" هل أذهب "
قالت :
" ماذا تريد ؟ "
" فقط . أن ألقي التحية و . أسأل عن الأحوال "
" بخير و شكرا و اذهب "
شعرت بالحرج من ردها هذا ، فقلت معتذرا :
" سأذهب ، أنا آسف "
و استدرت منصرفا .
فجأة سمعت الباب ينفتح من خلفي ، فالتفت إلى الوراء .
هناك عند الفتحة ، رأيت عيني رغد تطلان علي !
ظهرت رغد واقفة أمامي . بحجمها الصغير و وجهها الطفولي و حجابها الطويل الذي يكاد يصل إلى ركبتيها !
لدى رؤيتي لها بعد كل تلك المدة من الغياب شعرت بأن قلبي قد تخدّر و أعصابي قد تبلّدت . و عضلاتي استرخت لبرهة كادت تفقدني توازني .
قلت بصوت خفيف و بابتسامة تفجرت على وجهي رغما عني :
" كيف حالك صغيرتي "
صغيرتي كانت تنظر إلي بنظرات ملؤها الغضب و الانزعاج . كأنني أقرأ في وجهها كلمات اللوم و التأنيب و التوبيخ . و الشتم أيضا !
قلت :
" أنا آسف ! "
رغد أشاحت بوجهها عني ، و استدارت و دخلت المطبخ ، تاركة الباب مفتوحا .
توجهت رغد نحو الموقد ، تحرك أصابع البطاطا في المقلاة .
تجرأت و خطوت خطوة للداخل ، و خطوة أخرى فأخرى حتى صرت على مقربة من الوعاء الذي أعدته لوضع البطاطا المقلية فيه .
هاهي الآن تضع أول دفعة من البطاطا فيه . دون أن تلتفت إلي .
قلت :
" تبدو شهية ! "
لم تعلّق !
قلت :
" أتسمحين لي بتذوقها "
قالت :
" تفضل "
طبعا دون أن تلتفت إلي .
و لأنني كنت مخدّر الإحساس فأنا لم أشعر بحرارة البطاطا المقلية لا بين أصابعي و لا في فمي !
بل حتى طعمها لم أشعر به ، إلا أنني قلت :
" لذيذة ! "
قالت :
" خذها إن شئت "
" شكرا ، سأتناول الغذاء الآن "
بقيت صامتة و هي تخرج دفعات البطاطا واحدة بعد الأخرى حتى انتهت .
ثم رفعت الطبق و وضعته على المائدة و سحبت الكرسي استعدادا للجلوس .
قلت :
" ألن تأتي معنا "
قالت :
" لن آكل من أطباقكم "
قلت :
" تعالي بطبقك "
" لا داعي "
و جلست على الكرسي ، و انتظرت مغادرتي !
و عوضا عن الانصراف اقتربت ُ من الطاولة قليلا و قلت :