الملاحظات
صفحة 15 من 26 الأولىالأولى ... 5131415161725 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 150 من 255

الموضوع: رواية انت لي كامله

  1. #141  
    المشاركات
    3,259
    و قفزت . و ركضت خارجة من غرفتي . إلى غرفة سامر . فوجدتها خالية . و جلت بأنحاء المنزل غير مصدقة و غير مقتنعة . لا يمكن أن يكون قد رحل !

    لقد وعد بألاّ يرحل دون وداعي .

    أقسم على ذلك .

    تدفقت دموعي كمياه السد المتهدم . تجري بعنف و تدمر كل أمل تصادفه في طريقها . باب المنزل كان موصدا. والدي و سامر قد ذهبا للمسجد . فتحت الباب . و خرجت للفناء مندفعة . ثم إلى البوابة الخارجية . فتحت منها القدر الذي يكفي لأن أرى الموقف خال ٍ من أي سيارات . استدرت . و هرولت أقصد المرآب . والدتي أوقفتني . و أمسكت بكتفي .


    " لا داعي يا رغد . لقد ودعنا قبل قليل . "


    لا !

    لا يمكن أن يفعل ذلك !

    لا يمكن أن يختفي من جديد .


    صعقت . و انفضت أطرافي . و صحت :


    " لماذا لم يودعني "


    أمي هزت رأسها بأسى .

    صرخت :


    " لماذا يفعل بي هذا لماذا لماذا "


    و مسكت بعضدي أمي بقوة و انفعال . و زمجرت بقوة و عصبية و بكاء أجش :

    " لماذا يعاملني بهذا الشكل لقد وعد بألا يرحل دون وداعي . إنه كاذب . كاذب . كان يسخر مني . كان يستغفنلي و يهديني البوضا ! . كما فعل سابقا
    أنا أكرهه يا أمي . أكرهه . أكرهه . أكرهه . "






    رد مع اقتباس  

  2. #142  
    المشاركات
    3,259
    الحلقة العشرون



    *********

    ~ شمس ٌ جديدة ~






    لم يكن العثور على مزرعة نديم بالأمر السهل . قضيت وقتا لا بأس به في التفتيش ، خصوصا و أنا أقدم إلى هذه المدينة للمرة الأولى .

    المدينة الشمالية هي مدينة زراعية تكثر فيها الحقول و المزارع ، و بها من المناظر الطبيعية الخلابة ما يبهج النفس المهمومة و يطرد عنها الحزن .

    كان الوقت ضحى عندما وصلت أخيرا إلى مزرعة نديم بعد مساعدة البعض .

    كنت مرهقا جدا ، فأنا لم أنم لحظة واحدة منذ نهضت صباح الأمس . و لم أهدأ دقيقة واحدة مذ رأيت الخائنين يتعانقان أمامي .

    عدا عن هذا ، فإن معدتي لم ترحم بحالي و عذبتني أشد العذاب طوال هذه الساعات

    كانت مساحة المزرعة صغيرة ، محاطة بالسياج ، و بها الكثير من الأشجار المثمرة .

    ركنت سيارتي جانبا و دخلت عبر البوابة الكبيرة المفتوحة .

    كنت أسير ببطء و أراقب ما حولي ، و رأيت منزلا صغيرا في آخرها .

    فيما أنا أسير نحو المنزل لمحت سيدة تقف عند الأشجار ، و إلى جانبها عدة صناديق خشبية مليئة بالثمار

    كانت السيدة تقطف الثمار و تضعها في تلك الصناديق . و كانت ترتدي جلبابا واسعا و تلف رأسها بوشاح طويل .

    اقتربت ببطء من السيدة و أصدرت نحنحة قوية للفت انتباهها .

    السيدة استدارت نحوي و نظرت إلي بتساؤل ، و من الوهلة الأولى توقعت أن تكون امرأة أجنبية ، في الأربعينات من العمر .

    قلت :

    " معذرة سيدتي ، إنني أبحث عن مزرعة السيد نديم وجيه و عائلته "

    قالت السيدة :

    " من أنت "

    أجبت :

    " أنا صديق قديم له ، أدعى وليد شاكر "

    تهلل وجه السيدة ، و قالت :

    " أنت صديق نديم "

    قلت :

    " نعم . في الواقع كنت زميلا له في . "

    و صمت ّ لحظة ، ثم تابعت :

    " في السجن . "

    علامات الاهتمام ظهرت جلية على وجه السيدة و أخذت تحدق بي ، فخجلت و غضضت بصري .

    قالت :

    " أنا زوجة نديم . أحقا تعرفه ؟ "

    " نعم . سيدتي و هو من دلّني إليكم "

    قالت :

    " و أين هو الآن ألا يزال في السجن "

    صعقت لدى سماعي هذا السؤال و رفعت بصري إليها فوجدتها تكاد تخترقني بنظراتها القوية المهتمة جدا و القلقة .

    عادت تكرر بخشية :

    " أما زال في السجن "

    رباه ! لقد قتِل نديم قبل سنين ! ألم يخبروا أهله بذلك بم أجيب هذه السيدة الآن

    السيدة رفعت يدها إلى صدرها كمن يتوقع خبرا سيئا ، قرأته في عيني .

    أنا هربت بعيني . نحو أشياء عدة . إلا أنني في النهاية عدت أواجه نظراتها الملهوفة . و قلت بنبرة حزينة :

    " البقاء لله "






    رد مع اقتباس  

  3. #143  
    المشاركات
    3,259
    السيدة هلعت . و انفتحت حدقتاها على مصراعيهما و انفغر فاها .

    ثم ضربت على صدرها . و رأسها . و صرخت :

    " يا ويلي "

    أنا كنت أريد أن . أعتذر عن نقل خبر مفجع كهذا . و لكني لم أعثر على الكلمات الملائمة . كما و أنني شغلت بحالة السيدة المفجوعة .
    فجأة . ترنحت السيدة و هوت أرضا !

    اقتربت منها و قلت بصوت خائف قوي :

    " سيدتي ! "


    و ظهر لي أنها فقدت الوعي .

    عدت أنادي دون جدوى . ارتبكت و لم أعرف ما أفعل .

    تلفت يمنة و يسرة و لم أجد أحدا ، و ناديت بأعلى صوتي :

    " أيسمعني أحد ساعدوني . "

    و لم أسمع أو أرى أي تجاوب . لم يكن في المزرعة على ما يبدو غير هذه السيدة .

    ركضت بسرعة نحو ذلك المنزل و أنا أنادي :


    " أمن أحد هنا ؟ أرجوكم ساعدوني "

    وقفت أمام المنزل ثانية ، ثم اقتحمته !

    كنت أنادي و استنجد . و كانت أبواب المنزل مفتوحة .

    فجأة وصلني صوت ٌ من خلف أحد الأبواب :

    " من هناك "

    قلت بسرعة و اضطراب :

    " أسرعوا . السيدة في الخارج فقدت وعيها "

    اندفع الباب منفتحا فجأة و بقوة كادت تصدّع الجدار الذي اصطدم به ، و انطلق من الداخل شهاب ٌ ذهبي !

    " أمي ! "

    صرخت الفتاة الشقراء التي ظهرت مسرعة و ركضت مسرعة كالبرق نحو الخارج و أنا . أتبعها .

    وصلنا إلى حيث السيدة ، و بدأت الفتاة تصيح و تصرخ بذعر .


    " أمي . أمي . ردي علي أرجوك . "


    و هوت إلى جانبها تحاول إيقاظها

    أنا وقفت ُ مذهولا مسلوب الإرادة و التفكير .


    الفتاة أخذت تنادي بصوت قوي :


    " خالي . تعال بسرعة "


    تلفت أنا من حولي و لم أر أحدا .

    نهضت الفتاة الشقراء بسرعة و ركضت مبتعدة و هي تنادي

    " خالي . أسرع "

    يا إلهي . هل ماتت السيدة

    إنني من تسبب في موتها .

    ماذا أفعل الآن

    لحظة شعرت ُ فيها برغبة قوية في الهروب .

    إلا أن رجليّ لم تسعفاني .

    ظهرت الآن الفتاة الشقراء ، تمسك بيد رجل عجوز أشقر ، تجبره على الركض ، و هو لا يقوى عليه .

    و أخيرا وصلا إلينا . في نفس اللحظة التي بدأت فيها السيدة تفتح عينيها .

    أقبلت الفتاة بسرعة لمساعدة أمها في الجلوس و هي تقول بفزع :

    " أمي . ماذا جرى لك "


    السيدة بدت متعبة و منهارة ، وضعت رأسها على صدر ابنتها و أغمضت عينيها .

    الفتاة نظرت الآن و لأول مرة نحوي أنا !

    " من أنت ماذا حدث "


    أنا ارتبكت و بدأت أتأتئ

    الرجل العجوز اقترب من السيدة و قال :

    " ليندا ! ماذا جرى لك "

    قالت الفتاة :






    رد مع اقتباس  

  4. #144  
    المشاركات
    3,259
    " يجب أن نأخذها إلى المستوصف يا خالي هيا بسرعة "


    و تعاونا الاثنان على إسنادها .

    قال العجوز :

    " السيارة في المؤخرة ! "

    قالت الفتاة :

    " أوه كلا ! "


    حينها أنا تدخلت و قلت :

    " أيمكنني المساعدة لدي سيارة تقف بالخارج . على مقربة "


    نظر العجوز إلى ، و كأنه ينتبه لوجودي الآن فقط ، و قال :

    " من أنت "

    قلت :

    " أنا . وليد شاكر . صديق نديم "

    الفتاة نظرت إلي باهتمام ، إلا أن والدتها تأوهت ، فأهملت الفتاة نظراتها إلي و نادت :

    " أمي . تماسكي أرجوك . "

    قلت :

    " تعالوا معي . "


    و لم يتردد الآخرون كثيرا ، بل ساروا خلفي مباشرة .

    وُضعت السيدة في السيارة ، و جلس الرجل العجوز إلى جانبي ، ثم ذهبت الفتاة مسرعة و عادت خلال ثواني ، و جلست إلى جانب أمها في على المقاعد الخلفية

    تولّى العجوز إرشادي إلى أقرب مستوصف من المزرعة ، و هناك تم إسعاف السيدة و إجراء اللازم .

    الأحداث جرت بسرعة مدهشة ، حتى أنني لا أذكر بقية التفاصيل !

    قال الطبيب :

    " نوبة قلبية . يجب أن تنقل للمستشفى من أجل الملاحظة و العلاج "

    رباه !
    هل تسببت ُ دون قصد ٍ مني في نوبة قلبية لزوجة صديقي
    كم أنا نادم على الحضور . بل نادم على تذكر وصيتك يا نديم . فعوضا عن مساعدة عائلتك هاأنا أتسبب بمرض زوجتك !

    الذي حدث هو أن صحة السيدة تحسنت شيئا فشيئا ، و رفضت هي الذهاب للمستشفى و أصرت على العودة إلى البيت .

    بصعوبة أقنعتها ابنتها بالبقاء بعض الوقت ، حتى تتحسن أكثر .

    تُركت السيدة في غرفة للملاحظة ، و بقينا أنا و العجوز في على مقربة .

    الآن تخرج الفتاة من الغرفة ، و تأتي نحونا


    العجوز يبادر بالسؤال :

    " كيف هي "

    " نائمة ، لكنها أفضل "


    و بعدها تنظر إلي أنا .


    غضضت أنا بصري . فسألتني :


    " من أنت "

    أجبت :

    " وليد شاكر . كنت أحد أصدقاء السيد نديم وجيه "

    قالت :

    " إنه والدي "

    قلت :

    " نعم . عرفت "

    قالت :

    " و لم جئت لمزرعتنا ؟ ألا تعرف أن أبي في السجن منذ زمن "

    صمت . ما ذا بإمكاني القول


    قالت :

    " بم أخبرت أمي "

    و أيضا بقيت صامتا .

    قالت :

    " والدي قُتِل . أليس كذلك "


    رفعت نظري إليها مندهشا . و متندما . و أسِفا . و كم كانت تعبيرات وجهها تنم عن القوة و الجرأة .

    ثم نظرت إلى الرجل العجوز . فرأيته هو الآخر يحملق بي .

    قلت :






    رد مع اقتباس  

  5. #145  
    المشاركات
    3,259
    " أنا . آسف . "

    خشيت أن تأتي ردة فعل الفتاة كأمها لكنني عجبت من هذه القوة و الصمود اللذين تملكاها . قالت :

    " كنت أتوقع ذلك . "


    ثم انصرفت عائدة نحو الغرفة .

    بعد ذلك بدأ العجوز يستجوبني . و سردت عليه بعض أخبار نديم و أوضاعه في السجن قبل موته . و علمت أنهم منعوا من زيارته و لم يبلغوا بوفاته .

    و كم أثار ذلك حزني و حنقي .

    أبعد العذاب الذي صبوه عليه كل تلك المدة ، يقتلونه و يدفنونه ثم لا يبلغون أهله حتى بأنه مات !؟

    أ تركوا العائلة تعيش مرتقبة عودته فيما هو رميم تحت الأرض

    طال الانتظار ، و لم أعرف . أعلي الذهاب و تركهم أم علي البقاء و مساعدتهم ؟

    و لكنني آثرت البقاء . من باب الأدب و الوفاء لصديقي الراحل .

    بعد فترة ، اشتد علي الألم ، و التعب و بدأت أحس بالدوار .

    لم أكن قد تناولت شيئا بعد تلك البوضا الأخيرة . لذلك أحس باضطراب .
    و قد لاحظ العجوز اضطرابي و وهني ، إذ كنت أسند رأسي إلى الحائط القائم خلف المقعد الذي أجلس عليه

    " هل أنت على ما يرام "

    سألني العجوز . أجبت :

    " أشعر بالإعياء . "

    قمت بصعوبة ، بالكاد أحمل نفسي و سرت خطى متعثرة حتى وصلت إلى عيادة الطبيب .


    انهرت على السرير هناك و قلت :

    " أنا مرهق . ساعدني . "


    اشتد بي الدوار و بدأت أتقيأ . عصارة ممزوجة بالدم .

    بعد أربعين دقيقة من العلاج شعرت بتحسن كبير . و شكرت الطبيب .

    الطبيب سألني عدة أسئلة عرف منها عن آلام معدتي المتكررة و الدماء التي تخرج من جوفي ،
    فأجرى لي بعض الفحوص ثم رتب لإرسالي إلى قسم المناظير لإجراء منظرة لمعدتي .

    الرجل العجوز كان يأتي للاطمئنان علي بين الفينة و الأخرى .

    " أ أنت بخير يا هذا ؟ "

    " أنا بحال أفضل الآن . شكرا لسؤالك أيها العم ، ماذا عن السيدة ؟ "

    " لا تزال نائمة و يريد الطبيب نقلها إلى مستشفى أكبر ، لكن ظروفنا لا تسمح بذلك "


    و الآن دخلت الممرضة في الغرفة التي كنت ُ أنا فيها و قالت :

    " هيا يا سيد ، سنأخذك إلى قسم المناظير "


    الرجل العجوز نقل بصره بيني و بينها في تساؤل ، فقلت :

    " سأعود بسرعة "


    و ذهبنا إلى قسم المناظير و تم إجراء منظرة لمعدتي . و بعد الفراغ من ذلك قال لي الطبيب :

    " إنها قرحة نازفة . في معدتك أيها السيد "


    خمس ساعات مضت و نحن في ذلك المستوصف ، ننتظر تحسن السيدة زوجة نديم كي نغادر

    وصف لي الطبيب أدوية اقتنيتها من صيدلية مجاورة ، بسعر باهظ . كما و أنني دفعت مبلغا كبيرا نسبيا من أجل مستحقات الطبيب و الفحوص و المنظرة
    أتساءل ، أي مبلغ خسرت عائلة نديم يا ترى

    أقف الآن عند المخرج ، و أرى الفتاة ابنة نديم تدفع كرسي العجلات الذي تجلس عليه والدتها ، و إلى جانبهم العجوز الطيب .

    حينما صاروا قربي ، انطلقت نحو السيارة و أنا أقول :






    رد مع اقتباس  

  6. #146  
    المشاركات
    3,259
    " من هنا رجاءً "

    أخذ الثلاثة يتبادلون النظرات ، ثم نظروا إلي .

    في أعينهم كانت آثار الدموع واضحة ، كما علامات الحيرة و التردد .

    قلت :

    " سأوصلكم إلى المزرعة . إن لم يكن لديكم مانع "


    وصلنا إلى المزرعة و طلب مني العجوز أن أوقف السيارة في الداخل ، إمام المنزل مباشرة

    قام الاثنان بمساعدة السيدة على السير حتى دخلوا المنزل ، و أنا واقف أراقب إلى جانب سيارتي . بعد قليل حضر العجوز و ناداني :

    " تفضل بالدخول يا . ما قلت اسمك ؟ "

    " وليد . وليد شاكر أيها العم "

    " تفضل يا وليد شاكر "


    ترددت قليلا ، إلا أنني آثرت البقاء معهم لبعض الوقت ، إذ لابد أنهم يودون معرفة شيء من تفاصيل موت نديم ، رحمه الله

    المنزل كان صغيرا و بسيطا ، و أثاثه عادي و قديم ، ما يعطي الزائر انطباعا عن المستوى المادي البسيط الذي تعيش به هذه العائلة الصغيرة .

    أخذني العجوز إلى الصالة الرئيسية في المنزل ، و بعد أن جلست بدأ يرحب بي .


    " أهلا بك . نحن شاكرون لك صنيعك النبيل "

    قلت :

    " لا داعي لأي شكر أيها العم ، لم أفعل شيئا "

    قال :

    " و كيف تشعر الآن هل تحسنت "

    " كثيرا و لله الحمد ، كل ما في الأمر أنني قضيت ساعات طويلة بلا نوم و لا طعام لذا داهمني الدوار و الإعياء ! "






    رد مع اقتباس  

  7. #147  
    المشاركات
    3,259
    قال :

    " نعم أجل . الطعام "


    و نهض و ذهب إلى غرفة مجاورة ، و عاد مع الفتاة .

    الفتاة ألقت تحية علي ، و نطقت ببعض كلمات الترحيب ، ثم استأذنت .

    و أخذنا أنا و العجوز نتحدث عن أمور متفرقة ، أتى ذكر نديم و مأساة وفاته في معرضها .


    " لقد كنا نتوقع ذلك ، فجميع من سجنوا معه بلغتنا أنباء وفاتهم ، كل هذه السنين و نحن لسنا على يقين من حياته أو موته . ليندا لم تفقد الأمل في عودته ذات يوم "


    كم شعرت بالأسى . لأجل هذه العائلة البائسة . التي عاشت محرومة من معيلها كل تلك السنين ، و بعد كل هذا الانتظار تكتشف أنه مات !

    كيف يفعلون هذا يسجنونه و يعذبونه و يقتلونه ، ثم لا يخبرون أهله بأنه مات

    قلت :

    " يوم وفاته . طلب مني نديم أن أزور عائلته و أطمئن على أحوال أهله . كان ذلك قبل سنين . أربع تقريبا . إلا أنني . "

    العجوز كان يراقبني باهتمام شعرت معه بالخجل ، و برغبة في الاختفاء في الحال !

    قال :

    " هانحن نعيش حياتنا و الحمد لله أدعوه أن يحفظ لي صحتي و قوتي لأرعى أختي و ابنتها "


    و هنا دخلت ( ابنتها ) تحمل صينية ملأى بالطعام .

    وضعت الصينية على الطاولة الماثلة أمامي و عادت ترحب بي . ثم قالت :

    " تفضل يا سيد وليد "

    و انصرفت

    شعرتُ بالخجل . فأنا وسط عائلة غريبة علي . أناس لم يسبق لي رؤيتهم قبل اليوم . و هم على ما يبدو كرماء !


    " تفضل يا بني . طعام خفيف لحين موعد العشاء "


    دهشت ! قلت :

    " العشاء !؟ "

    " نعم فأنت ستتناول عشاءك معنا هذه الليلة "

    " أوه كلا . إنني . إنني سأنصرف بعد قليل "


    و أصر العجوز على استضافتي ليس فقط على العشاء ، بل و للمبيت عندهم هذه الليلة !

    العشاء كان لذيذا جدا ، علمت أن الفتاة هي التي أعدته ! كما علمت أن حالة السيدة قد تحسنت كثيرا ، و لذا فإنها و ابنتها كذلك شاركتانا الجلسة و الأحاديث بعد الوجبة .

    الثلاثة يبدون متشابهين في المظهر ! جميعهم من السلاسة الشقراء !

    السيدة كانت تمطرني بالأسئلة عن نديم و ما حصل معه ، و أنا أحاول الإجابة بالقليل الذي لا يسبب لها انتكاسة ، إلا أنها مع ذلك أخذت تبكي ، و تبعتها ابنتها .

    قالت الابنة بانفعال و هي لا تملك منع نفسها عن البكاء :

    " أرجوك يا أمي توقفي عن البكاء . كنت تعرفين أنه لن يعود . جميعنا نعلم أنهم و لا شك قتلوه . الظلمة القساة الحقرة . الأوغاد المجرمون . احرقهم يا رب جميعا . انتقم منهم فأنت العزيز ذو الانتقام . و افعل بهم ما فعلوه بنا . و أفظع "


    أما أنا فقد كنت أردد دعوتها عليهم في صدري .

    يا رب انتقم منهم جميعا .






    رد مع اقتباس  

  8. #148  
    المشاركات
    3,259
    عاد بي شريط الذكريات إلى سنين السجن . و عذاب السجن . و الزنزانة . و الطعام الرديء . و الأسرّة المهترئة . و الحشرات ! . و الرائحة العفنة . التي اختزنت في ذاكرة أنفي ! أكاد أشمها !

    رفعت يدي إلى أنفي كمن يريد منع رائحة كريهة من التسلل إلى تجويف أنفه ، فلامست أصابعي الحفرة الصغيرة التي تركها السجن علامة عليه . شعرت بنار تتأجج في صدري . نار كنت أخالها قد خمدت بعد هذه الشهور التي قضيتها خارج السجن . إلا أنني . و أنا أرى المناحة و البؤس و الدموع المنسكبة من أعين الأرملة و اليتيمة . و أتذكر نديم و هو يحتضر . و الكدمات و الجروح التي كانت تغطي جسمه أكثر من شعيرات جلده . عقدت العزم على ألا تواتيني فرصة للنيل منهم إلا و اقتنصتها .

    و من خلال الساعات التي قضيتها في تبادل الأحاديث معهم ، شعرت بقربي لهم و قربهم مني . و كأنني وسط عائلتي ، و كأنني أعرفهن من سنين .

    لقد ألفت ُ هذه العائلة و أحببتها في الله !

    في اليوم التالي ، و رغم أنني نمت باكرا كما نامت العائلة ، استيقظت قرابة الساعة الحادية عشرة .

    كنت قد نمت في غرفة صغيرة في الطابق السفلي للمنزل مفترشا فراشا أرضيا بسيطا و ملتحفا ببطانية ثقيلة .

    على الأقل ، وفرت كلفة ليلة واحدة كنت سأبيتها في فندق أو ما شابه .

    نهضت و خرجت من الغرفة و أنا أتنحنح .

    بعد قليل ، كنت أقف في الصالة الرئيسية وحيدا ، تلفت من حولي فلم أشعر بأي حركة توحي بوجود كائن حي على مقربة مني !

    مضيت نحو المخرج ، و خرجت من المنزل راغبا في استنشاق الهواء العليل العابق برائحة الأشجار و الزهور .

    كم كان منعشا و باعثا للنشاط !

    أخذت أتجول سيرا حول المنزل و في ممرات المزرعة . و أتأمل الجمال الطبيعي من حولي ، و أستمع إلى غناء العصافير و أشاهد استعراضاتها الجميلة في السماء .

    المكان كان غاية في الروعة . و أي امرئ يقضي هنا سويعات معدودة ، لا شك أنه سيخرج بنفس مبتهجة و نفسية مرتاحة !

    فيما أنا أسير . وجدت السيدة و الفتاة على مقربة .

    كانتا ترتديان ملابس سوداء . ربما حدادا على تأكيد موت نديم ، رحمه الله . و كانتا تسحبان صناديق مليئة بالثمار . تجرانها جرا . إلى حيث تقف سيارة حوض زرقاء ، يعلو حوضها الرجل العجوز ،و يقوم بترتيب صناديق الثمار المكشوفة ، التي ترفعها السيدة و الفتاة متعاونتين و تضعانها في الحوض .
    تفعلان ذلك ، ثم تعودان لجر المزيد من الصناديق .

    اقتربت من السيارة و ألقيت التحية على العجوز المنهمك في ترتيب الصناديق ، و يبدو أنه لم يسمع !

    تبعت السيدتين إلى حيث وجدت مجموعة من الصناديق المليئة بالثمار تنتظر دورها للشحن في السيارة .

    و هاهما تسيران نحوي و تجر كل واحدة منهما صندوقا جديدا .


    " صـ باح الخير "

    حييتهما فتركتا الصندوقين و ردتا التحية ، ثم قالت السيدة :

    " هل نمت جيدا ؟ أتمنى ألا يكون الفراش قد أتعبك "

    قلت :

    " على العكس . نمت بعمق . شكرا لكم جميعا "

    السيدة قالت مخاطبة ابنتها :

    " أروى اذهبي و أعدي الفطور لضيفنا "






    رد مع اقتباس  

  9. #149  
    المشاركات
    3,259
    الفتاة نظرت إلى الصندوق ثم إلى أمها و قالت :

    " حسنا "

    و همت بالذهاب .

    أنا قلت :

    " شكرا لكن لا داعي لذلك . لا أشعر بالجوع الآن "

    قالت السيدة :

    " بلى ! سيكون فطورك جاهزا خلال دقائق ، و معذرة فأخي مشغول الآن لكن تصرف بحرية "

    ثم التفتت إلى الفتاة و قالت :

    " هيا أروى "


    الفتاة ذهبت في طريقها إلى المنزل . و السيدة تابعت سحب صندوقها .

    سرت أنا نحو الصندوق الآخر ، و حملته و نقلته إلى حوض السيارة . فيما هي لا تزال تجر صندوقها !

    الآن انتبه العجوز إلي !


    " صباح الخير أيها العم "

    " أوه ! شاكر . نهضت إذن ! لابد أنك كنت متعبا جدا ! صباح الخير "

    وضعت الصندوق في السيارة و قلت :

    " كنت ، لكنني الآن بحالة ممتازة و الحمد لله . شكرا لكم . اسمي وليد أيها العم !"


    سحب العجوز الصندوق ليصفه بنظام قرب أخوته ثم قال :

    " أجل تذكرت ! وليد . سآخذ هذه إلى السوق ، أتفضل انتظاري أو مرافقتي ؟ "

    نظرت ناحية السيدة المقبلة تجر الصندوق ، ثم إلى العجوز و قلت :

    " أفضل مساعدتكم ! "


    ثم بدأت بنقل الصناديق واحدا تلو الآخر . و طلبت من العجوز أن يطلب من السيدة أن ترتاح ، فقد عاشت أزمة قلبية يوم أمس !

    أقبلت الفتاة بعد ذلك ، و رأتني أحمل أحد الصناديق . فتعجبت ! ثم قالت :

    " طعامك جاهز أيها السيد . تفضل إلى المنزل "

    و مضت نحو ما تبقى من الصناديق و جرّت أحدها .

    وضعت ما بيدي في حوض السيارة ، و عدت ناحية الصناديق .

    كانت الفتاة تجر صندوقها بجهد . قلت :

    " دعي الأمر لي سيدتي أستطيع نقلها جميعا وحدي دون عناء "


    فتركت صندوقها و تنحت جانبا ، فحملته و نقلته إلى السيارة ، و سارت هي من بعدي حتى صارت واقفة إلى جوار والدتها .

    انتهيت من مهمتي ، فشكرني الجميع ثم قالت السيدة الأم :

    " لقد برد فطورك ! أرجوك تفضل لتناوله "


    شعرت بالخجل ، و نظرت نحو الأرض بحياء ، فنادت السيدة على العجوز

    " إلياس . تعال لتكرم ضيفنا ! "


    نزل العجوز أرضا ، و رافقنا نحو المنزل .

    هناك جلست عند المائدة أتناول فطوري الشهي ، و إلى جانبي العجوز يشرب الشاي ، بينما السيدة و ابنتها تراقباننا عن بعد و تتابعان أحاديثنا !






    رد مع اقتباس  

  10. #150  
    المشاركات
    3,259
    في معرض الحديث ، قال العجوز :

    " ليتني أعود لمثل شبابك و قوتك ! اخبرني . ماذا تعمل "


    توقفت عن مضغ اللقمة الموجودة في فمي ، و ابتلعتها كما هي !

    قلت :

    " في الواقع أيها العم الطيب . أنا عاطل عن العمل ! "

    دهش العجوز ، فأخبرته بأن تخرجي من السجن حال دون قبولي في الوظائف التي حاولت الالتحاق بها ، و أخبرته إنني هنا في المدينة الشمالية للبحث عن عمل .


    قال :

    " شبّان هذه الأيام يحبون الوظائف المكتبية و الإدارية التي لا تتطلب منهم سوى الجلوس و تقليب الأوراق ! سيصعب عليك العثور على وظيفة كهذه في هذه المدينة ! "

    قلت :

    " سأجرب ! فإن فشلت ، عدت ُ من حيث أتيت ! "

    قال :

    " إذن . ما هي خطتك الآن "

    قلت :

    " سأذهب إلى قلب المدينة ، استأجر شقة صغيرة ، و أبحث عن وظيفة . عسى الله أن يوفقني هذه المرة "


    بعد ذلك رافقت العجوز إلى السوق ، حيث قام ببيع الثمار على أحد تجار الخضار و الفاكهة ، ثم عدنا إلى المزرعة

    حينما وصلت ، و فيما أنا في طريقي إلى سيارتي ، لمحت السيدتين واقفتين عند الأشجار ، تقطفان الثمار و تجمعانها في السلات و الصناديق .

    نظرت إلى العجوز السائر جواري و قلت :

    " ألا يساعدكم أحد في العناية بهذه المزرعة "

    قال :

    " كلا ! نحن الثلاثة من يعتني بها ، لكننا نستأجر بعض العمال لقطف الثمار أو التنظيف أو ما إلى ذلك من حين لآخر ! "

    يا للحياة الشاقة التي تعيشها هذه العائلة !

    لو تعلم يا نديم . !


    قلت :


    " دعوني أساعدكم قبل المغادرة ! "


    و بدأت العمل !

    قطفنا كميات كبيرة من الثمار ، و وزعناها على الصناديق ، و تركناها قرب بعضها البعض ، لحين الغد ، حيث سيتم نقلها إلى السيارة من جديد .

    بعد ذلك قمنا بجمع الأوراق و الثمار المتساقطة و تنظيف الأرض !

    كل ذلك استغرق منا ساعات من العمل ، و كلما حاول العجوز ثنيي أو الاعتذار ، قلت له :

    " هذا واجبي ، و نديم يستحق أكثر من ذلك "


    بعد ذلك ، دخلنا إلى المنزل و من ثم تناولت وجبة الغداء المتأخرة مع العجوز الطيب . ، شكرته على حسن ضيافته و وعدته بالعودة لزيارتهم كلما أمكنني .
    و خرجت من المنزل و ركبت سيارتي الواقفة أمام المنزل ، و سرت بها .

    عبرت على مجموعة الصناديق ، و فكرت . في العناء الذي ستلاقيه السيدتان غدا في نقلها إلى السيارة الزرقاء . غدا و بعده و كل يوم . اعتقد أن من واجبي تقديم المزيد من المساعدة لهذه العائلة التي أوصاني صديقي الراحل بها خيرا

    أوقفت السيارة و عمدت إلى الصناديق و جعلت انقلها إلى السيارة الزرقاء المركونة على مقربة ، واحدا تلو الآخر . دون علم أحد !

    الشمس كانت على وشك المغيب . لم أكن أشعر بأي تعب أو إعياء يذكر ، كما و أن آلام معدتي قد اختفت تقريبا بعد العلاج السحري الذي وصفه لي الطبيب ! أو ربما العلاج السحري في هذه المزرعة الجميلة و مناظر الطبيعة الخلابة ، و الهواء المنعش .

    كم أنا سعيد لأنني استطعت خلال الساعات الماضية طرد آلامي الجسدية و النفسية . و أفكاري المهمومة . بما فيها الخائنة رغد !

    رغد .






    رد مع اقتباس  

صفحة 15 من 26 الأولىالأولى ... 5131415161725 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية كنت أحبك حب ماتقراه في أعظم رواية
    بواسطة Bshaer‘am في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Aug-2014, 12:29 AM
  2. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  3. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  4. ديكورات كامله 2013 , ديكورات منزل كامله 2013 , صور ديكورات جميله 2013
    بواسطة ♣ ♣المتفائله♣ ♣ في المنتدى ديكور - فن الديكور المنزلي - اثاث غرف ومطابخ وحدائق
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Sep-2012, 11:37 PM
  5. رواية قليل من الحب كامله من الروايات الرومنسية txt للجوال
    بواسطة بدويه اصيله في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-Oct-2011, 10:39 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •