الملاحظات
صفحة 14 من 26 الأولىالأولى ... 4121314151624 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 131 إلى 140 من 255

الموضوع: رواية انت لي كامله

  1. #131  
    المشاركات
    3,259
    الحلقة التاسعة عشر



    ********


    ~ نهاية المطاف ~





    كنت قد دخلت إلى داخل المنزل لإحضار سيجارة .

    فكلما شعرت بالضيق ، عكفت على التدخين بشراهة .
    و رؤية رغد و سامر يقبلان نحونا . و أصابعهما متشابكة جعلت شعبي الهوائية تنقبض و تنسد .

    سامر جلس معنا ، و ذهبت رغد إلى الداخل .

    بعد قليل دخلت ُ قاصدا الذهاب إلى غرفة سامر و إحضار السجائر ، فرأيتها أمامي .

    الغضب الذي كان يسد شعبي مع ذلك الهواء خرج فجأة باندفاع مصبوبا عليها . فتحدثت معها بقسوة رافضا الإصغاء إلى ما كانت تود إخباري به .

    الآن أنا في الغرفة أشعر بالندم .

    لماذا أصبحت أعاملها بهذه الطريقة

    أليست هذه هي رغد . طفلتي الحبيبة المدللة

    رغد .

    أتسمعون

    أتدركون

    إنها رغد ! رغد !

    حملت سجائري و ذهبت في طريقي إلى الخارج .

    عند عبوري الممر قرب المطبخ لمحت أختي دانه ، و كانت ترتدي مريلة خاصة بالمطبخ و توشك على المسير نحو الباب .


    " وليد ! . أوه سجائر ! "


    ثم مسكت أنفها بإصبعيها كمن يمنع رائحة كريهة من اقتحام أنفه !


    " لن أدخن هنا ! "

    قالت :

    " أنا أيضا ذاهبة لوداع سامر ! رغد الكسولة تركتني أعمل وحدي ! "


    و خرجنا سوية .

    رغد كانت تجلس قرب سامر . الذي يبدو على وجهه الانفعال و السرور !

    قالت دانة :


    " آسفة سامر سأودعك الآن و أعود للمطبخ ! "


    و وجهت كلامها إلى رغد :


    " فالكسالى يجلسون هنا ! و لكن بعد أن أتزوج ستقع على رؤوسهم أعمال المنزل رغما عنهم ! "


    سامر ضحك ، و كذلك والدي . أما رغد فألقت نظرة لا مبالية على دانة ثم أخذت تشرب الشاي .

    والدتي قالت :






    رد مع اقتباس  

  2. #132  
    المشاركات
    3,259
    قلت بعدما أغمضت عيني أعصر دموعها . ثم فتحتهما :

    " لماذا لم تعد تهتم بي ؟ لماذا تتحاشاني ؟ لماذا تعاملني بهذه الطريقة القاسية و كأنني لا أعني لك شيئا "


    الرعب . و الذعر و الهلع . أمور أثارتها نظراته الحادة المخيفة التي رماني بها بقسوة . قبل أن يضربني بكلماته التالية :


    " يا ابنة عمي . لقد كبرت ِ و لم تعودي الطفلة المدللة التي كنتُ أرعاها . أنت ِ الآن امرأة بالغة . و على وشك الزواج . لدي حدود معك ِ لا يجوز تخطيها . و لديك سامر . ليهتم بأمرك من الآن فصاعدا "


    و تركني . و سار مبتعدا إلى الناحية التي كان يريد سلكها قبل ظهوري أمامه .

    اختفى وليد . و اختفت معه آمال واهية كانت تراودني . وليد الذي تركني قبل تسع سنين ، لم يعد حتى الآن

    مسحت بقايا دموعي و آثارها . و خرجت إلى حيث كان والدي ّ و سامر يجلسون حول الطاولة .

    أقبلت نحوهم فوقف سامر مبتسما يزيح الكرسي المجاور له إلى الوراء ليفسح المجال لي للجلوس .

    سامر . كان دائما يعاملني بلطف و اهتمام بالغ ، و يسعى لإرضائي و إسعادي بشتى الوسائل .

    اقتربت من سامر و نقلت بصري منه ، و إلى والديّ ، ثم إلى أكواب الشاي و الدخان الصاعد من بعضها . ثم إلى الخاتم المطوق لإصبعي منذ سنين . ثم إلى عيني سامر اللتين تراقباني بمحبة و اهتمام . ثم قلت :


    " سامر . لقد اقتنعت . سنحتفل مع دانه "






    رد مع اقتباس  

  3. #133  
    المشاركات
    3,259
    " بل على رأسي أنا ! فأنتما ستخرجان من هنا في ليلة واحدة ! "


    أنا صعقت . و اكفهر وجهي . و حملقت في رغد . أما دانة فقالت :

    " ماذا . أمي هل . "


    سامر قال :

    " قررنا أخيرا !! "


    دانة سارت نحو رغد ببهجة فوقفت الأخرى و تعانقتا .

    " أيتها الخبيثة ! هل تريدين سرقة الأضواء مني "


    و ضحكتا بمرح .
    ثم عانقت دانة سامر و تمتمت ببعض الكلمات ، ثم ودعته و عادت إلى الداخل .


    " يجب أن أغادر الآن ! "


    قال ذلك سامر . فوقف والداي ، فاحتضنهما و قبل رأسيهما .
    ثم أمسك بيدي رغد ، و ضمها إليه في عناق طويل .

    كل هذا و أنا واقف كالشجرة التي إلى جانبي . أشعر بالصواعق تضربني من كل جانب ، و أعجز عن فعل شيء .

    و الآن . يقبل الخائن نحوي أنا . يريد توديعي .

    ابتعد يا سامر فأنا أشعر برغبة جنونية في ضربك ! و لا أعرف أي قوية امتلكت لحظها و منعت يدي من أن تحطم وجهه .

    صافحته و عانقته عناقا باردا خال من أية مشاعر . و تركته يذهب .

    بعدما خرج ، تجاوزت الطاولة و من يجلس حولها ، و وقفت بعيدا لئلا أزعج أحدا بدخان سجائري .

    كنت أسمع أصوات الثلاثة ، أبي و أمي و الخائنة يتحدثون عن أمور الحفلة و الإعداد لها .

    و كنت أشعر بأن طبقة سميكة من الإسمنت قد صبت على صدري و يبست و كتمت أنفاسه .

    أمي ذهبت بعد ذلك للمطبخ لتساعد دانة ، و بقي والدي مع رغد .

    كنت أختلس نظرة ناحيتهما من حين لآخر . والدي كان يجلس موليا ظهره إلي أما الخائنة فكانت تواجهني

    و لم يحدث أن التفت ُّ إلا و اصطدمت نظراتنا ، فزادت الإسمنت على صدري طبقة بعد طبقة .

    والدي تلقى مكالمة عبر هاتفة المحمول ، ثم انصرف إلى الداخل .

    و بقيت صغيرتي وحدها تشرب الشاي . توقفت عن الالتفات إلى الوراء . و شردت في اللاشيء الذي لا أراه أمامي .

    و الآن شعرت بحركة خلفي . و بقيت كما أنا أرتقب . و ظهر ظل أمامي يكبر و يكبر . و الفتاة الواقفة خلفي تقترب و تقترب . و الآن توقفت .

    لثوان معدودة . ظلت رغد واقفة خلفي و أنا لا أملك من الشجاعة و القوة ما يمكنني من الاستدارة إليها . و لكني أرى ظلها أمامي . و أرى يدها تتحرك نحوي . ثم تتراجع . ثم تستدير . ثم تنسحب .

    عندما ابتعدت استدرت أنا للخلف و رأيتها و هي تسير مبتعدة و يدها تمسح ما قد يكون دموعا منسكبة على وجهها .

    مددت يدي . أريد أن أمسك بها . أمسك بظلها . أمسك بطيفها . أمسك بدمعها . أمسك بذرات الهواء التي لامستها . و اختفت رغد . و عادت يدي فارغة لم تجني غير الحسرة و الألم .

    عندها ، تلوّت معدتي أيما تلوي . و عصرت كما تعصر الملابس المبللة باليدين .

    في تلك الليلة ، حضر نوّار خطيب شقيقتي و قد جالسته لبعض الوقت .

    و رغم أنه دمث الخلق ، إلا أن نفسه لا تخلو من الغرور و التعالي . و قد أحرجني لدى سؤاله لي عن دراستي المزعومة و أعمالي و خبراتي المعدومة !

    و كنت أختصر الإجابات ببعض جمل غامضة ، و سرعان ما انسحبت تاركا الخطيبين يستمتعان بعشائهما .

    و لشدة الآلام ـ الجسدية منها و النفسية ـ فإنني اكتفيت بقدر يسير من الطعام . و ذهبت إلى غرفة سامر متحججا بالنعاس .

    رغد لم تكن قد شاركتنا الوجبة ، فلا أظنها تفكر في فعل ذلك بعد الطريقة الفظة التي عاملتها بها .

    الندم يقرصني و يوخز جميع أعصابي الحسية . إضافة إلى آلام المعدة الحادة .

    و مرة أخرى خرجت الدماء من جوفي و زادت قلقي . لابد أنني مصاب بمرض . و لابد لي من مراجعة الطبيب .

    على السرير تلويت كثيرا حتى قلبت المفارش و البطانيات و الوسائد رأسا على عقب .

    أفكاري كانت تدور حول رغد . كيف لي أن أهدأ لحظة واحدة . و موعد زفافها قد تحدد !

    لو كان باستطاعتي تأجيله قرنا بعد . فقط قرن واحد . أضمن فيه أنها تبقى معزولة عن أي رجل . و تموت دون أن يصل إليها أحد .

    أخرجت صورة رغد الممزقة و جعلت ألملم أجزاءها ، و أتاملها ، ثم أبعثرها من جديد
    و أعود لتجميعها كالمجنون .

    نعم مجنون . لأن تصرف كهذا لا يمكن أن يصدر من كائن عاقل .

    تركتها ملمومة على المنضدة التي بجواري . و قمت أذرع الغرفة ذهابا و جيئة كبندول الساعة !






    رد مع اقتباس  

  4. #134  
    المشاركات
    3,259
    اقتربت الساعة من الواحدة ليلا . و أنا ما بين آلم معدتي الحارق و ألم قلبي المحترق . حتى رغبت في تناول أي شيء من شأنه أن يهدئ الحريق المشتعل بداخلي .
    و تنفُّس أي شيء يطرد الضيق من صدري .

    أخذت علبة سجائري . و خرجت من الغرفة . تاركا الباب مفتوحا .

    ذهبت أولا إلى المطبخ و حملت علبة حليب بارد معي فقد لاحظت تأثيره المهدئ على معدتي ، و خرجت إلى الفناء . و بدأت بشربه و التدخين معا .




    ~ ~ ~ ~ ~ ~







    لا أستطيع أن أنام و أنا أفكر . و أفكر و أفكر . فيما قاله وليد لي . و الصداع يشتد لحظة بعد أخرى .

    كم آلمني . أن أكتشف أنه لم يعد يهتم بي أو يرغب في رعايتي كالسابق .

    لقد تغير وليد . و أصبح قاسيا و مخيفا . و غريبا .

    كنت أبكي حسرة و مرارة . فأنا فقدت شيئا كان يشغل حيزا كبيرا من حياتي .
    و منذ ظهوره ، و أنا في صراع داخلي .

    بقيت فترة طويلة أتأمل صورته التي رسمتها قبل شهور . و لم أتمها .

    و إذا بي أرى نفسي ألّون بياض عينيه باللون الأحمر الدموي . ! غضبا و حسرة .

    صار مخيفا . مرعبا .

    دانه كانت تمضي وقتا غاية في السعادة و المتعة مع خطيبها الذي تحبه . و هذا يجعلني أتألم أكثر . لأنني لا أحظى بالسعادة التي تحظى بها . و لا أشعر بالمشاعر التي تشعر هي بها تجاه خطيبها .

    غدا هو يوم دراسة ، و يجب أن أنام الآن و إلا فإنني سأنام في القاعة وسط الزميلات !

    خرجت من غرفتي و في نيتي ابتلاع قرص مسكن من الأقراص الموجودة في الثلاجة ، و فيما أنا أعبر الردهة لاحظتُ باب غرفة سامر مفتوحا .

    تملكني الفضول !
    سرت بحذر و هدوء نحو الغرفة !
    وقفت على مقربة و أصغيت جيدا . لم أسمع شيئا .

    اقتربت أكثر خطوة بعد خطوة ، حتى صرت عند فتحة الباب ، و أطللت برأسي إلى الداخل بتهور . لكني لم أجد أحدا !

    عندها فتحت الباب على مصراعيه بسرعة . و بذعر و هلع صحت :


    " وليد ! "


    قفزت و أنا أركض كالمجنونة . أجول في أنحاء المنزل و في رأسي الاعتقاد الصاعق بأن وليد قد فعلها و رحل خلسة .

    الدموع تسللت من عيني من شدة ما أنا فيه ، و شعرت برجلي ّ تعجزان عن حملي فصرت أترنح في مشيتي مخطوفة الفؤاد . منزوعة الروح .

    و انتهى بي الأمر إلى باب المدخل .

    وقفت عنده و مسكت قبضته و ركّزت كل ثقلي عليها لتدعمني لئلا أقع . فإن انفتح الباب . فلا شك أن وليد قد غادر و تركه مفتوحا .

    و انفتح الباب و انهرت أنا مع انفتاحه .






    رد مع اقتباس  

  5. #135  
    المشاركات
    3,259
    لقد فعلها و فر خلسة دون وداعي . خارت قواي و أخذت أبكي و أنحب بصوت عال .

    " لماذا ؟ لماذا يا وليد لماذا "

    فجأة . ظهر شيء أمامي !

    كنت أجلس عند الباب بلا حول و لا قوة . و شعرت بشيء يتحرك فأصابني الذعر الشديد . فإذا به وليد يظهر في المرأى .


    " رغد !!؟ "


    لم أصدّق عيني . هل هذا شبح أم حقيقة

    جسم كبير . طويل عريض . متخف في الظلام . يتقدم نحوي . لا يُرى شيءٌ منه بوضوح غير لهيب السيجارة التي بين إصبعيه .


    " رغد . ما . ماذا تفعلين هنا . "


    و كدمية كهربائية قد فُصِل سلكها عن المكبس ، شللت ُ عن الحركة .

    حتى رأسي الذي كان ينظر إلى الأعلى . الأعلى حيث موضع عيني وليد ، هوى إلى الأسفل . متدليا على صدري سامحا للدموع بأن تبلل الأرض .

    لم أجد في بدني أي مقدار من القوة لتحريك حتى جفوني .

    وليد وقف مندهشا متوجسا برهة . ثم جلس القرفصاء أمامي . و قال بصوت حنون جدا .

    " صغيرتي . "


    الآن . كسبت من الطاقة ما مكنني من رفع رأسي للأعلى و النظر إليه .






    رد مع اقتباس  

  6. #136  
    المشاركات
    3,259
    و بقيت أنظر إلى عينيه و تحجبني الدموع عن قراءة ما فيهما .


    " ما الذي تفعلينه هنا "

    " هل تريد الرحيل دون وداعي "


    لم تخرج الكلمات كالكلمات . بل خرجت كالبكاء الأجش .


    " الرحيل من قال ذلك "

    " ألست . ألست تريد الرحيل "

    " لا . خرجتُ أدخّن ! . لكن . ما الذي تفعلينه أنت هنا في هذا الوقت "


    أخذت نفسا عميقا و أطلقت الكلمات التالية باندفاع و بكاء :


    " ظننت أنك رحلت . دون علمي و وداعي . كما فعلت قبل سنين .
    تركتني وحيدة . في أبشع أيام حياتي . "


    مد وليد يده فجأة و بانفعال نحوي ، ثم أوقفها في منتصف الطريق ، و سحبها ثانية .

    قلت :

    " حتى لو لم أعد أعني لك شيئا . لا ترحل دون علمي يا وليد . أرجوك لا تفعل . عدني بذلك . "


    وليد ظل صامتا لا يجرؤ على شيء سوى الإصغاء إلي .

    قلت :

    " عدني بذلك وليد أرجوك . "

    هز رأسه إيجابا و قال :

    " أعدك "


    نظرت إليه بتشكك . كيف لي أن أثق بوعوده . .

    قلت :

    " اقسم "

    وليد تردد قليلا ثم قال :

    " أُقسِم . لن أرحل دون علمك . صغيرتي . "


    شعرت بالراحة لقسمه . و سحبت نفسا عميقا ليهدئ من روعي .

    وليد حملق بي قليلا ثم وقف . و رفع سيجارته إلى فمه و سحب بدوره نفسا عميقا .

    وقفت أنا ، و سمحت للباب الذي كنت أستند عليه و أحول دون انغلاقه أن ينغلق

    نفث هو الدخان للأعلى ، ثم قال و هو لا يزال ينظر عاليا :


    " لم استيقظت الآن "

    قلت ، و أنا أراقب الدخان يعلو و ينتشر .

    " لم أنم بعد "

    قال :

    " لم ؟ ألن تذهبي غدا إلى الكلية ؟ "
    قلت :

    " بلى . لكن . لدي أرق "


    و صمت .

    ثم سألته :

    " و أنت ؟ "

    قال :

    " كذلك ، لذا خرجتُ أدخن . في ساعة كهذه "

    قلت :

    " هل . يريحك التدخين "

    وليد لم يجب مباشرة ، ثم قال :

    " نعم . إلى حد ما . يرخي الأعصاب . "

    قلت :

    " دعني أجرب ! "

    وليد التفت إلي بدهشة و نظر باستغراب !

    " ماذا "

    " أريد أن أجرب ! "






    رد مع اقتباس  

  7. #137  
    المشاركات
    3,259
    اعتقد أنها ابتسامة تلك التي ظهرت على إحدى زاويتي فمه !


    قال :

    " هل تعنين ما تقولين "

    " نعم . أتسمح "

    وليد هز رأسه اعتراضا و قال :

    " لا . لا أسمح "

    " لم ؟ "

    " لا أسمح لشيء كهذا بدخول صدرك . "

    " لكنه يدخل صدرك ! "

    قال :

    " أنا صدري اعتاد على حمل السموم و الهموم . "

    ثم رمى بالسيجارة أرضا و سحقها تحت حذائه .

    و علت وجهه علامات التألم ، و ضغط بيده على بطنه و قال :

    " لندخل "


    و حينما دخلنا ، قال :

    " تصبحين على خير "

    و اتجه نحو المطبخ .

    أنا تبعته إلى هناك فرأيته يخرج علبة حليب بارد و يجلس عند الطاولة و يرشف منها .
    و بعد رشفة أو رشفتين سمعته يتأوه . و يسند رأسه إلى الطاولة في وضع يوحي للناظر إليه بأنه يتألم .

    دخلت المطبخ . فأحس بوجودي . فرفع رأسه و نظر إلي .


    " ألن تخلدي للنوم ؟ الوقت متأخر "


    شعرت بقلق شديد عليه . قلت :

    " ما بك "

    أبعد نظره عني و قال :

    " لا شيء "

    لكني كنت أرى الألم باد على وجهه . و عاد يشرب الحليب جرعة بعد جرعة .

    " وليد . هل أنت مريض "

    تنهد بنفاذ صبر و شرب بقية الحليب دفعة واحدة ، ثم نهض . و خطا نحوي .

    " تصبحين على خير "


    و تجاوزني ، و ذهب إلى غرفة سامر . و أغلق الباب .



    ~ ~ ~ ~ ~ ~






    صحوت من النوم على صوت والدتي توقظني من أجل تأدية صلاة الفجر .

    كنت قد نمت قبل ساعة و نصف ، و أشعر بإعياء شديد .

    أفقت من النوم فوجدتها واقفة قربي . نهضت و ذهبت للتوضؤ ، و عندما عدت وجدتها لا تزال واقفة عند نفس المكان تنظر إلى المنضدة .


    ما إن أحست بوجودي حتى استدارت نحوي بسرعة ، و قالت :

    " والدك ينتظرك . "

    ثم خرجت من الغرفة


    ألقيت نظرة على المنضدة التي كانت أمي تراقبها قبل مجيئي . فإذا بي أرى صورة رغد الممزقة . التي نسيتُ إعادتها إلى محفظتي ليلا .

    شعرت بالقلق . لابد أن أمي رأت الصورة واضحة . و لابد أن شكوكا قد راودتها
    إلا إذا كان احتفاظ رجل بصورة ممزقة لطفلة كان متعلقا بها بجنون . هو أمر مألوف و مشهد تراه كل يوم . !

    أدينا الصلاة في مسجد قريب و عدت إلى السرير و نمت بسرعة قياسية .

    عندما نهضت ، كان ذلك قبيل الظهر و لم يكن في البيت غير والدتي ، فوالدي في مكتبه ، و رغد في الكلية ، و دانه مدعوة للغداء في مطعم ، مع خطيبها .

    أمي لم تشر إلى أي شيء بحيال تلك الصورة . لذا ، تجاهلت الأمر . و أقنعت نفسي بأنها نسيت أمرها .

    لم أرَ صغيرتي ذلك النهار ، إذ يبدو أنها عادت من الكلية عصرا و ذهبت للنوم مباشرة في وقت كنت أنا فيها مشغول بشيء أو بآخر

    و في الليل . و قبل ذهابي إلى غرفة المائدة لتناول العشاء ، مررت بالمطبخ فرأيت صغيرتي تأكل وجبتها منفردة هناك .

    عندما رأتني توقفت عن الأكل و انخفضت بعينيها إلى مستوى الأطباق . في انتظار مغادرتي .

    آلمني أن أراها وحيدة هكذا فيما نحن مجتمعون معا . قلت :

    " تعالي و انضمي إلينا "


    رغد حملقت بي قليلا متشككة ثم سألت :

    " ألا يزعجك ذلك "

    قلت :

    " لا . صغيرتي "






    رد مع اقتباس  

  8. #138  
    المشاركات
    3,259
    و سرعان ما حملت أطباقها و طارت إلى غرفة المائدة . بمنتهى البساطة !

    فيما نحن نتحدث عن أمور شتى ، قال والدي :

    " أيمكنك يا وليد اصطحاب رغد من و إلى الجامعة يوميا إن تفعل تزيح عن عاتقي مشوارا مربكا "

    و لأنه لم يكن لدي ما أقوم به ، لم أجد حجة تمنعني من الموافقة . لكن بعض الاستياء ظهر على وجه والدتي . أنساني إياه البهجة التي ظهرت على وجه رغد . أو ربما توهمت أنها ظهرت على وجه رغد !

    في اليوم التالي كان علي أن أنهض باكرا من أجل هذه المهمة ، و رافقتنا والدتي هذه المرة

    المشوار كان يستغرق قرابة العشرين دقيقة .

    رغد كانت تركب المعقد الخلفي لي ، ذهابا و إيابا . و كانت تلتزم الصمت معظم المشوار إلا عن تعليقات بسيطة عابرة .

    في المساء ، كنا نقضي أوقاتا ممتعة في مشاهدة أحد الأفلام ، أو مزعجة في متابعة الأخبار و ما آلت إليه الأوضاع الأخيرة ، أو محرقة في الحديث عن الزفاف المرتقب .

    أتناول وجباتي معها . آخذها إلى الجامعة أو أي مكان تود . أتبادل بعض الأحاديث معها بشأن دراستها و ما إلى ذلك . أتفرج على لوحاتها الجديدة .
    أرافقها هي و دانة و أمي إلى الأسواق . أنصت باهتمام كلما تحدثت و أراقبها دون أن أشعر كلما تحركت .

    كل هذا . قد أثار جنوني . و ذكريات الماضي . فصرت أشعر بأنها عادت لي . طفلتي الحبيبة التي أعشقها و أعشق رعايتها .

    أخذني جنوني إلى التفكير بعدم الرحيل .

    كيف لي أن أبتعد عنها و أنا متعلق بها بجنون .

    كيف لي أن أسمح للمسافات و الزمن بتفريقنا
    إنني سأبقى حيث تكون رغد . لأنه لا شيء في هذه الدنيا يهمني أكثر منها هي .
    سأبحث عن عمل ، و استقر هنا إلى جانبك .

    سأبقى قربك يا رغد . نعم قربك يا صغيرتي الحبيبة .

    ثم . و باتصال هاتفي واحد من سامر . يتحطم كل شيء ، و أسقط من برج الأوهام الطرية ، إلى أرض الواقع القاسية الصلبة . و يتدمر كل شيء .

    لم تكن صغيرتي تملك هاتفا في غرفتها ، لذلك فإن مكالماتها تكون على مرأى و مسمع من الجميع . و كلما تحدثت إلى سامر غمرتني رغبة في تقطيع أسلاك الهاتف و الكهرباء . في المنزل برمته !

    في أحد الأيام ، كنت ذاهبا لإحضارها من الجامعة ، و صادف أن الشارع كان مزحوما و شبه مسدود بسبب حادث مروري .

    طال بي المشوار و أنا أسير ببطء شديد بسبب الحادث . و عوضا عن الوصول خلال 20 دقيقة وصلت بعد 40 دقيقة على الأقل .

    عادة ما تكون صغيرتي تنتظرني عند الموقف حيث تقف الطالبات ، إلا أنني الآن لم أجدها .

    انتظرت بضع دقائق ، لكنها لم تخرج . وقفت في مكاني حائرا

    ثم اتجهت إلى الحارس و أخبرته بأنني أنتظر قريبتي و لم أرها ، فطلب اسمها ثم اتصل برقم ما ، و بعدها بدقيقتين رأيت رغد تخرج من البوابة . مع بعض الفتيات .

    كنت لا أزال واقفا قرب الحارس ، نظرت هي باتجاهي و ظلت واقفة حيث هي . و تتحدث إلى زميلاتها .

    شكرت الحارس ثم تقدمت ُ إليها فودعتهن و أتت نحوي .

    " أنا آسف . تأخرت ُ بعض الشيء "

    " بل كثيرا "

    قالت بغضب . ثم سارت نحو السيارة .

    بعدما اتخذنا مقعدينا ، و قبل أن ننطلق عدت ُ أقول :

    " آسف صغيرتي . "

    و لكنها لم تجب ، و فتحت نافذة السيارة لأقصى حد . يبدو أنها مستاءة و غاضبة !

    و نحن نسير بالسيارة مررت من حارس الأمن ذاته فألقيت التحية عبر النافذة و انطلقت .

    " كيف تلقي تحية على شخص بغيض و غير مهذب كهذا "


    تعجّبت من سؤالها ! قلت :

    " لم تقولين عنه ذلك "

    " كلما خرجت ُ لأرى ما إذا كنت َ قد وصلت َ أم لا ، وجدته ينظر باتجاه المدخل . كان أجدر بك أن تصفعه . لقد كنت أخرج فأجد والدي في انتظاري هنا كل يوم . إياك و أن تتأخر ثانية "


    يا له من أسلوب !

    قلت :

    " حاضر . أنا آسف "


    صمتت برهة ثم قالت :

    " و كذلك ابق هاتفك المحمول مشغلا ، كلما اتصلت وجدته مغلقا "

    و أخرجت هاتفي من جيبي فاكتشفت أنه كان مغلقا سهوا .

    " حسنا . لم انتبه له "

    و أيضا صمتت برهة ثم عادت تقول :






    رد مع اقتباس  

  9. #139  
    المشاركات
    3,259
    " و لا تخرج من السيارة . ابق حيث أنت و أنا سآتي إليك "

    عجبا لأمر هذه الفتاة ! قلت :

    " و لم "

    قالت بعصبية :

    " افعل ذلك فقط . مفهوم "


    قلت باستسلام :

    " مفهوم . سيدتي !! "

    لحظتها اجتاحتني رغبة بالضحك ، كتمتها عنوة !

    و توقفت عن الكلام .

    و طوال الوقت ظلت صامتة بشكل لم يرحني . لابد أنها لا تزال غاضبة لأنني تأخرت .

    حينما شارفنا على بلوغ المنزل . راودتني فكرة استحسنها قلبي و استسخفها عقلي . لكنني قبل أن أقع في دوامة التردد طرحت السؤال التالي :


    " هل . هل ترغبين ببعض البوضا "

    طبعا السؤال كان غاية في السخف و الحماقة . لكنني كنت أسيرا للذكريات . ففي تلك الأيام . كنت أغدق العطاء بالبوضا و غيرها على صغيرتي كلما غضبت لإرضائها !

    شعرت بالندم لأنني تفوهت بهذه الجملة الغبية . و كنت على وشك الاعتذار إلا أن رغد قالت بمرح و على غير ما توقعت :

    " نعم . بالتأكيد ! "

    أوقفت السيارة عند محل لبيع البوضا ، قريب من المنزل . و سألتها :

    " أي نوع تفضلين "

    قالت :

    " هل ستتركني وحدي سآتي معك "


    و فتحت الباب هامة بالنزول

    دخلنا المحل ، و كان يحوي عددا من الناس ، ما جعل رغد تسير شبه ملتصقة بي .

    بعد ذلك . انتهى بنا المطاف إلى المنزل ، و لو تركت الساحة لأحلامي لأخذتني مع صغيرتي في نزهة . كما في السابق .

    إلا أنني طردتها بعيدا و عدت بالصغيرة إلى المنزل . و أنا مسرور و مرتاح . فرائحة الماضي أنعشت رئتي .

    ليت الأقدار لم تفرقني عنك يا رغد .

    ليتك تعودين إلي !

    ليتنا نتناول البوضا أو البطاطا المقلية سوية . كل يوم .

    ما أجملها من لحظات .

    و نحن نحمل البوضا اللذيذة برضا و سرور دخلنا إلى داخل المنزل ، ثم إلى غرفة المعيشة . حيث فوجئت بالنار تصهر ما بيدي . و ما بصدري . و ما بجوفي و داخلي .

    هناك كان سامر يجلس مع والدي ّ و دانة .

    حضر على غير توقع و دون سابق إبلاغ .

    حينما رآنا نهض بسرور و جاء يرحب بنا .

    نصيبي من الترحيب كان محدودا . مقابل نصيب الفتاة التي تقف إلى جواري . تحمل البوضا في يد ، و الحقيبة في اليد الأخرى .

    السعادة المؤقتة التي أوهمت نفسي بها تلاشت نهائيا . و أنا أرى سامر يطوقها بذراعيه .

    " اشتقت إليك عروسي ! "

    البوضا وقعت و لوثت الأرض .

    بل قلبي هو من وقع أرضا و لوثت دماؤه الكرة الأرضية بأكملها .

    انثنيت نحو البوضا المنصهرة أود التقاطها .

    " دعها بني ، أنا سأرفعها "

    و أقبلت أمي لتنظف ما تلوث .


    " ملابسك تلوثت وليد "

    " حقا ؟ سأذهب لتغييرها "


    أهي ملابسي من تأذت

    و انصرفت مسرعا . لا يحركني شيء غير الغضب و الغيرة المشتعلة في صدري . و رغبة مجنونة في أن أوسع سامر ضربا . إن بقيت انظر إليه دقيقة أخرى بعد .

    محال أن أبقى في هذا المنزل ليلة أخرى . و الليلة بالذات . سأرحل و بلا عودة .




    ~ ~ ~ ~ ~ ~






    رد مع اقتباس  

  10. #140  
    المشاركات
    3,259
    بدأت أشعر بأن وليد يهتم بي . إلى حد ما . و هو شعور جعلني أحلق في السماء .

    و اليوم ، تأخر عن موعد حضوره للجامعة عصرا ، و بعدما وصل خرجت أنا و بعض زميلاتي كل واحدة في طريقها لسيارتها .

    وليد كان يقف قرب حارس البوابة . و هو شخص غير محترم . نبغضه جميعنا

    رأتني إحدى زميلاتي أنظر ناحية وليد فسألتني :


    " إلى من تنظرين !؟ "

    قلت باستياء :

    " من تظنين ؟ الحارس ؟ طبعا إلى ابن عمّي "

    قالت و هي تنظر إليه :

    " تعنين هذا الرجل "

    " نعم "

    قالت :

    " واو ! كل هذا ابن عمك !؟ حجم عائلي ! "

    و ضحكت هي و فتيات أخريات ضحكات خفيفة !

    و قالت أخرى :

    " ما شاء الله ! مع أنك صغيرة الحجم ! أنت و ثلاث أخريات معك مطلوبات من أجل التوازن ! "

    و ضحكن كلهن !

    قلت بغضب :

    " مهلا فليس هذا هو خطيبي "

    ثم ودعتهن على عجل و سرت نحوه .

    عندما عدنا إلى البيت و نحن نأكل البوضا باستمتاع ، وجدت سامر هناك فدهشت .

    لم يكن قد أبلغنا بأنه قادم ، كما و أنه غير معتاد على الحضور نهاية أسبوعين متتاليين !

    أخبرني في وقت لاحق بأنه اشتاق إلي و يريد أن نتحدث عن الزفاف المرتقب ، و الذي لم يسعه الوقت للحديث حوله في المرة الماضية .

    قضينا أمسية عائلية هادئة لم يشاركنا فيها وليد معللا بآلام معدته المزعجة .

    أظن أن السبب هو التدخين !

    في اليوم التالي ، أيقظتني أمي لتأدية صلاة الفجر .

    عندما رأيتُ عينيها حمراوين متورمتي الجفون ، سألت بقلق :

    " أمي ماذا هناك "


    أمي مسحت براحتها على رأسي و قالت بحزن :


    " رحل وليد "



    جن جنوني .






    رد مع اقتباس  

صفحة 14 من 26 الأولىالأولى ... 4121314151624 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية كنت أحبك حب ماتقراه في أعظم رواية
    بواسطة Bshaer‘am في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Aug-2014, 12:29 AM
  2. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  3. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  4. ديكورات كامله 2013 , ديكورات منزل كامله 2013 , صور ديكورات جميله 2013
    بواسطة ♣ ♣المتفائله♣ ♣ في المنتدى ديكور - فن الديكور المنزلي - اثاث غرف ومطابخ وحدائق
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Sep-2012, 11:37 PM
  5. رواية قليل من الحب كامله من الروايات الرومنسية txt للجوال
    بواسطة بدويه اصيله في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-Oct-2011, 10:39 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •