][ تــآإرٍيــخ تــرٍكــيــآإ ][
مكتبة سيلسوس ضمن آثار افسوس
تاريخ تركيا يمتد إلى أقدم العصور.
تفككت الدولة السلجوقية فتكونت السلطنة العثمانية فيها بين القرنين الرابع عشر و السادس عشر و أخذت بالتوسع حتى سيطرت على الأمبراطورية البيزنطية و بلغاريا و صربيا إلى أن توقف توسعها إثر هزيمة بايزيد الأول (يلدرم) الصاعقة عام 1402 م على يد تيمورلنك.
الدولة العثمانية
شهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية قادها مصطفى كمال أتاتورك أي (أبو الترك) الذي ألغى السلطنة و أعلن تركيا جمهورية فتولى رئاستها عام 1923 م حتى وفاته عام 1938 م و قد تمكن من استبدال المبادىء الإسلامية بأعراف قومية علمانية و استبدل الكتابة في تركيا من العربية إلى اللاتينية خلفه (عصمت اينونو) حتى عام 1950 م
حاول أتاتورك أن يفرض القبعة على الشعب بالقانون وببطش الدولة، فاتخذ العلماء من هذا الأمر وسيلة لمواجهة الهجمة العلمانية، فظهرت فتاوى عن حكم صلاة الرجل بالقبعة، وغالى البعض فحكم بكفر من يرتديها، فقاوموها حتى الموت، باعتبارها رمزًا لنموذج مرفوض. وكان الصراع في تلك الفترة بين النظام السياسي والشعب المسلم فقبض هذا الشعب على الإسلام في قلبه المؤمن، وتجاهل القوانين العلمانية، واتجه العلماء إلى بناء الإسلام سرًّا في النفوس؛ فظهر العالم الجليل الشيخ "سلمان حلمي" الذي اهتم بتحفيظ القرآن الكريم، فكان يستأجر المزارع البعيدة عن المدن، ويأخذ طلبته معه يعملون في الحقل بالنهار، ويدرسون القرآن الكريم بالليل، في إصرار عجيب على المحافظة على الإسلام والقرآن. وكانت "الطريقة النقشبندية" بزعامة الشهيد "عاطف الإسكليبي" الذي أُعدم بسبب كتاباته ضد القبعة. وكان الشيخ "سعيد النورسي" صاحب "رسائل النور" الذي رفض تغريب تركيا، وحارب الإلحاد.
وبدأت الحرب على الأبجدية العربية التي كانت تُكتب بها اللغة التركية، فصدر قانون بالكتابة بالأبجدية اللاتينية، ونُقِّيت التركية من الكلمات الفارسية والعربية، فأصبح الأذان للصلاة بالتركية. وكم من العلماء شُنقوا وعُلقت أجسادهم أمام المساجد لأنهم رفعوا الأذان باللغة العربية. ثم جاءت الهجمة الشرسة على أسماء الشعب وهي ما عُرفت بـ"معركة الألقاب"، وبدا واضحًا أن أتاتورك ورجاله يسعون لتغيير دين الشعب وهيئته وأسماءه بعيدًا عن الإسلام؛ ففي الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية جُمعت المصاحف والكتب الدينية ووضعت على ظهور الإبل ليقودها رجل يرتدي الزي العربي ليتجه بها نحو الجزيرة العربية، وعُلقت على رقاب الإبل لافتة تقول: "جاءت من الصحراء، ولتعد إلى الصحراء، وجاءت من العرب، فلتذهب إلى العرب".
مهمة شاقة
كانت مهمة إعادة الوجه الإسلامي لتركيا مهمة شاقة وعسيرة، ناهيك أن تكون المهمة هي إعادة الإسلام للحياة السياسية ليصبح أحد الفاعلين على المسرح السياسي، بل ومنافسًا بارزًا للوصول إلى السلطة السياسية. وقد استطاعت الحركات الإسلامية في تركيا أن تقدم نموذجًا فريدًا في الاستجابة لضغوط الواقع السياسي والاجتماعي المفروض عليها، والتكيف معه، والاستفادة منه، دون أن تتخلى عن عقيدتها أو أفكارها، ودون أن تلجأ إلى العمل المسلح والثوري العنيف، فكانت تستغل كل انفراجة سياسية لترسيخ أقدامها والتعبير عن نفسها، فهي تعرف كيف تستفيد من عناصر الواقع الذي تعيشه، فتأخذ منه النافع بأكبر قدر ممكن، وتقلل السيئ قدر المستطاع، ولعل أحد الأصول المهمة المستفادة من تناول حركة الإسلام السياسي في تركيا هو أن الحركة تأخذ ما يتاح لها حتى تتهيأ لها الظروف للتغيير.
ولقد قامت ثلاثة انقلابات عسكرية في تركيا كانت كلها بعد قرب وصول الإسلاميين إلى قمة النظام السياسي حكمًا أو مشاركة، وهذا يدل على عمق الإسلام في نفس الشعب التركي، وقدرة الحركة الإسلامية ومعرفتها بمواطن التأثير في الشعب وكيفية مخاطبته، وطبيعة القضايا التي تطرحها عليه، فالحركة الإسلامية في تركيا لم تكن تكتفي وتقتصر على الحلال والحرام فقط رغم أهميته، وإنما كانت تقدم حلولاً واقعية لمشكلات يكابدها الأتراك ولا يجدون في الساسة العلمانيين يدًا تُنفذ أو أملاً يتحقق، حيث كان صراعهم على السلطة وليس على مصلحة الشعب.
البداية
كانت بداية الانفراج سنة (1365هـ = 1945م) عندما سمح النظام بتعدد الأحزاب، فظهر على الساحة الحزب الديمقراطي، لينافس حزب الشعب الذي أسسه أتاتورك واحتكر السلطة (27) سنة، واستطاع الحزب الديمقراطي أن يحصل على غالبية مقاعد البرلمان، وكان تصويت الأتراك له نكاية في حزب الشعب، وأصبح النشاط الإسلامي ممكنًا بعد أن كان مُصادَرًا، غير أن هذه التوجهات السياسية الجديدة دفعت الجيش للقيام بانقلاب عسكري في (2 ذي الحجة 1379هـ = 27 مايو 1960) باعتباره الحامي لمبادئ أتاتورك العلمانية، وتم إعدام "عدنان مندريس" رئيس الوزراء في هذا الانقلاب، وتولى قائد الانقلاب "جمال جورسيل" رئاسةَ الدولة والوزراء ووزارةَ الدفاع.
الصعود
لقد شهدت فترة الستينيات تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة في تركيا؛ حيث ارتفعت الدخول وتغيرت بعض أنماط الحياة. أما في المجال السياسي فانتشرت الأحزاب اليسارية في صفوف الطلاب والمثقفين، وظهر في تلك الفترة توجهات سياسية إسلامية على الساحة في تركيا، فظهر المهندس الإسلامي "نجم الدين أربكان" الذي عيَّنه حزب العدالة رئيسًا لاتحاد مجالس الصناعة والتجارة التركية، ثم كان الظهور القوي لأربكان عام (1389هـ = 1969م) حيث فاز كمرشح مستقل عن دائرة قونية معقل الصوت الإسلامي، فكان فوزًا كبيرًا وانتصارًا ساحقًا، لكن الشرطة أبعدته عن منصبه.
وفي عام (1390هـ = 1970م) أسس أربكان حزب النظام الوطني، الذي تميز برنامجُه بالرغبة في توطيد العلاقات مع الدول القريبة من تركيا تاريخيًّا وثقافيًّا، وبدأ في نقد حزب العدالة والشعب الجمهوري. ومن يقرأ البيان التأسيسي للحزب ير كيف كانت الحركة تستجيب للنظام القانوني، ولا تحاول أن تخرج عليه حتى لا تقع تحت طائلته. وفي العام التالي أقام الحزب مؤتمره السنوي الأول، مبتدئًا الحفل بالنشيد الوطني، واختير "أربكان" أمينًا للحزب.
انقلاب المذكرة
وقد عانى النظام السياسي في تركيا من أزمات حادة لم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجتها لذلك وجهت قيادة الجيش في (15 محرم 1391هـ = 12 مارس 1971م) مذكرة إنذار إلى رئيس الوزراء "سليمان ديميريل" تدعوه فيه إلى إجراء إصلاحات سريعة من أجل القضاء على أسباب التذمر والفوضى، وإلا فإن الجيش سيمارس حقه الدستوري ويتولى مقاليد الحكم، وعُرف هذا الانقلاب بانقلاب المذكرة، فاستقالت الحكومة، وجُرِّم حزب النظام الوطني وأغلقت مقرَّاتُه، وذلك بعد أن ترك أثرًا لا يُمحى في نفوس الأتراك، واُضطر أربكان لمغادرة البلاد، حتى يترك العاصفة الهوجاء تمر.
السلام الوطني
في عام (1392هـ = 1972م) أسس "فريد ملان" حزب السلامة الوطني، وهو حزب يحمل توجهات إسلامية، وبقي أربكان في الظل حتى لا يُصادر نشاط الحزب كغيره، وبعد فترة قليلة خاض الحزب الانتخابات البرلمانية واستطاع أن يحقق المركز الثالث في نتائجها بعد أن حصل على (49) مقعدًا، ودخل في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري، وتضمن بروتوكول الاتفاق بينهما مبادئ هامة منها إطلاق الحريات، وحرية الصحافة، والعفو عن السجناء السياسيين. وتولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، وجنى الإسلام من وراء هذا التحالف مكاسب كبيرة، منها: فتح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء، وتدريس مادة الأخلاق كمادة إجبارية، وكانت أعظم إنجازات هذه الوزارة نجاح أربكان في إقناع قيادة الجيش التركي بإنزال قواتها في جزيرة قبرص واحتلال أكثر من ثلثها، وكان الدافع وراء ذلك هو وقف المذابح التي يرتكبها اليونانيون القبارصة في حق المسلمين القبارصة. واتخذ أربكان هذا القرار في ظل غياب رئيس الوزراء التركي أجاويد عن البلاد، وحصلت الوزارة بعد هذا القرار على تأييد شعبي كبير، ولمع نجم "أربكان" في سماء السياسة التركية، ولمع معه الاتجاه الإسلامي المتمثل في حزب السلامة الوطني.
وكان للنجاح الذي حققه حزب السلامة الوطني أثر بالغ في تصاعد المخاوف منه ومن تنامي المد الإسلامي في البلاد، فافتُعلت أزمة سياسية، واستقال أربكان ومؤيدوه من الوزارة.
كان أربكان في موقفه الحازم من قضية الإنزال التركي في قبرص يخاطب الشعب التركي والقضايا التي تشغله، وذلك لأن الشعب التركي يعتبر جزيرة قبرص جزءًا منه، قامت بريطانيا بتمكين اليونانيين منها حتى يصبحوا أكثرية، والمعروف أن الجزيرة لا تبعد إلا ستة كيلومترات عن الموانئ التركية، في حين تبعد عن اليونان أكثر من ستمائة كيلومتر.
وقد ائتلف حزب السلامة الوطني مع حزب العدالة في حكومتي (1395هـ = 1975م) و(1399 = 1978) وكان أربكان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وتبنى الحزب في هذه الفترة قضايا ذات طابع اقتصادي تنموي، فأصر الحزب على القيام بحملة للصناعات الكبرى خاصة في مجال الأسلحة الثقيلة، فافتتح في عام (1396هـ = 1976م) أكثر من مائة مؤسسة صناعية كبرى، وعمل على إصدار قانون يُلغي الفوائد الربوية على القروض الزراعية، وتم إحلال زراعة الحبوب محل زراعة الدخان، ووزع آلافًا من الجرارات الزراعية على الفلاحين.
انقلاب جديد
وفي عام (1400 هـ = 1980م) عقد الحزب مؤتمرًا شعبيًّا تحت شعار: "أنقذوا القدس"، ورُفعت فيه الأعلام الخضراء وظهرت دعوات لإقامة دولة إسلامية في تركيا، فقام الجيش بانقلاب عسكري، وسيطر العسكريون على السلطة السياسية، وتم حل الأحزاب ومن بينها حزب السلامة، وتركزت السلطة في يد مجلس الأمن القومي، ونفذ في تلك الفترة (3600) حكم بالإعدام، وقيدت الحريات المختلفة، ولم يُسمح بدخول انتخابات عام (1403هـ = 1983م) إلا لثلاثة أحزاب هي: حزب الديمقراطية ويتكون من جنرالات الجيش المتقاعدين، وحزب الشعب الجناح الأتاتوركي، وحزب الوطن الأم بقيادة "تورجوت أوزال" وهو الذي فاز في تلك الانتخابات، وظلت الحياة السياسية في تركيا غير مستقرة.
أوزال والحركة الإسلامية
تورجوت أوزال
لقد واجه قادة الانقلاب الأخير أزمة حقيقية؛ فهم يريدون استخدام الإسلام لمقاومة المد الشيوعي، وفي نفس الوقت يخشون من تنامي المد الإسلامي في الشارع والحياة السياسية التركية، وعلى حد تعبير البعض فهم يريدون إسلامًا تابعًا للنظام وليس منافسًا له.
وعندما بدأت الحياة السياسية تعود للبلاد تدريجيًّا أسس "تورجوت أوزال" حزب الوطن الأم، والمعروف أن أوزال مهندس كهربائي ولد عام (13446هـ = 1927م) وتمتع بخبرة عالية في الشئون الاقتصادية والسياسية وأنه كان مرشحًا لحزب السلامة الوطني عن ولاية "أزمير"، وكان يقال عنه إنه سفير الغرب في بلاده، ورغم ذلك فإن الحركة الإسلامية في عهده –سواءً كان في رئاسة الوزراء أو في رئاسة الجمهورية- كانت تتمتع بحرية أكبر، واحتلت مساحة أكبر في السياسة والشارع التركي، فأوزال كان يرى الأسلمة المعتدلة كإطار أيديولوجي للحد من تطرف الأتاتوركية، وخوفًا من تطرف بعض الإسلاميين ونمو الأفكار المتطرفة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران لذلك تَبَنَّى سياسات إسلامية معتدلة مقارنة بسابقيه، فدعم المدارس التي تُخرِّج الأئمة والخطباء لتصل نسبة خريجيها إلى 20% من خريجي المدارس المتوسطة، كما سمح بالدعوة الإسلامية في الإذاعة والتلفزيون، وسمح للفتيات بارتداء الحجاب بعد أن كان مجرَّمًا قبل ذلك، وسمح بقيام مؤسسات الأوقاف، كما سمحت السياسات الاقتصادية التي تبناها بوجود شركات ومشروعات إسلامية، كما سمح بنشاط رابطة العالم الإسلامي في تركيا.
الحجاب هو البداية
وقد تولى أوزال رئاسة الجمهورية في (ربيع الثاني 1410هـ = نوفمبر 1989م) وقبل توليه الرئاسة بيوم واحد نظمت طالبات جامعة "أنقرة" مظاهرة كبيرة اشترك فيها خمسة آلاف طالبة؛ احتجاجًا على منع الحجاب في الجامعات التركية بقرار من المحكمة الدستورية العليا، وأحدثت هذه المظاهرة أثرها في الشارع التركي، حيث رأى البعض أن الظهور المكثف للمحجبات هو من قبيل التخطيط السياسي، حيث يقدمون النساء والفتيات في الواجهة مما يجعل تأثيرهن أقوى ومواجهتهن أقل، ورأى آخرون أن النساء رفعن رايات الانتماء للإسلام بارتداء الحجاب لتثبت الحركة الإسلامية في تركيا أنها موجودة في الوجدان الشعبي والجماهيري، وبذلك استطاعت الحركة الإسلامية أن تنقل معركتها مع العلمانيين من الحرم الجامعي إلى الشارع العام لإثارة المشاعر الإسلامية لدى المواطن التركي، ولا شك أن هذا الأداء الإسلامي المحسوب بدقة كان يهدف إلى عدم حدوث انتكاسة للإسلاميين كالتي حدثت في بداية الثمانينيات والتي أدت إلى اقتصار المد الإسلامي على العباءات فقط بعد الانقلاب الأخير.
الرفاه من المسجد إلى المجتمع
نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق
تأسس "حزب الرفاه" عام (1403هـ = 1983م) وكان "النظام العادل" هو عنوان البرنامج الذي يطرحه الحزب، وهو في مضمونه يعني النظام الإسلامي. وكان النظام العادل للحزب يهدف إلى إلغاء العلمانية في تركيا والتي تختلف عن العلمانية الغربية التي تقتصر فقط على فصل الدين عن السياسة وليس محاربة الدين. وكان أربكان يرى أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية؛ فهي تهدف إلى إقامة نظام السعادة وإذا فشلت في ذلك فلا قيمة لها، وكان هذا هو الخطاب السياسي الذي خاض به أربكان الانتخابات بعد ذلك، فاستطاع في الانتخابات المحلية عام (1410هـ = 1989م) أن يحصل على خمس بلديات، أما فوزه الكاسح فكان في عام (1413هـ = 1992م)، وكان مفاجأة كبيرة في الوسط السياسي التركي، ودعت هذه النتائج أربكان إلى مطالبة رئيس الوزراء "سليمان ديميريل" بالاستقالة وإحلال النظام العادل محل النظام المُفْلِس.
لقد بدأ حزب الرفاه والإسلاميون يقتربون من السلطة في هدوء وبطء، فعمل على خلق قاعدة اجتماعية قوية له، وساعده على ذلك انشغال المؤسسة العسكرية التركية والائتلاف الحكومي بمواجهة حزب العمال الكردستاني وزعيمه "عبد الله أوجلان"، فاستثمر حزب الرفاه ذلك الأمر في إعلانه أنه يرفض العنف، وأنه لن يخرج على خط الدولة وسياساتها، وساعده– أيضًا وجود الرئيس "تورجوت أوزال" في الحكم بأفكاره غير المتطرفة تجاه الإسلاميين. إلا أن أوزال توفي بأزمة قلبية مفاجئة في (24 شوال 1413هـ = 17 أبريل 1993م) قبل أن يكمل فترة رئاسته، وتولى الحكم بعده "سليمان ديميريل".
ومع ازدياد الشعور الإسلامي في تركيا وسيطرة حزب الرفاه على عاصمتي تركيا: أنقرة وإستانبول، توحدت أحزاب اليمين واليسار ضده لتستطيع مواجهته، إلا أن أربكان السياسي العجوز رأى في هذه الوحدة إضعافًا لهما وتقويةً له، فحقق الحزب فوزًا في انتخابات (1414هـ = 1994م) وهو ما أقلق الأحزاب المختلفة فبدأ بعضها يخاطب ودَّ الجماهير عن طريق فتح معاهد لتدريس القرآن الكريم، وأثبت فوز الرفاه في هذه الانتخابات البلدية أنه حزب مستقيم استطاع أن يقدم خدمات يومية في البلديات التي فاز فيها دون تفرقة بين أحد؛ لذلك كان كثير من غير المسلمين يصوتون لصالحه، وبذلك انتقل الحزب من المسجد إلى المجتمع بهدوء وقوة فحقق شعبية كبيرة رغم تشكيك الكثيرين في هذا الأمر، وتجلت هذه الجماهيرية للحزب في الانتخابات البرلمانية في (1416هـ = 1995م) حيث حصل الحزب على أعلى المقاعد وهي: (158) مقعدًا من أصل (550) مقعدا، وحصل في الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت في ذلك العام على 33% من الأصوات، وأعقب هذا الفوز الكاسح للرفاه فشلُ وانهيارُ الحكومة الائتلافية بين حزبي "الطريق القويم" و"الوطن الأم".
ولقد تحالف الجميع ضد وصول الرفاه للحكم، فعهد الرئيس ديميريل إلى "تانسو تشيلر" زعيمة الطريق القويم بتشكيل الوزارة ففشلت، وقدَّم الرفاه ملفات تُدينها بالفساد، وحصل على موافقة من البرلمان على إجراء تحقيق حول ممتلكاتها الشخصية. أما "مسعود يلماظ" زعيم حزب الوطن الأم فألجأ الرفاه إلى المحكمة الدستورية العليا واستطاع الحصول منها على حكم بعدم دستورية اقتراع الثقة على حكومته، فأدى ذلك إلى فوضى سياسية مع إصرار المؤسسة العسكرية والعلمانيين على عدم صعود أربكان لرئاسة الوزارة.
وأمام هذه الإدارة المنظمة للحملة السياسية التي قام بها الرفاه لمواجهة خصومة الأقوياء، رفعت تشيلر الراية البيضاء حتى يتوقف الحزب عن فتح ملفات فسادها، وأعلنت قبولها الائتلاف السياسي مع الرفاه ،على أن يتولى أربكان رئاسة الوزارة، وتكون الوزارات السياسية السيادية من نصيب حزب الطريق القويم.
وفي (صفر 1417هـ= يونيو 1996م) تشكلت وزارة ائتلافية على رأسها نجم الدين أربكان ليصبح بذلك أول إسلامي يصعد إلى قمة السلطة السياسية في العصر الحديث في الشرق الأوسط عن طريق الانتخاب. واستطاع أربكان في الفترة التي تولى فيها الوزارة وهي عام واحد أن يخفض ديون تركيا من (38) مليار دولار إلى (15) مليار دولار، وقاد سياسة ناجحة داخليًّا وخارجيًّا بعيدًا عن التشدد والتطرف، وهذه السياسة تعتمد الواقع ولا تبتعد عنه، إلا أن المؤسسة العسكرية رأت في نجاحاته الكبيرة خطرًا كبيرًا، خاصة أنه اقترب من بعض القضايا الشائكة في تركيا –وعلى رأسها القضية الكردية- لحلها، وبدأت قيادة الجيش في حملة تطهير للإسلاميين من صفوف الجيش، وتوجيه انتقادات لاذعة لأربكان فتأزمت الأوضاع السياسية واحتقنت، وأمام ذلك لجأ أربكان إلى إجراء انتخابات مبكرة، ثم قدم استقالته من رئاسة الحكومة بعد أقل من عام.
ولا يخفى أن النخبة السياسية في تركيا وافقت على صعود الرفاه للسلطة لإثبات فشله والالتفاف عليه وحتى يفقد شعبيته إلا أن أربكان كان يدرك قواعد اللعبة السياسية ويتحرك من خلالها، مدركًا التوازنات السياسية التي تحيط به فنجح في أقل من عام في تحقيق إنجازات زادت من رصيده الشعبي والسياسي، لذلك رأى منافسوه ضرورةَ إقصائه عن موقعه رغم هتاف مائة ألف شاب تركي أمامه في مدينة قونية: "نريد الإسلام".
سيطر الحكم المدني على البلاد عام 1973 م فأدى ذلك إلى وضع غير مستقر فاندلعت أعمل العنف عام 1980 م تعاني الحكومة التركية من معارضة الأكراد و الأرمن حيث أن الاكراد يمثلون ا بين 3- 10 مليون نسمة و الحكومة لا تعترف بهم كجمهورية مستقلة و في عام 1991 م سمح الرئيس التركي أوزال بلجوء الأكراد غلى الأراضي التركية إثر ثورتهم في العراق و في عام 1993 م أصبحت تانصو تشيلر أول رئيسة للوزراء في تركيا.