الملاحظات
صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 74

الموضوع: @ حــــب أخـضــر @ ===> الرواية التي أطربت مسامع القلوب <===

  1. #41  
    المشاركات
    206
    في الموعد التالي جئت إليه مندفعة بقوة ما قوة خفية تدفعني إلى الخلاص من العذاب والكوابيس قوة تخلصني من الجحيم الذي أتهيأ للسقوط فيه التقيته وطلبت منه الكلام مباشرة، فاستجاب وتكلم، وأوجز بما معناه :

    - الإنسان يفقد أحاسيسه مع كل ممارسة جديدة للظلم ، هو مختلف عن الحيوان الذي يترك فريسته عندما يشبع لحيوان آخر ، بينما الإنسان يستمر حتى يبتلع المرق والعظم ويأخذ معه الإناء ولا يترك وراءه حتى رائحة فريسته . هذا ما كان يفعله والدك إذا كان يشك بوجود أي بقايا لما يسرقه يكلف أزلامه بلملمة كل شيء والدك إخطبوط بشري لا يرحم، ومجرد جندي بسيط مثلي لا يمكنه مقاومته، فهو قوي وقادر على حماية الخطيئة التي يمارسها بوقاحة ويعتبرها شرفه ضباطنا للأسف يتنافسون فيما بينهم على ابتلاع الأخضر واليابس ويتباهون زمن مرعب أشخاص يتباهون باللصوصية كأنها شرف في البداية لم أفهم ذلك، خاصة عندما رفضت أن أكون شريكه وألبي طلباته بالسرقة والتهريب، اعتبر هذا الرفض خيانة لقوته وجبروته يؤدي بأمثالي إلى جحيمه وغضبه الجهنمي ساقني إلى السجن، و تفاجأت بوجود سجون خاصة به يدخلها العسكري، ويمكن أن يمضي فيها زمنا طويلا دون دراية أحد، والتهمة الملفقة جاهزة " رفض الأوامر، سرقة قطعة سلاح، افتعال حادث ضد مصلحة الجيش، تهمة سياسية، تسريب معلومات، تجسس " تلفيق مع أدلة ثابتة وشهود جاهزين للقسم تحت الطلب ممن أرهبتهم سطوته

    تصوري لا أزال أذكر الشاب نديم السبع من حلب الذي أودعه والدك السجن بتهمة تمزيق صورة الرئيس والسبب الحقيقي أنه رفض استخدامه في المفرزة أمام شقتكم لقد عمل أسبوعاً ثم اختفى في غياهب السجون لم يحتمل كبرياؤه أوامر أولاد الضابط أرادوا استعباده وتحطيم رجولته وشموخه كالذهاب لشراء شوكولاته أو قطعة حلوى أو اللعب مع طفل لا يتجاوز عمره خمس سنوات ومسايرته إرضاء لوالده اضطر لتحرير نفسه، للتخلص من هذا العبء ، لكن إلى السجن مباشرة وذات مرة استنفرت الشرطة العسكرية في الجيش بحثا عن عسكري ضرب ابن ضابط ، تصوري كم كلف ذلك من هدر ، وتعب وكأنها قضية وطن علمنا ذلك ونحن في السجن قصص لا تنتهي وأيام لم تكن لي أخبرنا سجين عن مصيبة حدثت لمدرس في بلدتهم من قبل ضابط صورة طبق الأصل عن والدك ، درّس الأستاذ الضابط في البكالوريا وقال عنه بعد استفحال شغبه وعدم اهتمامه بالدراسة ، وتأثيره السلبي على بقية التلاميذ بأنه طالب غير منضبط ، ووصف الحالة: عمران كسول ومشاغب ، طوال السنة لا يدرس ، يأتي الفحص ينقل ويغش ، فينجح ، يذهب إلى الكلية الحربية ، ويُقبل فيها بعد واسطة أو رشوة أو استثناء ، في الكلية يضرب مدربه فيقولون أنه قبضاي ، يتخرج ، يصبح ضابطا ، يرهب جنوده والناس ، عمران يصبح مرهوبا ، وعمران مدعوما ، وعمران شخصية مرموقة ، يترفع في الجيش ، يصبح قائدا ، عمران يحمل النياشين والنجوم وصاحب هيبة ، الوحيد من يركب سيارة فارهة ، صاحب حظوة وجاه ، عمران الأزعر قائدا لفرقة عسكرية ، عمران البلطجي يعمل انقلابا أو يتآمر ، عمران مشهورا أو ربما قائدا للوطن أو مسيّرا لشؤونه في الخفاء، نصفق كلنا لعمران نرفع صوره ، نمجده عمران طاغية عمران الرمز عمران الآمر الناهي عمران الجاهل مصيرنا بيده

    وظلت هذه القصة تلاحق عمران الذي حدث معه ما توقعه الأستاذ ، رغم اعتذار المدرس له فيما بعد واعتبرها نكتة ، لكن عمران الضابط الذي كان يسوق سيارته صدم الأستاذ وهو يسير في طريق البلدة ، أحدث لديه عاهة دائمة ، وقلائل ممن أرجعوا الحادثة لفعل انتقامي بالطبع أعتبر الأمر في حينه قضاء وقدراً وتقبل الأستاذ على مضض عاهته بصبر وسكت خوفا على أسرته

    تحدث عن السجن كأنه محطة جهنمية ضد الجنود حكى قصصا يندى لها الجبين ، وبعد سرد حادثة عن سجين مريض توفي في السجن بسبب منع العلاج عنه ، سألته :

    - إذن كل من كان يرفض خدمتنا يودع السجن؟

    أجاب على سؤالي بصراحة :

    - بالتأكيد، ثم ينقل من الوحدةإلى وحدة مقاتلة .

    - ألهذا الحد ظلم الناس؟

    - أعتقد أن والدك لا يزال لواء وقائداً للوحدة، وأمثاله عادة، وحسب تقاليد جيشنا العتيدة يخلدون في المناصب.

    - نعم لا يزال.

    - إذن لا يزال يظلم لأن ظلم فعل ماضٍ وفعل يظلم هو الحاضر وأستطيع التأكيد أنه سيظلم والظلم هو شرفه

    شعرت بضباب أسود كثيف يغطي عيني، وتراءت لي الوجوه التي عاملناها بقسوة في مفرزة الخدمة أمام شقتنا، طبعاً مثل هذه المفارز الخدمية أمام شقة كل ضابط قائد وأحياناً ضباط صغار من الموالين وكنت أعتبر ذلك من حقنا دون الإحساس بعذاب أولئك الجنود تربينا على وجودهم بالقرب منا وعلى طاعتهم لنا ، واعتبرنا ذلك من واجباتهم العسكرية ، كبرنا دون أن نسأل عن تعذيبنا لأؤلئك الجنود كنا نحتقرهم ونعتبرهم أقل شأنا من الخدم كانوا ينظرون إلينا كأسياد عظام يستجيبون لأوامرنا والخوف في قلوبهم كانوا يرتطمون بالجدران وهم يسرعون لتلبيتنا يفتلون الشام بطولها وعرضها لتأمين أقراص مصاص أو علكة ظهرت دعايتها في التلفاز نسخر منهم إن وقع أحدهم وهو مرتبك لمجرد ندائنا له أو سماعه صوت أحدنا ولا نأبه لخبر وفاة أو مرض أحد أقربائهم





    رد مع اقتباس  

  2. #42  
    المشاركات
    206
    قصص وحكايات ومشاهد نطت فجأة لتقف أمامي كثعابين تريد لدغي بدأت تتهيأ لي ملامح أؤلئك الجنود وهم يتعذبون وكيف كنا نتعامل معهم كحيوانات، وهذا ما كان يقوله لنا الوالد << أنتم معززون مكرمون ، وانسوا تعب هؤلاء العساكر، فهم خدم عندكم، وإذا خالفكم أحدهم، فسأقطع رأسه>> ، أيقظ فيّ ما عجزت عن فهمه طيلة حياتي، أحسست بالكم الهائل من الظلم الذي مارسناه على الناس الأبرياء، وتملكني شعور بالتفاهة والاحتقار لذاتي، بكيت أمامه، فقال :

    - لا تبكِ، لا ذنب لك بما يجري

    - لكنني مشاركة له بما يفعل.

    - هو يستغل منصبه، بينما أنت تتصرفين ببراءة ، ودون قصد

    لو كان عندي سجن لسجنت الناس، لأنني مثله لم أحس بهم، لهذا السبب أرثي نفسي، ليس لدي القدرة على ملامسة مشاعرهم، قبلت أن يدمر والدي أحاسيسي، وأكون تجربتي الخاصة ، لذا أنا مذنبة وأيضا لم أنج من قسوته لأنه جعلني على شاكلته

    - انسِ الأمر لقد سامحتكم

    - حتى ولو سامحتنا، يجب أن نحاسب أنفسنا

    ازددت بكاء وارتباكاً، لاحظ اضطرابي المتزايد ألح علي بشرب عصير فواكه كان قد أحضره، فرفضت وسألته:

    - أنسيت والدي فعلاً؟

    - نعم ولو لم أرك لنسيته إلى الأبد.

    - ألا تكرهه؟

    - أبداً كل شيء أصبح من الماضي ولا يتسع قلبي للأحقاد.

    - أهذه مجاملة أم؟

    - أقول الحقيقة كاملة، وأحياناً أرى في تجربتي مع والدك منفعة لي لقد حرضني على العمل وإثبات وجودي وضعني على المحك وخرجت أقوى بصراحة بعض الأشخاص الأقل ثقة بأنفسهم لم يتلمسوا طريقهم إلى الحياة، ضيعهم والدك، وبعضهم دمرت حياتهم ومات البعض فقد لاحقهم حتى بعد خروجهم من وحدته، كان كالشبح يطارد خصومه ويهددهم باستمرار، ويطلب منهم أن يلزموا الصمت، أو يتحملوا أوخم العواقب لن أتكلم عن مساوئه أكثر، لكن يحق لي القول إني نجحت و حققت حلمي بفعل الكفاح الذي اخترته طريقاً لحياتي وها أنا بألف خير، وهناك أناس لا يزالون يتعذبون في سجن والدك، أو ممن يطاردهم هم يشغلونني، وأتمنى أن أوفق، وأصل إليهم، وأساعدهم على التخلص مما هم فيه، نحاول جميعا تناسي مشكلتنا، ولو لم ننس لأدخلنا البلد في حرب ضدهم وقمنا بتصفيتهم، نحن بشر لدينا من الصبر الكثير، ولولا ذلك لكنا في حالة من العنف المضاد وأخشى أن نتعرض لمثل ذلك في المستقبل القريب ، لقد جعلت مؤسسة الجيش نفسها طائفة متعصبة ضد المجتمع ، نعم طائفة سلفية ضد التطور نعم نحن على شفا حفرة من الهجوم ضد أؤلئك أنا ضد ذلك لأن الزمن كفيل بترميم الإساءات وهناك طرق أخرى للخلاص أومن بها ، ولن يبقى الجيش إلى الأبد أداة تخريب تمنيت أن يكون مؤسسة محترفة تدير شؤون الأمن وحسب ، لكن للأسف هو السلطة بكل عيوبها ومساوئها

    - كان من المفروض أن تكونوا أفضل وأكثر شجاعة، وتصفوا أمثال أبي.

    تفاجأ بالجواب ، وقال:

    - أعوذ بالله ، نقتل ؟

    - ولمَ لا؟

    - هم سيعاقبون أنفسهم،لا يمكن أن نعالج الخطأ بخطأ أكبر منه.

    ابتعدت عن هذا الحوار الذي بدا لي آنذاك عقيما

    ارتبكت، وطفح الحديث بفقاعات من لون الدم تشنجت سلاف، وقالت في نفسها :" ياه ، كم هي مشكلتي صغيرة تجاه مشكلة الدكتور إبراهيم ! "

    توقفت سوزان قليلاً عند وصف إبراهيم الشاب الوسيم، الرصين، الوديع، المميز الذي أحضر لها روايات مثيرة وعلمها أن هناك مجتمعا آخر يفرض حضوره وبقوة

    استرقت سلاف بعض الأفكار وراحت تقلبها في فرن تجارب تمر بها ، وبدا لها الموقف حتى الآن مشوشا انتابتها رغبة أكبر لمعرفة الدكتور إبراهيم نصار، و تمنت لقاءه دون تحديد هدف واضح لذلك أيضاً تفاعلت مع ابتسامة سوزان التي قالت:

    - يا عزيزتي أحياناً تصادف الإنسان أحداث يعتقد أنها لا تعنيه لكنه يجد نفسه قريباً منها مثلا أنا عادة كنت أحتقر الحمالين في الكراجات والأماكن العامة، ولا أهتم لحمّال يحمل ثقلاً كبيراً، أو لطفل يبيع علب السجائر على مفارق الطرق، واعتبرت ذلك شأن أؤلئك الناس لكن عندما دفعتُ بقوة نحو أحاسيسي بدا العالم من حولي أكثر وضوحا فأصبحت ألتفت يميناً ويساراً وأتحسس الوجوه وأقرأ فيها أشياء هامة قد لا أكون قادرة على تغيير شيء فيها، لكنها قادرة على تغيير أشياء فيّ وهذا ما جربته فعلا فيما بعد.





    رد مع اقتباس  

  3. #43  
    المشاركات
    206
    سألت سلاف بجدية:

    - كيف؟

    اعتبرت سوزان أن جدية صديقتها ناجمة عن مقارنة حالتيهما، أو مقارنة إبراهيم برضوان.

    تابعت قائلة:

    - أراد إبراهيم إثارة حالة أخرى عن شاب تورط في عملية تهريب من الحدود اللبنانية، وهنا أوقفته عن المتابعة راجية ألا يكمل ولا أريد سماع أشياء أكثر ودعته على أمل اللقاء بعد خمسة أيام في المكان نفسه هكذا بدأت أتغير عندما قارنت الوفرة الزائدة في بيتنا من طعام وشراب وهدايا ، وأثاث فاخر، وسيارات ، ومزارع …هي ليست بالتأكيد من جهد والدي اقتنعت مئة بالمئة بأقوال إبراهيم فوالدي ضابط راتبه عشرة آلاف ليرة فقط لا غير ، إضافة إلى مكافآت بسيطة، وبالكاد تكفي لبناء شقة ولتعليم أولاده، وما تبقى هو سرقة واضحة.

    بعد يومين من خلوتي مع نفسي ومحاكمتي لما أنا عليه، سألت والدي الأسئلة التالية:

    - إذا كان عند فلاح كبش، فأخذه أحد منه خلسة ماذا تسمي ذلك؟

    أجاب بوضوح:

    - سرقة.

    - إذا دخل أحد إلى متجر وسرق سجادة، فماذا تسمي ذلك؟

    - سرقة أجاب باستغراب.

    - إذا أهانك رئيسك واعتدى عليك وأودعك السجن دون ذنب، فماذا تسمي ذلك وكيف تتصرف؟

    - إنه ظلم وأحاول الدفاع عن نفسي.

    - إذا أخذ موظف حكومي من دائرته قرطاسية أو كرسي مكتبة، فماذا تسمي ذلك؟

    - سرقة سرقة بالطبع.

    - وإذا أخذ موظف مالاً من مواطن مقابل خدمة ما، فماذا تسمي ذلك؟

    - رشوة رشوة.

    توقف قليلا، ثم سألني مازحاً:

    - لماذا تسألينني يا حلوتي الصغيرة؟

    - إذن أطنان المواد الغذائية التي تأخذها من وحدتك العسكرية ماذا تسميها؟

    - ماذا تقصدين؟

    - أريد جواباً واضحاً يا أبي.

    - لا جواب لدي.

    - إنها سرقة سرقة أملاك الدولة يا والدي العزيز.

    - لأفترض أنها سرقة ماذا تريدين مني؟

    - أبداً أريد أجوبة مجرد أجوبة فقط.

    - إذا كان ولابد من أجوبة أستطيع أن أختصر وأعترف لك صراحة أنني أسرق الدولة نعم إنني أسرقها يومياً ولست وحدي من يسرق كلنا بالمطلق كلنا نسرقحتى الذي يسمح لنا بذلك يشاركنا السرقة.

    - هذا حرام ظلم خيانة

    - لا توجد مثل هذه الكلمات في قاموسنا.

    - أنا لا أسرق يا أبي، ولا أرضى لنفسي أن أكون ابنة لـ

    - لا تزالين صغيرة على ذلك، وعندما تكبرين ستسرقين.

    - وهل قبلت الرشاوى، وأودعت الناس في السجون ظلماً وعدواناً، وسرقت الفقراء، و؟!

    - لا أستطيع الإجابة وأرى أنك تحاكمينني إلى أين تريدين الوصول؟

    أجبته بصراحة:

    - إنني التقيت إبراهيم نصار وقد نال شهادة الدكتوراه في الأدب.

    - لم أسمع بهذا الاسم من قبل.

    - ونسيت أنك عذبته وأودعته السجن؟

    - لا أذكره.

    - هو الذي تركك في منطقة النبك عندما أردت الـ !

    - لم يخلق بعد مَنْ يتركني في أي مكان.

    - و لا تعترف ؟

    - قليلة الأدب والتربية.

    - أتحمل منك ذلك، لكن إبراهيم نصار سامحك ولا يريد منك شيئاً، هو الآن أستاذ جامعي، ويعمل بشرف وقلبه نقي من كل الآثام التي تغرقك.

    - تفه اللعنة على آل نصار.

    - أيضاً تشتم مَنْ سامحك.

    - والله لو أعرف أين هو الآن لقطعت عنقه، ظهر كي ينتقم مني بابنتي.

    - وتنتقم هكذا لمجرد الانتقام؟

    ضاق صدره بي، فقام وضربني بقوة، ولأول مرة يتصرف كهذا التصرف، فدخلت أمي على أصوات صراخنا لتتفاجأ بمشكلة وشتائم وبكاء

    سألت والدي:

    - ما الذي يجري؟

    - اسألي ابنتك الحمقاء الكلبة

    عندئذٍ تكلمت بصراحة أمامها:

    - يا ماما، والدي اعترف أنه حرا مي ، وأنه يسرق الناس الفقراء والدولة ويستعبد الجنود ويظلمهم.

    تركنا وخرج مسحت دموعي ومسحت قطرات دم رعفت من أنفي ، تكلمت مع والدتي بوضوح، وهي إنسانة مؤمنة وتقية تؤدي صلواتها وواجباتها الدينية كاملة، لم تنل شهادات عليا، درست حتى الصف الثالث الإعدادي، هدفها في الحياة الاهتمام بزوجها وتنشئة أولادها تنشئة حسنة، ولولاها لما تقبلت أفكار إبراهيم بسهولة ربتني على الجرأة ، وعدم السكوت عن الحق و قول الحقيقة مهما كانت الظروف و أفكارها هي التي دفعتني لطرح تلك الأسئلة أمام والدي.





    رد مع اقتباس  

  4. #44  
    المشاركات
    206
    أصيبت بصدمة، هي الأخرى كانت مغفلة وضع والدي قناعا على وجهها ، أقنعها أنه يعمل بالتجارة ، ولديه علاقات واسعة مع كبار تجار البلد في ظاهر الأمر تعامل مع اللصوص من التجار الذين لا يستطيعون تمرير أية صفقة دون سند من السلطة أو الجيش ، ذلك الطابور الخفي الذي يمرر الصفقات ، يبيع للجيش مواد تموين وغيرها ثم يعيد شراءها من الضباط ناهيك عن الصفقات السرية والوهمية وتهريب الأموال كانت أمي تقدم القهوة لأؤلئك التجار وتذهب إلى غرفتها مقتنعة بكلام آخر الليل من والدي بأن صفقة ناجحة قد تمت مع الضيف أحبته إلى حد الجنون ، واعتبرت طاعته واجبا دينيا وتصديقه هو أمر رباني لم تشك به يوما ولم تقل كلمة بذيئة لأحد علاقاتها محدودة ، وبيتها هو كل شيء في حياتها لم تطلب من عسكري أن يلبيها بأي أمر توصينا مع كل خطوة من خطواتنا باحترام الآخرين لكننا كنا ميالين لسلوك الأب أكثر ، ويبدو أن الرفاه المفرط قد أثر علينا وأعمى قلوبنا ناقشتها بأمر السرقة ، وبعد حديث لم يطل اقتنعت بأن معظم أملاك والدي هي سرقة واضحة، لم أبذل جهداً كبيراً لإقناعها بذلك شعرنا بخدعة كبيرة ، وأرجعنا سببها إلى حبنا الكبير للوالد ، وإلى دهائه المفرط وسطوته على البيت بكت وبكيت معها لنكتشف أننا فوق بركان من الظلم والسرقة والاعتداء على حرمات الآخرين باسم الرتبة العسكرية،أصبنا بالصدمة نتيجة الخدعة التي أغرقنا بها الوالد طويلا حاولت أمي تبرير الموقف بأن من حقه العيش عيشة كريمة والقانون يضمن له ذلك فسرتُ لها ببساطة ، من حقه العيش بما يكسب بطريقة شرعية أما ما هو غير شرعي، فذلك سرقة والسرقة حرام حسب كافة الشرائع ومنافية للأخلاق أخبرتني عن سلوك الوالد الذي لم يكن يطلعها على أعماله وهي مقتنعة أن كل ما لديه هو منحة من الدولة لبطولاته في المهام التدريبية ، ومن تجارته الشرعية ، وأوهمها ببطولاته ومغامراته التجارية ، صفقاته مع الخارج ، والأموال المودعة في بنوك أجنبية ، وعلق إبراهيم على ذلك متهما الأجنبي الذي وفّر غطاء لسرقة بلداننا عبر هؤلاء، واعتبر تلك البلدان شريكة في نهب وطننا لأنها تسهم في توفير الحماية للصوص البلد وتدعمهم

    تحولت معي إلى مرجل يغلي غضباً بسبب الشكوك ، وتقدمت إلى والدي أثناء السهرة بأسئلتي نفسها، فاختصر وأجاب:

    - نعم نعم أنا حرامي ! أنا علي بابا، وقاتل ومرتش وابن قحبة اذهبي وبلطي البحر أنتِ وابنتك

    تركته أمام التلفاز يتابع فيلماً من أفلام الرعب،انزوت في غرفتها وراحت تبكي وتستغفر الله وتطلب منه مساعدتها في هذه النكبة العائلية الخطيرة

    وقفت إلى جانبها أفكر بالذي جرى للعائلة، وهل هو أمر عرضي، أم أنها أزمة كانت ستقع يوماً ما لا محالة طلبت منها الكف عن البكاء، وإن مثل هذه الدموع ستزيد الأمور تعقيداً، لن تنفعنا في شيء وعلينا التفكير بجدية في تطهير رب العائلة من آثامه التي تورط بها

    أعجبتها الفكرة ، هدأت وكأنني أنقذتها من وجع دفين ، ثم سألتني، كيف، فقلت:

    - على الأقل بإقناعه وتغيير أفكاره وإعلان التوبة فهو الوالد الذي نحبه ويجب ألا نخسره ونخسر العائلة، والتعامل معه بحكمة وحب واحترام سيسهل علينا المهمة.

    انفرجت أساريرها، وارتاحت قليلاً ليعود ويدخل الوالد بعصبية أكبر:

    - هه لقد اتفقتما ضدي هههه تريدان تدمير حياتي من أجل أولئك الجنود المزعومين الذين لا يستحقون إلا مسح حذائي أولاد (القحبة) سأجعلهم عبرة لمن يعتبر تصدقان جنديا حقيرا فأنا سيادة اللواء الذي فكر وبنى جيشاً وخدم الوطن أتريدان فهمي أم لا ؟ يحق لي أن أعيش حياة العظماء كل ما سرقته هو حلال حلال حلال، والدولة بنت كلب ولازم أدمرها





    رد مع اقتباس  

  5. #45  
    المشاركات
    206
    قالت أمي بوضوح:

    - إنها سرقة سرقة الناس وليس الدولة

    - هذا ما قاله الوغد إبراهيم الحقير لقد أفسد أخلاق ابنتك

    ردت أمي :

    - أراد إبراهيم، أم لم يرد المهم ما أنت عليه من آثام وخطايا.

    - هكذا ربيتك؟ وجه كلامه إليَّ.

    - أنا أتكلم وفق تربيتك لي وأنا الآن أنتقدك هكذا ربيتني، وأعتقد أنك لا تريدني أن أكون جنديا يمسح حذاءك فقط وأغفر لك سلوكك وخطاياك أصلا لا تقبل لي ذلك

    - ألا تمسحين حذائي؟

    - بإرادتي أفعل لك أكثر من ذلك بكثير، فأنت مثلي الأعلى، وقدوتي في الحياة ومصدر أحلامي أما ضد إرادتي أو حسب أخلاق البوط العسكري، فلن أقدم لك أي شيء.

    هجم عليَّ لضربي ثانية، فوقفت أمي أمامه كسد منيعكاد يرميها اضطر بعدها للخروج.

    صرختْ :

    - لا أصدق ما يجري لقد خرج عن طبعه يعاملنا كجنود في فرقته العسكرية فعلاً إنه متورط في التهم حتى نافوخه

    بكت بقوة ، وأضافت:

    - لقد خسرناه خسرناه، ودمّر الأسرة أطعمنا سماً مسروقاً، وأفسد أرواحنا ودمنا وإيماننا ياربي سامحني عد بي إلى صوابي

    - يا ماما يا ماما إنه يتحمل وزر ذنوبه ومعاصيه لا ذنب لنا بما اقترفت يداه.

    - لكننا شركاؤه أكلنا وشربنا مما سرق وعذبنا عناصر المفرزة، وتعاملنا معهم كعبيد، ثم لم ننتبه إلى تصرفاته المعيبة لقد أدخلنا في متاهات كثيرة.

    - للتو وعينا ذلك، ويمكننا مساعدته نحن أهل ونفهم بعضنا البعض نبتعد عما يجلبه ولا نأمر جنود المفرزة بأي أمر نكفر عن ذنوبنا باحترامنا لهم، ثم العيش بما نكسبه.

    اقتنعت الوالدة بأفكاري، واطمأنت قليلاً إلى روحها، ثم رددت سؤالاً أرعبها:

    - هل زوجي كافر؟ هل زوجي كافر ومذنب وحرامي ؟ إنني أحبه وأتمنى ألا يدخل جهنم

    لم أجبها فكررت:

    - هل زوجي كافر؟ وهل يعلم ما مصيره في الآخرة؟ وكذلك كراهية الناس له لن ينجو أبدا

    ارتعشت و تلعثمت أشفقت عليها وطلبت منها الخروج قليلاً إلى شوارع دمشق عادة نتجول فيهاخاصة بعد هدوئها ليلاً قالت:

    - لا أستطيع رؤية دمشق بائسة، وأن تنظر إليَّ كخائنة لها

    كنت أعرف حبها لدمشق وتعظيمها لها، والخلوة معها تعيدها إلى توازنها، تتنفس هواءها كأنه روحها وبعد إصراري وافقت وخرجتطلبت من عصام أن يأخذنا إلى قاسيون ففعل، وأثناء الطريق من بيتنا في فيلات المزه تحدث بعفوية عن الأستاذ إبراهيم الشاب المكافح والمعطاء كان عصام قد علم بأطراف المشكلة فقط وهو شاب بريء وطيب ونشيط، طالب سنة خامسة هندسة مدنية، يتعامل مع الأسرة بقدسية وعلاقته بالبابا كعلاقة القلب بالجسد، لذا لم نطلعه على ما يجري كي لا نؤذيه ولا نؤثر على دراسته ، وهو على أبواب تخرج

    خفت من الشك الذي توغل في روح أمي الصافية والعذاب الذي سيطاردها، وهي غير جاهزة للتعامل معه تحدثت مع عصام عن الجمال والبراءة شعرت أن أمي خسرت إمكانية النظر إلى دمشق كما في السابق بدت المدينة من هنا لا تشبه ذاتها أيضا شاركتها الشعور - ونحن على بطاح قاسيون - بالغربة رغم ألفتنا المكان الذي بدا كأخ استدارت أمي وجلست على صخرة جانبية ابتعدت عنها مع عصام كلمني عن الأستاذ إبراهيم وعن آخر اسمه عادل تذكرت الثاني، فهو أيضاً مدرس رياضيات بذل جهوداً مضنية في تعليمنا واختفى في ظروف غامضة سألنا الوالد عنه كثيراً وفي كل مرة كان يقول إنه انتقل من الوحدة طبعاً صدقناه أما الآن، فأشك بمصيره المجهول تركت عصام وحيداً يتأمل دمشق، وجئت إلى الماما الملتصقة بالصخرة، وقفت إلى جانبها كأن الكلام تحجر وضعت يدي على رأسها، عندئذٍ قالت:

    - تصوري أنَّ في هذا المكان لا أدري أو في مكان ما بدأت الخطيئة الأولى على هذه السفح كما يقولون قتل قابيل هابيل، وجاء الغراب ذلك الطير الأسود ودفنه وعلى سفوحه أقام النبي إبراهيم عليه السلام في برزة، وصافح بلال الحبشي ترابه، وكحلت قامته عيون عمر بن عبد العزيز ومحي الدين بن عربي وفي حاضرته دمشق التي تحتضن رفات النبي يحيى والخليفة الخامس، وصلاح الدين الأيوبي، ولا تزال خُطى الرسول بوليس مزروعة فيها كالياسمين وبعد كل هذا الحب يأتي واحد مثل والدك ويدوس بنعله كرامة تراب هذه الأرض، هل يقبل أن يكون شريراًهل نسمح له بحمل أعباء لعنات السابقين واللاحقين؟ ألا يخجل من السير في شوارعها وحواريها التي تربى فيها وأرضعته الحب والعاطفة؟ بكت وبكيت معها، حاولنا إخفاء الدموع عن عصام، همست : اعذر حبي يا قاسيون، والله سأعمل جاهدة من أجل الحفاظ على طهارة هذه الأرض، مهما كلف الأمر من ثمن، حتى ولو كان الثمن حياتي وأسرتي و كل ما لدي،لا أسمح لعائلتي أن تمس طهرك ولو بكلمة، معقول يا سيادة اللواء ما تفعله ما قيمة المال تجاه أرض هذا الوطن وتجاه الشرف ؟





    رد مع اقتباس  

  6. #46  
    المشاركات
    206
    تكلمت أمي بصدق لأنها تعرف قدسية المكان الطاهر الذي أمضت معه طفولتها ، وتعشقه كما تحب أولادها وأسرتها نظرت بحسرة إلى أفق الشام الضبابي وتساءلت :

    كيف سنكفر له عن أفعاله هذه ؟

    - سنجد طريقة ما، نعم نعم يا ماما، يجب أن يدفع بابا كفارة عن ذنوبه ولأننا نحبه ويحبنا سيقبل التضحية وتخليص روحه من الذنوب.

    - وهذا ما أفكر به جدياً لكن كيف؟

    ينفق جزءاً كبيراً من أملاكه في مشروع خيري كبناء مؤسسة إنتاجية يعود ريعها مثلاً للأطفال المعوقين أو لبيوت العجزة ثم يعتذر من الجنود، ويبدأ حياة جديدة ويقسم ألا يكرر أية معصية من المعاصي السابقة نطلب منه أن يتصرف بحكمة

    استراحت قليلاً ومسحت وجهها أكف من نور هدأت وهي المرأة التي لم تدخل في امتحان سابق حول أية قضية معقدة أما الآن، فهي متعبة وغير مطمئنة على زوجها الذي تحبه أيما حب وتريد العودة معه إلى استقرار روحي مهما كلفها ذلك من جهد

    كررت كلمة التوبة عدة مرات، وقالت:

    - نعم نعم! إنك على حق وأنا فخورة بك التوبة تطهر الروح وتزيح الآثام هيا! هيا نذهب إلى البيت فقط الآن أستطيع النوم

    عدنا بهدوء ولدى أمي الحل وخطة عمل، وهي على ثقة بتنفيذها حرفياً

    تصورت سلاف المشهد بشيء من التفصيل ولاحت لها صورة دمشق كعروس طعنت في شرفها ، تحاملت على الضابط بحقد وقارنت الشام بقريتها دون أن تمسك طرف الخيط في مقارنة صعبة تفاعلت مع قصة سوزان التي تجرأت واتهمت والدها بالسرقة، وأطلعتها على جانب من حياة وطنها التي لا تعرف عنها شيئاً تقاطعت معها بشرود عارضته بكلمات حادة حول فظاعة الإنسان تذكرت جدتها وأدخلتها في غمد التحدي وتابعت الاستماع لسوزان كلمتها عن الفزع الذي هاجمها وأحال حياتها إلى جحيم أيام ولم تنم تصلي وتطلب من الرب أن يساعدها شعرت سلاف بعذاب الأم القاسي وهمست في نفسها " لم أصل بعد إلى درجة عذابها هي على وشك ضياع أسرتها أما أنا على وشك ضياع عمري القصير قياسا بعمرها الذي ساهمت في بناء أمور كثيرة "

    اضطرت سوزان إلى تأجيل بقية الحديث بدافع الدراسة ، بينما ذهبت سلاف لتجلس وراء طاولتها وقلبها يرتعد ، وراحت تعد على أصابعها : واحد ، اثنان ، ثلاث ، أربع ، أربع وربع ، خمس مشاكل وفجأة قالت : لا لا مشكلة سوزان في كفة ميزان وكل مشاكلي في كفة أخرى

    رشَحَتْ منها أفكار غير مترابطة سلمت نفسها لكتبها تحت تأثير تكوين مغاير لأهدافها





    رد مع اقتباس  

  7. #47  
    شاطي الاحلام موقوف
    الله يعطيك العافيه علي ماكتبته لناء





    رد مع اقتباس  

  8. #48  
    المشاركات
    206
    انكمشت المدينة الجامعية على نفسها ، تهيأت لندى وكأنها مطمورة تحتفظ في داخلها نفوسا براقة لبنات ريفيات بريئات سقطن في شق هموم غير منتظرة تبادلن أثناء السهرة بعض أمور الدراسة بهدوء وعثرات الطلبة العفوية بدت أمور صغيرة جدا وعادية تجاه تجاربهن التي أقحمن بها عنوة لم تستسهل ندى مهمة سوزان، واعتبرت نجاحها في دفع سلاف لتجاوز مشكلتها لا يقل عن مشكلتها مع أسرتها

    استمرت اللقاءات بينهن بحرارة ، وتابعت سوزان سرد حكايتها مع شرح مفصل لمدينة دمشق ورحلاتها ، وأصدقائها ، ونفسية والدها أمضيتا سهرات و أيام عديدة تارة على الشاطئ، وتارة أخرى على الشرفة دون أن يؤثر ذلك على الدراسة ومتابعة الأعمال اليومية

    أصبحت سوزان تشترك معهما في الطعام والشراب نقلت ندى ردود فعل سلاف المسلكية إلى سوزان و أكدت لها أنها أصبحت أكثر هدوءاً وتركيزاً في دراستها، وتتكلم أكثر عن ضيعتها وتتذكر فقط الأشياء الجميلة ورداً على سؤال:

    - ألا توجد مشاكل في ضيعتكم؟

    - لا توجد لأن المشاكل الكبيرة دمرت نفسها بنفسها ذات يوم، ومن بعدها لم تستطع التكاثر والتناسل وقال عجوز بأنها تعرضت لوباء خطير قضى عليها سمعت أحدهم يكرر الجملة الآتية : " المشكلة تموت في حدود المجال أو القاع الذي يهملها "

    تباينها مع نفسها وهموم رضوان والضيعة بقي على حاله لكن حكاية سوزان وعدتها بأجوبة ما أجوبة تلج همومها ، وعلى وشك محاصرتها شعرت بأنها ستأخذها إليها وتضئ معابرها تماسكت تحت تأثير القناعة بولادة أمر يهمها فرشت لها الطفولة تسلية غير منتظمة ، خادعتها بهدف تمرير مشروع انتظارها الطويل ولقاء سوزان التي تتوقع لها أمرا ما لا تتمنى حدوثه وهذا الذي تتوقعه ، أرّقها ، ودفعها للتساؤل بجرأة كانتا على الشاطئ عندما سألت :

    - أتلتقين الدكتور إبراهيم؟

    - يومياً نلتقي.

    اكتفت سلاف بالجواب، وألحت عليها بمتابعة قصتها فتابعت من حيث توقفت:

    - وصلنا البيت، ذهب عصام لتحضير دروسه، جلست إلى جانبها في غرفة نومها ذكرت لها أن زوجة وزير الدفاع تخرج في المناسبات الدينية إلى الأحياء الفقيرة كالطبالة والدحاديل والقابون وعش الورور ومزة جبل ، وترمي أموالاً للفقراء تجعلهم يركضون وراءها كالكلاب الجائعة ، والتقاط الأسرع فيهم قطعة نقود يدوسون على بعضهم البعض يتزاحمون يكسرون عظام بعضهم البعض أصبح الأطفال ينتظرون تلك المواسم لتأتي وترمي النقود في الهواء دون أن تنزل من سيارتها تصوري كيف سيتربى مثل هؤلاء الأطفال إنها عبودية معاصرة اقتدى بها بعض زوجات الضباط الكبار والمسؤولين، وسمعت أن أحد الفقراء بصق في وجه إحداهن وشتمها قائلاً:

    - يا حرامية نحن لسنا بكلاب كي ترمي لنا ما تسرقينه لولا الحراس لضربها، وبعد ذلك ألغين تلك العادة الاستفزازية

    تعوذت أمي من الشيطان وقلت :

    - لدى أهلنا عزة نفس، ولا يقبلون الإهانة، وإن رددوا نحن لا ننتقم يجب ألا يعبث أولئك بخيراتهم، ويجب أن يعاقبوا يوما ما لازم يفهموا أن صبر الناس ليس جبنا





    رد مع اقتباس  

  9. #49  
    المشاركات
    206
    - أرجو أن يفهم والدك ذلك.

    - سيفهم لن نتركه يذهب إلى النار ، وأن يبقى لعنة في أفواه الناس طيلة حياته سمعتنا في المستقبل من سمعته

    نامت الوالدة لأبقى وحيدة في غرفة نومي وأتصور حجم المأساة التي نحن فيها فالمشكلة ليست فقط مع والدي، وإنما مع الجموع ، مع الناس الذين فقدوا الثقة بالقادة الذين لم يعودوا صفوة المجتمع كما كنت أعتقد بل هم على طرف نقيض منه هم أعداؤه تولد لدي هذا الشعور نتيجة التعامل القاسي من قبل أبي ضد ابنته ضربني لمجرد أنني ذكرته بثروته غير الشرعية ، فكيف بالآخرين ؟ بالتأكيد من السهل عليه قطع أعناقهم تدميرهم وإزالتهم عن بكرة أبيهم فهمت أحد أهم أسباب تخلفنا كدولة من دول العالم الثالث طبعا الجيش الذي ينهب ويهدر خيرات البلاد والعباد لقد ضيعوا فرصة تنمية شعب بأسره كان من الممكن أن يكونوا معه أفضل ، لو تحسن ، وعملوا على تطويره ، هذا ما قاله إبراهيم، قاله كمواطن واع ومدرك للأمور ، ثم شرح لي بوضوح أن الفساد المستشري في الطبقة الحاكمة ضيعنا وقارن حالتنا بحالة ماليزيا البلد الصغير الصاعد ، فهناك نسبة التنمية تصل إلى الـ 12% بينما التنمية عندنا تتراجع ما دون الصفر، ويحملون إسرائيل السبب، بينما كان من المفترض أن تدفع بنا إسرائيل إلى تنمية سنوية تزيد عن العشرة بالمئة آنذاك لم أفهم كلامه جيداً، لكنني فهمت أننا نشغل ست سيارات في بيتنا وتعمل باستمرار مجاناً، ولكل سيارة سائق خاص، كمية بنزين غير محدودة، إصلاح وصيانة مستمرة فهمت أن ذلك هدراً جنونياً، مثلا كي نشتري من السوق كيلو تفاح ، كانت السيارة تصرف بنزيناً ما يعادل ثمن صندوق أدركت أن الدكتور على حق ونحن على باطل تذكرت ماقاله بالضبط :

    - السارق ذكي إلى حد حماية يديه، لكنه لا يستطيع حماية ضميره أبداً من الدمار، ويستطيع تشكيل قوة باطلة تحميه إلى حين وهي القوة ذاتها التي ستدمره لذا أنا مطمئن على المستقبل ومما قاله بشكل تقريبي : الرغبة هي فاجعة الواقع التي قد تحوله يوما إلى خراب ، فمنذ أن تجاوزت الرغبة حدودها أصابنا البلاء والحنين إلى السمو والرقي هو رغبة مشروعة إذا كان الحلم نقياً كهواء غابة صنوبر لكننا للأسف نخسر ونمعن في الخسارة ونتباهى بالكارثة كعاهرة تشهر عهرها أمام الجميع وهي تبتسم

    استوضحته عن بعض الأفكار قارنتها بالأمثلة، واكتشفت أنني لا أفهم بعض أفكاره التي سألته عن مصدرها، أو من أي كتاب استقاها، فأجاب:

    - من الحياة من واقع الحياةومن كتب ستجدينها بنفسك عندما تنوين مطالعتها

    انجرف الحديث كالحصى في قاع نهر هائج وظهرت لدى سلاف رغبة في طرح أسئلة حول هذا الشخص ، كبرت هامته أمامها ككتاب وكلما تشرع في طرح سؤال تفاجئها سوزان بشرح يقارب رغبتها ويشبعها ، فتسكت وأخيرا ، أمسكت قبضة يدها وفكتها عن الأخرى ، ثم سألت :

    - ألم يقل لك شيئاً في الحب؟

    أعجب هذا السؤال سوزان، هي تنتظره، وقد جهّزت جواباً عليه:

    - لا لم يقل لي كلمة واحدة عن الحب، وإن كان الكلام عن الكراهية وكيفية قمعها كله حب ، كمثل نبذ الكفر، فكله إيمان،آنذاك استحال عليّ الربط بين كره الكراهية والحب وكره الظلم والعدالة لكن زميلاً لي في الكلية وفي لحظة حرجة كنت أحوج إليها لسماع كلمات غير عادية ، أسمعني أنشودة فحفظتها فوراً.

    سألت سلاف بإلحاح:

    - ماذا قال؟ ماذا ماذا؟

    قال:

    << هل أنتِ بخير؟

    تقول العتبات أنها ستمطر،

    ولا يوجد حطب.

    أعرف أن ثوبك الرقيق لا يدفئ،

    وحرارة القلب كالجليد.

    أتذهبين معي للبرية؟ هناك لن أسألك هل أنت بخير ولا أي سؤال آخر يجعلك أكثر دفئاً

    فقلبي عود ثقاب وأضلعي حطب أخضر،





    رد مع اقتباس  

  10. #50  
    المشاركات
    206
    والقبل هي الجواب الوحيد لكل الأسئلة>>

    كتب زميلي ذلك إلى حبيبته وتمنيت أن يكون لي تمنيت أن يخرج إلي فارس ويقبلني ويجعلني أثق بنفسي أكثر تحولت إلى أنثى هائمة مع روحها أو طفلة تستكشف ألعابها من جديد

    جاء لقاء آخر ، وقلت لإبراهيم:

    " والقبل هي الجواب الوحيد لكل الأسئلة"

    اكتفى بابتسامة ناقصة ، وأضاف:

    << عندما يفكر الرجل

    تولد عيناه كمزهرية فاتنة في ساحة النساء،

    يولد من الأنثى

    وتولد من ضلع جبينه،

    وأخشى ألا يلتقيان>>

    طلبت تفسيراً لقوله، فأجاب:

    - دعيني أفكر فالمسافة بيني وبين الفكرة كالحلم الممكن أخشى أن يتحقق قبل أن يتفتح حلماً آخر

    هذا ما فهمته- نحن نصنع الأحلام ويمكننا تحقيقها، والأحلام أيقونة مصاغة من جذع شجرة برية تعود أصولها إلى زمن مغاير تماما عن زماننا المصاب بآفة الخوف ، وإن كنا ندعي البطولة أو السمو، فالواقع شديد التباين وهذا التباين صنعناه بأيدينا لأننا خرجنا بالحلم من إطاره الغوغائي إلى الممكن وفي إطار الفعل الجماعي لم يعد الفرد عبدا مع جماعته باسم الخصوصية والتمايز، والنقاء ، فالجار أفضل من الأخ والتعاون حكاية من السلف الصالح يصوغها الواقع رغما عن أنوفنا وفق منطقه الجديد

    أشارت لها سلاف أن تتوقف عند فكرة بعينها تناقشتا حولها، وأضافت سوزان بهدوء : وكل ما نحاول تغيره ليكون كما نشتهي سيجعلنا هو كما يشتهي هذا عصر التحول وفق مشيئة مختبر هائل اسمه الوجود ، والبحث عن منطق خاص للإنسان أصبح بهدلة ، وجدوى عالم متصل بالحيوان أكثر أهمية من جدوى مجتمع بشري نقي في إطار أيديولوجي أو ديني أو وطني

    وقفت سلاف وضعت يديها على صدغها ، وضغطت بشدة ثم صرخت ":

    - ( ستوب) لا أفهم شيئاً بأي لغة تتكلمين ، عم تتكلمين ؟

    ضحكت سوزان ، وقالت :

    - أنت على حق و أنا مثلك لا أفهم الكثير احتجت إلى وقت طويل حتى كرهت كلمة ( النقاء ) على سبيل المثال ، وأمنت بأنها غير موجودة إلا في القواميس ، والآن ألعنها كما ألعن إبليس هي أسوأ من الشيطان

    تدارست مع إبراهيم معانٍ كثيرة كالجيش الوطن العائلة التعاون العمل

    وأفهمني بلغة الأطفال أن اللعبة التي لا تعجب الطفل لا يمكن إكراهه على اللعب بها أو جعله يحبها وفهمت بأن اللعبة التي يعشقها هي الحلم ودائما من الأفضل أن نتركه يختار كي لا نثير فيه تحفزا سيؤدي في النهاية إلى تناقض لا ننشده كبشر

    وضعت سلاف يدها على فم سوزان ، أوقفتها ، ثم سألتها :

    - وماذا عن الحب ؟

    - ماذا تقصدين ؟

    كان السؤال المضاد هو محاولة سوزان فهم ردة فعل زميلتها على مشروعها العاطفي ، وتقييم حالتها الغرامية كررت عليها الأسئلة ، ثم أضافت :

    - هل تؤمنين بالحب ؟

    قابلت سوزان السؤال بصمت ، فسألت سلاف بجرأة أكبر :

    - هل علاقتك بإبراهيم ليست غرامية أو ؟

    صمتت فكررت سلاف السؤال :

    - أسأل عن رأيك بالحب

    كشفت عن ابتسامة فيها كثير من الإيحاءات

    رغم ذلك استفزتها ، واعتبرت صمتها تجاهلا ، أو تنكرا لما تتمنى أن تسمعه مباشرة منها أو لا تريد أن تعترف بأمر يخص قلبها

    ظلت سلاف ساكتة ، بينما شرود سوزان يحبو كطفل جائع باتجاه هدف غير معلن

    أنّبت سوزان نفسها ، واعتبرت طريقة ردها تدخلا فاضحا في حماس الزميلة وهي التي دربت نفسها طويلا لتكون عند الحد الأدنى من هذه الفصيلة اللعينة للسلوك البشري كما فهمت من تجربتها ومن كلام إبراهيم

    تابعت حكايتها بمزيد من التفاصيل التي بدت حماسية وبسيطة ورائعة لامست روح سلاف إلى حد الذهول ، واستمتعت بتلك الجوانب الغامضة منها والتي جعلتها تحلل وتنتظر ما خفي منها تنتظر ما ستقوله عن والدها العظيم الذي يحمل النياشين ولم تقابل مثله من قبل ، ولم تتصور وضع الأسر في القصور ، وسمعت لأول مرة عن أولاد صغار يقودون سيارات ، وعن أسرة الضابط العظيم القائد لآلاف الجنود ، وكيف يواجه أسرته الصغيرة وعن دمشق العاصمة التي لم تزرها سمعت تفاصيل أكثر غرابة عن أنواع الأطعمة والموالح والسهرات والنارجيلة والرقص في النوادي الليلية عن الشام وهمومها بدت لها دمشق حارتين كبيرتين : حارة لأسرة سوزان ، وحارة لإبراهيم وأمثاله فاحت رائحة الغنى والمال والإسراف في خياشيمها مقابل رائحة الفقر والعذاب والتحدي لفقراء دمشق كانتا تفكران بصمت تارة ، وتارة أخرى تتكلمان بصوت جهوري





    رد مع اقتباس  

صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الفتاة التي ماتت عارية أمام الماسنجرالرجاء عدم دخول القلوب الضعيفة
    بواسطة مِـفآهيم آلخجـلْ في المنتدى صور × صور و خلفيات مصوره
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 16-Feb-2009, 11:15 AM
  2. الرواية
    بواسطة لون مجهول في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22-Aug-2007, 02:47 PM
  3. الغفلة التي تقتل القلوب
    بواسطة هووواوووي في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-Apr-2007, 10:52 PM
  4. ][®][^][®][حــــب أبــدويــة ][®][^][®][
    بواسطة الـفـارس الـمـلـثـم في المنتدى محبرة شاعر - شعر - قصائد - POEMS
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 15-Oct-2006, 04:13 AM
  5. حصريا:الرواية الاخيرة التي كتبها صدام حسين
    بواسطة قلم رصاص في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-May-2006, 03:40 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •