الملاحظات
صفحة 3 من 26 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 255

الموضوع: رواية انت لي كامله

  1. #21  
    المشاركات
    3,259
    الحلقةالخامسة*******








    أنهيت دراستي الثانوية أخيرا !
    إنني أريد الالتحاق بالجامعة ، ألا أن القصف الجوي الذي تعرضنا له مؤخرا دمر مبنى الجامعة التي كنت أريدها
    كما دمّر جزءا من المصنع الذي يملكه والدي
    أوضاع بلدنا في تدهور ، و الحرب منذ أن اندلعت قبل عامين تقريبا لم تتوقف .
    مستوانا المادي تراجع نتيجة لهذه الأحداث .
    الدراسة تعني لي الكثير الكثير ، خصوصا بعدما حدث .
    إنها أحد أحلام حياتي .
    ما أكثر الأحلام !

    أتذكرون صندوق الأحلام الخاص برغد و الذي صنعته لها قبل ثلاث سنوات ؟
    أضفت ُ إليه حلما جديدا يقول :

    ( أريد أن أصبح رجل أعمال ضخم ! ) !

    اعتقد أن الأمور الإدارية تليق بي كثيرا !

    وجدت فرصة هبطت علي ّ من السماء لأبتعث للدراسة في الخارج ، شرط أن أجتاز أحد امتحانات القبول ، و الذي سأجريه بعد الغد

    و ما أقرب بعد الغد !

    إن مصيري و مستقبلي معلّق بذلك اليوم .

    إنني قد عدت لقراءة بعض المواضيع من المواد الدراسية المختلفة استعداد له

    ادعوا لي بالتوفيق !

    في الوقت الراهن أنا بدون شاغل ، أو لنقل . عاطل عن المستقبل !

    خلال السنوات الثلاث الماضية ازداد طولي وحجمي كثيرا و أصبحت عملاقا و ضخما !

    تعديت طول والدي و أصبحت أشعر ببعض الخجل كلما وقفت إلى جانبه !

    أما صغيرتي المدللة ، فلم تتغير كثيرا !

    لا تزال نحيلة و صغيرة الحجم ، كثيرة المطالب ، و شديدة التدلل !

    و المنافسة بينها و بين دانة حتى على الأشياء البسيطة لا تزال قائمة !

    و اعتقد أنكم تتوقعون أنني .

    لازلت مهووسا بها كما السابق ، بل و أكثر .

    وصلت الآن إلى بوابة المدرسة الابتدائية ، و ها أنا أرى الفتاتين تقبلان نحو السيارة !

    و راقبوا ما سيحصل !

    تتسابق الاثنتان نحو الباب الأمامي .

    تصل إحداهما قبل الأخرى بجزء من الثانية

    تحاول كل واحدة فتح الباب و الجلوس في المقعد المجاور لي

    تتنازعان

    تتشاجران

    تحتكمان إلي !


    " وليد ! أنا وصلت قبلها "

    " بل أنا يا وليد . أليس كذلك ؟ "

    " وليد قل لها أن تبتعد عني "

    " أنا من وصل أولا ! دعها تركب خلفك وليد "

    " كفى ! "






    رد مع اقتباس  

  2. #22  
    المشاركات
    3,259
    كل يوم تتكرر نفس القصة ! و الآن علي ّ أن أضع جدولا مقسما فيما بينهما !

    " حسنا . من التي كانت تجلس قربي يوم أمس ؟ "


    أجابت دانة :

    " أنا "

    قلت :

    " إذن ، اليوم تجلس رغد و غدا دانة و هكذا ! اتفقنا "


    و بزهو و نشوة الانتصار ، ركبت السيدة رغد و جلست على الكرسي الأمامي بجانبي !

    فيما ترمق دانة بنظرات ( التحسير ) !

    كم سأفتقد هاتين المشاكستين !

    " وليد تعلمنا درسا صعبا في ( الرياضيات ) أريدك أن تساعدني في حل التمارين "

    " حسنا رغد "

    " و أنا أيضا أريدك أن تساعدني في تمارين القواعد "

    " حسنا دانة ! "

    قالت رغد بسرعة :

    " لكن أنا أولا فأنا سألتك أولا "

    قالت دانة :

    " درسي أنا أصعب . أنا أولا يا وليد "

    أنا أولا . أنا أولا . أنا أولا .

    ويلي من هاتين الفتاتين !

    كلا ! لن أفتقدهما أبدا !

    كنت معتادا على تعليم الفتاتين في أحيان كثيرة ، خصوصا بعد تخرجي من المدرسة .

    مواقف كثيرة ، و كثيرة جدا ، هي التي حصلت خلال السنوات الماضية و لكنني اختصرت لكم

    قدر الإمكان .

    حينما وصلنا إلى البيت ، بالتحديد عندما هممت بإدخال المفتاح في الباب لفتحه ، بدأت منافسة جديدة .

    " أعطني المفتاح أنا سأفتحه "

    " لا لا ، أنا سأفتحه وليد "

    " لا تقلديني ! "

    " أنت لا تقلديني "

    و احتدم النزاع !

    أوليت الباب ظهري و وقفت بين الفتاتين و عبست في وجهيهما !

    قلت بحدة :

    " أنا من سيفتح الباب و إن سمعتكما تتجادلان على هذا المفتاح ثانية فتحت رأسيكما و أفرغت ما بهما "

    المفروض أن نبرتي كانت حادة و مهددة ، و تثير الخوف ! إلا أن رغد أخذت تضحك ببساطة !

    التفت إليها و قلت :

    " لم الضحك "

    قالت و هي تقهقه :

    " لن تجد شيئا في رأس دانة من الداخل ! "

    قالت دانة :

    " بل أنت الجوفاء الرأس ! أتعلمين ماذا سيجد وليد في رأسك ؟ "

    رغد :

    " ماذا ؟ "

    دانة :

    " البطاطا المقلية التي تلتهمينها بشراهة كل يوم ! "

    رغد ـ و هي تضحك بمرح ـ

    " و أنت الفاصولياء التي أكلتها البارحة "

    و تبادلت الاثنتان مجموعة من الأكلات و الأطباق المفضلة في رأسي بعضهما البعض حتى أصابتاني بالصداع و التخمة !!

    قلت :

    " يكفي ! إنني من سيفتح رأسي أنا حتى ارمي بكما إلى الخارج منه "

    و استدرت ، و فتحت الباب ، فأسرعت دانة بالدخول لتسبق رغد ، بينما سارت رغد ببطء و انتظرتني حتى دخلت ، ثم أقفلت الباب .

    " وليد ! "

    التفت إليها و أنا ممتلئ ما يكفي و يزيد من سخافاتهما ، و قلت بتنهد :

    " ماذا بعد "

    قالت :

    " أنا لا أريد أن أخرج من رأسك "

    اندهشت ! نظرت إليها باستغراب ، و قلت :

    " عفوا ! "

    رددت :

    " أنا لا أريد أن أخرج من رأسك "

    " و لماذا "

    ابتسمت بخبث و قالت :

    " لكي أستطيع رؤية الناس من الأعلى فأنت طويــــــــــــــــــــــــــــل "


    ابتسمت لها بهدوء ، ثم فجأة ، مددت يدي نحوها و رفعتها عن الأرض على حين غفلة منها إلى الأعلى عند رأسي و أنا أقول :

    " هكذا "

    رغد أخذت تضحك بسعادة و بهجة لا توصف !

    أتذكرون كم كانت تعشق أن أحملها !؟
    لا تزال كذلك !

    دخلت المنزل ، ثم المطبخ و أنا لا أزال أحملها و هي تضحك بسرور ، ثم أجلستها على أحد المقاعد و ألقيت التحية على والدتي ، و التي كانت مشغولة بتجهيز أطباق المائدة

    قالت أمي :

    " رغد ، هيا اذهبي و أدي صلاتك ثم اجلسي عند مائدة الطعام "

    قامت رغد ، و هي تنزع الحقيبة المدرسية عن ظهرها و تنظر إلى أمي و تقول :

    " بطاطا مقلية ؟ "

    " نعم ! حضرتها لأجلك "

    و انطلقت رغد فرحة ، و غادرت المطبخ .

    للعلم ، فإن صغيرتي هذه تحب البطاطا المقلية كثيرا !

    والدتي استمرت في عملها و حدثتني دون أن تنظر إلي :

    " لم تعد صغيرة ! "






    رد مع اقتباس  

  3. #23  
    المشاركات
    3,259
    ركزت بصري عليها ، و قلت :

    " رغد ؟ لقد كبرت قليلا ! "

    " لم تعد صغيرة لتحملها على ذراعيك "


    غيرت كلمات والدتي هذه مجرى ما فهمت .

    إذن ، فهي معترضة على حملي للصغيرة هكذا .؟

    " و لكن . إنها مجرد طفلة صغيرة و خفيفة ! و هي تحب ذلك . "

    " إنها في التاسعة من العمر يا وليد . "


    جملة والدتي هذه ، جعلت شريط الذكريات يعرض فجأة في مخيلتي .

    تذكرت كيف حضرت إلى منزلنا قبل ست أو سبع سنين . !

    آه . ( المخلوقة البكاءة ) !

    يا للأيام .

    من كان ليصدق أنني ( ربيت ) رغد في جحري و أطعمتها بيدي و سرحت شعرها و نظفت أذنيها !
    من جرّب أن يكون أما و أبا ليتيمة ، و هو طفل أو حتى مراهق لم يبلغ العشرين !
    يا للذكريات !

    في غرفتي لاحقا ، أخذت أقلب ألبوم الصور الذي يشمل أفراد عائلتي .
    صحيح . لقد كبرت الصغيرة !
    مر الوقت سريعا .
    و ها أنا مقدم على الجامعة ، و حين أسافر . . .

    توقفت عند هذا الحد .
    فأنا لا أستطيع التفكير فيما بعد ذلك
    كيف لي أن أبتعد عن أهلي و وطني .؟
    كيف لي أن أتحمل الغربة و الوحدة ؟
    كيف لصباح أن يطلع علي ، دون أن أحتسي شاي والدتي العطر ، و كيف لشمس أن تغرب دون أن أقرأ أخبار الصحف لوالدي ؟
    كيف لعيني أن تغمضا دون أن أتمنى لأخوتي نوما هانئا .
    كيف لقلبي أن ينبض . دون أن أحمل رغد على ذراعي

    إنني سأذهب لإجراء الامتحان بعد الغد و إذا ما اجتزته ، فسأغادر البلد خلال أسبوع أو أكثر بقليل

    إنها أفكار تجعلني أشعر بخوف و توجّس .
    هل أقوى على ذلك
    لابد لي من ذلك . فأحوالنا في تدهور و شهادتي الجامعية ستعني الكثير .

    المرشحون لهذا الامتحان قليلون ، و كانت فرصة ذهبية أن أضيف اسمي إليهم و أنا واثق من قدرتي على اجتيازه ، بإذن الله .

    قلبت الألبوم و أنا في حيرة . أي صورة آخذها معي
    ثم وقع اختياري على صورة تضمنا جميعا ، تظهر فيها رغد متشبثة برجلي !
    فيما ترتسم ابتسامة رائعة على وجهها الجميل .

    " هذه هي ! "

    أخذت الصورة ، و صورة أخرى لرغد و هي تلوّن في أحد دفاترها ، و وضعتهما في محفظة جيبي .

    في المساء ، ذهبت مع أخي سامر لأحد المتاجر لاقتناء بعض الأشياء ، و وقفنا عند حقائب السفر رغبة في شراء بعضها

    فيما كنا هناك ، حضر مجموعة من الشبان ، كان عمّار فيما بينهم .

    عمّار نجح بصعوبة ، و تخرج ـ رغم إهماله ـ من المدرسة الثانوية ، و اعتقد أن والده ذا النفوذ الكبير قد استطاع تدبير مقعد دراسي له في إحدى الجامعات . بطريقة ( غير قانونية ! )

    عندما رآني عمّار ، أقبل نحوي تسبقه ضحكته البغيضة ، و قال :

    " يبدو أن وليد ينوي السفر أيها الأصحاب ! هل عثر والدك على كرسي جامعي شاغر لك !؟ أم أن حطام الجامعة قد حطّم قلبك يا مسكين "

    و بدأ مجموعة الشبان بالضحك و القهقهة

    أوليتهم ظهري فقال عمّار :

    " لا تقلق ! سأطلب من والدي أن يساعدك في البحث عن جامعة ! أو . ما رأيك بالعمل عندنا ! فمصنعنا لم يحترق ! سأوصي بك خيرا ! "

    سامر لم يتحمّل هذه السخرية من ذلك اللئيم ، و ثار قائلا :

    " لم يبق إلا أن يعمل الأعزة عند الأذلة المنحرفين ! "

    صرخ عمّار قائلا :

    " اخرس أيها الأعور القبيح ! من سمح لك بالتحدث ! ألا تخجل من وجهك المفزع ؟ "

    و التفت إلى أصحابه و قال :

    " اهربوا يا شباب ! الأعور الدجال ! "

    سيل من اللكمات العنيفة وجهتها بلا توقف و لا شعور نحو كل ما وقعت قبضتي عليه من أجساد عمّار و أصحابه .

    لحظتها ، شعرت برغبة في فقء عينيه و سلخ جلده .

    أخي سامر نال منهم أيضا






    رد مع اقتباس  

  4. #24  
    المشاركات
    3,259
    و احتدّ العراك و تدخّل من تدخل ، و فر من فر ، و انتهى الأمر بنا تدخل من قبل الشرطة !

    في تلك الليلة و للمرة الأولى منذ الحادثة المشؤومة ، سمعت صوت بكاء أخي خلسة .

    عندما أصيب بالحرق ، كان لا يزال طفلا في الحادية عشرة من العمر . ربما لم يكن شكله يشغل تفكيره و اهتمامه بمعنى الكلمة ، أما الآن . و هو فتى بالغ أعمق تفكيرا ، فإن الأمر اختلف كثيرا .

    ليلتها ، قال أنه يريد أن يخضع لعملية تجميل جديدة .
    لكن أوضاعنا المادية في الوقت الحالي ، لا تسمح بذلك

    عندما أحصل على شهادتي الجامعية . و أعمل و أكسب المال ، فسوف أعرضه على أمهر جراحي التجميل ، ليعيده كما كان .

    فقط عندما أحصل على شهادتي .

    في اليوم التالي ، وجدت سيارتي مليئة بالخدوش المشوهة !

    " إنه عمّار الوغد ! تبا له ! "

    أوصلت أخوتي للمدرسة ، و شغلت نفسي ذلك الصباح بمزيد من الإعدادات للسفر المرتقب !

    امتحاني سيكون يوم الغد . لذا ، قضيت معظم الوقت في قراءة مواضيع شتى من كتبي الدراسية السابقة .

    و كلما قلبت صفحة جديدة من الكتاب ، قلبت صفحة من ألبوم الصور .
    كيف أستطيع فراق أهلي .؟
    كيف أبتعد عن رغد ؟
    إنني أشعر بالضيق إذا ما مضت بضع ساعات دون أن أراها و أداعبها . و أنزعج كلما باتت في بيت خالتها بعيدا عني .

    فيما أنا منهمك في أفكاري و قراءتي ، جاءتني رغد . !

    طرقت الباب ، ثم دخلت الغرفة ببطء ، تاركة الباب نصف مفتوح .

    " وليد . لدي تمرين صعب . ساعدني بحله "

    لم يكن هناك شيء أحب إلي من تعليم صغيرتي ، ألا أنني يومها كنت مشغولا . لذا قلت :

    " اطلبي من والدتي أو سامر مساعدتك ، فأنا أريد أن أذاكر ! "

    لم تتحرك من مكانها !
    نظرت إليها مستغربا و قلت :

    " هيا رغد ! أنا آسف لا أستطيع مساعدتك اليوم ! "

    و بقيت واقفة في مكانها .
    إذن فهناك شيء ما !
    حفظت هذا الأسلوب !

    تركت الكتاب من بين يدي و نهضت ، و قدمت إليها و جثوت على ركبتي أمامها :

    " رغد . ما بك ؟ "

    تقوس فمها للأسفل في حزن مفاجئ و قالت :

    " هل صحيح أنك ستسافر بعيدا ؟ "

    فاجأني سؤالها ، إنني لم أكن أتحدث عن أمر السفر معها ، فالحديث سابق لأوانه .

    قلت مازحا :

    " نعم يا رغد ! إلى مكان بعيد لا يوجد فيه رغد و لا دانة و لا شجار ! و سأترك رأسي هنا ! "

    لم يبد ُ أنها فهمت مزاحي أو تقبلته ، إذ أن تقوس فمها الصغير قد ازداد و بدأت عيناها تحمرّان

    قالت :

    " و هل ستأخذني معك ؟ "

    هنا . عضضت على شفتي و جاء دور فمي أنا ليتقوس حزنا .
    طردت الموجة الحزينة التي اعترتني

    و قلت :

    " من أخبرك بأنني سأسافر "

    " سمعت والداي يتحدثان بهذا "

    مسحت على رأسها و قلت :

    " سأسافر فترة مؤقتة لأدرس ثم أعود "

    " و أنا "

    " ستبقين مع الجميع و حالما أنهي دراستي سأعود و آخذك إلى أي مكان في العالم ! "

    " لا أريدك أن تذهب وليد ! من الذي سيحبني كثيرا مثلك إذا ذهبت ؟ "

    شعرت بخنجر يغرس في صدري .

    رغد . أيتها الفتاة الصغيرة . التي تربعت في كل خلايا جسمي ، ألا تعلمين ما يعنيه فراقك بالنسبة لي !
    لا أعرف إن كانت قد أحست بالطعنة التي مزقت قلبي أم أنني أهوّل الأمر ، ألا أن دموعها سالت ببطء من مقلتيها .

    دموع أميرتي التي تزلزل كياني .
    مددت يدي و مسحت دموعها و أنا أحاول الابتسام :

    " رغد ! عزيزتي . لا يزال معك دانة و سامر . و أمي و أبي . و نهلة و حسام و سارة ( و سارة هي الابنة الثانية لأم حسام ) مع أمهم ! و كل صديقاتك ! لن تكوني وحيدة ! أنا فقط من سيكون وحيدا ! "

    قالت بسرعة :

    " خذني معك ! "

    ضغطت على قبضتي ، و قلت :

    " يا ليت ! لا يمكنني . صغيرتي ! لكنني عندما أعود . "

    و لم أكمل جملتي ، رمت رغد بكتابها جانبا و قاطعتني بسيل من الضربات الخفيفة الموجهة إلى صدري .

    إلى قلبي .

    إلى روحي .






    رد مع اقتباس  

  5. #25  
    المشاركات
    3,259
    إلى كل عصب حي في جسدي .

    و شريان نابض .

    " لا تذهب . لا تذهب . لا تذهب . "

    " رغد . "

    " أنت قلت أنك ستعتني بي كل يوم و دائما ! لا تذهب . لا . لا . لا "

    و أخذت تبكي بعمق .

    و كلما حاولت المسح على رأسها أبعدت يدي و ضربت صدري استنكارا .

    ضرباتها لم تكن موجعة ، لو أنني لم أكن مصابا ببعض الكدمات و الرضوض في صدري ، أثر عراكي الأخير مع عمّار و أصحابه .
    شعرت بالألم ، و لكنني لم أحرك ساكنا .
    تركت لها حرية التعبير عن مشاعرها قدر ما تشاء .
    لم أوقفها . لم أبعدها . لم أنطق بكلمة بعد .
    إنها رغد التي تربت في حضني . و عانقت ذات الصدر الذي تضربه الآن .
    ليتهم لم يحرقوا الجامعة .
    ليتهم لم يحرقوا المصنع .
    ليتهم أحرقوا شيئا آخر .
    ليتهم أحرقوا عمّار !

    و يبدو أن صوت رغد قد وصل إلى مسامع والدي فجاء إلى غرفتي و وقف عند فتحة الباب .

    عندما رأى ولدي رغد تضربني ، غضب من تصرفها و بصوت حاد قال ، و هو واقف عند الباب :

    " رغد . توقفي عن هذا "

    رغد رفعت رأسها و نظرت إلى والدي ، ثم قالت :

    " لا تدعه يذهب "

    إلا أن أبي قال بحدة :

    " خذي كتابك و عودي إلى أمك ، و دعي وليد يدرس "

    لم تتحرك رغد من مكانها ، فرفع والدي صوته بغضب و قال :

    " ألم تسمعي ؟ اذهبي إلى أمك و كوني فتاة عاقلة "

    رغد التقطت كتابها من على الأرض ، و خرجت من الغرفة

    أما قلبي أنا فكان يعتصر ألما .

    بعدها ، قلت لأبي :

    " لماذا يا أبي ؟ إنها ستظل تبكي لساعات ! جاءت تطلب مني تعليمها "

    والدي قال بغضب :

    " لقد كانت والدتك تعلّمها ، و حين جيء بذكر سفرك ، حملت كتابها و أتت إليك ، نهيناها فلم تطع "

    قلت مستاءا :

    " لكنك صرفتها بقسوة يا أبي "

    لم تعجب جملتي والدي فقال :

    " أنت تدللها أكثر من اللازم يا وليد . يجب أن تعلمها أن تحترمك لا أن ترفع يدها عليك هكذا ، تصرف سيئ "

    " لكني لا أستاء من ذلك يا أبي . إنها مجرد طفلة ، كما أنني أتضايق كثيرا إذا أساء أحد إليها ، والدي . أرجوكم لا تقسوا عليها بعد غيابي . "

    من يدري ماذا يحدث ؟ بعد أن أغيب .؟
    هل سيسيء أحد إلى طفلتي
    إنني لا أقبل عليها كلمة واحدة .
    ليتني أستطيع أخذها معي !

    انتظرت حتى انصرف والدي من المنزل ، ثم فتشت عن رغد ، فوجدها في غرفتها . و كما توقعت ، كانت غارقة في الدموع .

    أقبلت إليها و ناديتها :

    " رغد يا صغيرتي . "

    رفعت رأسها إلي ، فرأيت العالم المظلم من خلال عينيها البريئتين .
    اقتربت منها و طوّقتها بذراعي ، و قلت .

    " لا تبكي يا عزيزتي فدموعك غالية جدا . "

    قالت :

    " لا تذهب . وليد . "

    قلت :

    " لا بد أن أذهب . فسفري مهم جدا . "

    " و أنا مهمة جدا "

    " طبعا أميرتي ! أهم من في الدنيا ! "

    أمسكت بيدي في رجاء و قالت :

    " إذا كنت تحبني مثلما أحبك فلا تسافر "

    في لحظة جنون ، كنت مستعدا للتخلي عن أي شيء ، في سبيل هذه الفتاة .
    و بدأت أفكار التخلي عن حلم الدراسة تنمو في رأسي تلك اللحظة .
    ليتني . أيا ليتني استمعت إليها .
    يا ليتني فقدت عقلي و جننت لحظتها بالفعل .
    لكنني للأسف . بقيت متشبثا بحلمي الجميل

    " عزيزتي ، سأكون قريبا . اتصلي بي كل يوم و أخبريني عن كل أمورك ! و إذا تشاجرت معك دانة فأبلغيني حتى أعاقبها حين أعود ! "

    نظرت إلي نظرة سأضيفها إلى رصيد النظرات التي لن أنساها ما حييت .
    ما حييت يا رغد لن أنسى هذه اللحظة .

    " وليد . خذلتني . لم أعد أحبك "






    رد مع اقتباس  

  6. #26  
    المشاركات
    3,259
    رغد لم تكلمني طوال الصباح التالي ، بل و لم تنظر إلي .
    كانت حزينة و قد غابت ضحكتها الجميلة و مرحها الذي يملأ الأجواء حياة و حيوية .
    الجميع لاحظ ذلك ، و استنتجوا أنه بسبب موضوع سفري و غضب والدي منها يوم الأمس .
    و كالعادة ، أوصلت سامر إلى مدرسته ، ثم دانة و رغد
    وهي تسير مبتعدة عن السيارة و متجهة نحو مدخل المدرسة ، كانت رغد مطأطئة الرأس متباطئة الخطى
    جعلت أراقبها قليلا ، فألقت علي نظرة حزينة كئيبة لم أتحمل رؤيتها فابتعدت قاصدا المكان الذي سأجري فيه اختباري المصيري .

    المشوار إلى هناك يستغرق قرابة الساعة ، و كنت ألقي بنظرة على الساعة بين الفينة و الأخرى خشية التأخر

    أعرف أنها فرصة العمر و أي تأخير مني قد يضيعها .

    حينما أوشكت على الوصول ، وردتني مكاملة هاتفية عبر هاتفي المحمول من صديقي ( سيف ) يتأكد من وشوكي على الوصول . و سيف هذا هو أقرب أصحابي ، و هو مرشح معي أيضا لدخول الامتحان .
    بعد دقيقة ، عاد هاتفي يرن من جديد .
    كان رقما مجهولا !

    " مرحبا ! لابد أنك وليد ! "

    بدا صوتا غير معروف ، سألته :

    " من أنت "

    قال :

    " يا لذاكرتك الضعيفة يا مسكين ! يبدو أن الضرب الذي تلقيته من قبضتي قد أودى بقدراتك العقلية ! "

    الآن استطعت تمييز المتحدث . إنه عمّار !


    " عمّار !"

    " أحسنت ! هكذا تعجبني ! "

    استأت ، كيف حصل على رقم هاتفي الخاص و ما الذي يريده مني ؟

    " ماذا تريد ؟ "

    " انتبه و أنت تقود ! أخشى أن تصاب بمكروه ! "

    " أجب ماذا تريد "

    ضحك ذات الضحكة الكريهة و قال :

    " لا شك أنك في طريقك للامتحان ! أليس كذلك ! إن الوقت سيستغرق منك أقل من ساعتين فيما لو قررت الذهاب إلى المطار ! "

    ضقت ذرعا به ، قلت :

    " هل لي أن أعرف سبب اتصالك ؟ فإما أن تقول ماذا أو أنه ِ المكالمة "

    " رويدك يا صديقي ! سأمهلك ساعتين فقط ، حتى تمثل أمامي و تعتذر قبل أن أسافر بهذه الصغيرة بأي طائرة ، إلى الجحيم ! "

    بعدها سمعت صرخة جعلت جسدي ينتفض فجأة و يدي ترتعشان ، و المقود يفلت من بينهما ، و السيارة تنحرف عن حط مسيرها ، حتى كدت أصطدم بما كان أمامي لو لم تتدخل العناية الربانية لإنقاذي

    " وليد . تعال . "

    لقد كان صوت رغد

    جن جنوني .

    فقدت كل معنى للقدرة على السيطرة يمكن أن يمتلكه أي إنسان . مهما ضعف

    صرخت :

    " رغد ! أهذه أنت رغد أجيبي "

    فجاء صوت صراخها و بكاؤها الذي أحفظه جيدا يؤكد أن أذني لا زالتا تعملان بشكل جيد .

    " رغد أين أنت ؟ رغد ردي علي ّ "

    فرد عمّار قائلا :

    " تجدنا في طريق المطار ! لا تتأخر فطائرتي ستقلع بعد ساعتين . إلا إن كنت لا تمانع في أن أصطحب شقيقتك معي !؟ "

    صرخت :

    " أيها الوغد أقسم إن أذيتها لأقتلنك . لأقتلنك يا جبان "

    ضحك ، و قال :

    " لا تتأخر عزيزي و لا تثر غضبي ! تذكر . طريق المطار "

    ثم أنهى المكالمة .

    استدرت بسيارتي بجنون ، و انطلقت بالسرعة القصوى متجها نحو المطار .

    لم أكن أرى الطريق أمامي ، الشوارع و السيارات و الإشارات . اجتزتها كلها دون أن أرى شيئا منها

    لم أكن أرى سوى رغد

    و أتذكر كيف كانت تنظر إلي قبل ساعة .

    ثم أتخيلها في مكان بين يدي عمّار

    لم أعرف كيف أربط بين الأحداث أو أفكر في كيفية حدوث أي شيء .

    أريد أن أصل فقط إلى حيث رغد

    لا أعرف كم الوقت استغرقت .

    شهر ؟

    سنة ؟

    قرن ؟






    رد مع اقتباس  

  7. #27  
    المشاركات
    3,259
    بدا طويلا جدا لا نهاية له .

    و سرت كقارب تائه في قلب المحيط .

    أو شهب منطلق في فضاء الكون .

    لا يعرف إلى أين .

    و متى

    و كيف سيصل .

    و بم سيصطدم .

    أخذت هاتفي و اتصلت برقم عمّار الظاهر لدي ، أجاب مباشرة :

    " لقد انقضت عشرون دقيقة ! أسرع فشقيقتك ترتجف خوفا ! "

    " إياك أن تؤذها . و إلا . "

    " سأفعل إن تأخرت ! "

    " أيها الـ . . . دعني أتحدث إليها "

    جاءني صوتها الباكي المذعور :

    " وليد لا تتركني هنا "

    " رغد . عزيزتي أنا قادم الآن . لا تخافي صغيرتي أنا قادم "

    " أنا خائفة وليد تعال بسرعة أرجوك . آه . أرجوك . "

    أي عقل تبقى لي

    لماذا لا تتحرك هذه السيارة اللعينة ؟

    لماذا لم اشتر صاروخا لمثل هذه الظروف ؟

    لماذا لم تحترق في الحرب يا عمّار .

    ألف لعنة و لعنة عليك أيها الجبان . ويل لك مني

    بعد ساعة و نصف ، و فيما أنا منطلق كالبرق على الشارع المؤدي إلى المطار ، إذا بي ألمح سيارة تقف جانبا ، و يقف عندها رجل

    و أنا أقترب توضح لي أنه عمّار

    بسرعة ، أوقفت سيارتي خلف سيارته مباشرة و نزلت منها كالقذيفة و ركضت نحوه ، في الوقت الذي فتح هو في الباب ، و أخرج رغد من السيارة .
    جاءت رغد تركض نحوي فالتقطتها و رفعتها عن الأرض و أطبقت بذراعي حولها بقوة .

    " رغد . رغد صغيرتي . أنا هنا . أنا هنا عزيزتي "

    رغد كانت تحاول أن تتكلم لكنها لم تستطع من شدة الذعر .

    كانت ترتجف بين يدي ارتجاف الزلزال المدمر . كانت تحاول النطق باسمي لكن لم تستطع النطق بأكثر من

    " و . و . و "

    انهمرت دموعي كالشلال و أنا أضغط عليها و هي تضغط علي و تتشبث بي بقوة و أشعر بأصابعها تكاد تخترق جسدي فيما ترفع رجليها للأعلى كأنما تتسلقني خشية أن تلامس رجلها الأرض و تفقدها الأمان .

    " أنا معك عزيزتي لا تخافي . معك يا طفلتي معك . "

    حاولت أن أبعد رأسها قليلا عني حتى أتمكن من رؤية عينيها و إشعارها بالأمان ، لكنها بدأت بالصراخ و تشبثت بي بقوة أكبر و أكبر كأنها تريد أن تدخل بداخلي .

    " وليد ! لديك امتحان مهم ! هل ستضيّع الفرصة ؟ "

    قال هذا عمّار الوغد و أطلق ضحكة كبيرة .

    انتابتني رغبة في تحطيمه ألا أن رغد عادت تصرخ حينما خطوت خطوة واحدة نحوه .

    " خسارة يا وليد ! جرّب حظك في مصنع والدي ! "

    و ابتسم بخبث :

    " دفّعتك الثمن . كما وعدت "






    رد مع اقتباس  

  8. #28  
    المشاركات
    3,259
    ثم استدار و هم بركوب سيارته .

    خطوت خطرة أخرى نحوه ، فأخذت رغد تصرخ بجنون :

    " لا لا لا لا لا "

    انثنى عمّار ليدخل السيارة ، ثم توقف ، و استقام ، و استدار نحوي و قال :

    " نسيت أن أعيد هذا ! "

    و من جيب بنطاله أخرج شريطا قماشيا طويلا ، و رماه في الهواء باتجاهي

    رقص الشريط كالحية في الهواء ، وأنا أراقبه ، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها طائرة في السماء مخترقة قرص الشمس المعشية ، و دوت بصوتها في الأجواء ، فيما يتداخل صوتها مع صوت عمّار وهو يقول :

    " إلى الجحيم ! "

    ثم هبط الشريط المتراقص تدريجيا و بتمايل حتى استقر عند قدمي ّ .

    ركزت نظري على الشريط ، لأكتشف أنه الحزام الذي تلفه رغد حول خصرها ، و التابع لزيها المدرسي الذي ترتديه الآن .

    رفعت نظري ببطء و ذهول و صعق إلى وجه عمّار ، فحرك هذا الأخير زاوية فمه اليمنى بخبث إلى الأعلى في ابتسامة قضت علي ّ تماما . و دمرتني تدميرا

    أبعدت وجه رغد عن كتفي و أجبرتها على النظر إلي . فيما أنا عاجز عن رؤية شيء . من عشي الشمس . و هول ما أنا فيه .

    لم أر إلا دمارا و حطاما و نارا و جحيما .

    لهيبا . و صراخا . و دموعا تحترق . و آمالا تتبعثر . و أحلاما تظلم .

    سوادا في سواد .

    عند هذه اللحظة ، نزعت رغد عني عنوة ، و دفعت بها أرضا و نظرت من حولي فإذا بي أرى صخور كبيرة قربي .

    التقطت واحدة منها ، و بسرعة لا تجعل مجالا للمح البصر بإدراكها ، و قوة لا تسمح لشيء بمعاكستها ، رميتها نحو عمار و هو يهم بركوب سيارته ، فارتطمت برأسه . و صرخ . و ترنح لثوان

    ثم هوى أرضا .

    و انتفض جسده .

    و انتزعت روحه .

    و إلى الجحيم .






    رد مع اقتباس  

  9. #29  
    المشاركات
    3,259
    الحلقةالسادسة*******










    وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته .
    كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني . دققت النظر إليه . لم يحرّك ساكنا
    رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار
    بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره ساكنا عن أية أنفاس .
    أدركت . أنه مات . و إنني أنا . من قتله
    استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد .
    صغيرتي الحبيبة .
    مدللتي الغالية .
    مهجة قلبي .
    رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء .

    بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها .
    نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني و تركتني بلا طاقة و لا حراك .

    في منتصف الطريق ، انهرت .

    خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط و ارتطمت ركبتاي بالرمال . و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض .
    رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع .
    بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي :

    " تعالي . "

    رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول :

    " تعالي . رغد "

    الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا .
    طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رمي ذراعي المنهارتين حولها بضعف

    بكيت كثيرا . و كثيرا جدا .
    لما ضاع . و لما انتهى
    و لما هو آت و محتوم .

    بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء . و السكون التام يسيطر على الأجواء .

    كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن .

    استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة :

    " سامحيني يا رغد . سامحيني . "

    رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري :

    " دعنا نعود للبيت "

    أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء . و أي لقاء
    لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية
    لم يجد لساني ما يستطيع النطق به .
    حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت

    أطلقت صيحة حسرة و ألم مريرة تمنيت لو أنها زلزلت الكون كله ، و حطمت كل الأجرام و الكواكب و من عليها . و محت الدنيا من الوجود .

    و طفلتي الصغيرة تبكي على صدري مذعورة فزعة . و عدوّي الوغد جثة هامدة تقطر دما . و حلمي الكبير قد ضاع و تلاشى كغبار عصفت به ريح غادرة .
    و مصيري المجهول البعيد . كما وراء الأفق . و الساحة الخالية إلا من رغد وأنا . و الشمس تشهد ما حدث و يحدث . رفعت يدي إلى السماء . و صرخت :

    " يا رب "

    استطعت أخيرا أن اشحن بالطاقة الكافية ، لأنهض و أحمل صغيرتي على ذراعي ، و أسير بها نحو السيارة .

    لم أجلسها على المقعد المجاور لا ، بل أجلستها ملتصقة بي ، فأنا لا أريد لبضع بوصات أن تبعدها عني .

    رن هاتفي المحمول ، و الذي كان في السيارة ، ألقيت نظرة لا مبالية على اسم المتصل الظاهر في الشاشة ، كان صديقي سيف ، أخذت الهاتف و أسكته ، و ألقيت به جانبا . فكل شيء قد انتهى .

    انطلقت بالسيارة ببطء ، و أنا لا أعرف إلى أين أتجه . فكل شيء أمامي كان مبهما و مجهولا .

    قطعت مسافة طويلة في اتجاهات متعددة ، و نار صدري تتأجج ، و دموعي عاجزة عن إطفاء شرارة واحدة منها .

    صغيرتي ، ظلت متشبثة بي ، لا تتكلم ، و تنحدر دمعة من عينها تخترق صدري و تمزق قلمي قبل أن ينتهي بها المصير إلى ملابسها المتعطشة لمزيد من الدموع .

    بعد فترة ، مررت في طريقي بحديقة عامة

    و تصورا أي تصرف لا يمت لوضعي بصلة ، هو الذي بدر مني دون تفكير !

    " رغد عزيزتي ، ما رأيك باللعب هنا قليلا ؟ "

    رغد رفعت بصرها إلي ببراءة و شيء من الاستغراب . فحتى على طفلة صغيرة محدودة المدارك ، لا يبدو هذا تصرفا طبيعيا

    " سأشتري بعض البوضا لنا أيضا ! هيا بنا "

    و أوقفت السيارة ، و فتحت الباب ، و نزلت و أنزلتها عبر الباب ذاته .






    رد مع اقتباس  

  10. #30  
    المشاركات
    3,259
    أمسكت بيدها و حثثتها على السير معي نحو مدخل الحديقة

    هناك ، كان العدد القليل جدا من الناس يتنزهون ، مع أطفالهم الصغار ، فهو نهار يوم دراسي و حار .

    إنني أعرف أن صغيرتي تحب الأراجيح كثيرا ، لذا ، أخذتها إلى الأرجوحة و بدأت أؤرجحها بخفة .


    تخلخل الهواء ملابسها الغارقة في الدموع ، فجففها ، و صافحت وجهها الكئيب فأنعشته .

    تصوروا أنها ابتسمت لي !

    عندما كانت رغد تبتسم ، فإن الدنيا كلها ترقص بفرح في عيني ّ و البهجة تجتاح فؤادي و أي غبار لأي هموم يتبعثر و يتلاشى .

    أما هذه الابتسامة . فقد قتلتني .

    لم أع لنفسي إلا و الدموع تقفز من عيني ّ قفزا ، و أوصالي ترتجف ارتجافا ، و قلبي يكاد يكسر ضلوعي من شدة و قوة نبضاته .

    تبتسمين يا رغد ؟ بكل بساطة . و كأن شيئا لم يكن !؟

    ألا يا ليتني . قتلتك يا عماّر يوم تعاركنا .

    ليتني قضيت عليك منذ سنين .

    ليتني أحرقتك قبل أن تحرق قلبي و تدمر ماضي و مستقبلي . و تحطّم أغلى ما لدي .

    " وليد "

    انتبهت على صوت رغد تناديني ، و أنا غارق في الحزن المرير .

    مسحت دموعي بلا جدوى ، فالسيل منهمر و الدمعة تجر الدمعة .

    " نعم غاليتي ؟ "

    " هل نشتري البوضا الآن ؟ "

    أغمضت عيني .

    و أوقفت الأرجوحة شيئا فشيئا ، فنزلت و استدارت إلي . فأخذتها في حضني و قلت باكيا و مبتسما :

    " نعم يا صغيرتي ، سنشتري البوضا و أي شيء تريدينه . و كل شيء تتمنينه .
    أي شيء أيتها الحبيبة . أي شيء . أي شيء . "

    و انخرطت في بكاء قوي .

    رغد ، تبدلت تعابير وجهها و قالت و هي تندفع للبكاء :

    " لا تبكي وليد أرجوك "

    و أجهشت بكاءا هي الأخرى .

    جذبتها إلى صدري و طوقتها بحنان و عاطفة ممزقة . و بكينا سوية بكاءا يعجز اللسان عن وصفه .

    و القلب عن تحمله

    و الكون عن استيعاب فيض عبره

    و امتزجت دموعنا .

    و لو مر أحد منا لبكى .

    و لو شهدتم بكاءنا لخررتم باكيين .

    ألا و حسبنا الله و نعم الوكيل






    بعد ذلك ، مسحت دموعها و دموعي ، و ابتسمت لها :

    " إلى البوضا الآن ! "

    حملت الطفلة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن الضئيلة الجسم البريئة الروح على ذراعي ، فهي تحب ذلك .

    و أنا سأفعل كل ما تحبه و تريده . و لو أملك الدنيا و ما عليها لقدمتها لها فورا .

    قبل الرحيل .

    و هل سيعوّض ذلك شيئا .

    اشترينا البوضا ، و جلسنا نتناولها قرب النافورة ، و حين فرغت من نصيبها اشتريت لها واحدا آخر .

    و كذلك ، أطعمتها البطاطا المقلية فهي تحبها كثيرا !

    أطعمتها بيدي هاتين .

    نعم . بهاتين اليدين اللتين كثيرا ما اعتنتا بها . في كل شيء .

    و اللتين قتلتا عمّار قبل قليل .

    و اللتين ستكبلان بالقيود ، و تذهبان إلى حيث لا يمكنني التكهن .

    جعلتها تلعب بجميع الألعاب التي تحبها ، دون قيود و دون حدود ، بل ركبت معها و للمرة الثانية في حياتها ذلك القطار السريع الذي جربنا ركوب مثيله قبل 3 سنوات .

    و كم أسعدتها التجربة الثانية !

    نعم . ببساطة . أسعدتها !






    رد مع اقتباس  

صفحة 3 من 26 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية كنت أحبك حب ماتقراه في أعظم رواية
    بواسطة Bshaer‘am في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Aug-2014, 12:29 AM
  2. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  3. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  4. ديكورات كامله 2013 , ديكورات منزل كامله 2013 , صور ديكورات جميله 2013
    بواسطة ♣ ♣المتفائله♣ ♣ في المنتدى ديكور - فن الديكور المنزلي - اثاث غرف ومطابخ وحدائق
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Sep-2012, 11:37 PM
  5. رواية قليل من الحب كامله من الروايات الرومنسية txt للجوال
    بواسطة بدويه اصيله في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-Oct-2011, 10:39 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •