الملاحظات
صفحة 2 من 26 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 255

الموضوع: رواية انت لي كامله

  1. #11  
    المشاركات
    3,259
    كانت ضحكاتها تملأ الأجواء .

    كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك !

    و كم هي مزعجة حين تبكي !

    اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي ّ و العصفورين . هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب . و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين .


    " وليــــــــــــــد " !


    وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة كبيرة .

    فتحت ذراعي و استقبلتها في حضني و حملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات .

    " صغيرتي . جلبت ُ لك ِ شيئا تحبينه ! "


    نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله

    أطلقت هتاف الفرح و طوّقت عنقي بقوة كادت تخنقني !

    بعدها قالت :


    " لوّن معي ! "


    ابتسمت ُ برضا بل بسعادة و قلت :


    " أمرك سيدتي ! "


    اعتقد . بل أنا موقن جدا . بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا .

    و سأجن . بالتأكيد . فيما لو حدث لها مكروه ٌ . لا قدّر الله






    رد مع اقتباس  

  2. #12  
    المشاركات
    3,259
    الحلقةالثالثة*******









    أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن

    دراستي و امتحاناتي ، رغد الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب موشكة !

    إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى جانبها .

    إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا

    كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، و مجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و مبعثرة فوق المكتب .

    لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، إلا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي

    الدراسة ، أمر بيدي و أستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد

    أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله !

    أما رغد الصغيرة .

    فهي بين يدي . و لا أملك السيطرة على أموري معها !

    و آه من رغد !

    يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ) يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك !

    هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق و السماح له بالدخول من عدمه !


    " وليـــد وليـــــــــد و ليـــــــــــــــــــــــــد ! "


    قفزت رغد فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي !

    " وليد علّمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة ! "

    إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سامر على ما أذكر !

    نظرت إليها و ابتسمت و أنا في عجب من أمرها !

    " رويدك صغيرتي ! مهلا مهلا ! متى عدت ِ من المدرسة ؟ "

    أجابتني على عجل و هي تمد يدها و تمسك بيدي تريد مني النهوض :


    " عدت الآن ، أنظر وليد الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا ! "


    تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة !

    إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق !
    و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد !
    تأملتها و ابتسمت ! و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها !

    قلت :

    " حسنا سيدتي الصغيرة ! سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا ! "

    بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة علوية تسمح للنقود المعدنية ، و النقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول !

    رغد طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم ! و أخذت العلبة الأسطوانية و جرت مسرعة نحو الباب !

    " إلى أين "

    سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي :

    " سأريها سامر ! "

    و انصرفت .

    اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، و نلصق الطوابع ، و نضحك بمرح قد انتهت .

    أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي شيء يخصني
    كم أنا سخيف !


    انتظرت عودتها ، لكنها لم تعد .
    لابد أنها لهت مع سامر و نسيتني !
    نسيت حتى أن تقول لي ( شكرا ) ! أو أن تغلق الباب !

    غير مهم ! سأطرد هذا التفكير المزعج عن مخيلتي و أتفرغ لكتبي . أو حتى . لقضايا البلد السياسة فهذا أكثر جدوى !

    بعد ساعة ، عادت رغد .
    كان الصندوق لا يزال في يدها ، و في يدها الأخرى قلما .

    اقتربت مني و قالت :






    رد مع اقتباس  

  3. #13  
    المشاركات
    3,259
    " وليد . "

    رفعت ُ بصري إليها ببطء ، كانت تبتسم ، و قد تورّد خداها قليلا !

    لابد أنها أدركت أنها لم تشكرني !

    قلت ُ بنبرة جافة إلى حد ما :

    " ماذا الآن ؟ "

    " هل لا أعطيتني ورقة صغيرة ؟ "

    يبدو أن فكرة شكري لا تخطر ببالها أصلا !

    تناولت مفكرتي الصغيرة الموضوعة على المكتب ، و انتزعت منها ورقة بيضاء ، و سلمتها إلى رغد

    أخذتها الصغيرة و قالت بسرعة :

    " شكرا ! "

    ثم ابتعدت .

    ظننتها ستخرج إلا أنها توجهت نحو سريري ، جلست فوقه ، و على المنضدة المجاورة و ضعت ( الصندوق ) و الورقة . و همّت بالكتابة !

    أجبرت عيني ّ على العودة إلى الكتاب المهجور . لكن تفكيري ظل مربوطا عند تلك المنضدة !


    " وليد . "


    مرة أخرى نادتني فأطلقت سراح نظري إليها .


    " نعم ؟"


    سألتني :


    " كيف أكتب كلمة ( عندما ) " ؟


    نظرت ُ من حولي باحثا عن ( اللوح ) الصغير الذي أعلم رغد كيفية كتابة الكلمات عليه ، فوجدته موضوعا على أحد أرفف المكتبة ، فهممت بالنهوض لإحضاره ألا أن رغد قفزت بسرعة و أحضرته إلي قبل أن أتحرك !

    أخذته منها ، و كتبت بالقلم الخاص باللوح كلمة ( عندما ) .

    تأملتها رغد ثم عادت إلى المنضدة .

    بعد ثوان ، رفعت رأسها إلي .

    " وليد ! "

    " نعم صغيرتي ؟ "

    " كيف أكتب كلمة ( أكبُر ) ؟ "


    كتبت الكلمة بخط كبير على اللوح ، و رفعته لتنظر إليه .

    ثوان أخرى ثم عادت تسألني :


    " وليد ! "


    ابتسمت ! فطريقتها في نطق اسمي و مناداتي بين لحظة و أخرى تدفع إي كان للابتسام !


    " ماذا أميرتي ؟ "

    " كيف أكتب كلمة ( سوف ) "


    كتبت الكلمة و أريتها إياها ، صغيرتي كانت مؤخرا فقط قد بدأت بتعلم كتابة الكلمات بحروف متشابكة ، و لا تعرف منها إلا القليل .
    بقيت أراقبها و أتأملها بسرور و عطف !
    كم هي بريئة و بسيطة و عفوية !
    يا لها من طفلة !

    رفعت رأسها فوجدتني أنظر إليها فسألت مباشرة :

    " كيف أكتب كلمة ( أتزوج ) ؟ "


    فجأة ، أفقت من نشوة التأمل البريء .

    هناك كلمة غريبة دخيلة وصلت إلى أذني ّ في غير مكانها !

    حدقت في رغد باهتمام ، و اندهاش .

    هل قالت ( أتزوج )

    أتزوج !






    رد مع اقتباس  

  4. #14  
    المشاركات
    3,259
    ألا تلاحظون أنها كلمة ( كبيرة ) بعض الشيء ! بل كبيرة جدا !

    سألتها لأتأكد :

    " ماذا رغد "

    قالت و بمنتهى البساطة :

    " أتزوج ! كيف أكتبها "

    أنا مندهش و متفاجيء .

    و هي تنظر إلي منتظرة أن أكتب الكلمة على لوحها الصغير .

    أمسكت بالقلم بتردد و شرود . و كتبت الكلمة ( الكبيرة ) ببطء ، ثم عرضتها عليها فأخذت تكتبها حرفا حرفا .
    انتهت من الكتابة ، فوضعت اللوح على مكتبي ، في انتظار الكلمة التالية .

    انتظرت .
    و أنتظرت .
    لكنها لم تتكلم

    لم تسألني عن أي شيء
    رأيتها تطوي الورقة الصغيرة ، ثم تدخلها عبر الفتحة داخل صندوق الأماني !

    ( عندما أكبر سوف أتزوج (( )) )

    الاسم الذي تلا كلمة أتزوج هو اسم تعرف رغد كيف تكتبه !
    كأي اسم من أسماء أفراد عائلتنا أو صديقاتها .
    كـ وليد ، أو سامر ، أو أي رجل !

    رغد الصغيرة !
    ما الذي تفعلينه !

    الآن ، هي قادمة نحوي .
    و الصندوق في يدها .

    " وليد اكتب أمنيتك ! "

    " ماذا صغيرتي "

    " أكتب أمنيتك و ضعها بالداخل ، و حينما نكبر نفتح الصندوق و نقرأ أمنياتنا و نرى ما تحقق منها ! هكذا هي اللعبة ! "

    إنني قد افعل أشياء كثيرة قد تبدو سخيفة ، أما عن وضعي لأمنيتي في صندوق ورقي خاص بطفلتي هذه ، فهو أمر سأترك لكم أنتم الحكم عليه !
    نزعت ورقة من مفكرتي ، و كتبت إحدى أمنياتي !
    فيما أنا اكتب ، كانت رغد تغمض عينيها لتؤكد لي أنها لا ترى أمنيتي !

    أي أمنية تتوقعون أنني أدخلتها في صندوق الأماني الخاص بصغيرتي العزيزة .

    لن أخبركم !

    بعد فراغي من الأمر ، طلبت مني رغد أن أحفظ الصندوق في أحد أرفف مكتبتي ، لأنها تخشى أن تضيعه أو تكتشف دانة وجوده فيما لو ضل في غرفتها !

    " وليد لا تفتح الصندوق أبدا ! "

    " أعدك بذلك ! "

    ابتسمت رغد ، ثم انطلقت نحو الباب مغادرة الغرفة و هي تقول :

    " سأخبر سامر بأنني انتهيت ! "

    بعد مغادرتها ، تملكتني رغبة شديدة في معرفة ما الذي كتبته في ورقتها
    كدت انقض وعدي و أفتح الصندوق من شدة الفضول .
    لكني نهرت نفسي بعنف . لن أخيب ثقة الصغيرة بي أبدا

    ( عندما أكبر سوف أتزوج )

    من يا رغد

    من ؟

    من





    ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




    في عصر اليوم ذاته ، قرر والدي أخذنا لنزهة قصيرة إلى أحد ملاهي الأطفال ، حسب طلب و إلحاح دانة !
    أنا لم أشأ الذهاب ، فأنا لم أعد طفلا و لا تثير الملاهي أي اهتمام لدي ، إلا أن والدتي أقنعتني بالذهاب من باب الترويح عن النفس لاستئناف الدراسة !
    قضينا وقتا جيدا .
    وقفت رغد أمام إحدى الألعاب المخيفة و أصرت على تجربتها !
    طبعا لم يوافق أحد على تركها تركب هذا القطار السريع المرعب ، و كما أخبرتكم فإنها حين ترغب في شيء فإنها لن تهدأ حتى تحصل عليه !

    و حين تبكي ، فإنها تتحول من رغد إلى رعد !

    والدي زجرها من باب التأديب ، إذ أن عليها أن تطيع أمره حين يأمرها بشيء

    توقفت رغد عن البكاء ، و سارت معنا على مضض .

    كانت تمشي و رأسها للأسفل و دموعها تسقط إلى الأرض !

    أنا وليد لا أتحمّل رؤيتها هكذا مطلقا . لا شيء يزلزلني كرؤيتها حزينة وسط الدموع !

    " حسنا يا رغد ! فقط للمرة الأولى و الأخيرة سأركب معك هذا القطار ، لتري كم هو مخيف و مرعب ! "

    أعترض والداي ، ألا أنني قلت :

    " سأمسك بها جيدا فلا تقلقا "

    اعتراضهما كان في الواقع على سماحي لرغد بنيل كل ما تريد
    أنا أدرك أنني أدللها كثيرا جدا
    لكن .
    ألا تستحق طفلة يتيمة الأبوين شيئا يعوضها و لو عن جزء من المائة مما فقدت ؟
    تجاهلت اعتراض والدي ّ ، و انطلقت بها نحو القطار

    ركبنا سوية ذلك القطار و لم تكن خائفة بل غاية في السعادة ! و عندما توقف و هممت بالنزول ، احزروا من صادفت !

    عمّار اللئيم !

    " من وليد ! مدهش جدا ! تتغيب عن المدرسة لتلهو مع الأطفال ! عظيم ! "

    تجاهلته ، و انصرفت و الصغيرة مبتعدين ، ألا أنه عاد يلاحقني بكلام مستفز خبيث لم أستطع تجاهله ، و بدأنا عراكا جديدا !

    تدخل مجموعة من الناس و من بينهم والدي لفض نزاعنا بعد دقائق .

    عمار و بسبب لكمتي القوية إلى وجه سالت الدماء من أنفه

    كان يردد :

    " ستندم على هذا يا وليد ! ستدفع الثمن "

    أما رغد ، و التي كانت تراني و لأول مرة في حياتها أتعارك مع أحدهم ، و أؤذيه ، فقد بدت مرعوبة و التصقت بوالدتي بذعر !

    عندما عدنا للبيت وبخني أبي بشدة على تصرفي في الملاهي و عراكي .
    و قال :

    ( كنت أظنك أصبحت رجلا ! )






    رد مع اقتباس  

  5. #15  
    المشاركات
    3,259
    و هي كلمة آلمتني أكثر بكثير من لكمات عمّار
    استأت كثيرا جدا ، و عندما دخلت غرفتي بعثرت الكتب و الدفاتر التي كانت فوق مكتبي بغضب
    لا أدري لماذا أنا عصبي و متوتر هذا اليوم .
    بل و منذ فترة ليست بالقصيرة
    أهذا بسبب الامتحانات المقبلة

    بعد قليل ، طرق الباب ، ثم فتح بهدوء .
    كانت رغد

    " وليد . "

    ما أن نطقت باسمي حتى قاطعتها بحدة :

    " عودي إلى غرفتك يا رغد فورا "

    نظرت إلي و هي لا تزال واقفة عند الباب ، فرمقتها بنظرة غضب حادة و صرخت :

    " قلت اذهبي . ألا تسمعين ! "

    أغلقت الصغيرة الباب بسرعة من الذعر !

    لقد كانت المرة الأولى التي أقسو فيها على رغد .

    و كم ندمت بعدها

    ألقيت نظرة على ( صندوق الأماني ) ثم أمسكت به و هممت بتمزيقه !

    ثم أبعدته في آخر لحظة !
    كنت أريد أن أفرغ غضبي في أي شيء أصادفه
    إنني أعرف أنني يوم السبت المقبل سأقابل بتعليقات ساخرة من قبل عمّار و مجموعته
    و كل هذا بسبب أنت أيتها الرغد المتدللة .
    لأجلك أنت أنا أفعل الكثير من الأشياء السخيفة التي لا معنى لها !
    و الأشياء المهولة . التي تعني أكثر من شيء . و كل شيء .

    و التي يترتب عليها مصائر و مستقبل .

    كما سترون .






    رد مع اقتباس  

  6. #16  
    المشاركات
    3,259
    الحلقةالرابعة********






    لم استطع النوم تلك الليلة

    جعلت أتقلب على فراشي و الأمور الثلاثة : الدراسة ، الحرب ، و رغد تآمرت علي و سببت لي أرقا و صداعا شديدا
    أوه يا إلهي . أنا متعب . متعب !
    فلتذهب الدراسة للجحيم !
    ولتذهب الحرب كذلك للجحيم !
    و رغد .
    رغد .
    فلأذهب أنا إلى رغد !

    قفزت من سريري في رغبة ملحة جدا لرؤية الصغيرة .

    لابد أنها غارقة في النوم الآن . كم كنت قاسيا معها ! كم أنا نادم !

    سرت ببطء حتى دخلت غرفة رغد ، و تعجبت إذ رأيت الظلام مخيما عليها !

    صغيرتي تخاف النوم في الظلام الشديد و تصر على إضاءة النور الخافت

    اقتربت من السرير و أنا أدقق النظر بحثا عن وجه الصغيرة ، إلا أنني لم أره

    أضأت ُ المصباح الخافت المجاور لسريرها ، و أصبت بالفزع حين رأيت السرير خاليا .
    نهضت مذعورا . و تلفت من حولي . ثم أنرت المصباح القوي و دققت النظر في كل شيء . لم تكن رغد في الغرفة .
    خرجت من الغرفة كالمجنون و ذهبت رأسا إلى غرفة دانة ، ثم سامر ، ثم جميع غرف المنزل و أنحائه و لم أبق منه مترا واحدا دون تفتيش . عدا غرفة والديّ
    سرت و أنا أترنح و متشبث بأملي الأخير بأن تكون رغد هناك .

    توقفت عند الباب ، و رفعت يدي استعدادا لطرقه فخانتني قواي

    ماذا إن لم تكن رغد هنا ؟أين يمكن أن تكون ؟

    القلق بل الفزع و الخوف على رغد تملكاني و ألقيا جانبا أي تفكير سليم من رأسي
    طرقت الباب طرقات متوالية تشعر أيا كان بالذعر !
    ثوان ، و إذا بأمي تقف أمامي في فزع :

    " وليد ؟ خير يا بني ؟ "

    التقطت عدة أنفاس متلاحقة ثم قلت :

    " هل رغد هنا ؟ "

    كنت أحدق بعين والدتي و كأنني أريد أن أخترقها إلى دماغها لأعرف الجواب قبل أن تنطق به .
    قولي نعم أمي . أرجوك !

    " نعم ! نامت هنا "

    كأن جبلا جليديا قد وقع فوق رأسي لدى سماعي إجابتها
    ارتخت عضلاتي كلها فجأة ، فترنحت و أنا أعود خطا للوراء حتى جلست على أحد المقاعد
    والدتي أقبلت نحوي ، و ألقت نظرة سريعة على ساعة الحائط ، ثم عادت تنظر إلي بقلق .

    " وليد ؟ ما بك عزيزي ؟ "

    أغمضت عيني لثوان ، و أنا عاجز عن تحريك أي عضلة من جسمي .

    ثم نظرت إليها و قلت بصعوبة :

    " قلقت حين لم أجدها في غرفتها . بل كدت أموت قلقا . "

    اقتربت مني والدتي ، و مسحت على رأسي و قالت :

    " هوّ ن عليك يا بني .
    جاءتني تبكي البارحة و تقول أنك غاضب منها و أخرجتها من غرفتك !
    كانت حزينة جدا ! "

    ربما تريد أمي معاتبتي لتصرفي مع رغد
    أرجوك أمي يكفي فأنا قد نلت من تأنيب الضمير ما يكفي و يزيد .
    ألا ترين أنني لم أنم حتى هذه الساعة بسبب ذلك .

    " آسف لإزعاجك أماه ، تصبحين على خير "






    رد مع اقتباس  

  7. #17  
    المشاركات
    3,259
    رغد !
    ما الذي تفعلينه بي !؟
    نهضت متأخرا في الصباح التالي ، و حينما ذهبت إلى المطبخ وجدت أمي مشغولة في إعداد الطعام فيما تلعب رغد ببعض الدمى إلى جوارها

    عندما رأتني رغد ، ابتسمت لها ، ألا أنها قامت و التصقت بأمي ، كأنها تطلب الحماية !

    تضايقت كثيرا من هذا . هل أصبحت طفلتي الحبيبة تخاف مني

    " رغد ! تعالي إلي . "

    لم تتحرك بل تشبثت بوالدتي أكثر ، الأمر الذي أشعرني بضيق شديد جدا فغادرت المطبخ فورا

    ستنسى بعد قليل . إنها مجرد طفلة و الأطفال ينسون بسرعة !
    بل من الأفضل ألا تنسى حتى تبقى بعيدة عني و أتخلص من أحد همومي !
    في المساء ، حضرت أم حسام بطفليها حسام و نهلة لزيارتنا
    أم حسام هي خالة رغد الوحيدة و التي كانت ترعاها في السابق ، بعد وفاة والديها
    حسام هو ابنها الأكبر و البالغ من العمر سبع أو ثمان سنوات على ما أظن ، أما نهلة فتصغر رغد ببضعة أشهر
    و يبدو أن ( أخا جديدا ) على وشك الانضمام لهذه العائلة !
    رغد تحب خالتها هذه كثيرا ، و الخالة تتردد علينا من حين لآخر للاطمئنان على رغد

    تحوّل بيتنا إلى ملعب أطفال . لعب ، ضحك، بكاء ، شجار ، عراك ، هتاف ، صراخ !

    كانوا جميعا سعداء ، أما أنا فقد لزمت غرفتي و عكفت على الدراسة .

    اختفت الأصوات تماما فيما بعد ، فاستنتجت أن الضيوف قد رحلوا .

    في وقت العشاء ، كنت أول الجالسين حول المائدة فقد كنت جائعا ، و لم أكن قد تناولت أي وجبة رئيسية لهذا اليوم .

    الكرسي المجاور لي هو الكرسي الذي تجلس عليه صغيرتي رغد عادة
    و كنت أساعدها في تناول الطعام دائما

    اجتمع أفراد أسرتي حول المائدة ، إلا أن الكرسي المجاور ظل شاغرا !

    " أين رغد "

    وجهت سؤالي إلى والدتي ، فأجابت :

    " أصرت على الذهاب مع خالتها و بما أن الغد هو يوم جمعة تركتها تذهب لتبات عندهم ! "

    اندهشت ، فهي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا . لطالما كانت الخالة تزورنا فلماذا تصر على الذهاب معها اليوم و اليوم فقط

    لقد فقدت شهيتي للطعام ، و لم أتناول منه إلا اليسير .

    مساء الجمعة ذهبت مع أبي لإحضار رغد من بيت خالتها

    دخلت أنا للمنزل فيما ظل والدي ينتظر في السيارة

    لقد كان الأطفال ، رغد و نهلة و حسام ، يلعبون ببعض الألعاب في إحدى الغرف
    عندما رأوني توقفوا عن اللعب ، و اخذوا يحدقون بي !

    هل أبدو مرعبا

    ربما لأنني طويل و ضخم البنية نوعا ما !

    ابتسمت لهذه المخلوقات الصغيرة ثم قلت :

    " مرحبا أعزائي ! ألم تكتفوا من اللعب ! "

    لم يبتسم أي منهم أو يحرك ساكنا !






    رد مع اقتباس  

  8. #18  
    المشاركات
    3,259
    وجهت نظري إلى صغيرتي رغد ، و قلت أخاطبها :

    " صغيرتي الحلوة ! حان وقت العودة إلى البيت "

    " لا أريد "

    كانت أول جملة تنطق بها رغد ! إنها لا تريد العودة للبيت !

    " ماذا رغد ؟ يجب أن نعود الآن فغدا ستذهبين إلى المدرسة ! "

    " سأبقى هنا "

    " رغد ! سوف نأتي بك إلى هنا لتلعبي كل يوم إن أردت ! هيا فوالدنا ينتظر في السيارة "

    لم يبد ُ أنها عازمة على النهوض .

    و الآن ماذا أفعل مع هذه الصغيرة

    كيف يجب أن يكون التصرف السليم

    تدخلت أم حسام قائلة :

    " بنيتي رغد ، غدا سيحضرك وليد إلى هنا من جديد . و كل يوم إذا أردت اللعب مع نهلة فتعالي و أحضري ألعابك أيضا "

    " لا أريد "

    ثم بدأت بالبكاء .

    ربما تظن خالتها أننا نسيء إليها بشكل ما !

    ماذا جرى لهذه الصغيرة ؟ لماذا أصبحت لا تريد الاقتراب مني ؟ أكل هذا لأنني أخرجتها من غرفتي بقسوة تلك الليلة ؟
    أم حسام أخذت تمسح على رأس الصغيرة و تهدئها و تكرر

    " غدا سيحضرك وليد إلى هنا عزيزتي "

    قلت ، محاولا إغراءها بالحضور بأي طريقة :

    " سنمر بمحل البوضا و نشتري لك النوع الذي تحبين ! "

    يبدو أن الفكرة أعجبتها ، فتوقفت عن البكاء و آخذت تنظر إلي .

    قالت خالتها مشجعة :

    " هيا بنيتي ، و عندما تأتين غدا سنشتري لك و لنهلة و حسام المزيد من البوضا و الألعاب "

    و أخذت تقربها نحوي حتى صارت أمامي مباشرة

    رفعت رغد رأسها الصغير و نظرت إلي

    إنها نظرة لا أستطيع نسيانها ما حييت .

    كأنها تعاتبني على قسوتي معها . و تقول . خذلتني !

    مددت يدي و رفعت الصغيرة عن الأرض و ضممتها إلى صدري و قبلت جبينها

    كيف لي أن أعتذر ؟

    إنها اليتيمة التي و لو بذلت الدنيا كلها لأجلها ، ما عوضتها عن لحظة واحدة تقضيها في حضن أمها أو أبيها .

    قلت :

    " ماذا تودين بعد ؟ لعبة جديدة أم دفتر تلوين جديد ؟ "

    قالت :

    " أريد لعبة و أريد دفترا "

    قلت :

    " يا لك من سيدة طماعة ! حاضر ! كما تأمرين سيدتي ! "

    فابتسمت لي أخيرا .

    شعرت بشيء ما يحرك بنطالي .






    رد مع اقتباس  

  9. #19  
    المشاركات
    3,259
    نظرت إلى الأسفل فإذا بها نهلة تمسك ببنطالي و تهزه ، ثم تقول :

    " احملني ! "

    نظرت إليها بدهشة و استغراب !

    " رغد تقول أنك قوي جدا و كنت تحملها مع دانة سوية "



    ربّاه !!






    ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




    في تلك الليلة ، جعلت رغد تنام على سريري للمرة الأخيرة . و لونت معها كثيرا و قرأت لها أكثر من قصة ، و طبعا اشتريت لها أكثر من لعبة و أكثر من دفتر تلوين إضافة إلى البوضا !
    ربما كانت هذه طريقتي في الاعتذار !
    إن كنت أدلل صغيرتي كثيرا فهذا لأنني أحبها كثيرا .
    و هي نائمة على سريري بسلام ، أخذت أتأملها بعطف و محبة .
    كم هي رائعة !
    و كم أنا متعلق بها !
    كم يبدو هذا جنونا !
    ذهبت إلى حيث وضعت صندوق الأماني ، فأخذته و جعلت أنظر إليه بحدة
    كم تمنيت لو أن بصري يخترق الصندوق إلى ما بداخله !
    ليتني أعرف . الاسم الذي تلا هذه الجملة

    ( عندما أكبر سوف أتزوج ؟ )

    عندما تكبرين يا رغد .

    فقط عندما تكبرين

    فإنني .




    ~ ~ ~ ~ ~ ~



    في أحد الأيام ، قررنا تناول بعض المشويات في المنزل

    في حديقة المنزل أعد والدي ما يلزم و أشعل الفحم

    كان يوما جميلا ، و كنا مسرورين لهذه ( النزهة المنزلية ) التي قلما تحدث

    الأطفال ، سامرـ إن كنت أعتبره طفلا ـ و دانة و رغد كانوا يتجولون هنا و هناك
    سامر مهووس بدراجته الهوائية و التي لا يتوقف عن قيادتها و العناية بها في جميع أوقات فراغه ، و رغد تهوى كثيرا الركوب معه ، و قد تعلمت كيف تقودها بنفسها
    كانت تقود الدراجة فيما يجلس سامر على المقعد الحفي ، و كانت تترنح ذات اليمين و ذات الشمال و تسقط بالدراجة من حين لآخر
    ألا أنها كانت سقطات خفيفة غير مؤذية ، يستمتعان بها و يضحكان مرحين !
    دانة كانت تساعد أمي في إعداد اللحم ، فيما والدي يهف الجمر فيزيده اشتعالا
    كنت أنا أراقب الجميع في صمت و برود ظاهري ، بينما أشعر بشيء يتحرك و يشتعل في صدري مثل ذلك الجمر . لا أعرف ما يكون .

    ذهب والدي لإحضار شيء ما .
    و ابتعاده عن الجمر أعطاني مجالا أوسع لأراقب اشتعاله و تأججه .
    و جحيمه !






    رد مع اقتباس  

  10. #20  
    المشاركات
    3,259
    إن عيني ّ كانتا تتنقلان بين رغد و سامر على الدراجة ، و بين الجمر المتقد .

    ثم شردت .

    فجأة . ترنحت الدراجة و هي تسير بسرعة ، تقودها رغد الصغيرة ، و قبل أن يتمكن سامر من إيقافها ارتطمت بشيء فسقطت .

    كان يمكن لهذه السقطة أن تكون عادية كسابقاتها لو أن الشيء الذي ارتطمت الدراجة به لم يكن صينية الجمر المتقد

    تعالت الأصوات و انطلق الصراخ القوي يزلزل الأجواء .

    ركضنا جميعا نحو الاثنين بفزع .

    والدتي تولول ، و دانة تصرخ . و رغد تصرخ . و سامر يتخبط مستنجدا . صارخا . من فرط الألم .

    جمرة واحدة أصابت رغد بحرق في ذراعها الأيسر .

    أما سامر .

    فقد انتهى بوجه مشوه مخيف ، و جفن منكمش يجعل العين اليمنى نصف مغلقة . مدى الحياة .

    لقد كان حادثا سيئا جدا . و انتهى يومنا الجميل بندبة لا تمحى .

    و رغم العمليات التي خضع لها ، ألا أن وجه سامر ظل يحمل أثر الحادثة المشؤومة إلى الأبد

    رغد و التي خرجت من الحادث بأثر حرق واحد في الذراع ، خرجت منه بآثار عميقة لا تمحى في الذاكرة و القلب

    أما دانة ، فقد غرست في نفس رغد الاعتقاد الأكيد بأنها السبب فيما حدث لسامر لأنها من كان يقود الدراجة وقتها

    رغد أصبحت مرعوبة فزعة متوترة معظم الأوقات . و أصبحت تخشى النوم بمفردها و تصر على أن أبقى إلى جانبها حتى تدخل عالم النوم ، و كثيرا ما كانت تستيقظ فزعة من النوم في أوائل الأيام . و تركض إلي .

    و المرة التي كنت أعتقد أنها الأخيرة ، تلتها مرات أخرى ، نامت فيها الصغيرة في غرفتي . طالبة الأمان و الطمأنينة .

    " وليد أنا خائفة . النار مؤلمة . "

    " وليد لن أركب الدراجة ثانية ً . "

    " وليد لا أريد أن أبقى وحدي . الجمر يلاحقني . "

    " وليد . عندما أكبر سأصبح طبيبة و أعالج سامر " !


    و في إحدى تلك المرات ، كتبت إحدى أمانيها و أدخلتها في ذلك الصندوق !

    و هذه المرة لم تسألني عن أية كلمة .

    لكنني أكاد أجزم بأنها كتبت :

    ( يا رب اشف سامر ) !

    توالت الأيام و الشهور . و تأقلم الجميع مع ما حدث ، و سامر اعتاد رؤية وجهه المشوه في المرآة و تقبله ، و استسلم الجميع إلى أنها حادثة قضاء و قدر .

    أما أنا .

    فأشك في أن شيطانا قد خرج من صدري و قاد الدراجة نحو الجمر المتقد .
    و احرق سامر و رغد بنار كانت في صدري .

    و لم تزد النار صدري إلا اشتعالا

    و لم تزد الحادثة الاثنين إلا اقترابا .

    و لم تزدني الأيام إلا تعلقا و تشبثا و جنونا برغد






    رد مع اقتباس  

صفحة 2 من 26 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية كنت أحبك حب ماتقراه في أعظم رواية
    بواسطة Bshaer‘am في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Aug-2014, 12:29 AM
  2. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  3. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  4. ديكورات كامله 2013 , ديكورات منزل كامله 2013 , صور ديكورات جميله 2013
    بواسطة ♣ ♣المتفائله♣ ♣ في المنتدى ديكور - فن الديكور المنزلي - اثاث غرف ومطابخ وحدائق
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Sep-2012, 11:37 PM
  5. رواية قليل من الحب كامله من الروايات الرومنسية txt للجوال
    بواسطة بدويه اصيله في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-Oct-2011, 10:39 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •