ودلّ على كمال قهره وسلطانه في عزة القهر، وعلى تمام صفاته وكمالها وأنه لا مثيل لها في عزة القدر، وعلى تمام تنزهه عن العيب والنقص في عزة الامتناع.
فالعزيز الذي له الذي له جميع معاني العزة((إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً )) فهو العزيز لكمال قوته وهذه عزة القوة، ويرجع إلى هذا المعنى القويّ المتين.
وعزة الامتناع عن مغالبة أحد، وعن أن يقدر عليه أحد، أو يبلغ العباد ضره فيضروه، أو نفعه فينفعوه، وامتناعه وتكبره عن جميع مالا يليق بعظمته وجلاله من العيوب والنقائص، وعن كل ما ينافي في كماله، ويرجع إليها معنى المتكبر مع أن المتكبر اسم دال على كمال العظمة ونهاية الكبرياء، مع دلالته على المعنى المذكور وهو تكبره وتنزّهه عمّا لا يليق بعظمته ومجده وجلاله.
المعنى الثالث عزة القهر، الدال عليها اسم القهار الذي قهر بقدرته جميع المخلوقات، ودانت له جميع الكائنات، فنواصي العباد كلهم بيده، و تصاريف الملك وتدبيراته بيده، والملك بيده، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقال ابن جرير: (العزيز) أي: الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه.
وقال: (العزيز) في انتقامه ممن أراد الانتقام منه لا يقدر أحد يدفعه عنه.
قال ابن كثير: (العزيز) أي: الذي قد عزّ كل شيء فقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه.
قال القرطبي:(العزيز) معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغلب.
و قال ابن كيسان: معناه الذي لا يعجزه شيء دليله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ)).
والعزيز هو ما نظمه ابن القيم في "النونية" بقوله:
وهو العزيزُ فلن يُرام جَنَابُه أنّى يُرام جَنَابُ ذي السلطان؟!
وهو العزيزُ القاَهرُ الغلاّبُ لم يَغْلبه شيءٌ هذه صِــفَتَانِ
وهو العزيزُ بقوةٍ هي وصَفْهُ فالعِزّ حينئذٍ ثلاث معـــانِ
وهي التي كَمُلَتْ له سبحانه من كلّ وجهٍ عادم النقصانِ
وعلى هذا فيكون معنى الاسم على أربعة أوجه:
أ- (العزيز): هو المنيع الذي لا يُرام جنابه.
ب- (العزيز): هو القاهر الذي لا يغلب و لا يقهر.
ج- (العزيز): هو القوي الشديد.
د- ( العزيز): بمعنى نفاسة القَدْر، وأنه سبحانه لا يعادله شيء، و لا مِثُلُ له و لا نظير.
أيضاً من معاني اسم الله (العزيز): المعزّ الذي يُعزّ أولياؤه قال تعالى: ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
الآثار المسلكية في الإيمان باسم العزيز:
1- الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى من أسماؤه العزيز الذي لا يغلب و لا يقهر، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فأنزل حاجتك به واطلب العزة منه، والمتأمل في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم يرى ذلك واضحاً جلياً.
§ فمثلاً قصة موسى عليه الصلاة والسلام لما حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا، بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه، ولكن يأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، فولد موسى عليه الصلاة والسلام، وكان أن تربى موسى في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته، ولما حاول أن يقتله أهلكه الله هو وقائده هامان وجنوده أجمعين.
§ وفي قصة سحرة فرعون من العبر، فإنهم اعتزوا بسلطان زائل، وقوة فانية ومن الذي يقوم في وجه الله، ويصارعه، ويغالبه ، فقد اعتز السحرة بالفراعنة و الأكاسرة، كما قالوا حال كفرهم حين إلقاء عصيهم وحبالهم: ((وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ )). فلم يغن عنهم فرعون من الله شيئاً، ولم يحقق لهم من النصر والغلبة، فقد غلبهم موسى في ميدان النزال، وقهرهم عندما لقفت عصاه عصيهم والحبال ((فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ))، هنالك أعلن السحرة خضوعهم برب العالمين ، غير مبالين بفرعون ((وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ!قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ)) ، وتحول اعتزاز السحرة من الاعتزاز بفرعون إلى الاعتزاز بالله غير هيابين و لا وجلين، وهكذا المؤمن عندما يملأ الإيمان قلبه، ويوقن بعزته وقوته.
§ وفي قصة يوسف لما امرأة العزيز راودته عن نفسه فاستعصم وهو يقول: ((قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ )) ثم تشق قميصه من دبر من الذي جعلها تشق قميصه من دبر ،إنه العزيز الذي لا يُغلب، ثم انطق العزيز الطفل في المهد ليكون شاهداً ليوسف على براءته فهو العزيز الذي لا يُقهر و من طلب العزة منه أعزه سبحانه وتعالى.
§ لما كان نوح يصنع السفينة كان قومه يمرون عليه و يسخرون منه إذ لا بحر لديهم وهو يصنع سفينة فيقول: (( إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ )) من الذي أظهره عليهم وهو في السفينة وهم يغرقون إنه العزيز سبحانه.
§ ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه الصلاة والسلام أعزه الله عليهم ورفعه وكان الله عزيزاً حكيماً.
§ وهكذا الأمر بالنسبة لنبينا محمد r فمن الذي رفع قدره بعد أن أخرجه قومه طريداً شريداً بعد أن مكروا به، وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وحاربوه، وألبوا عليه القبائل، ثم يكتب الله على يديه فتح مكة فيدخلها وهو يحمل المحجن، ويضرب به الأصنام وهو يقول : ((وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً )) إنه العزيز سبحانه وتعالى.
2- من طلب العزّ فليطلبه من الله رب العزة كما قال تعالى: ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً))، أي: من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعاً، فقد قال تعالى: ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) فبالطاعة تُنال العزة، وبذلك تعلم ضلال من بحث عن العزة عند غير الله تعالى، وبغير طاعته والتزام نهج المؤمنين.
§ فطاعة الله فوز قال تعالى: ((وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).
§ وطاعته هداية ورحمة للعبد قال تعالى: ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً)).
§ طاعة الله من أسباب دخول د خول الجنة عن جابر بن عبدالله " جاءت ملائكة إلى النبي r وهو نائم فقال بعضهم إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا أولوها له يفقهها، فقال بعضهم إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمدr،فمن أطاع محمدr فقد أطاع الله، ومن عصى محمدrفقد عصى الله ، و محمدr فرق بين الناس" حديث صحيح.
وطاعة الله ورسوله تحكيم الله ورسوله والرضا بما حكم به الله ورسوله وعدم مخالفته ولو كان ذلك مخالفا لهواك، فمع عظم الطاعة تزداد العزة، فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم.
أمثلة من حياة الصحابة في امتثالهم الأمر والمسارعة إليه
عن أسماء –رضي الله عنها –قالت :جاءت امرأة إلى النبي r فقالت : إن ابنتي عريس وقد أصابتها الحصبة فتمرق شعرها فأصِل لها فيه ,فقال رسول الله r لعن الله الواصلة و المستوصلة .
عن مسلم بن مشكم قال :"كان الناس إذا نزلوا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول اللهr : إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم".
لما أنزل الله عز وجل: (( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) ، ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً )) الآية، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه، فيحبسه له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله r فأنزل الله عز وجل: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ )) فخلطوا طعامهم وشرابهم بشرابهم.
3- ومن أسباب العزة العفو والتواضع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله r قال:" ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه".
فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام، عظم في القلوب في الدنيا، أو في الآخرة بأن يعظم ثوابه أو فيهما، ومن تواضع رجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره، رفعه الله عند الناس وأجلّ مكانه ،قال تعالى: ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))
وقال تعالى: ((وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى))
فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في الكرة الثانية إذا ترك العفو، وانتقم من الباغي، وعرض مع ذلك بما كان أولى به، من العفو بذكر هاتين الصفتين، ودل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذا لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل العفو عند القدرة.
وقال تعالى : ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).
مدح الله الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم فقال : (( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ )) وأثنى على ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ )) وَ ((الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ )) وأخبر تعالى أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك.
وقال تعالى: ((وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r :" ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ ، قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".
عن أبي أيوب قال : قال لي رسول الله r : "يا أبا أيوب ، ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله، تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا " لفظ الطبراني.
ولفظ الأصبهاني قال رسول الله r : " ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها قلت بأبي أنت وأمي، قال تصلح بين الناس فإنها صدقة يحب الله موضعها ".
إذن فأحب الصدقة إلى الله ليس دفع الأموال ولكن التقريب بين المتباعدين.قال r :"إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله،وإن شرار عباد الله من هذه الأُمة المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت".
وعن ابن مسعود –t- قال : "كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". د/نوال العيد[/frame]