الملاحظات
صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 74

الموضوع: @ حــــب أخـضــر @ ===> الرواية التي أطربت مسامع القلوب <===

  1. #51  
    المشاركات
    206
    قالت سوزان بحماس :

    - تجادلت معه طويلا، وبعدها شعرت أنني أقوى تحسنت وتمكنت من السيطرة على أفكاري وجففت أحزاني اعتدلت في كل الأمور وقلت " لا يوجد شيء يستحق البكاء حتى من أجل أبي الذي يمتلك قسوة لا تقهر ، لكن مصيره مجهول "

    شرحت لأمي بعض الأفكار البسيطة عن العدالة، فاستهجنت وقالت : " يكفي أن الله الذي نعرفه عدالة"

    أحسست أنها أكثر تماسكا وقوة ، واستشارت باطنها بحكمة ، وتوصلت إلى قناعة ما لم تطلعني عليها ذهبت للنوم بهدوء ، وفهمت أن انشغالها بأبي سيطول ، وتستعد لإدارة نفسها معه بطريقة لا تخلو من حبها له وفق وصفة إيمانها في الصباح تناولت القهوة معها ، رأيت بأم عيني كيف ارتسمت على وجهها خارطة لروحها المتفائلة بدت رشيقة ، غير مبالية ، تبتسم بثقة وكأنها تعلمني درسا في طريقة التعامل مع المستقبل شربنا القهوة ، نظرت في كعب الفنجان ، توقعت أنها ستقول شيئاًأخذت الصينية وتركتني وحيدة أفكر فعلا فكرت بأمرها بالمقلوب وشعرت أنني مشدودة إليها هي التي تهمني لا أبي الذي انتهى من خداعها ، فكرت بالطريقة التي ستتعامل مع هذه الخديعة دخلت وراءها إلى المطبخ ، وقلت بوضوح :

    - أنا لست بصدد محاكمة الوالد ، وسأبقى على الحياد وأترك مهمة إقناعه لك وحدك فلا أريد أن نخسر بعضنا البعض.

    - أتمنى أن تبقي إلى جانبي .

    - ضد الوالد؟

    - لا لا بل ضد خطاياه

    - سأتدخل إذا طلبت مني ذلك.

    - لا أستطيع وحدي إنهاء المشكلة.

    - ياماما! أعتقد أن أؤلئك الجنود البسطاء الطيبين أقدر على التسامح من الجبابرة وهم سلفاً سامحوا بابا ولن يكونوا عقبة أمام توبته والخطيئة الكبرى هي تدمير الخطط العامة للبلد لن أحمل والدي مأساة وطن وإن كنت أرى دوره جيداً في أزمته لكنني أسهل المهمة علينا وعليه فقط قبول خطتنا دون عناد.

    - من الصعب عليه الاستجابة لنا

    - لذا سأبقى على الحياد لحين الحاجة إلى تدخلي

    - يجب يجب أن يعيد كل أملاكه التي سرقها إلى الدولة ووضعها تحت تصرف وزارة المالية.

    فهمت أنها فكرت بحكمة، وأدركت أنها تخلصت من مأزق البحث عن الحل وأننا نرى معاً الضوء في نهاية النفق المظلم وعلينا السير للخروج منه أقسمت ألا يهدأ لها بال حتى تحقق ذلك أخبرتها عن موعدي مع الدكتور إبراهيم بعد الدوام، وبأنني سأتأخر قليلاً، دعت لي بالتوفيق خرجت من البيت كعصفورة سعيدة لسببين أولاً: توحد رؤيتنا ووضوح هدفنا، ثم مباركة الماما لجهودي، وثانياً للقائي مع الدكتور الذي انتظرته بفارغ الصبر التقينا وحدثته عما دار في بيتنا بالتفصيل، فعلق:

    " بيت تسكنه أرواح طاهرة لا خوف عليه لقد علمنا التسامح أن نستمر وأن نحيّد الأعداء في ظروف يمكننا أن نتحول معاً إلى مواجهات دامية لدينا دروس مهمة في حياتنا تعلمنا كيف نصبح أفضل ونغسل أرواحنا من آثامها، فأنت لا ذنب لك بما اقترف والدك من خطايا لقد اعترف بها، وهذه خطوة إلى الأمام"

    فأجبته:

    - لا علاقة لي بالمشاكل،هو والدي وأنا أحبه أحبه جداً جداً يصعب علي أن يُعذب في الدنيا وفي الآخرة وهل تترك عزيزاً على قلبك يغرق وأنت تتفرج عليه علماً أنه يمكنك إنقاذه؟ أعرف جوابك سلفاً، فأنت ستتأهب لإنقاذ حتى الأعداء أنت لم تسكت على أخطاء والدي وقاومته باختيار طريق العلم والتحصيل العلمي والكسب الحلال هكذا كانت ردة فعلك قاومت وتحملت العذاب ، وكان بإمكانك مشاركة والدي السرقة لكنك حافظت على نظافة يديك وتفتحت أمامك آفاق أوسع فها أنت الآن أستاذ جامعي وإنسان ناجح ولديك أفكار عظيمة أنت أفضل من والدي بكثير والحياة أفضل بأمثالك، لا بأمثال والدي الذي يتباهى ويفخر أنه حرامي ومرتش وظالم، يقف رجل من القرن الواحد والعشرين ويقول بأعلى صوته أنا حرامي اذهبوا وبلطوا البحرأهذا معقول؟

    استمع إبراهيم إليّ بأعصاب باردة ، وطلب مني التعامل مع والدي برفق وتودد ، وليس المهم أن يتحسن أولا، وإنما المهم ألا يتلوث أولاده بأخطائه رفضت اقتراحه وأعلنت بوضوح أن هدفي العمل حتى النهاية لجعل والدي كما يتمنى كل الأولاد أن يروا آباءهم رمزاً للعفة والأبوة الصالحة وفخراً لهم وأعلنت أمامه بأنني أصبحت أخجل من نفسي أمام زملائي بسبب العار من انتمائي إلى أسرة ضابط كبير وسارق صحيح أنهم لا يعلمون كل شيء عن أبي، لكنني مستعدة لقبول فضيحة كبيرة لا في أسرتي أو كليتي فحسب، بل في أنحاء الوطن ولْتعلق قائمة بأسماء هؤلاء، وإذا لم يعلنوا التوبة ويعيدوا ما سرقوه نبصق ونبصق عليهم حتى ولو كان والدي واحداً منهم، ولْيتحولوا إلى هياكل ذات أسماء معروفة تلعن إلى أبد الآبدين، كما نلعن إبليس وأبا لهب ومسيلمة الكذاب و غورو و سايكس و بيكو و بلفور و شارون قد تقول إنني ولد عاق، وهذا ما فكرت به طويلاً وجاء السؤال مقلوباً: لماذا لا يكون الأب هو العاق أكرر أمامك أنا أقدس الأب والأبوة، لكنني لا أحتمل صفاته البشعة، وإن كنت قد ساهمت في التعرف إلى والدي وإطلاعي على ممارساته، فذلك لا يعفيك من مساعدتي والوقوف إلى جانبي حتى النهاية نعم نحب آباءنا، لكن من غير المعقول قبول أخطائهم الأب شيء ، وأخطاؤه شيء آخر العاطفة أمر ، وما يمارسه والدي قضية أخرى لست وحدي معنية بها ، بل كل مظلوم كنت متحمسة وأتكلم ببراءة وصدق ، وبنية حسنة





    رد مع اقتباس  

  2. #52  
    المشاركات
    206
    ابتسم ، وقال في تمهل :

    - إنك تنظرين إليّ، ثم كيف أساعدك؟

    - لا أعرف لكنك ذكي ولديك ما تقوله لي.

    - استطعت مساعدة نفسي وأهلي ولا أزال أكافح، وأبذل جهوداً مضاعفة، ولو لم يقف والدك أمام كفاحي، خاصة في بداياتي لكنت نجحت أكثر وبتعب وجهد أقل، وربما أمثاله يمنعون ويكبحون تطور كثير من الشباب ويدمرون حياتهم.

    بهذا القول زاد الأمر تعقيداً وحملني أعباء أكثر إذن ، جيل يدمر بسبب أبي وأمثاله؟ تساءلت

    ودون جواب شرح لي العلاقة المترابطة بين الفساد والخراب الأخلاقي الشامل، ثم الكارثة الناجمة عن محاولة أؤلئك إخضاعنا وجعلنا نفكر كما يريدون وسلبنا حتى حرية التفكير على أساس أنهم عباقرة وأذكياء وخبراتهم كبيرة، بمعنى يراد لنا ما يريدون وعلينا إتباع تلك الإرادة،أي الاستحواذ علينا، فتلك هي كارثة الكوارث وهنا أشار لماذا لا توجد تنمية وتجدد وتطور لماذا تحولنا إلى عبيد لهم جردونا من أسلحة النقد والرؤيا أغرقونا في الفقر ، فتمكنوا من ضبط المجتمع بعد أن جردوه من قواه وذلك انتصار لهم

    كان كلامه ضبابي وغير مفهوم تماما ، أجرى مقاربات عديدة ، ومثّل لي بعض الأمور بشرح بسيط ، كنت كتلميذة أتعلم منه

    بدأت أرى وأتلمس كل ما قاله في شوارع دمشق أغنياء من ضباط وأولاد مسؤولين كبروا بسرعة وبأيدهم الثروة والسلطة ينخرون المجتمع دون رحمة تذكرت اتصالات والدي الهاتفية علاقاته زملاءه الضباط ، وزوراه من المجتمع المخملي،أحاديثهم وعلاقاتهم وخصوماتهم ، صفقاتهم حللت ماضيه راقبت سلوكي وتصرفاتي سلوك أخوتي أحسست بالجريمة التي نقوم بها في كل يوم يمر رقّ قلبي على الأطفال الذين يبيعون العلكة وعلب السجائر ويمسحون زجاج السيارات في الشوارع رافقت أحدهم إلى بيته ، كان يسكن في مساكن برزة أسرته مكونة من ستة أطفال ، والده مشلول ، أصيب في حرب الـ73 ، ابنه الكبير سافر إلى بيروت للعمل وزوجته مريضة بالسكري اشتكى لي وحملني سلاما إلى والدي ، وقال إنه لا يعرفه سألته، إنْ كان عاتبا على الضباط أجاب بصمت وأشار إلى كرسيه المتحرك وقال بأن هذا الكرسي هو كل ما قدمته له الدولة عاودت زيارة ذلك البطل الذي واجه سرية للصهاينة بآخر ما لديه من قذائف في الجولان المحتل ونجا بأعجوبة

    تذكرت أن والدي نجا من معركة ما بنجاحه في الفرار وتفاخر بذلك تحدث عن الجنود الذين ماتوا كأنه يتحدث عن دجاج نفق

    قارنت بروح ناقدة بين هذا المناضل ، وبين أبي الذي يتمتع بالجاه والمال وبين حال ذلك الجندي حكيت لأمي ، وذهبت معها لزيارته أقامت معهم علاقة صداقة وتبنت تعليم ذلك الطفل على نفقتها الخاصة اعتبرت ذلك واجبا

    ما فعلته أمي كان بسبب إبراهيم الذي باركت له نجاحه في إنقاذ طفل برئ من الضياع

    سألته عن رأيه حول المبادرة الخيرة ، وعن سبب عدم خروج الفقراء للمطالبة بحقوقهم أجاب بوضوح:

    - قد يكون لديَّ جزء من الجواب، والبقية تعرفينها بنفسك، وأجاب عن الجزء الذي أشار إليه، وقال : لأنهم استطاعوا تطوير شيء واحد فقط وضحّوا كثيراً من أجله ، وسيضحون من أجله بالغالي والنفيس ألا وهو فن الإسكات، لقد أحسنوا جيدا تطوير أدوات القمع والإرهاب بشكل رائع وأنفقوا وينفقون من أجل ذلك أموالا طائلة هم عباقرة في ذلك ، ونافسوا أكبر الدول المتقدمة ونجحوا في ترسيخ التخلف والقمع عشرات السجون تنتظر من يطالب بحقه وآلاف وسائل الترهيب قابعة خلف بوابة كل مواطن هذا ما بنته الدولة التوليتارية

    سألت سلاف:

    - تتتتتتتووووو لييي؟

    -التسمية غير مهمة

    - أريد أن أعرف

    - تعرفين في حينه

    ثم تابعت :

    - فهمت عليه، طبعا بعد شرح ، وأخذ ورد تكلم قليلاً عن دمشق وبغداد والقاهرة عن المدن الجريحة وعبر عن رغبته بزيارة إنطاكية والقدس ودعته على أمل اللقاء جئت إلى البيت وكانت أمي بانتظاري على أحر من الجمر تناولنا الطعام سوية وبشهية حدثتها عن إبراهيم وحدثتني عما يجول في رأسها:

    - اسمعي يا بنتي ما يجري في بيتنا ليس أزمة أو مصيبة لا سمح الله لا لا أبداً، ولا حتى محاكمة ولا توجيه عقوبة أو استنكار، أو إدانة وإنما مصالحة مصالحة بين أفراد الأسرة ومحاولة جدية لجعل والدك أكثر طهارة ونبلاً، وليعود إلينا كما كنا نتصور قبل اعترافاته: الرجل العطوف والعفيف والسوي والأمين ونريد منه العمل معنا لتحقيق ما كنا نؤمن به سوية، وبالتالي عودة السعادة إلى الدار التي قد يهدمها أرى يا بنتي أن اعترافاته هي نصف الطريق إلى تحقيق الهدف لقد تجرأ واعترف، وسيتجرأ ويتوب لقد تحمل تهمنا ولا نريد منه أكثر من ذلك ولا حتى الضغط عليه أو إشعاره أنه في مأزق أو مكتب تحر وإنما بين أولاده وزوجته الذين يحبونه ويريدون له كل الخير

    اقتنعت بأفكار والدتي، ووجدتها متقدمة على أفكاري وحسب رأيي النتيجة هي الأهم

    أمضى الوالد سهرة ذلك اليوم خارجاً تابعنا حياتنا الروتينية وعلى مدى أربعة أيام تعاملت الوالدة معه بلطف زائد ، أما أنا فرحت أقبل يديه كلما عاد من العمل ارتاح لتصرفنا ولاهتمامنا به بعدها شعرت والدتي بإمكانية التحدث إليه حول التوبة استمر نقاشنا وتكثف حول ردود فعله، خاصة وأنه ضابط كبير لم يعتد على الاستجواب أو التنازل أمام أحد، ثم شعوره المطلق والمزروع في خلجات روحه أنه الأقوى والمطاع وهكذا بدأت أمي معه الكلام : " نحن بخير ولسنا بحاجة للمزيد، كل شيء متوفّر عندنا، بدل المزرعة مزارع، وبدل الشقة شقق، و زرنا نصف الدنيا ، فماذا نريد أكثر من ذلك ؟ " واعترفت أمامه أنها كانت غافلة عن تصرفاته الخاطئة والغنى الفاحش غير المبرر، ومصادر الثروة اللامحدودة لا قيمة لها في النهاية رجته أن يتوقف عن السرقة، وألا يحضر شيئاً من الفرقة العسكرية فوعدنا أن يتوقف واعتبرنا ذلك انتصاراً وحسب قناعتنا سيترتب عليه تغيير سلوكه، وإلغاء شبكة المتعاونين معه من جنود وتجار وضباط





    رد مع اقتباس  

  3. #53  
    المشاركات
    206
    بدأ يقلق واعتبرت أمي توتره بادرة خير ، وشعرت أنا بالاطمئنان أطلعت الدكتور إبراهيم على هذا التغيير في لقاء سريع تمَّ بيننا.

    قاطعتها سلاف سائلة:

    - ألم يكن لديه بعض الغرام؟

    - للحكاية بقية

    - لم أفهم

    أسدلت سوزان جفنيها خافية لغزا

    وبعد شعور محموم بالرغبة في معرفة كل شيء ، تراجعت سلاف عن إلحاحها ، لكن سوزان ، قالت بصوت شحيح لايخلو من اجترار أشبه بطرقات على لوح زنك

    - استفزني بكلمة أكره ، تلك الكلمة الأشبه بخط مستقيم يمكن رسمه بسهولة ، بين نقطتين من زمن مملوك للحقيقة ، وفي لحظة لم تكن عابرة ، ثم أصبحت قضية حشرني في كهف محير ومعها انطلقت عشرات الأسئلة التي لم يقو عودي بعد على تحملها

    - هل حلت كل المشاكل؟ سألت سلاف ببساطة.

    - على العكس تماماً بدأت مشاكل الدنيا فوق رأسي.

    - لا أفهم ماذا تقصدين؟

    - حينئذ لم أفهم ما حدث.

    - هيا هيا ! تكلمي تكلمي دون توقف كلّ مرة أقول قصتك انتهت تبدأ من جديد.

    - هكذا اعتقدت مع والدتي أن الوالد تغير، وقد أفلحنا في مهمتنا مضى شهر كامل ونحن في انسجام مطلق بدأت أمي تخرج بنفسها وتتسوق وأقسمت ألا تستخدم السيارة إلا عند الضرورة ، شرحت لي عن خوفها عندما ركبت السرفيس لأول مرة ، وكيف شعرت بالغربة والرعب من الناس الذين يجاورونها في المقعد شعرت بعدم انتمائها لهم ارتعبت واتهمت نفسها بأنها من كوكب آخر من عالم مختلف تعثرت وهي تمشي، خافت ، وهي تنتظر في موقف السرفيس حاسبة أن الناس يأكلونها بنظراتهم ، ارتبكت وهي تصعد درجات الميكروباص فمد مواطن لها يده ، ساعدها واهتم بها ثم دفع عنها الأجرة تمنت أن تعطيه حياتها فرحت كثيرا لما قالته وأحسست بأنها تعود إلى الأرض التي فقدتها لزمن طويل أما أنا ، فرحت أستخدم سيارات النقل العامة سرت على قدمي من المرجة إلى بيتنا كنت في حالة من التحدي مع جسمي الهزيل

    سألتها سلاف :

    - وكم هي المسافة التي مشيتها؟

    - تقريبا أربعة كيلومترات

    ضحكت سلاف ، وقالت :

    - مثل هذه المسافة نقطعها ونحن نحمل الحطب وأكياس الزيتون و

    قاطعتها سوزان مباشرة :

    - أعرف أعرف وذلك يحتاج إلى تدريب وتفهم نفسي وإدراك أننا بشر لا كائنات من كوكب آخر

    ثم باحت وكأنها في خلوة مع ذاكرتها :

    - دخلت في معركة تحدٍّ مع نفسي ، ودراستي أصبحت أجرأ أقول لزملائي كلاما غريبا لدرجة أن أحدهم قال ، لقد جنت البنت

    اهتممت بالتفاصيل ، ناقشت أخي عصام ، وطلبت منه أمي أن يتوقف عن غنجه والاستخدام العشوائي لسيارته، والكف نهائيا عن التعامل مع عساكر المفرزة تفهّم طلبها وخفف من وقاحة ابن الضابط الكبير تابعنا دراستنا بجدية ، وراحت أمي تراقب أبي وتلاحقه بهدوء لبلوغ هدفها في إعلان توبته أمضيت أوقاتاً رائعة كنت سعيدة أسميتها سعادة بالفطرة ، سعادة ولدت من رحم تجربة أشبه بمغامرة ، أصبح لدي قضية أعيش من أجلها قال إبراهيم عني بهلوانية تمكنت من اللعب بسرعة على حبال السيرك أعجبني قوله ، والأهم كنت فعلاً أحلق كفراشة بين الزهور أستمتع وأجعل مَنْ حولي يستمتعون لأنني أصبحت أوضح وأكثر ثقة بنفسي واعتبرت الجرأة دواء لكثير من المشاكل ، وهي ضرورية كي نسمي الأشياء بأسمائها، ونقول إنّ فلاناً حرامي بغض النظر مَنْ هو أنا، أم أبي، أم أخي، أمي، عمي، خالي، جاري فتسمية الأشياء بأسمائها يسهل كشف الحقاٌئق بلغ بي الحماس حدا هائلا أصبحت أفكر وأبرمج وأعمل وأنجز في اللحظة ذاتها تولدت لدي طاقة خارقة وأمنت بأن الإنسان كائن خلق للتغيير والتحول والعطاء ، وهو كائن معجزات بحق كائن أسطوري مفتوح على طاقات كامنة لا حدود لها ، جربت ذلك ، وتملكتني أحلام لانهائية تمثلت بعض حكايات الأنبياء التي سردتها لي والدتي كانت تعني لي حكاية وحسب وبعدها أصبحت قوة هائلة تحركني إضافة إلى أفكار إبراهيم كانت مثل دينامو لا تتوقف عن إثارتي اتفقت معه حول كثير من الأفكار وتجرأت وخالفته فجأة انتفض ولم يقل إنني أخطأت ، فقلت له نعم أخطأت ، وكان من المفروض أن تسافر إلى قريتك من أجل زيارة خالك المريض مهما كانت الظروف وأخيرا اضطر إلى السفر ، وكانت النتيجة إنقاذه من مرض كان سيتحول إلى عضال لولا التدخل الطبي السريع وفي الوقت المناسب

    خبأ عني قصة ، وفي لحظة من الملل أو الضجر ، تلتها حالة من التحدي بسبب أسئلة عن الضعف والقوة والعنفوان حدثني عن صديق له ، صديق توطدت علاقتهما في سجن والدي الخاص صديق أقسم وهو في السجن أن يقتل أبي وعندما رماه والدي خارجا دون عمل ومأوى وكسرة خبز لجأ إلى إبراهيم سكن معه واشتغل عتالا في الكراجات ، وبعد فترة عاد ومعه مسدس اشتراه بأول مبلغ جمعه رآه إبراهيم صدفة وفهم على الفور هدف صديقه أخذه منه وقال في نفسه آخذه الآن فيشتري غيره ، لذا يجب أن أغير أفكاره ، تجادلا طويلا وتمكن فعلا من إقناعه وتغيير أفكاره وقال له : " اترك مهمة عقابه أو قتله لغيرك ، فأمامك فرصة للحياة بعيدا عن المشاكل "





    رد مع اقتباس  

  4. #54  
    المشاركات
    206
    أقسم له بأنه سيُعاقب يوما ما ، وسيرى ذلك بأم عينه انتهى الموضوع على خير، هنا تصورت لو نفذ ذلك الشاب هدفه لكنت من دون أب صعقني ذلك التصور << دون أب يتيمة يا لرهبة الموقف أمي أرملة ، كم كانت ستتعذب بسبب فقدانها لزوجها الحبيب وكيف كانت ستربينا وتتدبر أمورها لوحدها >>

    وسألت الأسئلة نفسها فيما يخص والدي ، حول الأشخاص الذين حرمهم من حقوقهم في العمل ، وذلك الشاب الذي مات في السجن بسبب العذاب كما قال إبراهيم وترك وراءه خطيبته ، وأم إبراهيم التي ماتت بسبب غير مباشر من والدي الذي منع ابنها من رزقه فماتت لعدم وجود الدواء والعلاج تعقدت من تلك التصورات وأصبحت تلاحقني كالكوابيس في نومي ويقظتي وقلت في نفسي ، مادام الذين اعتدى عليهم والدي قد سامحوه لا بأس ، لأسامحه أنا بدوري ، ولن أحاكمه بأوجاع ابنته ونكرانها لفضائله عليّ ، واشترطت على نفسي أن أجنبه المزيد من تعذيب الناس

    وقعت في شرك التناقضات مرت علي أيام حالكة ولولا وجود إبراهيم الرجل المتسامح لمت

    أتذكر ، وقتها اعتذر وبشدة عن قصه حكاية الشاب الذي مات والآخر الذي حاول قتل أبي ثم غمز مني ، وقال : "

    لقد التقيته ذات مرة وعرفك وعبر عن شعور جيد تجاهك "

    طلبت منه أن يعرفني عليه ، فقال : " ستتعرفين عليه" شعرت أنني مدينة لهما بحياة أبي الذي أجلّه وبفرح أمي ، وبكلمة بابا التي لم أحرم منها

    سألتها سلاف مباشرة :

    - هل تعرفت عليه؟

    - نعم ، لقد تعرفت عليه وحكى لي عن معاناته الطويلة واعتبر مشكلته مع والدي من الماضي وقال بصدق :" المسامح كريم "

    تساءلت عن هؤلاء الناس ، ومن أين تحلوا بكل تلك الأخلاق والقيم ، ما مصدرها ماهي تربيتهم هم يتنازلون عن حق من حقوقهم ، بينما شعرت بأن والدي ليس منهم ، وهكذا رباني لأكون كائنا آخر لا أنتمي إليهم وأحسست وهو يقول لأخي عصام ، سأقدم لك طلبا للهجرة إلى كندا لتعيش هناك ، وكأنه يعني تماما ، هذه الأرض لا تناسب واحداً من أمثالك في كندا كرامتك ، وعزتك ، وتحميك من المتربصين بينما هنا على العكس أرض الوحوش واللصوص نعم ، هكذا يتصور والدي بلادنا الرائعة وهمس مرة في أذن أمي بأنه سيجد لي عريسا ، ويسفرنا إلى كندا أشعرني بالخوف والرعب من أهل بلدي ، وكان حله النهائي للخلاص مما يمارسه هو تهجيرنا للخارج

    لاحظت سوزان زميلتها تعد على أصابعها سألتها عن ذلك جفلت ، وأجابتها :

    - لا شيء لاشيء

    - هذه الكلمة غير موجودة في قاموسي ، وأنا حساسة جدا إذا كنت لا أروق لك أنهي كل شيء الآن ومباشرة

    زرفت سلاف دمعة جرحت مآقيها كسكين ، دمعة لم تكن متوقعة ، تركتها معلقة فوق وجنتها كحبة لؤلؤ ، وحشرجت قائلة :

    - أنت لا تروقين لي وحسب ، أنت مبعوثة إلي من الله لولاك لما تمكنت من متابعة الدراسة أنت إلى جانبي لمسة إلهية خالصة كنت أتوقع أنني الوحيدة في هذا العالم التي تتعذب وعذابك أطفأ معاناتي أصبحت مشكلتي صغيرة تجاه ما حدث لك

    - أنا لم أنته بعد

    - أعرف لكن ما قلتِه حتى الآن جعلني أضيف إلى الأرقام التي كانت تطاردني رقما آخر نعم بدأت أتوجع لوجعك

    - عن أية أرقام تتحدثين ؟

    - لا أملك الشجاعة بعد لأقولها أمامك، أو ربما أحتاج لبعض الوقت كي أتمكن من قولها

    - هل يمكنني مساعدتك ؟

    - أنت تساعدينني

    - إذن لستُ ثقيلة عليك ؟

    - أنت كالعسل على قلبي

    ابتسمت سوزان وانتقلت إلى موضوع آخر لا علاقة له بالحكاية تجاذبتا أطراف الحديث لاحظت الاسترخاء يواكب تصرفاتها كانتا على موعد مع الانصراف إلى أشغال أخرى





    رد مع اقتباس  

  5. #55  
    المشاركات
    206
    موعدنا يوم السبت لإكمال الرواية


    تقبلوا تحياتي





    رد مع اقتباس  

  6. #56  
    المشاركات
    206
    حب أخضر _ 4



    عادت ندى من لقاء طويل مع وائل ، شَابَ لهجته بعض التعابير عن حالتها وهمومها وما استقرأه من تربة أحادثها التي خالجها بعض الجفاف المقدد الذي جعل حاسة حبه الأليف تفور في باطنه وتدفعه للسؤال عن حال الحبيبة ووجومها ، دوت صرخة عميقة:

    (- حبّك أقل من ألفة ، أقل من الحب ، يقترب من جرح مثخن بالاجترار، حبّك أقل من لون الدم ، تحاذيه مجاعة قارية ، بحاجة إلى تقوى تطهر نظراته ، وتجعله يذهب إلى صومعة التضرع

    - أنا أحبها ، ورب الحب أحبها

    - تحب دون خطايا ، دون ذنوب ، لم تجترح نظرة عينيها لم تتناول مشاعرك بعضا من وجلها

    - أنا رهن إشارة من رعشاتها ، أتضرع إليها كمخلصة ، كفتاة تسوقني إلى الخلاص

    - أنت طريح فوضى وبرودة

    - هون عليّ أيها الذنب ، فأنا بريء ونفسي أقل مني خشية عليها

    - تأمل أساريرها ، هل ابتسامتها بلغت النضج ؟ أين هي من الهجران والوصل ؟

    - هل تعاتبني ؟)

    اختنق خلف هذه السهام الحادة من حوار فاغر الجرح ، ارتعد وهو يستعيد النظر إلى هذه اللطخات المعتمة في عنفوانه وينظر إليها نظرة إملاق ، فصلته عنها هدوسة متفحمة ، وهبة مهولة من عقم، بدا وجهها كوجع خام ، وقلبه حائل وناكس ، ارتطم كحصان سباق كسرت ساقه الأمامية ، حدته رغبة بذبح شكوكه ودفنها في داخل نقي كريات الصبر واللهفة ، رامشها من خلف غشاوة ، كانت أقرب إلى نجوى وأنين ، وجنتها تتهالك فوق نظراته دون حرارة : << وجه سقيم ، كلمات يابسة ، تعابير منبوذة ، وإرادة محصورة بالشرود ياحبي هل أنت من دون رب ؟ هل مسّك شيطان ؟ إن كنت وفيا استحلفك بزنابية الشكوى، بطُوى قلبي أن تطلعني على سرها >>

    كانت تلوذ وراء ضميرها المنتمي لتراب صديقتيها ، تقيم بكليتها في غرف همهما ، تثور ضد الإقامة الجبرية للصمت في أحاسيسها ، تنحاز لهما وكأنها تبتعد عن درب هواها الخاص بحبيبها الموله ، لم تشأ أن تقول له أن آهاتها هي آهات صديقتها وشردوها التحم مع شرودهما ، ونَفَسُها هو أنفاسهما ، لم تقل له ما يزيد وجعه كما ظنت ، بينما هو يتشوى على نار ما تخفيه ، على نار شعوره بأنها أقل حرارة تجاهه تشتت جغرافية نظراتها تحت وطأة تراشق سمج أحاط حبيبها بكثير من الألم المباغت بدت وكأنها تبتعد باتجاه المجهول الذي لا عقيدة له سوى المغامرة غير المحمودة ، أظهر شعورا غريبا عما تخبئه ، كإحساسه بوجود إصبع سادسة في طرف ملامحها الصفراء توجه بوصلة عاطفته ، وإصبع أخرى أشارت إلى نوح وانتحاب ، وبعد طول انتظار مدته لحظة من وجع ، طلب منها تفسيرا حول هذا العالم الداخلي وأعضائه الباردة المُشرَّحِ بمبضع الأحاسيس تجرأت وحكت له عن مقبرة في داخلها تدفن فيها جنازات لماض قاصر لبرودة عابرة ، لرعشة حِداد وكيف استمالها مركز الدائرة لتقف فيه ومن حولها كائنات تستجمع قواها لتكون ضمن كريات عواطفها : الحب والحبيب ، الصداقة والصديقات ، العلم والكتاب كان يرسم على الرمل تلك الدائرة ، وهي تحكي له ، دائرة يلتهما الموج فيعيد الرسم ، يتحمس وصمته يشوي عبراته ، فيقطر لسانها كلمات ممغنطة يلتقطها الوقت المتجمد بفعل الحيرة ، همست : " صداقة حارة على حساب حب دافئ " قالتها دون أن يفهم إلى ما ترمي واعترفت بقلق يمر بجانب الحب يحاذيه ارتعب وسأل :

    - ما علاقتي بذلك ؟!





    رد مع اقتباس  

  7. #57  
    المشاركات
    206
    وضعت يدها على فمه ، وأجابت بتروٍ :

    - لالا ! بل الماضي الذي تأنى كثيرا كي أراه أراه من جهة أخرى من جهة القلق تجربة أخرى تمر بجانبي

    - ماذا يحدث بالضبط ؟ سأل بحماس

    - أحتاج إلى اختبار من نوع آخر اختبار لا علاقة لك به أمر يخصني

    ركع عند قدميها ، دمعة بمذاق الفلفل الحار حرقت كرة عينيه، كلما انحنى ازداد شموخا ، وكلما أجهش أصبح أنقى طافت به قولاتها الكاوية حول بذرة النجاة ، وضع يديه أمام وجهه كناسك يرقب وجه ربه ، وأقسم أنه يحبها جالت بنظراتها الهائمة حوله دلعته بنعومة وأصابت قلبه ببراعة :

    - أحبك أكثر مما تتصور أحيانا أفكر بأمور تبدو صغيرة كحبة طلع ، وأكتشف بعد حين أنها تكتنز الحياة

    ارتاح لما قالته ، وانتهى الجدل بينهما حول حياتهما الأقل درجة من الرومانسية

    بعد اللقاء الذي استفز موقد تجربتهما ، استنكرت ما تقوم به من إرباك لنفسها ، أيدته ضمنا ، وعزلته بالمطلق عن علاقتها بصديقاتها وما يدور بينهن من مشاكل تبعد عمر بويضة تتشكل عن مخصب أنثى ، واعتبرت إطلاعه عليها لا يقدم في الأمر شيئا و لا يؤخر أو لم يحن بعد

    ركّزت على دراستها تلك الفسحة المحايدة من حياتها في وقت تتعلم منه كيف ستعبر استشعرت خيرا وهي تتابع حالة صديقتها تنبهت إلى وضعها وقررت أن تمنح نفسها اهتماما أكبر ، أن تكون مرآة لتلك الحقيقة التي تجري من تحت أسلاك يومياتها ، ولا تحس بها كما يجب ورددت " الجاهل وحده هو مَنْ يخاف الامتحان " في لحظة من مشنقة العزلة ودعت وهدة مقيمة في داخلها تحاول طمرها وتساءلت ، كيف لا تجعله يتمرغ بتراب اللقاءات ، وينزف الخامل من جروح الوله، كان قلبها في قبضة الجمر تلقنه بعض الآه سخرت من يدها القابضة على التردد ، وقالت :" رأيت في دموعها وهي تروي جنون الحب في قلبها ، وتحرث شحوب وجهها وتزرعه بالأرجوان كي تقابل رضوان بذلك الجنون الأحمر وسوزان تجاوزت فصول الحياة برمتها وتعيش فصلها الخاص إنهما تشعلان فتيل الحب ببراعة أما أنا فرغم قربي منهما لا أزال بحاجة أن أقف على رجلي لقد شعر وائل ببرودتي وهذه جريمة "

    نبتت في ضميرها زفرات وجد ، وبللت فكرتها بإكسير نضج من العالم المزدحم بأحاسيسها وأضافت :" هو أفضل مني وركع أمامي إنه قديس وفي المرة القادمة سأركع أمامه وبعدها سأجعل قلبي في قبضته ثم سأجعل روحي تندمج مع روحه وفي مرة من بعد حزن أو ضجر أو سؤال سأكون عالمه الخالص "

    ارتاحت وهي تفصل من الواقع ثوبا يليق بالحب ثوبا يضيق على تمهلها ، ويتسع لغدها

    شكرت الصديقتين اللتين اختبرت بهما حسا من أحاسيسها كان غائبا في مخيم الإهمال والتشرد

    بعد ذلك مارست نوعاً من التدريب للعيش بعيدا عن المشاكل بقصد التفرغ للدراسة ، وترتيب الوظائف التي أجلّتها في مبيضات خاصة حسب خطتها نجحت إلى حد كبير في ذلك، أما تفكيرها حول مشاكل زميلاتها فأخذ بعدا آخر تناوبت مع أفكار وأحلام وأمنيات أخذتها بعيداً قربتها من هذا العالم الافتراضي للسكن الجامعي للاختلاط مع بشر كانوا غائبين عنها بشر أصبحوا جزءاً من حياتها أتوا إلى الجامعة ليكونوا على مرمى من مجتمع آخر ويجدوا فيه تفاعلا آدميا لم يكن بحسبانهم عالما خليقا بالشباب فكرت كثيرا وهي على طاولة الدراسة فكرت بهدوء وعمق وكأن مشكلة سلاف حركت عالما كان نائما في قبو مظلم وأبوابه فُتحت فجأة ليخرج منه واقع مختلف ، قفز إليها كسنجاب سريع الحركة يدهشها ثم يختبئ وكأنه يدعوها للتعامل مع واقع آخر وليد من رحمه حبة كستناء حامية وعليها إخراجها من النار وتناولها جمرة لأحداث مفاجئة تناقضات وألفة وعود وهزائم دموع وهموم ريف ومدينة شكوى تروح وتجئ شطوط لأحلام شفيفة ، ندبات خامجة لشكوى شقلبة لأفكار مطيرة من سحابة مرتحلة ، ووحدة عنيدة عليها التعامل معها بخبرة لا تمتلك منها سوى الالتفات إليها كصديقة كررت قول الأم تريزا " كل شيء نعمة " أسقطت هذه الفكرة على مواجع زميلاتها وقالت : << " لكن عندما تحاكم الابنة خطيئة والدها تولد فيه وجعا وعندما يضربها يصبح أسوأ من طاغية " إن سوزان تتعذب ، وخوفي أكبر على سلاف يا إلهي ، ماذا يجري هنا ؟ >>





    رد مع اقتباس  

  8. #58  
    المشاركات
    206
    تذكرت ما قاله والدها عن الخنازير البرية التي تعتدي على الإنسان ، وعندما يعتدي عليها يصبح مثلها وبرر ذلك القول بشرحه الطويل حول الغابة الأوسع التي تضم الآباء الذين يضربون أبنائهم أو يعلمونهم سلفيتهم عن السجن المدني الواسع لذا للغابة عقيدة عظيمة وموسوعة هائلة للأخلاق عقيدة يحاربها الطغاة المدنيون بدواعي أنهم انتهوا من سحقها ويبنون الحضارة ، لكنهم في الوقت نفسه يقتلونها انتصروا عليها بإطلاق " شريعة الغابة " على كل ما يكرهونه بينما هم يمارسون أسوأ أشكال البغض بدا لها والدها نهراً دون ضفة ، ورجلا تقليديا لأنه لا يسافر كثيرا أو لم ينجح في كشف تجربته لها ، على الأقل تلك اللحظة العنيفة والرحبة التي كسر بها بندقية صيده دون أن ينبس ببنت شفة تمنت أن يكون كسائح يتجول بين الخبرات التي تحتاجها في هذه اللحظة تحتاجها لتفسر لصديقتها معنى الحب والقلق شعرت ولأول مرة في حياتها بأن تكتسب من وجع الآخر خبرة خبرة تمنت أن تكون في خضمها تستضيء بنورها تساهم في صناعتها كإنسانة بلغها النضوج

    حوطها الخوف قليلا بالانتظار والترقب لما سيحدث

    تمنت أن تحلم بكاهن يخبرها عن المستقبل تصورت نفسها في قرية سلاف القرية الأشبه بفنجان قهوة فيه فرصة كبيرة لقراءة الطالع تحسست تلك اللحظات التي أمضتها في قرية تتكلم توحي خريجة من مدرسة الغابة التي تطوقها من جهات عدة ومن كل شيء لاحظته هناك خلال يومين ، أو خلال اللحظات الأولى التي أدهشتها : سماء تقفز من قمة جبلٍ إلى آخر نسوة يدخرن مليون حكاية برية قصصاً مفروشة على المصاطب كالتراب حبّاً مثل بدر مكتمل و سلاف تلك الابنة الضالة تعيش في حب تشعر بأنها أقل منه ، بحب تريد أن ينضج على يديها لتكون بدرا فيه لا شطر كلمة أو حرف أو نصف تجربة لا تريد أن تكون أقل من نحلة حضرية تربّت وفق سلوكها ألا تعود من الجامعة بحب غير مكتمل الهيئة

    شعرت ندى بفيض لانهائي من تداعيات تجري في عروقها منارات تستهل الاعتراف بولادة حب يبدأ بسؤال ولا ينتهي بجواب حب يتكلم ، وكما قالت عن لسان ماهر :" الحياة في الحب أبدية ، وخارج الحب الحياة معبر قاسٍ لا يطاق أية جنهم لروح خارج الحب ! الحب معزوفة أبدية تنتظم مع الانسجام الكوني بفعل الحب ذاته "

    أمضت وقتا تحاول التحرر من سخطها على منابع الضجر والتخلف عن اللحاق بزميلتيها كانتا بعيدتين عنها قريبتين إليها تعيشان في جوارحها ، تتحدث بلسانهما ، وروحها تدفع بها للارتماء في لجة أسرارهما، عابت على فضولها هذه الحشرية :" يا شاطرة ، هما صديقتان ، ولا تمرري مشروع التعلم منهما حتى آخر قطرة تجربة تخرجي من كلية الحياة هما مدرسة أخرى لا تقل أهمية عن مناهج الكلية "

    وكان خيارها أن تثوي مرادها بالتراب وأن تترك العصفورتين ترقصان على شفتيها ريثما تعودان تحج إلى تجربتها الخاصة ، خيارها أن تزيح خيار التدخل ألا تكونا ثالثة في ضباب ورابعة في ضجر وتحتمل أن تكون سماء ودربا سالكة لهما << هما خاصتي ، أنا منهما >> رددت بيقين مطلق

    عقدت العزم ، لفته بأرقام عشرية وجداول حساب وقالت :" ستعودان لي "

    استحوذت على الوقت مارست رياضة السير على الحواف قرأت كتبتاتسعت غرفتها إلى حدود عاصفة استوائية

    فكرت طويلاً بأمر الطالبات في مثل سنها اللواتي يدرسن في جامعات أخرى قلّبت صفحات وجهن وافترضت توقعات حول نظيراتها وأسئلة غريبة وشاعرية : هل يتعرضنَّ للمشاكل نفسها أم لهن مواجع أخرى وأحلام مختلفة هل يتوفر لهن المصروف بسهولة ؟ كيف يعشقن ؟





    رد مع اقتباس  

  9. #59  
    المشاركات
    206
    تمنت أن تذهب إلى جامعة دمشق وتلتقي الزميلات هناك وذهب بها الأمر إلى أبعد من ذلك وتصورت نفسها بين طالبات باريس واشنطن و موسكو وكانت الأسئلة الطاغية : " هل لديهن برامج مثل برامجنا ؟ هل آباؤهم مثل آبائنا ؟ هل يخافون على المستقبل ؟ ماذا تعني لهم طالبة من العالم الثالث ؟ "

    أزاحت طرف التأمل عن شفتي الوقت امتصت همها بخشونة

    مع هذا الانتقام المفرط ضد وحدتها استبقت صديقتيها جانبا، وطردت وائل من نافذة الذاكرة وطلبت منه ألا يعود إلا حينما تستدعيه أو يستدعيها وهو في مركب أكثر قدرة على المغامرة استشفت من وراء نظراتها أفقا لا من طين ، أو من سفر بل رأت قرية سلاف أجمل أفق في الكون انتابتها نوبة شجون حول البشر الذين يعيشون وراء هضاب كانت يوما ما مرتعا للطبيعة الحرة ، وأصبح الإنسان مقيما فيها كمحارب من أجلها همست :" وهي تحارب من أجله ! "

    ظلت لأيام تنتظر عودة سلاف إليها ، تعود مع حكايتها وتخبرها ماذا قررت تمنت أن تعود من مختبرالتجربة والحب قد تغلغل فيها حتى النخاع مع كل يوم يمضي يزداد فضولها حشرية بزمنها الواقف على بوابة الانتظار كشحاذ وتزداد وحشة بسبب ما يدور وراء أضلع أمسياتها علقت صراحة :" أنا معها أكثر آدمية تؤنسني لقد جعلت مني بني آدم ذات هم وغم سمحت لي أن أرى دم الوجع ، وأن أبلل يدي به ، وأن أضمده، وأن أتابع كيف يلتئم "

    كانت في حالة من التعاضد العضوي مع مجتمعها الباطن ، واعتبرت تصورتها في حالة أقرب إلى المخاض ستنتهي منها عندما تقترن مشاغلها مع مشاغل صديقاتها وتعود من عزلتها التي رهنت هواجسها لها إلى حين كان طيف وائل بالقرب منها يوبخ الكسل ، ويشمر عن ساعدي روحه قائلا بحزم ورضا :" الوقت يسرقنا وحبنا في فنجان الوقت قد نضج وحان موعد رشفه " ، تستدعيه إلى الربع الأقرب من مركز دائرتها وتقترب منه ناجزة مراكز قوى أخرى لحبها

    افترشت للهفتها مكانا بين مشاعرها وأطلقت من حولها حراسة خاصة كانت بالقرب من قلبها وبعد حين أمسكته بيدها وقدمته لحبيبها بعد أن غمسته بسكر التجربة





    رد مع اقتباس  

  10. #60  
    المشاركات
    206
    حب أخضر _ 5



    في يوم تالٍ ، حاولت سوزان تهدئة الموقف أكثر ، وبعد حديث عن الرحلات والمدن التي شاهدتها ، والغرائب، وحفلات السيرك وحدائق الحيوانات ومدن الملاهي ، والأطعمة ، وأنواعها، و الموضة والسياحة التي استمتعت بها في استنبول وأثينا وبطرسبورغ وباريس وجوهانسبرغ كانت سلاف لا تستمع إليها ، وقالت صراحة :" لا تعنيني حكايات عن مدن بالنسبة لي أقرب إلى الخيال ، وبالكاد أسمع بها "

    فهمت سوزان قصدها واعتذرت عن هذا الاستفزاز لقرويتها، وقالت بوضوح : << أيضا لم تعد تهمني ، كان ذلك في الماضي وحسب >>

    طلبت منها سلاف ألا تعتذر عن أي شيء فعلته ، وشرحت لها إعجابها الشديد حتى بتلك المدن التي حكت لها عنها ، وكأنها تخبرها عن عالم غير موجودة فيه ، وتفهمت رؤيتها فبدأت سوزان الكلام من طرف خيط مغاير عما سلف :

    - جاء موعد سفره إلى اللاذقية للعمل في جامعة تشرين الموفد لصالحها وقتها زرته في غرفته البسيطة في حي القابون، كان فيها: فرشة إسفنج ، ولحاف مرتوق ، و مخدة ، وأواني مطبخ قليلة مستهلكة ، وفرن غاز برأس واحد وراديو عتيق وكومة كتب راقبت الغرفة باهتمام ، بدت ككهف من القرون الوسطى لا توجد رائحة آدمية فيها في البداية رفض زيارتي الغرفة، وقبل أمام إصراري، أما في خاطري فكنت أود التعرف إلى ظروف سكنه، كانت غرفة صغيرة لها نافذة طولها وعرضها نصف متر في نصف متر، لا تتسع لأكثر من شخصين، تصلح لتصوير لقطات تلفزيونية عن مأساة طالب ، سألته عن المكتب والكرسي، فأجاب: " أعطيت الكرسي والطاولة إلى عامل نجار يسكن في البيت المقابل، وهو إنسان بسيط، وعموماً كنت أمضي معظم وقتي للبحث في المكتبة الظاهرية وفي مكتبة الجامعة وأحياناً في أماكن عملي اشتريت الطاولة والكرسي فقط قبل ستة أشهر بسبب اضطراري للسهر الطويل في البيت قبل نهاية بحثي أمّا بقية الأغراض، فسأتركها لمستأجر جديد أعرفه، وهو أيضاً موظف فقير من السويداء قال مازحا ، يمكن أن تأخذي منها ما تشائين " بدت الغرفة عبثية جلست على الفراش جهّز ضيافة متواضعة أول مرة في حياتي أرى كيف يعيش المستأجرون في الأحياء الشعبية تأملت السقف المتهالك الذي أكلته الرطوبة ، السقف الذي غطى أستاذاً جامعياً، بينما أعيش في قصر المقارنة مستحيلة نعم مستحيلة بين غرفتي الخاصة أو غرفة فندق باريسي أقمت فيها شرح لي أن أجرة هذه الغرفة تستهلك ثلث دخله والبقية يرسله إلى أهله تجنبنا الكلام عن والدي أهداني كتاب رسالة الغفران للمعري وكتب إهداء " المنتصر هو الخاسر دائماً لأنه خرج من معركة ليس له فيها نقيض يصوّبه" قرأته دون أن أفهم شيئاً استأذنته وطلبت منه رواية كانت موجودة في أعلى الكتب ، رواية لغادة السمان معنونة بـ" فسيفساء دمشقية " أعجبني العنوان ، فقدمها لي هدية

    لم أودعه على أمل لقائه غداً في محطة الكراجات فعلاً هذا ما تمَّ ، وكان اللقاء ضرورياً لي كي أسأله عن مغزى الإهداء، هكذا تظاهرت ، فأجاب:

    " نخسر لأننا ندخل معاركونخسر أكثر لأننا نتجاوز الرغبة ولأننا أقوياء نكون أكثر وحشية ، وندمر كل من لا يخضع لنا"

    اعتبرت ذلك كافياً رغم إنني لم أفهمه جيدا ، ولم أهتم لذلك كثيرا ، أومأت له برأسي وبطرف رمشي واقعة تحت تأثير ما سيحدث لقلبي الجامد ككتلة ثلج يحوطها لهيب التوقعات صدفة تشابكت نظرتي مع نظرته فعل سماوي طاهر دفعني للنظر إلى وجهه وبدا لي ما وراء الوجه مشاعر كشهوة كتفاحة تدعوني لقطفها كطعم لذيذ لا تتمنين أن يزول أحسست أن شيئا فرخ في داخلي كأن روحي تناسلت شعرت بدفء العالم يملأ قلبي المتوقد حسدت عينيه الرائعتين تناول حقيبته صعد سلم ( الباص ) وهو يلتفت إليّ من وراء الزجاج لوح بيده ، أحنى رأسه وحَبَس نظراته البرية الجاذبة احتفلت بي تلك اللحظات الرائعة بعثتني من جديد كرمتني قدمت لي شيئا ليس له ثمن كانت ثانية واحدة ، ثانية وداع واحدة ساوت مليون ثانية مليون دهر مليون ربيعٍ مضى ومضيت مع مشاعري المنسكبة كرذاذ المطر فوق المروج ، أمطرني فرحا جنونا سماوات مضيت غير متحكمة بذاكرتي التي تمنيت أن تسجل المشاعر كي أتمكن من استعادتها كما هي في أوقات أخرى انتشيت دون أن يسبق لي المرور بمثل هذه الحالة السامية ، الراقية ، لحظات اخترعها الإله ليقترب الإنسان إليه بها كانت لحظات مثيرة غريبة جديدة سامية اكتشاف خارق إحساس أدفع حياتي ثمنا له من أجل أن يتكرر أسرعت إلى البيت ، وكأني لا أمشي فلا أرض تحتي ، ولا سماء فوقي كأنني نسمة هائمة فوق عالم موجود وغير موجود شيء لا يشبهه شيء في الكون إلا هو هو هو ملكوت توحد تلذذ سطوة يفطر القلب لا تعريف له





    رد مع اقتباس  

صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الفتاة التي ماتت عارية أمام الماسنجرالرجاء عدم دخول القلوب الضعيفة
    بواسطة مِـفآهيم آلخجـلْ في المنتدى صور × صور و خلفيات مصوره
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 16-Feb-2009, 11:15 AM
  2. الرواية
    بواسطة لون مجهول في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22-Aug-2007, 02:47 PM
  3. الغفلة التي تقتل القلوب
    بواسطة هووواوووي في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-Apr-2007, 10:52 PM
  4. ][®][^][®][حــــب أبــدويــة ][®][^][®][
    بواسطة الـفـارس الـمـلـثـم في المنتدى محبرة شاعر - شعر - قصائد - POEMS
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 15-Oct-2006, 04:13 AM
  5. حصريا:الرواية الاخيرة التي كتبها صدام حسين
    بواسطة قلم رصاص في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-May-2006, 03:40 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •