كنت متوجها إلى باب المنزل الداخلي و الذي أراه أمامي مفتوحا. تخرج منه ألسنة النار و أنا أناديها بفزع و رهبة مما قد تكون الجدران تخبئه خلفها و الأقدار تخفيه على بعد خطوات
يا رب لا تفجعني بصغيرتي و احرقني أنا قبل أن تلمس النيران شعرة منها.
يا رب إن كنت اخترتها فأنزل قنبلة فوق رأسي تفجّرني هذه اللحظة قبل أن أدخل و أراها ميتة
" رغد رغد "
صرخت و صرخت و صرخت صراخا شعرت به أقوى و أفظع من دوي القنابل المتفجرة من حولي و أنا أركض بلا وعي نحو النيران
نحو النهاية
نحو الجحيم
نحو الموت
نحو رغد
وصلت إلى الباب و استقبلني لهيب النار الحار يلفح وجهي المذعور المفزوع .كنت على وشك اقتحام الحريق، و فجأة حتى سمعت صوتا يناديني
من عالم الأحياء
" وليــــــــــــــد "
التفت يمنة و يسرة أبحث عن مصدر الصوت كالمجنون أدور حول نفسي و أصرخ بقوة:
" رغد. رغد "
و عند زاوية في طرف الحديقة، رأيت رغد و عائلة خالتها جميعا مكومين قرب بعضهم البعض متشابكي الأيدي ينتظرون المصير المجهول
مع الإضاءة التي أحدثها انفجار قنبلة خارج المنزل، استطعت أن أرى رغد جيدا و هي تقف هناك ثم تأتي راكضة مسرعة نحوي
" رغد أنت ِ بخير حقا بخير الحمد لله الحمد لله "
" وليد أنتما حيان "
و التفت للخلف فرأيت شقيقتي تصرخ:
" رغد "
و تتحرر رغد من بين ذراعي و ترتمي في حضن دانة و هي تهتف باكية:
" أنتما حيان أنتما حيّان "
جذبت الاثنتين و ضممتهما إلى صدري لا أعرف من منا نحن الثلاثة كان أكثر فزعا من الآخرين
انفجار آخر دوي الأجواء، فانبطحنا أرضا و جعلت الأرض تهز أجسادنا كما تهز أفئدتنا المذعورة
و أخذ الجميع يتصايح و يصرخ و امتزجت الأصوات و الهزات و الاصطدامات
توقفت النوبة برهة، وقفنا و أنا ممسك بكلا الفتاتين و حثثتهما على السير بسرعة نحو المخرج.
صوت حسام يصرخ:
" إلى أين "
قلت:
" سنغادر المدينة بسرعة "
قال:
" الزم مكانك يا مجنون ! ستقتل "
قلت للفتاتين:
" هيا بنا "
صراخ حسام و عائلته:
" ابقوا مكانكم القصف لم ينته "
لكني مضيت في طريقي
حسام يصرخ:
" رغد عودي إلى هنا عودي يا رغد"
رغد تتشبث بي أكثر، و أنا أتمسك بيدها بقوة و أمضي بها و بدانة إلى السيارة
بابا السيارة الأماميين كانا مفتوحين، جعلت ُ رغد تدخل بسرعة إلى المقدمة ، و أنا أفتح الباب لدانة و أدخلها سريعا، ثم أقفز نحو باب المقود، فأجلس و أطير بالسيارة حتى قبل أن أغلق الباب
لم تكن باللحظة التي يستطيع فيها دماغ أي بشر، غبي أو عبقري، أن يفكر
انطلقت بالسرعة القصوى للسيارة أجتاز كل ما أعبر به، محاولا تحاشي الاصطدام بما يصادفني قدر الإمكان