الملاحظات
صفحة 7 من 26 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 255

الموضوع: رواية انت لي كامله

  1. #61  
    المشاركات
    3,259
    " يكفي لحد الآن ! هل تظنين أننا سنتركه يغادر ثانية ! مستحيل "

    نظرت إلى أمي و سامر ، فإذا بهما يتحاشيان النظر إلي .
    أما دانة فكانت مشغولة بتقطيع الطعام و مضغه .
    و رغد ، حين عدت ببصري إليها وجدتها تبتسم .
    شعرت باستياء كبير لهذه الحقيقة التي فاجؤوني بها .
    لم يبد على رغد أنها تعلم . أنني كنت في السجن !
    هل أخبروها بأنني سافرت لأدرس
    ألم أطلب أنا منهم ذلك ؟
    ألا يزالون محتفظين بالسر

    انزعجت كثيرا لاستنتاج ذلك ، و فقدت شهيتي لتناول المزيد .
    لكنني شربت حصتي من عصير البرتقال كاملة ، لعلمي المسبق بأن رغد هي التي حضرته .
    بعد الغذاء ذهبت مع أهلي في جولة داخل المنزل لأتعرف على أجزائه ، و كان موضوع جهل رغد بأمر سجني يسيطر على تفكيري . و يتعسني .

    و انتهزت أول فرصة سنحت لي فسألت والدي :

    " ألا تعلم رغد بأنني . كنت في السجن "

    والدي تردد قليلا ثم أجاب :

    " لم يكن بإمكاننا إخبارها بشيء كهذا ذلك الوقت . ثم كبرت . و دانة . و لم نجد داعيا لإعلامهما بالحقيقة "

    غضبت كثيرا من هذا التصرف ، فأنا الآن وضعت في وجه المدفع . لا أعرف كيف ستتصرف رغد حين تعلم بالأمر . و لا حتى دانة .

    الاستياء كان واضحا على وجهي ، فقال أبي :

    " هون عليك يا وليد . نتحدث عن ذلك فيما بعد "

    كان الأمر شديد الأهمية بالنسبة لي .
    في المساء ، كنت أشاهد التلفاز مع والدي و والدتي في غرفة المعيشة ، ثم أردت الاتصال بصديقي سيف لأؤكد عليه الحضور
    لم أشأ استخدام الهاتف الذي يقع فوق التلفاز مباشرة لذلك خرجت من غرفة المعيشة و توجهت نحو المطبخ . و هو الأقرب إلى الغرفة
    لقد كان الباب مغلقا ، لذا طرقته أولا .

    فتح الباب قليلا و ظهرت دانة

    " أهلا وليد! أتريد شيئا "

    " أردت استخدام الهاتف "

    ابتسمت دانة و قالت :

    " اذهب إلى غرفة المعيشة أو الضيوف !"

    استغربت ، فقلت :

    " هاتف المطبخ لا يعمل ؟ "

    ابتسمت مجددا و قالت :

    " بلى ! لكن رغد بالداخل ! "

    شيء أثار جنوني . فقبضت يدي بقوة . و قهر
    بعد أن كانت رفيقتي أينما ذهبت ، أصبحت ممنوعا من الدخول إلى حيث توجد هي .
    لن يستمر الوضع هكذا لأنني سأجن حتما .
    لسوف أتحدث مع أبي بهذا الشأن في أقرب فرصة . لا . بل الآن !
    و استدرت قاصدا غرفة الضيوف إلا أنني وقفت فجأة و بذهول . حين رأيت باب المطبخ يتحرك ، و يفتح ، و يخرج سامر منه !
    خرج سامر مبتسما و أغلق الباب ، و بقيت محملقا فيه بذهول .

    سامر نظر إلي و ابتسم و قال :

    " غرفة الضيوف من هنا "






    رد مع اقتباس  

  2. #62  
    المشاركات
    3,259
    أنا بقيت واقفا مصعوقا . و أخيرا تحرك لساني المعقود فقلت :

    " رغد . بالداخل "

    أجاب مبتسما :

    " نعم ! . لم تجلب الحجاب معها "

    جننت ، و لم أعد قادرا على فهم شيء أو تصور شيء !
    ببلاهة و اضطراب و تشتت فكر قلت ، و أنا أشير بإصبعي إلى سامر :

    " لكن . أنت . "

    سامر رفع حاجبيه و فغر فاه بابتسامة استنتاج ، كمن فهم و أدرك لتوه أمرا لم ينتبه له من قبل .

    " آه ! تقصد أنا . نعم . فـ. نحن . "

    و ضحك ضحكة خفيفة ، ثم أتم الجملة التي قضت على آخر آخر ما كان في ّ من بقايا فتات وليد :

    " نحن . مخطوبان ! "






    رد مع اقتباس  

  3. #63  
    المشاركات
    3,259
    الحلقةالثانيةعشرة
    *********








    لقد قضيت اليوم بكامله في المطبخ !
    فبعد وجبة الغذاء العظيمة التي أعددناها صباحا ، الآن نعد وجبة عشاء من أجل وليد و صديقه الذي سيتناول العشاء في منزلنا .
    إنني أشعر بالتعب و أريد أن أنام ! لكن دانة لي بالمرصاد ، و كلما استرخيت قليلا طاردتني بقول :

    " أسرعي يا رغد ! الوقت يداهمنا ! "

    كان سامر يساعدنا و لكنه خرج قبل لحظة ، و الآن أستطيع أن أتحدث عن وليد دون حرج !!

    " أخبريني يا دانة ، ما هو التخصص الذي درسه وليد "

    دانة منهمكة في صف الفطائر في الصينية قبل أن تزج بها داخل الفرن .

    قالت :

    " أعتقد الإدارة و الاقتصاد ! "

    صمت قليلا ثم قلت :

    " و أي غرفة سنعد له ؟ أظنها غرفة الضيوف ! فالبيت صغير . ألا توافقينني ؟ "

    قالت :

    " بلى "

    انتظرت بضع ثوان ثم عدت أسأل :

    " ألا يبدو أنه قد نحل كثيرا ؟ ألم يكن أضخم في السابق ؟ "

    قالت :

    " بلى . كثيرا جدا ! لابد أنه لم يكن يأكل جيدا هناك "

    قلت :

    " أ رأيت كيف التهم البطاطا التي أعددها كلها ؟ لابد أنها أعجبته ! "

    التفتت دانة إلي ببطء و قالت :

    " و كذلك أكل السلطة التي أعددتها ، و الحساء الذي أعدته أمي ، و الدجاج و الرز و العصير و كل شيء ! بربك ! هل تعتقدين أن طبقك المقلي هذا هو طبق مميز ! "

    قلت مستاءة :

    " أنت دائما هكذا ! لا يعجبك شيء أصنعه أنا "

    انصرفت دانة عني لتضع صينية الفطائر داخل الفرن ، و ما أن فرغت حتى بادرتها بالسؤال :

    " ألا يبدو أقرب شبها من أبي ؟ فأنت و سامر تشبهان أمي ! "

    قالت :

    " لا أعرف ! "

    ثم التفتت إلي و قالت :

    " و أنت ِ !؟ من تشبهين "

    صمت قليلا ، ثم قلت :

    " ربما أمي المتوفاة ! "

    لكنها قالت :

    " لا ! تشبهين بل شخصا آخر ! "

    سألت باهتمام :






    رد مع اقتباس  

  4. #64  
    المشاركات
    3,259
    " من "

    ابتسمت بخبث و قالت :

    " الببغاء ! فأنت ثرثارة جدا ! "

    رميت بقطعة من العجين ناحيتها فأصابت أنفها ، فأطلقتُ ضحكة كبيرة !
    أما هي فقد اشتعلت غضبا و أقبلت نحوي متأبطة شرا !
    تركت كرة العجين التي كنت ألتها من يدي و ذهبت أركض مبتعدة و هي تلاحقني حتى اقتربت من الباب و كدت أفتحه

    " انتظري ! وليد بالخارج "

    أوقفت يدي قبل أن تدير المقبض و التفت إليها و قلت :

    " صحيح "

    قالت :

    " نعم فهو من طرق الباب قبل لحظة ، دعيني أستوثق من انصرافه أولا "

    تنحيت جانبا ، منتظرة منها أن تفتح الباب ، فأقبلت نحوي و على حين غرة ، و بشكل مفاجئ ، ألصقت قطعة العجين على أنفي و ضحكت بقوة و ركضت مبتعدة قبل أن أتمكن من الفرار منها !
    أنا فتحت الباب بسرعة لأهرب لكن بعد فوات الأوان !
    و تخيلوا من لمحت في الثانية التي فتحت الباب فيها ثم أغلقته بسرعة
    لقد كان وليد !
    كم شعرت بالإحراج و الخجل و ابتعدت عن الباب في اضطراب
    لا بد أنه رآني هكذا . و قطعة العجين ملتصقة بأنفي ! أوه يا للموقف المخجل !
    نزعت العجين و رميت به نحو دانة و أنا أقول :

    " لماذا تقولي لي أن وليد خلف الباب "

    رفعت دانة حاجبيها و قالت :

    " بلى قلت لك ! "

    " ظننتك تمزحين للإيقاع بي ! لقد رآني هكذا ! "

    دانة ابتسمت ابتسامة صغيرة ، ثم قالت :

    " أنت و وليد مشكلة الآن ! يجب ألا تغادري غرفتك بعد اليوم ! "

    قلت :

    " شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! "

    في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر .

    نظر مباشرة إلي و قال :

    " ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج "

    نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر :

    " نعم سأذهب ! "

    و انطلقت مسرعة نحو غرفتي .

    غير آبهة بنداءات دانة المتكررة !
    بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء
    كم كنت متعبة !
    إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ
    و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة .
    تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر .
    ما الذي سيقوله وليد عني !؟
    فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين !
    إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها !
    شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة . لابد أن وجهي توهج الآن . لم لا ألقي نظرة !
    قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة . و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيلا على وجهي هذا !
    أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة !
    نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة !
    الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة .
    إنها ساعة وليد .
    نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء
    الآن الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد .
    لابد أنه سيفاجأ حين يراها . و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية !
    قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج
    دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه !






    رد مع اقتباس  

  5. #65  
    المشاركات
    3,259
    لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي .
    حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره .
    وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه . حزين
    طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه
    فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي .
    و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة .
    بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه !
    و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض
    حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي . فرجعت خطوة للوراء . و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى !
    أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة :

    " كنت . أعني . لدي شيء أود إعطائك إياه . "

    وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة . ربما أزعجه أن أحضر بمفردي . أو ربما . ربما .

    لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي
    لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري .
    لا أظن أن وليد رآها و لكن .
    حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف
    ارتعدت أطرافي و جفلت !
    وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها .

    نطق لساني بفزع و اضطراب :

    " أنا . لم . كنت . سأعيدها إليك ! "

    وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي .

    في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر . رأيت قطرات الدموع تتجمع . ثم تفيض . ثم تنسكب . ثم تشق طريقها على الخد العابس . ثم تنتهي عند الفك المنقبض .

    لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها .

    أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة . حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي . فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة
    يمد يده إلي و يقول :

    " تعالي يا رغد "

    " وليد . "






    رد مع اقتباس  

  6. #66  
    المشاركات
    3,259
    نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني .

    بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة :

    " انصرفي "

    أنا انتفضت بذعر . و ارتجفت جميع أطرافي . فتحركت خطوة للوراء . ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني . و بأوسع خطى . و ذهبت إلى غرفتي . فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري .

    كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة . و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش . فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها .

    بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني
    أصبحت مرعبة !
    ألم أكن جميلة قبل قليل
    لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك .
    هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فبدوت كطفلة غبية
    أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها
    أم ماذا

    و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته .
    الساعة !
    لقد حطّمها !
    لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه . لماذا فعل ذلك لماذا

    شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني
    بكيت من الذعر و الخوف . و الحيرة و الدهشة .
    لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي .
    لم يعد هذا وليد !
    وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول :

    " انصرفي "

    كان دائما يبتسم و يقول :

    " تعالي يا رغد !! "




    ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





    رميت بجسدي المثقل بالهموم على أقرب مقعد للباب و أطلقت العنان لشلالات الدموع لأن تعبر عن قسوتها بالقدر الذي تشاء

    لم يكن أمامي شيء يرى . أو يسمع أو يثير أي اهتمام
    لا شيء يستحق أن أعيش لأجله . بعدما فقدت أهم شيء عشت على أمل العودة إليه حتى هذه اللحظة
    رفعت رأسي إلى السقف و أردت لأنظاري أن تخترقه و تنطلق نحو السماء .

    يا رب .

    لقد كانت لدي أحلامي و طموحي منذ الصغر .
    و أمور ثلاثة كانت تشغل تفكيري أكثر من أي شيء آخر .
    الحرب ، و ها قد قامت و تدمر ما تدمر ، و لم يعد يجدي القلق بشأن قيامها
    الدراسة ، و ها قد انتهت و ضاعت . و قضيت أهم سنوات عمري في السجن بدلا من الجامعة . و انتهى كل شيء و لم يعد يقلقني التفكير فيه .
    و رغد .
    رغد
    أول و آخر و أهم أحلامي .
    رغد الحبيبة . مدللتي التي رعيتها منذ الصغر .
    و راقبتها و هي تنمو و تكبر .
    يوما بعد يوم .
    و قتلت عمار انتقاما لها .
    و قضيت أسوأ و أفظع سنوات حياتي حتى الآن . في السجن
    منفيا مبعدا مهجورا معزولا عن الأهل و الدنيا و الحياة . و نور الشمس .
    و ذقت الأمرين . و سهرت الليالي و أنا أتأمل صورتها و أعيش على الأمل الأخير لي . بالعودة إليها و لو بعد سنين .
    أعود فأراها مخطوبة لغيري !
    و من
    لشقيقي
    يا رب
    رحمتك بي
    فانا لست حملا لكل هذا
    و لم يعد بي ذرة من القوة و الاحتمال .

    كنت أبكي بحرقة و لا أشعر بشيء من حولي ، حتى أحسست بيد تمسك برأسي و تأخذني إلى حضن لطالما حننت إليه .

    " ولدي يا عزيزي ما بك ؟ لماذا تبكي يا مهجة فؤادي ؟"

    و أجهشت أمي بكاءا و هي تراني أبكي بحرارة






    رد مع اقتباس  

  7. #67  
    المشاركات
    3,259
    حاولت أن أتوقف لكنني لم استطع .
    لقد تلقيت صدمة لا يمكن لقلب بشر أن يتحملها .
    رغد !؟
    رغد صغيرتي أنا . أصبحت زوجة لأخي
    إن الأرض تهتز من حولي و جسدي يشتعل نارا و تكاد دموعي تتبخر من شدة الحرارة .

    لم أجد في جسدي أي قوة حتى لرفع ذراعي و تطويق أمي . بكيت في حضنها كطفل ضعيف هزيل جريح . لا يملك من الأمر شيئا .

    بعد فترة من الزمن لا أستطيع تحديدها ، حضر والدي و حالما رآنا أنا و أمي على هذا الوضع قال :

    " يكفي يا أم وليد . دعي ابننا يلتقط أنفاسه أما اكتفيت "

    والدتي أخذت تحدق بي بين طوفان الدموع .
    قلت بلا حول و لا قوة و بصوت أقرب إلى النحيب منه إلى الكلام :

    " أنا متعب . متعب جدا . لقد انتهيت . انتهيت . "

    و بعد حصة البكاء هذه صعدا بي إلى غرفة سامر ، و جعلاني أضطجع على السرير و هما يقولان :

    " ارتح يا بني . نم لبعض الوقت "

    ثم غادرا .

    و أنا مضطجع على الفراش و وجهي ملتف ٌ نحو اليمين . و دموعي لا تزال تنهمر و تغرق الوسادة ، وقع ناظري على الهاتف .
    مددت يدي و أخذته و استرجعت بصعوبة رقم هاتف الشقة التي يقيم سيف بها و اتصلت به

    " يجب أن تحضر الليلة "







    بعدها . جاء سامر يخبرني بأن سيف قد حضر .
    كان سامر يبتسم ، و إن بدت من نظراته علامات القلق . خصوصا و هو يرى الوجوم الغريب على وجهي الذي كان مشرقا طوال النهار
    ذهبت معه إلى حيث كان سيف و والدي يجلسان و يتبادلان الأحاديث .
    لابد أن الجميع قد لاحظ شرودي . و عدم إقبالي على الطعام ، على عكس وجبة الغذاء التي التهمت حصتي منها كاملة تقريبا

    " ما بك لا تأكل يا وليد ؟ كُلْ حتى تسترد الأرطال التي فقدتها من جسمك ! "

    أجبت ببرود و بلادة :






    رد مع اقتباس  

  8. #68  
    المشاركات
    3,259
    " اكتفيت "

    و بعد العشاء جلسنا في غرفة الضيوف نشرب الشاي ، و كانوا هم الثلاثة ، أبي و سامر و سيف ، في قمة السعادة و يتبادلون الأحاديث و الضحك .
    أما تفكيري أن فكان متوقفا و جامدا عند اللحظة التي قال فيها آخي :

    ( نحن مخطوبان )

    بعد ساعة ، استأذن سيف للانصراف و أخذ يصافح الجميع و حين أقبل نحوي قلت :

    " سأذهب معك "

    أبي و سامر تبادلا النظرات ثم حدقا بي ، كما يفعل سيف . و قالا سوية و باستغراب :

    " ماذا "

    و أنا لا أزال ممسكا بيد سيف و ناظرا إليه أجبت :

    " إذ لا سرير لي هنا . "

    و توقفت قليلا ثم تابعت :

    " و لا أريد ترك صديقي وحيدا "

    كان سيف يعتزم السفر بعد يوم آخر ، لينال قسطا أوفر من الراحة بعد مشقة الرحلة الطويلة التي قطعناها .
    و انتهى الأمر بأن خرجت معه دون أن أودع غير والدي ، و سامر .

    في السيارة بعد ذلك ، فتحت الخزانة الأمامية و استخرجت علبة السجائر التي كنت قد دسستها بداخلها أثناء تجوالنا
    و فتحت النافذة ، ثم أشعلت السيجارة و التفت إلى سيف و قلت :

    " أتسمح بأن أدخن "

    صديقي سيف لم يكن من المدخنين ، أومأ برأسه إيجابا و فتح نافذته ، و انطلق بالسيارة .

    بقيت صامتا شاردا طوال المشوار ، و لم يحاول سيف خلخلة صمتي بأي كلام
    بعد فترة ، و نحن نقف عند الإشارة الأخيرة قبل المبنى حيث نسكن ، و فيما أنا في شرودي و دهليز أفكاري اللانهائي ، قال سيف :

    " متى بدأت تدخن "

    لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام .

    " السجن يعلّم الكثير . "

    قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق .
    تذكرت لحظتها تلك الأيام .
    و أولئك الزملاء في السجن .
    لماذا أشعر بهم الآن حولي
    كأني أشم راحة الزنزانة !
    ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !
    و هل يمكن أن أنساها ؟
    و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط .
    ليتهم .
    ليتهم قتلوني معك يا نديم .
    ليتنا تبادلنا الأرواح .
    فمت ُّ أنا
    و بقيت أنت . و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك .
    أنا . لا أهل لي و لا بد .
    و لا أحباب .

    لمحت الإشارة تضيء اللون الأخضر و أنا أسحق سيجارتي في ( المطفئة)
    ثم انطلق وليد بالسيارة .
    أنوار كثيرة كانت تسبح في الظلام .
    مصابيح السيارات القادمة على الطريق المعاكس
    مصابيح المنازل
    مصابيح الشارع .
    لافتات المحلات الضوئية
    نور على نور على نور .
    كم هو أمر مزعج . لم أعد أرغب في رؤية شيء .
    أتمنى ألا تشرق الشمس يوم الغد .
    أتمنى ألا يعود الغد .
    أتمنى . ألا أذكر رغد .

    كانت المرة الثانية في حياتي ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تخلق .

    عندما دخلنا الشقة، و هي مكونة من غرفة نوم و صالة صغيرة و زاوية مطبخ و حمام واحد . أسرعت الخطى نحو غرفة النوم و دون أن أنير المصباح دخلت و ألقيت بجسدي المخدر أثر صدمة النبأ على أحد السريرين .

    ثوان ، و إذا بسيف يقبل و يشعل المصباح

    " كلا أرجو أطفئه "






    رد مع اقتباس  

  9. #69  
    المشاركات
    3,259
    قلت ذلك و أنا أرفع يدي ثم أضعها فوق عيني المغمضتين لأحجب عنهما النور .
    سيف بادر بإطفاء المصباح و بقي واقفا برهة . ثم أقلق الباب و أحسست به يتقدم . ثم يجلس فوق السرير الآخر و الموازي لسريري .

    ساد السكون لبعض الوقت ، إلا من ضوضاء تعشش في رأسي بسبب الأفكار التي تتعارك في داخله .

    " ماذا حدث "

    سألني سيف بصوت هادئ منخفض .
    لم أجبه . و مرت دقائق أخرى فاعتقدت أنه حسبني قد دخلت عالم النيام . لكنه عاد يقول :

    " أخبرني . ، إنك لست على ما يرام "

    بعد ذلك أحسست بحركته على السرير المجاور و بصوته يقترب أكثر .

    " وليد "

    الآن فتحت عيني قليلا و لدهشتي رأيه يقف عند رأسي و يحدق بي .
    الظلام كان يطلي الغرفة بسواد تام ، إلا عن إضاءة بسيطة تتسلل بعناد من تحت الباب
    و يبدو إنها كانت كافيه لتعكس بريق الدموع التي أردت مواراتها في السواد .
    لحظة من لحظات الضعف الشديد و الانهيار التام توازي لحظة تراقُص الحزام في الهواء . ثم سكونه النهائي على الرمال . إلى حيث لا مجال للعودة أو التراجع . فقد قضي الأمر .

    جلست ، ليست قوتي الجسدية هي التي ساعدتني على النهوض ، و لا رغبتي الميتة في الحراك ، بل الدموع التي تخللت تجويف أنفي و ورّمت باطنه و سدت المعبر أمام أنفاسي البليدة البطيئة . و كان لابد من إزاحتها .

    تناولت منديلا من العلبة الموضوعة فوق المنضدة الفاصلة بين السريرين و جعلت أعصف ما في جوفي و صدري و كياني . خارجا

    إلى الخارج .
    يا دموعي و آلامي
    يا أحزاني و ذكرياتي الماضي
    إلى الخارج يا حبي و مهجة قلبي
    إلى الخارج يا بقايا الأمل
    إلى الخارج يا روحي .
    و كل ما يختزن جسمي من ذرات الحياة
    و إلى الخارج .
    يا اعترافات لم أكن أتوقع أنني سأبوح بها ذات يوم . لأي إنسان .

    " هل واجهت مشكلة مع أهلك . بالأمس كنت . كنت َ . "

    و صمت .

    فتابعت أنا مباشرة :

    " كنت ُ أملك الأمل الأخير . و قد ضاع و انتهى كل شيء .
    إنني لم أعد أرغب في العودة إليهم ! سأرحل معك يا سيف "

    قلت ذلك و كانت فكرة وليدة اللحظة ، ألا أنها كبرت فجأة في رأسي و احتلت عقلي برمته ، ففتحت عيني و حملقت في الفراغ الذي خلقت منه هذه الفكرة ثم استدرت نحو سيف و قلت :

    " أنا عائد معك إلى مدينتنا ! "

    طبعا سيف تفاجأ و لم يكن الظلام ليسمح لي برؤية ظاهر ردود فعله أو سبر غورها

    سمعته يقول :

    " ماذا ؟ ! "

    قلت مؤكدا :

    " نعم ! سأذهب معك . فلم يعد لي مكان أو داع هنا "

    سيف صمت ، و لم يعلق بادئ الأمر ، ثم قال :

    " أما حدث . كان سيئا لهذا الحد "

    و كأن جملته كان شرارة فجرّت برميل الوقود .
    ثرت بجنون ، قفزت من سريري مندفعا هائجا صارخا :

    " سيئ ٌ فقط بل أسوأ ما يمكن أن يحدث على الإطلاق . إنها خيانة ! إنهما خائنان . خائنان . خائنان "

    مشيت بتوتر و عصبية أتخبط في طريقي . أبحث عن أي شيء أفرغ فيه غضبي بلكمة قوية من يدي لكنني لم أجد غير الجدار .

    و هل يشعر الجدار






    رد مع اقتباس  

  10. #70  
    المشاركات
    3,259
    آلام شديدة شعرت أنا بها في قبضة يدي أثر اللكمة المجنونة نحو الجدار ، و استدرت بانفعال نحو سيف الذي ظل جالسا على السرير يراقبني بصمت .

    " لقد سرقوا رغد مني ! "

    لأن شيئا لم يتحرك في سيف استنتجت أنه لم يفهم ما عنيته . قلت :

    " أعود بعد ثمان سنوات من العذاب و الألم . و الذل و الهوان الذي عشته في السجن بسبب قتلي لذلك الحقير الذي أذاها . ثمان سنوات من الجحيم . و المرارة . و الشوق . فقدت فيها كل شيء سوى أملى بالعودة إليها هي . أعود فأجدها . "

    و سكت .
    لأنني لم أقو على النطق بالكلمة التالية .
    و درت حول نفسي بجنون ، ثم تابعت ، و قد خرجت الكلمة من فمي ممزوجة بالآهة و الصرخة و الحسرة :

    " أجدها مخطوبة "

    هنا وقف سيف .
    إلا أنني لم أكن قد انتهيت من إفراغ ما لدي

    قلت بصوت صارخ جاد مزمجر :

    " و لمن لأخي أخي "

    حتى لو كانت الغرفة منارة لم أكن لأستطيع رؤية شيء وسط انفعالي الشديد ساعتها .
    لذا لا أعرف كيف كانت تعابير وجه سيف .
    و لكن بإمكاني رؤية خياله واقفا هناك .
    اندفعت كلماتي مقترنة بدموعي و زفيري القوي و صوتي الأجش المجلل . و أنا أقول :

    " لو كان . لو كان شخصا آخر . أي شخص . لكنت قتلته و محوته من الوجود . لكنه أخي . أخي يا سيف . أخي .
    كيف تجرأ على سرقتها مني
    كيف فعلوا هذا بي
    أهذا ما أستحقه
    ليتني لم أخرج من السجن
    ليتني مت هناك
    ليتني أفقد الذاكرة و أنسى أنني عرفتها يوما
    الخائنة .
    الخائنة .
    الخائنة . "

    و انتهيت جاثيا على الأرض في بكاء شديد كالأطفال .

    " لقد أطعمتك ِ بيدي . كيف تفعلين هذا بي يا رغد أنا قتلته انتقاما لك ِ أنت ِ .
    أيتها الخائنة . أكان هذا حلمك .؟
    اذهبي بأحلامك إلى الجحيم . "

    و أدخلت يدي إلى جيبي ، و أخرجت منه الصورتين اللتين رافقتاني و لازمتاني لثمان سنين ، لستين دقيقة من كل ساعة من كل يوم .
    أخرجتهما و أخرجت معهما القصاصة التي وجدتها تحت باب غرفتي .
    لم أكن أرى أيا مما أخرجت ، و لكن يدي تحس . و تدري أيها صورة رغد . فلطالما أمسكت بالصورة و احتضنتها في يدي لساعات و ساعات .
    الدموع بللت الصورتين و كذلك الورقة .

    " أيتها الخائنة . اذهبي و أحلامك إلى الجحيم . "

    و قبل أن أتردد أو أدع لعقلي المفقود لحظة للتفكير .
    مزقت الورقة . إربا إربا .
    و رميت بها في الهواء .
    و مزقت صورة رغد . قطعة قطعة . و بعثرتها في الفراغ . إلى حيث تبعثرت آخر آمالي و أحلامي .
    و انتهت آخر لحظات حبي الحالم .
    و تلاشت آخر ذرات غبار الماضي .
    و لم يبق لي .
    غير حطام قلب ٍ منفطر .






    رد مع اقتباس  

صفحة 7 من 26 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية كنت أحبك حب ماتقراه في أعظم رواية
    بواسطة Bshaer‘am في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Aug-2014, 12:29 AM
  2. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  3. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  4. ديكورات كامله 2013 , ديكورات منزل كامله 2013 , صور ديكورات جميله 2013
    بواسطة ♣ ♣المتفائله♣ ♣ في المنتدى ديكور - فن الديكور المنزلي - اثاث غرف ومطابخ وحدائق
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Sep-2012, 11:37 PM
  5. رواية قليل من الحب كامله من الروايات الرومنسية txt للجوال
    بواسطة بدويه اصيله في المنتدى روايات - قصص - حكايات
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-Oct-2011, 10:39 PM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •